رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب
_ حنين ! _
تستوي “فريال” جالسة علي سريرها و هي تنظر لإبنها بقلق ..
بينما يقف “عثمان” و يسأل الخادمة بعدم تصديق :
-إسمه فادي متأكدة ؟!
الخادمة بتأكيد :
-أيوه حضرتك إسمه فادي حفظي بيقول إنه أخو سمر هانم !
رفع “عثمان” حاجباه بدهشة ، ثم نظر إلي أمه ليجد التوتر و الخوف يسطران قسمات وجهها ، و قرأ في عيناها ما لم تكن تستطيع أن تقوله بلسانها ..
إبتسم لها “عثمان” و أمسك بيدها و شد عليها مطمئـِا و هو يقول :
-أنا هنزل أقابله . ماتقلقيش يا ماما .. أنا في بيتي.
و فك أصابعها المطبقة علي كفه بلطف ، ثم نزل ليقابل “فادي” ..
وقف ينتظره عند مدخل البهو … دقيقة و أتاه “فادي” بمظهره الغاضب ، حيث عمد أن يبين له أنه جاء إلي هنا مرة أخري و لكن علي مضض شديد
-أهلا يا فادي ! .. قالها “عثمان” بصوت ثابت النبرات ، و تابع :
-خطوة عزيزة.
إبتسم “فادي” بإستخفاف و قال بتهكم :
-الله يعز مقدارك يا باشا . متشكر . بس أنا مش جاي أضايف أنا جاي أخد أختي.
عثمان بنفس الثبات :
-أختك مين بالظبط ؟ سمر و لا ملك ؟؟
فادي بصرامة :
-أنا ماعنديش غير أخت واحدة دلوقتي يا عثمان بيه . ملك . أنا جاي أخد ملك.
عثمان بإبتسامة ساخرة :
-أهو دلوقتي يا فادي مابقاش عندك أخوات خالص . لا سمر و لا ملك.
فادي بحدة :
-يعني إيه ؟ إنت فاكر إنك تقدر تمنعني عن أختي الصغيرة ؟ أنا هاخدها غصب عنك إنت ماتقدرش تمنعني.
عثمان بهدوء مستفز :
-يا فادي إفهم . بقولك ماعادش في سمر و لا ملك . البيت قدامك أهو . لو لاقيت إللي بدور عليه خده.
صمت “فادي” قليلا يستوعب كلماته … إستتتج في بادئ الأمر الإستهزاء و التحد الواضح بنبرة صوته ، فعاد و قال بحدة أكبر :
-أنا غيبت طول الفترة إللي فاتت و إشتغلت بإبدي و سناني منغير يوم واحد أجازة عشان أوفر بيت و مصاريف تكفي أختي مش همشي من هنا إلا بيها . أنا مش جاي أهزر المرة دي.
عثمان بجدية ممزوجة بالبرود :
-و لا أنا و الله بهزر . و زي ما بقولك سمر و ملك بقالهم فوق الـ6 شهور برا بيتي . ماعرفش عنهم حاجة.
ضم “فادي” حاجباه و قال بصدمة :
-بقالهم 6 شهور ! إخوآااتي !!! .. ثم إنقض علي “عثمان” و أمسك بتلابيبه صارخا بوحشية :
-وديتهم فيــــــــــــن ؟ يابن الـ××× . هقتلك . عملت فيهم إيـــــــــــــه ؟؟؟
ضحك “عثمان” بسخرية و هدئه قائلا :
-إهدا بس . إخواتك ؟ مش لسا قايل إن مابقاش عندك غير أخت واحدة ؟!
زمجر “فادي” بشراسة و هو يجتذبه من ثيابه بعنف :
-أقسم بالله لو ما نطقت و قولتلي هما فين هطلع روحك في إيدي.
تنهد “عثمان” و أزال يداه عنه بحزم و هو يقول بجدية تامة :
-فادي . سمر أخدت ملك و هربت مني . بقالها 6 شهور مختفية . صدقني أنا ماعرفش عنها حاجة و كل يوم بدور عليها . بس مالهاش آثر.
بـُهت “فادي” لسماع هذا ، و إبتلع ريقه بصعوبة ..
-يعني إيه ؟ .. تمتم بجزع ، و أكمل :
-الإتنين راحوا مني ؟ .. إخواتي ضاعوا . بقيت لوخدي خالص ؟؟؟!!!
وضع “عثمان” يده علي كتفه و طمئنه بثقة :
-إطمن يا فادي . سمر ماخرجتش من إسكندرية . لسا هنا
إوعدك هوصلها في أقرب وقت . و هترجعلك تاني هي و ملك.
رمقه “فادي” بنظرة منفرة ، و نفض يده التي كانت علي كتفه و قال بحقد شديد :
-إنت السبب . إنت إللي عملت فينا كل ده . كنا عايشين كويس و ببساطة . دمرت حياتنا .. ثم غدت نبرته خشنة مستعرة الآن :
-أنا دلوقتي ماعنديش حاجة أخسرها . لو إخواتي مارجعوش مش هاسيبك تتهني بحياتك ثانية واحدة . و لو كنت وسط ألف راجل بيحميك . هقتــلك !
ثم إستدار مغادرا …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
في مكان أخر … تحديدا داخل بيت متواضع بحي “العجمي” الشهير
تنهتي “نجلاء” من إعداد وجبة طعام هذه الطفلة الواقفة عند قدميها ، تتمك ببنطالها المنزلي بكلتا قبضتيها الصغيرتان
تهدل الصغيرة بصوت لذيذ للغاية :
-نلأ ( نجلاء ) مـم ( أكل ) !
تضحك “نجلاء” بمرح شديد و ترد عليها :
-عيون نجلاء يا قلبي . خلاص المم خلص يا روحي
تعالي نروح ناكله عند أختك بقي.
و إنحنت و حملتها ، ثم توجهت للخارج حيث تجلس ضيفتها بالصالة أمام التلفاز و لكن كعادتها شاردة في عالم أخر ..
-سـمـر ! .. هتفت “نجلاء” بوساطة و هي تجلس في كرسي محاذي لـ”سمر” ثم تأخذ “ملك” في حجرها
بينما أفاقت “سمر” من شرودها ..
-في حاجة يا نجلاء ؟ .. قالتها بتساؤل
تنهدت “نجلاء” و قالت بحزن :
-يابنتي إنتي كل شوية تسرحي كده ؟ الهموم إللي إنتي شايلاها دي مش كويسة عليكي و لا علي ده ! .. و أومأت بذقنها نحو بطنها الممتلئ
سمر بإبتسامة مريرة و هي تضع يده علي بطنها ذات التسعة أشهر :
-طيب قولي الهموم مش كويسة عليا أنا . لكن ده من الأول خالص و هو قافش في الدنيا . أكتر من مرة إتعرض للموت و فضل سليم . زي ما يكون بيعاند . عايز يعيش .. عايز يعيش عشان يكمل عذابي بعد أبوه.
رمقتها “نجلاء” بتأثر و قالت :
-يا سمر هو في الأول و الأخر إبنك . حتي لو كان أبوه مين . مش مصدقة إنه ممكن يهون عليكي !
صمت قصير .. و إعترفت “سمر” بآسي :
-ما هو للآسف ماهانش عليا . رغم إن كانت قدامي فرصة أخلص منه بعد ما هربت من أبوه علطول . بس في حاجة قوية جوايا . زي صوت عالي منعني و قالي لأ .. ثم أكملت بتردد :
-مقدرتش . كنت خايفة عليه زي خوفي علي ملك .. فضلت أفكر أعمل إيه و أروح فين ؟ قلت مستحيل أرجعله . و بعد ما أخويا رماني مابقاش ليا مكان أروحله . مش عارفة إزاي خطرتي علي بالي يا نجلاء ! و فعلا محدش ممكن يفكر إني هنا عندك.
نجلاء بإبتسامة :
-طيب إنتي عارفة إن دي أحسن حاجة عملتيها في كل ده يا سمر ؟ إنتي و لوكا جيتوا مليتوا عليا البيت بعد ما كان فاضي عليا.
سمر بحرج :
-ملينا عليكي البيت إيه بس ؟ أنا حاسة إننا تقلنا عليكي و الله 6 شهور كتير أووي.
تلاشت إبتسامة “نجلاء” و عاتبتها :
-أخس عليكي . و الله لو قولتي كده تاني هزعل منك
ده أنا نفسي تقعدي معايا إنتي لوكا علطول.
سمر بضحك :
-علطول ! لأ يا حبيبتي إطمني مش هنطول عليكي أوي
البيه الصغير يشرف بس و هاخده هو و الأبلة دي و نشوفلنا مكان نقعد فيه و بالمرة أدور علي شغل.
نجلاء بإستنكار :
-إيه يابنتي إللي بتقوليه ده ؟ إنتي فاكراني ممكن أسمحلك بكده ؟ مش هتمشي يا سمر طول ما أنا عارفة إن مالكيش مكان تروحيله.
سمر بإبتسامة :
-ماتقلقيش عليا يا نجلاء . أنا هعرف أتصرف.
نجلاء بإصرار :
-مش هتمشي يا سمر . إلا إذا كنتي عايزة ترجعي لبيت جوزك مش هعارضك !
و هنا تحولت “سمر” تماما و صاحت بحدة :
-أرجعله ؟ مستحيل أرجعله . أنا لو بموت مش هرجعله.
نجلاء بحيرة :
-ليه بس يابنتي ؟ إنتي مش بتحبيه ؟ طيب بلاش الحب . حتي عشان إبنك إللي مالوش ذنب في حاجة ده.
سمر بصرامة :
-مش هرجعله يا نجلاء . كفاية ذل كفاية مهانة بقي . أنا كده مرتاحة .. طول ما انا بعيدة عنه مرتاحة !
تآففت “نجلاء” بسأم و قالت :
-مرتاحة إيه بس يا شيخة إنتي هتعمليهم عليا ؟ ما أنا بسمعك كل يوم و إنتي بتحلمي بيه.
جحظت عينا “سمر” بصدمة ، و أحمـّرت وجنتاها بشدة و تسألها بعدم تصديق :
-أنا بتكلم و أنا و نايمة ؟؟؟
نجلاء بإبتسامة خبيثة :
-أيوه ياختي . طول الليل مابسمعش غير نغمة واحدة بس
عثمان عثمان عثمان.
عضت “سمر” علي شفتها السفلي بقوة ، و قالت بغضب :
-لأ . لأ أكيد دي بتبقي كوابيس !
نجلاء بمكر :
-كوابيس إيه دي إللي بتنادي عليه فيها بالحرارة دي يا سمر ؟ إعترفي إنه وحشك و إنك بتحبيه.
سمر بغيظ شديد :
-لأ لأ لأ . مش بحبه
أنا بكرهه سامعة !
ثم تحاملت علي نفسها و قامت بصعوبة لتذهب إلي الغرفة و تنال قسطا من الراحة
بينما نظرت “نجلاء” إلي “ملك” و سألتها و هي تطعهما أخر ملعقة بالصحن :
-هنعمل إيه دلوقتي بقي يا ست لوكا ؟ هه ؟ قوليلي !
غمغمت “ملك” بكلمات غير مفهومة ، لتوافقها “نجلاء” قائلة :
-تصدقي صح . هو مافيش غير كده . قشطة علي أفكارك يا لووووكآاا.
و راحت تدغدغها و تشاركها المرح و الضحك …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
صباح اليوم التالي … يقرر “عثمان” المرور اليوم علي مؤسسته الخاصة المنفصلة عن بقية مجموعات عائلته
يصل إلي مقر ( البحيري للتسويق و التجارة ) في تمام التاسعة ، يلقي تحية الصباح بفتور علي سكرتيرته ، ثم يلج إلي مكتبه
يتنهد بثقل و هو يفكر .. مر يوم أخر دون أن يسمع عنها خبر ، إلي متي ؟ لقد أوشك موعد الولادة
هل ممكن ألا يري طفله ؟؟؟
-روحتي فين بس يا سمر ؟! .. تمتم “عثمان” لنفسه بيأس ، ثم مضي بإستسلام لمباشرة عمله
يدق باب مكتبه بعد قليل ، لتقف السكرتيرة مكانها بتردد ..
يتطلع إليها “عثمان” و يقول بإستغراب :
-نجلاء ! في حاجة و لا إيه ؟
نجلاء بشئ من التوتر :
-حـ حضرتك فاضي دقيقتين ؟!
-دقيقتين ؟ فاضي يا نجلاء . تعالي.
دخلت “نجلاء” و هي تحمحم بتوتر أشد .. وقفت أمامه ، فرفع حاجبه في إنتظار ما ستقوله ..
نجلاء بإرتباك :
-مبدئيا كده حضرتك لازم تعرف إني عملت كل ده بقصد الخير مش الشر.
عثمان بعدم فهم :
-بتقولي إيه يا نجلاء ؟ وضحي كلامك من فضلك أنا مش فاهم حاجة !
قطبت “نجلاء” حاجباها و قالت برجاء :
-هقولك يافندم . بس بليز لازم توعدني إنك مش هترفدني.
عثمان بدهشة :
-أرفدك ليه يا نجلاء ؟ إنتي عملتي إيه بالظبط ؟ في مصيبة حصلت في الشغل ؟؟؟
نجلاء بإسراع :
-لأ حضرتك الشغل كله تمام.
عثمان بنفاذ صبر :
-أومال في إيه إنطقي بقي . أنا مش فاضيلك.
-حاضر . حاضر يافندم .. ثم صمتت للحظات لتستجمع شجاعتها ، و صاحت فجأة :
-سمر عندي يا Boss !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°
في منزل “نجلاء” …
تستيقظ “سمر” من نومها العميق ، عندما شعرت بهذا الآلم الحاد يكاد يمزق أسفل معدتها .. تآوهت بصوت مخنوق و هي تمسك ببطنها
لحسن الحظ كانت “ملك” نائمة ، فالألم يزداد و هي لن تستطع أبدا الإهتمام بها الآن ..
نهضت “سمر” بعد عناء شديد من السرير ، توجهت نحو الهاتف و رفعت السماعة
ضربت رقم “زينب” بأصابع مرتعشة و هي تحارب دوار و صراخ قوي حبسته في صدرها ، ثوان و جاء صوت الطرف الآخر ..
-السلام عليكم !
سمر بصوت متقطع بالكاد مسموع :
-مـ . مـ ـا مـ ـا ز يـ ـ ـنـ ـب.
زينب بذعر :
-سمر ! إيه يا حبيبتي مالك ؟ الطلق جه و لا إيه ؟؟؟
سمر بتأوه خافت :
-آااه شـ ـكله كده !
زينب بحنان :
-طيب يا حبيبتي أنا جايالك أهو علطول.
سمر باكية من شدة الآلم :
-لأ . ممـ ـكن تكـ ـوني متـ ـرقبة.
زينب بعصبية :
-إحنا في إيه و لا في إيه دلوقتي ؟ قلت جايالك مسافة السكة أهو.
سمر بوهن :
-يا ما مـ ـا زيـ نـب . بـ ـلآاش .. و بترت عبارتها فجأة لتصرخ بأعلي صوتها و قد إنهار صمودها تماما :
-آااااااااااااااااااااااااااااااه !
إنتفضت “ملك” في هذه اللحظة و إستيقظت فزعة ، بينما تهاوت “سمر” علي أقرب مقعد مواصلة صراخها مع توالي الركلات التي راح طفلها يسددها أسفل معدتها بلا رحمة ….. !!!!!!!
يتبـــــع …