رواية عشق ليس ضمن التقاليد للكاتبة أسيل الباش

الفصل الثامن..
اعرف انني لن أنساك..
وأعرف انني لن أقدر على
الخطو قدمًا ما دمت تتشعشع
بشراييني وأوردتي كالهلاك..
أعرف انني مهما حاولت الانكار
الا ان قدري العيش بين يديك..
مقدوري ان احيى واموت
أمام عينيك وبين ذراعيك..
فانت قدري ومقدوري
مهما حاولت الانكار..
————————
تأمل وجهها الأحمر بعد ان عتق ثغرها من شفتيه بعينين غامضتين قاسيتين.. يحقد على عائلتها كلها ولكنها ليست مثلهم.. ليس ذنبها انها شقيقة معتصم وكما ان غزالة ليس ذنبها..
ابتسم ساري بلؤم وهو يمسح دموع ياقوت بطرف اصابعه:
– شقيقك يوسف رفض الزواج بعائشة فاستغل احمد الموقف وطلب هو ان يتزوجها.أغمضت ياقوت عينيها بآسى ودموعها تنهمر على خدّيها دون توقف فاسترسل ساري بقسوة:
– وحينما سألوه اذا سيتزوجك بعد ان احرّرك صمت.. لم يعد يريدك حبيب القلب! تخلى عنك بسهولة.- كفى.. اصمت!
همست ياقوت بوجع رهيب فتجاهل كلماتها التي تعبّر عن معاناتها وتابع بوعيد:
– يعتقدون انني سأسمح باعادة مأساة غزالة بعائشة.. والله سأحرق روحهم.

حاولت ياقوت ان تبتعد عنه وتهرب بعيدًا بعيدًا الا انه منعها وهو يقبض على يدها بقوة ويزمجر:
– لا مفر لك مني فأين ستهربين؟ لم يعد يريدك أحدٌ غيري.. انا فقط الذي أريدك.. جميعهم تخلّوا عنكِ بسهولة.

– لا.. لا.. انا لا أصدقك!
صاحت ياقوت وهي ترفع يدها لتصفعه فأحمرّت عيناه غضبًا ليلوي لها ذراعها قبل ان تصل الى وجهه بينما يهدر بنبرة مرعبة:
– ايّاكِ! ايّاكِ ان تفكري مجرد تفكير برفع يدك عليّ! سأجعلك تبكين ندمًا.

– اكرهك انت وكل من هو مثلك!
هتفت ياقوت ببكاء وهي تتلوى بين ذراعيه فدفعها ساري بحدة وصاح:
– اكرهيني.. لا يهمني.. كرهك لي لا يساوي ذرة من كرهي لقبيلتك.

– كيف ارتاح يا الله؟
غمغمت ياقوت ببكاء وقهر يكاد ان يقتلها فقرّبها ساري منه وألصقها بصدره وقال:
– ارضي بواقعك.. بكونك زوجتي.. وانتمي لي فقط وحينها سترتاحين.

– لن افعل.. والله لن افعل.
جهرت ياقوت بجنون فعاد ليقبلها بقوة واصرار اكبر.. وكأنه لا يتقبل فكرة ابتعادها عنه بعد ان اعتاد وجودها في مملكته.. على أرضه.. يراها متى يحب شاءت ام أبت..
مشاعر مجنونة تخترق روحه فتزيده غضبًا من الجميع ومنها هي تحديدًا.. ولكن رغمًا عنه يجد نفسه يشفق عليها مع انه يقسو عليها.. يقسو ويجلد روحها بسيّاط كلماته وأفعاله..

كانت ياقوت تحاول دفعه كما لو انها تدفع السور الذي يحيط بقبيلتها.. لا يتزحزح ولا يهتز.. تتخبط وتضرب بينما روحها تكاد تخرج من جسدها.. وهنت عظامها من كل ما تعانيه وانسلخت الروح عن جسدها بعد ان عرفت بتخلي أحمد عنها كليًا.. كيف ستتقبل فكرة ان حلم الطفولة والفارس الحبيب تخلّى عنها والأفظع انه سيتزوج من عائشة وزواجهما سيتم بذات اليوم التي ستتزوج هي به من ساري؟!

انكمشت ملامحها بألم لا يطاق بينما دموعها لا تزال تفيض على خدّيها وتوشم عليهما كلمات لا تعبّر بما يكفي عن وجع قلبها وقهره.. فابتعد ساري عنها وأسند جبينه على جبينها بينما يهمس بصوت أجش:
– اخبريني فقط كيف أتركك تغيبين عن عيني لثلاثة أيام؟

– ليتني أغيب العمر كله عنك.
غمغمت ياقوت بنبرة لا حياة فيها فزفر ساري وانفاسهما تختلط ببعضها.. ثم قال بخشونة:
– لن أسمح لكِ أبدًا بذلك.. أنا أتمسك بما أملكه بعنف أناني.

ارتسمت على شفتيها ابتسامة مريرة لتقول بعد صمتٍ قصير:
– متى ستعيدني الى قبيلتي؟

تركها ساري بهدوء وهمس:
– اذهبي وجهّزي نفسك.
وابتسم فجأة بعبث والنظرات البرية تشتعل بمقلتيه كجمرٍ ملتهب:
– سأعيدك على حصاني كما أخذتك تمامًا.

– كما خطفتني تقصد.
علّقت ياقوت باستهزاء مؤلم فاتسعت ابتسامة ساري بتسلية:
– صحيح.. كان يوم لا يُنسى وسأعمل على ان لا تنسيه.

***************
سالت دمعة حزينة على خدّها فرفعت يدها لتمسحها سريعًا وهي تسمع صوت الباب الذي يُفتح.. تطلعت عائشة الى المرأة العجوز بتوجس فرمقتها الجدة الصلبة بنظرات دافئة ثم دلفت لتجلس بجوارها على طرف السرير وهي تقول:
– اسمك عائشة وفقًا لم سمعت.

هزّت عائشة رأسها مؤيدة لكلماتها فابتسمت الجدة:
– وانا أسمي عائشة.

نظرت اليها عائشة بحاجبين معقودين ثم غمغمت بصوت مرهق:
– الى متى سأبقى هنا؟ لقد تعبت.

– الى ان يأتي زوجي العزيز ويقرّر ماذا يود ان يفعل معك.
قالت الجدة بهدوء فوقفت عائشة لتسألها بعينين دامعتين عذبتين:
– هل سأبقى هنا الى الأبد؟

– ربما!
همست الجدة فغمغمت ياقوت بآسى وحزن:
– كيف ابقى هنا؟ انا خائفة جدًا.

وقبل ان ترد الجدة كان الجد كريم يدخل وبرفقته أحمد الذي أصرّ ان يرافقه.. فتعالت خفقات قلب عائشة المرعوبة وهي ترى أحمد أمامها بوجهٍ شرس كوجه الوحوش.. ولا اراديًا تراجعت الى الخلف وبان الذعر جليًا على وجهها ليتنهد الجد كريم بضيق ويقول:
– كيف حالك يا عائشة؟

ازدردت عائشة غصّة كالحجر في حلقها وهمست بنبرة خافتة تكاد لا تُسمع:
– الحمد لله.

ابتسم الجد كريم رغمًا عنه ليهدئ من ذعرها الواضح ثم قال:
– ستعودين الى قبيلتك في المساء.

للحظة لم تستوعب وهي ترفع عينيها لتنظر اليه ثم سرعان ما ابتسمت بعدم تصديق ليقتل بهجتها التي غلفت وجهها صوت أحمد الخشن:
– ولكنك ستعودين بعد ثلاثة ايام زوجةً لي!

– ماذا؟
تمتمت عائشة برعب ثم استأنفت وكأنها على وشك ان تبثق روحها:
– ولكنك تحب ياقوت.. فكيف؟

كاد أحمد ان يقترب منها بعصبية مفرطة الا ان جده منعه سريعًا بجسده فجهر كليث حبيس:
– اخرسي.. لا تجلبي اسمها على لسانك.. ايّاك!

انكمشت عائشة على نفسها خوفًا الا انها قالت بشجاعة لا تدري من اين اتتها:
– انت لا تحب ياقوت!

فقد أحمد كل ذرة تعقّل باقية في جسده ليصرّخ بصوت مرعب وهو يحاول ان يقترب منها.. ولكن جده الذي يقف امامه كحاجز هو فقط ما يرعده عن خنقها بيديه الاثنتين..
– أحبها يا لعينة ورغمًا عن أنفك.. ولكنها صارت زوجة للحقير شقيقك فعلًا.. وانا لن أتحمل فكرة ان عدوي تملّكها كما سأتملكك وأقضي عليكِ!
ثم صمت للحظة يلهث أنفاسه المضطرمة غضبًا وحقدًا وهتف ليذلها ويزأر لغضب قلبه ووجع رجولته:
– ولا تحلمي ويذهب خيالك بعيدًا لأنني سأتزوجك.. انا فقط قبلت بك ووافقت على الزواج بك بدلًا من يوسف الذي لا يشرّفه الزواج من عرّابية مثلك كما لا يشرّفني تمامًا ولكن وجودك بين يدي ذليلة سيداوي قليلًا من قهري.

أغمضت عائشة عينيها وجسدها ينتفض ذعرًا وررعبًا بينما دموعها تنساب على وجهها وكأن ليس لها منتهى فصاح الجد كريم غاضبًا وهو يدفع أحمد الى الخارج:
– كفى يا احمد والآن أخرج من هنا.

خرج أحمد يتنفس بصعوبة بسبب قهره من الدنيا كلها.. حتى من نفسه.. يود ان يرتاح ولكن أين الراحة يجدها ومن كان يريدها لم تعد له وبالاضافة الى كونه بلحظة تهور وغضب طلب الزواج بشقيقة ساري العرّابي الذي لم يفكر بها ابدًا أكثر من مجرد رهينة مؤقتة لاستفزاز ساري العرّابي حتى يعيد ياقوت اليهم.. ولكن انهارت كل حصون افكاره التي بناها وتحطمت الى شظايا صغيرة ليجد نفسه تقريبًا خطيب عائشة العرّابي!..

