رواية عشق ليس ضمن التقاليد للكاتبة أسيل الباش
الفصل الرابع..
لنسافر الى الفضاء ونجرّب معنى الضياع..
دعينا بهمسٍ نتكلم عن حسن ما ضاع..
سأصطحبك برحلة على ظهري في كل بقاع..
سأخلدها كذكرى بقلبك ذو المكر والخداع..
لأدعك تنسين مسرحية العبث بالأقناع..
وأقصيك عن وطنٍ بسهولة يباع..
وأعلمك كيف يكون العشق حدّ النخاع..
كانت منهارة.. مرتعبة.. تستقبل كلمات جدها القاسية بصمت وخوف.. أمها تضمها بخوف عليها ووالدها هادئ بشكل غريب.. وكأنهم ينتظرون قدوم ساري ليعاقبها على ما فعلت.. تعرف أنه سيضربها وسيسجنها ربما في غرفتها حتى يهدأ ويتحمل رؤية وجهها.. ناهيك أنه سيحاول ابعاد ياقوت عنها..
دفنت وجها في صدر والدتها الباكية حينما وفاها صوته وهو يقترب منها.. تشبثت بحضن والدتها بارتعاب وهي تسمع جدها يقول بلؤم وقسوة:
– عاقبها يا ساري كي لا تكرّر فعلتها هذه.. حلال قتلها!
ضمتها هدية بقوة وهتفت برجاء لابنها:
– ساري أختك لن تكرر ما فعلت.. لا تضربها.. سأغضب عليك اذا ضربتها.
زمجر فواز بحدة:
– اهدأي يا امرأة ولا تتدخلي بعمله.. ابنتك يجب أن تتلقى عقابها حتى لا تكرّر فعلتها الشنيعة بحق عائلتنا وقبيلتنا.
ثم تطلع الى ابنه مالك وهدر:
– تكلم مع زوجتك يا مالك.. لا يجب أن تتدخل زوجتك بهذه الأمور!
تجاهل ساري ما قاله جده وقال بعصبية بالكاد يكتمها:
– أمي لو سمحتِ ابتعدي عني واستهدي بالله.
- ابتعدي عنها يا هدية.
صاح فواز بغضب فتمسكت هدية بابنتها أكثر وغمغمت ببكاء وقهر: - لا.. لن أتركها.. عاقب يا ساري زوجتك بدلًا ان تعاقب عائشة.. اختك ليس لها اي ذنب!
لم تكن هدية تقصد ما قالته.. ولكن خوف الأم على طفلتها أجبرها أن تقسو وتضع اللوم على تلك المخطوفة الحزينة التي تتحمل جنون ابنها..
هاجت أعصاب ساري بعد ما قالته أمه فجذب عائشة الباكية بقوة من حضن والدته وهتف بحدة:
– ابنتك هي من ساعدتها على الهروب وهي السبب بما حدث.. ولا تقلقي يا أمي ياقوت تمّ عقابها وحان دور عائشة!
صرخت عائشة بفزع وهو يجرّها بقبضة قاسية الى غرفتها.. أغلق الباب وراءه وهو يسمع ضربات والدته على الباب التي تصيح بوجع وجزع على ابنتها..
ارتسمت على شفتيه شبه ابتسامة وهو يراها جالسة على سريرهما تحرّك أصبعها بشكل عشوائي وكأنها تكتب.. غريبة هذه الخنساء تمارس موهبتها دون أن تمتلك الورقة والقلم! لم يرى قبلًا أنثى تمتلك هذا الاصرار سواها..
قعد قسورة بجانبها ثم سألها باستفزاز:
– ماذا تكتب كاتبتنا الشجاعة؟ هل تكتب عني؟
حدجته خنساء بنظرات مغتاظة واجابت بتهكم:
– أكتب عن زوجي وتعقده! هل تريد ان تعرف ماذا كنت أكتب عنه؟
- يسرني ذلك.
غمغم وهو يضع رأسه على ساقيها فتتوتر خنساء وتهمس بضيق: - كنت أكتب عن ضيقي منك.. أعد اليّ يا قسورة حقيبتي.. أشتقت للكتابة.
تأمل قسورة عينيها التي تبعدهما عنه ثم أغمض عينيه وقال بهدوء:
– دلّكي لي رأسي.
- سأدلكه ولكن أعد لي حقيبتي.
همست برجاء وهي توغل أناملها بين خصلات شعره السوداء فهمس قسورة ببرود: - دلّكي جيدًا وكفّي عن الحديث.
تبرمت خنساء بغيظ شديد وبعصبية حاولت أن تدفع رأسه بعيدًا عنها فيقهقه بلؤم ويقول:
– لن تقدري يا لبؤة بدفعي بعيدًا عنك قيد أنملة!
- لأنك ثور لن أقدر.
تمتمت خنساء بجهامة وهي تحاول دفع رأسه بشتى الطرق فضغط قسورة على ساقيها برأسه أكثر ليزيد من ثقله وهتف بتهكم: - حينها لن تكوني لبؤة اذًا.. ستكونين بقرة!
كشّرت خنساء بغضب أسود وهدرت بحنق:
– لستُ بقرة! هيا انهض وابتعد عني وقدِّر أنوثتي التي تميّزني عن بقية النساء.
قهقه قسورة ثم اعتدل بجلسته وقال بخبث بينما يرمقها بنظراته التي توترها:
– اثبتي لي انك مميزة.
همّت ان توثب عن السرير ولكنه أدركها سريعًا:
– سأعيد لك حقيبتك بشرط.
توسعت عينيها بذهول وجلست بجانبه ممسكة بيديه الاثنتين بلهفة:
– أيّ شرط يا قسورة ولكن أعد لي حقيبتي الآن.
ابتسم قسورة ببرود:
– لن يكون شرطًا واحدًا بل عدّة شروط.
زفرت خنساء بنفاذ الصبر وهزت رأسها موافقة فتابع:
– أي شيء ستكتبينه يجب أن اراه.. لا أريدك أن تخفي عني أي شيء لأنني لن اسمح لك بذلك.
هتفت خنساء بصدمة:
– الا يوجد بعض الخصوصية يا قسورة؟ انا..
- اصمتي!
هدر فجأة فانتفضت من نبرته التي صدمتها.. لا بد أنه مختل حتى يتكلم معها كل مرة بنبرة مختلفة! عضّت على شفتها السفلى ودمدمت بقهر: - ماذا فعلتُ لتصرّخ هكذا؟
-
لا يوجد خصوصية بين الزوجين.. أنا لا أثق بكِ بعد الذي فعلتيه كامرأة غبية دون شرف ودون عقل!
قال قسورة باحتدام فازدردت خنساء ريقها بخوف… لا تريده أن يكرّر موضوع هروبها في كل مرة.. بالكاد نجت من قبضته في ذاك اليوم..
همست خنساء بارتباك: - قسورة لم هذا الغضب الان؟ كنتَ هادئًا قبل قليل.
مرّر يده على وجهه وهو يتذكر لحظة هروبها.. كادت ان تفرّ هاربة وتسبّب فضيحة كبيرة في القبيلة وخارجها بسبب موهبة تراها بعينيها الدنيا كلّها.. تستحق درسًا قاسيًا لن تنساه ما دام في صدرها نفسًا.. غليله لم يشفى بعد وهو يجاهد بصعوبة أن يتحكم بأعصابه كي لا يثور عليها بغضبه الذي لن تتحمله..
رشقها بنظرة مضطرمة بنار غضبه من تلك اللحظة فأدركت خنساء ان العقاب الذي توعدها به الان سيتم.. حاولت بصعوبة أن تتحكم بلسانها السليط فهي تشكر الله انه كتم ما فعلته والا لم تكن الى هذه اللحظة على قيد الحياة.. ففي موضوع هروبها يوجد شرف وبالتالي الأفكار ستفعل الويل بعقول رجال قبيلتها..
- أعتذر على ما حدث.. أنا لن أكرّر أبدًا ما فعلته بلحظة جنون.. كنت مقهورة ورغبتي بالانطلاق والنجاح كانت تتحكم بي.
همست خنساء بخفوت فقبض قسورة على ذراعيها وهتف بصرامة: - لن تقدري يا خنساء.. ما دمتِ في منزلي فانا المتحكم الوحيد بك!
ثم تطلع اليها بنظرة أخافتها حقًا واستأنف:
– انا غيّرتُ رأيي.. لن أُعيد لكِ حقيبتك الآن ولا…
قاطعته سريعًا وهي تلف ذراعيها حول عنقه بدهاء ومكر أنثوي:
– قسورة يا زوجي وتاج رأسي لا تقسو علي.. لن أتحمل.. أعدك انني سأحاول ان اكون كما تريد ولكن انت اهدأ فقط.. لا بأس، أنا لا اريد الحقيبة الآن ولكن انت اهدأ يا تاج رأسي!
زفر قسورة بسخط من دهاء ومكر هذه المرأة ثم أبعدها عنه وهتف بغيظ:
– داخل عقلك يا خنساء كم عقلًا اضافيًا يوجد؟
رفرفت خنساء ببراءة مزيفة وغمغمت:
– لم أفهم يا زوجي!
- هل أدعك تفهمين بطرقي الخاصة سيدة خنساء؟
سألها بنبرة مخيفة فتبرمت وهزت رأسها بنفي ثم غمغمت بسرعة: - لا يا تاج رأسي.. لقد نسيت أن أنشر الملابس.. سأذهب لأفعل في التو.
ألقت خنساء كلماتها وهرولت مغادرة لتتجنب غضب زوجها وعصبيته فابتسم قسورة بتهكم ثم عاد وتوسد السرير..
غرست أظافيرها بدثار السرير ودموعها تنهمر على وجنتيها ملوّثة اياهما بقلم يشكو الغربة والشوق الى الحبيب الذي لم يعد في هذه الدنيا.. مرارة تتمشى بغرور في حجرة فؤادها الموجوع.. من سيسعف قلبها البائس حينما تصبح زوجة لرجلٍ آخر؟
أمين كان مختلفًا.. كان مريضًا.. ورغم مرضه كان يحبها وهي تعشقه.. سلّمته كيانها واكتفت بوجوده بجانبها.. ليتها على الاقل أنجبت منه طفلًا لتتحجج به فلا تتزوج غيره.. ولكن نصيبها هكذا وسترضى به مرغمة.. شاءت أم أبت..
ابتسمت بأسى وهي تودع أجمل لحظاتهما معًا وأوجعها قبل أن تصبح بعد أيام معدودات زوجة لأيهم الفهدي.. أيهم الذي كان يريدها أيضًا قبل أن تصبح امرأة لأمين الفهدي.. ولكن سبقه أمين وتزوجها.. كانت في الخامسة عشر من عمرها عندما تزوجها أمين.. صغيرة كغيرها من الفتيات اللواتي يتزوجن مبكرًا.. صغيرة لا تفقه بالأمور الزوجية.. ولكن الاختلاف انها تزوجت مبكرًا وترّملت مبكرًا!..
وثبت حسناء عن سريرها باختناق.. تتذكر اليوم الذي تزوجت به من أمين.. كان هو الاخر صغيرًا.. في الحادي والعشرين من عمره.. كان قلبه طيبًا.. رؤوف بها وبصغر سنها.. احتواها كاحتواء الاب لأبنته.. ثم بدأ يبتعد عنها بعد ان بدأت تظهر عليه اثار المرض والغريب انهم لا يعرفون ما هو مرضه.. لم يقل لأحد.. كان كتومًا حتى معها.. وأتت الصاعقة الكبرى لتفاقم من اوجاعها وقهرها عليه حينما وقع من أحد القوارب ومات غرقًا.. فأمين لم يكن يجيد السباحة وبالاضافة الى كونه مريضًا.. جرفته المياه الى أعماقها وتوفى حبيب القلب لتستهل حسناء رحلتها البائسة..
تنهدت حسناء بحسرة ثم همست بشجن:
– مسكين يا أيهم ستتعذب معي.. قلبي لن يكون لك وروحي ليست معك.. انتَ من ستعاني لأن الجسد فقط من سيكون معك والأهم من الجسد متشبثًا بذكريات الحبيب الأول!
ولج الى غرفتهما ثم سار نحوها، متيقظًا الى ارتجافها وشهقاتها التي تجاهد على كتمهما بدثار السرير الذي تغطي به كل جسدها.. توسد بجانبها السرير ووضع يده على خصرها فتجفل وتحتد دموعها تدفقًا.. قرّبها منه حتى التصق ظهرها بصدره.. كانت خائفة بجنون بعد ان رأت اثار الضرب على جسد شقيقته عائشة لانها ساعدتها على الهروب..
ابعد عنها الدثار رغم تشبثها به ثم مال عليها ليلثم شفتيها بقبلة ناعمة رقيقة..
لم تقاومه وتحاول ان تحرّر شفتيها من قيد شفتيه.. تخشى ان يضربها كما ضرب عائشة فبقيت متيبسة تنتظره ان يبتعد عنها.. ابتعد ساري عنها بعد لحظات طويلة ودمدم بتملك:
– كل من يحاول ان يساعدك على الفرار مني مصيره سيئًا كالجحيم فلا تتصرفي بتهور.
اشاحت ياقوت وجهها الى الجانب الاخر بضيق شديد فأمسك وجهها بخشونة واداره اليه بينما يهدر بغضب:
– لا تديري وجهك عني وانا اتحدث معك.
لم تبالي بتهديده وحاولت ان تنهض عن السرير فيضغط على ذراعها بقوة ويعيدها الى مكانها، مزمجرًا بشراسة:
– يبدو انكِ تودين ان تجرّبي معنى ان تكون ليلتك سوداءًا معي.
- انت مختل!
صاحت ببكاء وهي تضربه على صدره ثم استأنفت بقهر موجع: - كيف تضربها بهذه الوحشية؟ كيف؟ انا اكرهك.. اكره قسوتك وجنونك.. اكرهك!
لم يسكتها سوى شدّه لشعرها حتى كاد ان يقتلعه من جذوره.. اغمضت ياقوت عينيها برعبٍ فهتف باحتدام:
– على ما يبدو ان الوجه الهادئ ما عاد ينفع معكِ.. انتِ تحتاجين الى ترويض مرة اخرى!
- لا..
صرّخت ياقوت بفزع وهي تتذكر ماذا يعني ترويضه لها.. ترويضه يعني آلة تتحرك وفقًا لمزاجه القاسي.. يعني ان تعاني من بطش قوة جسده وتملكه الريعاني..
التفت يداها حول عنقه بقوة وهي تهمس ببكاء: - لن أكرر ما فعلته.. كنتُ غاضبة وحزينة فقط لأن عائشة تمّ عقابها بسببي.. انا اسفة ساري.. اسفة ارجوك!
-
لأغفر لكِ عامليني مثل الزوجة التي تُدلّل زوجها والان!
هتف بجمود فتتشعشع حمرة الخجل والضيق في سائر مسامات وجهها وعنقها وتهمس باضطراب: - انا.. انا.. لا اعرف.
تأملها بنظرات قاسية لوهلة ثم قال ويده تُقرّب جسدها الصغير اليه حد الالتصاق:
– تعلّمي الان!
ازدرمت ريقها ليعتدل بجلسته على السرير ويرفعها ليضعها في حجره.. زاغت عينيها بتخفر ليبتسم باستهزاء:
– الا تودين ان تجرّبي وتتعلمي كيف تدللين زوجك كسائر الزوجات المطيعات ام ان كل نساء قبيلتك مثلك؟
زمّت شفتيها بغضب فيقهقه ويسألها بعبثٍ:
– هل أكلت القطة لسانك؟
جفّفت دموعها بغيظ فيتمعن النظر بالتفاف الخاتم الذي يحمل اسمه حول بنصرها ثم يجذب يدها اليه بخشونة لتحدجه بنظرات خائفة وتغمغم:
– هذا الخاتم منك ولله!
- اعرف.
قال بحدة ويده تضغط على اصابعها بقوة لتعقد حاجبيها بوجع وتدمدم: - سأنهض.
-
نفّذي ما امرتك به اولًا.
هدر بعصبية لتقضم شفتها السفلى بضيق وتقول: -
لا اعرف.. انا صغيرة!
-
انتِ في السابعة عشر من عمرك.. معظم الفتيات اللواتي في عمرك متزوجات وامهات ايضًا.
علّق بتهكم حاد لتتبرطم قبل ان تتوسع مآقيها بذعر وهو يرميها على الفراش ويميل عليها، هامسًا بهسيس: - هذه المرة انا سأعلّمك ولكن منذ الغد سيتغير الوضع يا ياقوت.
بانت تعابير الاشمئزاز على وجهها دون ان تعي ليضرب على الوسادة بجانب رأسها بعنف ويصرخ بصوتٍ اهاج خفقاتها وثبًا ورعبًا:
– هذه التعابير اذا رأيتها مرة اخرى على وجهك لن أرحمك! انا زوجك ولست خطيبك السابق الغبي!
رغم خوفها منه صاحت ياقوت بقهر:
– ليس غبيًا! لا تشتمه مرة اخرى.
- هل تدافعين عنه امامي؟
هدر بجنون لتدفعه بحدة وتوثب عن السرير ثم تفرّ هاربة الى خارج الغرفة غير متيقظة كونها دون حجاب! كانت خائفة منه ومن جنونه وتعرف جيدًا اته اذا قبض عليها فسيقضي عليها.. وفي هذه القبيلة لا يوجد من يدافع عنها..
من حسن حظها انه امسكها قبل خروجها من المنزل فلا يراها الرجال دون حجاب وتتلقى عقابًا مخيفًا منه..
صرخت بجزع وهو يرفعها ويثبتها على الجدار بينما يصرخ باحتدام:
– كنتِ ستخرجين دون حجاب؟! هل تودين ان تموتي على يدي؟
هزت رأسها بنفي وهي تبكي فأنزلها وأمسكها من ذراعيها بقوة مؤلمة بينما يزمجر بتهديد:
– قسمًا بالله مرة اخرى تتحديني او تكررين ما فعلتيه الان سأريكِ الويل يا ياقوت.
- لم افعل اي شيء خاطئ.. انت تغضب دون اي سبب.
هتفت بصوتٍ مبحوح ليقول بعنفوان: - لقد دافعتِ عنه!
-
وهل أبقى صامتة؟
سألته باختناق ليرد بجهامة وهو يزيد من قساوة يديه حول ذراعيها: -
اجل، ابقي صامتة.. لا تجادليني ولا تناقشيني لأنني لا اطيق موضوع خطوبتك برجلٍ غيري.. انتِ الان لي انا فقط.. زوجتي وتحت امري.. كل ما بكِ يخصني لوحدي!
-
اتركني.
همست ياقوت ببغض فابتعد عنها وهدر بنبرة حادة: - ابغضيني بقدر ما تريدين.. ما دمتِ في قبضتي فسوف تعتادين على وجودي بالقرب منك.. ستعتادين يا ياقوت وستتقبلين وجودك معي رغمًا عن انفك!
بعدة عدة ايام..
ابتسمت وهج بحنو لآيات التي تقوم بتجهيزها كعروس جميلة تخطف الأنفاس.. كلتاهما تعرفان سبب هذا الزواج وربما لذلك آيات مطمئنة.. بالاضافة الى كون آيات تدرك اذا شاء الله وسحب روحها سيضطر صفوان الزواج بأخرى وهي تخشى ان تكون تلك الزوجة الجديدة قاسية على طفليها.. وتعرف جيدًا انها لن تجد امرأة عطوفة تفيض حنانًا مثل وهج على طفليها..
في الواقع تشعر ببعض الانانية فهي تستغل طيبة هذه الأنثى لأسبابها التي تغلب عليها روح الأمومة.. توسمتها آيات بمقلتين متلألأتين بعبرات الامتنان التي تكنها لها..
كانت وهج تبدو بغاية الجمال.. أنثى ملامحها تفيض براءة.. سمراء ولكن ملامحها ابدع الخالق برسمها.. شعرها كثيف شديد السواد كظلمة البحر في ليلة ماطرة.. صغيرة.. ناعمة.. رزينة..
دخلت أم وهج لتترقرق الدموع في عينيها.. تخفي حسرتها على ابنتها التي تمنت ان تتزوج من رجل اعزب.. ولكن الجميع يعرف سبب هذا الزواج وكلها فخر بطيبة قلب ابنتها..
اقتربت منها ثم رفعت وجهها اليها وأطلقت زغرودة عالية شاركتها بها أختها وعد الكبرى وأم صفوان..
- ما شاء الله.. ما شاء الله.. قمر يا وهج.. متوهجة كالبدر.
غمغمت والدتها بابتسامة ودموعها تسيل فعانقتها سريعًا وهمست بنعومة: - لا تبكي يا غالية.. اذا بقيتِ تبكين سأبكي أنا أيضًا.
اومأت أمها بابتسامة وقالت بحنان:
– لا.. لا تبكي يا قمري.
- خالتي سأغار!
هتفت آيات بمزاح فنظرت اليها نهاية بعطف: - وانتِ كالقمر يا آيات.. فليعن قلب صفوان عليكما الاثنتين.
طمست وهج ابتسامتها الساخرة بصعوبة ثم حاوطت بيدها ظهر آيات وقالت:
– آيات وحدها تكفي يا أمي.. جميلة لا ينقصها ايّ شيء سوى أن يشفيها الله وتعود كما كانت.. كالفرس.
ابتسمت آيات بشجن وغمغمت:
– ان شاء الله.. اذا عدت مثل اول ام لا فأنا راضية ومكتفية بوجود وهج مع زوجي وطفليّ.. والأعمار بيد الله.
تأثرت النسوة بكلماتها فسالت دموعهن وعانقتها وهج وهي تزجرها بجزع وضيق:
– باذن الله ستعودين مثلما كنتِ.. تفاءلي بالخير تجدينه.
طرقت ياقوت باب غرفة عائشة بتوتر.. تخشى أن تلتقي بها وتضع عائشة جمّ اللوم عليها لان ساري ضربها.. تخشى أن تلومها فتستفحل الامها في قلبها.. هي اساسًا لا تنفك أن تلوم نفسها بسبب ما حدث لعائشة.. تكدست العبرات في مآقيها بعد أن سمعت صوتها الحزين يسمح للطارق بالدخول..
فتحت الباب وولجت بخطوات تشي عن ما تعانيه من تخبطات فطالعتها عائشة بابتسامة شجية وهمست:
– لن ألومك.. اقتربي.
ابتسمت ياقوت والدموع تومض بمقلتيها ثم سارت نحوها وقعدت بجانبها وبحركة سريعة كانت تضم جسد عائشة وتدمدم ببكاء:
– اسفة عائشة.. انا السبب.. ما كان يجب أن أقحمك بهذا الموضوع.. انتِ حاولتِ ان تساعديني وتحملتِ الكثير بسببي.. سامحيني.
تأوهت عائشة بسبب ضغط ياقوت على جسدها.. لا تزال بعض اثار الضرب موجودة على جسدها.. لن تنسى أبدًا ضرب ساري لها.. اخرج كل غضبه عليها لوحدها ومنعها لثلاثة ايام من الاقتراب من ياقوت ومن رؤية وجهها..
تنهدت عائشة بوهن:
– لا بأس يا ياقوت.. مهما غضب ساري مني وضربني انا سأسامحه.. هو قلبه طيب ومتأكدة أنه بعد ان يهدأ سيعتذر مني.. لن ألومه لوحده على ضربه لي فجدي سامحه الله دومًا يحرّضه علينا.. لو أنه ليس والدَ أبي لكنت دعوت عليه من كل قلبي.. وانت صرتِ تعرفين جيدًا لؤمه وقساوته.
ابتعدت ياقوت عن عائشة وهدرت بكره:
– الله ينتقم منه.. عسى أن يموت ويريح العالم منه.. ادعي عليه من كل قلبي.. دعاء من قلب مظلوم!
لم تنبس عائشة ببنت شفة بل سرّحت من اغوار روحها تنهيدة ترحة.. فقالت ياقوت لتخرج عائشة من الشرنقة التي تحيط نفسها بها منذ أيام:
– تعالي لنخرج.. أمك ستفرح حينما تراكِ.. ولا تقلقي ساري البغيض في عمله.. عسى ان لا يعود أبدًا.
- كفّي عن دعواتك هذه.
أنّبتها عائشة بضيق فردت ياقوت بحقد: - أدعي على من يستحق.. وشقيقك بعد ما فعله معك صرت اكرهه اكثر وتأكدي انني سأحاول الهروب مرة أخرى.. يكفيني انني عرفت كيف أهرب! الطريق سهل.
توسعت عينا عائشة برعب:
– اياكِ يا ياقوت! لن تنفذي بريشك كل مرة.. اياكِ ان تذكري مرة اخرى على لسانك انك ستحاولين الهروب.. اياكِ.
زمت ياقوت شفتيها ثم بغيظ هتفت:
– حسنًا.. هيا تعالي.
خرجت عائشة برفقة ياقوت لتهلهل أسارير هدية وهي ترى ابنتها تقبل نحوها..
قالت هدية بفرحة:
– تعالي حبيبتي.. تعالي واختاري لك بعض الأقمشة من هذه البائعة التي تعمل مع أفضل تاجر في المنطقة.
طالعتهما البائعة وردة بابتسامة ثم غمغمت وهي تفرد بعض الأقمشة أمامها:
– انظرن جميعكن.. الأقمشة هذه كلها من الحرير.. لن تجدن مثلها أبدًا.
تطلعت ياقوت اليهن بأعجاب وهتفت بخبث، قاصدة أن تستغل أموال ساري:
– سنشتري منك الكثير على ما يبدو.. أنا أرغب بالشراء منكِ.
- أبيع أيضًا ألعطور.. هل تريدين أن تري؟
- بالطبع يا أم وفيق.. هذه عروس ابني.. يجب أن نغدقها بالكثير فهي تستحق.
قالت هدية بابتسامة دافئة ثم تطلعت الى ابنتها وتابعت: - وانتِ يا عائشة اختاري لك ولأختك بما انكِ ستزورينها يوم الاربعاء.
اومأت عائشة فابتسمت ياقوت بحقد:
– سأشتري كل ما ينقصني بما ان زوجي هو من سيدفع ثمن اغراضي!
كانت نظراتها جامدة حينما أغلق أيهم الباب واقترب منها.. خفقاتها تدق كالطبول.. بعنف يكاد يصمّ أذنيها.. لا تشعر بالتوتر أو بالخجل بل بالخوف والنفور.. حقق أيهم مبتغاه وتزوجها.. أحست بأنامله فجأة ترفع وجهها اليه فرمشت عدة مرات بحيرة.. كيف تتهرب منه؟
لم تعي ان نفورها منه كان واضحًا الى حدٍّ جارح الا عندما قال بهدوء:
– لا يحق لك ان تنفري مني يا حسناء.. مبارك لنا.
- اذًا لا تلمسني.
ردت ببرود ليرفع حاجبه بتهكم: - أنا زوجك.. يحق لي.
ابتعدت حسناء عنه عدة خطوات وتمتمت بضيق:
– انا لا أقدر.. انا.. انا لا زلتُ أحب زوجي المرحوم.. فكيف…
لم يسمح لها بالتفوه بالمزيد وهو يزلف منها حد الالتصاق بينما يهدر بخشونة:
– لقد مات وانتهى حبك له.. الان يجب ان تحبيني أنا.. انا زوجك وانا الذي ستحبينه فقط.
- لا أستطيع.. انت لم تجلب لنفسك سوى الألم والقهر بزواجك بي.. من امرأة مثلي كانت تحب زوجها كثيرًا ولم تنعي وترثي زوجها كما يكفي لتتحرر من حبها له!
همست حسناء بجدية فزمجر أيهم بغيرة: - انتهى حبك له يا حسناء.. الكلام عن الغائب لن يأتي بأي نتيجة.. اخبرتك انتِ الآن زوجتي انا فقط.. انسي الماضي ولا تدعيني أكرر كلامي أكثر من مرة.. سأصبر عليكِ الى ان تعتادي على وجودي بحياتك.
همت أن تبتعد حسناء عنه فطوّق خصرها بيديه ومال على جبينها ليقبلها:
– جميلة جدًا انتِ يا حسناء بعيني.. كما كنتُ أتخيل دومًا!
عقدت حسناء حاجبيها باختناق.. احساس يشبه المرارة بل كشعور المريض بألام السرطان وهي بين يدينه في حين روحها وقلبها مع من يرقد تحت التراب الآن.. حاولت ان تدفعه عنها فيضمها أيهم اليه اكثر وكأنه يريد ان يدّسها في طيات جسده..
هتفت حسناء بضيق.. تكاد أن تبكي:
– ابتعد عني يا أيهم.. أريد استخدام الحمام.
ابتعد عنها بعد أن تنشق عبيرها بشغفٍ.. كانت يجب أن تتزوجه قبل أمين.. كانت يجب أن تكون له.. ولكنه سبقه.. أمين سبقه وما كان بوسعه فعل أي شيء سوى الخنوع.. تأملها وهي تسير مبتعدة عنها..
كانت ترتجف بين يديه من الخوف وهو قلبه كان يرتجف ويرتعش من الغيرة.. يقسم أنه سيدعها تنسى اي ذكرى تخص رجلًا غيره.. سيدع حياتها وأفكارها كلها تتمحور حوله هو.. سيدعها تعشقه وتهيم به فهو لا يكفيه الحب فقط!..
لم تبالي خنساء بصوت قسورة الغاضب بسبب تأنيب والدتها لها أمامه.. تغنجت بمشيتها أمامه بقصدٍ حتى تغيظه أكثر.. وبالفعل نجحت وقسورة يسرع بخطواته ليديرها اليها ويهدر بعصبية:
– توقفي.. انتِ بالفعل امرأة وقحة.
- كنت سليطة لسان فقط والآن وقحة!
قالت خنساء باستفزاز فيتمتم قسورة مستغفرًا الله قبل أن يسألها بحدة: - كيف ترقصين أمام النساء بهذه الوقاحة بل وتلقين على مسامعهن كلمات مستفزة وفقًا لأقوال والدتك؟!
تبرمت خنساء ثم زفرت بحنق:
– أمي تبالغ يا قسورة.. كنت أرقص كبقية النساء.. يحقّ لي أن افرح وأعبّر عن فرحي بالرقص.
ثم أخفصت عينيها وهمست بنعومة:
– أليس كذلك حبيبي؟
لم يهتز قيد أنملة لكلماتها الماكرة.. لم يتأثر فهو أدرى بعبث هذه المرأة التي جعلت جده يميزها عن بقية أحفاده ليضعها بكفٍّ لوحدها وهم بكفٍّ اخر..
هتف قسورة بقسوة:
– اما ان تتعدلي يا خنساء أو سأقلب حياتك الى جحيم.. اعرفي ان مكرك هذا لن يؤثر بي اطلاقًا.. كل فكرة تدور بعقلك انا أعرفها جيدًا.. ولسانك قصّيه قبل أن أقطعه لك بنفسي.
رمقته خنساء باكفهرار وصاحت بغضب:
– حينما اسمع واحدة من النساء المتخلفات تقول “لم نتوقع أن تتزوج هذه العانس!” لا تتوقع أن أسكت لها.. متخلفة مجنونة.. لا زلتُ في الحادي والعشرين من عمري وتنعتني بالعانس!
هدأ قسورة قليلًا ثم قال بحنق:
– هي امرأة كبيرة يا خنساء.. كيف تتواقحين عليها؟ دعيها تقول ما تشاء.. يكفي ان تقهريها بثقتك بنفسك.
تبرطمت خنساء بعدم رضى وزمجرت:
– لا يهمني.. هذا كلام ابنتها الحرباء التي تكاد تموت بسبب غيرتها مني.
ثم رفعت عينيها اليه بقوة واستأنفت:
– أمي تبالغ يا قسورة.. أمي الغالية تحب المبالغة خاصةً فيما يخصني.. الجميع يعرف كم انا بريئة!
- صحيح!
رد بسخرية فقالت بقهر وضيق: - لن أذهب الى ايّ مكان بعد الآن.. لن احضر أي عرس حتى ترتاح مني ومن مشاكلي.
هزّ قسورة رأسه مؤيدًا بحركة استفزازية لما قالته فحدجته بنظرة ساخطة واستدارت لتغادر قبل أن يوقفها صوته:
– شقيقك أحمد بخير.. فقط أردتكِ أن تعرفي.. وسيعود قريبًا الى القبيلة.. يوسف شقيق ياقوت يرافقه.
- الحمد لله.
همست خنساء ثم صعدت لتغير ثيابها وهي تدعو الله أن تكون ياقوت أيضًا بخير..
قعدت على الأرض بجوار النافذة الخشبية الشاهقة.. جلست وكأنها أميرة مسجونة في زنزانة من الأساطير الخرافية.. أميرة خُطفت من أميرها لتُجبر على الزواج بعدو مملكتها الفارس البربري.. توهجت عيناها الزرقاوان بحكاية شجية وارتجفت شفتاها بشوقٍ لا يضاهي شيئًا من حزنها..
همست لنفسها ترجوها بالصبر.. تطبطب على روحها بكلمات عذبة..
“الدنيا فانية يا ياقوت.. فانية فلا تبتأسي.. بعد الليل سيأتي النهار.. ولا بد أن يشرق يومك يا ياقوت”
أغمضت عينيها تشجع نفسها.. تواسيها.. ليست ابنة قبيلة الفهدي من تضعف بهذه الطريقة.. ليست هي الحجر الكريم الصلب.. هي ياقوت لن ترضخ رغم شفافيتها وعذوبتها.. ستصمد وتقاوم كأي امرأة شجاعة.. رغم خوفها ستقاوم..
“يا رب ازرع الشجاعة في قلبي”
همست بصمت ودمعتها العذبة البائسة تنزلق على خدّها من بين رموشها الراضخة..
لم تنتبه اليه حالما دلف.. كانت صامتة تتضرع وتناجي الله.. ولكنها شعرت بجسده حينما قعد على الأرض بجانبها فضغطت على عينيها بقوة ولم تفتحهما..
غمغم ساري بهدوء:
– تبدين غريبة بجلستك هذه.. بماذا تفكرين؟
تنهدت ياقوت بحرارة وبؤس وهمست:
– بمصيري معك.. ما هو يا ترى؟
ادار ساري وجهها اليه وقال بخشونة:
– افتحي عينيك.
نفذت ما قاله فتابع:
– مصيرك معي أبدي يا ياقوت.. الا في حالة واحدة.. وهو موتي أو موتك!
- لماذا انا من بين كل نساء قبيلتي؟ لماذا انا هي التي أُختطفت.. هناك فتيات غير مخطوبات وغير متزوجات.. فلماذا أنا؟
سألته ببؤس فاجاب بغموض: - انتِ ابنة ابيكِ الوحيدة.
عقدت ياقوت حاجبيها بعدم فهم فمدّ ساري يده ليزيل دموعها عن وجنتيها بهدوء أقرب الى البرود وقال:
– ارضي بما آل اليه وضعك.. كوني راضية بكونك زوجتي.
ادارت ياقوت وجهها برفض وهتفت بقوة:
– الدنيا ستدور يا ساري.. ما تفعله بي سيحدث لأحدى نساء قبيلتك.. ربما أختك.. ابنة عمك.. او ابنتك حتى.. واعرف يا ساري انني لن أرضى ابدًا بزواجي بكَ لأن لا يوجد ما يجذبني اليه.. الجميع يكرهني هنا.. فكيف أرضى بوجودي في هذا الجحيم!
- سترضين يا ياقوت.. لا مفر لكِ!
رد ساري بجمود فابتسمت بسخرية مريرة: - أرضى بكَ يا ابن العرّابي وانتَ عدو قبيلتي الشرير؟
-
لستُ شريرًا!
غمغم بابتسامة قاسية بعض الشيء فضحكت باستهزاء ودمعتها تتمرد على عزيمتها وتسيل مرة أخرى على خدّها: - لا.. لستَ شريرًا بل ملاك بعثه الله لي من الجنة!
ابتسم بخفوت وهمس:
– ولستً ملاكًا أيضًا.. أنا ساري العرّابي فقط!
ثم رسّخ حدقتيه بعينيها الزرقاوين واسترسل:
– وانتِ ياقوت الفهدي.. زوجتي أنا!
عضّت على شفتها السفلى كي لا تتصرف بتهور وتنطق بما سيقلب مزاجه الهادئ الى بركان قاسي سيحرقها ويحطمها.. زوجته بالاجبار.. يا للسخرية!
همّت أن تنهض عن الأرض وتستقيم واقفة ولكن يده كانت بالمرصاد فطالعته بتعجب وذهول ليسألها بتهكم:
– كيف ستهربين الليلة مني؟ بأيّ حجّة؟
ازدردت ياقوت ريقها بتوتر وقالت بصلابة:
– أنا مرهقة.. مستنزفة بسبب الأحداث التي تحصل معي.. جدك وجدتك لا يرحمانني بكلامهما المسموم.. وحالة عائشة بسبب ضربك لها ترعبني.. الجميع يرعبني فلا تزدني رعبًا والا سأنتحر بسبب هذه الضغوطات التي يمارسها الجميع عليّ!
ضغط على يدها بقبصة قاسية بينما يحدجها بنظرات مذهولة غاضبة:
– تنتحرين؟! هل انتِ مجنونة؟
أغمضت ياقوت عينيها بتعب وغمغمت:
– اتركني يا ساري.. حرّرني منك ومن جنونك!
استفحلت وطأة ضغطه على يدها وهو لا يصدّق الجنون التي تتفوه به:
– حاولي يا ياقوت أن تكرّري ما قلتيه وسأجعلك ترين الليل بعزّ النهار.. سأدمرك وأقضي عليك! لم أتوقعك كافرة يا ابنة قبيلة الفهدي المعروفين بشهامتهم والتزامهم بدينهم!
- لا تهددني اذًا وابقى بعيدًا عني.. دعني أرتاح!
هدرت بأنين خرج من أعماق روحها ثم أضافت محاولة أن تلجم دموعها التي ترجوها بالانهمار: - أنا لا زلت أحتاج الوقت لأتقبل كوني زوجتك.. كوني بقبيلة لم أعرف عنها أي شيء سوى بعد اختطافي منك.. أشعر بي يا ساري.. أشعر بي!
-
لماذا أصبر عليك؟ تزوجتك لأنتقم فلماذا أصبر ولا أفعل ما أريده بك وقبيلتي كلها تنتظر الحفيد الذي ستحملينه؟
سألها بنبرة مظلمة فارتعبت.. لا تريده ان يلمسها.. لا زالت تحاول الهروب منه كلما يتحدث عن هذا الموضوع أو يحاول لمسها.. لا يحق له أن يفعل.. لا يحق له.. هو ليس أحمد..
ضربته على صدره بذعر بعد أن طوّق جسدها بيديه وزمجرت بضراوة: - قسمًا بالله لن تلمسني اليوم.. لقد أقسمت.. ابتعد عني يا ساري.. ابتعد!
قبّل وجنتها وهمس لها بصوتٍ أجش:
– لقد صبرت أكثر مما يجب يا ياقوت.. أنتِ زوجتي.. يحق لي.. يحق لي أن افعل ما اريد بك!
- لا! لا!
تخبطت وهي تقاومه.. انهمرت دموعها بذعر وهو يفرّق قبلاته على وجهها.. تشمئز منه.. رباه كم تكرهه وتكره قربه!
صاحت برعب وهو يحملها فجأة.. خدشت له وجهه وعنقه بأظافيرها وانفاسها تكاد تنقطع.. - سأنتحر اذا لم تتركني! اتركني.. اتركني.. ليأخذك الله يا ساري!