خارج أسوار القلب
الفصل الثاني
_______
جلست ( جمانة ) في صمت تتأمل سقف حجرتها، تتلألأ دمعة في عينيها، شاردة في عالم ذكريات ماضية لم تمحى من عقلها وقلبها أبدا، سمعت طرقة خفيفة على الباب فأجابت بخفوت وهي تمسح دموعها بكفيها كطفلة صغيرة :
– ادخل !!
دخلت شقيقتها ( لمياء ) بهدوء إلى الغرفة وتطلعت إليها بصمت فابتسمت ( جمانة ) وقالت لها :
– إزيك يالميا فينك من زمان مش بتيجي ليه ؟
ثم توجهت نحوها لتقبل وجنتيها برقة، سحبتها لتجلسها بجوارها على الفراش ثم تساءلت :
– إيه مال الجميل ساكت ليه يعني جاية تشوفيني عشان تفضلي ساكتة ؟
ابتسمت ( لمياء ) بحزن وقالت لها :
– جوجو ليه بتعملي كده ؟
استغربت ( جمانة ) وعادت تسأل :
– بأعمل ايه يالميا ؟
نظرت لها شقيقتها بعمق وهي ترد باستهجان :
– على طول قاعدة لوحدك ياماسكة كتاب يانايمة حتى ( ملك ) معظم وقتها مقضياه مع ماما .. جمانة حرام عليك اللي بتعمليه في نفسك وفي بنتك ده .. هي ذنبها ايه طيب تبعديها عنك كده ؟
دمعت عينا ( جمانة ) مرة أخرى وحاولت النطق لكن لم تخرج منها حروف مرتبة فصمتت وارتفع صوت بكائها، ضمتها شقيقتها لصدرها بسرعة وهي تربت على كتفيها وتمسح على شعرها برفق ثم همست :
– حبيبتي انا مش عاوزة أزعلك والله أنا زعلانة عليك .. إنت إختي ياجوجو أختي الصغيرة حبيبة قلبي .. جايز فرق السن بينا مش كبير للدرجة لكن كافي إني أحس إنك بنتي وإنك مسئولة مني ؟
استمرت ( جمانة ) في البكاء بصمت و إن خفتت حدة بكائها فمسحت ( لمياء ) بكفها على شعرها مرة أخرى وتعوذت من الشيطان، ابتسمت وهي تبعد شقيقتها عن صدرها وتنظر لها ثم تمسح دموعها بأصابعها هامسة :
– جوجو .. تفتكري هو سعيد باللي انت بتعمليه في نفسك وفي بنته دلوقتي ؟ فرحيه طيب .
ارتفعت حدة بكاء ( جمانة ) مرة أخرى وهي تقول بصوت باكي :
– مش قادرة يا لميا .. حاولت كتير ومش قادرة .. كل همسة .. كل نفس .. كل مللي في حياتي بيفكرني بيه .. بيفكرني بحبي له وحبه ليَّ بيفكرني بالسعادة اللي اتحرمت منها فجأة وأنا لسه مالحقتش أحس بيها .. مش قادرة .
ورمت بنفسها فوق وسادتها تبكي بصوت عال وتعانق دموعها الوسادة، أخذت ( لمياء ) نفسا عميقا تحاول به حبس دموعها وجذبت شقيقتها لحضنها مرة أخرى وهي تربت على رأسها برفق وتقرأ بعض آيات القرآن حتى هدأت، بعد دقائق قليلة أبعدت ( جمانة ) نفسها من بين ذراعي شقيقتها ومسحت دموعها بمنديل ثم قالت لها :
– معلش يا لميا عارفة إنك لما بتيجي لي هنا بانكد عليكي .. نفسي فعلا أخرج من اللي أنا فيه بس كل حاجة صعبة تخيلي كل ماتلفي يمين تشوفي ابتسامته .. تروحي شمال تسمعي ضحكته .. تنامي تلاقيه في أحلامك وتتخيلي نفسك في أمان حضنه .. تعبت يا لميا تعبت وملك كمان كل ماابص لها اشوفه .. شفتي شبهه ازاي يا لميا كل تفصيلة في ملامحها نسخة منه .
ابتسمت ( لمياء ) بحزن ثم ردت :
– ايوة كويس انك عارفة انك منكدة علي على طول .
