خارج أسوار القلب
الفصل السابع
**********
في اليوم التالي أنهت (جمانة) عملها على الملف الذي سلمه لها الأستاذ (محفوظ) حين وصولها ثم أعادته له فراجعه سريعا ثم ابتسم في إعجاب قائلا :
– ربنا يبارك لك يابنتي، شوفي إنت بقى لك معانا حوالي شهرين بس ماشاء الله ذكية وبتفهمي الشغل بسرعة وتخلصيه بسرعة يمكن أحسن من ناس كتير قدام هنا.
أطرقت برأسها في خجل وهي ترد :
– ربنا يخليك يا أستاذ محفوظ ده بفضل متابعة حضرتك وزمايلي مدام هالة وأستاذ عصام مش بيبخلوا علي بأي معلومة أو نصيحة، ربنا يجازيكم خير.
ابتسم (محفوظ) مرة أخرى لكن في حنان هذه المرة وعاد يقول :
– ومتواضعة كمان، يابنتي إنت تستاهلي كل خير، يلا هروح أسلم الملف للباشمهندس وإن شاء الله هيتبسط جدا .
قالت في سرها “هذا هو المستحيل بعينه، منذ وطأت قدماي الشركة وهو يحاول تصيد الأخطاء لي وجعل الأمور والعمل أكثر صعوبة “، لكنها ابتسمت في هدوء مجيبة :
– إن شاء الله .
وخالف (أدهم) توقعاتها عندما أعجبه بالفعل عملها وبلغ الأستاذ (محفوظ) بذلك، مرت أيام أخرى والعمل تارة صعب وتارة سهل وأخرى ممل، حتى ذلك اليوم، كان (أدهم) جالسا في مكتبه يراجع أوراق مناقصة جديدة تهتم بها الشركة، منهمك في عمله للغاية حتى أنه لم يشعر بـ (سهام) وهي تدلف لمكتبه وتنادي عليه إلا عندما مدت يدها أمام وجهه ملوحة لتلفت انتباهه وهي تهتف :
– باشمهندس !!!!
تراجع للخلف ورفع عينيه بسرعة ليجدها فعقد حاجبيه في غضب وهو يسأل في صرامة :
– ايه ده يا آنسة سهام ؟ في ايه ؟ وايه الطريقة دي ؟
ارتبكت (سهام) بشدة مجيبة :
– والله ياباشمهندس حاولت ألفت انتباهك كتير بالتليفون الداخلي والباب خبطت حضرتك ماسمعتش وناديت كتير وبرده …
قاطعها محاولا إنهاء الأمر فهو يعلم أنه كان منغمسا لأذنيه في الملف الموجود أمامه :
– خلاص خلاص، في ايه ؟
أشارت لهاتفه النقال وأجابت :
– موبايل حضرتك رن حوالي ست مرات وحضرتك مش واخد بالك خالص، قلت أنبه حضرتك يمكن في حاجة مهمة.
عقد حاجبيه وهو يتطلع للنقال في عدم فهم وهمس :
– موبايل ؟
ثم وكأنما انتبه فجأة فسألها :
– إنتِ سمعتيه من برا؟
أومات برأسها إيجابا فقال :
– طيب متشكر يا آنسة سهام اتفضلي على مكتبك.
انسحبت من مكتبه في هدوء في حين أمسك هو بهاتفه وتطلع للرقم الذي بالفعل اتصل عليه ست مرات، لم يكن يعرف الرقم وهو في الغالب لا يهتم برقم لا يعرفه لكنه ولسبب ما لم يعلم ماهو هذه المرة ضغط زر الاتصال، استمع للرنين على الجانب الآخر لثوان ثم فتح الخط وسمع الصوت :
– السلام عليكم .
اندهش وشعر بقلبه ينبض بقوة، لا يمكن أن ينسى هذا الصوت أبدا لذلك تساءل بلهفة :
– آدم !؟
جاءه صوت أخيه يجيبه مازحا :
– طيب رد السلام الأول يا أخي.
لم يشعر بنفسه وهو يقفز من خلف مكتبه ويتساءل بلهفة أكبر :
– آدم إنت في مصر ؟
سمع ضحكته التي اشتاق إليها ثم صوته الحنون الحازم دوما :
– هتفضل مجنون مهما كبرت والناس قالت عليك عقلت، أيوة ياسيدي في مصر.
تنهد (أدهم) تنهيدة ارتياح طويلة واستمرت اللهفة الشديدة في صوته وهو يسأله :
– إنت فين دلوقتي؟ هأجيلك حالا.
شعر بابتسامة أخيه من صوته وهو يجيب :
– أنا في فندق (—-) .
قال بسرعة وهو يلتقط مفاتيح سيارته :
– طيب أنا جايلك حالا.
ثم تذكر أمرا فسأله قبل أن يغلق الخط :
– آدم كلمت بابا ؟
شعر بضيق شقيقه عندما صمت للحظة ثم أجاب :
– لا لسه، تعالى إنت دلوقتي وبعدين نبقى نكلمه.
تضايق (أدهم) هو الآخر لكنه لم يظهر ضيقه وأنهى المكالمة قائلا :
– طيب مسافة السكة وأكون عندك.
ثم انطلق بسرعة ذاهبا لأخيه، دخل الفندق وسأل في الاستقبال عنه وقبل أن يجيب موظف الاستقبال سمع من خلفه صوته الحنون يناديه بشوق :
– أدهم.
التفت إليه بلهفة ولم يصدق عينيه وهو يملأهما بصورة أخيه ثم انطلق ورمى نفسه بين ذراعيه هاتفا :
– آدم وحشتني، وحشتني جدا جدا .
ثم نظر في عينيه معاتبا وهو يكمل :
– ينفع كده يا آدم؟ تغيب عننا ده كله وتتعبنا معاك وتقلقنا عليك.
جذبه أخيه من يده واتجه لأحد أماكن الجلوس في الاستقبال وهو يقول :
– تعالى بس يا أدهم، نقعد ونطمن عليك الأول وبعدين نبقى نتعاتب.
اتجه معه (أدهم) في استسلام وأخذ كل منهما مجلسه، لاحظ (أدهم) وجود طفل صغير يجلس بجوار (آدم) ويبتسم لهما في هدوء لايناسب سنه فتساءل عن هويته ورفع عينيه بذات التساؤل لأخيه، ربت (آدم) على رأس الصغير في حنان وقال :
– يوسف ابني.
علت الدهشة وجه (أدهم) وهو يتطلع للصغير وهو يردد :
– ابنك ؟
ثم رفع عينيه لأخيه وهو مازال يردد :
– ابنك ؟
علت ابتسامة وجه (آدم) وهو يجيب :
– أيوة يا أدهم ابني، ايه يابني غريبة ولا ايه ؟
نفض (أدهم) دهشته وهز رأسه قائلا :
– مش قصدي ، بس إنت اتجوزت إمتى ؟ وليه ماقلتش ؟ ومصرية ولا منين بالظبط ؟
تنهد (آدم) بعمق ثم أجاب :
– عادي اتجوزت في كندا زميلة من هناك بعد سفري بحوالي سنة وماقلتش لأني يمكن كنت غضبان أو زعلان أو عاوز أبعد وخلاص.
استغرب (أدهم) وعاد يقول :
– بس إنت كلمتنا من ييجي سنتين ليه ماقلتليش إنك اتجوزت وكمان عندك ولد، ابن أخويا ؟
وابتسم وهو يمد يده لـ (يوسف) فتطلع إليه الصغير في تردد ثم رفع عينيه لوالده الذي ربت على كتفه مشجعا وهو يخاطبه قائلا :
– عمو أدهم يا يوسف، سلم عليه .
اتجه الصغير لـ (أدهم) ومد يده بهدوء مصافحا فابتسم (أدهم) من طريقته و شده إليه وقبل رأسه ثم أجلسه بجواره وهو يقول لوالده :
– ابنك طالع لك يا آدوم، رزين وعاقل وخجول.
ثم قبل رأس الصغير مرة أخرى وأكملَ وهو يتطلع لعينيه الزرقاوين :
– إنما إيه القمر ده ؟ أنا هآخده معايا النادي بقى وأقول ابن أخويا أهو .
ابتسم (آدم) بحنان وهو يتطلع لصغيره الذي يحمل ملامحه هو العربية الوسيمة وعيني والدته الزرقاوين وشعرها الكستنائي وبشرتها البيضاء النقية ثم سمع (أدهم) يتساءل :
– أمال فين مامته ؟
رفع عينيه لأخيه وامتلأتا بالحزن ثم أجاب :
– مامته الله يرحمها.
شعر (أدهم) بالأسى على حال أخيه وعقَّب :
– الله يرحمها، احكي لي بقى كل حاجة من يوم ماسبتنا لحد النهاردة.
ثم فكر للحظة وأكمل :
– ولا أقولك إحنا نكلم بابا ونروح البيت وتحكي لنا كلنا هناك، إيه رأيك؟
عقد (آدم) حاجبيه وقال في حزم :
– أدهم إنت عارف ردي على سؤالك يبقى مالوش لازمة تسأله.
شعر (أدهم) بالحزن لكن أخاه أكمل وهو يرى الضيق على وجهه :
– إحنا هنتغدى النهاردة سوا هنا ونتكلم وأعرف أخباركم وربنا يسهل بعدها.
(أدهم) :
– طيب وبابا ؟ مش هتكلموا ؟ ده هيتجنن عليك يا آدم حرام كده .
(آدم) :
– أكيد هأكلموا بس إديني فرصة أستقر الأول.
(أدهم) :
– تستقر ؟ إنت أكيد بتهزر ! عاوز تفضل هنا لحد ماتستقر وأنا عارف إنك هنا وبابا هيموت من القلق ومايعرفش، حرام عليك يا آدم من إمتى كنت قاسي بالشكل ده ؟.
(آدم) بحزم :
– مفيش داعي للكلام ده يا أدهم لأن إنت عارف كويس من إمتى، وعارف كويس ايه اللي حصل ورد فعل بابا كان إزاي ، أنا مش زعلان منه لدرجة إني مش هأكلمه لكن محتاج فرصة أجهز نفسي فيها ع الأقل نفسيا إني أتكلم معاه.
(أدهم) بلهجة حزينة :
– ليه يا آدم ؟ إنت مصمم تفكرني ومصمم تحاسب بابا مع إن ….
صمت للحظة ثم أكمل :
– مع إن مش هو السبب، أنا مش هادي لأمي العذر لأني فاكر كويس اللي حصل أيامها ، بس بابا مايستاهلش منك كده، إنت ماشفتش حالته بعد ماسبت البيت ولا بعد ماوصلنا خبر سفرك، ولا قد إيه حزن لما عرف إنك كلمتني عشان تطمن علينا وعلى سارة ومااهتميتش تكلمه، لازم تديله العذر وتسمعه وتسامحه حتى لو شايف إنه غلط، كلنا بنغلط المهم مانستمرش والمهم كمان اللي قدامنا لما نعترف بغلطنا يسامحنا.
(آدم) بعد لحظة تفكير :
– ربنا يسهل يا أدهم، مش كل حاجة بتتحل في دقيقة، يلا عشان نتغدى وأعرف أخباركم.
(أدهم) مع ابتسامة حزينة خفيفة :
– ماشي يا آدم براحتك.
ثم أمسك يد (يوسف) الصغير ونهض مخاطبا إياه :
– يلا يا جو لما نشوف آخرتها مع بابا إيه.
جلسوا جميعا على مائدة في مطعم الفندق وبعد طلب الطعام تحدث (أدهم) مع (يوسف) الصغير قائلا :
– ايه يا يوسف بتتكلم عربي ولا مش هنعرف نتفاهم ؟
ابتسم (يوسف) وقال بالعامية المصرية :
– لا بأتكلم ياعمو ومصري كمان.
علت الدهشة وجه (أدهم) والذي ظن أن الصغير لو افترض أنه يتحدث العربية فستكون فصحى وضعيفة في أحسن الأحوال أما أن يتحدث لهجة والده العامية فكان هو الأغرب، لكنه طرح دهشته جانبا وهو يبادله ابتسامته قائلا :
– ايه ده ؟ ماشاء الله ياجو ده إنت طلعت مصري أصيل أهو.
تحدث (آدم) مخاطبا أخاه :
– لورين كانت مهتمة إن يوسف يتكلم عربي كويس وبلهجتنا كمان، كانت دايما حريصة إننا نختلط بالجالية العربية والمصرية خصوصا هناك، وكان لها أصحاب مصريين كتير.
(أدهم) بتساؤل :
– لورين ؟
(آدم) :
– أيوة، مامة يوسف، حتى لما جينا نختار اسمه قالت عاوزة حاجة وسط تنفع هنا وهناك، مقبولة عند المصريين وفي كندا.
(أدهم) :
– احكي لي بقى ليه سافرت وعملت ايه هناك وإزاي اتعرفت على مامة يوسف ، عاوز أعرف كل حاجة.
تراجع (آدم) في مقعده وتنهد ثم أجاب :
– طيب نتغدى الأول بعدين نطلع الجناح فوق ونتكلم براحتنا .
أومأ (أدهم) برأسه موافقا ثم تناولوا طعامهم وصعدوا لجناحه، طلب (آدم) من ابنه أن يدخل غرفة النوم ويلعب هناك، أطاعه الصغير بشكل مدهش حتى أن (أدهم) تطلع إليه وهو يغادرهم ويغلق الباب خلفه ثم التفت لأخيه متسائلا :
– يوسف ده عسول أوي بس غريب، هادي جدا مااتكلمش كلمتين على بعض حركته مش مناسبة لسنه.
(آدم) بابتسامة أبوية حنون :
– يوسف من وهو صغير وهو هادي وخجول جدا، لورين كانت دايما بتحاول تخليه اجتماعي زيها ويختلط بالناس لكن كان بيفضل في وسط أي جروب هادي وساكت ومايتكلمش إلا لو حد وجه له كلام مباشر، كتير كنا بنعتقد إنه مريض أو أوتيستيك بس هو بخلاف انطوائه طفل عادي جدا وممتاز في دراسته ومع الأطفال في سنه اختلاطه معقول.
(أدهم) :
– معلش يمكن مشتت بين أب مصري وأم كندية ومش عارف يستقر مع مين فيهم .
قالها وابتسم محاولا إغاظة أخاه الذي بادله الابتسامة وهو يهز رأسه قائلا :
– مفيش فايدة فيك هتكبر وتبقى مدير وبرده مشاغب زي الأطفال .
ضحك (أدهم) بصوت عال و رد :
– ماشي ياكبير، المهم واحد عاقل والتاني مجنون عشان التوازن برده ….
ثم اتخذ مظهرا جادا وهو يستطرد :
– نتكلم جد بقى، احكي لي بالتفصيل الممل عملت ايه من ساعة ما سبتنا؟
رد (آدم) وهو يحاول اتخاذ وضع جلوس مريح :
– ماشي ياسيدي نبتدي من الأول، إنت طبعا عارف أنا سبت البيت ليه، لما مشيت ماكانش قدامي مكان ألجأ له ولا حد أعتمد عليه حتى شغلي كان مع بابا وبالتالي رجوعي له مش هيحصل، رحت للراجل اللي كنت بأعتبره زي والدي، دكتور محمد أستاذي في الجامعة وقتها، ولأنه كان قريب مني جدا حكيت له كل حاجة وهو ربنا يجازيه خير ساعدني ووقف معايا وجاب لي شقة إيجار في عمارة واحد قريبه، فضلت فترة هنا بأتابع شغلي في الجامعة لحد ما دكتور محمد عرض علي فكرة السفر والشغل في كندا، كان موفر لي فرصة كويسة هناك وفعلا، كنت حاسس إن كل الخيوط اللي بتربطني بهنا انقطعت تقريبا فانتهزت الفرصة وسافرت، هناك اشتغلت واكتسبت خبرة عمري ماكنت هاكتسبها هنا، اتعلمت أكتر واستفدت أكتر واتعرفت على لورين، كانت زميلتي في الشغل وفي نفس الوقت شعلة نشاط تمشي على قدمين، بتشارك في فعاليات كتير جدا يمكن على مستوى كندا ككل، تعرف عرب كتير جدا ومصريين كمان، قالت لي إنها زارت مصر مرة واحدة وانبهرت بكم العراقة فيها وماصدقتش كمية الإهمال الموجودة كمان، كانت سعيدة جدا إنها اتعرفت على مصري جديد اللي هو أنا، ومع الوقت حسيت بمشاعرها ناحيتي بتختلف، وحسيت إني أنا كمان بأحس معاها بشعور مختلف، وإنت عارف أخوك دوغري ومش بتاع لف ودوران، عرضت عليها الجواز والمفاجأة إنها وافقت فورا، واتجوزنا وبعد سنة بالتمام ربنا رزقنا بيوسف ونقلنا أونتاريو وعشنا فيها خمس سنين كانت أجمل فترة عشتها وحسيت فيها باستقرار، بعدها …
صمت (آدم) لحظات وكأنه يستجمع أفكاره ويداري حزنا طفى على السطح ثم أكمل :
– بعدها اكتشفنا إن لورين عندها كانسر وللأسف لما عرفنا كانت الحالة متأخرة والمرض بدأ ينتشر فعلا، هي كانت كتير بتتوجع بس كانت عايشة على المسكنات اللي وصلت معاها لحد الإدمان أحيانا وكانت مخبية موضوع آلامها عننا كلنا، بعدها بسنة ماتت لورين وسابتني أنا ويوسف، جده وجدته كانوا من أجمل الناس اللي عرفتهم وطبيعي بنتهم تكون جميلة زيهم، كانوا تعويض لحاجات كتير اتحرمت منها، ولما أخدت قرار الرجوع لمصر عشان يوسف يتربى ويتعلم هنا، كنت خايف جدا من رفضهم لكن شجعوني وقالوا لي الزيارات مش هتتقطع أبدا سواء هنا أو هناك وإني أعمل اللي شايف فيه مصلحة ابني، وبس ياسيدي خلصت التزاماتي هناك وودعت أصحابي وجبت ابني وجيت، وكنت أنت أول واحد أفكر أتصل بيه.
استمع إليه (أدهم) في صمت يتخلله بعض الحزن، حزن لما ألّم بأخيه واضطراره لترك موطنه، حزن لغربته وبعده عن أهله ثم فراق زوجته، لكنه قال في النهاية :
– تعبت كتير يا آدم بس ربنا عوضك بزوجة حبتك وابن يسعدك، ربنا يجعله ذرية صالحة، واضح إنك كنت بتحبها.
فكر (آدم) في كلمة أخيه ثم رد :
– هو مش الحب المعروف اللي انت بقى تفضل تفكر في اللي بتحبه وتسهر وتحلم بيه ومااعرفش ايه ، أنا لقيت معاها حاجة تانية، سكينة واطمئنان واحتواء، حاجة كنت محتاجها وهي كانت معطاءة فيها لأبعد حد، ببساطة علقت قلبي بيها وحس إن هي السكن بتاعه.
(أدهم) :
– ربنا يرحمها ويخليلك يوسف.
(آدم) :
– آمين يارب .
(أدهم) بتساؤل متردد :
– مش هتكلم بابا بقى وتطمنه عليك ؟
(آدم) بعد برهة صمت :
– بلغه إنت يا أدهم وأنا هنا مش هاروح بعيد.
(أدهم) :
– ليه كده بس، إنت غبت عنه كتير ووحشته أكتر، من حقه تكلمه إنت وتفرحه برجوعك.
(آدم) :
– أكيد هاكلمه وهاشوفه كمان، بس بخصوص إني رجعت تقدر تقوله إنت، أنا لسه محتاج أظبط أموري هنا وبأفكر أفتح مكتب صغير كده على قدي عشان شغلي.
(أدهم) بدهشة :
– مكتب ؟ إنت في ايه يا آدم ؟ يعني مش عاوز تبلغ بابا برجوعك وقلت ماشي لكن كمان مش عاوز ترجع شغلك في الشركة ؟ بص دي مش مسألة شغل بس ده شركتك إن شاء الله بعد عمر طويل وليك فيها زيي بالظبط، ومش من حق أي حد يرفض وجودك فيها.
(آدم) :
– إنت بتهزر يا أدهم، إنت فاكر إني ممكن أرجع أي مكان يربطني بـــ ….
ولم يكمل جملته لكن أخاه فهم ما أراد قوله وشعر بالحنق لذلك هتف في غضب :
– يربطك بمين يا آدم؟ بي ولا بأبوك ولا أختك وأهلك ؟ دول اللي مش عاوز ترتبط بيهم ؟
(آدم) :
– ماتفهمنيش غلط يا أدهم إنت عارف قصدي كويس.
(أدهم) وهو مازال حانقا :
– لا للأسف مش عارف، مالك؟ كنت فاكرك أعقل من كده وبأقول مثلي الأعلى ، جاي في الآخر عاوز تقطع رحمك يا آدم، آخر حاجة كان ممكن أتصورها إنك توقف حياتك وعلاقتك بأبوك وإخواتك عشان موقف ضايقك حتى لو من أمي.
(آدم) بتردد :
– يا أدهم افهمني المسألة مش قطع رحم حاشا لله إني أعمل حاجة زي دي، المسألة من أولها لآخرها حرج، صعب بالنسبة لي أرجع مكان خرجت منه قبل كده شبه مطرود وكان هيجيلي فيه البوليس كمان.
(أدهم) بضيق :
– مفيش داعي تفتح الموضوع ده تاني ومفيش حاجة اسمها حرج، أنا ماقلتلكش ارجع البيت أنا بأتكلم عن الشركة وشغلك فيها، يا آدم إنت اللي علمتني ألف باء تجارة واقتصاد ومناقصات جاي دلوقتي تقولي لا هاشتغل لوحدي ومش راجع معاك، وعلى فكرة الشركة دلوقتي أنا اللي بأديرها وبابا بقى له حوالي 5 سنين بييجي زيارات سريعة لو في حاجة مهمة محتاجة وجوده وخلاص والباقي بيتابعه من البيت يعني هتشتغل معايا أنا ياسيدي.
(آدم) وقد سأم من كثرة الحديث في هذا الأمر :
– خلاص يا أدهم ربنا يقدم اللي فيه الخير، مش جاي تشوفني عشان نتخانق سوا.
قام (أدهم) من مكانه واتجه إلى أخيه، جلس بجواره وربت على كتفه وهو يقول :
– أنا مش بأتخانق ياآدومة وانت عارف، أنا نفسي ترجع زي الأول تبقى معايا وتساندني وتشجعني وتقف جنبي، شوف من غير كلام كتير أنا هأبلغ بابا إنك رجعت النهاردة وهأديك فرصة أسبوع تستقر فيها سواء نفسيا أو ماليا أو حتى موضوع السكن ومش هأغصب عليك ترجع البيت تاني وبعدها هأستناك في الشركة ومفيش نقاش، أينعم إنت الكبير بس أنا بأقولك أهو.
ثم ابتسم وهو يشير بإصبعه في وجهه محذرا، فحرك أخاه يده وهو يبعد إصبعه قائلا في مرح :
– طيب بس بلاش الصباع ده.
ضحكا سويا ثم وقف (ادهم) وقال وهو يتطلع للغرفة التي يلعب بداخلها يوسف :
– بابا هيفرح أوي بيوسف، هو عنده كم سنة يا آدوم؟
(آدم) :
– 8 سنين .
(أدهم) ضاحكا :
– ماشاء الله، مابتضيعش وقت إنت، طيب قوم تعالى نلعب معاه شوية وأغلس عليه الغلاسة المصري بتاعتنا.
(آدم) بسعادة :
– لا ماتقلقش هو متعود وممكن يغلس عليك أنت.
(أدهم) :
– ياسلام، يغلس ياسيدي هو إحنا نطول، دي سارة هتموت من الفرحة لما تعرف إنها بقت عمتو.
(آدم) :
– صحيح يابني من ساعة ماجيت وإحنا بنتكلم عني ومااعرفش أخبارك ولا أخبار سارة، عاملين واتجوزت إنت ولا لسه ؟
(أدهم) :
– أتجوز مين ياعم خلي الطابق مستور، قال جواز قال، وسارة ياسيدي مطلعة عيني وزي العسل زي ماهي،
(آدم) بدهشة :
– خلي الطابق مستور؟ ايه يا أدهم اعترف في ايه ؟
(أدهم) وهو يضحك :
– مفيش يابني بس مالقيتش الواحدة اللي تقدر تحركني لسه، أعمل ايه يعني ، قلبي قفله مصدي .
(آدم) بابتسامة :
– ربنا يرزقك باللي معاها المفتاح ، يلا بينا نروح لجو عشان زمانه زهق لوحده.
واتجها للغرفة الجانبية التي جلس فيها (يوسف) يلعب ويشاهد التلفاز، مضى (أدهم) بعض الوقت مع أخيه وطفله ثم عاد للمنزل بعدها وهو يفكر كيف سيخبر والده بعودة (آدم) !.