رواية عشق ليس ضمن التقاليد للكاتبة أسيل الباش

الفصل الخامس

يا أسمري..
سأخبرك حكاية أستهل بها
لسواد عينيك.. شموخ أنفك
وغلاظة شفتيك..
سأتلو عليك آيات
حبي لغزارة شعرك الأسود..
يا أسمري.. لا تدع الشمس
تشرق على جذعيك
فأنا أغار..
يا أسمري.. ابتعد عن
الليل حينما يظهر
وتعال اليّ فأنا أحبّ
اليك منه وأكثر دفئًا..
اترك نفسك بحضني
ليلك ونهارك.. واتركني
أتزيّن لك بكل ما تهوى..
—————–
تيبس مكانه بعد أن فقدت وعيها بين يديه.. لم يعرف ما خطبها او ما سبب الذي جعلها تفقد وعيها بهذه الطريقة.. بقي ينظر اليها مذبهلًا متوترًا.. لقد كان سيجعلها زوجته حرفيًا ولكنها فقدت وعيها ولا تتنفس!مدّ ساري يده بارتجاف ليضعها على فمها ليعرف اذ كانت تتنفس أم لا.. ولم تكن! فتركها وبخطوات مرعوبة من فكرة ان تكون ماتت بين يده هرع الى جناح والديه دون ان يستأذن حتى!
جذب والدته من يدها وهو يقول بتوتر:
– أمي ياقوت لا تتنفس.. تعالي لتتفقديها.. لا يجب ان تموت.. لا يجب!ركضت أمه بجزع لتتفقد حال تلك المسكينة.. رفعت رأس ياقوت ووضعته في حجرها ثم هتفت بنبرة حادة:
– ناولني عطرًا ما.– هل هي بخير؟
سألها ساري بتوتر فهزت رأسها بضيق:
– بخير.. فقط ناولني يا ساري.

امتثل ساري لأوامر والدته وناولها ما طلبت فوضعت هدية القليل من العطر ذو الرائحة الثقيلة على يدها لتدع ياقوت تستنشقه فتستفيق قليلًا وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة ثم سرعان ما صرخت برعب افزع والدته:
– ابتعد عني.. لا تلمسني.. ابتعد!

– اهدأي حبيبتي.. انا بجانبك.
قالت هدية بحنو فتشبثت ياقوت بثيايها وهدرت ببكاء:
– دعيه يخرج ارجوك.. انا امقته.. اكرهه.. دعيه يخرج.

تطلعت امه اليه بعصبية فقال ببرود:
– لن اخرج!

تأففت هدية بحنق بسبب قساوة ابنها وعناده ثم بنعومة مررت اناملها بين خصلات شعر ياقوت التي تبكي بخوف وضيق..
دقائق معدودة وكانت ياقوت تغط في سبات عميق فمددتها هدية بحذر على السرير ثم همست بضيق:
– تعال معي الى الخارج للحظة.

سار وراء والدته بعد ان القى نظرة متمعنة على ياقوت النائمة.. توقفا بجانب مخرج جناحهما فتنهدت والدته وسألته بقهر:
– هل كنتَ تغتصبها يا ساري؟

– لم افعل.. واساسًا هذا حقي.. لا يوجد اغتصاب بين الزوجين!
رد ببرود فغمغمت والدته بضيق شديد:
– بل يوجد حينما يكون بالاكراه.. قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء: 19].

ثم تطلعت اليه وهمست برفق لتؤثر على عقل ابنها عسى ان يلين قلبه قليلًا:
– ساري يا روح أمك انت خطفت البنت فكيف تتوقع ان تتقبل اقترابك منها؟ هي وحيدة هنا وصغيرة جدًا.. لا زالت طفلة حتى لو كان لديها الان اطفال هي لا تزال طفلة!

ابتسمت والدته بحنو ثم اقتربت منه وأمسكته من ذراعيه:
– يجب ان تتفهم اي تصرف يخرج منها.. يكفي الرعب الذي تعيشه وهي خارج قبيلتها.. ما تفعله معها لن ترضاه على واحدة من شقيقاتك.. اليس كذلك؟

هز ساري رأسه ليتجنب تأنيب الضمير الذي صار يشعر به بعد كلمات والدته:
– ان شاء الله أمي.. سأدخل الآن.

– عسى ان يهديك ربي يا ولدي.
همست هدية ثم نزلت الى الأسفل ليعود الى تلك النائمة.. قعد على طرف السرير بجانبها وقال بغموض وهو يمرّر يده على وجهها:
– حتى لو يكن لك ذنبًا بما يحدث الا ان هذا ما حدث.. مثلك كغيرك يا ياقوت!

وبهدوء مسح وجهها المبلل بدموعها وانحنى يقبل وجنتها ثم توسد السرير بجانبها وضمها اليه بينما يهمس:
– لا تدعيني اجعلك لي بالقوة والغصب.. ارضي بي فلا اريد ان أصل الى هذا الحد!

*************
كاد صفوان ان يفقد عقله ووهج تخبره ببرود انها تريد النوم بغرفة الطفلين.. هل هناك عروس تنام ليلة عرسها مع طفلي زوجها من زوجته الأولى! يتمنى ان يخنقها ويحطم رأسها الغبي.. وكأنه ميت عليها لتترفع هذه الفتاة الصغيرة.. تأملت آيات انفعاله البادي على وجهه بتوجس.. هل سيحب الآن وهج وسينسى سبب الزواج؟ لم تقدر على اخفاء غيرتها على الرغم من كونها هي التي أصرّت على زواجه بوهج ولكن لها أسبابها.. على الأقل ليحبها بعد ان تموت.. ولله ستتمنى لهما أجمل حياة ولكن لتموت أولًا.. طمست آهاتها بحلقها وهي تعطيه ظهرها لتنام.. تحسّ باختناق غريب.. وكأنها غير قادرة على التنفس كما يجب!

“هل ستموت الآن؟”
فكرت آيات بآسى ثم نهضت عن السرير ليسألها صفوان بحدة لم يقصدها:
– الى اين الآن يا آيات؟

– الى الحمام.
ردت بضيق شديد لا تدري سببه.. دموعها تنزلق على خديها دون سبب منطقي.. توارت خلف باب الحمام وهي تبكي بصمت.. تشعر بالخوف والوحدة.. خوف غريب ووحدة فتّاكة.. رفعت خصلات شعرها عن وجهها ثم توضأت لتصلي عسى ان يهدأ قلبها وخوفها..