صمتت للحظة تابعت بعدها :
– مش يمكن ربنا عوضك بيها ! هي جزء منه وكمان شبهه .. تعويض عشان تقدري تصبري وتعيشي وتدعي له دايما .. صدقيني ياجمانة إنت ما تعرفيش الخير فين وماتعرفيش لو كنتوا مع بعض دلوقتي كنتوا هتبقوا عاملين إزاي .. ثقي دايما إن ربنا اختار لك الصح واللي فيه خير ليكي لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع حبيبتي صح !. يبقى نعيش واقعنا بحلوه وبمره ونتقبل كل لحظاته لأن ده هو الخير وهو قدر ربنا لينا حتى لو تعبنا منه أو كان صعب علينا لكن يفضل هو الخير اتأكدي من ده .
أومأت ( جمانة ) برأسها في صمت وقلبها تغلفه كلمات أختها بحنان ورفق وتتغلغل فيه بهدوء، فابتسمت ( لمياء ) و تساءلت :
-أمال ملوكة فين وحشت خالتو العفريتة دي ؟
ضحكت ( جمانة ) بخفوت وتنهدت مجيبة :
– مع ماما طبعا .. ماما تعبت معايا أوي يا لميا ما تاخديها تقعد عندك كم يوم تغير جو وتريح نفسها وأعصابها شوية .
ابتسمت ( لمياء ) و قالت بخبث :
– تريح اعصابها .. اعترفي عاوزة تعملي مصيبة وعاوزاني اخدها ها !
عادت (جمانة) للضحك ثم تنهدت و ردت :
– أنا مبسوطة أوي أنك جيتي النهاردة يالميا .. بجد كنت محتاجة أشوف حد .
ابتسمت (لمياء) بحنان ثم قالت :
– ياحبيبة قلبي طيب ليه مش بتخرجي أو تكلمي نورا .. على فكرة اتصلت بي أكتر من مرة تسألني عليكي وعلى موبايلك المقفول على طول ده ، نورا أعز أصحابك إن ماكانتش الوحيدة ياجوجو ليه مش بتخرجوا سوا تغيري جو وخدي ملوكة معاكي أهي تلعب مع ابنها شوية .
تنهدت ( جمانة ) وفكرت لثوان ثم اعتدلت في مجلسها قائلة :
– خلاص أنا هأكلمها وأتفق معاها وأشوف .. وحشتني والله كتير جدا بس هأعمل ايه بقى .
احتفظت (لمياء) بابتسامتها وهي تقول :
– خلاص تمام .. كلميها دلوقتي أو النهاردة بالكتير ماتتأخريش لأنها قلقانة عليكي جدا وماتنسيش تاخدي ملوكة بقى ها.
أومأت (جمانة) برأسها موافقة وهي ترد :
– طيب أوك .. بس ماقلتليش إنت جاية النهاردة زيارة عادية ولا الموضوع فيه إن ..؟
اعتدلت (لمياء) مواجهة شقيقتها ثم تكلمت بجدية :
– الحقيقة .. الموضوع فيه إن ولعل وكأن وكل حاجة .. ثم ابتسمت وهي تستطرد :
– أنا جبت لك شغل .
صمتت تنتظر رد فعل شقيقتها وتنظر إليها باهتمام .. علت الدهشة وجه (جمانة) لثوان ثم مطت شفتيها وتساءلت ببطء:
– ليه يا لميا ؟ ايه خلاكي تفكري إني عاوزة أشتغل وبعدين مين هيرضى يشغلني بالمؤهل بس من غير خبرة ؟
أجابت (لمياء) :
– من الناحية دي ماتقلقيش حبيبتي أنت أوك من غير خبرة بس دراستك وشهاداتك كفاية .. لغة وكمبيوتر وخبرة مش بطالة في التصميم غير دراستك للإدارة بجانب المحاسبة ودبلومة في الاقتصاد يعني كلها حوافز تخلي اللي يشوف السي في يعمل لك المقابلة .. وبالنسبة بقى لموضوع ليه جبت لك شغل فالسبب واضح وواحد لازم تخرجي من اللي انت فيه تشوفي الناس وتغيري جو وتنشغلي بأي حاجة وتطلعي من المود بتاعك وانطوائك ده .
اغرورقت عينا (جمانة) بالدموع وعضت شفتيها في ألم فربتت (لمياء) على كتفها وهي تكمل :
– لا لا لا جوجو احنا ماصدقنا أنا بأقول أعمل حاجة تشغلك وتبقي كويسة تقومي ترجعي تعيطي تاني عاوزة تزعليني ؟
مسحت (جمانة) دموعها وهي تهتف :
– لا والله يالولو مش قصدي دي دموع فرح على فكرة .. فرحانة أوي باهتمامك بي وقربك مني .. ربنا مايحرمني منك ياقلبي .. وعشان أثبت لك أنا موافقة ع الشغل ياستي .. قولي لي ايه المطلوب مني وأنا معاكي على طول .
