رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب
_ آيلة للسقوط ! _
في قصر آل”بحيري” … تجر “فريال” عربة الطعام في إتجاه السرير ، ثم تجلس علي الحافة بجانب “يحيى”
تميل نحوه و تهمس و شفتاها تحتك بأذنه :
-يحيى . حبيبي .. يحيــــي . يلا بقي قوم بقينا الضهر .. قوم جبتلك الفطار لحد هنا !
يتململ “يحيى” محاربا نعاسه ، ثم يفتح عيناه بتثاقل ..
-إحنا صباحنا أبيض و لا إيه ؟ .. قالها “يحيى” بإبتسامة و هو يقوم و يتكئ علي مرفقه
فريال و هي ترد له الإبتسامة :
-صباح الفل يا حبيبي . يلا قوم عشان تفطر.
يحيى بدهشة و هو ينظر إلي صحون الطعام :
-كمان جايبالي الفطار لحد السرير !
فريال بإبتسامة رقيقة :
-طبعا يا قلبي هو أنا عندي أغلي منك ؟!
يشدها “يحيى” صوبه و يطبع قبلة خفيفة علي شفتها ، ثم يقول :
-ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي . طيب يادوب بقي أفطر بسرعة و أقوم ألبس عشان أروح أبص بصة علي الشركة من يوم ما رجعت من السفر ماعتبتهاش.
فريال بإستنكار :
-شركة إيه يا حبيبي ؟ قولتلك مافيش نزول من هنا.
يحيى بضيق :
-يا فريال مش كده . فكي الحصار ده من عليا أبوس إيدك أنا من ساعة ما وصلت ماخرجتش برا الأوضة كده الشغل هيتعطل و بيتنا هيتخرب.
فريال بإستياء شديد :
-بقي كده يا يحيى ! يعني قصدك إني حبساك غصب عنك ؟ طيب . ماشي . قوم بقي أعمل إللي إنت عايزه.
و كادت أن تقوم من جانبه ، ليقبض علي رسغها بقوة و يرجعها إلي مكانها و هو يقول بلطف ممزوج بالإرتباك :
-حبيبتي يا ريري إنتي زعلتي ؟ أنا ماقصدش أزعلك يا حبيبتي !
فريال بإقتضاب :
-خلاص يا يحيى قولتلك قوم أعمل إللي إنت عايزه أنا مش هقرب منك و لا هضايقك تاني.
يحيى بإسراع و هو يقترب منها ليضمها إلي صدره :
-لأ . أنا مش قصدي أزعلك و الله . يا حبيبتي أنا بضحك معاكي يعني أنا هبقي عايز أخرج في حتة و أسيبك بردو ؟ بس إنتي عارفة إني غايب بقالي فترة و أكيد ورايا شغل متلتل.
تنهدت “فريال” و قالت بهدوء :
-أوك . خلاص يا يحيى.
يحيى بحذر :
-خلاص إيه ؟!
-خلاص مش زعلانة منك.
يحيى و هو يداعب خصلات شعرها :
-و أنا أصلا مقدرش علي زعل حبيبتي . طيب إنتي عارفة بقي إني عاملك مفاجأة ؟
برقت عيناها بحماسة ، فإبتعدت عنه قليلا لتسأله بتلهف :
-مفاجأة إيه يا يحيى مفاجأة إيه ؟؟؟
يحيى بإبتسامة :
-عايزاني أقولك عليها دلوقتي ؟ كده مش هتبقي مفاجأة !
فريال و قد تلاشت إبتسامتها لتقول بغنج و دلال و هي تطوق عنقه بذراعيها :
-أخس عليك يعني هتسيب عقلي يودي و يجيب مع نفسه كده ؟ قول بقي أحسن هزعل منك بجد.
-لأ لأ خلاص هقولك .. صمت قصير ، ثم أعلن “يحيى” :
-الآتيليه إللي كان نفسك فيه !
شهقت “فريال” بعدم تصديق ، ليضحك “يحيى” ثم يمد يده و يفتح درج الطاولة بجانبه ليخرج مفتاحا ذهبيا و يلوح به أمام عينيها المدهوشتين ..
