رواية عشق ليس ضمن التقاليد للكاتبة أسيل الباش

الفصل السادس عشر
كنت جبانًا اكثر مما يجب
وانا أطلق سراحك من قيد حبي..
كنت قاسيًا اكثر ربما وانا
احكم على علاقة لم تبدأ بعد بالفشل..
بيدي رسمت النهاية وبخنجري
قمت باغتيال احلامك الوردية..
خططت وحلمت معك الى حد الوهم
ووقت التنفيذ حطمتك وكسرت الوعد..
بتُّ في كل ثانية اتساءل بأي حق
قد اطلب المغفرة أو العفو بينما آثار
جريمتي لا تزال ندوبها تشوّه قلبك؟
———————-
لا زال صوته الخشن يتردد في اذنيها.. تهديده وتحذيره لها.. لم تتوقع أبدًا أن تلتقي بأحمد.. ليس كهذا اللقاء على أي حال وهي في الواقع لا تدري ماهية مشاعرها تجاه أي شيء فكيف تعرف مشاعرها تجاه احمد؟ لقاءها بالشخص الذي كان كل حياتها بعثر كيانها.. هي تحقد على احمد ولا يمكنها ابدا ان تنسى القهر الذي تسبب لها به.. ولكن لا يمكنها أن تنسى بهذه السهولة أيامهما معًا.. احمد كان كل شيء في حياتها الى أن قرر أن يتخلى عنها في امس حاجتها له..لم تخرج من جناحهما منذ أن ادخلها ساري اليه بعصبية.. تريد ان تفعل الكثير والكثير ولكنها حاليًا لا تقدر.. لا تستطيع فعل أي شيء لوحدها.. أجل.. هي تريد أن تنتقم.. تريد أن تقهر ساري وتؤلمه.. تريد أن تلقن احمد درسًا قاسيًا لا ينساه.. أن تجعله يدرك قيمة ما فقده.. وتود أن تحرق قلب ساري وهي تعرف من أكثر شخص يحبه ساري ولا تستطيع أن تؤذيه ابدًا.. غزالة لا تستحق المزيد من الانتقامات ولكنها الأقرب إلى ساري..غطت ياقوت كامل جسدها بدثار السرير فور أن شعرت بوجوده داخل الجناح.. لا تود ان تراه.. تبغض تصرفاته وكلماته.. كل ما يبذر منه تكرهه..
أحسّت فجأة بجلوسه على السرير ثم بيديه تجذبها هي والدثار الى صدره.. إزدردت ياقوت ريقها بصعوبة حالما ابعد الدثار عن وجهها وهمس:
– لا احب أن تحجبي نفسك عني بشيء تافه كدثار السرير.

ابعدت وجهها ياقوت بقدر ما يسمح لها قربه القسري ثم غمغمت بشجاعة واهية:
– لا يهمني ما تحب وما لا تحب.

ابتسم ساري وهو يمرر يده على ظهرها بنعومة:
– ولكن انا يهمني ما تحبين وما لا.. وواثق انك تهتمين لما احب وما لا احب لأنني زوجك.

تجاهلت ياقوت يده التي تقربها منه وكلامه الذي لا يهمها وسألته:
– ساري.. هلّا بامكانك أن تشرح لي سبب تصرفاتك اليوم؟ هل بامكاني القول انك لا تثق بي ام انك تغار علي وتريد أن تؤذي احمد بأي طريقة ممكنة؟

عقد ساري حاجبيه بعصبية وغادرت الابتسامة العابثة شفتيه وهو يرد:
– انا اثق بك ولكن لا اثق بمشاعرك القديمة.. لو كنت لا اثق بك لم اكن سأبقيك زوجتي حتى هذه اللحظة.

– انا ابنة اعدائك التي تود الانتقام منهم من خلالي.. ولذلك لا تستطيع أن تطلقني بهذه السهولة.
غمغمت ياقوت بصوت اجش وهي تنظر الى عينيه بثبات.. فتنهد ساري وهو يعيدها الى صدره رغم محاولتها البقاء بعيدة عنه وقال بجدية:
– بعد زفاف غزالة سنغادر انا وانت القبيلة.. سأخذك الى مكان تحبينه ولا تتمنين العودة منه ابدًا.

صدت ياقوت بوجهها عنه وهتفت:
– اي مكان معك لا اريده.. انا لا اريد غير بعدك.. هذا فقط كل ما اريده.