ابتسمت ( لمياء) في فرح وضمت شقيقتها إلى صدرها وقالت :
– أيوة كده ياجوجو .. حبيبة قلبي رجعت تاني .. خلاص ياجميل أنا هاظبط الموضوع وهأكلمك أقولك على آخر الأخبار وأتفق معاكي هنعمل ايه.
فسارعت (جمانة) لسؤالها :
– طيب يالميا مش تقولي لي الشغل ده فين وعبارة عن ايه ؟
أجابتها (لمياء) :
– شوفي ياستي هي شركة كبيرة بتاعة واحد صاحب حمايا بس اللي بيديرها حاليا ابنه هو مهندس ومالوش في شغل التجارة بس عشان خاطر باباه بقى اتعلمها وحمايا كلم صاحبه بعد ماطلبت أنا منه يشوف لك شغل، قاللي إنه كلمه ومفيش عنده أي مانع وطلب السي في بتاعتك وأنا بعتها له ولسه منتظرين رده بس ماتقلقيش هو غالبا هيوافق، حمايا بقى ..
ابتسمت (جمانة) ثم سألت شقيقتها :
– طيب وابنه اللي ماسك الشغل حاليا مش هيعترض ؟
ردت ( لمياء ) :
– يعترض على مين يابنتي على باباه .. ماتنسيش إن باباه صاحب الشغل وهو مديره وبس هو أينعم الشركة حالها اتغير بعد لما مسكها واتقدمت كتير في السوق بس مايقدرش يقول لباباه لا .. ده أولا ثانيا بقى وده الأهم السي في بتاعتك مشرفة ينقصها بس الخبرة وهما أكيد عندهم متدربين في الشركة وأنت هتكوني أفضلهم لأنك اتعلمت حاجات كتير باستغرب لحد دلوقتي ليه مااشتغليش بيها .
طأطأت (جمانة) رأسها وردت في خفوت :
– ما إنت عارفة إن حسام كان رافض موضوع الشغل تماما وأنا ماكنتش أقدر أزعله خاصة اني ماكنتش محتاجة وحتى دلوقتي مش محتاجة بس أهو حاجة تشغل وقتي شوية .
ربتت (لمياء) على كتفها مرة أخرى وهي تقول :
– أنا عارفة ياجوجو ماشاء الله حسام كان مستواه كويس وحاليا ساب لك ميراث معقول .. بس تفتكري هيستمر للأبد من غير مايخلص .. دلوقتي الصيدلية بيديرها دكتور بييجي يوم وعشرة لا مش فاهمة ايه ده وانت حتى مابتسأليش عليها وسايباه براحته ومكتفية بالمبلغ اللي بتاخديه كل شهر منها، وحتى الأرض اللي في بلد والد حسام ماتعرفيش عنها حاجة غير الايراد اللي بييجي منها كل كم شهر ولا عارفة ده حقك ولا لا وسايبة إخواته من باباه يتحكموا فيها على الرغم من إن علاقتهم مع مامته مقطوعة تماما .. حبيبتي اقلقي على حاجتك وحاجة، بنتك شوية مش كده اصحي بقى وفوقي وشوفي حالك .. أنا مش بأقولك اشتغلي عشان محتاجة بس عشان تعملي حاجة مش كل الأيام تبقى زي بعضها، وليلك زي نهارك وبكرة زي امبارح عيشي وعيشي بنتك جنبك اخرجي شوفي الناس وبنتك الصغننة دي ذنبها ايه تتحبس كده .. عيشي حياتك ياحبيبتي الدنيا ماوقفتش ومش هتقف .. إنت بس اللي وقفتي الزمن بتاعك وهو لسه بيتحرك حواليكي .
صمتت (جمانة) وعادت إليها ذكريات الأعوام الثلاثة الماضية بعد وفاة ( حسام ) في ذلك الحادث الذي دمر سعادتها .. وطفلتها الصغيرة التي لم يتخطى عمرها الشهور الستة وقتها، الآن طفلتها على أعتاب عامها الرابع وهي تعيش معها وبعيدة عنها في نفس الوقت .. كم تألمت !. كم حزنت !. كم صرخ قلبها وأنّ بين ضلوعها !. كم تحملت وسادتها دموعها وتبللت بها !. كم من مرة حلمت به يضمها لصدره في حنان كما اعتادت وهي معه !. آهة صرخ بها قلبها انعكست على شكل تنهيدة حارة خرجت من بين شفتيها وهي تجيب بخفوت :
– أنا هاجرب يا لميا .. هاحاول .. ع الأقل عشان ملك وعشان أخرج من اللي أنا فيه وأشغل عقلي اللي قرب يتجنن بأي حاجة.