في بعض الأحيان كان يشفق عليها منذ ان اختطفها هو ويوسف لكن كلما يتذكر انها شقيقة ساري يقسو قلبه ويحقد عليها وبكلماتها التي ينطقها لسانها بكل سذاجة يكاد ان يبتلي بها.. وهو لا يريد حقًا ان يصبح كساري العرّابي او كمعتصم الفهدي.. يريد ان يبقى هو كما يعرفه الجميع.. أحمد الفهدي الذي تتمناه كل امرأة من قبيلته وخارجها.. ليس بسبب وسامته المعروفة بل بسبب شهامته مع النساء.. ولكنه ها هو يتغير ويشعر انه لم يعد شهمًا..

لكم أحمد بقبضته على الجدار الخارجي لمنزل جده وهو يغمض عينيه بقهرٍ.. عليه ان يفكر بتروٍ.. عليه ان يفكّر جيّدًا ليعرف كيف يجب ان يتعامل بالدوامة الشاهقة التي القى نفسه بها..

***************
في المساء..
ها هم يجتمعون في منزل قاضي العشائر وتحديدًا في المجلس الضخم كما أُتفق تمامًا.. أهم رجال قبيلة الفهدي وقبيلة العرّابي يجلسون في المجلس الذي يتسع لعدد كبير جدًا من الرجال..
ساري يجلس بجانب والده وجده بينما حريق ينشب مخالبه في صدره بعد ان أخذت زوجة القاضي المعروفة بصلابتها الانثوية ورجاحة تفكيرها ياقوت لتضمها الى عائشة..

استسلامها له لأول مرة وهو يرفع جسدها ليضعه فوق الحصان قبل ان ينضم اليها كان له تأثيرًا في غاية العنف على كيانه.. كالزلزال تمامًا! كلما يجد نفسه يتمسك ويتشبث بهل بقوة، آبِيًا تركها ليس فقط بسبب الثأر بل لأنه يرتاح حينما تكون في حجرة عينه قابعة.. يراها هو فقط ويعتني بها هو فقط ويقسو عليها هو فقط..

طيلة الطريق وهو يتنشق عطرها على الرغم من كونها تغطي حتى وجهها ولكن رائحتها يدركها ولو كان على بعد الف خطوة.. هو ميقن انه لا يحبها ولكن شعور عميق يتولد في قلبه، رافضًا ان يتقبله.. فكيف يرضى بأي احساس تجاهها وهي ابنة قبيلة الفهدي؟ولم يدري ساري ان احساسه يشوبه بعض التملك والتودد بل انكر اي شعور قد يحمله تجاه ياقوت..

تطلع ساري الى الرجال الذين يتهامسون فيما بينهم لتستقر عيناه بتحدي سافر وغرور جامح على أحمد الذي يرمقه بنظرات حاقدة كارهة.. نظراتهما كادت ان تكون كحرب طاحنة والاثنان يتوعدان ان تشتعل هذه الحرب وتدمر ولكن بعيدًا عن الفتاتين الصغيرتين اللتين لا ذنب لهما في كل ما يحدث..

الاثنان يشعران بغيرة قاتلة فقلب ياقوت ملك أحمد وجسد ياقوت ملك ساري بينما عائشة وكأنها تجلس في آخر الرف فلا احد يفكر بهذه الطفلة الاخرى البريئة من كل ما يحدث.. طفلة ذنبها كذنب ياقوت.. انها شقيقة ساري العرّابي فقط!..

لم يغفل قاضي العشائر عن نظراتهما فلا زال في حيرة من امره.. وليسلّم الفتاتين لهما يحتاج ان يفعل شيئًا ما.. يحتاج ان يفعل ليضمن سلامتهما.. ولن يتوانى ابدًا عن تأمين سلامتهما لذا قال بصوت حازم قوي:
– قبل ان تذهب كلتا الفتاتين الى قبيلتهما واتمام الزواج احتاج لفعل شيئًا ما.

نظروا جميعهم اليه بتركيز فحثه قول الشيخ فضل:
– تفضل يا زعيمنا.. والجميع سيلّبي كل كلمة تقولها.

اومأ قاضي العشائر له بود ثم قال:
– اريد كلا من ساري وأحمد ان يقسما امام الجميع انهما لن يرفعا يديهما ابدًا بسوءٍ على زوجتهما بسبب الثأر الذي بين القبيلتين وانهما لن يكرّرا ما فعله معتصم بغزالة الفهدي.. اريد ان اتأكد من سلامة كلتا الفتاتين.