خرجت من الحمام ليسألها صفوان بقلق:
– هل انتِ بخير؟ هل تتألمين؟

هزت آيات رأسها بنفي وغمغمت بهدوء:
– سأصلي.. أحس بالاختناق.

تأملها صفوان بقلق شديد.. يخشى ان يكون سبب تدهور حالتها النفسية والجسدية هو زواجه بوهج.. انتظرها ان تنتهي من صلاتها ليتكلم معها ويتفاهمان.. فهي رغم مرضها كانت نعم الزوجة.. زوجة متفهمة صبورة تحتويه بقلب أم لا بقلب زوجة..

بعد دقائق طالت انتهت آيات من الصلاة بعينين كالجمر.. دموعها تسيل بشكلٍ غريب للغاية.. خشعت بالصلاة ودعت بقلب خائف ان يحفظ الله طفليها وان يحرسهما بعينه التي لا تنام.. ودعت لزوجها ولوهج ان يوفقهما الله.. ثم اخيرًا دعت الله ان يرحمها ويغفر لها ذنوبها كلها.. كانت تتضرع الله بقلبٍ حزين.. بقلبٍ مكلوم..

تطلعت الى صفوان الذي يبدو عليه القلق فابتسمت له باطمئنان وهمست:
– لا تقلق يا صفوان.. انا الحمد لله بخير.

وثب صفوان عن سريرهما وقعد بجانبها على الأرض وهتف:
– لماذا تبكين؟ هل تشعرين بالضيق بسبب زواجي من وهج؟

هزت آيات رأسها بسرعة:
– لا اطلاقًا.. من هذه الناحية خاصةً لا يجب ان تقلق.

عقد صفوان حاجبيه بحيرة وتساءل:
– اذًا لم كل هذه الدموع؟

– لا ادري!
همست آيات باختناق قبل ان تقرّب جسدها منه وتعانقه بقوة بينما دموعها تسيل بغزارة:
– سأستمد منك طاقتي.

التفت يداها حول عنقه بقوة فقرّب جسدها منه اكثر وغمغم:
– اهدأي يا آيات.. انا بجانبك! اتكلي على الله وباذن الله ستعودين كما كنتِ.

ابتسمت له ثم هتفت بحسم وهي تبتعد عنه:
– سأرى الطفلين وأعود.. انتظرني.

– تفقديهما غدًا.
قال بخوف بسبب شعوره انها تودع.. تصرفاتها تثير ريبته وتقلقه..
هزت آيات رأسها بنفي ونهضت بصعوبة قائلة بتصميم:
– بل الآن.. سأطمئن عليهما فقط وأعود.

اومأ بهدوء وخرج برفقتها الى غرفة طفليه لينتبه الى وهج التي بسرعة سحبت شالها ووضعته فوق رأسها كي لا يراه! غبية.. هذا حلاله! فكّر صفوان بغيظ ثم نظر الى آيات التي تقبّل طفليهما النائمان بعاطفة امومية فقالت وهج بابتسامة:
– نائمان كالملائكة.

ابتسمت لها آيات وغمغمت:
– هذان قلب أمهما.

– ليحفظهما الله.
همست وهج بابتسامة ناعمة فتوسمتها آيات بدفء وقالت:
– امين يا رب.. مشكورة على كل شيء وهج.

ردت عليها وهج بابتسامة حانية فنظرت الى طفليها مرة اخرى وخرجت برفقة زوجها الهادئ الى غرفتهما!

وبعد مرور ثلاثة ايام على استمرار آيات على حالها هذا نهض صفوان قبل زوجته وحاول ان يوقظها ولكن روحها لم تكن بجسدها.. لم تكن تتنفس.. بل لم تكن على قيد الحياة:
– آيات.. انهضي.. آيات..

هزّها مرة اخرى وأخرى ليتأكد من ظنونه فلم يغمض الا عينيه ويهمس بألم:
– ان لله وان اليه راجعون!

*************
رفع رأسه لينظر الى خنساء حينما نادت عليه ودنت منه فترك السيف الثقيل الذي كان ينظفه ووضعه على الطاولة امامه.. جلست خنساء بجانبه وتناولت السيف لترفعه بيديها الاثنتين وهتفت:
– يبدو غريبًا.. من أين اتيت به؟

اخذ السيف من يديها وقال بهدوء:
– هذا هدية جدي لي يوم خطبتك لي.. وترينه غريبًا ومميزًا لأنه مصنوع من الفضة والذهب.. هذا صنعه جد جدي رحمه الله.

اومأت خنساء ثم سألته متبرطمة:
– ولماذا انت فقط الذي اهداك اياه جدي؟ لماذا لم يعطيه لرجل غيرك؟

ضحك قسورة بخشونة ورد بغرور:
– ببساطة يا خنساء انا قسورة الفهدي لست كغيري من الرجال.. وانتِ تزوجتِ هذا الرجل المميز.

رمقته خنساء بنظرة ازدراء:
– على رسلك ايها المميز.

– ماذا تريدين يا فهداوية؟
سألها قسورة وهو يده يده ليحيط ظهرها ويقرّبها منه فابتسمت خنساء وقالت بحماس:
– هل تعرف ان علم المرأة ودراستها ليس حرامًا؟ السيدة عائشة رضي الله عنها كانت عالمة وموسوعة بعلوم شتى ومن ضمن العلوم التي عرفتها كان الشعر.

– ومن أوهمك واخبرك انه حرام؟
قال قسورة بابتسامة هادئة فكشّرت خنساء وتمتمت:
– اذًا لماذا تمنعونني عن ممارسة موهبتي؟

ضحك قسورة وسألها بعبث:
– وهل منعتك انا؟

– انت ترفض ان اكتب.
ردت خنساء بجهامة فقال قسورة بجدية:
– لو انك لم تحاولي الفرار من القبيلة لما كنت سأمنعك عنها كما تعتقدين.