رفع ساري بيده ذقنها ليتوسم مقلتيها الثائرتين ببحرهما العنيف ثم بهدوء وحزم قال:
– انا لا اريد ان اؤذيك يا ياقوت.. فلا تجعليني اطلاقًا افعل.. لا تثيري غضبي لأنك الوحيدة التي ستتألم.. لا احد غيرك سيفعل مثلما حدث اليوم.

– هلا تركتني قليلا؟
تساءلت ياقوت بضيق وهي تحاول أن تبتعد عنه فقرّبها ساري اكثر منه وبرفضٍ قاطع أجاب:
– لا.. نامي فقط.

توقفت ياقوت عن مقاومة قربه لها ورسخت حدقتيها بعينيه اللامعتين ثم سألته بنبرة غريبة:
– ساري.. هل انت تحبني ام تكرهني؟

ارتسمت ابتسامة بسيطة على ثغره وهو يبعثر لها شعرها بخفة ثم همس:
– بالتأكيد انا لا اكرهك.

– اذًا انت تحبني؟
قالت ياقوت بهدوء وهي تشعر أنها بحاجة حقا لتعرف إجابة سؤالها.. إجابته ستساعدها كثيرا في العديد من الأمور..
لم تبرح الابتسامة ثغر ساري ابدًا وكأنه يستمتع باسئلتها التي يدري سببها جيدًا.. ولكنه لم يود أن يقسو عليها أو يجرحها بعد أحداث هذا اليوم القاسية لها فغمغم:
– ربما؟! من يدري؟

– هذا ليس جوابًا لسؤالي.. نعم ام لا؟
هتفت ياقوت بغضب خفيف فضحك ساري وهو يجذبها ليضع رأسها على صدره:
– نامي يا ياقوت.. ما تحاولين الوصول إليه لن يفيدك.. اي كانت افكارك ومخططاتك حول اجابتي لن تغير شيئًا لأنني لن اسمح لك بذلك.

استسلمت ياقوت لذراعيه التي تضمها فهي تعرف بما فيه الكفاية أنه لن يطلق سراح جسدها ولن يتألم سواها بسبب مقاومتها له.. ثم أخيرًا همست:
– لا تعاملني مرة أخرى بهذه الطريقة.. لا يحق لك ان تؤذيني او تجرحني بلسانك الذي يقطر سمًا.. اذا كنت لا اؤذيك فلا يحق لك ان تفعل.. مثلما انت تشعر انا اشعر.. لقد اكتفيت صدقًا من قسوتك.

– نامي.
كرر ساري طلبه منها وهو يمرر يده على شعرها الطويل بنعومة شديدة لتضرب ياقوت صدره بعصبية وتهتف:
– لا اريد ان انام.. انا لست طفلة لتخبرني متى انام ومتى لا.

اشتدت قوة ضغط ذراع ساري على ظهرها وكأنه يريد أن يوغلها الى أعماق أعماق صدره بينما يقول بابتسامة:
– بل انت طفلة صغيرة.

رفعت ياقوت رأسها بحدة:
– وما دمت طفلة صغيرة لماذا تعاملني بطريقة قاسية؟ لماذا تزوجتني؟ لماذا لا تتركني؟ لماذا لا تخرج من حياتي؟

أعاد ساري رأسها على صدره وهو يرد بهدوء:
– انا احب الاعتناء بالأطفال.. وانت كنت طفلة مميزة فاضطررت أن اعاملك بطريقة مختلفة عن بقية الأطفال.. ولكن لتعرفي فقط ما دمت انت معي فأنت بافضل حال وستبقين دومًا مميزة.. يكفي انك في جناحي وتحت حراستي.

– لا اريد اي شيء منك غير ابتعادك عني.
قالت ياقوت بضيق فلم يعلق ساري لتردف:
– أريد زيارة اهلي غدًا.. واريد ان انام في منزل اهلي.

– لا.
رد ساري على طلبها ببرود فرفعت ياقوت رأسها مرة أخرى ليبتسم ساري ويعيد رأسها الى صدره بخشونة بينما يسمع زمجرتها الغاضبة:
– انت لن تمنعني من الذهاب الى قبيلتي بسبب ما حدث اليوم.. لن تحرمني من اهلي.. هل تسمع؟

قال ساري بهدوء:
– ستذهبين بعد يومين إليهم.. فغدًا يوجد العديد من الأمور التي يجب أن نفعلها في المنزل.. وبما انك زوجة ساري العرابي يجب أن تكوني حاضرة لتساعدي.. اما بالنسبة لموضوع نومك خارج بيتي فلا تحلمي بذلك.. اينما انام يجب أن تنامي.. امرأتي لا تنام في مكان لا يتواجد فيه رجلها.

*******************
لم يعتاد قسورة تجاهل خنساء له.. تتحدث معه ببرود.. تنفذ طلباته بهدوء.. دون أي جدال أو نقاش.. بعد تلك الليلة التي أغدقها بها بعاطفته ليوهن مقاومتها له ويثبت لها انها تريده دائمًا وأكثر مما هو يريدها تغيرت.. أجل هي تتحدث معه ولكن ليس كما كانت تفعل..
والان ماذا؟ بعد أن تناولت الافطار لوحدها توقظه ليفطر هو الآخر ولوحده!
امسك قسورة مرفقها قبل أن تبتعد عنه وقال بصرامة:
– هذه آخر مرة تتناولين وجبة الافطار قبلي كي لا تجلسي معي على نفس الطاولة.. هل فهمت؟

– لا.. انا أفعل فقط ما يريحني ويريح طفلي.
أجابت خنساء بلا مبالاة فرفع قسورة حاجبه بغضب وضغط على مرفقها قليلًا قبل أن يبعد الكرسي ويجلسها عليه..
– وستفعلين بالإضافة إلى ذلك ما يريح زوجك.. ولذلك ستجلسين معي وتقومين بعمل الروتين اليومي.

لم تعلق خنساء على غير عادتها فضاق صدره ببرودها هذا وبنفاذ صبر رفع كف يده وهبط به بعنف على سطح الطاولة لتجفل خنساء وتطلق صرخة مفزوعة..
تطلعت خنساء إليه بعدم رضى ثم همت أن تنهض وتغادر الا انه سريعًا جذبها لتقع في حجره وهدر:
– ما خطبك؟ ما هذا البرود اللعين؟ لماذا تتصرفين بهذه الحماقة والتفاهة؟

زفرت خنساء بغضب وهي تحاول أن تنهض عبثًا:
– اتركني انهض.

– لا.
رد قسورة بعناد ثم أضاف:
– اخبريني سبب تصرفاتك الباردة هذه اولا وبعد ذلك سأتركك.

– انت تعرف السبب جيدا يا قسورة.. ولا أعتقد أن تصرفاتي هذه تهمك فكل ما تريده انت زوجة تهتم بواجباتك وواجبات بيتك.. وها أنا انفذ كل ما تريده بصمت بما انك لا تطيق غباء النساء وتصرفاتهن.
هتفت خنساء بضيق فتنهد قسورة:
– انا لم أقل عنك غبية أو تافهة.

– يكفيني يا قسوة تكبرك وبرودك بينما أنا أسعى لفعل كل ما يرضيك.. بتّ اشعر انني أذل نفسي وانت تسخر من الحب والاشعار التي اكتبها.. انا فعلًا لم اعد اريد اي شيء منك.. افعل ما تشاء ولن اعترض.
قالت خنساء وهي تدري جيدًا أن كلماتها اثرت به بطريقة ما.. ولم يخب ظنها وهي تحس بأنفاس قسورة تلفح عنقها بينما يهمس:
– انا لا اسخر منك.. ولا أجرؤ ان افعل يا خناس.. لا أحد يجرؤ أن يسخر منك يا فهداوية.

طبّع قسورة قبلة ناعمة على عنقها الناعم وغمغم:
– انت لا تعلمين أهمية قدرك وعلو مقامك في قلبي.

قاومت خنساء ابتسامة كادت أن تحتل ثغرها فهذا ما تريده تمامًا.. أن تجعله لا يتحمل الا دلالها وحبها.. أن يدمن قربها وحضنها.. أن يفعل المستحيل لتكون راضية.. وهي كانت واثقة أن خطتها ستنجح.. فقسورة اعتاد كل شيء منها إلا البرود والخنوع.. وهي لن تكون خنساء الفهدي اذا لم تجعله يصير مثلما تتمنى..

رفع قسورة رأسه ليجد خنساء جامدة الملامح.. دون أي تعبير على وجهها عدا البرود وبعض الدموع تتلألأ في مقلتيها..
ادارت خنساء وجهها إلى الجانب الآخر دون أن تنبس بحرف واحد.. صحيح انها كانت غاضبة منه ولكن ليس الى هذه الدرجة التي تمثلها ببراعة!
سمعت تنهيدته الحارة قبل أن يردف بلطفٕ:
– اريد ان افهم فقط ما الذي جعلك تتغيرين الى هذا الحد؟ اخبريني يا خنساء كيف أرضيك الان؟

– دعني انهض.
غمغمت خنساء بضيق فأبى قسورة أن يفعل وفعل النقيض تمامًا.. أدار وجهها إليه ودفنه في عنقه.. حيث الرائحة التي تعشقها.. والتي لا تقدر أن تقاومها حقًا.. رائحة المسك كما تقول.. لكنها فعلت هذه المرة وقاومت.. فغايتها هذه المرة اهم..
حاولت خنساء أن تبتعد الا أنه ثبتها في حضنه وهمس بنعومة:
– الن ترضي زوجك يا خناس؟

– ارضيني انت اولًا.
تمتمت خنساء بجدية فإبتسم قسورة:
– سأرضيك دومًا ولكن الان دعيني اكل من يدي زوجتي الغالية.

رفعت خنساء وجهها لتنظر الى عينيه القويتين عن كثب ثم باستسلام زفرت وقالت:
– سأفعل فقط لأنني احترمك.

رفع قسورة حاجبه الأيمن بعبث:
– وماذا عن فقط لأنني أحبك؟

– هذه الكلمات التافهة تركتها لك.. أخشى أن تزعجك حينما تخرج من فمي.
علقت خنساء بتهكم حزين قصدته فأغمض قسورة عينيه للحظة ثم همس بإبتسامة شبه مغتاظة:
– بل كل ما يخرج من ثغرك أحبه.. حتى مكرك!

رفرفت خنساء برموشها بغنجٍ قبل أن تتفاجأ بشفتيه تغزو شفتيها.. في الواقع هي لم تتفاجأ بل كانت تنتظر هذه اللحظة على جمرٍ.. بادلته خنساء قبلته بنعومة شديدة لتحرق أعصابه اكثر ثم بلطف ابتعدت عنه وغمغمت بصوت مغري بينما تسبل اهدابها:
– يجب أن تتناول شيئًا كي تذهب الى عملك.. حبيبي!

********************
لم تتفوه عائشة بحرف واحد منذ عودتهما البارحة من قبيلتها.. لا تستطيع أن تجرح احمد أو تضايقه بكلمة بعد الموقف القاسي الذي تعرض له.. تشعر بشفقة كبيرة عليه وعلى ياقوت.. الموقف كان بحق قاسيًا.. تتخيل أن تحب شخصًا ما وتراه كل الدنيا في عينيها ثم فجأة يصير غريبًا عليها والأدهى تحتل مكانها امرأة أخرى..

بعد قليل سيأخذها احمد الى قبيلتها.. وهي فعلًا تتألم على معاناته.. تدري انه ارتكب اكبر خطأ في حياته بسبب
تخليه عن ياقوت.. ولكن في ذات الوقت هي تفهمه.. ليس سهلًا عليه أن يتقبل كونها كانت لغيره.. ولكنه يحبها.. رأت البارحة العشق المؤلم في عينيه الخضراوين.. لم تفكر في نفسها أو تغار من حبه لياقوت.. لا تقدر أن تبني وتؤسس حياة على اوهام.. في الكثير من الأحيان ترغب أن تطلب منه أن يطلقها ليعتق نفسه من هذه الحيرة وهذا الوجع.. ولكنها لم ولن تفعل أبدًا.. فإذا حدث وطلقها احمد ستحدث مذابح بين القبيلتين.. وحينها فعلًا اكثر من يتأذى ستكون ياقوت.. لن يرحمها ساري..

تنهدت عائشة بآسى وهي تسمع صوته المبحوح يسألها:
– هل انت جاهزة؟

اومأت عائشة بهدوء وهي تستنبط الحزن والقهر بنبرة صوته فأردف:
– هل تريدين أن تنامي في منزل اهلك ام اتي واخذك في المساء؟

– افضل أن أعود في المساء.
ردت عائشة على سؤاله بنعومة فهز رأسه بتفهم ثم أشار لها بيده لتتقدم..
في طريقهما قالت عائشة بجدية:
– احمد.. اذا كان مجيئك الى قبيلتي يضايقك بامكانني أن أطلب من ساري أن يعيدني.

بصرامة رفض احمد:
– لا.. انا زوجك وانا من سيأخذك ويعيدك فقط.

سكتت عائشة ولم تعقب فور دخولهما الى قبيلتها.. رأت ساري يقف خارج باب المنزل برفقة ابن عمها فتطلعت الى احمد لترى رد فعله ووجدته مكفهر الملامح..
انتبه ساري لهما فاقترب منهما وحاوط ظهرها بيده وقال:
– اهلًا عائشة.
واستأنف وهو ينظر الى احمد دون أن يلقي تحية السلام عليه:
– عائشة ستنام هذه الليلة هنا وغدًا سأعيدها أنا في الصباح الباكر بما انني لدي بعض الأعمال في قبيلة الفهدي.

كانت عائشة فعلًا ذي اصل وهي تسأل أحمد عن رأيه امام شقيقها:
– هل تسمح لي ان انام في منزل اهلي هذه الليلة؟

كان احمد سيرفض ليقهر ساري ولكن الطريقة التي سألته بها عائشة رغما عنه جعلته يوافق:
– ليست هناك اي مشكلة عائشة.. اهتمي بنفسك فقط.

– في امان الله.
همست عائشة بعد أن استدار احمد ليغادر.. فأدخلها ساري الى داخل المنزل وقبّل رأسها بحب وفخر..
– رغم انني لا اطيقه الا انني احترم تصرفاتك.. عسى أن يسعدك الله يا عائشة.

*******************
استغلت عائشة انشغال النساء بالتحضيرات الخفيفة لزواج غزالة ووقفت بجانب ياقوت وهمست لها:
– هل بامكاننا ان نتحدث؟

بتنهيدة أجابت ياقوت:
– إذا كنتِ ستتحدثين معي حول ما حدث البارحة فأنا اريد أن اطمئنك أن كل شيء بخير.. لم يحدث أي شيء يدعو للقلق.
تأملتها عائشة لوهلة ثم قالت:
– انا فقط اريدك ان تكوني بخير وسلام.

– اعرف.. مشكورة عائشة.
غمغمت ياقوت بابتسامة ناعمة ففي النهاية مهما حدث عائشة لا تستحق الا احسن معاملة.. وقبل أن تسمع رد عائشة سمعت عمة ساري صبحية التي تكرهها تهتف بنبرة مثيرة للاستفزاز:
– ياقوت تعالي لتنظفي بدلًا من ثرثرتك مع أي كان لتهربي من الشغل والتنظيف.

– عمتي.. ياقوت منذ أن استيقظت وهي تعمل.. ويوجد العديد من النساء لينظفن.. فدعيها ترتاح قليلًا.
قالت غزالة بجدية وهي تحس بضيق شديد بسبب معاملة عمتها وجدتها لياقوت..
ابتسمت ياقوت لصبحية بإستفزاز رغم دفاع غزالة عنها ووقوفها بجانبها ضد ظلم عمتها:
– حينما تنكسر اقدام جميع المتواجدات هنا سوف اعمل لوحدي.. ولكن حاليًا هناك العشرات غيري.

– بما انك زوجة ساري وكنة هذا المنزل فانت مجبرة على القيام بهذه الأعمال.
هتفت الجدة بحدة فابتسمت عائشة لجدتها وقالت:
– جدتي ياقوت دومًا تعمل اكثر من البقية وهي لا تقصد اي شيء سيء.. فلا تضغطن عليها بكلامكن هذا.

علقت صبحية بتجهم:
– انظري يا هدية الى بناتك كيف يعاملن ابنة الفهدي.. على ما يبدو انهن قد نسين من تكون هذه المرأة.. أعتقد أننا يجب أن ننادي ساري حتى تقوم بواجباتها دون كلام فارغ.

قبل أن يرد اي احد هدرت غزالة بغضب:
– كفى عمتي.. ياقوت أيضًا إنسانة وهي ليست مضطرة أن تتحمل كرهكن لها ولقبيلتها.. وانا لا أرى أنها أخطأت بأي شيء حتى نحضر ساري.

باستنكار صاحت الجدة:
– هل نسيت يا غزالة ما فعله شقيقها الحقير بك؟

صرخت غزالة هي الأخرى بعنفوان:
– لا.. لم انسى ولكن لم انسى انسانيتي حتى الوم إنسانة ليس لها أي ذنب.. لست بمثل قسوتكن.. يكفيها ما عانته الى هذه اللحظة منكن ومن ساري.. واي كلمة أخرى تمس ياقوت بضرر سأعتبرها موجهة لي انا.. ولن اتوانى عن أخذ حقها منكن.

ودون أن تتيح غزالة لأحد أن يتفوه بحرف واحد اقتربت من ياقوت وامسكت يدها وصعدت بها الى غرفتها..
تألقت الدموع بعيني ياقوت وهمست بعد أن أغلقت غزالة الباب:
– شكرا على دفاعك بهذه القوة عني أمام جميع النساء.

ابتسمت غزالة وبنعومة أحاطت خد ياقوت براحة يدها وقالت:
– لا تسكتي لأي أحد.. لا اريدك ان تخافي.. حالتك هذه تؤلم قلبي وأكره نفسي حينما اعرف أن وجودك هنا انا سببه الرئيسي.

– انت ليس لك أي ذنب.. انت تملكين حقا قلبًا اكثر بياضًا من الثلج.. وحقًا عندما ارى كيف تعاملينني اجد أن ساري يستحق فعلا أن ينتقم لك.
غمغمت ياقوت وهي تتأمل الحنو الذي يغلف وجه غزالة فإتسعت ابتسامة غزالة الدافئة وبرفق ضمتها الى صدرها..
– ولكن ليس منك.. انت لا تستحقيت كل ما حدث لك.. ولكنني اعرف ساري اكثر من نفسي.. بقدر ما يقسو عليك بقدر ما يحن عليك.. ساري ذو قلب طيب.. وانا يا ياقوت لست بغافلة عن الحقد الذي يملأ عينيك.. أخشى أن تؤذي نفسك بهذا الحقد والكره.. فرجاءًا لا تدعي الحقد يملأ كيانك.

لم ترد ياقوت.. لا يوجد ما تقوله لها.. نيران روحها لن تخمد اذا لم تنتقم من ساري ومن كل من اذاها.. لا تريد أن تحترق بسعير آلامها لوحدها.. ستفقد عقلها اذا لم تثأر لروحها..

*******************
نظر صفوان بابتسامة إلى وهج التي تلاعب طفليه بحب صادق وهو يسمع والدته تقول:
– حفظ الله لك هذه المرأة الطيبة يا صفوان.. هذه هبة من الله لك ولطفليك.

– اعرف امي.. انا اكثر من محظوظ بزواجي منها.
غمغم صفوان بإبتسامة ونبرة ابهجت قلب والدته.. سعادة ابنها هي غايتها الوحيدة في هذه الدنيا بعد وفاة زوجته المرحومة.. ووهج جاءت رحمة لإبنها ولطفليه.. دونها كان سيضيع صفوان وسيعاني الطفلان..

بقيت تتأمل نظرات ابنها العاشقة كما بقي صفوان يتأمل زوجته دون أن يحيد بحدقتيه عنها.. وعندما رآت انعقاد حاجبيه ثم نهوضه بشكل مفاجئ تطلعت إلى وهج لتجدها تضع يدها على جبينها بترنح ويبدو أنها على وشك أن تفقد وعيها..
اسرع صفوان إليها وامسكها قبل أن تقع على الأرض ثم حملها ووضعها على الأريكة وهو يسألها بينما يربت على وجنتها بخفة:
– وهج.. هل انت بخير حبيبتي؟ ما الذي تشعرين به؟

همهمت وهج بضعف:
– انا بخير.

بهدوء قالت والدته:
– صفوان حبيبي اذهب وأحضر الداية ام مسعود.
حينما لم يتحرك دفعته برفق ثم استأنفت بحزم:
– اذهب يا صفوان.. وهج ستكون بخير.

فهم صفوان والدته وتمنى أن يكون تفكيرها صحيحًا.. نظر إلى الصغيرين وتألم لرؤيتهما يلتصقان ببعضهما البعض ويبدو جليًا على وجههما الرعب.. الرعب والخوف من خسارة والدتهما الثانية.. وهذا ما لن يتحمله لا هو ولا هما..
اقترب صفوان منهما ثم قبّل جبين كل منهما وهمس مطمئنًا:
– ليست هناك حاجة للقلق.. وهج ستكون بخير.. انتما فقط ابقيا بجانب جدتكما إلى أن أعود.

بعد عدة دقائق عاد صفوان وبرفقته الداية ام مسعود.. طلبت الداية ام مسعود منه أن يحمل وهج ويدخلها الى إحدى الغرف لتفحصها فنفذ سريعًا وانتظر في الخارج إلى أن تهللت اساريره وهو يسمع زغرودة والدته يليه خروجها باكية إليه..
– مبارك لكما يا قلب والدتك.. وهج حامل.

خرجت الداية ام مسعود وعلى وجهها ابتسامة فخر:
– مبارك لك يا صفوان.. كل مرة تناديني بها تكون النتيجة كما تتمنى.

اخرج صفوان من جيبه عدة اوراق نقدية وناولها لها وهو يقول بود وفرح:
– تفضلي يا ام مسعود.. وجهك خير وبركة.

سمع قهقهتها الفرحة بالمبلغ الثمين الذي أعطاه لها وبكلامه الذي نال على رضاها ثم سريعًا دلف الى الغرفة التي تتواجد بها وهج واغلق الباب خلفه.. دنى صفوان منها وانحنى يقبل جبينها وهو يغمغم بحب:
– مبارك لي ولك يا غالية.

ابتسمت وهج براحة بينما بلّلت دموع الفرح وجهها:
– الحمد لله والشكر لك يا رب.

بنعومة أزال صفوان دموعها بإبهامه وقال:
– لا تبكي يا وهج.. يجب أن تضحكي فقط.. انا كنت مثل الابله اراك منذ عدة أيام لستِ على ما يرام ولم اعلق.. كان يجب أن اعرف أن هذه اعراض الحمل بما انني بالفعل لدي طفلين.

ضحكت وهج برقة:
– لا بأس حبيبي.. الحمد لله كل شيء على ما يرام الان صفوان.. وانا لا اريد اي شيء حاليًا سوى العودة إلى منزلنا.. اريد النوم على سريرنا فقط.

رد صفوان بابتسامة على كلامها:
– عندما تشعرين انك قد تحسنت سنغادر.. فانتظري قليلا حبيبتي.

*****************
تردد احمد كثيرًا قبل أن يرفع يده ويطرق باب منزل عائلة ياقوت.. متردد ومرتبك ولكنه يحتاج أن يتحدث مع والدتها..
يحتاج أن يطمئن على ياقوت من خلال والدتها.. الأفكار التي تراود عقله تكاد أن تفتك بعظامه.. رؤيته لها البارحة لم تفاقم الا من آهات اوجاعه..
بعد أن فتحت الباب والدتها ولج الى الداخل بتوتر خاصةً مع ترحيبها به وكأن شيء لم يحدث..

– كيف حالك يا احمد؟
سألته سماح بهدوء فتنهد احمد بوهن وغمغم:
– انا لست بخير خالتي.. انا حقًا احتاج الحديث معك.. لم اجد غيرك اجرؤ أن اسأله عن ياقوت.

– لقد تخليت عنها يا احمد وانت تزوجت مثلها تمامًا.. فانساها ولا تظلم زوجتك بسبب مشاعرك القديمة.
قالت سماح بآسى فهز احمد رأسه بضعف:
– لا اقدر.. والله صعب.. انا اموت مليون مرة وانا اراها مع رجل غيري.. مع رجل لا يستحقها.. مع عدونا يا خالتي.

هتفت سماح بحسرة مؤلمة:
– تأخرت كثيرًا يا احمد.. بعد أن صارت ياقوت زوجة ساري فعلًا عرفت انك لا تقدر أن تراها مع غيرك!.. كان بامكانك أن تغيّر كل شيء لو انك قلت للشيوخ انك ستتزوجها.. ولكنك لم تفعل.. ياقوت كانت عذراء حتى ذلك الوقت.. كانت ستكون لك وحدك ولكنك قتلتها ودمرت كل شيء كان بينكما.. فلا تسألني عنها.. لأن لا يحق لك.

بهتت ملامح وجه احمد وهو يتساءل بعدم استيعاب:
– كيف؟ ساري قال لنا جميعا انها زوجته قولًا وفعلًا.. هل كان ذلك النذل يكذب؟

– أجل، لقد فعل.. فات الاوان يا احمد لتسأل وتنهار.. ارجوك غادر ولا تدعني ارى وجهك مرة أخرى إذا كنت ستسأل عن ياقوت.
تمتمت سماح ببكاء فكاد احمد أن يفقد عقله وهو يهتف بجنون:
– لعنة الله عليه.. سأقتله كما قتلني.. سأشرب من دمه ما حرق دم قلبي! لقد كذب الحقير يا الله!

غادر احمد وسط نداء سماح المتوجسة من رد فعله وغضبه.. لم يكن يرى إلا السواد في حدقتيه.. يريد أن يقتل ساري.. وسيفعل الان..
ذهب احمد ليحضر حصانه قبل أن يتوجه إلى قبيلة العرابي والشر يكاد يبجس من عينيه.. لقد ضحك عليهم ساري.. اوهمهم أن ياقوت زوجته فعلًا ولا ينفع أن تكون لغيره.. سرقها منه مرتين.. اول مرة خطفها والمرة الثانية بكذبه اللعين.. هذا ليس عدلًا.. هذا ظلم له ولها..

وصل إلى قبيلة العرابي وتجاهل نظرات الرجال المتعجبة من دخوله بهذه الهمجية.. وخلال لحظات كان يوقف حصانه بجانب منزل ساري العرابي ويصيح بصوت جهوري:
– ساري العرابي.. ساري يا حقير اخرج.. اخرج…

في اقل من دقيقة خرج ساري بعصبية من منزله.. وقبل أن ينبس ببنت شفة شعر بلكمة احمد القاسية التي باغتته على حين غرة..
لم يتمالك ساري أعصابه فهجم هو الآخر على احمد بغضب شديد واستفحل لهيب غضبه وهو يراه يشتمه أمام الرجال الذين تجمهروا على صوته ضرباتهما وصراخه..
– ليلعنك الله يا حقير.. لقد كذبت علينا لتأخذها مني.. سأقتلك يا ساري.

وقفت ياقوت بجانب النافذة الزجاجية برعب كما فعلت غزالة وعائشة ليشاهدن الشجار العنيف القائم بين ساري وأحمد.. لن يقدر احمد على ساري.. قوة ساري البدنية اكبر بكثير من احمد.. والمجنون احمد يهجم على ساري في منزله وقبيلته حيث لا احد سيقف بصفه..
اغمضت ياقوت عينيها بألم حالما وقع احمد على الأرض بينما تسيل الدماء من أنفه وفمه.. ترغب أن تنزل إلى الاسفل لتبعدهما عن بعضهما البعض ولكنها لا تجرؤ.. لماذا لا يتدخل اي احد؟ اين الشيوخ وكبار القبيلة؟

طوق ساري عنق احمد بيده وزمجر بخطورة:
– اياك ان تجرب وتحاول أن تشتمني مرة أخرى أو تتجهم علي في بيتي.. فقط لأنك زوج عائشة لا اريد ان اقتلك.

احمرّ وجه احمد دلالة على اختناقه ثم بصعوبة رفع قدمه وضرب ساري على بطنه بعنف ليقع على الأرض فإستغل احمد الفرصة وبدأ بضرب ساري بينما يقول بوجع:
– لقد دمرت كل شيء بسببك.. كل شيء انهار بسببك يا حقير.. حياتي كله تدمرت بسبب حقارتك ودناءتك.

فهم ساري أنه يقصد عن كذبه أمامهم عن كون ياقوت صارت زوجته فعليًا حتى يضمن انها لا ينفع أن تكون لغيره.. ومن أخبره لا يدري ولكنه على يقين أن والدة ياقوت هي التي أخبرته..
قلبه ساري ليصبح تحته و هو يضربه بعنف قبل أن يسمع صوت شقيقته عائشة تهتف ببكاء بعد أن خرجت من المنزل:
– ساري ارجوك كفى.. اتركه يذهب.

– لا تتدخلي.
صاح احمد بثوران فركله ساري بقسوة وهدر قبل أن ينتبه إلى طيف ياقوت التي تنظر إليهم من جناحهما بخوف وقلق:
– اياك والصراخ على اختي. اقتلك يا حقير!

 

error: