رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب
_ شيطان ! _
كانت تعد له حقيبة السفر و قلبها يتعذب … لا تريده أن يذهب و يتركها ، خاصةً أنه سيغيب لمدة شهر
كيف ستتحمل كل هذه المدة بدونه ؟ .. بالطبع لن تتحمل !
و لكن علي حد قوله هذه الرحلة مهمة جدا بالنسبة لأعماله و يجب أن يذهب ، للآسف ليس أمامه خيارا أخر …
-فريال ! إنتي لسا بتعيطي بردو ؟ .. قالها “يحيى” عابسا بضيق ، لترد “فريال” التي إنتهت من إعداد الحقيبة و شرعت في إقفالها :
-لأ يا يحيى .. مش بعيط !
نطقت بصوت متحشرج ، ثم أسرعت بمسح دموعها قبل أن يراها ، و أردفت :
-خلاص شنطتك بقت جاهزة.
تنهد “يحيى” بسأم ، ثم ترك أغراضه من يده و مشي ناحيتها ..
أمسك بكتفيها و حملق فيها بحب و هو يقول :
-حبيبتي . أنا مش سايبك بمزاجي . إنتي عارفة كويس إني مابقدرش أستغني عنك و باخدك معايا في كل في سفرية .. بس المرة دي مش هقدر أخدك معايا . البلد إللي أنا رايحها برد أوي عليكي و أنا عارف إنك مش هتقدري تتحملي البرودة إللي هناك و لو خدتك هتتعبي أوي !
فريال و هي تنظر إلي عيناه بحزن :
-خلاص يا حبيبي . روح إنت و أنا هستناك .. بس خلي بالك من نفسك.
يحيى بإبتسامة عشق :
-حاضر . و أوعدك هحاول أخلص شغلي هناك قبل شهر عشان أرجعلك بسرعة.
-يا ريت تعمل كده.
نظر لها “يحيى” بهيام ملتهب ، ثم ضمها بقوة و هو يتمتم و قد غمر شعرها الحريري وجهه :
-فريال هانم .. يا بنت سليمان باشا المهدي . يا حبيبتي و مراتي و أم ولادي .. بحـــــــــــــــبك . و هتوحشيني أوووي.
إبتسمت “فريال” بشدة ، حتي تحولت بسمتها إلي ضحكة جميلة و هي ترد عليه :
-و أنا كمان بعشقك . يا دونچوان جليم و إسكندرية كلها.
ضحك “يحيى” هو الأخر ، ثم عاود النظر إليها و قال :
-إنتي لسا فاكرة ؟ ياااه ده كان زمان يا حبيبتي.
فريال برقة و هي تضبط له ربط عنقه :
-و لحد دلوقتي يا حبيبي و الله . كل الستات بيحسدوني عليك لحد إنهاردة . و كلهم بيتمنوا يشوفوك بس.
يحيى و هو يقرص ذقنها بلطف :
-بس أنا بقي مش شايف وسطهم حد غيرك . إنتي لوحدك إللي عايشة في قلبي.
فريال بإبتسامة :
-عارفة يا حبيبي . و واثقة من كده جدا … ثم قالت و هي تبتعد عنه قليلا :
-يلا بقي . يلا عشان ماتتأخرش علي طيارتك.
يحيى بنصف عين :
-ممم شكلك زهقتي مني و عايزة تزحلقيني.
فريال بضحك :
-أنا ! الله يسامحك . طب تصدق أنا غلطانة . خلاص خليك و بلاش سفر يا يحيى.
-لا لا لا إنتي صدقتي و لا إيه ؟ كده يتخرب بيتنا يا حبيبتي.
-ما إنت بتفهمني غلط . مش لسا هتروح القاهرة عشان تاخد الطيارة من هناك ؟ كل ده مش هياخد وقت ؟!
-هياخد طبعا يا حبيبتي .. ثم أكمل و هو يمسك بيدها :
-طيب يلا . يلا عشان تودعيني تحت.
فريال و هي تسحب يدها من يده بقوة :
-لأ . مابحبش الوداع .. أنا خلاص سلمت عليك !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
في منزل “سمر” … زاد شعورها بالإعياء خاصةً عقب ذهابه
فلازمت فراشها مستسلمة لأفكارها و هواجسها ، و لكنه هو .. كان أكبر هاجس يطاردها ..
إنتفضت حين رن هاتفهها فجأة
لكنها أسرعت بالإجابة عندما لمحت إسم الطبيب المشرف علي علاج “ملك” ..
-ألو !
ردت بصوت مهزوز من القلق ، ليأتي صوت الطرف الأخر :
-ألو أنسة سمر معايا ؟!
-أيوه يا دكتور أنا معاك ! خير في حاجة ؟ ملك حصلها حاجة ؟؟؟
-لأ إطمني حضرتك هي بخير مافيهاش حاجة.
سمر و هي تزفر بإرتياح :
-الحمدلله ! طيب خير ؟ حضرتك عاوز مني حاجة ؟!
-في الحقيقة أه يا أنسة . كنت بتصل عشان أستفسر عن حاجة مهمة.
-إتفضل يا دكتور !
-مصاريف العلاج يا أنسة سمر . بقالها يومين محدش جه دفعهم . لعل المانع خير !
سمر بصدمة كبيرة :
-المصاريف بقالها يومين .. محدش دفعهم ؟!
-أيوه يا أنسة . أنا لما فات أول يوم و محدش جه قلت جايز حصلت ظروف . بس إمبارح لا حد جه و لا حد إتصل فإضطريت أكلم حضرتك دلوقتي.
سمر بمرارة شديدة :
-أيوه يا دكتور !
-حضرتك عارفة إن المبلغ مش قليل . و لو الفلوس ماجتش إنهاردة هيبقي تالت يوم و كده أنا آسف هضطر أخرج أختك من الحضـَّانة و لازم حضرتك تيجي تاخديها بعد شوية إلا إذا جيتي و جبتي الفلوس معاكي و دفعتي الـتلاتيام مع بعض.
تقلص وجهها بألم شديد ، لتهطل من عيناها الدموع ..
لقد فعلها .. لقد تعمد فعل ذلك ليثبت لها أنها بحاجة له
توقف عن دفع رسوم العلاج … يا له من شيطان ..
ماذا ستفعل الآن ؟ .. و هي لا تملك فلسا !
أيعقل ؟ … أيعقل أن تتحقق مشيئته و .. و تذهب له ؟!
و قبل الميعاد أيضا !!!!!
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• ••
في قصر آل”بحيري” … تحديدا بالأسفل داخل الكراچ
تدخل “هالة” هي و السائق المسن و يمشيا في إتجاه صف السيارات الخاصة بالعائلة ..
-إنت عارف شركة عثمان بيه صح يا عم جابر ؟!
جابر ببشاشة تليق بسنه :
-عارفها يا ست هالة و هوديكي علي عيني.
هالة بإبتسامتها رقيقة :
-تسلم عنيك يا عم جابر .. طب يلا بقي شوف هتوديني بعربية مين !
-هوديكي بعربية يحيى باشا القديمة . أنا لما حد هنا بيعوزني أوصله في حتة بطلع بيه بعربية يحيى باشا القديمة . دي أوامره.
أومأت “هالة” بعفوية و هي تقول :
-أووك يا عم جابر . يلا بينا بقي.
-صباح الخير ! .. قالها “مراد” الذي آتي فجأة من خلف “هالة” ، لتلفت له و ترد بإبتسامة :
-صباح النور . إزيك يا مراد !
-الحمدلله تمام يا هالة . إيه إنتي رايحة لعثمان و لا إيه ؟
هالة و هي ترفع خصلة نزلت علي عينها :
-أه فعلا . رايحاله !
أحس أنها شعرت ببعض التوتر ، فقال بتهذيب :
-أنا آسف بس أنا كنت هنا و سمعتك غصب عني و إنتي بتقولي رايحاله.
هالة بإبتسامة مرتبكة :
-و لا يهمك هو مش سر يعني.
-طيب عموما أنا رايحله بردو . ممكن أخدك معايا لو تحبي !
هالة و قد تلاشت إبتسامتها الخفيفة :
-مش عايزة أتعبك.
-مافيش تعب يا هالة بقولك رايحله.
لم تجد حجة تفلت بها منه ..
فإلتفتت للسائق و تمتمت بخفوت :
-خلاص يا عم جابر . مراد هايوديني !
جابر بإبتسامة :
-ماشي يا ست هالة . و أنا هاجي وراكوا عشان أبقي أرجع حضرتك.
و هنا تدخل “مراد” قائلا بصرامة هادئة :
-مافيش داعي يا عم جابر خليك مستريح . أنا هبقي أرجع هالة هانم بنفسي !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
ترددت كثيرا و هي تفكر هذا … و لكنه أخر أمل بالنسبة لها ما إذا أرادت الحفاظ علي شرفها ، ما إذا أرادت العيش بكرامة
أخذت “سمر” نفسا عميق و زفرته علي مهل ، ثم حسمت أمرها و توجهت بخطوات واسعة مضطربة نحو محل الجزارة المقابل لبيتها
تخطت عتبة المحل ، لتتفاجأ برؤية السيدة “نعيمة” زوجة المعلم “رجب” و والدة “خميس ..
-صباح الخير يا طنط ! .. حيتها “سمر” بشئ من الإرتباك ، بينما رفعت “نعيمة” بصرها عن بعض الدفاتر الحسابية و ردت و هي تنظر لـ”سمر” من أعلي إلي أسفل :
-أهلا ! إصباح النور يا سمر . خير عايزه حاجة ؟
سمر بوجه شاحب :
-كنت . كنت عايزة خميس في موضوع كده . هو مش موجود ؟!
تنهدت “نعيمة” و هي ترمقها بغيظ ، ثم سألتها :
-و إنتي عايزة خميس في إيه ؟ قصدي يعني إيه الموضوع ده إللي عايزاه فيه ؟؟
سمر بإبتسامة مُحرجة :
-و لا حاجة . مش حاجة مهمة يعني . خلاص أنا هبقي أجيله وقت تاني.
و كادت تخرج ، لتستوقفها “نعيمة” بحدة :
-إستني يا سمر !
تجمدت “سمر” بمكانها ، بينما قامت “نعيمة” من خلف المكتب البالي و مشت صوبها ..
وقفت أمامها مباشرةً ، ثم بدأت بالكلام :
-إسمعيني كويس يا سمر . إنتي زي بنتي و يعلم ربنا إني بعزك إنتي و إخواتك . بكلمك جد مش بهزر.
سمر بإبتسامة لطيفة :
-شكرا يا طنط نعيمة . تسلمي يا رب . و إحنا كمان بنحبك أوي و الله.
-بس لحد خميس إبني و مافيش بعده . و محدش هيجي عندي أغلي منه.
سمر و قد توترت من نبرتها التي تحولت فجأة :
-ربنا يخليهولك !
-أمين . بس عشان إنتي زي بنتي زي ما قولتلك فهنصحك .. ثم أكملت و هي تنظر لها بحدة شديدة :
-إبعدي عن خميس . أحسنلك . مش هتنفعوا مع بعض . أديكي شوفتي بعينك خناقته مع أخوكي و أنا يا حبيبتي مش مستغنية عن إبني.
أومأت “سمر” و هي تقول بصعوبة بسبب الدموع المتحجرة بعيناها ترفض الخضوع :
-فهمت . ماتقلقيش يا طنط .. أنا مش عايزة أي حاجة من خميس . إنتي فهمتيني غلط.
نعيمة و هي تبتسم بسخرية :
-يا ريت أكون فهمت غلط.
إزدردت “سمر” ريقها الجاف أصلا و تمتمت :
-عن أذنك !
ثم مشت بسرعة من أمامها قبل حتي أن تسمع الرد ..
لتذهب بعد ذلك قرب الشاطئ حيث لا يوجد غيرها ، لتستسلم للإنهيار و البكاء هناك دون أن يراها أحد ..
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
في مؤسسة ( البحيري للتسويق و التجارة) التابعة لـ”عثمان البحيري” … تدخل “هالة” برفقة “مراد” و يصعدا معا لمكتب “عثمان”
تقف السكيرتيرة لدي ظهورهما ، و تلقي التحية برقة و بلباقة :
-صباح الخير يافندم . أي خدمة أقدر أقدمهالكوا !
مراد و هو يقطب بإستغراب :
-الله ! مش ده مكتب سمر بردو ؟!
السكرتيرة بإبتسامة :
-أيوه حضرتك بالظبط ده مكتب سمر.
-أومال هي فين طيب ؟
-سمر في إجازة مرضية بقالها يومين يافندم . لما ترجع إن شاء الله هتستلم مكانها تاني و أنا هبقي أرجع لمكاني.
أومأ “مراد” بتفهم ، ثم قال :
-طيب . من فضلك بقي بلغي عثمان بيه إننا عاوزين نقابله.
-طيب معلش بس ممكن تقولي إسم حضرتك ؟!
مراد بفتور :
-مراد . مراد أبو المجد و هالة البحيري.
أومأت السكرتيرة رأسها ، ثم رفعت سماعة الهاتف و إنتظرت لثوان ..
-ألو مستر عثمان ! .. في واحد قدامي هنا طالب يقابل حضرتك و معاه أنسة .. مراد أبو المجد و هالة البحيري .. حاضر . حاضر يافندم !
و أقفلت الخط ، ثم عاودت النظر إليهما قائلة :
-إتفضلوا مستر عثمان منتظركوا جوا.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°°°°
كان “عثمان” يجلس منهمكا في عمله ، و كان يرتدي نظارته الطبية التي يتخذها فقط حين يشعر بالتعب أو الصداع ..
عندما دخل “مراد” و معه “هالة” … قام ليستقبلهما ..
-أهلا أهلا . و أنا أقول الشركة نورت ليه ؟
مراد بغبطة ساخرة :
-يا لهوي يا صاحبي أول مرة تستقبلني بحرارة كده !
عثمان بنظرة جانبية :
-مش ليك ياخويا . الإستقبال الخصوصي ده لبنت عمي الجميلة .. و إقترب من “هالة” و صافحها و قبلها من وجنتيها ، ثم تساءل :
-يا تري بقي إيه سبب زيارتك ليا و لأول مرة في شركتي يا بنت عمي ؟
هالة و هي ترمقه بحب شديد :
-أولا وحشتني فقلت أجي أشوفك !
ضحك “عثمان” بخفة ، ثم طوق خصرها بذراعه و قال و هو يأخذها بإتجاه الصالون الأنيق بالمنتصف :
-يا حبيبتي و إنتي كمان وحشتيني و الله . طيب و ثانيا ؟
هالة و هي تجلس معه فوق الآريكة :
-ثانيا بقي في موضوع مهم كنت عايزة أتكلم معاك فيه.
عثمان رافعا حاجبيه بدهشة :
-موضوع مهم عايزة تكلميني فيه و جايبة معاكي مراد ! ده إللي هو إزاي ده ؟!
مراد و قد تلاشت إبتسامته :
-يا أخي حسن أخلاقك بقي . طب إنصفني قدام بنت عمك حتي !
عثمان بسأم :
-بس ياض.
-يا عثمان خليك معايا .. قالتها “هالة” و هي تدير وجهه بيدها ، ليرد “عثمان” بتركيز :
-معاكي أهو يا حبيبتي . خير ! إيه هو الموضوع ؟؟
هالة و قد جذبتها نظارته التي زادته وسامة :
-حلوة أوي النضارة دي عليك !
عثمان بإبتسامة و هو ينزع النظارة عن عينيه :
-شكرا يا حبيبتي . دي بلبسها في حالات معينة ماتقلقيش يعني نظري سليم لسا ماضعفش.
و ضحكا قليلا ..
لتتكلم “هالة” أخيرا :
-صالح يا عثمان.
عثمان بإستغراب :
-ماله صالح يا هالة !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°
في الخارج … تجلس السكرتيرة علي مكتب “سمر” تعمل بجهد متواصل ، و لكنها تشعر بالملل
فقد إشتاقت لممارسة وظيفتها الأساسية و تلك الوظيفة سخيفة جدا من وجهة نظرها ، خاصةً و أن المدير متقلب المزاج بصورة مقيتة ..
-صباح الخير !
إنتبهت السكرتيرة للصوت ، فرفعت وجهها ..
لتبتسم بقوة و هي تصيح متفاجئة :
-سمر !