ابتسمت (لمياء) وتنهدت بارتياح وهي ترد :
– طيب كده تمام احنا متفقين .. هاعرف الأخبار وأكلمك ونشوف هنعمل ايه، دلوقتي ايه رأيك بقى ناخد ملوكة وماما ونخرج نتغدى برا ونتفسح شوية .
بادلتها (جمانة) الابتسامة وقالت :
– ماشي أوك .. بس ماقلتليش أنت أخبارك ايه ؟ من ساعة مادخلتي وانت عمالة تطبطبي علي وماطمنتينيش عليكي .. عاملة ايه وأخبارك مع أحمد ايه ؟
ارتسمت ابتسامة حزينة على شفتي (لمياء) سرعان ماتلاشت لتقول لأختها بسرعة كأنها تداري أمرا ما :
– كلنا كويسين أنا وأحمد وحمايا وكله اطمني .. خلينا فيكي انت أنا دلوقتي هاروح اقول لماما تجهز وتلبس ملك على ما أنت تلبسي ونخرج سوا ماشي !
صمتت (جمانة) فهي تعلم أن شقيقتها لا تريد أن تحملها آلامها مهما كان قدرها لكنها تغاضت عن الأمر وهي تعطي الفرصة لشقيقتها لتتحدث إليها وقتما ترغب، أجابت بابتسامة :
– أوك .. أنا هالبس أهو وإنت قولي لهم .
خرجت ( لمياء ) من الغرفة واستندت لبابها بظهرها وهي تتنهد ثم همست لنفسها :
– أقولك ايه ياجوجو .. إن حب عمري بيخوني .. ومش قادر يتحمل أو يصبر على إن مفيش ولاد لحد دلوقتي ونفسه يكون أب .. أقولك ايه بس وانت فيكي اللي مكفيكي ..
ثم ذهبت في صمت وخطوات بطيئة منكسرة لغرفة والدتها لتخبرها أن تستعد ليخرجن سويا ..
********
طوى (جلال الحسيني) جريدته ووضعها على المكتب أمامه ثم رفع فنجان القهوة ليرشف بعضه وهو يخاطب ولده قائلا :
– خلاص يا أدهم أنا اديت الناس وعد وطبعا مستحيل أخلفه، مدام جمانة هتيجي تشتغل في الشركة وشوف لها مكان في قسم الإدارة أوالمحاسبة وصدقني هتنفعك شوف السي في واحكم بنفسك .
زم (أدهم) شفتيه في ضيق و هو يرد :
– يا بابا حضرتك عارف إني مش باحب الطريقة دي في الشغل أو اختيار الموظفين واسطة بقى وكل واحد يحس إنه مميز وله ظهر في الشركة ويغلط أو يقصر وهو مطمن ده بالاضافة إني فعلا قرأت السي في ومفيش عندها خبرة خالص، يعني حضرتك هتجيب لي ست بيت تشتغل في الشركة عشان معرفة صديق عزيز.
عقد والده حاجبيه في غضب ووضع قهوته بعنف على المكتب ثم قام من خلفه وجلس أمام ابنه على الكرسي المقابل له وهو يقول :
– أدهم حاسب على كلامك، إنت عارف كويس طريقتي في الشغل وإن موضوع الواسطة ده مش بينفع معايا إلا لو فعلا الشخص يستحق الوظيفة لكن الظروف مش مساعدة إنه يلاقيها .
تراجع (أدهم) في مقعده وهو يفكر في صمت لثوان ثم رد على والده :
– تمام يا بابا أنا عارف طريقتك وإنت كمان عارف طريقتي وعارف برده إني دائما بأعمل إعلان لو مكان محتاج موظف عشان الشخص الصح والمناسب يكون في المكان المناسب وحضرتك حملتني مسئولية الشركة على الرغم إنها مش مجال دراستي ولا شغلي وأنا اتنازلت عن المهنة اللي باحبها عشان الشركة وعشان أكون جنب حضرتك ووافقت على طريقتي في الشغل واتفقنا على كده، دلوقتي حضرتك بتجبرني أشغل واحدة لمجرد إنها قريبة صديق وحتى السي في مش للدرجة وبدون خبرة تماما، مش مقتنع للأسف يا بابا .
قالها وهو يلف وجهه للجهة الأخرى ويتنهد في غضب مكتوم، صمت أبوه قليلا وهو يحاول أن يقلب الأمر في ذهنه ويقنع ولده بالأمر دون ضغط على الأقل حتى لا يسبب لها مشاكل في العمل بعدها ثم لم يلبث أن قال :
– أدهم يابني، أنا سعيد بكلامك جدا على فكرة، شوف يا أدهم مدام جمانة حاليا أرملة وبتراعي بنتها وفي نفس الوقت مؤهلاتها كويسة وتأهلها للعمل فعلا ناقصها بس الخبرة ولو كل حد عاوز يشغل موظفين طلب خبرة يبقى ماحدش هيشتغل لأن عشان يكون عندك خبرة لازم ناس تشغلك وبالتالي تكتسبها، لو الكل رفض بدون خبرة الناس هتشتغل إزاي، الموضوع دايرة مقفولة ولازم إحنا كشركة محترمة يهمها الكفاءة أولا نخلي بالنا من الكفاءات وندور عليها، المسألة مش مسألة واسطة أو محسوبية، تفتكر لو ماكنتش شايف إنها تنفع تشتغل معانا كنت هاوافق ؟ ده شغل مش لعبة ولا تكية، اعتبرها فترة تجريب أو متدربة معانا ولو أثبتت جدارتها يبقى أهلا بيها أما لو لا خلاص الموضوع هيكون بايدك وتتصرف فيه بحرية، اتفقنا ؟
صمت (أدهم) قليلا وهو يفكر في الأمر ويديره برأسه ثم تنهد مستسلما و هو يجيب :
– ماشي يا بابا اتفقنا، هتشتغل معانا وهاخلي أستاذ محفوظ يتابعها بنفسه بس مع أول غلطة أو تقصير؛ هتكون برا الشركة.
تنهد (جلال) في ارتياح وقام يربت على كتف ولده وهو يقول :
– إنت كده تمام يا أدهم أنا هاكلم عمك شكري وأبلغه يبلغهم بموافقتنا عشان تيجي تقابلك وتستلم شغلها .
وافقه ابنه بإيماءة مستسلمة من رأسه عندما دق باب المكتب برفق فتطلعا إليه وهو يفتح ثم تطل منه والدته متسائلة بملل :
– لسه بتتكلموا في الشغل برده ؟ مش معقول ياجلال كل يوم بالشكل ده أنا مش بأشوف الولد خالص ولا عارفة أتكلم معاه .
ضحكا سويا ثم رد (جلال) مداعبا :
– ولد ! إلحق يا باشمهندس ماما بتقول عليك ولد، مهندس ومدير شركة أد الدنيا وولد.
وانفجر ضاحكا مرة أخرى فعقدت حاجبيها في غيظ وهي تدلف إلى الحجرة قائلة بنبرة متعالية :
– أيوة ولد، إيه هيكبر على مامته !
قام (أدهم) من كرسيه وقال لأمه وهو ينحني ليقبل يدها :
– هو أنا أقدر برده يا أمي .
زمت شفتيها في ضيق وهي تنهره :
– برده أمي ؟ مش هتبطل بقى الكلام الغريب ده يا أدهم ؟
رفع حاجبيه متظاهرا بالدهشة متسائلا :
– كلام غريب إزاي يا أمي ؟ دي عربية فصحى .
تنهدت في غيظ وقالت وهي تسحب يدها منه :
– خلاص يا أدهم ماهو كل مرة نتكلم في الموضوع وبرده تكرره وتعيده ونتكلم وتعمل نفسك مش فاهم، أوف زهقتوني، عموما أنا مش جاية أتسلى معاكم، أنا جاية أبلغك إن طنط ناريمان وعمك مصطفى وبنتهم دينا هيزورونا النهاردة ولازم إنت وسارة تبقوا موجودين .
والتفتت لزوجها مكملة :
– وطبعا مش هأوصيك يا جلال لازم تستقبلوهم معايا مش تعمل زي المرة اللي فاتت وتيجي وهما خلاص هيمشوا وتحرجوني معاهم ، أوك يا جلال ؟
هز زوجها كتفيه وتنهد قائلا :
– أوك يا فريدة
فعادت تخاطب (أدهم) :
– وطبعا يا أدهم إنت متعود تحرجني فحاول تخلف المرة دي وتيجي ع العشا ع الأقل إنت عارف طنط ناريمان بتحبك قد إيه ودينا كمان .
رد (أدهم) في ضيق حاول أن يخفيه :
– هأحاول يا أمي.
تنهدت في عنف ممتزج بالغيظ وقالت :
– مفيش فايدة أبدا، قولوا لي كنتم بتتكلموا في إيه كل ده ؟
أجاب زوجها :
– عادي يا فريدة ماتشغليش بالك، شغل كالمعتاد .
تدخل (أدهم) محاولا إغاظة والده :
– شفتي يا أمي هنشغل ناس في الشركة بالواسطة بقى عندنا سيستم جديد اسمه الكوسة ، هيعجبك.
عقد والده حاجبيه في ضيق وهو يقول :
– ايه يا أدهم إحنا من إمتى بنشغل ماما بمشاكلنا في الشغل ؟
ردت (فريدة) :
– إيه يا جلال مش عاوزني أعرف ؟ إنت من إمتى بتجامل حد في الشغل ياما طلبت منك تشوف شغل لأولاد أصحابي وكنت دايما بترفض، ايه اللي جد بقى ؟
قال (أدهم) مستمرا في إغاظة والده :
– أصلها معرفة أو قريبة عمو شكري يا أمي وإنت عارفة غلاوته عند بابا .
عقد والده حاجبيه في غيظ وهتف في ابنه بحنق :
– إيه يا أدهم إنت بتهدي النفوس وخلاص ولا إيه ؟
والتفت لزوجته التي قالت :
– أيوة قلت لي بقى عمو شكري ، عموما هنتكلم في الموضوع بعدين ياجلال، عن إذنكم أروح أشوف التجهيزات عشان الضيوف .
وخرجت غاضبة من الغرفة فالتفت (جلال) لابنه قائلا في غيظ :
– ليه كده يا أدهم ما إنت عارف مامتك ؟
ضحك (أدهم) في استمتاع وقال لوالده :
– واحدة بواحدة يا جلجل .
ابتسم والده من بين أسنانه وهو يرد :
– ماشي يا أدهم تترد لك، يلا بينا دلوقتي نشوف إيه موضوع الناس اللي جاية ده ؟
هتف (أدهم) بسرعة :
– معلش يا بابا هتضطر تشوف بنفسك لأني راجع الشركة حالا ورايا كذا حاجة مهمة ومش هأقدر أتأخر، أشوفك ع العشا بإذن الله.
أجابه والده :
– ماشي يا أدهم بس ماتتأخرش مش عاوزين ماما تزعل زي كل مرة .
رد (أدهم) :
– تمام يا بابا بإذن الله، يلا سلام بقى
وخرج مسرعا من الغرفة ومغادرا الفيلا كلها وكأنه يهرب من كارثة وفكر وهو يقود سيارته عائدا إلى الشركة أنه لن يعود على العشاء وهذا أمر مؤكد .
********
جلست (جمانة) تلاعب طفلتها وتضحكان سويا وأمامهما والدتها تتابعهما بحنان وسعادة وهي ترى صغيرتها تعود للضحك من جديد، دعت الله في قلبها أن يسعد ابنتها وينسيها أحزانها.
أما (جمانة) و (ملك) فكانتا تلعبان سويا وتبنيان برجا من المكعبات، (ملك) سعيدة للغاية بمشاركة أمها لها في اللعب وتضحك بفرح أما (جمانة) فكانت تتطلع لطفلتها بحب، شردت قليلا وعادت لها ذكرياتها مع زوجها الراحل وطفلته التي لم يرها تكبر أمامه لتصبح نسخة مصغرة منه حتى في ضحكته، تذكرت يوم زفت إليه خبر حملها، وقتها كان في عمله وسهر متأخرا في الصيدلية، عندما عاد للمنزل كان مرهقا للغاية والوقت تخطى منتصف الليل، إعتقد أن زوجته نامت ففتح باب المنزل برفق ودلف إليه في هدوء وبالفعل وجد الظلام يغلف المكان إلا من ضوء خافت قادم من غرفة الطعام فاتجه إليها مباشرة، عندما أطل برأسه للداخل وجد (جمانة) قد أعدت العشاء وتركته له على المائدة مع إضاءة خافتة مريحة للأعصاب، استغرب كثيرا ودلف للغرفة، تناول عشاؤه سريعا لأنه كان مرهقا وجائعا، أثناء تناوله العشاء وجد علبة متوسطة الحجم أمامه على المائدة وفوقها وردة حمراء فابتسم بحب والتقطها وفتحها، كانت تراقبه خلسة من خلف الباب ورأت ملامح الدهشة تعلو وجهه عندما وجد بداخل العلبة علبة أخرى أصغر حجما ومعها وردة أخرى فعقد حاجبيه مستغربا وعلت شفتيه ابتسامة دهشة ثم قام بفتح العلبة الثانية ليجد بداخلها دمية صغيرة لطفل ومعها وردة صغيرة معلق بها بطاقة مكتوب فوقها ( باقي من الزمن 7 شهور و12 يوم وأوصل، استنوني بإذن الله مش هتأخر )، لاحظت وقتها اضطرابه وارتعاشة يده وهو يحمل الدمية برفق كأنها وليده وعينيه تشعان سعادة فانطلقت عائدة لغرفتها وهي تعلم أنه سيأتي إليها، استلقت على فراشها تنتظره، وبالفعل وجدت باب الغرفة ينفتح برفق فأغمضت عينيها متظاهرة بالنوم، شعرت به يقترب منها على أطراف أصابعه فابتسمت بحب؛ إنه يعتقد أنها نائمة ولا يريد أن
يزعجها، استمرت في إدعاء النوم وهو يتمدد خلفها على الفراش ويمد يدا حانية تتحسس بطنها وتربت عليها بحنو بالغ، لثم هو شعرها ووضع رأسه على الوسادة وهو يلفها بذراعيه ثم راح في النوم، انتظرت لدقائق بعدها التفتت إليه ورفعت نفسها قليلا ترتكن على ذراعها، ظلت تتطلع إليه بحب ثم رفعت كفه وطبعت عليها قبلة ناعمة، همست :
– هيبقى عندي طفل تاني يشاركني فيك ياطفلي الكبير، إوعي تغير منه لأنه حتة منك ولازم تساعدني فيه أنا بأقولك أهو .
ثم اعتدلت مرة أخرى وراحت في نوم عميق، استيقظت في الصباح على رائحة عطرة تغمر الغرفة ووردة ناعمة تداعب وجنتيها ثم قبلة رقيقة على جبينها، عندما فتحت عينيها وجدته يتطلع إليها بحنان دافق وهمس :
– صباح الخير يا أحلى حاجة في دنيتي .
ثم ابتسم وأكمل مداعبا إياها :
– صباح الخير يا أم العيال .
اتسعت ابتسامته بعدها، فضحكت هي وردت بغيظ :
– بقى من أولها أم العيال، ماشي صباح الخير يا أبو العيال يابعلولتي .
ضحك هو الآخر ثم التقط كفها وطبع عليها قبلة وقال :
– أمال أم العيال وأم أبوهم كمان، ما تتخيليش أنا فرحان قد إيه ياجوجو ومستني اللحظة اللي أشيله فيها بين إيديا فيها وأقوله أنا أبوك ياولد ولازم تسمع كلامي .
ضحكت ثانية و شاكسته :
– يسمع كلامك من أولها إديله فرصة يتعرف عليك الأول .
ابتسم وتساءل بدهشة مصطنعة :
– ليه هو مايعرفنيش ولا إيه ؟
ثم خفض رأسه واقترب من بطنها، قال مخاطبا الجنين :
– اسمع يا ابني إنت تيجي الدنيا تبقى عارفني أنا بأقولك أهو ، أنا مين ؟ أنا بابا ، بابا مين ؟ بابا حسام ، ماشي ؟
ابتسمت في حنان وهي تطلع إليه ثم سألته :
– كلمت ماما راضية ياحسام وقلت لها ؟
أجابها :
– لا لسه مستنيكي تصحي ونفطر بعدين نكلمها سوا .
فحاولت أن تقوم وهي تكشف الغطاء من فوقها قائلة :
– أوك دقايق ويكون الفطار جاهز عشان نفرحها .
وجدته يعيدها للفراش وهو يهتف :
– ايه ايه رايحة فين ؟ فطار ايه اللي هتحضريه ؟ إنت من هنا ورايح أميرة .
والتفت خلفه يلتقط صينية وضع عليها طعام الإفطار وكوبين من العصير الطازج، وضعها أمامها على الفراش وهو يستطرد :
– فطارك جاهز يا مولاتي هتسمحي لحسام الغلبان يفطر معاكي ؟
ابتسمت بحنان وردت :
– اممممممم ، هنسمح له ، بس قول له ماياخدش على كده .
ضحكت وضحك معها ثم ضمها لصدره وطبع قبلة حانية على رأسها، تناولا الإفطار سويا، قاما بعده بالاتصال بوالدته وإخبارها كما اتفقا وكم كانت سعيدة وهي تعلم أنها قريبا ستحمل حفيدها الأول، عرضت على (جمانة) أن تذهب للإقامة معها فترة الحمل الأولى لترعاها ، كانت (جمانة) سعيدة للغاية بمعاملة والدة (حسام) لها فهي
تعتبرها ابنتها كون (حسام) وحيدها بدون أشقاء أو شقيقات إلا إخوته من أبيه والعلاقة بينهم لك تكن جيدة لتلك الدرجة، وسعدت أكثر عندما طلبت منها أن تقيم عندها لكن (حسام) رفض في البداية وقال أنه سيرعاها بنفسه وطلب من أمه أن تأتي هي لتقيم معهم فتؤنس وحدتها ويسعدون بها لكنها رفضت مغادرة منزلها وألحت على ذهاب (جمانة)، وافق بعدها (حسام) على مضض عندما علم أن حبيبته لا تمانع وبالفعل ذهبت لتقيم عندها هي وزوجها وكانت والدته كأم ثانية لها .
عند تلك اللحظة من ذكرياتها ارتسمت على شفتيها ابتسامة حزينة عندما تذكرت ما حدث لوالدة زوجها بعد وفاته ، كانت هي الوحيدة التي تغادر منزلها لأجلها وتأخذ طفلتها الصغيرة معها بشكل منتظم كل أسبوع ولم تقطع هذه العادة أبدا، عرضت عليها كثيرا والدته أن تأتي هي و (ملك) للإقامة معها لكنها رفضت وقالت أنها لن تترك منزل (حسام) أبدا بعدها أتت والدتها هي للإقامة معها ومراعاتها ……..
أفاقت من ذكرياتها على رنين هاتفها الجوال فقامت (ملك) مسرعة لتحضره وهي تقول ببراءة :
– ماما فون
ابتسمت (جمانة) وربتت على رأس طفلتها وهي تلتقطه منها، تطلعت لشاشته لترى من المتصل ثم اتسعت ابتسامتها وهي تقول لأمها :
– دي لميا ياماما .
ثم ضغطت زر الرد و قالت :
– السلام عليكم، إزيك يا لميا وحشاني .
ردت شقيقتها :
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، إزيك أنت ياجوجو ؟ أنا الحمد لله تمام ، انت وحشاني أكتر ، إزي ماما وملوكة حبيبة خالتو ؟
أجابتها :
– الحمد لله كلنا بخير يالولو مش ناوية تيجي بقى لي أسبوع ماشفتكيش ؟
قالت (لمياء) بعد تنهيدة :
– معلش ياجوجو انشغلت شوية إنت عارفة مش باطمن لحد في شغل المكتب ولازم أراجع كل حاجة بنفسي .
ابتسمت (جمانة) وردت :
– ماشي ياعم المهم ، طمنيني عليكي وعلى أحمد .
جاءها صوت شقيقتها بعد لحظة صمت :
– الحمد لله ياجوجو احنا كويسين ماتشغليش بالك بيه ، المهم أنا مش متصلة عشان أطمن عليكم بس ، عمو شكري كلمني من شوية وقالي إنه صديقه جلال الحسيني صاحب الشركة اللي قلت لك عليها وافق بعد ماشاف السي في بتاعتك واتفق مع ابنه على شغلك في الشركة وعاوزك تروحي بكرة تقابليه وهو هيتفق معاك على الوظيفة والمرتب وكده ، تمام ياجوجو ؟
شعرت (جمانة) بالرهبة لوهلة ثم تنهدت وردت على شقيقتها :
– تمام يالولو، مش عارفة ليه مخضوضة وقلبي مقبوض ومرعوبة وكل حاجة تمت للخوف والرعب بصلة .
ثم ضحكت بلا داعي لكنها سمعت صوت (لمياء) المطمئن يأتيها قائلا :
– ماتقلقيش ياجميل ، خليكي إنت بس شجاعة كده وجمدي قلبك ، أنا عارفة إن الموضوع صعب لأن أول مرة تشتغلي بس معلش مع التعود هتلاقي الموضوع سهل جدا ، لو تحبي أعدي عليكي الصبح أوصلك ياحبيبتي ماعنديش مانع ؟
فردت (جمانة) :
– لا خلاص يالولو انا هاروح بعربيتي وربنا يسهل .
قالت (لمياء) بعذوبة :
– ماشي ياقلبي هاكلمك بكرة بالليل أطمن عليكي وأعرف الأخبار، اديني ماما أسلم عليها بقى .
ناولت الهاتف لوالدتها وجلست تفكر في ذلك اليوم وما عساها أن تفعل أو تقول، دعت الله أن يمر على خير ويوفقها في ذلك العمل .