-و أدي المفتاح يا ستي .. قالها “يحيى” بإبتسامة ، و أكمل و هو يربت علي خدها بلطف :
-أكبر آتيليه في إسكندرية كلها عشان فريال هانم . هو أينعم لسا مش جاهز فاضله شوية رتوش كده . بس إنتي كنتي فاكراني نسيت ؟ ده حلمك من زمان . مستحيل أنساه . بس كنت مستني الوقت المناسب عشان أنفذهولك علي أرض الواقع . حاجة مدهشة يا حبيبتي تليق بيكي فعلا.
تراقصت دموع الفرح بعيناها ، فقطعت المسافة القصيرة بينهما و إحتضتنه بشدة ..
فريال بإمتنان و سعادة :
-شكراا . شكرا بجد . إنت أحلي حاجة حصلتلي في حياتي كلها . بحــبــــــــــــــــــــــــــــك يا يحيى . ربنا مايحرمني منك أبدا أبدا أبدا.
يحيى بحب :
-و لا يحرمني منك إنتي كمان يا حبيبتي.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
في يخت “عثمان البحيري” … تستيقظ “سمر” في ساعة متأخرة من النهار و لكنها لا تجد “عثمان” بالجناح كله
لم تبالي بهذا فمن المؤكد أنه قريب منها ، لعله ذهب ليتفقد شيئا ما أو ليتنزه قليلا علي متن يخته الفخم الرائع بعد أن خاب أمله في الليلة الماضية ..
قامت “سمر” من السرير و هي تشعر بدوار شديد
وضعت كفها علي جبتها لتفزعها حرارتها المرتفعة ، بالطبع لابد من هذا
مياه البحر كانت قاسية كالرصاص ، لتدعو الله بألا تصاب بوعكة ثقيلة تجبرها علي المكوث بالفراش لفترة ..
و أخيرا قررت أن تستحم
لعل الماء الفاتر ينعشها و يفصلها قليلا عن الواقع بأفكاره المؤرقة ..
ملأت المغطس ، و وضعت فيه كمية من صابون الحمام الوردي اللون ، ثم إنزلقت بجسدها حتي وصلت الرغوة و الفقاقيع إلي طرف ذقنها
و هنا حاولت أن تريح جسدها و أعصابها
و لكنه كالعادة يحول بينها و بين أي نوع من الإسترخاء و راحة البال ..
-سـمــر ! .. إنتي فين ؟ إنتي في الحمام يا حبيبتي ؟ .. هكذا سمعته ينادي عليها من الخارج بصوت ملحا و مرحا في آن
قامت من مكانها فجأة ، أرادت أن تسرع إلي باب الحمام و توصده
لكنها سمعت صوت خطواته تقترب كثيرا ، فعادت لتخفي جسدها في الماء ..
-مابترديش عليا ليه يا حبيبتي ؟! .. و مع الصوت ظهر “عثمان” عند عتبة الباب
-هو القمر بيطلع الصبح و لا إيه ؟ .. قالها “عثمان” و هو يبتسم بشدة ، و تابع و هو يمشي ناحيتها :
-إيه الجمال و الحلاوة دي يا سمر ؟ ماكنتش أعرف إن شكلك بيبقي حلو أوي كده و إنتي بتاخدي شاور !
تخضبت وجنتاها بالدم ، و قالت بإرتباك :
-شوية و هخلص . لو محتاج الحمام إستني برا دقيقتين بس و هطلع.
عثمان بإبتسامة :
-خدي راحتك يا حبيبتي أنا مش محتاج أي حاجة .. حاليا بس !
تجاهلت جملته الإيحائية الأخيرة ، و قالت :
-شكلك كويس !
عثمان بإستغراب :
-شكلي كويس إزاي يعني ؟!
-يعني . كنت فكراك أخدت برد بسبب إللي حصل إمبارح . أصلي حاسة إني داخلة علي دور برد !
ضحك “عثمان” و قال :
-إنتي شكلك بتؤري عليا يا سمر . عموما ماتقلقيش أنا صحتي زي الفل مابتآثرش بأي حاجة رغم أن ڤولتك كان عالي أوي إمبارح و فجأة إتجننتي و بوظتي الليلة إللي كنت راسم عليها . كل ده عشان قولتلك إن أنا إللي سفرت أخوكي ؟
سمر و قد إنتابها الغضب مجددا :
-من فضلك ماتجبليش السيرة دي تاني . مش كل شوية لازم تخليني إتأكد إنك إنسان جبار و مش سهل.
عثمان و هو يضحك بقوة :
-جبار ! مش للدرجة دي يا سمر أنا بردو غلبان و عندي نقط ضعف و الله.
سمر بسخرية :
-إنت عندك نقط ضعف ؟
عثمان بتفكير :
-في الحقيقة هما مش نقط .. هما نقطتين !
رمقته بغرابة ، فضحك و هبط بجسده جالسا أمامها علي حافة المغطس ..
-أول نقطة الهوس بالجمال .. قالها “عثمان” و هو يتأمل وجهها و كتفيها العاريين ، و أكمل :
-بضعف جدا قدام الجمال . من صغري و أنا كده . كنت لما أشوف أي واحدة جميلة أروح علطول أقولها إنتي جميلة .. أنا بعرف أقدر الجمال كويس أوي يا سمر.
أجفلت بتوتر ، ليضيف بصوت ناعم :
-النقطة التانية بقي . أمي .. بحب أمي أووي . تقدري تقولي إنها الست الوحيدة إللي ممكن تكون جوا قلبي . تعرفي إنك بتفكريني بيها ؟ حقيقي . و عنيها ملونة زيك !
و إزداد معدل الشغف في نظراته و هو يتأملها أكثر ، بينما إنزلقت أكثر في الماء كي تخفي جسدها من عينيه و هي تشعر بالخجل الشديد ..
-ممكن تطلع برا دلوقتي ؟ .. قالتها “سمر” بتوتر و وجهها يشع نارا ، ليضحك “عثمان” بمرح و يرد :
-ليه كده بس يا بيبي ؟ عايزاني أطلع برا ليه ؟ ده بدل ما تعزمي عليا و توسعيلي مكان جنبك ؟ ده أنتي طلعتي بخيلة أوي . مع إني صحيت قبلك و حضرتلك الفطار بنفسي برا . يعني لحد دلوقتي أنا أحسن منك و كريم جدا معاكي.
و رمقها بنظرات خبيثة ، فإنفعلت رغما عنها لسوء أخلاقه معها ، و صرخت فيه :
-قولتلك ميت مرة مابحبش الطريقة دي و قولتلك بردو ماتكلمنيش بالإسلوب ده . إنت مش جايبني من الشارع . بطل قلة أدب !
-أنا قليل الأدب ؟ .. سألها بهدوء شديد و هو يشير بأصبعه إلي نفسه ، ثم إبتسم تلك الإبتسامة الشيطانية و قال :
-طب أنا هوريكي قلة الأدب علي أصولها !
و مد يده داخل المغطس ، ليخرج بعد لحظات بالسدادة المطاطية
إتسعت عيناها بذعر عندما لاحظت منسوب المياه يقل ، و جسدها علي وشك أن يُـكشف له ..
تخشبت بمكانها غير مصدقة و إرتجف فمها بقوة ، عجزت عن التصرف ، لا تدري ماذا تفعل ، و هل يحق لها أن تفعل ؟ أو أن تعترض حتي ؟ .. هي ملكه طالما يروق له ذلك !!
إنهمرت الدموع من عيناها حين إختفت المياه تماما و بقت بعض الفقافيع الخفيفة تداري القليل من أجزاء جسدها
ظلت ترتجف فقط كورقة خريف آيلة للسقوط ، البرودة شديدة بالإضافة لشعور الذل و المهانة ، كمية مشاعر كثيرة متضاربة أخرستها و أخضعتها أمامه في هذه اللحظة ..
-يانهآاار أبيض ! ليه ده كله يا حبيبتي ؟ .. قالها “عثمان” بدهشة حقيقية ، و تابع بخبث :
-زعلانة أوووي كده ليه ؟ ما أنا شوفت كل حاجة قبل كده !
لم ترد و أطبقت جفناها بشدة ، لا تريد رؤيته
لكنها سمعته يواصل كلامه بحدة مصطنعة :
-و عموما إنتي تستاهلي أصلا . علي الليلة إللي ضربتيهالي إمبارح . دلوقتي لازم أخد تاري منك بقي.
و شعرت به و هو يحملها من مكانها ، ثم يقول بلهجة مفعمة بالحماسة الملتهبة :
-تعالي يا حبيبتي . الدنيا برد هنا عليكي . أوضتنا أدفى !
و أخذها إلي الغرفة بسرعة ، و هو يعتزم بجدية تامة تعويض أحداث الليلة الفائتة …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• ••••••••
في مكان أخر … تحديدا في شقة راقية بحي شرق الإسكندرية
تتمدد “چيچي” علي هذا السرير الواسع بجوار خطيبها ..
تلقي برأسها علي صدره العاري و تقول بصوت هامس :
-سيف . سيفو .. نفسي في آيس كريم ڤانيليا !
سيف بإستغراب و هو يمسح علي شعرها الحريري :
-آيس كريم ڤانيليا ؟ إشمعنا آيس كريم ڤانيليا يا چيچي ؟!
چيچي بغنج :
-مش عارفة ! بس نفسي رايحاله يا بيبي.
سيف بضحك :
-إوعي تكوني حامل يا حبيبتي . لسا فاضل شهرين علي ما تخلص العدة بتاعتك !
چيچي و هي تلكزه في كتفه :
-إف بقي . قولتلك قبل كده ماتحاولش تفكرني بالزفت ده . عايزاه أنساه خآالص يا سيف و مش عايزة أي حد يفكرني بيه.
-أد كده يا چيچي بتكرهيه ؟
چيچي بغل شديد :
-بكرهه جدا . ده بني آدم Abnormal [ مش طبيعي ] و حيوان . أول واحد أخاف منه في حياتي .. ثم قالت بخوف :
-و إللي مخوفني منه أكتر إنه لسا محتفظ بالـCD بتاعي أنا و إنت . يا عالم ممكن يعمل بيه إيه ؟!
سيف بإستهزاء :
-هيعمل إيه يعني ؟ و لا هيقدر يعمل حاجة.
چيچي بسخرية :
-سيف بليز تسكت . إنت أصلك ماتعرفش عثمان البحيري كويس . ده شيطان . زي التعبان فعلا . جلده ناعم بس لما يلدع سمه يموت و مالوش علاج.
سيف بضيق :
-إنتي مش شايفة إنك بتبالغي شوية يا حبيبتي ؟
چيچي بجدية :
-لأ . Never يا حبيبي مش ببالغ . بس أنا مش هفضل طول عمري عايشة في رعب بسببه .. لازم آمن نفسي منه.
سيف بإهتمام :
-هتعملي إيه ؟؟؟
إبتسمت “چيچي” و هي تقول بشر :
-هعمل حاجات كتييييير . هو صحيح معاه الورق كله .. بس أنا بقي معايا الـJoker !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
في الصباح التالي … ترتدي “سمر” ملابسها و هي تشعر بالتعب و الإنهاك الشديد
يأتي “عثمان” و هو يراها ، ليقول بإستغراب :
-بتعملي إيه يا بيبي ؟
سمر بنبرة متداخلة الأحرف :
-زي ما إنت شايف . بلبس عشان أمشي . إحنا وصلنا للمرسى و لا لسا ؟
يقترب “عثمان” منها و هو يقول بإبتسامة :
-تمشي إيه بس يا حبيبتي ؟ أنا مش قولتلك إني بعدت أخوكي مخصوص عشان تفضيلي و تقضي معايا وقت أطول ؟ خلينا يومين كمان !
سمر بعصبية منهكة :
-لو سمحت ماضايقنيش أكتر من كده . أنا عايزة أرجع لازم إرجع بيتي دلوقتي.
لاحظ “عثمان” شحوب وجهها و إصفراره
فعقد حاجبيه و هو يحدق فيها بتركيز ، ثم قال بجدية :
-مالك يا سمر ؟ إنتي كويسة ؟!
تمتمت بضيق يغلفه التعب :
-أنا كويسة و هبقي كويسة أكتر لما إمشي من هنا و أرجع بيتي.
مد “عثمان” يده و تحسس جبينها ..
-يانهار إسود ! .. صاح “عثمان” بذعر ، و أكمل :
-إنتي سخنة مولعة . من أمتي ؟ و ماقولتليش ليه ؟
عبست “سمر” و هي تتذكر طوال الليلة الماضية كانت تعاني أعراض الحمى و ترتجف بصمت ، بينما ينام هو بجوارها مستغرقا في عالم أخر ..
-أنا كويسة مافياش حاجة .. قالتها “سمر” بضيق أشد و تابعت :
-روحني بقي.
عثمان بجدية :
-أروحك إيه ؟ أنا هاوديكي للدكتور.
سمر بإنفعال :
-مـش عـايزة أروح لدكاترة عايـزة أروح بـيــتــــــــي !