تعالت الهمهمات مرة اخرى فهتف الجد كريم بصوته الصارم وهو ينظر الى احمد:
– احمد سيقسم امام الجميع قسمًا لا رجوع عنه انه لن يؤذي عائشة العرّابي انتقامًا او ثأرًا من قبيلة العرّابي وسيصونها ولن يقحم معاملته لها بهذه العداوة التي لا علاقة لها بها.

– ليقسم ساري اولًا.
هتف يوسف بصوت عالٍ فحدجه ساري بنظرات باردة وقال بنبرة واثقة:
– أقسم بالله قسمًا ليس بعده رجوع ان اصون ياقوت التي ستصبح زوجتي امامكم وامام الله وان لا أرفع يدي عليها بضررٍ بسبب الثأر الذي بين القبيلتين او انتقامًا من قبيلتها ولكن ذلك فقط بما يخص عداوة القبيلتين.

– وانتَ يا أحمد فلتقسم.
قال الشيخ فضل فقسم أحمد وهو يتطلع الى ساري بكره واضح.. الاثنان فعلًا ليس هدفهما اذية ياقوت وعائشة جسديًا.. ساري لديه اساليبه الخاصة بعيدًا عن الضرب كما احمد انتهج اساليب جديدة خاصة ليتعامل بها مع عائشة.. اما الانتقام الحقيقي فهو سيكون بين الرجال ولكن بعد الزفاف..

***************
تطلعت ياقوت الى عائشة بغضب مرير وهي تتذكر كلام ساري عن طلب احمد الزواج بها.. تشعر بمراجل من النار تتقد غضبًا في خلاياها ومع ذلك لم تنبس ببنت شفة.. بل اخذت تحدق بها بعينين زرقاوين هائجتين فتنحنت عائشة بشعور عارم بالذنب او بالاصح الخيانة!
همست عائشة بعد لحظات قصيرة بصوت مبحوح اثر بكاءها الذي طال وطال:
– اقسم بالله ليس ذنبي.. انا لست بنذلة يا ياقوت لأقبل الزواج بالرجل الذي كان خطيبك والذي تحبينه.

– بل وافقتِ.. انتِ وشقيقك تدمران حياتي فقط!
هدرت ياقوت بعصبية وهي توثب عن مقعدها دون ان تأبه لنظرات زوجة قاضي العشائر التي تراقب الموقف بهدوء شديد..
نهضت عائشة هي الاخرى وقالت باختناق:
– والله انا لا اريد الزواج به.. احمد فُرِض عليّ.. انا لا اريد الزواج به ياقوت.. لقد اخبرتكِ انني لستُ بنذلة او خائنة.. هل نسيتِ كيف كنتُ اعاملك قبل ان يتم اختطافي.

انسابت دموع ياقوت على وجهها وهي تصيح بعنف وقسوة:
– لا.. لم انسى.. ولكن لا اعرف ما الذي فعلتيه له اثناء غيابكما ووجودكما معًا حتى يطلب الزواج منك.. ماذا فعلتِ له يا عائشة؟

– ياقوت.. انتبهي للكلمات التي تنطقين بها.
أنّبتها سلطانة زوجة القاضي برفق فصمتت ياقوت تقضم شفتها السفلى بقهر شديد لتتابع سلطانة بتفهم:
– انا اتفهمك يا ياقوت ولكن لا ذنب لعائشة حتى تلومينها وترمينها بهذه الكلمات القاسية.

ضربت ياقوت الارض بقدميها بكل بكل قهر وهي تغطي وجهها بيديها بينما تشهج ببكاء يمزّق نيّاط القلوب.. تعرف ان عائشة لا ذنب لها ولكنها مقهورة.. مقهورة ومخنوقة وكأن احدًا يطوّق عنقها ويخنقها بلا رحمة..

اقتربت عائشة منها سريعًا وعانقتها باكية على الرغم من مقاومة ياقوت لها.. عانقتها بينما تبكي مثلها ولكن ليس على نفسها بل على ياقوت التي تعتبرها اكثر من مجرد صديقة وزوجة شقيق..

تأثرت سلطانة بهذا المشهد فترقرقت الدموع بعينيها لتعزم على التكلم مع زوجها لتخبره ان يحاول حل هذا الخلاف دون اقحام الفتاتين بهذه العداوة.. بالاضافة الى طلب اخر واهم وهو ابقاء الفتاتين في بيتها هذه الليلة لتعتني هي بهما بنفسها كما تستحق كل طفلة انثى.. وقد كانت سلطانة لم تلد اناثًا ابدًا فكل اولادها ذكور مع انها كانت تتمنى دومًا من الله ان يهبها طفلة انثى تترعرع امام حدقتيها وتحت جناحيها ولذلك تجد نفسها مهتمة جدًا بكلتا الفتاتين..

واستجاب قاضي العشائر مبتسمًا لطلب زوجته السلطانة ولم يتردد ابدًا بطلبه من والدي عائشة وياقوت ان تقضيا هذه الليلة في منزله وتحت عناية زوجته فترددا بالموافقة الا انهما رضخا بسبب اصراره.. وغادروا اخيرًا بعد ان تم الاتفاق على قيمة مهر ياقوت وعائشة..

***************
فتح قسورة عينيه بصعوبة وهو يشعر بيدين ناعمتين تحيطان خصره بقوة والتي بالتأكيد ليست سوى خنساء زوجته.. حاول ان يبعدها عنه فهو لا زال غاضبًا منها الا انها لم تعطيه المجال ليبتعد وهي تلصق وجهها بظهره وتتشبث به بضراوة غريبة..
فتأفف قسورة بنعاس:
– ابتعدي يا خنساء ودعيني انام فأنا حقًا مرهق.

– لا اريد.
تمتمت خنساء بعناد ثم تابعت بضيق:
– لم تسألني كيف أصبحت بعد ان عدت من الخارج وكأن لم يحدث لي اي شيء.

– ها انتِ بخير كالقردة فلماذا اسأل؟
قال قسورة وهو يستدير ليطالع وجهها المتجهم ثم سألها بقلّة صبر:
– ماذا تريدين يا خنساء؟

– لقد اخبرتني والدتك انني حامل!
هتفت خنساء فجأة فاومأ قسورة لها ببرود وكأنه لم يستوعب الجملة التي قالتها فكررت خنساء وهي توغل وجهها في جوف عنقه، تستنشق رائحته التي تحبها:
– قسورة انا حامل بابنك.. هل تفهم؟

نهض قسورة سريعًا وقد طار اي اثر للنوم ثم هتف بابتسامة فخر:
– بالتأكيد فهمت.. مبارك لنا يا أم فارس.

ضحكت خنساء قليلًا ثم نهضت وطوّقت عنقه بدلال بينما تسأله بدلع:
– ألم تعد غاضبًا مني يا روحي؟

زفر قسورة واجاب بينما يتوسم النظر بملامحها:
– لا.. لم أعد أفعل ولكن اياك ان تخرجي مرة اخرى دون اذني.

ابتسمت خنساء وغمغمت:
– لن أفعل ابدًا.
ثم زمت شفتيها بحنق:
– ولكنك صفعتني.. كيف أهون عليك وتضربني يا قسورة؟

رفع قسورة يده ليضعها على ظهرها واجاب بجدية تامة:
– احمدي الله انني لم أفعل بك اكثر من ذلك.

– الن تعتذر لزوجتك وأم أطفالك وحبيبة قلبك؟
سألته خنساء بهمس ماكر فابتسم قسورة ورد ببرود:
– لا تحزني يا خنساء.

كشّرت خنساء:
– انا حزنت بالفعل.. يجب ان تجعلني أعفو عنك.

رفع قسورة حاجبه بتهكم وسرعان ما ابتسم وهو يميل عليها ليقبّلها بنعومة جعلتها تتشبث به أكثر..
ابتعد عنها بعد دقائق قصيرة فغمغمت خنساء وهي تتنشق رائحته بعمق:
– رباه رائحتك كالمسك! انا أعشقها.

ابتسم قسورة بتفاجؤ وهو يضمها اليه اكثر لتسأله خنساء بحيرة:
– قسورة.. هل تحبني؟

– انتِ لك مكانة خاصة في قلبي لم تصل اليها امرأة غيرك يا خنساء.
رد قسورة بهدوء فتبرمت خنساء:
– اعرف ذلك ولكن هل تحبني؟

– انا لا أبالي بهذا الحب يا خنساء الذي تسعين عنه في اشعارك.. انا لدي العديد من الامور التي هي اهم من كل هذا الغباء.. فلا تتعبي عقلك وتنتظري مني اكثر مما أقدمه لك.
قال قسورة بجدية فزمت خنساء شفتيها بغيظ:
– سأكسر لك عنقك قريبًا جدًا!
وأضافت بوعيد:
– وأعدك انني سأجعلك تغدقني ليلًا ونهارًا بكلمات الغزل والعشق النابع من قلبك.

قهقه قسورة وهو يمرّر يده على خدّها:
– سنرى يا لبؤة.. والآن هل تسمحين لي بالنوم؟

التوت شفتاها بعدم رضى الا انها اومأت موافقة قبل ان توغل اناملها الناعمة بين حنايا أصابعه الخشنة وتجذبه برفق الى السرير.. وتحت ذهول نظراته رفعت خنساء الدثار ثم أجلسته بنعومة على طرف السرير ورفعت له ساقيه ووضعتهما على السرير..
وبابتسامة ماكرة كانت خنساء تنضم اليه وتضع رأسها على صدره بينما تتنشق رائحته بصوت مسموع جعله بصعوبة يكتم ضحكته..

ماذا يتوقع من تربية جده لهذه المرأة ان تكون غير لبؤة جامحة تليق بقسورة (أسد) شرس؟ تدهشه بمكرها وقوتها وعنادها.. شخصيتها مزيج من كل شيء الا الهوان.. لا تتهاون ابدًا هذه الفهداوية وهو بالكاد يسيطر على أعصابه وهي معه.. تتدلل وتتغنج وكأنها ملكة الدلال والاغراء..

اتسعت ابتسامة قسورة وخنساء ترفع وجهها قليلًا لتدسه في تجويف عنقه وتهمس:
– عليك ان تجد حلًا ما لرائحتك فانا اهواها وأكاد أدمنها.

– ادمنيها بما انني الوحيد المتاح لك فقط وفي كل الاوقات.
قال قسورة بابتسامة ملتوية وهو يدرك ان النوم قد طار بعيدًا عن عينيه ولن يعود بسبب زوجته المصون التي لا تنفك ان تفقده صوابه طيلة الوقت.. فبنعومة قبّل شعرها الناعم واستنشقه ليستوعب بعد لحظات ان المجنونة زوجته قد نامت بعد ان فعلت فعلتها وحصلت على مبتغاها فزفر قسورة ليفكر فجأة بقرار احمد الذي لم يخبر خنساء عنه بعد..

***************
سمعت صوت صفوان يناديها فتركت حبّة البطاطا التي تقشّرها ونظّفت يديها بالمنشفة الصغيرة التي تضعها على كتفها ثم خرجت من المطبخ وتوجهت الى غرفة الطفلين لتجده واقفًا ينظر بغضبٍ الى طفليه اللذان ينظران الى الأرض بخوف..
اقتربت وهج منه لتسأله بقلق:
– ماذا حدث يا صفوان؟

نظر اليها صفوان بعصبية وهدر:
– اذهبي وانظري ماذا فعلا ادهم ومحمود في غرفة أمهما.

تنهدت وهج بضيق بسبب انفعال صفوان على اتفه الامور منذ عدة ايام ثم اقتربت من الطفلين وانحنت قليلًا لتسألهما بحنو وهي تضع يديها على خدّهما:
– ماذا فعلتطما حتى يغضب والدكما؟

زم محمود شفتيه بطفولة وهمس بخوف:
– كنا نبحث عن الرسمة التي رسمتها والدتي ذات مرة في خزانة الملابس فبعثرناها دون قصد.. والله لم نقصد.

مرّرت وهج يدها بلطفٍ على شعره ثم قبّلت خده وغمزت له بابتسامة جعلته يبتسم بتردد.. ودون ان تنظر الى صفوان العابس خرجت من الغرفة تجرّ الطفلين وراءها..
توقفت وهج على باب غرفة آيات وصفوان القديمة تتطلع بحزنٍ الى اثاث الغرفة والى خزانة الملابس المفتوحة خاصةً والتي اغلبية محتوياتها على الارض..

تركت وهج يدي الطفلين وتوجهت الى الخزانة لتقف على حافة قدميها وتأخذ الرسمة التي رسمتها آيات قبل وفاتها بعدة اسابيع.. وبابتسامة شجية استدارت لهما وناولت محمود الرسمة ثم غمغمت بشقاوة وهي تضع اصبعها على وجنتها:
– اين القبلة الخاصة بي؟

ضحك محمود بفرح وهو يقبّل وجنتها بقوة ثم احاط جسدها بيديه الصغيرتين وصاح مبتهجًا:
– اغلى وهج.. انا احبك جدًا جدًا يا وهج.

صمت الصغير سريعًا بعد ان انتبه لوالده الذي ولج فهتف سريعًا بارتباك:
– أقصد خالة وهج.

ضحكت وهج ثم قالت بصوت عالٍ وهي تقرص خدّه، مدركة جيدًا بوجود صفوان على باب الغرفة:
– وهج لوحدها أفضل.. لا احب ان تناديني خالة.

– ولكنني أحب وأفضّل ان يناديكِ خالة وهج.
هتف صفوان بصوت حاد فابتسمت وهج للطفلين بغيظ واشارت لهما برأسها ان يخرجا ففعلا ركضًا دون ان ينظرا الى وجه والدهما الغاضب..
زلفت وهج من صفوان وقالت بجدية:
– لا تخرج غضبك على الطفلين اذا كنت غاضبًا من شيء ما فهما ليس لهما اي ذنب لتعاملهما بهذه الطريقة.

اتسم وجه صفوان بالقسوة ليهدر بحدة:
– هل ستعلمينني كيف اتعامل معهما؟ لا تنسي انني والدهما يا وهج.

– لم انسى.. ولكن لن اسمح لك ان تحزنهما.
هتفت وهج ببعض الانفعال فزمجر صفوان بشراسة:
– لا تنسي يا وهج مع من تتحدثين.. بأي طريقة اريد اتصرف معهما ومعكِ ايضًا.

قلبت وهج عينيها بلا مبالاة وغمغمت:
– لا بأس فلا حرج عليك هذه الفترة.
وببرود ابتعدت عنه حتى تخرج من الغرفة ولكنه سرعان ما منعها وهو يقبض على يدها بغضب:
– ماذا تقصدين؟

– لا شيء.. واترك يدي لو سمحتَ.
قالت وهج بهدوء فضغط صفوان على يدها اكثر وقرّبها منه، مُلصقًا صدرها بصدره بينما يهمس بنبرة كلها شر:
– لا.. انا اريد ان اعرف الان ماذا تقصدين.

توترت وهج من هذا القرب المفاجئ وتخضبت وجنتاها الا انها ردت بثبات قدر الامكان:
– لا شيء يا صفوان.. انت فقط هذه الايام تغضب من اتفه الأمور.

– ولماذا لا تسألين كأي زوجة تهتم لزوجها عن سبب غضبي؟
هتف صفوان ساخرًا وهو يترك يدها فأجابت وهج بجدية رغم ارتباكها:
– لم اود ان ازعجك وأغضبك أكثر بسؤالي ففضلت ان اصمت.. ولكن هذا لا يعني انني لا اهتم لك فبإمكانك ان تخبرني كلما رغبت ومتى اردت وستجدني دائمًا جاهزة لأي شيء تريده مني.

وبخجل شديد أمسكت وهج يده وابتسمت له بشفتين مرتعشتين ليتنهد صفوان وبحركة سريعة يائسة جذبها وضمها الى صدره بينما يهمس بصدق:
– انا اقدّر تضحيتك واخلاصك ومبادرتك ايضًا ولكنني…

– ولكنك ماذا؟
سألته وهج بصوت مكتوم بسبب وجهها المدفون في صدره فأردف صفوان بضيق:
– ولكنني أشعر انك تقومين بواجبك فقط.. وخاصةً تجاهي وهذا يمنعني حتى عن التفكير بك كزوجة!

رفعت وهج وجهها قليلًا وقد فهمت ما يقصده بكلامه فلتثبت له انها فعلًا زوجته دنت بشفتيها بخجل يكاد يخنقها ووضعتهما على طرف ثغره وقبّلته بنعومة شديدة بينما دمعة يتيمة وحيدة انزلقت على خدّها وهي تفكر انها بغرفة آيات.. وقبل ان تستوعب ما تفعله كان صفوان يدفعها برفق ويهتف بعصبية قبل ان يخرج:
– هذا ما اقصده تمامًا.. انك تؤدين واجبًا او مهمة عليكِ القيام بها لدرجة انك لا تفكرين بنفسك بكل قسوة.

****************
تفأجا قاضي العشائر بقدوم ساري اليه في هذا الوقت الباكر بعد ان أُتفق ان يأتي ليأخذ شقيقته بعد صلاة الظهر.. رحّب به والاستغراب يبدو جليًا على وجهه ثم سأله بحيرة:
– ألم نتفق ان تأتي وتأخذ عائشة بعد صلاة الظهر؟

هزّ ساري رأسه موافقًا:
– صحيح يا ابا مالك ولكنني أتيت خصيصًا في هذه الساعة لأتحدث معك.

عقد ابو مالك حاجبيه بحيرة ثم اومأ له ليحثه على قول ما لديه:
– قُل ما لديك يا ساري.. انا اسمعك يا ابن العرّابي.

قال ساري بجدية ودون اي تردد:
– اريد ان اتزوج ياقوت اليوم.. اليوم أريدكم أن تزوجوني اياها ومن ثم بامكاننا ان نكمل بقية مراسم الزواج وفقًا للعادات والتقاليد.

ابتسم ابو مالك بخفة ثم سأله بهدوء:
– الا ترى ان اصرارك غريب يا ابن العرّابي؟ لماذا هذا الاستعجال؟

– انا اريدها لي!
رد ساري بصلابة فتمعن ابو مالك النظر به للحظات ثم قال:
– الأمور لا تسري كما تريد انت يا ساري.

– انا أطلبك يا زعيم.
هتف ساري بتصميم فتنهد ابو مالك:
– دعني أفكر.

ابتسم ساري بغموض وهتف:
– لا تكن منحازًا الى قبيلة الفهدي يا ابا مالك.. فأنا أعرف انك تفضل زعيمهم على جدي.

ضحك ابو مالك بشدة:
– انت شديد التمعن يا ساري.. وصحيح، انا فعلًا أُفضّل زعيم قبيلة الفهدي فهو اكثر تفهمًا وطيبة من جدك.

– أعرف.
رد ساري بلا مبالاة ثم أردف:
– ولا يهمني حقًا.. انا جلّ ما يهمني هو العدل بحكمك يا قاضي.. وانتَ تعرف انني لستُ كجدي بل لستُ كأحد.. انا فقط ساري العرّابي.. ليس لي شبيهًا أو مثيلًا.

– انت تثير اهتمامي يا ساري.
علّق ابو مالك فابتسم ساري ابتسامة رجولية وقال بثقة:
– اذًا اليوم يا قاضي.. الزواج سيتم عاجلًا ام آجلًا وانا اريد ان اتأكد ان ياقوت لي امام الجميع قبل ذهابها الى قبيلتها.

تنهد ابو مالك ثم سأله بحزم:
– أخبرني اولًا.. أعلاقتك بياقوت وطريقة تعاملك لها بعد اتمام الزواج لن يكون لها أيّ علاقة بالثأر؟ اي ان ياقوت ستكون بعيدة كليًا عن العداوة بين القبيلتين.

شمخ ساري بينما ومضت حدقتاه ببريق رجولي مثير وهتف بصوت قوي خشن:
– لقد أقسمتُ البارحة يا ابا مالك قسمًا ليس بعده رجوع.. معاملتي لها بعد الآن لا تخص الثأر ابدًا بل ستكون معاملة اي زوج لزوجته ولكن بعيدًا عن الثأر.
وشرد قليلًا لتتقد عيناه توعدًا واصرارًا ثم استرسل:
– فبعد الآن يجب أن تُقصى النساء جانبًا ويجب ان تكون مواجهة بين الرجال.. وعلى الخصيص بيني وبين معتصم.

– تقريبًا تم طلبك يا ساري.
غمغم القاضي بهدوء فابتسم ساري باتساع وهمس باصرار:
– قبل ان تغادر الى قبيلتها.

– تم.. وبالمقابل سيتم زواج عائشة من أحمد اليوم.
قال ابو مالك وهو يشعر ببعض التوجس من طلب ساري..
– كما تريد ولكن لا اعتقد انهم سيوافقون.

ردّد القاضي بحزم:
– بل سيوافقون.

****************
لا تدري كيف مرّت كل هذه الأمور بسرعة قياسية لا تُحصى.. حديث قاضي العشائر وزوجته معها ومع عائشة ووعده انه سيحميها كما وانه اخبرهما بقسم ساري وأحمد.. وكأن كل ذلك يحدث مع سخصية خيالية وهمية لا تمت له بصلة.. كل ما تتمناه بهذه اللحظة هو النوم بحضن والدتها التي اشتاقت لها حدّ الموت..

لقد فعلها حتى قبل ان تعود الى قبيلتها وصارت زوجته أمام الجميع.. أعلنوها زوجة له ومن زوّجها له هذه المرة كان والدها ولي امرها.. كالمغيبة كل شيء حدث.. حتى قبل أن تتمكن من الحديث مع والدتها لتقصّ عليها تفاصيل ما دار بينها وبين ساري منذ ان اختطفها تزوجها..

لا زالت تائهة حتى انها لا تعرف كيف نطقت بموافقتها ولكنها تعرف فقط ان أحمد صار صفحة قديمة وقد تم طيّها وكل ما عليها فعله هو تمزيق هذه الصفحة نهائيًا.. ومتى ستمزقها فهي نفسها لا تدري..

ما يثير سخريتها فعلًا ان ساري يعتبر نفسه عريس حقًا وبكل عنجهية يطلب ان يراها تحت مسمى حلاله! وها هي كالاسيرة تنتظر دخوله اليها كما تنتظر عائشة دخول أحمد اليها في غرفة أخرى كأي عروس حمقاء.. وعلى ما يبدو انها لم تعد تشعر بالعالم حولها فقد أخذتها الأفكار وسافرت بها الى غيمةٍ بعيدة ولم تنتبه الى ساري الذي دخل اليها..

ارتعش جسدها قليلًا ما ان شعرت بيده على كتفها ثم اغمضت عينيها وأطلقت من بين شفتيها تنهيدة حارّة كانت تتلوى المًا في صدرها..
– مبارك لي بكِ.
همس ساري بصوت أجش بعد ان ادارها اليه فابتسمت ياقوت بتهكم:
– وكأنني عروس حقًا؟!

لثم ساري جبينها بينما هي هادئة مسالمة وقال:
– اجل.. انتِ عروسي الآن ولكن لقاءنا ليس اليوم وانما بعد ثلاثة ايام.

– من يدري ماذا قد يحدث خلال هذه الأيام!
غمغمت ياقوت بجمود فرفع ساري حاجبيه بتوجس الا انه هتف بهدوء:
– خلال هذه الايام سنحتفل بك وبعائشة فقط.

ضحكت ياقوت باستهزاء بينما دموعها تنهمر على وجهها.. وما ان سكتت رفعت رأسها ورسخت حدقتيها بحدقتيه الواثقتين وهمست:
– انا اكرهك ساري.. وأعدك ان اجعلك تندم في يوم من الايام لأنك اقحمتني بما لا ذنب لي به.

– حينما ستفعلين سأكون انا ايضًا قد انتقمت لغزالة.
قال ساري بابتسامة ملتوية واثقة فهتفت ياقوت بوعيد:
– اعدك ان يتم ذلك قبل ان تنتقم لها حقًا.

ابتسم ساري وهمّ ان يرد ولكن اقتحام بربري لامرأة صغيرة هو ما اردعه.. وقبل ان يتكلم او يستوعب الاسم التي نطقته ياقوت “خنساء” كان يشعر بمقعد خشبي ثقيل يُرمى على جسده من قبل هذه المتوحشة والتي يكاد الشر ان يُبجس من عينيها السوداوين!..

 

error: