رواية عشق ليس ضمن التقاليد للكاتبة أسيل الباش

الفصل الرابع عشر..
سأضيف خاطرة للفصل لاحقًا.. فلا املك حاليًا الإلهام الكافي لأكتب خاطرة او شعر..———————–
تعجبت ياقوت من إصرار ساري على حمايتها من ايٍّ كان وكذلك من ثقته الشديدة بأنه لن يسمح لها ابدًا ان تحتاج غيره في يومٍ ما.. تطلعت اليه بإستغراب قبل ان ترسم على شفتيها إبتسامة ساخرة قاسية وهي تقول: 
– لن احتاج حمايتك ابدًا في يوم من الأيام.. فغير الله لا احتاج احدًا ليحميني.
قّربها ساري اليه أكثر ليطمس وجهه في حنايا عنقها وسط جمودها التّام وهمس:
– لن أُعكّر مزاجي منذ الصباح الباكر بغباء لسانك.رفعت ياقوت يديها لتدفعه بعيدًا ببغضٍ عنها فضمّها ساري اليه أكثر ثم تأمل حدقتيها القاسيتين الكارهتين لوهلة وبشبه إبتسامة عابثة إنحنى يرتشف من سم ثغرها.. ما باله هذه الصباح؟! على ما يبدو انه تأثر بحلمه بها ولا زال غارقًا بإعترافها له بعشقها.. آه لو لم يكن فقط حلمًا!

لم تبادله ياقوت القبلة ابدًا كما لم ولن تفعل يومًا ما عدا تلك المرة اللعينة التي استسلمت له بشغف كانت تقصد به ان تطبطب على قلبها المتلهف للحنان والعاطفة منذ فترة طويلة..
ترغب فقط بفهم شخصية ساري.. تارةً تجده يعاملها بقسوة أشد من الحجر وتارةً اخرى تجده يعاملها بحنو غير واضح.. والأهم رغبته الدائمة بحمايتها.. ولكن لما لا يحميها من نفسه اولًا؟ لما لا يفعل ويطلق سراحها؟

ما يثير تعجبها وحيرتها حقًا انه لا يسمح لأحد التكلم معها بسوءٍ او ان يؤذيها بلمسةٍ.. عداه هو لا يحق لأحد ان يفعل.. لا تفهم المبادئ التي يسير حسبها ولا تود ان تفعل فهي لا ترجو الا التخلص منه ومن كل من تبغض في يومٍ ما.. وعسى ان يكون هذا اليوم قريبًا..

إبتعد ساري اخيرًا عنها فرمقته بنظرة باردة وهمست:
– إذا كنت قد إنتهيت مما قد تفعله بي لننزل.. فعائلتك تنتظر في الأسفل.

إبتسم ساري بعجرفة ثم قال وهو ينظر الى عينيها بعمقٍ:
– لن أنتهي منك قط.
وبهدوء اطلق سراح جسدها وإستطرد بينما يتوجه الى الحمام:
– إنتظريني دقيقتين وسوف ننزل.

فعلت كما قال دون ان تنبس ببنت شفة.. وبعد دقائق نزلا الى الأسفل فألقى ساري تحية الصباح وسار تجاه شقيقته ليقبّل رأسها بحنو وحب وهمس:
– كيف أصبحت الغالية اليوم؟

إبتسمت غزالة بنعومة وردت ببهجة:
– بأفضل حال حبيبي.. لقد أحضرت لك الإفطار برفقة زوجتك وان شاء الله سأطهو لك اليوم بنفسي العديد من الأشياء التي تحبها.

ضحك ساري ثم ربت على شعرها بخفة:
– سأعود اذًا اليوم باكرًا حتى اتأكد ان احدًا لن يساعدك.

اومأت غزالة بحماس فإبتسم ساري وقبّل يد كلا من والديه قبل ان يقعد بجانب ياقوت التي كانت تشاهد المشهد الذي دار أمامها بجمود فقط.. لا غير!
بعد لقيمات معدودة نهضت ياقوت وغمغمت بهدوء لا يتماشى مع النار الملتهبة في قلبها:
– الحمدلله.. لقد شبعت.. سأدخل لأنظف المطبخ.

– لم تأكلي اي شيء حبيبتي.
قالت هدية بجدية لترد ياقوت بهدوء:
– لست جائعة فقط.

ودون ان تسمع المزيد تركتهم وتوجهت نحو المطبخ لتفعل اي شيء عدا التفكير.. تود ان تهرب من التفكير القاتل بأي شيء..
لم يظهر ساري اي رد فعل بسبب مغادرة ياقوت فتطلعت اليه غزالة ثم سألته:
– كيف هو الحال بينكما الآن؟

وهبها ساري إبتسامة دافئة فقط ولم يرد فعلّق والده بتهكم:
– لن يرد على سؤالك فشقيقك لا يحب ان يشارك احدًا بما يتعلق بشؤون حياته الشخصية او يخبره القليل عنها!

– دعه كما يشاء أبي.
قالت غزالة بإبتسامة فمطّ مالك شفتيه بينما مالت عليها هدية وهمست:
– اذا كنت قد انتهيت من تناول الطعام إنهضي وساعدي ياقوت.

******************
كانت جريمة وإرتكبها قسورة بإخباره لخنساء ما طلب منه جده! لم يكن عليه ان يفعله فهاي هي تستيقظ قبله لتجهّز نفسها منذ الصباح الباكر ثم بعد ذلك توقظه دون ان تعدّ له حتى اي شيء ليفطر!
حدجها قسورة بنظرات غاضبة وهتف:
– أنت لن تأتي معي يا خنساء وتفضلي وتوجهي الى المطبخ لتعدّي لي سمًّا اتناوله قبل ان أغادر.

عقدت خنساء حاجبيها وقالت بعناد:
– بل سأرافقك.. أريد أن ارى ياقوت.

– خنساء.. لا تجادليني حول هذا الموضوع.. بإمكانك ان تري ياقوت هنا في داخل القبيلة بعد ان نحضرها.
هدر قسورة بعصبية فزفرت خنساء ثم قالت بهدوء:
– حبيبي قسورة انا يجب ان اكون معها.. ياقوت تحتاجني وانا يجب ان اكون معها خلال طريق العودة.

تشدق قسورة بتهكم:
– لا تحتاج ياقوت أحدًا يبث السم في عقلها.. انا اعرفك جيدًا يا سيدة خنساء وأعرف لماذا تودين المجيء معي.. ياقوت ستعود معنا بهدوء ودون اي مشاكل وبإمكانك ان تري اخت ساري وتخمدي فضولك لاحقًا وليس اليوم.

كشّرت خنساء عن انيابها كاللبؤة تمامًا وهي تزمجر:
– هل تقصد انني عقرب او افعى يا قسورة حتى ابث السم في عقلها؟ ومن تلك اخت الأحمق التي قد اريد رؤيتها.. آجل أعرف انها جميلة ورأيتها مسبقًا واريد ان اعرف اذا لا زالت جميلة ام لا ولكن ليس الآن يا متوحش!

– وماذا تريدين ايضًا؟
تساءل قسورة بهدوء فأجابت خنساء دون تفكير:
– اريد ان اعرف كيف أستقبلتها قبيلتها.
ثم أردفت بعد ان انتبهت الى نظراته:
– ولكن ليس الآن.

اومأ قسورة:
– وماذا ايضًا حبيبتي؟

– اريد ان اعرف كيف عاملت ياقوت فإذا عاملتها بطريقة سيئة لأمزق لها شعرها.
هتفت خنساء بإنفعال ثم همت ان تتكلم بعد ان ادركت انها وقعت بفخه بسهوله ولكن قسورة قاطعها وهو يتابع بدلًا منها بحاجبين مرفوعين:
– ولكن ليس الآن.. اليس كذلك؟

هزت خنساء رأسها ببراءة فقال قسورة بسخرية وهو يجذبها من مرفقها بقوة ليقرّبها منه:
– إسمعيني خنساء انا لست مجنونًا لأخذ إمرأة معي الى قبيلة العرّابي وخاصةً انتِ وبرفقتك اسبابك وكلماتك التافهة.

ثم دفعها بعيدًا عنه وقال:
– انا مغادر لأفطر في منزل أهلي بما ان زوجتي المصون لم تفكر ان زوجها سيحتاج ان يفطر حينما يستيقظ.

زمت خنساء شفتيها بغضب ثم قالت بهدوء ولطفٍ اجبرت نفسها عليه:
– إنتظر قسور.. سأعدّ لك شيئًا تأكله ولكن بالمقابل سأرافقك حبيبي.

– لا.. ستبقين في المنزل يا خنساء.. انا لست ذاهبًا لوحدي لأفكر مرتين بهذا الموضوع.. فإنسي ذلك نهائيًا.
هتف قسورة بحدة فإعترضت خنساء بضيق:
– بإمكانني ان اسير وراءكم فقط.. ما الذي ستخسره؟

صاح قسورة بها بعصبية:
– لا تعني لا.. لا تجادليني يا خنساء وجرّبي ان تتبعيني او تخرجي من المنزل واعدك ان اكسر لك قدميك.

ثم خرج من المنزل دون ان يلقي أي اهمية للكلمات التي ربما ارادت ان تقولها.. زفرت خنساء بحنق وهي تفكر من كل النواحي فيما يتعلق بقسورة..

*********************
وصله خبر دخول رجال قبيلة الفهدي الى قبيلتهم فترك العمل الذي كان يتحدث به مع إبن عمه وتوجه سريعًا نحو منزله، حيث مقصد رجال قبيلة الفهدي..
دقائق وكان يدخل الى منزله وهو يهتف بأسم ياقوت التي كانت جالسة في جناحهما تقوم بطي الغسيل..

نزلت ياقوت اليه كما خرجت هدية وغزالة اليه بقلقٍ.. فعودته الآن مريبة وهو لم يخرج من المنزل الا قبل ما يقارب الساعة ونصف.. وقفت ياقوت امامه بحيرة ليقول بتجهم:
– عائلتك في القبيلة.. وهم في طريقهم الى هنا.

– عائلتي!
تمتمت بإستغراب وسخرية في حين أحسّت غزالة برهبة تجتاح عظامها.. هل معتصم معهم؟ ذلك الشخص القذر الذي لم تراه من سنوات ولا ترغب ان تفعل ابدًا.. من دمّر حياتها بأبشع الطرق وقتلها دون رحمة بما تسببه لها من أوجاع.. رؤيته يموت امامها لن تشفع له السنوات التي قضتها تبكي وترثي نفسها وطفلها.. لا شيء سيشفع له..

– إياك ان تخرجي إليهم ما لم أسمح لك.
هتف ساري بتحذير لها ثم تطلع نحو غزالة التي بدت مرهوبة بشكل مؤلم وكأنها تسترجع اسوأ ذكرياتها فدنى منها وقبّل جبينها، هامسًا:
– لا تقلقي حبيبتي.. هذه المرة انت في حمايتي ولن أسمح للنملة ان تؤذيك فإرتاحي ولا تفكري كثيرًا.

الطرقات التي توالت على باب المنزل جعلته يعرف انهم وصلوا فترك ثلاثتهن وتوجه الى الخارج ليجد ان أغلبية أفراد عائلته متجمهرون أمام باب منزله وأمامهم جده يقف.. فبخطوات رجولية واثقة سار ساري ليقف هو الآخر بجانب جده بينما يسأل بصوت عالٍ وهو يشير بيده الى ما أحضروه معهم:
– ما هو سبب قدومكم الى هنا مع هذه الأشياء؟

تقدم قسورة ليقف امامه وهتف بنبرة قوية حازمة:
– لقد بعثنا زعيم قبيلتنا وشيخها كريم الفهدي لنقدّم لكم هذه العجول هدية من زوجتك الى شقيقتك بمثابة عودتها سالمة بعد كل هذه السنوات.. أما بالنسبة للخيول فهم منه جده نفسه هدية لها.. كما ويوجه لها ولكم السلام مع مباركته بعودتها لأرض قبيلتها اخيرًا.

رفع ساري حاجبه ونظر نحو جده الذي على ما يبدو ان هذه المباركة الثمينة أسعدته عكس عبوس والده..
فقال بجدية:
– اي هدية ستقدّمها زوجتي لأي أحد ستكون من أملاكي ولذلك هي مرفوضة اما بالنسبة لهدية جدك فشقيقتي من ستقرر اذا تقبلها أم لا.

– لن نعود بما أتينا به.. يجب ان تقبلوا الهدية كاملة.
رد قسورة بهدوء فشاور ساري لأحد الأطفال الصغار المقرّبين منه وقد فهم الصغير سريعًا إشارة ساري فدخل الى المنزل ليأخذ رأي غزالة.. وبعد ان خرج بالجواب سار تجاه ساري وهمس له برد هدية فكتم تنهديته ثم قال:
– تمّ ولكن ليست من عاداتنا تلقي الهدايا دون مقابل فأنتم وأفراد قبيلتكم مدعوون غدًا على العشاء ان شاء الله.

– مشكور.. إعتبر اننا أكلنا وشبعنا وليست هناك حاجة لأي دعوى فجدي لديه طلب آخر.
قال قسورة بهدوء فاومأ له ساري ليعرف ماهية طلبه وهنا تقدّم كلا من صفوان ويوسف ليقفا بجانب قسورة..
– جدي طلب منا إحضار زوجتك بعد إذنك الى قبيلتنا لرؤية عائلتها.

هتف ساري بجدية وعدم رضى:
– بإمكانني أن احضرها لكم بنفسي حينما هي تطلب.

– نحن لن نعود الا وياقوت معنا.
هدر يوسف بحدة فرشقه قسورة بنظرات غاضبة لأنه خالف أمر جده وتدخل في ما يقوله..
إبتسم ساري بإستهزاء وقبل ان يرد فتكبر المشاكل أكثر ولا يغادرون الا بمعركة بينهم قال قسورة:
– بإمكانك ان تأتي معها الآن اذا اردت فجدي أصر علينا ان لا نغادر دونها.

– تفضلوا الى المجلس اولًا.
هتف مالك بجدية ليهموا بالدخول في حين توجه ساري بالحديث لإبن عمه:
– تولى أمر العجول والخيول.

– هل بإمكاننا رؤيتها فلدينا هدية لها ايضًا؟
طلب قسورة بعد ان جلسوا فنهض ساري وقال:
– أنتظروا قليلًا.

توجه ساري الى صالة منزله الكبيرة فرأى ثلاثتهن جالسات على الأريكة بينما ياقوت شاردة بعالم آخر.. وحينما رآها بكامل ثيابها وحجابها هتف:
– آتوا ليأخذوك لزيارة عائلتك.. فهل تريدين الذهاب معهم؟

صمتت ياقوت لتفكر قليلًا تم اومأت موافقة:
– آجل سأفعل.. انا أريد زيارة قبيلتي.

– حسنٌ.. تعالي معي اولًا.
قال ساري بهدوء فسارت ياقوت وراءه ليُدخلها الى الغرفة التي بجانب المجلس ويردف:
– إنتظري قليلًا وسأعود.

تركها ساري وتوجه الى المجلس ليحضر معتصم ويوسف بكرهٍ واضح.. دخلا عليها فلم يظهر على وجه ياقوت اي لهفة.. فقط برود وجمود..
أول من إقترب منها كان يوسف الذي ضمها الى صدره ليقبل جبينها بينما يسألها عن حالها:
– كيف حالك حبيبتي؟ أخبريني فقط هل يضايقك أحد ما هنا؟

إرتفعت زاوية ثغر ساري بما يشبه إبتسامة ساخرة غاضبة ونفس رد الفعل ظهر على وجه ياقوت ولكن بملامح باردة..
– انا بخير.. شكرًا لإهتمامك.

نظر يوسف الى معتصم نظرة ذات مغزى فتقدم الآخر منها وقبّل جبينها وهو يمدّ لها السيف الثقيل الذي صُنع خصيصًا لآجلها..
– هذا السيف هدية لك من جدي.. لقد صُنع هذا السيف خصيصًا لك وتم زخرفة أسمك عليه.

بنفور تناولت ياقوت السيف الذي كان ثقيلًا فعلًا من يده وتطلعت الى ساري فأخذه ساري من يدها ووقف يشاهد هذه المسرحية التي تُدار هنا بين زوجته وأعداءه..
تجاهلت ياقوت نفورها وحقدها تجاه عائلتها بسبب وجود ساري فقط وغمغمت ببرود:
– مشكورين.

– إذهبي لتحضري معك كل ما يلزمك فأنت ستقضين هذه الليلة عنا.
قال يوسف بإبتسامة حانية وقبل ان ترد ياقوت صدح صوت ساري القاطع:
– لا.. زوجتي لا تنام بمكان غير بيتها.. ستبقى حتى صلاة العشاء وسوف آتي لأخذها.

– بيت عائلتها هو بيتها فستنام به.
هتف معتصم بجدية فرشقه ساري بجمر نظراته الحادة.. بالكاد يستطيع تحمل رؤية هذا الإنسان امامه.. يكرهه ولا يتمنى غير ان يكون موته على يده..
رد ساري بنبرة محتدمة:
– لا، ليس بيتها.. بيتها الوحيد هو بيتي فلا تتدخل بالقرارات التي أفرضها على زوجتي.

كتمت ياقوت إبتسامة متوعدة متهكمة ويوسف يقول بعصبية:
– القرار لياقوت فقط.. هي من ستقرر فلا تحشر أنفك بكل شي.

قاطعتهما ياقوت، تجنّبًا لأي مشاكل حاليًا فقط:
– ساري محق.. انا لن انام الا في بيتي والذي هو بيت زوجي.

إبتسم ساري وهو يرمق كلا من معتصم ويوسف بإستفزاز على الرغم من وثوقه بأن زوجته لا بد وقد تُخطط لشيء ما.. فهو صار اكثر من يعرفها.. ولكن مهما كان ما تخطط له لن يسمح بحدوثه وخاصةً اذا كانت تلك الفكرة التي هاجمت عقله..

غادرت ياقوت برفقة رجال قبيلتها بعد ان ودعت غزالة وهدية وإكتفت بإلقاء نظرة شامتة على ساري فإبتسم بخفوت يحمل الكثير من الوعيد..

******************
فور وصولهم الى القبيلة وإلى منزل جده تحديدًا الذي قد أُعدّ به العديد من أصناف الطعام بواسطة نساء القبيلة المقرّبات لياقوت واللواتي طلبهن جده من اجلها.. إستقبلها كريم بالأحضان فلم تقدر ياقوت الا ان تبادله عناقه وتكلّفت عيناها بمعاتبته..

سلّمت ياقوت على بقية النساء بجفاء الا على أقلية منهن ولم يكن من ضمن هذه الأقلية والدتها التي أخذت تبكي وهي تعانقها بقوة كرهتها ياقوت..
توجه الرجال الى المجلس حيث تم وضع طاولة طويلة بنفس جحم الطاولة التي وضعوها لآجلهن..

مال كريم على قسورة وسأله بهمسٍ:
– هل حدث اي مشكلة هناك؟

– لا.. ولكن يوسف يجب ان يتم الضغط عليه قليلًا فتصرفاته المتعجرفة والغير رزينة كلما تزداد وما يفعله سيؤثر عليه مستقبلًا كما سيؤثر على قبيلتنا.. اعتقد ان عليك الحديث معه.
رد قسورة بجدية فتنهد كريم ونظر الى يوسف الذي يأكل بحاجبين معقودين..
– سأفعل.. أظن ان شخصية معتصم تؤثر عليه نوعًا ما.. ولا تنسى ما حدث معه هذه الفترة.. وهو يحب شقيقته كثيرًا وما مرّت به ياقوت اثّر على عقله بطريقة سلبية.. ولكن هذا الشاب لا يعرف كيف يظهر مشاعره.. حتى إذا تنتبه اليه مع والديه لا يقدر الا ان يكون متعجرفًا.. بإختصار فظ وهذا طبعه.

زفر قسورة وفجأة فكّر بخنساء.. لا بد انها لو عرفت بوجود الجميع هنا عداها ستفقد عقلها.. ولكن ما لم يكن يدركه ان زوجته العزيزة بالفعل هنا وتجلس حاليًا عند النساء تلقي الأوامر على هذه وهذه بحجة انها حامل وغير قادرة على التحرك كثيرًا!

– كُلي هذه حبيبتي.. لقد تعبنا ونحن نعدّ كل هذا لأجلك.
غمغمت خنساء وهي تضع بصحن ياقوت شريحة لحم مطبوخة فقالت حسناء بغيظ:
– من الذي تعب؟ انتِ التي بالكاد تتحركين!

إبتسمت وهج بحنو:
– دعيها وشأنها يا حسناء فهي حامل ولا بد ان تتعب بسرعة.

إبتسمت خنساء لوهج وهمست:
– آه لو تعرفين كم أحبك.. لو انني رجل لكنت تزوجتك قبل ان يفعل صفوان.
ثم نظرت الى حسناء بحاجبين مرفوعين واردفت:
– وانتِ لا تتدخلي بي كي لا أدع أيهم يُغير معاملته لك.. فأيهم يهمه ان اكون راضية منك.

تشدقت حسناء بتهكم:
– لا تثقي بنفسك اكثر مما يجب فبعد ان يعرف قسورة الطريقة التي أتيتِ بها الى هنا كل العالم سيغضب عليك ومن ضمنهن حبيبي أيهم.

تطلعت ياقوت الى خنساء وسألتها بفضول:
– كيف أتيتِ الى هنا؟ ألم يحضرك قسورة قبل ان يأتي الى قبيلة العرّابي.

زمن خنساء شفتيها ثم أجابت:
– لا.. لقد اردت من الأساس ان ارافقه لأكون معك ولكنه رفض وهددني اذا خرجت من المنزل.. ولكنني خرجت عنادًا وتوجهت الى منزل جدي بما انني عرفت مسبقًا ان الجميع سيتجمهرون هنا ولحسن الحظ كان جدي قد بعث شقيق قسورة الصغير عمران ليحضرني الى هنا فرأيته بمنتصف الطريق وذهبنا معًا.

– لا بد انه سيغضب حينما يعرف.
غمغمت ياقوت فرفعت خنساء كتفيها بلا مبالاة..
– لا تقلقي.. فانا اعرف كيف امتص غضبه وأجعل كل اللوم مُلقى عليه فقط.

ثم وقفت خنساء واوقفت ياقوت معها وهتفت بتسلط:
– بعد ان تنتهي كل واحدة منكن لتذهب وترى عملها.. وإياكن ان تدعوا النساء الكبار تعمل.

ضحكت الجدة وقالت:
– غادري قبل ان تموتي بسبب نظراتهن.

******************
زفر أحمد وهو يتطلع الى عائشة التي التزمت الصمت منذ ان احضرها من قبيلتها ثم قال بجدية:
– لقد أخبرني جدي ان احضرك لإستقبال ياقوت في منزله.. فهل تريدين الذهاب؟

– لا.. إذهب انت اذا كنت ترغب.
ردت عائشة ببرود ليهتف أحمد بعصبية:
– اذا اردت ان اذهب فأنا لن اسألك.

تجاهلت عائشة الرد عليه وهي تقف بنية الدخول الى غرفتهما والإختفاء عن انظاره ولكن منعها أحمد وهو يمسك يدها بعد ان نهض هو الآخر..
– ما الذي حدث معك في قبيلتك لتلتزمي الصمت طيلة الوقت؟

– لا شيء.. فقط لا أرغب ان اخوض اي حديث معك فإتركني لأنني لم أنسى ما فعلته معي.
هتفت عائشة بحدة ليقرّبها أحمد منه ويهمس بصوت اجش:
– ما حدث بيننا من الطبيعي ان يحدث بين اي زوجين ولا ارى انني إقترفت جريمة الا بعدم تفهمي لصغر سنك وبراءتك.. غير ذلك انا لستُ نادمًا.

إبتسمت عائشة بسخرية مريرة:
– ولا يهمني ندمك فما تسببت لي به لن أغفره لك.
ثم رفعت رأسها وإستطردت:
– ولدي رسالة من ياقوت إليك.

ترك ساري يدها وهو يتطلع اليها بقلب خفق بجنون وتوجس.. فرفعت عائشة حدقتيها بتحدي وقوة وأردفت:
– لقد قالت ان اخبرك انك جبان وانك لا تختلف عن معتصم وساري بشيء!

إستوطن البرود محياه وهمس بغصّة مكتومة:
– مهما قالت يحق لها.

– بالتأكيد يحق لها.
هتفت عائشة بنبرة قاسية ثم إستدارت لتغادر ولكنه منعها مرة أخرى بقبضه على ذراعها..
قال أحمد بجدية:
– دعينا نحترم بعضنا البعض يا عائشة فأنا لا اريد ان اؤذيك اطلاقًا.. سوف أقدم لك الإحترام وبالمقابل عليك إحترامي.. زواجنا لم يعد مزحة وسأحاول ان أتقبلك مكان ياقوت.

نفضت عائشة ذراعها منها بعنف وهدرت:
– انا لست مكان اي أحد ولن اكون.. ولا أريدك ان تتقبلني.. فأنا هي التي يجب عليها محاولة تقبلك لا انت.

مرّر أحمد يده على وجهه بعصبية وهتف:
– ستتقبلينني كزوج لك فأنتِ لستِ مخيّرة يا عائشة بل مجبرة.. زواجنا إكتمل ويجب ان تعطيني كامل حقوقي الزوجية كما سأعطيك كامل حقوقك الزوجية وأهم هذه الحقوق الإحترام المتبادل.
وبخطوات غاضبة خرج من المنزل فأغمضت عائشة عينيها بضيق شديد وهي تزفر لعلّها تقصي تلك الغصّة التي إستوطنت حلقها..

******************
رحّب ساري ووالده بقاضي القبائل الذي آتى برفقة زوجته السلطانة ليبارك لهما عودة غزالة.. ثم بعد دقائق قليلة ولجت غزالة برفقة والدتها، تحمل بيديها صينية تحوي على إبريق شاي وبعض الأكواب والقليل من المكسرات..
إبتسمت لها السلطانة وقالت بحنو:
– لا تتعبي نفسك حبيبتي.. نحن أتينا لنراكِ فقط.

– إكرام الضيف واجب علينا.
غمغمت غزالة فإبتسم ابو مالك:
– كنت أريد زيارتكم مع شيوخ القبائل ولكن زوجتي الحبيبة أصرّت ان نفعل لوحدنا.

– أهلًا وسهلًا بكما في أي وقت.
قالت هدية بإبتسامة صادقة فأخرج ابو مالك علبة ذهبية من جيب سترته ومدّها لغزالة:
– هذه هدية من خالتك السلطانة بمناسبة عودتك.. نأمل ان تعجبك.

نظرت غزالة الى السلطانة وقالت بعتاب:
– زيارتك لي أهم من اي هدية.. لماذا اتعبتِ نفسك؟

ضحكت السلطانة:
– خذي الهدية الآن وإفتحيها وبعد ذلك عاتبيني.

اخذت غزالة العلبة الذهبية من يد ابو مالك ثم فتحتها لتتفاجأ بطقم من الألماس على شكل غزال..
– هذا كثير حقًا.. على الأقل عقد فقط او خاتم ولكن طقم كامل!

– غزالة!
قالت ابو مالك بتأنيب فإبتسمت غزالة بتأثر وهمست:
– انا لا اعرف كيف أشكركما حقًا.. هذه الهدية تخطف الأنفاس.

إبتسم أبو مالك بحنو ثم قال بجدية وهو ينظر الى كلا من ساري ووالده:
– في الواقع نحن ايضًا رغبنا بزيارتكم لسببٍ آخر.. انا اريد ان أطلب يد إبنتكم غزالة على سنة الله ورسوله لإبني فؤاد.. فما هو رأيكم؟

إحمرّ وجه غزالة ولم تتوقع لا هي ولا عائلتها ان يطلب قاضي العشائر يدها للزواج من ابنه قط..
نظر مالك الى قاضي الشعائر وقال:
– ومن يقدر ان يرفض نسبك الشريف يا كبيرنا!

إبتسم ابو مالك وقال بجدية:
– تسلم يا ابا ساري.. ولكن انا احتاج رأي غزالة فإذا كانت موافقة أريدها ان تكون في بيت إبني بعد اسبوعين ان شاء الله.
تطلع ابو مالك اليه وسألها بلطفٍ:
– ما هو ردك يا غزالة؟ لا تخجلي ولا تترددي.

تطلعت غزالة الى ساري وكأنها تنتظر إشارة منه لترد فاومأ ساري لها بإبتسامة دافئة حانية..
– انا موافقة بعد موافقة اهلي طبعًا.

أطلقت السلطانة زغرودة إبتهاج كما فعلت هدية فإبتسمت غزالة بخجل شديد ثم نهضت لتخرج تتبعها ضحكات الرجال ودموع والدتها الفرحة..

******************
– هل ستقضين اليوم فقط في منزل جدي؟
تساءلت خنساء بحيرة فاومأت ياقوت ببرود:
– لن أدخل منزل أهلي فلم أعد أعتبره منزلي.

– اذًا اين ستنامين؟ لقد قلتِ لي انكِ ستقضين هذه الليلة هنا رغمًا عن ساري ولن تعودي معه.
دمدمت خنساء بتعجب فتنهدت ياقوت ثم قالت بحقد:
– لن أعود مع ساري ولكن سأعود لوحدي حتى يفقد عقله.

إبتسمت خنساء بمكر وإعجاب:
– الآن فهمتك يا قطة.. تريدينه ان يتشاجر مع رجال القبيلة لأنك تريدين قضاء هذه الليلة هنا فيضطروا ان يرضحوا لأمر جدي الذي سيطلب منعهم لعدم حدوث المزيد من المشاكل ان تنزلي الى زوجك ولكن في هذا الوقت تكونين قد هربتِ وعدت لوحدك الى قبيلته.. فيفقد هو ورجال قبيلتنا عقلهم ليبحثوا عنك وسط غضب ساري وقلقهم وفي نهاية المطاف يضطر ان يعود ساري الى منزله ليتفاجأ بك في منزله.. وهكذا عصفورين بحجر واحد! تكونين قد ثأرتِ قليلًا منه ومن رجال القبيلة.

– بالضبط هكذا.
غمغمت ياقوت بهدوء فقهقهت خنساء:
– باتت تعجبني افكارك.. لا بأس ببعض الإنتقامات البسيطة الى ان تنتقمي منه كما يستحق.. لا تنسي ياقوت انا بظهرك دائمًا.. وسأمزقه اربًا اذا حاول ان يؤذيك.

إبتسمت ياقوت ولم تعقب ففتحت خنساء فمها تنوي ان تتحدث ولكن قاطعها دخول حسناء المفاجئ.. إقتربت حسناء من ياقوت وعانقتها، قائلة:
– أنا سأغادر حبيبتي ياقوت فأيهم ينتظرني في الأسفل وخسارة انني لن أستطيع رؤية رد فعل قسورة فلا زال لم يعرف بعد.

ضحكت ياقوت بينما هتفت خنساء بشراسة:
– معك دقيقة واحدة لتخرجي والا أعدك انك ستعودين الى بيتك بنصف شعر.

ضحكت حسناء بإستفزاز:
– لا بد انك تقصدين نفسك.. على ايّ حال انا سأغادر ففكّي الحصار عن ياقوت ودعيها تخرج لتجلس مع بقية العائلة.

وبخطوات مستفزة خرجت حسناء فإبتسمت خنساء وهمست بإشفاق:
– الحمدلله ان حسناء عادت كما كانت.. حب ايهم لها اعادها كما كانت قبل موت أمين.

– عقبال ان يغيرك حب قسورة لك.
قالت ياقوت وهي تتأمل عيني خنساء فرفعت خنساء يديها وهتفت بتوسل ولهفة:
– الله يسمع منك وأسمع إعتراف حب فقط من ذاك الثور الذي لا يشعر بي!

*******************
بعد صلاة العشاء..
وقف قسورة وقال لجده:
– انا يجب ان اغادر.. فخنساء لوحدها في المنزل وقد نسيت امرها تمامًا.

– خنساء هنا منذ الصباح! الا تعرف؟
همس أيمن بتعجب فعقد قسورة حاجبيه بغضب وتساءل بعصبية:
– من الذي أحضرها ولماذا لم تخبرني؟

اجاب كريم بهدوء:
– لقد بعثت عمران ليحضرها فأنت نسيت ان تفعل قبل ذهابك الى قبيلة الفهدي.. وانا ظننت ان عمران أخبرك.

– إبعث لي بأحد ليناديها ويخبرها انني انتظرها بجانب الباب الخارجي.
هتف قسورة بغضب بالكاد تحكم به.. وبعد دقائق خرجت خنساء اليه وهمست ببعض التوتر:
– السلام عليكم حبيبي.. لقد إشتقت اليك!

– إمشي معي.. حسابك سيكون في المنزل وسأدعك تعرفين معنى الإشتياق على اصوله.
هتف قسورة بحدة فإبتسمت خنساء ومالت عليه، هامسة:
– احبك حينما تغضب.. هيا لنعود الى منزلنا حبيبي.

رشقها قسورة بنظرة نارية فكتمت خنساء ضحكتها وهي تسير بجانبه وهي ترجو الله ان لا يكون الغبي عمران قد اخبر قسورة انه وجدها في منتصف الطريق والا ستشتاق لأيامها الجميلة حقًا..

********************
أخبرت ياقوت جدها ان تود قضاء هذه الليلة في منزله فإذا آتى ساري ليأخذها يخبره انها نائمة وستعود غدًا معه فوافق كريم وقبّل جبينها ثم تركها تصعد الى احدى الغرف لتنام كما أوهمتهم..
إنتظرت ياقوت لحظة قدوم ساري لتنفذ ما خطّطت له ولكن ها قد مرّ اكثر من ساعة ونصف ولم يأتي بعد.. ولكنها ميقنة انه في طريقه الى هنا او ربما يكون في الاسفل داخل المجلس ولكن لم يخبرها احد بعد..

تسللت ياقوت الى الخارج من الباب الخلفي للمنزل ثم سارت مسرعة بإتجاه مخرج القبيلة لتخرج.. في حين فعلًا قد وصل خبر وصول القليل من رجال قبيلة العرابي الى الجد كريم.. وما لم تعرفه ياقوت انها كانت مراقبة خفية من قبل احد الرجال الذي عيّنهم ساري فقد ادرك ساري بطريقة ما انها تخطط للهروب وهذا ما لن يسمح به ابدًا.. ولكن تفكيره كان مختلفًا عن تفكيرها وان كانت النتيجة واحدة.. وتفكيره هو نتيجته ستكون أقسى عليها..

وصل الى ساري خبر هروب ياقوت من قبيلة الفهدي قبل ان يدخل الى منزل كريم فطلب ساري من إبن عمه المقرّب اليه ان يخبرهم ان ياقوت معه وانه يدعوهم الى منزله غدًا لتناول وجبة العشاء ثم غادر مسرعًا ليقبض على زوجته الهاربة..

أحست ياقوت بخطوات تتبعها فأسرعت بخطواتها قبل ان تشعر بجسدها يرتفع عن الأرض ويد تُكمّم فمها بينما تسمع صوته الشرس الذي افزعها:
– الى اين زوجتي تهرب مني؟ ألم أخبرك انني لن أسمح لك بالسير وحدك في الجبال فما بالك بمنتصف الليالي؟

 

error: