خارج أسوار القلب
الفصل العاشر
**********
وتتساقط الأيام سريعا كما تتساقط أوراق الشجر في موسم الخريف، صفراء جافة او يانعة، كانت (جمانة) في كل يوم تتقدم في عملها أكثر وتتعلم أكثر وكأنما عودة أستاذها السابق (آدم) أعطتها دافعا أكبر للإنجاز و هو دوما يشجعها ويحاول استغلال طاقاتها لأقصى درجة بل ويستشيرها في الكثير من الأمور حتى وإن لم تكن في صميم اختصاصها في الشركة، وكانت هي رائعة، جذبت انتباه الجميع بنشاطها الجم وعملها المميز المتقن وبالإضافة لذلك فهي ملكة قلوب رقيقة تنثر الرفق حيثما ذهبت، نما إعجاب (أدهم) تجاهها أكثر وإن لم يظهر عليه، كان دوما يشعر أنها مختلفة مميزة عن كل أخرى قابلها ولذلك فهي تستحق مساحة أكبر من اهتمامه، وقدرا أكبر من سخريته ولسانه اللاذع، ولم يكن يقتصد في أي منهما معها، مثيرا غضبها واستيائها سعيدا بذلك للغاية، بدت في أحيان كثيرة تلك السخرية كرد فعل دفاعي يصرف به طيفها الذي بات يزور عقله كثيرا، أما (آدم) فكان في كل مناسبة يذكر إعجابه بها وبعملها ونشاطها وبداخله يعترف بإعجابه بها كأنثى، رقيقة وحانية ومجنونة، نعم كان يراها مجنونة ومتقلبة المزاج، ومزاجيتها تلك كانت جذابة للغاية، نمت بينها وبين العديد من العاملات في الشركة صداقة تخطت مرحلة الزمالة خاصة زميلتها في المكتب (هالة) وسكرتيرة الشركة (سهام)، وعلى العكس والنقيض تماما من (جمانة) كانت (دينا) تثير نفور الكثيرين من العاملين في الشركة خاصة (أدهم) وتثير الحسد في قلوب كثير من العاملات هناك، وشهوات الرجال بملابسها وجسدها الذي تتفنن في إبراز مفاتنه، كانت تتعامل مع الجميع بغطرسة وكأنها مالكة المكان وكثيرا ماحدثت بينها وبين (أدهم) مشكلات تعامل معها فيها كأي موظف بالشركة مما كان يغيظها أكثر لكنها دوما تتمادى في الأمر وكأنها تضمن أنها لن تذهب لأي مكان مهما فعلت، تساندها والدة (أدهم) وترسمان الخطط سويا لإيقاع ابنها في حبائلها، كثيرا ما كانت تحاول دخول مكتب (أدهم) بدون استئذان مما سبب الكثير من المشكلات بينهما لكنها حاولت ألا تتأثر بها، وفي يوم قررت الذهاب إليه بأي حجة والاقتراب منه أكثر، في مرات عديدة كانت تأتيها أفكار جنونية كي يتزوجها (أدهم) لكنها لا تلبث تتراجع خوفا من رد فعله أما اليوم ففكرت في المخاطرة وتنفيذ إحداها، اتجهت لمكتبه بملابسها التي أمرها (أدهم) بأن تتحشم فيها قليلا فهذا مقر عمل له قواعده وكان أقصى ماوصلت إليه هو أكمام أطول قليلا وبنطالا من خامة مختلفة غير مااعتادته، لكن الملابس كانت لاتزال تكاد تتفجر حول جسدها الأنثوي، نعم كانت جميلة للغاية وأنوثتها التي أثارت الحسد واضحة للعيان، ولكن حتى الأفعى الرقطاء تملك جمالا غير عادي، اتجهت للمكتب تتمايل في خطواتها بشكل متعمد تدير رؤوس كل من يقابلها وتعلو شفتيها ابتسامة مغرورة فهي تعرف ماتفعله بجسدها في الجميع ويعجبها ذلك جدا لكن نظرة القرف كانت ترتسم على وجهها دوما كأنها تقول أنا أتعطف ببقائي معكم هنا، ألا ترون كيف تنازلت لأصبح في هذا المكان !، فتحت الباب فرفعت (سهام) عينيها إليها ولم تبتسم لكنها لم تهتم بل اتجهت إليها وقالت بلهجة مهادنة تشبه فحيح الأفعى :
– ساسو، إزيك يابيبي، وحشاني كتير، مش بتسألي ليه ياوحشة إنتي، دي صحوبية أربع سنين كلية؟
نظرت لها (سهام) بغيظ فهي لم تكن أبدا صديقتها لكنها رسمت ابتسامة متكلفة على شفتيها وهي ترد :
– معلش بقى يادينا إنت عارفة الدنيا بتاخد الواحد بمشاغلها.
لم تهتم (دينا) لردها لكنها تطلعت لمكتب (أدهم) وتساءلت بلهجة موحية :
– هو أدهم جوا ؟
ازداد غيظ (سهام) فدفنت وجهها في الأوراق أمامها مجيبة :
– أيوة الباشمهندس أدهم جوا .
تعمدت أن تضيف اللقب لاسمه لتوضح لـ (دينا) أن هذا مقر عمل وليس المنزل كي تناديه بهذا الشكل، لكنها لم تلحظ ذلك أو تهتم له بل اتجهت للمكتب تتهادى في خطواتها وهي تصلح من ملابسها الضيقة كأنها تزيدها ضيقا وقبل أن تمد يدها لفتح الباب فوجئت بـ (سهام) تقفز من خلف مكتبها هاتفة :
– ايه ايه رايحة فين يا دينا؟
التفت إليها بحدة قائلة :
– ايه رايحة فين دي؟ هادخل له طبعا.
ردت (سهام) بحدة أكبر :
– لا طبعا ماينفعش، عاوزة تدخلي يبقى أبلغه الأول وهو يسمح بدخولك إنما كده ماينفعش.
تطلعت لها (دينا) بنظرة قاتلة ثم همست بصوت كالفحيح :
– إنت بتهزري يا سهام تستأذني لمين ؟ لي أنا ؟ أدهم ده في حكم خطيبي وقريب هتبقى رسمي جاية تقولي لي تستأذني عشان أدخل له.
أجابت (سهام) في عناد :
– ولو يادينا خطيبك ده في البيت وبرا الشغل إنما هنا لا، أنا كده بأعمل شغلي.
في هذه اللحظة ارتفع رنين الهاتف الداخلي لتتجه إليه (سهام) مسرعة وترفع سماعته قائلة :
– أيوة ياباشمهندس.
وفي نفس اللحظة دلفت (جمانة) للمكان وهي تحمل في يدها ملفا ضخما بدا من الواضح مدى اهتمامها به، رأتها (دينا) فنظرت لها بقرف شديد أما (سهام) فرفعت عينيها إليها وابتسمت وهي تجيب (أدهم) :
– أيوة يافندم لسه داخلة حالا أهي .. حاضر هأدخلها فورا.
علت ابتسامة صافية شفتي (جمانة) وهي تقول :
– إزيك ياسهام عاملة ايه ؟
بادلتها (سهام) ابتسامتها وهي ترد :
– الحمد لله ياجوجو، يلا الباشمهندس أدهم منتظرك.
التفتت (جمانة) لتتجه لمكتب (أدهم) وفوجئت بـ (دينا) الواقفة أمامه فابتسمت لها قائلة :
– إزيك يادينا ؟
لم ترد (دينا) على سؤالها بسرعة بل تطلعت إليها لحظة بنظرة تكاد تفتك بها ثم ردت :
– كويسة.
تطلعت لها مرة أخرى بنظرة شملتها من قمة رأسها حتى أخمص قدميها وعلت وجهها لمحة استهزاء بما ترتديه، لم تهتم (جمانة) بنظرتها على الرغم من أنها فهمتها جيدا، لكنها اتجهت للمكتب وطرقت الباب برفق، سمعت صوته الحازم من الداخل كما اعتادت يسمح بالدخول ففتحت الباب ودلفت للمكان بهدوء وكما هي العادة أيضا تركته مفتوحا، تطلع إليها وهي تخطو إلى داخل المكتب أمامه وشعر كأنها لا تمشي على الأرض بس تنساب فوقها كقطرة ندى فوق زجاج نافذتك في الصباح، لم يفكر كثيرا في الأمر فهو مؤخرا ما أكثر ما يضبط نفسه وأفكاره تتجه نحوها بطريقة شاعرية غريبة لم يعتدها لذلك تعود أن يطرح تلك الأفكار جانبا دوما ويشغل نفسه فقط بالعمل، فقط ابتسم لها ابتسامة ساحرة لمحتها (دينا) من الخارج ففتك بها الغيظ أكثر وهي التي لم تحظ منه بنصفها حتى، لكنها لم تكن تنوي الابتعاد الآن فجلست في مقعد مجاور للمكتب علها تستمع لما يقولون وكان أكثر ما أثار استغرابها أن (جمانة) تركت الباب مفتوحا و (أدهم) نفسه لم يعترض على ذلك كأنما اعتاد الأمر، تطلعت لها (سهام) بنظرة استهجان ولم تحاول أن تكلمها حتى لا تلفت انتباه (أدهم) لوجودها بل اكتفت بالعودة لعملها، أما في الداخل فقد قال (أدهم) :
– أهلا مدام جمانة اتفضلي.
ابتسمت (جمانة) ابتسامة باهتة وهر ترد :
– شكرا يافندم اتفضل حضرتك ده الملف.
التقطته منها وفتحه أمامه وتطلع إليه وهو يقلب بضعة أوراق فيه ثم تساءل بدون أن يرفع عينيه نحوها :
– ها إيه ملاحظاتك ع الموضوع ؟
ردت بعملية :
– العملية عموما فيها مكسب كبير أنا عملت شوية تعديلات على عرضنا في ملف المناقصة واستشرت فيها دكتور آدم وكان موافق جدا على التعديلات دي ، المقلق بس الشرط الجزائي للشركة الأم، لو أخلينا بأي جزء في الاتفاق الشرط الجزائي هيتطبق علينا فورا وده نوعا ما مخيف لأن مش كل الظروف مضمونة أو سهل إننا نتحكم فيها، كلمت دكتور آدم على أساس نظبط عرضنا وفي نفس الوقت نتفاهم مع الشركة برا بخصوص الشرط ده ونعدل في شروطه بحيث مايحصلش ظلم لأي طرف سواء إحنا أو هما .
لم يدر لما شعر بالضيق عندما ذكرت عملها مع أخيه أو إعجابه بعملها لكنه طرحه جانبا وهو يبتسم معجبا بما قالته أثناء تطلعه للأوراق مركزا مع التعديل الذي قامت به وكان إعجابه ذلك واضحا في صوته وهو يقول :
– هايل يامدام جمانة بجد، التعديل ممتاز فعلا وفكرتك كمان هايلة.
ثم رفع عينيه إليها و أكمل وهو لايزال محتفظا بابتسامته :
– إن شاء الله بعد المناقصة ماترسى علينا لأني واثق من شغلك وأفكارك هنعمل اجتماع مع الشركة ونتناقش في موضوع الشرط الجزائي.
علت السعادة وجهها فهي قد أدت عملها كما ينبغي ولم تدري هي الأخرى لما كان دوما رضى (أدهم) عن عملها محل سعادتها لكنه فسرته بأنها تثبت جدارتها بعد ما قاله لها في بداية عملها في الشركة وهذا بالتأكيد يسعدها، ردت بسعادة واضحة :
– شكرا يافندم ربنا يخليك، كله بتشجيع حضرتك ومساعدة وتشجيع دكتور آدم.
شعر بالضيق مرة أخرى لكن هذه المرة ظهر جليا على ملامحه مما أقلقها خاصة عندما قال :
– هو إنت بتشتغلي مع آدم على طول ولا ايه ؟؟ هتشككيني في قدراتك كده ؟ التعديلات دي فكرتك إنت ولا هو ؟
أجابت بسرعة :
– لا يافندم التعديلات فكرتي طبعا، لكن عرضتها على دكتور آدم عشان آخد رأيه، لأن طبعا الشغل ده مش من اختصاصي حتى لو بأفهم فيه وهو في الأول وفي الآخر أستاذي.
تطلع إليها لحظة في صمت قرأت في عينيه نوع من الغضب لكنه لم يظهر على صوته وهو يقول :
– امممممم، طيب ياريت مادام أنا اديتك الملف تعرضي تعديلاتك علي الأول بعد كده، وبعدين ناخد رأي دكتور آدم كخبير طبعا.
شعرت بالحرج فردت في خفوت :
– حاضر يافندم، بأعتذر لحضرتك.
فورا أصابه تأنيب الضمير وفكر، هل هذه غيرة ؟ لمَ عاملها بهذا الجفاء على الرغم من اجتهادها وذكائها في العمل ؟ ما الذي يدفع رجلا لمعاملة امرأة بخشونة عند ذكرها لرجل آخر في حضوره ولجوئها إليه إلا إذا كانت غيرة ؟ شعر بالحنق وازداد غضبه أكثر لوصوله بتفكيره لتلك النقطة، أما هي فكانت تنظر أرضا وبين كل فينة وأخرى ترفع عينيها إليه منتظرة قراره شاعرة بالحزن من طريقة تعامله معها على الرغم من إنجازها والذي مدحه أخاه وهو شخصيا في البداية، أتراها أخطأت عندما عرضت الأوراق على أخيه أولا ؟ ولكن ما الخطأ في ذلك ؟ فهو أيضا من مديري الشركة وفي جميع الأحوال سيعرض عليه الملف، لم تدري ماذا تفعل فتنحنحت لافتة انتباهه، رفع عينيه إليها يتأملها في صمت، كانت نظرة عينيه العميقتين غريبة للغاية، شعرت بالدفء يغزو قلبها وحمرة الخجل تعلو وجنتيها فأطرقت برأسها أرضا مرة أخرى، تأملها هو لثوان ولم يدرك أن هناك عينين غاضبتين تتابعان نظرته تلك في أحد الديكورات ذات السطح العاكس في غرفة السكرتارية، عيني (دينا) التي رأت في عينيه مالم يفهمه هو أو تلمحه (جمانة) نفسها، فازداد حنقها وكادت تدخل إليه لولا بقايا عقل حذر خبيث منعتها من التصرف بحماقة، أما في الداخل فقد نظر (أدهم) لـ (جمانة) وقال بهدوء بابتسامة مشجعة محاولا استعادة ملامحها المرحة بدلا من الارتباك الذي سببه لها :
– طيب يامدام جمانة، شكرا ع التعديلات الهايلة دي، بإذن الله المناقصة بتاعتنا، اتفضلي إنت على مكتبك.
أومأت برأسها إيجابا و ردت :
– العفو يافندم، بعد إذن حضرتك.
قالتها وخرجت من مكتبه بهدوء وهو يتابعها بعينيه ثم فوجئ بجسد يقتحم الفراغ بين عينيه وبينها رفع عينيه للأعلى لتقع على وجه (دينا) فعقد حاجبيه في غضب ظهر جليا على ملامحه لكنها لم تبالي به وتقدمت للأمام عندما اندفعت (سهام) خلفها هاتفة فجأة :
– آنسة دينا من فضلك.
التفتت إليها في غضب فقال (أدهم) :
– خلاص ياسهام اتفضلي إنت.
بدا على صوته الحنق وظهرت نظرة غضب في عينيه رمق بها (سهام) التي تراجعت للخلف في وجل وهي تومئ برأسها اعتذارا في حين ظهرت الشماتة على وجه (دينا) وهي تنظر إليها قائلة بعينيها : “أرأيت ؟”..
دلفت دينا للمكتب وأغلقت الباب خلفها فتطلع إليه (أدهم) في صمت ثم رفع عينيه إليها متسائلا بحزم :
– خير يا دينا ؟
وفي الخارج كان الحنق والغيظ يرتسمان بوضوح على وجه (سهام) فسألتها (جمانة) :
– مالك ياسيمو ؟ مين مزعلك ؟
ردت (سهام) بحنق واضح :
– البني آدمة اللي اسمها دينا دي، قال إيه خطيبي وأدخل براحتي .
شعرت (جمانة) بشعور غريب، كأنه مزيج من الدهشة والحزن والاستغراب، كيف لتلك الملونة أن تخطف قلب رجل صارم جاد مثل (أدهم)، لكنها عادت تتساءل بدهشة :
– هي خطيبته ؟
أجابت (سهام) بغيظ :
– أهي بتقول، وانت شفتي بنفسك لما دخلت ماقالش حاجة.
قالت بلامبالاة :
– خلاص هما أحرار مع بعض، هاروح أنا على مكتبي.
قالتها وغادرت المكان بسرعة وفي الداخل كان (أدهم) يقول لـ (دينا) :
– خير يادينا ؟ أحنا مش قلنا قبل كده في الشركة نهتم بقوانين الشغل ونراعي المكان كويس ؟
ردت مهادنة بدلال وهي تقترب منه :
– معلش يا أدهم، أنا كنت جاية من شوية أصلا وبعدين البنت اللي برا منعتني بطريقة مش لطيفة وجت جمانة دي دخلت وأنا قاعدة برا منتظرة كل ده.
كاد يهتف فيها غاضبا للمرة المليون أن هذا مقر عمل لكنه اكتفى بالصمت والتطلع إليها وإلى ماترتديه في صمت حانق ثم خفض عينيه وانشغل بالأوراق أمامه، فاقتربت أكثر تحاول الالتفاف حول المكتب لكنه رفع عينيه إليها مرة أخرى بنظرة تحذيرية صارمة أخافتها فترددت لثانية ثم تراجعت، جلست أمامه على المكتب وهي تضع إحدى ساقيها على الأخرى وهو ينظر لها في صمت فقالت بدلال :
– المهم انا كنت جاية أعزمك على حفلة في الفيلا عندنا، داد وقع عقد جديد مع شركة أكواريوم الانجليزية وعاملين بارتي كبير وطبعا لازم تيجي.
دفن عينيه في الأوراق مرة أخرى وهو يرد باقتضاب :
– معلش يا دينا مش هأقدر آجي.
وقفت مرة أخرى ثم مالت بجسدها على المكتب ضاغطة عليه وتركت عطرها النفاذ يتسلل لأنفه حتى أنه رفع عينيه إليها مندهشا وازداد دهشة من جرأتها حين مدت كفها تمسك بيده والأخرى ترفع ذقنه تجاهها لينظر إليها ممانعة بدلال أكبر :
– تؤ تؤ تؤ .. مش هينفع تعتذر كل ….
قاطعتها انتفاضته وهو يسحب نفسه بمقعده للخلف ناظرا إليها بغضب حتى كادت تسقط فوق المكتب لولا أن استندت إلى يديها في آخر لحظة فنظرت إليه بدهشة وهي تهتف :
– في ايه يا أدهم ؟
قال في غضب مكبوت :
– هو ايه اللي في ايه ؟؟ آنسة دينا ده مكان شغل وأنت عارفة كويس إني مش باحب الحركات دي، ومش معنى إننا معارف يبقى تتعاملي معايا كده، سواء في الشغل أو برا الشغل.
شعرت بالغضب فقالت متصنعة الحزن :
– خلاص يا أدهم أنا آسفة، إنت عارف إني باحب …
صمتت بطريقة مدروسة بعدما قالت كلمتها لينظر لها مرة أخرى باستهجان فأكملت بعد تظاهرها بكتمان مشاعرها :
– بأعزك جدا ومام وداد توtoo ، سو so لازم تيجي لأن كل البيزنس مِن الكبار جايين وأونكل جلال وأنطي فريدة جايين برده.
تطلع إليها لحظة أخرى في صمت غاضب ثم عاد يقلب في الأوراق أمامه معلنا انتهاء اللقاء قائلا في هدوء :
– ربنا يسهل يادينا، اتفضلي على شغلك دلوقتي.
ظلت تنظر إليه لثوان أخرى ثم قامت من أمامه تتهادى في خطواتها مرة أخرى، وهي تعلم أنه لا ينظر إليها مما أغضبها أكثر، خرجت من المكتب وأغلقت بابه خلفها فرفعت (سهام) عينيها إليها في حنق لتجد عينيها المتحديتين كأنها تقول : ” أرأيت؟ لا تمنعيني مرة أخرى “، ثم انطلقت عائدة لعملها الذي قلما تقوم به.
في نهاية اليوم عادت لمنزلها لتجد والدتها جالسة في حديقة الفيلا تشرب الشاي وتتصفح إحدى مجلات التجميل باهتمام وما إن لمحتها حتى لوحت لها بيدها ونادتها :
– مام، أنا جيت.
رفعت (ناريمان) عينيها لابنتها ثم ابتسمت وهي تتأملها وردت :
– دونا حبيبة مام، تعالي ياقمر، ايه الجمال ده، أدهم شافك النهاردة كده.
كانت (دينا) تسير باتجاه أمها عندما عبست على مجيء ذكر (ادهم) وهي تجيبها :
– يس مام ، شافني، بس لايك نوثينج like nothing .
مطت والدتها شفتيها باستغراب وهي ترفع أحد حاجبيها قائلة :
– ايه ده بجد يادونا ؟ ليه مش بيشوف ؟ يو آر سو هوت You are so hot .
هزت (دينا) كتفيها في دلال وهي ترد متحسسة جسدها المثير :
– أنا عارفة، مام أنا زهقت بجد، هي إز سو بورينج He is so boaring .
هزت والدتها رأسها يمينا ويسار بمعنى النفي قائلة :
– نو نو يادونا، لازم تكوني صبورة، إنت عارفة تفكير أدهم على الرغم من إنه ابن فيري بس كان متأثر أوي بأخوه آدم وده تفكيره رجعي جدا، ماتستعجليش عشان توصلي.
تأففت (دينا) وهي تنفخ في ملل ثم قالت :
– مام إنت عارفة إني مش هأسيبه، بس النهاردة لاحظت حاجة غريبة.
عقدت والدتها حاجبيها وهي تتساءل :
– لاحظتي ايه يابيبي ؟
هزت كتفيها مرة أخرى وهي تجيب :
– أبدا واحدة لوكال كده بتشتغل عندنا في الشركة بس هو مهتم بيها أوي وآدم كمان، وعلى طول بيشجعوها، رحت له المكتب النهاردة عشان أعزمه ع البارتي بتاعة داد لقيتها دخلت من غير ماتراعي وجودي كأنها في شركتها وهو بيعاملها بطريقة آي ديدنت لايك إت I didn’t like it ، ومن برا وأنا مستنياها تخلص كلام معاه على ملف بتشتغل عليه لقيته بيبص لها بطريقة ماعجبتنيش برده، كأن هي لايكس هير He likes her على الرغم من أنها أرملة أصلا وعندها ليتل جيرل Little girl .
صمتت والدتها لثوان وهي تفكر في كلام ابنتها ثم سألتها :
– إنت متأكدة من الكلام ده يادونا ؟ هو فعلا معجب بيها وفي بينهم ريليشن شيب Relationship ولا من خيالك.
أكدت (دينا) بسرعة :
– نو مام أم ديفنتلي شور I’m definitely sure .
ازداد انعقاد حاجبي (ناريمان) وهي تفكر بالأمر في حين قالت (دينا) :
– بس أنا عندي فكرة تخليها تبعد عنه، وانسOnce إنها تتأكد من إن في حاجة بيني وبينه ومش مجرد خطوبة بس لازم تعرف إنها علاقة كاملة، هينزل من نظرها لأنها لوكال أصلا وكمان هتقف عند حدها وتعرف إنه مش بتاعها ده بتاعي أنا ماين Mine .
قالت كلمتها الأخيرة في مزيج من الطمع والغل فتطلعت لها والدتها بإعجاب و ردت :
– نايس يادونا، قولي لي فكرتك.
اقتربت بمقعدها من والدتها وهي تخبرها بفكرتها التي لمعت لها عينيها جشعا وإعجابا بذكاء ابنتها وخبثها، وافقتها أن تضعها حيز التنفيذ عندما يحين الوقت المناسب لها.
********
جاء يوم الحفل، كان يوما صاخبا في منزل (مصطفى) حرصت (دينا) أن يبدو كل شئ كاملا فاخرا، انتقت فستانا باذخا يظهر من جسدها الفاتن أكثر مما يخفي، بدون أكمام مفتوح الظهر ذا لون أحمر ناري أظهر بياض بشرتها النقية، ينسدل على جسدها في نعومة وتظهر منه ساقها اليمنى في إغراء زائد، تركت بعض شعرها الطويل ينسدل على ظهرها الغض ورفعت بقيته ليغفو على جبهتها ووجنتيها في أنوثة، كانت في أبهى صورة، أرادت أن تكون الأجمل والأنثى الوحيدة في المكان، وبالفعل أدارت رؤوس كل الرجال حتى الأجانب وكبار السن، وعلى الرغم منه ولمجرد المجاملة لرجل يقدره ذهب (أدهم) مع عائلته، بدا وسيما للغاية في بذلة سوداء أنيقة، وذقنه غير الحليقة دوما تزيده خشونة ووسامة في أعين الفتيات، عندما دلفوا للمكان أقبلت (دينا) تتمايل حتى يخيل للناظر أنها ستسقط جانبا في أية لحظة تصحبها والدتها التي ارتدت فستانا كاشفا غير مناسب لسنها هي الأخرى، أومأت برأسها لـ (أدهم) فقال :
– إزي حضرتك ياطنط ؟
ثم تطلع لـ (دينا) بنوع من التقزز وبحث بعينيه سريعا عن (مصطفى) حتى وجده فغمغم :
– بعد إذنكم، هاروح أبارك لعمو مصطفى.
وتركهم وانصرف مسرعا كأن شياطين الأرض تطارده، أثار ذلك حنق (دينا) بالطبع وكادت تنفعل لولا أن شدت والدتها على يدها وهي ترحب بباقي أسرته وتصحبهم لطاولة مميزة في المكان، تركتها (دينا) ووقفت تتطلع لـ (أدهم) الذي يقف مع والدها ويبتسم له ابتسامة صافية أحنقتها أكثر حتى شعرت بإصبع يمر على ظهرها العاري في جرأة فانتفضت وسمعت صوتا متخابثا يقول :
– دونا، بتفكري في ايه ؟ ماتحاوليش يابنتي.
أعقبتها ضحكة ساخرة أغاظتها أكثر، فالتفتت لصاحب الصوت تنهره :
– تيام !!
ضحك الشاب الجرئ وجرها من يدها لأحد الأركان وهو يهتف :
– تيام ايه بس، بصي لنفسك، صاروخ أرض جو والحمار الأعمى اللي هتموتي عليه مش معبرك، خليكي مع اللي يقدرك أحسن.
أنهى جملته وهو يضع يديه على خصرها ويجذبها إليه فدفعته بعيدا هاتفة في حنق :
– يووووه تيام قلت لك بطل بقى الهبل ده، والحمار اللي مش عاجبك ده مليونير و هيكون لي يعني هيكون لي.
تراجع خطوة للخلف وهو يتأمل جسدها في جرأة وبعينين نهمتين، أشعرتها نظراته بالتقزز فأدارت ظهرها إليه تتطلع لـ (أدهم) الذي لم تجده حيثما تركته فأدارت عينيها تبحث عنه عندما مرر (تيام) كفه هذه المرة على ظهرها هاتفا :
– دونا ارحمي نفسك يابنتي مش هيعبرك، ده أصلا مابيفهمش.
التفتت تتطلع إليه للحظة في تفكير ثم قالت :
– تيوم كويس إنك لابس أسود عاوزة منك خدمة.
نظر لها في خبث ثم رد :
– امممممم موافق بس بشرط.
تساءلت بملل :
– شرط إيه ؟
هز كتفيه بعد اهتمام وهو يجيب :
– هتيجي الأسبوع ده السخنة معايا، رايحين كلنا والشلة عاوزاكي، هنقضي يومين حلوين وترجعي، قلتي ايه ؟
قالت بسرعة :
– أوك شور Sure هآجي، المهم عاوزاك في حاجة.
وأشارت له ليقترب منها فهمست في أذنيه ببضع كلمات تراجع بعدها وهو ينظر إليها في دهشة هتف بعدها في استغراب :
– ياااه للدرجة دي ؟ عموما نو بروبلم يادونا، هو أنا أطول.
تحركت وهي تقول :
– طيب تمام، هاعمل حاجة وارجعلك .
وانطلقت مسرعة إلى حيث والدتها وأشارت لها بإشارة اتفقتا عليها مسبقا اتجهت بعدها والدتها لطاولة عائلة (الحسيني) وضحكت وهي تتطلع لـ (سارة) قائلة :
– ايه ياسارة، قومي ارقصي مع أي حد، قاعدة هنا مع العواجيز وسايبة الشباب.
ضحكت (فريدة) في حين عقد (جلال) حاجبيه في ضيق وردت (سارة) بهدوء :
– معلش ياطنط، إنتي عارفة إني مش بأرقص غير مع أدهم بس، وهو مشغول مع أصحابه في الحفلة.
ضحكت (ناريمان) مرة أخرى وهتفت بصوت عالٍ :
– ياسلام بس كده، حالا أجيبلك أدهم مع إني شايفة إنك زي القمر وشباب كتير هتجنن عليكي.
أشاح (جلال) بوجهه في ضيق ولم يعلق في حين قالت (فريدة) :
– سارة قومي ارقصي مع أي حد ماتبقيش متخلفة.
رمقها زوجها بنظرة حانقة ثم قال في حزم :
– سارة حبيبتي لو حابة تقومي شوفي أدهم فين وروحي له، مش مع أي حد.
تبادلت (فريدة) و (ناريمان) نظرة غاضبة ولم تعلق أيا منهما عندما كان (أدهم) يقترب من طاولتهم بهدوء فأشارت له (ناريمان) قائلة :
– ايه يا أدهم؟ كده سايب سارة لوحدها وانت عارف انها مش بترقص مع أي حد؟ خدها وارقصوا شوية بدل ماهي قاعدة مع العواجيز كده.
قالتها وغمزت (فريدة) لتضحك كلتاهما مرة أخرى، اقترب (أدهم) من شقيقته وانحنى أمامها مادا يده إليها قائلا بلهجة مداعبة :
– ممكن الأميرة الجميلة تسمح لي بالرقصة دي ؟
ابتسمت (سارة) في سعادة وهي تضع كفها بين أصابعه مجيبة :
– أكيد طبعا.
ثم قاما ليرقصا سويا، أوصت (دينا) مصورو الحفل أن يلتقطوا ما أمكن من الصور لـ (أدهم) أثناء رقصته مع شقيقته واتجهت هي الأخرى لترقص مع صديقها (تيام) بحميمية شديدة أثارت غيرة معظم الرجال في الحفل، وأثارت أكثر ضيق والدها عندما انتبه لها، فاتجه نحوها بغضب لكن زوجته وقفت في طريقه تحادثه في أمر مصطنع لتكمل (دينا) خطتها بنجاح، تركت (دينا) نفسها ليجذبها (تيام) لأحد الأركان الهادئة في الحديقة يتابعهما أحد المصورين ليلتقط لهما صورا عديدة وفيديوهات كما طلبت منه لتنفذ خطتها.
انتهى الحفل ببذخه ونفاقه ومشاعره المصطنعة ومجاملاته الزائدة، وبقيت (دينا) مستيقظة للفجر تثرثر مع والدتها عن نجاح الجزء الأول من خطتها بدون جهد يذكر، وتنتظر الصباح لتكمل باقي الخطة.