رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب
_ غضب ! _
يمر إسبوع … لم يطرأ فيه أي تغيير يذكر لدي أي فرد
حتي جاء يوم العلاج الأول ..
كانت لديه قوة كافية تجعله قادرا علي الإستلقاء هناك ، من غير حراك ، قادرا علي أن يستلقي حتي يتحمل هذا العذاب كله .. لحظة واحدة و جاء التغير الوحيد فجأة
بشكل غير معقول .. تضاعف الآلم
شبت النار فجأة في النصف الأسفل من جسده ، النصف الذي كان ميتا منذ الحادث
أحس عظاما مكسورة تتخبط تحت أصابع اللهب الكاوية و التي ما كانت سوي يدي طبيب العلاج الطبيعي المتمرس و الماهر في تخصصه ..
-آااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااه . آااااااااااااااااااااااااه .. هكذا كان صراخ “صالح” يدوي عاليا ليتردد صداه عبر أركان المشفي بأكملها من أعلاها إلي أسفلها
بينما تأذت مشاعر “صفية” كثيرا لرؤيته يعاني بهذا القدر ، فإقتربت من السرير الذي كان يستلقي فوقه علي وجهه و تحدثت إلي الطبيب ..
صفية بنبرة مهزوزة :
-يا دكتور ! .. من فضلك بالراحة عليه . هو إيه إللي بيجراله بالظبط ؟؟؟
الطبيب و هو يستمر في عمله غير عابئ بصراخ “صالح” المتواصل :
-في أجزاء لسا حيوية في جسمه عشان كده بيتألم لحد ما المنطقة دي تتعالج صح و الكسور تلحم إن شاء الله الآلم ده هيقل تدريجيا.
-صآااااااااااافي ! .. إنتفضت “صفية” حين نادي عليها ، و ردت بسرعة :
-نعم . نعم يا حبيبي ؟
صالح بأنين حاد :
-إممممم خلي الزفت ده يبعد عني . مش قآاااادر كفآاااية كدآااااااااا.
صفية بدموع و هي تمسد علي شعره بحنان :
-معلش يا حبيبي . معلش إستحمل شوية كمان عشان خاطري.
ثم نظرت إلي الطبيب بإستعطاف ليخفف الآلم عن “صالح” قليلا
و لكن الحريق المستعر راح يمضي بلا نهاية بفضل إصرار الطبيب علي إتمام الجلسة كاملة مكتملة رغم أنف مريضه العدواني ..
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
في منزل “سمر” … تعيش الأسرة الصغيرة حالة فرح و بهجة شديدة
فاليوم أخيرا عادت الصغيرة “ملك” معافاة و صحيحة تماما ..
-فادي ! إوعي هاتها . قولتلك 100 مرة ماتبوسهاش من بؤها .. قالتها “سمر” موبخة أخيها و هي تحاول إنتزاع “ملك” من بين ذراعيه
بينما ضحك “فادي” و هو يتمسك بالطفلة أكتر ، ثم قال :
-في إيه يا سمر ؟ دي أختي الصغيرة و غايبة عني بقالها كتير . وحشتني !
سمر بغضب :
-وحشتك ماشي بس ماتبوسهاش من بؤها ماتبوسهاش أصلا. الدكتور منبه علي كده إحنا مش ناقصين تتعب تاني.
فادي بضيق :
-هو أنا مرض يعني يا سمر ؟
تنهدت “سمر” و قالت بلطف :
-لأ يا حبيبي مش مرض . بس هي عندها المناعة ضعيفة و بتتأثر بأي حاجة ما إنت عارف.
-ماشي ياستي . مش هبوسها من بؤها تاني مش هبوسها خالص عشان خاطرك . حلو كده ؟
سمر بإبتسامة :
-حلو . إيوه إنت كده شطوور .. هاتها بقي !
-أمرك يا حبيبتي . إتفضليها أهيه .. و قبل أن يضع الصغيرة بين ذراعيها سرق من وجنتها المكتنزة قبلة عميقة ليغيظ شقيقته الكبري
و بالفعل إستشاطت “سمر” غضبا و هي تضربه علي كتفه بقوة :
-قولتلك ماتبوسهاش . ماتبوسهآااش مابتفهمش !!
قهقه “فادي” بمرح و هو يقول :
-أنا هنزل أجيبلها الدوا و اللبن بتاعها و بالمرة هشتري قالب كيك عشان نحتفل باليوم السعيد ده.
و ذهب “فادي” ..
لتنفرد “سمر” بشقيقتها أخيرا
لم تستطع رفع عيناها عنها .. فقد إفتقدتها كثيرا ، و قد كانت رائعة ، في أحسن صحة
كان جلدها الأبيض الرقيق يتوهج كأن فيه نورا ، و كان لون خديها ورديا علي خلفية ذلك النور
كان طول جسدها قد زاد قليلا ، و صارت أنحف بقليل ، أما خصلات شعرها فصارت أطول بميليمترات قليلة ..
لم تصدق “سمر” حتي الآن أنها شفيت و عادت إليها ، لقد كانت قاب قوسين أو أدني من الموت ، و لكن من يراها الآن لا يصدق ما كانت عليه قبل ثلاث أسابيع
كان التحسن واضح جدا ..
و لكن .. هذا كله بفضل من ؟؟؟
-أنا آسفة يا حبيبتي .. تمتمت “سمر” بحزن شديد و هي تضم أختها برفق ، و أكملت :
-ماكنش نفسي أعالجك بفلوسه . ماكنتش أتمني و لا حاجة من دي تحصل .. الظروف كلها كانت ضدي و الأبواب إتقفلت في وشي قبل حتي ما أدق عليها . بس أنا عملت كل ده عشانك . إنتي أغلي مني بالنسبة لي . إنتي بنتي مش أختي !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
في قصر آل”بحيري” … لم يري “رفعت” إبنته منذ عدة أيام و كلما سأل عنها يقولون بغرفتها ، حتي لم تعد تشاركهم وجبات الطعام
يقرر “رفعت” التحقق من الأمر بنفسه ، فيصعد إلي غرفتها ، لكنه يقابل زوجة أخيه في منتصف الدرج ..
-فريال إستني لو سمحتي ! .. قالها “يحيى” بسرعة حين إستدارت “فريال” لتهرب لما رأته
توقفت “فريال” بمكانها ، بينما إقترب منها و هو يقول بهدوء :
-إنتي بتتهربي مني ليه يا فريال ؟ بقالك إسبوع علي كده و حابسة نفسك في أوضـ آا ..
-رفعت ! .. صاحت “فريال” بحدة ، و تابعت :
-من فضلك تخلي بالك من كلامك . أنا مش بتهرب منك هتهرب منك ليه ؟ هو حصل حاجة بينا لا سمح الله ؟!
رفعت بخجل :
-أنا مش عارف أنا قلتلك الكلام ده إزاي ! بجد مش عارف . أنا آسف يا فريال.
إلتفتت له و قالت بجدية ممزوجة بالصرامة :
-أنا مش زعلانة منك يا رفعت . أنا عارفة طبعا إنك ماكنتش قاصد تقول كده و إلا ماكنتش سكت و كان زمان يحيى عنده خبر !
حمحم “رفعت” بتوتر ، لتكمل “فريال” بنفس الإسلوب :
-إنت أخو جوزي . يعني في مقام أخويا . و يحيى بيثق فيك ثقة مالهاش حدود عشان كده سايبلك كل حاجة و مسافر و هو مطمن .. بيته . شغله . ولاده . مراتــــــــه !
و شددت علي الكلمة الأخيرة ..
-طبعا . طبعا يا فريال .. تمتم “رفعت” بإرتباك ، و أردف :
-أنا هنا مكان أخويا فعلا . و كل إللي يخصه في رقبتي لحد ما يرجع بالسلامة إن شاء الله .. ثم قال بإقتضاب :
-عن أذنك . طالع أشوف هالة.
و فر من أمامها بسرعة حتي قبل أن يسمع الرد ..
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
في غرفة “هالة” … كانت مستيقظة حين سمعت الطرق علي باب غرفتها
لكنها تظاهرت بالنوم و شدت الغطاء عليها أكثر ..
ليدخل “رفعت” عندما لا يسمع أذنا .. يجد الغرفة غارقة في ظلام دامس ، فيتجه صوب الشرفة العريضة
يزيح الستائر ، ليتسلل الضوء الذهبي و يملأ الغرفة
أغمضت “هالة” عيناها بإنزعاج ، و بعد لحظات شعرت بوالدها يجلس علي طرف السرير بجانبها ..
-هالة ! .. حبيبتي . هالة .. إيه النوم ده كله يابنتي . هآاالة .. أخذ “رفعت” يحاول إيقاظها و هو لا يعلم أنها مستيقظة بالفعل
بينما تململت “هالة” في فراشها و تمتمت أخيرا و هي تتصنع نبرة النوم :
-بابي !
رفعت بإبتسامة و هو يمسح علي شعرها:
-حبيبة بابي . إيه يا قمر . كل ده نوم ؟ و بعدين بقالي أد ماشوفتكيش ؟ غطسانة في أوضتك ليل و نهار ليه ؟؟؟
هالة بوجوم :
-هعمل إيه يعني ؟ مافيش حاجة أخرجلها.
رفعت بإستغراب :
-إيه النغمة الجديدة دي ؟ معقول هالة إللي بتتكلم ؟ ده مافيش حد أدك بيحب الفسح و الخروج !!
هالة بسخرية :
-كان زمان.
رفعت بدهشة :
-كان زمان ! إيه يابنتي مالك ؟ في حاجة حصلت ؟ حد هنا ضايقك ؟ حد عملك حاجة ؟؟؟
هالة بإبتسامة خالية من الروح :
-إطمن يا بابي . مافيش حاجة . أنا كويسة.
رفعت بشك :
-مش مصدقك ! .. و بعدين إنتي شكلك بقي عامل كده ليه ؟ و خسيتي أووي كده ليه ؟؟؟
هالة بضيق :
-قولتلك مافيش حاجة يا بابي . Please ماضايقنيش.
رفعت بعدم إقتناع :
-أوك . خلاص مش هضغط عليكي يا حبيبتي .. ثم تنهد و قال :
-طيب قومي . قومي و تعالي نخرج سوا . تعالي نروح نشوف صالح أو لو عايزة أفسحك !
هالة بكآبة :
-لأ مش عايزة . مرة تانية يا بابي . مش قادرة أخرج إنهاردة.
رفعت بنفاذ صبر :
-طيب قومي إنزلي إفطري إعملي أي حاجة بس إخرجي من أوضتك دي.
هالة بخفوت :
-حاضر.
تنفس “رفعت” بعمق و هو يرمقها بنظرات حائرة ، ثم قام و مشي صوب الباب .. لتستوقفه إبنته فجأة :
-بابي !
إلتفت لها “رفعت” متسائلا :
-نعم يا هالة ؟
صمت قصير .. ثم قالت “هالة” بثبات :
-هو أنا وحشة يا بابي ؟!
رفعت بدهشة :
-وحشة ؟ .. لأ طبعا . مين إللي قالك كده ؟؟؟
إزدردت ريقها بتوتر و قالت :
-محدش . بس . بس بسألك !
رفعت بجدية :
-إنتي أجمل بنوتة في الدنيا كلها يا حبيبتي .. ثم سألها للمرة الأخيرة :
-هالة .. إنتي كويسة ؟
هالة بإبتسامة شاحبة :
-كويسة يا بابي.
-Sure ?
-Sure !
ما زال غير مقتنع بأقوالها ، لكنه إستسلم و تركها و خرج في الأخير ..
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
إنتهت “سمر” من تحضير الغداء لشقيقها ، كما قامت بإعداد وجبات طعام لـ”ملك” تكفيها طوال اليوم
بدلت ملابسها ، ثم خرجت و سلمت أختها إلي “فادي” و هي تقول :
-أمسك يا فادي . أنا همشي بقي . خلي بالك من ملك لحد ما أجي.
فادي و هو يركز إهتمامه علي المباراة التي يتابعها علي التلفاز :
-ماشية متأخر إنهاردة يعني يا سمر !
سمر و هي تضبط الحچاب فوق رأسها :
-مش روحت أجيب ملك من المركز و عملت كذا حاجة مع بعض ! .. ثم قالت بعدم إهتمام :
-و بعدين عادي أنا واخدة إذن.
-طيب ماتتأخريش بقي عشان الإحتفال بتاع بليل . لو إتأخرتي هبدأ أنا و لوكا منغيرك.
ضحكت “سمر” بخفة و قالت :
-ماشي ياسيدي مش هتأخر هخلص شغلي بسرعة و هرجع .. ثم أكملت بتحذير :
-و إوعي تستغفلني و أنا مش موجودة و تقعد تبوس في ملك . هعرف !
أومأ “فادي” دون كلام و عيناه مصوبتان علي شاشة التلفاز ، لتنحني “سمر” و تطبع قبلة خفيفة علي شعر “ملك” ثم تأخذ حقيبتها و تغادر المنزل ..
تستقل سيارة آجرة من مقدمة الشارع الرئيسي .. تصل إلي مقر عملها خلال وقت قصير ، ثم تصعد إلي مكتبها المرفق بمكتب المدير ..
-إنتي فييييييييين يا سمر ؟ .. قالتها “نجلاء” و هي تهرول صوبها ، و أكملت بخوف :
-إتأخرتي كده ليه يابنتي ؟ مستر عثمان قالب عليكي الدنيا !
سمر ببراءة :
-أنا كنت مشغولة أوي إنهاردة يا نجلاء . نسيت أقوله إني هتأخر إنهاردة.
-ما هو إتصل بيكي و أنا كمان حاولت بس ماكنتيش بتردي.
تفقدت “سمر” هاتفهها الذي تعمدت ضبطه علي وضع الصامت ..
-آاااه فعلا ! .. هتفت “سمر” بدهشة مصطنعة ، و أردفت :
-ده الموبايل كان صامت و ماسمعتوش . و لو إن مش فاكرة إني كنت عملاه صامت !!
نجلاء بتوتر :
-طيب إدخليله . إدخليله دلوقتي حالا أحسن ده شايط عالأخر . أقسم بالله كنت خايفة يرفدني إنهاردة من كتر عصبيته.
إبتسمت “سمر” و هي تقول ببرود :
-حاضر . حاضر يا نجلاء .. هدخل !