رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب
_ صفعة ! _
صباح يوم جديد … يغادر “عثمان” باكرا و قد حرص علي عدم إحداث أي ضجة لئلا تستيقظ “سمر”
و لكنه لم يكن يعلم بإنها كانت تتظاهر بالنوم حتي لا تواجهه ..
أطلقت “سمر” زفرة إرتياح حالما خرج ، ثم قامت أخيرا من مخدعها .. و بعد أداء الروتين الصباحي أمسكت بالهاتف و أجرت الإتصال بـ”زينب”
لحظات و جاء الصوت المحبب مفعم بالحنان و الشوق :
-سمر ! صباح الخير يا حبيبة قلبي . وحشتيني أووي يا حبيبتي.
سمر بغبطة :
-صباح النور يا ماما زينب . و الله إنتي إللي وحشتيني قوليلي إيه أخبارك ؟
-أنا كويسة يا حبيبتي المهم طمنيني عليكي إنتي و ملك عاملين إيه ؟؟
-أنا و ملك بخير إطمني و ماتقلقيش علينا .. ثم سألتها بشئ من التردد :
-بس عايزاكي تطمنيني علي فادي . أخباره إيه يا ماما زينب ؟!
صمت قصير .. ثم ردت “زينب” بنبرة حزينة :
-أهو يابنتي . أخباره هي هي مافيش جديد.
سمر بقلق :
-يعني إيه ؟ قوليلي يا ماما زينب فادي ماله ؟؟؟
تنهدت “زينب” و قالت :
-سافر لشغله من تلتيام . أجازته بقت قصيرة أوي مش بيجي هنا إلا نص يوم بس يدوب يشقر علي الشقة . دقنه طولت و علطول سآاكت . ماتسمعيلوش حس .. حالته تصعب علي الكافر يا ضنايا.
إنقبض قلب “سمر” و شعرت بإنسداد في حلقها .. لكنها نطقت بصوت مبحوح :
-مابيسألش عني ؟ .. عن ملك ؟!
زينب بإشفاق :
-يابنتي بقولك علطول ساكت . لا بيكلم حد و لا حد بيكلمه.
إعتصرت “سمر” جفناها بألم و همست :
-أنا السبب . أنا. عملت فيه كل ده .. أنا السبب.
زينب بحزن :
-يابنتي إنتي بردو ضحية . ضحيتي بنفسك عشانه و عشان أختك . ماتعمليش في نفسك كده و إذا كان ربنا سامحك يبقي أخوكي أكيد هيسامحك.
سمر و هي تذرف دموع اليأس و المرارة :
-عمره ما هيسامحني . مش هيسامحني أبدا يا ماما زينب !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
كانت جالسة في غرفتها … تتصفح حاسوبها بفتور لا يخلو من الملل
حتي وصلتها رسالة منه علي الهاتف ..
صالح : ” بتعملي إيه ؟ ”
كتبت “صفية” :
مش بعمل حاجة
قاعدة زهقانة بس
بتسأل ليه ؟
صالح :
طيب تعاليلي دلوقتي في أوضتي
عايزك في موضوع مهم.
صفية :
و ماتجيش إنت ليه يا حبيبي ؟
ما إنت خفيت و بقيت زي القرد بتتنطط في كل حتة
و لا علي راسك ريشة ؟!
صالح :
إخلصـــــــي يا صافي
و بعدين بطلي الإسلوب ده بقيتي بيئة زي مرات أخوكي
شكلها بهتت عليكي !
قرأت “صفية” كلامه لترد بغضب :
صآاالح
إلزم حدودك و ماتجبش سيرة مرات أخويا
مالك و مالها ؟؟؟
صالح :
أوك يا حبيبتي خلاص سكت و مش هجيب سيرتها
إنجزي بقي و تعالي يلآااا.
زفرت “صفية” بضيق و ردت :
أووك جاية.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°
في مكان أخر …
تحديدا كلية ( الفنون الجميلة ) … تخرج “هالة” من المدرج شاردة الذهن ، كانت تمشي ببطء و هي تحتضن أغراضها بين ذراعيها
و لم تعي بنفسها إلا و هي تصطدم بأحدهم بقوة ليسقط كل ما كانت تحمله ..
-آا أنا آسفة ماختش بالي ! .. قالتها “هالة” بإرتباك ، ثم إنحنت بسرعة لتلملم دفاترها المبعثرة
-عنك يا هالة ! .. يا للعجب ، هذا الصوت مألوف جدا لها
ترفع “هالة” وجهها فورا ، و تنظر له بعدم تصديق
مراد بإبتسامته الجذابة :
-إزيك يا هالة ؟ عاملة إيه ؟!
ما زالت ترمقه بذهول شديد دون أن تفه بكلمة ..
تلاشت إبتسامة “مراد” و أجفل قائلا بقلق :
-هالة إنتي كويسة ؟ الخبطة كانت جامدة عليكي ؟ دوختي ؟؟؟ .. و تفرس بقلق أكبر في وجهها الشاحب
إبتلعت “هالة” ريقها بصعوبة ، و قالت بتلعثم :
-مـ مراد . آ إنت .. إنت هنا بجـ بجد ؟؟؟؟؟
مراد بدهشة :
-إيه هنا بجد دي ؟ طبعا هنا بجد أومال هيكون شبحي إللي واقف قدامك ؟! .. ثم أمسك بيدها ليوقفها معه
هالة و هي تعلق نظراتها بنظراته :
-جيت إزاي ؟
مراد بتعجب :
-هكون جيت إزاي يعني يا هالة جيت بالطيارة طبعا . إنتي بقيتي تسألي أسئلة مش منطقية خالص !
واصت “هالة” تساؤلاتها بإلحاح :
-طيب إيه إللي جابك ؟ إنت مش قلت إنك مسافر عشان تشتغل مع باباك و مش هترجع هنا تاني ؟ صح ؟ مش إنت قلت كده ؟؟؟
أومأ “مراد” :
-صح أنا قلت كده . بس مش هينفع نتكلم هنا يا هالة . ممكن أعزمك علي الغدا و نتكلم ؟ و لا لسا وراكي حاجة هنا ؟!
هالة و هي تهز رأسها بتوتر :
-لأ . أنا خلصت محاضراتي خلاص !
مراد بإبتسامة :
-يبقي نتغدا سوا.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°
في غرفة “صالح” …
ما زال يحاول إقناعها و ما زالت تجادله بعدم إقتناع
صالح بضيق شديد :
-يا صافي أنا زهقت . بقالي ساعة بحاول أقنعك . أنا نفسي أفهم إنتي مش موافقة ليه ؟ إنتي مش بتحبيني و عايزة نتجوز زي ما أنا عايز ؟؟؟
صفية بحيرة :
-يا صالح و الله بحبك و عايزة أتجوزك إنهاردة قبل بكره . بس ظروفنا دلوقتي ماتسمحش.
-ليــــــه ماتسمحش ؟؟؟
صفية بحزن :
-أولا بابي . بقاله شهرين بس . و مامي . مامي لسا تعبانة و مش هقدر أفرح أنا و هي زعلانة . صدقني مش هقدر و مش هينفع يا صالح.
صالح بحدة :
-ما أخوكي عملها و إتجوز و فرح محدش قاله حاجة.
-أخويا إتجوز أه بس ماعملش فرح و لسا ماقالش لماما .. ثم ذكرته :
-و بعدين ماتنساش إن ظروف أخويا مختلفة . هو كان لازم يتجوز مراته في أسرع وقت و إنت عارف الأسباب كويس.
صالح و هو يشيح بيده غاضبا :
-طيب خلاص . براحتك إللي إنتي شايفاه.
صفية بضيق :
-يا صالح مش كل مرة تتقمص كده . أنا إللي إبتديت أزهق . نفسي مرة نتكلم بجد منغير ما تقفل الموضوع بزعل و نكد كده.
تنفس “صالح” بعمق و قال بصوت هادئ :
-خلاص يا صفية . مافيش حاجة .. أنا سحبت كلامي كله . وقت ما تحسي إنتي أنه آن الأوان إبقي تعالي و قوليلي.
تنهدت “صفية” بنفاذ صبر .. لكنها تمالكت نفسها و مشت نحوه ، مدت يدها و لمست وجهه و هي تقول برقة :
-صلَّوحي . إنت عارف إن أنا بحبك صح ؟
أومأ “صالح” بإقتضاب ، لتكمل :
-أنا بحبك أووي و مقدرش أعيش منغيرك . صدقني أنا نفسي نتجوز أكتر منك .. و قبل أي حاجة أنا مش عايزاك تفتكر إني بماطل و مش عايزة جوازنا يتم . عشان كده أنا موافقة علي الميعاد إللي حدته !
نظر لها “صالح” و قال بذهول :
-بجد يا صافي ؟ بجد موافقة ؟؟!!
صفية بإبتسامة :
-أيوه يا حبيبي موافقة . موافقة جدا كمان.
بادلها “صالح” الإبتسامة و شدها إلي صدره ليضمها بقوة ..
صفية بتنبيه :
-أه بس خد بالك . عثمان كلمته هتبقي Assertive ( قطعية ) هو إللي هيحدد القرار النهائي.
صالح بغيظ :
-ماشي ياختي . أما نشوف الشملول أخوكي هيقول إيه ! بس و رحمة أمي لو رفض هتجنن عليكي و عليه أنا خلاص جبت أخري منكوا.
ضربته “صفية” علي صدره بخفة و قالت بتبرم :
-إحترم نفسك شوية . ده بردو إبن عمك و أكبر منك.
صالح بشقاوة :
-يا حبيبتي أنا تحت أمرك . عشان خاطر عيونك أنا مستعد أروح في داهية و يجرالي أي حاجة بدل عثمان مش شلل بس.
صفية و هي تحيط عنقه بذراعيها :
-بعد الشر عليك يا روحي.
صالح بتساؤل :
-بتخافي عليا ؟ بتحبيني يا صافي ؟!
صفية بحب :
-بموووت فيك . بعشقك يا صلَّوحي .. و ضمته بقوة بدورها
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
طوال النهار كانت في صراع محتدم مع نفسها
كانت جبانة حتي أخر لحظة ، ترددت كثيرا .. لكن كلما إستعادت كلمات “زينب” في رأسها كلما تلاشي ترددها
إلي أن حسمت أمرها أخـــــــيرا ..
ذهبت و أحضرت “ملك” إلي غرفتها ، إرتدت ملابسها بسرعة و قلبها يخفق من الإثارة و الرعب في آن
لم تأخذ معها شئ ، لا تريد منه شئ لطالما كانت كذلك .. كل ما أرادته أن تشفي شقيقتها و تتعافي بصورة كاملة ، و هاهي معافاة و في أحسن صحة ، يجب أن يعود كل شئ كما كان إذن ..
كانت أمام باب الغرفة و هي تحمل الصغيرة علي ذراعها ، و كادت تضع يدها علي المقبض لتفتحه .. لكنها تفاجئت بمن يسبقها و يفتحه
يا للكارثة !
هذا ليس ميعاد عودته … لماذا عاد باكرا ؟ و اليوم بالذات !!!
-سمر ! .. قالها “عثمان” و هو ينظر لها بإستغراب
-لابسة كده و رايحة فين ؟
أخذت “سمر” نفسا عميق و قالت بصوت آجش :
-أنا ماشية.
عثمان ببلاهة :
-ماشية ؟ ماشية إزاي يعني ؟!
سمر بنفس الإسلوب :
-ماشية . راجعة بيتي !
تطلب الأمر دقيقة ليستوعب “عثمان” كل هذا :
-طيب ما ده بيتك يا حبيبتي .. تمتم “عثمان” بلطف و هو يقترب منها خطوة
سمر و هي تبتعد خطوة للوراء :
-لأ ده مش بيتي و عمره ما هيكون بيتي . ده بيتك إنت .. ثم جاءت لتمر من جانبه فأمسك بذراعها بحزم و لين بنفس الوقت و قال :
-سمر . إهدي مافيش مشي من هنا . إيه إللي حصلك فجأة ؟؟؟ .. و إقترب أكثر و أخذ “ملك” بالقوة منها ليضعها فوق الأرض
صاحت “سمر” بإنفعال :
-حصل إني تعبت من التمثيلية دي . عايزة أخلص و أرتاح بقي أنا تـــعبت . من حقي أستريح من حقي أعيش بسلام العذاب ده كله مايرضيش ربنا و لا يرضي أي حد.
عثمان بهدوء و إهتمام :
-مالك يا سمر ؟ إيه إللي حصل بس ؟ قوليلي ! حد هنا ضايقك ؟ أنا ضايقتك ؟ أنا ماعملتش حاجة و من يوم ما جبتك هنا و أنا باخد بالي من تصرفاتي معاكي . أنا قصرت في إيه ؟؟؟
سمر بضيق شديد :
-ماعملتش حاجة . بس أنا خلاص قررت . أنا لازم أمشي مكاني مش هنا . مكاني مع إخواتي أنا وهبت عمري ليهم مش هقدر أعيش لحد غيرهم .. طلقني و إنساني.
عثمان بإستنكار :
-طلاق إيه ؟ إحنا إتجوزنا خلاص هي لعبة ؟!
سمر بإصرار :
-مافيش حياة بينا إحنا مش شبه بعض . لازم نطلق و هنطلق ده أخر كلام عندي .. و حاولت الفكاك منه ، لكنه أحكم وثاقها و قال بحدة :
-سـمـــر ! . بطلي جنان . أنا لحد دلوقتي مقدر حالتك النفسية و عامل حساب لظروف الحمل . لكن ماتزوديهاش . إحنا ماشيين مع بعض كويس و أنا مش هسمحلك تخرجي من حياتي بعد كل إللي عملته عشانك . ده أنا حتي كلمت ماما عنك إمبارح و قولتلها إننا لسا متجوزين من يومين و هي مستنيا تشوفك إنهاردة.
سمر صارخة بعصبية :
-أنا ماليش دعوة بإللي قولته لمامتك . ماليش دعوة أصلا بمامتك لا عايزة إتعرف عليها و لا تتعرف عليا ماتهمنيش في حـ آاااااااه !
قاطعها بصفعة عنيفة من ظاهر يده … سالت الدماء من جانب فمها مع تدفق الدموع من عيناها
أطرقت رأسها و هي تجهش بالبكاء و تحاشت النظر إليه ، بينما هدر بصوته الغاضب و هو يهزها بقوة :
-إخرسي يا سمر . إخرسي خآاالص كله إلا أمي . أمي دي أحسن منك إنتي جمبها و لا حاجة بالنسبة لي . لحد هنا و عندك لحد هنا أنا أنساكي و أنسي نفسي و ماعرفش تصرفاتي معاكي شكلها ممكن يبقي عامل إزاي . أمي خط أحمر مش مسموح لأي مخلوق يتعداه فاهمة ؟ ده أخر تحذير ليكي و لو سمعت كلمة طلاق دي علي لسانك تاني أقسم بالله هتشوفي الوش التاني.
و حررها أخيرا و خرج من الغرفة تاركا إياه تسقط بجانب شقيقتها التي كانت تصرخ باكية منذ فترة دون أن يلتفت لها أحد ..
حملتها “سمر” إلي حضنها و ضمتها بشدة هامسة :
-ليه بيحصل فيا كده ؟ ليه يا رب ؟ أنا عملت إيه في عمري ؟؟؟
و راح جسدها يهتز من قوة نشيجها الحار … !!!!!!
يتبـــــع …