– انتم تتجاهلون موهبتي يا قسورة.. ترفضون ان انشر اشعاري التي ابدع فيها ليعرف الناس موهبتي.
علّقت خنساء بغيظ فأمسك قسورة يديها وقال بوقار ورزانة:
– ما دمتِ تحبين موهبتك فما غايتك بالشهرة يا خنساء؟ اكتبي لأنك تحبين لا ليصبح اسمك على سيرة كل لسان فأسمع ذاك يقول زوجة قسورة تكتب غزلًا أتقصده ام تقصد غيره يا ترى ويقول آخر انه يريد سماع صوتك وانت تلقين الشعر.. فتالله لأبتلي بكل من يتكلم عنك من الرجال.. هل تريدين اثارة المشاكل يا خنساء واسالة الدماء؟ فغيرتي عليك كغيرتي على أمي وشقيقاتي وانتِ تعرفين كم انا رجل يغار على شرفه.

سكتت خنساء مصدومة بسلاسة عباراته فأردف:
– سأعيد لك حقيبتك يا خنساء ولكن لا اريدك ان تكرري طلباتك هذه والا سأمنعك حقًا من ممارسة موهبتك.. الا يكفيك انني لم اعاقبك بعد على فعلتك التي كانت ستسود وجوهنا بين الناس وتكسر لنا ظهرنا؟

ترددت خنساء ثم هتفت لعلّه يقنعها أكثر بمنطق تفكيره الذي لا يعجب ابدًا عقليتها التي تسعى على نيل حقوقها كاملة كأي رجل آخر:
– ولكن هذا تخلّف يا قسورة.. لماذا الرجل يكتب ويصير مشهورًا والمرأة لا؟ لماذا يدرس الرجل والمرأة لا؟

تأملها قسورة للحظة وسألها:
– يا خنساء من علّمك قراءة القرآن؟

– جدتي.
اجابت خنساء بتعجب فاسترسل:
– ومن الذي يسعف ويداوي جروح النساء حينما تتأذى واحدة منكن؟

– أختك.
ابتسم وتابع:
– ومن الذي علّمك ركوب الخيل واتقان سياسة التجارة بين النساء؟

– عمتي.
همست خنساء بتعجب فسألها بحاجبين مرفوعين:
– وألسن نساءًا مثلك؟

– بلى
– اذًا لا تقولي كلمات دون ان تتطلعي الى كل الجوانب وتتأكدي من صحة عتابك ولومك يا زوجة قسورة
غمغم قسورة وهو يتوسم ملامحها المرتبكة ثم اردف وهو يبتسم:
– انا امنعك فقط عن خروجك من القبيلة دون اذن احدًا لتهربي فتحققي هدفك وتصبحين مشهورة بأشعارك وامنعك من الكتابة لتصبحي امرأة مشهورة لا امرأة يهمها ان تكون ذي فائدة ومنفعة.

– وما الحل؟
سألته باحساس غريب يراودها فأجابها:
– علّمي النساء والاطفال اتقان الشعر ومعاني كلماته وعلّميهم قراءة القرآن ليفهموه.

– ان شاء الله.
همست ثم رآته ينهض فسألته باستغراب:
– هل ستغادر؟

– اجل.. سيجتمع الرجال في منزل جدي.
قال قسورة بهدوء فغمغمت:
– لحظة لتقلني بطريقك الى منزل صفوان لأجلس مع النساء واساعدهن.

– ان شاء الله.. رحمها الله وغفر الله ذنبها.
همس قسورة حزنًا على ابنة عمه فدمعت عينا خنساء:
– لو رأيت وهج بعد ان عرفت بخبر موت آيات لتقطع قلبك عليها.. أتعجب من طيبتها وآيات كانت وكأنها تعرف انها ستموت فزوّجت زوجها من وهج التي تعشق طفليها وتحبها وتحترمها كما لا يفعل احد.

– تقبل الله منها صالح الأعمال.
غمغم ثم نظر اليها وهتف:
– عسى ان يكون قلبك يومًا طيبًا لترأفي بنا يا بنت العم.

– الا أعجبك سيد قسورة؟ قلبك أسود جدًا.
هدرت خنساء بغيظ فابتسم قسورة وهز رأسه:
– ولله لا ادري من منا قلبه أسود ولا عقل له ولكنني متأكد انه انتِ.

همّت ان ترد عليه فلم يسمح لها ومنعها بوضع أصبعه على فمها بينما يهمس:
– ماذا اقول لك دائمًا يا خنساء؟ تصرّفي كلبؤة لا كزوجة ثور لا يفهم.

– لا عتاب علي بأي ما أفعله فانا زوجتك بكل الأحوال.
هتفت خنساء بحنق ثم رفعت نفسها قليلًا وقبلته على وجنته ليقهقه بصخب بينما يسمعها تقول باصرار:
– ورغم كل ما قلته من تبريرات لم تقنعني سأحقق حلمي يا قسور.

– جهّزي نفسك بسرعة كي لا اخبرك بطريقة ثانية كيف ستحققين حلمك وانا موجود.
تمتم ضاحكًا فرفعت رأسها بشموخ ملكات لا يتزحزحن عن عرش الامبراطورية وشعت عيناها بنظرات التحدي ثم بحركة درامية ادارت وجهها وسارت مبتعدة عنه!..

**************
رشقت ياقوت ساري بلظى نظراتها الغاضبة حينما ولج الى جناحهما فابتسم ساري ابتسامة مستفزة ثم سار نحوها وقال:
– هل ستستمرين بالقاء هذه النظرة علي كلما دخلت عليك.

اشاحت ياقوت وجهها ببرود ليمد يده ويتحسس وجنتها بنعومة فتبعدها بضيق ونفور.. همس ساري وهو يرفعها فجأة عن السرير ليضعها بحجره وكأنها طفلة صغيرة!
شهقت ياقوت باستنكار وبعصبية حاولت ان تدفعه فيثبتها برفقٍ ويهمس:
– انتِ من اجبرتني على التصرف معك بقسوة تلك الليلة.. انا لم اكن اريدك ان تفقدي وعيك وتنهاري بهذه الطريقة.

لم تنبس ببنت شفة بل حاولت فقط ان تتحرر من ذراعيه التي تقيدها بحضنه وكأنه لا يفهم ولا يعرف انها تبغض قربه.. استفحلت وطأة ضغط يداه على جسدها فزمجرت ياقوت بغضب عسى ان يفلتها ولكن عبثًا!

– انظري اليّ وتكلمي.
قال ساري بهدوء فحرّرت ياقوت ذراعًا واحدة من براثنه وبعنف كانت تخرمش يديه فيضحك ببرود واستفزاز وكأنه لم يتأثر.. زمجرت مرة أخرى بعنفوان فكرّر بجدية:
– تكلّمي وسأتركك.

تنفست ياقوت بصعوبة ثم بصقت كلماتها في وجهه باحتدام:
– اكرهك! هذا الذي سأقوله!

– لن يؤثر بي.
غمغم بهدوء لتصيح بانفعال:
– عسى ان يلعنك الله يا ساري مالك العرّابي! اتركني قبل ان اقتلك يا متخلف.

حدجها بنظراته المتفرسة المخيفة ثم بسهولة كان يتركها لتنهض عنه وتتراجع عدة خطوات الى الخلف بينما تهتف بوحشية:
– عرفت ان ابي كان هنا ليلة البارحة.. لا تظن انني لم أعرف وعرفت ايها ما دار بينه وبين جدك ال…
كادت ان تقول الحقير ولكنها خافت ان تكمل فصمتت ليسألها ببرود:
– وماذا دار بينهما يا ابنة ابيك؟

شمخت ياقوت وردت بصلابة:
– لقد قال ان زواجنا باطل وهدّده انه سيذهب الى قائد العشائر ليفضحكما ويهينكما امام الناس أجمعين.. وان شاء الله انت سيتم نفيك من هذه القبيلة وانا.. وانا سأعود الى عائلتي وقبيلتي.

ضحك ساري باستخفاف وقال وهو يقترب منها:
– لن يقدر على ابعادك عني.. لن اسمح له لأن الجميع يعرف انك زوجتي بكل ما للكلمة من معنى وعائلتك كانت شاهدة على صراخك الذي اثبت لهم فعلًا زوجتي.. امرأتي!
ثم تطلع الى حدقتيها وضاع في بحرهما الهائج فاسترسل بحزم:
– وانتِ وافقتِ على هذا الزواج.

– بالاجبار ودون ولي امري.. خطفتني وتزوجتني!
ردت بحدة فقال بصرامة:
– اخفضي صوتك يا امرأة.. لا زلت ساكتًا.

كادت ان تتحداه وترد عليه بما يستحق ولكنها صمتت بعد ان سمعت الضربات القوية التي تطرق باب جناحهما فابتلعت ريقها بتوجس بينما امرها ساري بخشونة أن تتستر..
امتثلت ياقوت لأمره ففتح ساري الباب ونظر بغيظ الى ابن شقيقه الذي يلهث انفاسه:
– ماذا تريد يا حسين؟

– افراد قبيلة الفهدي في الأسفل.. يريدونك ويريدون زوجتك.
قال الصبي لاهثًا انفاسه دلالة على المجهود الذي بذله بركضه فنظر الى ياقوت بحدة وهمس لها بتهديد:
– ولله اذا خرجتِ من المنزل ونزلتِ اليهم لتكون ليلتك أقسى مما مرت.

ونزل تاركًا اياها محتارة بين خوفها من تهديده وشوقها للقاء افراد قبيلتها الذين اتوا من اجلها.. بالتأكيد أحمد معهم.. فكرت بحسرة ثم تنهدت واقتربت من النافذة الزجاجية محاولة ان ترى ولو فردًا واحدًا من أفراد قبيلتها ولكنها لم ترى احدًا فربما يقفون بجهة غير التي تطلّ عليها نافذتها..

**************
خرجت عائشة من قبيلتها مبتسمة فساري صباح اليوم اعتذر منها وليرضيها اهداها قلادة ذهبية ثمينة.. سارت بين الطرقات وهي تفكر بلقاءها بشقيقتها ثم تلقائيًا اخذها تفكيرها لياقوت.. تلك الانثى الرقيقة والتي غلبها حزنها وشوقها.. تنهدت عائشة وهي تفكر انها بعد عودتها من منزل شقيقتها ستساعدها على الهروب مرة اخرى ولكن دون ان تكون موجودة معها فتخشى ان يتكرر ما حدث لها من ساري..

وقفت قبالة متجر صغير يبيع دمى فابتسمت وولجت لتشتري واحدة لأبنة شقيقتها.. وبعد ان خرجت استرسلت بطريقها لتبتسم وهي ترى البائعة وردة اللواتس اشتروا منها قبل عدة ايام ووعدتهن باحضار المزيد من العطور والاقمشة لهن..

نادت عائشة عليها فاتسعت ابتسامة المرأة وقالت:
– اهلًا بأجمل بنات القبائل.. احضرت لك الكثير من العطور والأقمشة الحريرية التي ستعجبك.

– حقًا؟
سألتها عائشة بابتسامة مرحة فاومأت لها وردة وغمغمت وهي ترقص لها بوجهها:
– حقًا ولن تجدي مثلهم في اي مكان.. انا لا ابيع الا النادر للنادر مثلك يا فتاة!

ضحكت عائشة على اسلوب هذه المرأة المرح ثم قالت لها:
– ماذا لديك يا خالة؟ دعيني ارى لأشتري منك لأبنة شقيقتي.

– تعالي نبتعد قليلًا عن ازعاج الناس اولًا لتختاري بهدوء.
قالت وردة وهي تجرّ عائشة من يدها فهمست عائشة بابتسامة:
– حسنًا ولكن لا يجب ان اتأخر.. اختي في انتظاري.

توقفت بها وردة خلف شجرة بعيدة عن ضجيج السوق ثم رشّت على يد عائشة القليل من العطر ورفعت حاجبها لها لتتنشق رائحة العطر الرائع ولم تكد تفعل الا وهي تشعر بضربة قاسية على رأسها افقدتها الوعي بذات اللحظة ثم ضربة اخرى على وجه وردة ولكنها لم تفقدها وعيها..

ابتسم بلؤم وهو يحمل عائشة ويضعها على رأسه ثم نظر الى شريكه وهمس بنصر:
– ناولها المال الذي وعدناها به يا أحمد!

ابتسمت وردة رغم الألم الذي تحسّ به ولكن امام المال كل ذلك يهون.. فأخرج أحمد من جيبه مبلغًا كبيرًا وناوله لها وامرها:
– اذهبي الى قبيلة العرّابي الآن وتعرفين ماذا يجب ان تقولي.

اومأت وردة بابتسامة واسعة ثم غمغمت ببعض الاحساس بتأنيب الضمير:
– الفتاة طيبة القلب.. لا تفعلا شيئًا سيئًا لها.

ابتسم يوسف بسخرية وهتف:
– اختي طيبة القلب أيضًا وخُطفت بالرغم من كونها ليس لها اي ذنب بهذه العداوة.. العين بالعين والسن بالسن والبادي اظلم.

– هيا اذهبي لتنهي بقية عملك.. واياكِ ان تخطأي بكلمة او تحاولين ان تغدرينا فحينها لن نرحمك.
هدر احمد بتهديد فاومأت وردة بخوف ثم غادرت وهي تصطنع البكاء لتتقن دورها بالتمثيل على قبيلة العرّابي..
تطلع يوسف الى أحمد وقال:
– أفكر قبل ان نأخذها الى قبيلتنا ان نخفيها في مكان اخر لعدة ايام.. فقد سمعت ان زوجة صفوان الاولى توفت رحمها الله ولا احد سيتفرغ لابنة قبيلة العرّابي الان.

همهم احمد:
– اوافقك الرأي رحمها الله.. على الأقل اسبوع الى ان تهدأ الأوضاع ثم سنرميها تحت قدم جدي ليقرر ماذا يريد ان يفعل بها.
ثم نظر اليها ببرود واردف:
– خذها الآن وغادر وانا سأذهب لأحضر بعض الاشياء التي ستلزمنا لنضمن انها لن تفرّ هاربة.

تأفف يوسف وهتف بكره:
– لا ادري كيف سأتحمل بقاءها معنا لأسبوع.. انا أقرف من نساء هذه القبيلة ورجالها بطريقة لا تتخيلها.

– هذا ما يجب ان يتم يا يوسف.. خطفوا ياقوت فنخطف واحدة من بناتهم الغاليات على قلوبهم.. كيف عاملوا ياقوت سنعاملها.. انا خسرت خطيبتي.. خسرت ياقوت! وحتى ما فعلناه الان لا يرضيني بما يكفي.. هل تفهم؟
هدر أحمد بقهر شديد ثم نظر الى عائشة ببغض وحقد:
– انا سأغادر.. افعل ما اتفقنا عليه يا يوسف.

هزّ يوسف رأسه ثم اولاه ظهره وغادر مبتعدًا وهو يتطلع يمينًا ويسارًا ليتأكد من عدم وجود اي شخص.. فتنهد أحمد بتعب وارتياح فأخيرًا نفّذ ما كان يخطط له مع يوسف وهو بعيدًا عن قبيلته..

**************
تنهدت ياقوت بحزنٍ شديد والاصوات الغاضبة تصلها من الخارج.. لا بد انه صوت والدها الحبيب.. فكرّت بمرارة الشوق وزفرت أنفاسها الحارّة وكأنها محمومة.. تريد ان تتحرر من ساري ولكنها تعرف ان هذا مستحيل.. ساري لن يحرّرها من قيده ابدًا..
رباه كم اشتاقت لوالدتها.. للتمتع بدفئها وحنانها.. اشتاقت لها اكثر مما تقدر على التحمل و.. واشتاقت ايضًا له.. للحبيب الذي صار ابعد من المستحيل.. لأحمد.. لرجل قلبها..

انتفض جسدها بخوفٍ حينما سمعت صوته الجهوري.. صوت الرجل الذي تبغض.. الرجل الذي تكرهه والذي هي بسببه الان بعيدة عن عائلتها.. سمعت خطوات والدته تقترب منها فتطلعت اليها بتوجس لتقول هدية بتوتر شديد:
– إصعدي الى غرفتي يا ياقوت.. انا سأتحدث معه.. لا بد انه غاضب.

اومأت ياقوت سريعًا ثم هرعت الى غرفة والدته هدية لتقعد بها.. هل بكل مرة يأتي احد من افراد قبيلتها ستضطر ان تتحمل نوبة جنونه وغضبه؟ وكأنه ليس مجنونًا؟! فكّرت باستهزاء وهي تقترب من النافذة لتقف على بعد عدة خطوات منها وتنظر الى الاسفل.. ابتسمت بشوقٍ وهي ترى والدها وبجانبه جدها بينما عمها قسورة يقف بجانب شقيقها معتصم.. ومعهم القليل من رجال عائلتها وقبيلتها.. تقصت عيناها عن شقيقها يوسف وعن احمد فلم تجد اي منهما..

استرّطت غصّة كالعلقم قابعة في حلقها.. تتمنى حضن والدتها.. تريد ان تلتقي بها بقدر ما تخشى اللقاء.. لقد أُختطفت امام والدتها بحق الله!
زفرت انفاسها المريرة قبل ان تشهق بارتياع والباب الخشبي يُفتح بعنف.. زلف منها ساري بخطوات عصبية لتقول ياقوت بصوتٍ مرتبك:
– ماذا حدث؟ تبدو غاضبًا.

– هل كنتِ تنظرين الى الاسفل؟
سألها بحدّة وهو يمسكها من ذراعها ليبعدها عن النافذة فهزّت رأسها وهمست بشجاعة:
– كنتُ أنظر الى أبي وجدي.. هل النظر ايضًا ممنوع في قاموسك سيد ساري؟

– لا تستفزيني كي لا أتهور عليك!
زمجر ساري بغضب ويده تضغط على ذراعها بعنف جعلها تتأوه بألم.. عضّت ياقوت على شفتها السفلى واغمضت عينيها لوهلة لتستمد القوة من افراد قبيلتها الذين في الأسفل ثم هتفت:
– اريد ان أنزل الى الأسفل.

جذبها ساري بخشونة خلفه فابتسمت، ظنًا منها انه سيدعها حقًا تقابلهم الا ان نيته تختلف كليًا عن افكارها.. عقدت حاجبيها وهو يدفعها على الأريكة بجانب والدته ثم رفعت رأسها لتطالعه بغضب اختلط به خوفها فهدر بنبرة مخيفة:
– أعطيها حجابًا ما يا أمي لتتستر به.

– الى اين ستأخذها؟
سألته والدته بقلقٍ فاجاب بضيق:
– أمي ارجوكِ لا تسألي كثيرًا.

هزّت هدية رأسها بقلّة حيلة ثم نهضت لتنفذ مبتغاه.. وبعد ان عادت اخذ ساري منها ما بيدها وأوقف ياقوت الغير مرتاحة له والمتوجسة من رضوخه السريع لطلبها..
بعد دقائق كانا يخرجان من منزل والديه فتبتسم بحب وشوق وتهم ان تركض الى والدها الا ان يده التي تمسك يدها بقوة اردعتها..

– اتركني يا ساري.
همست باختناق ليبتسم بتهكم وهو يرى جده يقترب منهما، قائلًا بغيظ:
– لماذا انزلتَ زوجتك؟ هل ستنفذ طلبهم حقًا؟

– زوجتي مكانها في المنزل.. وانا سأخذها اليه امامهم ليعرفوا في أي منزل تمامًا تعيش ابنة الفهدي.
ردّ ساري بجمود لترفع ياقوت رأسها وترمق الجد بنظرات كارهة.. الله وحده يعلم كم تكره هذا العجوز العقرب الذي بسببه صارت زوجة ساري الحقير..
هدرت ياقوت بقوة:
– سأسلّم على والدي فأتركني كي لا أصرّخ.

– أتهدديني؟
سألها بانفعال لتصرخ بصوتٍ عالٍ جذب أنظار والدها الذي لم يكن منتبهًا لهما عكس الجد العقرب:
– أبي.. أنا هنا.. أريد ان أُسلِّم عليك!

كانت غافلة انها تصرّخ وسط العديد من الرجال.. وربما تناست للحظة زوجة من هي.. أغمض ساري عينيه المظلمتين من شدة غضبه ثم قرّبها منه حدّ العناق ودمدم بنبرة ارعدت كل خلية في جسدها:
– انتِ لا تتعلمين.. وهذه المرة سأُعلّمك باتقان كي ترفعين صوتك مرة أخرى امام كل هؤلاء الرجال!

– دعني اراهم.. دعني.
صرخت بهستيريا وهي تقاومه حينما جذبها خلفه الى المنزل فأغمض عينيه لوهلة لتستغل ياقوت ما يفعل وتدفعه بحركة مباغتة ثم تركض الى غرفة عائشة وتغلق الباب برعب..
انتفض جسدها وهي تسمع ضرباته الغاضبة على الباب شديد فحاولت ان تهدأ.. عائلتها في الأسفل.. لن يسمحوا له ان يؤذيها.. ابتسمت ياقوت وهي تسمع صراخ جدها الذي يهددهم بمجزرة دموية اذا لم تنزل ياقوت الآن..

تراجعت الى الوراء بقوة حينما فتح ساري الباب بعنف وهمّ ان يعنّفها ولكن صراخ المرأة الغريب منعه..
– يا قبيلة العرّابي الحقوني! خطفوا ابنتكم.. سيقتلونها ويقتلونني!

دفع ساري ياقوت بعصبية ثم بخطوات سريعة نزل الى الأسفل ليقف بجانب جده الذي سألها بخشونة:
– من التي أُختطفت يا امرأة؟

– ابنتكم.. اسمها عائشة وفقًا لما ظن!
صاحت وردة ببكاء وهي تضرب على صدرها بيد والاخرى تمسك بها وجهها مكان الضربة التي تلقتها من أحمد.. وتابعت ببكاء ورعب:
– حاولت ان انقذها فلم أقدر.. آه سأموت من الألم.

صرخ ساري بنبرة اذعرتها وهو يقبل عليها:
– متى خطفوها واين؟ كيف عرفت من الأساس؟

تلعثمت وردة من شدة رعبها منه فغمغت ببكاء:
– انا.. لم.. لم ارى وجوههم.. كانوا ملثمين.. و.. وضربوني على وجهي واخذوا كل ما معي من الاقمشة والعطور وضربوها وهربوا.

– كيف التقيتِ بها؟ ومن اين تعرفينها؟
هدر صوت والد ساري فردت بنشيج:
– قبل عدة ايام كنت في منزلكم.. انا امرأة تبيع الأقمشة والعطور واليوم.. ورأيتها اليوم في السوق وارادت ان تشتري مني.. ارادت ان تشتري مني لابنة شقيقتها.. ولكن.. ولكن…

صمتت ببكاء فتطلع فواز الى كريم وصاح:
– هل انتم من خطفتوا ابنتنا يا قبيلة الفهدي؟ اعترفوا!

ابتسم كريم بسخرية وقال:
– لسنا مثلكم لنفكر ان نخطف بناتكم ولدينا حالة وفاة.

هتف ساري بغضب:
– بالتأكيد انتم من فعل.

– هل ترانا مثلك نخطف بنات الناس ونجبرهن على الزواج؟
زمجر قسورة بحدة فرمقه ساري بنظرات عنيفة وجهر:
– تستحقون ما فعلته بكم.. لا تنسى ياقسورة ما فعله ابن عمك مع شقيقتي!

– النسب لا يشرّفنا ولذلك فعل ما فعله.
قال قسورة ببرود ثم نظر الى المرأة وتابع بابتسامة سمجة:
– كان يجب ان تكافئي الذي خطف ابنتهم.. ولله الدنيا عادلة وياقوت سترجع باذن الله!

كاد ساري ان يهجم عليه فهتف والد ياقوت بحزم:
– دعونا نرى ابنتنا واذهبوا لتبحثوا عن ابنتكم.. لا يهمنا ما حدث لها.

حدجه فواز بنظرات مغتاظة وقال:
– كلّي يقين انكم انتم من خطف البنت والآن سأذهب الى قائد العشائر!

ضحك الجد كريم بتهكم ثم اردف بقوة:
– يا فوّاز لا تكن ممن يقتل ويشكو.. الذي يجب ان يذهب الى قائد العشائر نحن.. ولكنني صامت الان فقط الى ان تهدأ المشاكل في قبيلتي.

هتف والد ياقوت بشماتة:
– اذهب عسى ان يهينك يا فواز.. ابنتي الى الان في منزلكم لأن حفيدك النذل جعلها زوجته والا…

– لا تهدد يا عمي!
قال ساري بصوت عالٍ ثم اشار بيده الى مخرج القبيلة واستأنف:
– والى الخارج.. زوجتي لن تخرج من منزلها!

رفع قسورة حاجبه ثم بشرٍ قصده وقف بوجه ساري وهتف:
– وماذا ستفعل اذا لم نخرج؟

حكّ ساري طرف ذقنه ثم بعنف كان يلكم قسورة ليرد قسورة اللكمة له بقوة.. خشي فواز ان يزيد الوصع سوءًا فصاح بأسم ساري:
– ساري توقف!

لم يبالي ساري بصوت جده بل استمر بقتاله مع قسورة الذي وصل بينهما الى اخراج خناجهرهما! فحينها امر الجد كريم قسورة:
– قسورة لا تتهور واتركه.

امسكوهما الرجال بينما الاثنان يلهثان انفاسهما بصعوبة.. تطلع فواز الى كريم وقال:
– غادروا الآن.. يجب ان نعرف اين ابنتنا.. خذ افراد قبيلتك وغادر يا كريم.

ابتسم كريم بسخرية وتمتم:
– غريب ولله!
ثم نظر الى قسورة وتابع:
– هيا يا قسورة لنمشي وسنعود بالتأكيد.

**************
تململت عائشة بعدم ارتياح قبل ان تفتح عينيها بفزع حينما شعرت بشيء يُوضع فوقها.. ارتعبت وهي تنظر الى الرجل الذي كان يضع الدثار على جسدها فحاولت ان تنهض وتهرب ولكن يديها وقدميها كانا مربوطين بحبل ضخمٍ!

– من انت واين انا؟
صاحت عائشة بخوف وهي تتطلع حولها فابتسم أحمد باستهزاء:
– انتِ بنزهة في الجبل!

آتى يوسف بعد ان سمع صوتها وقال بكرهٍ:
– ها احمد؟ اخيرًا استيقظت الأميرة.

– هل انت خطيب ياقوت؟
تمتمت عائشة وهي تنظر الى احمد بذهول فحدجها احمد بنظرة قاسية واجابها بحدة:
– كنت.. كنت قبل ان يخطفها اللعين شقيقك ويتزوجها؟ ولله لأنتقم منه بك!

هزت رأسها بذعر وهي تصرخ:
– وأنا ما ذنبي؟ اعيدوني.. اعيدوني الى أمي!

جلس يوسف على الأرض قبالتها وهتف بحقد:
– وياقوت ليست مذنبة واختطفها شقيقك وتزوجها بحقارة.
ثم استقام واقفًا وركل حجرًا كان بجوارها وتمتم بوعيد:
– وانتِ سنفعل بك كما فعلتم بياقوت.

تأملها كيف ترتجف فغمغم بلؤم:
– اشعري بمرارة الخوف التي شعرت بها اختي.. ولله لأجعل قبيلتك تندم على الساعة التي فكرت بها باختطاف أختي.

هزّت عائشة رأسها ببكاء:
– لن تقدر.. لن تقدر.. ولله انا بريئة.. لقد ساعدتها لتهرب وضربوني لأجلها.. فكيف تنتقمون لها بي؟

لم يقدر احمد ان يسمعها تتكلم اكثر عن حبيبته الوحيدة فأغلق فمها كي لا يسمع المزيد وسار ليجلس بعيدًا عنها بينما عائشة تنتفض رعبًا من الذي سيحدث لها وهي معهما..

***************
اقترب أيهم من حسناء الشاردة ورفع يده ووضعها على كتفها بينما يهمس:
– حسناء؟

نظرت اليه حسناء بتساؤل فقعد أيهم بجانبها وسألها:
– بماذا انتِ شاردة؟

– لا شيء.
ردت حسناء بجمود فأحاط ايهم خصرها بيده وتنهد:
– الى متى ستبقين على هذا الحال؟ ولله انا زوجك!

– انا لا امنعك عن فعل اي شيء ولكن بالمقابل لا تتوقع مني معاملة الزوجة العادية لزوجها.
قالت حسناء بجدية فأنهضها أيهم بحركة سريعة لتنتصب واقفة امامه.. تأملها بنظرات لم تفهمها ثم سألها بتعب:
– هل انتِ راضية عن نفسك؟

– لا!
اجابت بصدق وتابعت باختناق:
– ولست راضية عن ما يحدث لي.. انا لا استحق هذه المعاملة من ابي!

– انتِ صغيرة وتريدين ان تدفني نفسك بذكريات الماضي وهو فعل ذلك لأجلك.. لتعيشي كأي امرأة غيرك!
همس أيهم بهدوء فأغمضت عينيها بآسى:
– لن أقدر فلا تتعلق بي يا أيهم.. انا زوجتك ولكن لست لك.

ابتسم أيهم باستهزاء مرير فهو يحبها.. يحبها ومتعلق بها فما عاد ينفع ان يأخذ حذره.. قرّبها منه ثم لثم شفتيها بقبلة ناعمة بقيت جامدة فيها كقطعة من الثلج.. لم تبادله اياها بل تصلبت كالحجر بين يديه..
حرّرها ايهم واسند جبينه على جبينها وتمتم بصوت أجش:
– ولله لأجعل قلبك لا يخفق الا لي ولأجعل عقلك لا يفكر الا بي.. سأكون رجلك الوحيد يا حسناء!

ارتعشت خفقات قلبها بقوى وهو يجرها خلفه الى غرفتهما.. ابتلعت حسناء ريقها تمنع نفسها من البكاء وادركت انه سيجعلها زوجته حقًا.. فهذا حقه وهو صبر عليها لأيام! وحان الوقت لتسلّم جسدها لرجل غير أمين!

**************
بعد يومين..
قضمت خنساء شفتها السفلى بتوتر وهي تبحث بين أغراض زوجها بفضول.. تريد ان تكتشف كل شيء عن قسورة.. لا زالت لا تعرف عنه الكثير ولن تكون خنساء اذا لم تعرف عنه كل شيء..
كاد قلبها ان يقع بين قدميها حينما سمعت سؤاله الساخر.. كالعادة يدخل غليها بخطوات ذئب ماكر!:
– ما الذي تبحثين عنه؟ حقيبتك اعدتها لك فعن ماذا تبحثين يا خنساء؟

استدارت خنساء له بابتسامة ماكرة ثم وضعت رأسها على صدره وغمغمت:
– لا شيء حبيبي.
وتابعت متبرمة:
– قسور.. اريد ان ازور أمي وانام عندها فانا اشتقت لها.

– زوجتي لا تنام خارج منزلها.
قال قسورة بهدوء فعقدت حاجبيها ورفعت رأسها لتطالعه وهتفت باستنكار:
– ماذا؟ سأنام في منزل اهلي لا منزل غريب!

جذبها قسورة الى الخارج ثم ادخلها المطبخ وتمتم ببرود:
– انا جائع.. اطعمي زوجك!

– وهل تراني خادمة عندك؟
زمجرت خنساء بغيظ فقال بهدوء:
– هذا واجبك.. ولا اريد ان اسمع كلمة اخرى منك.

امتعضت ملامحها ثم سرعان ما رسمت ابتسامة ناعمة على ثغرها واومأت:
– حاضر حبيبي.. انت زوجي واذا لم اخدمك من سأخدم؟
وأمسكت يده تعبث بأصابعه وهي تسأله بنعومة:
– اخبرني ماذا تريد يا قسور ان اطهو لك؟

رمقها بنظرة متهكمة وكأنه لا يعرف مكرها! وهمس:
– اي شيء من يدك يا أم فراس!

همهمت بابتسامة راضية ثم بدأت بتحضير شيئًا خفيفًا له وسألته بمكر:
– قسورة الم تفكر بالزواج مسبقًا؟

– لا.. حتى انتِ لم اكن اريد الزواج بك!
رد قسورة ببرود فهتفت خنساء بغضب:
– ولله! انا خنساء ولم تكن تريد الزواج بي؟! الم أعجبك يا قسورة؟

ضحك قسورة على انفعالها:
– ولله يا خنساء لولا جدي ما فكرت بالزواج بك او بغيرك.. انا لا اطيق امور النساء!

– يا شيخ!
هدرت بغيظ ثم اردفت وهي تخرج من المطبخ بحنق:
– خذني الى منزل اهلي.. لن اعود لك واريد الطلاق!
من يعتقد نفسه؟ انا التي يجب ان ترفض الزواج به لا هو.

تجاهلها كليًا فصاحت به ببكاء:
– اذا لم ترجعني انت الى منزل أهلي سأخرج بنفسي يا مغرور.. يا متكبر!

مرّ من جانبها وتوقف ليقول بجدية وحزم:
– حسناء تصرّفي كامرأة عاقلة.. صدّقيني انا افهم تمثيلك جيدًا.. خروج من المنزل لن تخرجي ونوم خارج منزلي لن يحدث ولم تمّ قطع رقبتي!

ثم بخطوات ثابتة خرج من المنزل وتوجه الى منزل اهله ليأكل عند والدته التي ستفرح به وبوجوده.. فزمت خنساء شفتيها وهي تفكر اذا تخرج دون اذنه او تنفذ كلماته وتنتظره ان يعود لتضغط عليه فيأخذها بنفسه؟…

**************
كانت جالسة بجانب والدة ساري تواسيها قليلًا على فقدان ابنتها.. لم تقدر ان تمنع احساسها بالشماتة على الرغم من كونها تحب عائشة وتعتبرها صديقتها فلن تنسى ابدًا ما تحملته لاجلها.. ولكنها تشمت بهم.. تريدهم ان يحسوا نفس احساس اهلها بعد ان خطفها ساري..

دخل ساري عليهما وقلبه يؤلمه على حال والدته التي تبكي منذ ان فقدت ابنتها الغالية.. انتبهتا له فصاحت هدية بغضب وبكاء:
– فقدت ابنتي بسببك وبسبب جدك.. حسبي الله ونعم الوكيل بكما.. ولله لأغضب عليك يا ساري اذا اختك تأذت.. لن ارضى عنك ابدًا!

– ستعود باذن الله.. استهدي بالله!
هتف ساري بضيق فهدرت بنشيج:
– اعيدوا لي ابنتي.. اعيدوها لي.. لو انك لم تخطف هذه المسكينة لما فقدت ابنتي.. اللوم كله عليك!

– كفى يا امي.. اخبرتك انني سأعيدها!
قال ساري بضيق فابتسمت ياقوت بسخرية:
– حينما تعود عائشة سأعود انا الى قبيلتي ايضًا.

– هل تشمتين بنا؟
سألها ساري بحدة فأجابت بتحدي:
– ولله اكذب لو قلت انني لا افعل!

– لقد كانت تحبك وتحملت الضرب لاجلك!
صاحت هدية وهي تدفعها بعيدًا عنها فوقفت ياقوت وقالت بصلابة:
– وانا احبها ولم انسى ما فعلته لاجلي.. انا لا اشمت بها او بك بل بأبنك ومن هو مثله هنا.. بهم وبابنك الحقير.. ليجرب شعور اهلي.

أمسكها ساري من معصمها بحركة عنيفة وهو يصرخ بها:
– اصمتي قبل ان اقتلك.. اصمتي!

ابتسمت ياقوت باستفزاز:
– اذهب وابحث عن اختك بدلًا ان تهددني كالمساكين!

– ياقوت!
هدر وهو يهم بصفعها فمنعته والدته وهي تقف بوجهه بصوت حاد:
– ولله لن أسمح لك بضربها.. اذا سمحت لك بضربها فالله وحده يعلم ما سيحدث لشقيقتك.. سينتقم الله مني بعائشة.. بفلذة كبدي!

– ابتعدي يا امي! جالسة تشمت بنا هذه الفهداوية وتريدين ان اسكت لها؟
جهر بغضب فصرخت والدته به:
– اجل اسكت لها.. اياك ان تحاول ضربها.. دعها تشمت بك انت وبجدك! لعنة الله عليكما!

ابتسمت ياقوت لتستفزه اكثر رغم الخوف الذي يكاد يفتك بقلبها ولكنها تريد ان تقهره.. تريد ان تشعره بعض مما تشعر به..
مرّر ساري يده على وجهه بعصبية شديدة ثم بغضب ركل الطاولة الخشبية لتنتفضا المرأتان وتتشبث ياقوت بثياب هدية..
هتف ساري بتهديد:
– دعيني المح مرة اخرى نظرة شامتة بعينيك ولأجعلك حتى انتِ تشمتين بنفسك بسبب ما سأفعله بك!

——————-

error: