رواية عشق ليس ضمن التقاليد للكاتبة أسيل الباش

الفصل الخامس عشر
فكرت دومًا بروعة الفجر
اذا بزغ من عينيك..
تخيلت الأجمل وانتظرت
شروق حدقتيك..
وإنصهر وتيني وانا
اتأمل إشراقة رمشيك..
وإستوطنت الإبتسامة
الثغر بإنعقاد حاجبيك..
فكرت دومًا بحسن
وجمال إحمرار خديك..
وإنفعلت وانا اتخيل همسات
الصباح تنبع من شفتيك..
تقطعت أوصالي شوقًا
وانا أفكر بإبتسامتك الخجول
بينما أغمغم بحبي بأذنيك..
وتاهت حروفي وتاهت حواسي
وانا اقرأ الغزل في مقلتيك..
———————–
لم تتقبل ياقوت ان كل ما خططت له وحلمت به هدر هباءًا.. جلّ ما أرادته ان تحقق إنتقامًا بسيطًا من ساري على الأقل مؤقتًا.. ولكن لا شيء قد تحقق سوى انها تعاني الآن من قسوة قبضته على خصرها بينما الحصان ينطلق بأقصى سرعته نحو قبيلة العرّابي.. من أين عرف بأمر خروجها وكيف عرف مكانها؟ لا تدري.. ستفقد عقلها حرفيًا وصدى أنفاسه اللاهثة لا يساعدها البتّة لتفكر بعقلانية او بهدوء.. قلبها يكاد يثب من صدرها من شدة خفقانه.. الدموع تتلألأ بمقلتيها تأبى ان تذرفهم..- إلى أين فقط كنتِ ستهربين مني؟
سمعت همسه الخشن يتوغل الى أعماق أذنيها، مسبّبًا لها رعبًا لا يُطاق.. لا بد انه يعتقد انها كانت ستهرب ولكنها لم تكن تنوي الهروب فإلى أين ستهرب؟ في منزل من ستختبئ منه؟
لم ترد عليه.. فقط أنفاسها المرعوبة كان ردها الوحيد بينما الغضب يكاد يعمي بصيرته وهو يفكر ما الذي سيحدث لو أنه لم يدركها.. أي فضيحة كانت ستتسبب بها له ولعائلتها أمام كل القبائل.. سيرة هروبها كانت ستصبح على كل لسان.. والأدهى إلى اين كانت ستذهب خارج القبيلة؟ كان من الممكن ان تتأذى بطريقة ما..أفكار عديدة أخذت تعصف بعقله وهو يكاد لا يحتمل ان يصل الى منزله ليتفاهم معها كما يجب وفي جناحه.. ليلقنها درسًا قاسيًا حتى لا تفكر ان تهرب منه مجددًا.. ابدًا..
اخيرًا توقف الحصان بجانب المنزل فترجل ساري عن الحصان وبهدوء أنزل ياقوت التي حاولت ان تنزل لوحدها وتفرّ هاربة.. أدخل ساري الحصان الى الإسطبل ويدها لا تزال أسيرة يده..

– دعني أصعد لوحدي.
غمغمت ياقوت بنبرة مرتجفة فضغط ساري على يدها بقوة أكثر ثم همس حينما دلفا الى المنزل:
– لا تصدري الآن اي صوت.. لا بد انهم نائمون ولا أريد أن أوقظهم بسببك.

وضعت ياقوت يدها الحرة على شفتيها، محاولة ان تكتم لهاثها المرعوب منه ومما سيحدث لها.. إذا تجرأ وضربها حقًا ستهرب.. يا الله هي فعلًا خائفة..
أغمضت عينيها لوهلة حالما أدخلها ساري الى جناحهما وأغلق الباب.. ثم تلقائيًا تراجعت الى الخلف وهي تغمغم:
– لقد كنتُ سأعود لوحدي لأنك تأخرت.

– لوحدك وفي منتصف الليل؟ على من تكذبين انتِ؟
صاح ساري بعصبية وهو يجذبها من مرفقها بعنف ليقربها منه فحاولت ياقوت ان تطمس رعبها منه وتتحلى ببعض الشجاعة..
– لم أنوي ان أهرب حقًا مثلما يفكّر عقلك المتخلف.. والله كنت سأعود الى هذا المنزل فقط.. ولا يهمني اذا صدقتني ام لا.. ولكن يجب ان تعرف انني أقول فقط الصدق.

بعينين شرستين قرّب ساري وجهه منها وسألها بهسيس بينما يضغط بقوة على مرفقها:
– من كنتِ ستقابلين في هذا الوقت لتخرجي دون علم أحد وتتسللي كاللصوص؟

رفعت ياقوت رأسها بحدة وزمجرت بقهر:
– لم اكن سأقابل أي أحد يا مجنون.. فإياك وإتهامي بأمور باطلة.. انا فقط اردت ان أغيظك حينما تأتي الى قبيلتي لتأخذني ولا تجدني فتفقد عقلك وتبقى طيلة الليل تبحث عني وما ان تعود مرهق تجدني في منزلك.. هذا فقط ما أردته لا غير والله العظيم.

كزّ ساري على أسنانه بغضب ثم هدر:
– هل تعتقدين إنني سأغفل عنك ولو للحظة؟ كل شيء تفعلينه أدري به يا ياقوت.. كل شيء.. حتى أنفاسك أراقبها.. كانت هذه فكرة زوجة قسورة، أليس كذلك؟

– ليس لخنساء اي يد في هذا الموضوع فلا تقحمها به لأنها ضربتك ذات مرة.
هتفت ياقوت بحدة وهي تضربه بيدها الحرة على صدره القاسي فقرّبها ساري أكثر منه وقال بقسوة:
– لا تجعليني أدعك ترين معنى قولك ان تضربني امرأة.. الرجال لم تقدر عليّ لتقدر علي امرأة مجنونة مثلها.

دفعها على الأرض وأردف:
– خطتك الفاشلة لم ولن تنجح ابدًا.. لا تعبثي معي بهذه الأمور خاصةً يا ياقوت فإلا الشرف لا أسكت عليه ولا ارحم اي أحد ما دام يتعلق به.. قتلك اهون اليّ من ان تهربي وتشوّهي سمعتك وسمعتي.. وهذه الخنساء اللعينة ستبتعدين عنها رغمًا عنك والا سيكون لي حديثًا مع زوجها الذي يجب ان يعيد تربيتها.

وقفت ياقوت وهتفت ببغضٍ:
– لا احد غيرك يجب ان يُعاد تربيته.. لا تتكلم عنها بكلمة سيئة فهي بالنسبة إلي اهم من العالم كله.. الوحيدة التي تدعمني وتسندني دائمًا.

تأوهت ياقوت وهي تشعر بيده تكاد ان تحطم لها فكها بينما صوته يصدح غاضبًا عنيفًا:
– لا تدعيني يا ياقوت أقضي هذه الليلة أعمل على قص لسانك الطويل بطرق لا تتخيلينها.. وما خفف عنك انك أقسمتِ فقط والا لكنت الآن اتعامل معك بطريقة تعرفينها جيدًا.. والحساب بيننا سيكون صباح الغد لأنني لا اريد ان أزعج غزالة فقط وأقلقها في هذا الوقت.. ولكن اعدك يا ياقوت ان اجعلك تسيرين على الخط الذي أحدده انا.

رمقته ياقوت بنظرات جامدة.. دومًا يُقحم أسم غزالة بأي شيء يحدث بينهما.. يهتم بغزالة وبراحتها بينما هي لا يهتم لا هو ولا غيره لأي شيء يخصها..
إزدادت وطأة قبضته على فكّها بينما يهمس بتجهم:
– هل فهمتِ كلامي أم أكرره؟

– إتركني.. سوف تستيقظ الملكة غزالة اذا بقيت تتحدث معي بهذه الطريقة العنيفة.
هتفت ياقوت بسخرية تخفي بها ضيقها وغيرتها من غزالة.. الجميع يهتم لها.. حتى نساء قبيلتها أخذن يتساءلن عن غزالة.. غزالة.. غزالة.. غزالة فقط..
لم تحتمل قبضته التي إحتدت قوتها فأطلقت آهة من اعماق روحها الموجوعة بينما زمجر ساري بتهديد مخيف:
– إياك ومحاولة السخرية من غزالة.. غزالة خط احمر وخاصة حينما يبذر الكلام من أفراد عائلة الفهدي.. فإنتبهي الى لسانك كي لا أقطعه.

دفعها ساري بعيدًا عنه ثم هتف:
– غيّري ثيابك لتنامي.. فغدًا ستعملين كثيرًا.

أغمضت ياقوت عينيها وهي تشعر بمسننات حادة تجرش حنجرتها لا تجرحها فقط ثم بخطوات بطيئة توجهت الى السرير والقت نفسها عليه بكامل ثيابها وحجابها.. وحينما سمعت تعليق ساري المعترض خلعت حجابها والقته بعيدًا ثم إندست تحت غطاء السرير، متجاهلة ساري بشكل تام..

********************
أحست خنساء بمراجل الغضب تتقد في أوصالها حينما صرّخ بها قسورة وهو يمسكها من ذراعها بعنف:
– ألم أخبرك إنني سأبتر قدميك اذا خرجتِ من المنزل؟ لماذا تعاندين ولا تسمعين الكلام كبقية النساء الطبيعيات المحترمات؟

بيدها الحرة ضربته خنساء على صدره وهي تهتف بعصبية:
– لا يحق لك ان تتصرف معي بهذه الطريقة في حين انك نسيتني طيلة اليوم ولم تفكر قط بي لتحضرني الى منزل جدي حتى ارى ياقوت.. ولو ان جدي لم يخبرك انني هناك لم تكن ستعرف لأنك تهملني وكأنني تحفة منزلية.
وبكذبٍ تابعت:
– وانا لم اذهب لوحدي سيد قسورة.. بل آتى عمران بناءًا على طلب جدي وأخذني.. فإذا هناك شخصًا يجب ان يتم لومه وعقابه فهو انت.

حرّر قسورة ذراعها وقال بتهكم غاضب:
– ربما لأنني شعرت بطريقة ما انط تسببتِ بمصيبة ما فليس طبيعيًا ان تسمع خنساء الكلمة وتبقى هادئة.. والأهم تسمع كلمة زوجها.

رشقته خنساء بنظرات نارية ورفعت أصبعها بتهديد:
– إياك والنوم بجانبي هذه الليلة.. لا اريدك داخل الغرفة ابدًا!

إبتسم قسورة بإستهزاء وعجرفة:
– اخبري نفسك هذا الكلام.. فأين أكون ستتبعينني ولن تتخلي عني.

عقدت خنساء حاجبيها:
– وهل ترانني عاشقة مجنونة حتى لا اتخلى عن رجل لا تخرج كلمة حب واحدة من شفتيه؟

دنى قسورة منها بخطوات أربكتها قليلًا ثم بخفة أحاط ظهرها بذراعه وهمس بغرور:
– ألا تفعلين يا خُناس؟ من الغريب ان لا تكوني عاشقة مجنونة وأذني لا تكلّ من سماع أشعارك الغزلية التي تكتبينها لي وحدي.. ألا تغدقينني كل يوم الف مرة بكلمات الحب والعشق؟

– كنتُ ولم أعد أفعل لأنك بارد وقاسي المشاعر.. لقد إتحذت القرار.. سأعاملك مثلما تعاملني.
قالت خنساء بتحدي فإتسعت إبتسامة قسورة الساخرة:
– لنرى سيدة خُناس.. أنتِ محظوظة فقط بكونك حاملًا وبكونك لم تخرجي لوحدك.. ولكن ان عرفت ذات مرة بخروجك من المنزل لوحدك ودون أذني…

قاطعته خنساء بعصبية:
– حسنٌ حسنٌ.. هذا يكفي.. لقد وصل المغزى جيدًا فإتركني أذهب لأنام.

مرّر قسورة يده على ظهرها بنعومة كادت ان تضعفها ثم غمغم بصوت اجش:
– إذهبي.

إبتعدت خنساء عنه ببطء ثم إختفت عن انظاره وهي تفكر ان ليس هذا ما ارادت الحصول عليه.. ولكن غضبه العنيف أفقدها صوابها وهي الشيء الوحيد التي لا تستطيع التحكم به هو لسانها.. والسيد قسورة صار يتباهى ويتصرف بغرور معها لأنها تغدقه بكل ما يتمنى الزوج من زوجته.. تسمعه أجمل الكلمات وتهبه كل ما تقدر عليه بسخاء.. من حب واحتواء..

آجل، هي اخطأت وكذّبت عليه الآن أيضًا ولكنها كانت كذبة بيضاء لتنجو من غضبه الأسود..
تأففت خنساء بحنق بعد ان خرجت من الحمام ثم بخطوات ثقيلة سارت نحو السرير وألقت جسدها عليه..

يا الله لقد كاد قسورة يستسلم لها خلال الأيام السابقة فما باله هكذا تغير وصار مغرورًا بشكلٍ مغيظ.. هي تعرف كبرياءه الأحمق وتجاهله لأي مشاعر خاصةً حينما تحوم حول امرأة ولكن ليس هذا ما تتمناه وما تريده.. هي تريد مشاعره الشغوفة.. تريده ان يكون مختلفًا بين ذراعيها.. ان يعاملها معاملة خاصة لأنها زوجته وحبيبته الوحيدة.. ولكن من اين هذا بليد المشاعر سوف يفعل ما تتمنى؟

وقبل ان تهم خنساء بإغلاق عينيها شعرت بيد قسورة تربت على كتفها بخشونة وهو يقول:
– إبتعدي عن الجانب الذي أنام عليه.

تطلعت خنساء اليه بحنق وهتفت:
– لقد أخبرتك إنك لن تنام الليلة هنا.. إذهب لتنام بغرفة ثانية.

رفع قسورة حاجبه ثم دون مبالاة حملها وسار بها الى جانب السرير الآخر ليضعها عليه:
– هذا بيتي وانا انام بالمكان الذي أريده.. برضاكِ أو دونه.

– لا اريد ان انام بجانبك.. واذا لم تخرج انت سأخرج انا.
قالت خنساء وهي تدفعه لتنهض فأعادها قسورة الى مكانها بخشونة ثم مال عليها وثبّت يديها بجانب رأسها بينما يهمس:
– ستنامين في المكان الذي أريده انا.. فتفضلي ونامي الآن دون اي كلمة أخرى.

– لا أري…
قاطع قسورة إعتراضها بمداهتمه لشفتيها.. هل أخرسها حقًا بقبلة؟ هذا الهمجي عديم المشاعر يُعرف كيف يُخرس بطريقة جميلة لأول مرة تحبها!
حاولت خنساء دفعه بعيدًا عنها بتمنع ولكن رغمًا عنها إستجابت لقبلته بشغف.. وببطء أدركت كم إنها كالحمقاء بدلًا أن توقعه هو بحبها وقعت هي بحبه.. لقد إنقلب السحر على الساحر!

******************
إبتسمت حسناء بحنو وهي تتأمل وجه أيهم.. ينام بسلام كالأطفال تمامًا.. شفتيه مزمومتين وحاجبيه معقودين.. بنعومة مدت حسناء يدها ومرّرتها على خدّه الخشن ثم بخفة ضربته على طرف أنفه بإبهامها ففتح أيهم عينيه بنعاس وغمغم:
– دعيني يا حسناء أنام.

– هيّا إنهض.. كفاكَ نومًا حبيبي.
همست حسناء وهي تداعب وجنته بيدها فهمهم أيهم بلا مبالاة وأغمض عينيه مرة أخرى لينام..
تأففت حسناء بضيق ثم أردفت:
– أيهومتي هيا إستيقظ.. هيّا.. هيّا.. هيّا…

قبّلت حسناء طرف شفتيه حينما رآته يقاوم لفتح عينيه فطوّق أيهم ظهرها وجذبها لتتوسد صدره..
– لقد أصبحتِ مشاكسة ولم تعدي تتركين زوجك يرتاح حتى في نومه.. ما الحل معك أيتها الجميلة؟

ضحكت حسناء بغنجٍ:
– الحل تعرفه جيدًا حبيبي.

رفع أيهم رأسها ليتطلع الى عينيها بحب ومكر:
– ممم.. أعتقد انني اعرفه جيدًا.. وأعشق هذه الحلول حبيبتي.
ثم دون اي كلمة اخرى رفعها ايهم قليلًا ليقبّلها كالغرثان لكل ما يخصها.. يثبت لها ولنفسه حق ملكيته بها لوحده دون سابق او قادم.. فقط هو.. له وحده على الرغم من كل ما مرّ سابقًا..
إبتعد أيهم منها بعد لحظات ثم سألها وهو يعبث بخصلات شعرها:
– ما هي أوامرك أيتها الجميلة؟

– أريد زيارة أهلي فاليوم وهج والأطفال سيكونون هناك.
قالت حسناء بإبتسامة فهز أيهم رأسه موافقًا بإبتسامة:
– ان شاء الله.. دعيني اولًا أفطر من يدي امرأتي وبعد ذلك سأخذها الى كل مكان تريدينه.

ضحكت حسناء بمرح ثم مالت عليه لتقبله مرة أخرى قبل ان تنهض..
– الإفطار جاهز يا قلبي.. انت فقط إنهض وبنفسي سأعمل على ارضاؤك يا روح حسناء.

******************
تطلعت ياقوت الى ساري بضيق شديد.. منذ الصباح الباكر وهو يضايقها بتصرفاته.. منذ صلاة الفجر وهي مستيقظة تستمع الى كلامه المثير للإستفزاز.. والأهم انها عرفت ان قاضي العشائر طلب يد غزالة للزواج بإبنه.. لقد شعرت بالإهانة وهو يخبرها عن طلب قاضي العشائر فنبرته المترفعة ونظراته المستحقرة هي من جعلت هذه المشاعر تجتاحها.. تدري انه لا يطيقها بسبب هروبها البارحة منه كما يعتقد ولكن ما ذنبها هي؟ ليذهب ويخبر معتصم حتى يموت بحسرته ويشعر بكم دناءته لا يخبرها هي..

لا تعرف كيف نظر ساري لها وكأنه ينتظر ان تومض نظرات الغيرة والحقد بعينيها! لا تصدق طريقة تفكيره بها.. لقد بدا واضحًا لها تفكيره.. هو يعتقد بكل وضوح انها تغار من غزالة وتحقد عليها.. لماذا يظن انها ستفعل يا الله؟ هي لا تتمنى الا الخير لغزالة على الرغم من غيرتها بعض الأحيان لأن ساري والبقية يهتمون براحتها فقط ولكنها والله لا تتمنى لها الا الخير..

– إنزلي لتساعدي فأفراد قبيلتك السابقة اليوم سيكونون ضيوفنا.
هتف ساري بنبرة مستفزة فقالت ياقوت بغضب:
– لم يطلب منك احد ان تدعوهم.. فليست هناك حاجة لتتأمر عليّ الآن.

رد ساري بغلاظة:
– انا حرٌّ.. القرار يعود الي اذا اتأمر عليك ام لا.. وتفضلي انزلي الآن ولا تدعوا غزالة تعمل.

– أنا لا أطيقك.. اكرهك يا ساري العرّابي!
تمتمت ياقوت وهي ترشقه بنظراتها المستحقرة التي إستفزت ساري بطريقة مخيفة.. وقبل ان تستدير حتى تخرج من الغرفة شعرت بقبضته تكاد تحطّم لها ذراعها بينما يهزها ويهدر بعصبية:
– لا تدعيني أشوّه لك وجهك منذ الصباح الباكر.. فأنا بالكاد اتمالك نفسي.. وللمرة المليون اخبرك ان كرهك لا يهمني ولا يؤثر بي البتّة.

– دعني.
صاحت ياقوت بألم فأعمض ساري عينيه للحظة قبل ان يدفعها ويهتف:
– لا تستفزيني يا ياقوت.. اياك خاصة هذه الفترة.

قضمت شفتها السفلى بقهر بينما تكاد الدموع تنهمر على خدّيها.. مسدت ذراعها الذي كان أسيرًا لقبضته وقالت بصوت مخنوق:
– إذا كانت رؤية معتصم تضايقك الى هذا الحد فإذهب وتشاجر معه بدلًا ان تنتقم منه من خلالي لأنني شقيقته.. ولكن فقط لتعرف يا ساري انك لا تختلف عن معتصم ابدًا.. فما فعله معتصم بغزالة سابقًا انت تفعله بي بطرقٍ أخرى.. ولتعرف نهاية كل قصة بنيت على الإنتقام هي الإنفصال.. وانا سأنتظر ان تطلّقني على أحر من الجمر وصدّقني سأكون اكثر انسانة راضية في الكون كله.

تشدق ساري:
– اذًا لن تكوني راضية ابدًا.. فأنا لا اعترف بشيءٍ أسمه طلاق يا ياقوت وانت تعرفين ذلك مسبقًا.. ستبقين زوجتي حتى الممات ولذلك من الأفضل ان تبدأي بالتصرف كأي زوجة محترمة لأن أفكارك الغبية لن تزيدك الا انتِ وجعًا وحسرةً.
وبجدية ووعيد أضاف:
– ولا تقلقي.. سيكون هناك مواجهة بيني وبين شقيقك الحقير قريبًا جدًا وأعدك ان تبكي عليه.. وشقيقك الآخر يوسف اذا لم ينتبه جيدًا لتصرفاته فسأضمه الى معتصم.

– حاول يا ساري وتسبب بأذيتهما ولتفتح معارك جديدة بين القبيلتين.. ولكن انا أحذرك من الإقتراب من يوسف.. فيوسف يهمني أكثر مما تتصور.. ربما مثلما تهمك غزالة وأكثر.
هتفت ياقوت بقوة فإبتسم ساري بسخرية:
– لقد اخافني تحذيرك حقًا!

رفعت ياقوت رأسها بتحدي فتلقائيًا إتسمت ملامح وجه ساري بالقسوة وهو يقول:
– هيّا امامي الآن.. لا بد ان شقيقاتي في الأسفل.

******************
في المساء..
لقد تم وضع الطاولات الضخمة لرجال قبيلة الفهدي في منتصف ساحات قبيلة العرابي وقد تواجد كبار القبائل بناءًا على دعوة الجد فواز.. أحضر ساري أمهر الطباخين لإعداد أشهى الطعام بينما إهتمت النساء بالتنظيف والترتيب وتحضير الحلويات.. كما وقد تم تجهيز ضيافة نساء قبيلة الفهدي في داخل المنزل.. لم تأتي الكثير من النساء بل حضرت النساء المقرّبات فقط على نقيض الرجال الذين كان عددهم كبيرًا..

رحّب ساري بهم كما يجب الا انه تجاهل معتصم ويوسف وأحمد وإكتفى فقط برشقهم بنظراته الحادة.. لم يذق احدهم حبّة أرز واحدة حتى فقد كان سبب حضورهم هو الواجب فقط لا غير.. إما بالنسبة لأحمد فهو مضطر ان يتواجد بما انه صهرهم..

بعد انتهاء العشاء ومغادرة معظم رجال قبيلة الفهدي توجه الرجال للجلوس في المجلس.. وبعد بعض الأحاديث التي دارت بين الرجال هتف قاضي العشائر:
– هناك خبرًا اريد ان أعلنه لكم يا جماعة.. إن شاء الله بعد أسبوع ونصف ستبدأ الإحتفالات في منزلي بما ان إبني فؤاد سوف سيتزوج من ابنة النسب والفخر غزالة العرّابي!

الصمت هو فقط ما كان رد فعلهم.. الصدمة بانت بوضوح على معظم وجوه الرجال بما فيهم معتصم الذي شحب وجهه ونظر بلا تصديق الى فؤاد الذي تطلع اليه بشبه إبتسامة ساخرة! لم يعتقد انها من الممكن ان تتزوج بعده.. ولم يعتقد ان الرجل الذي قد يفكر بالزواج بها هو فؤاد المعروف بكل القبائل بقوته وشجاعته وذكاءه الفذ.. كقسورة تمامًا!

اخيرًا قطع الصمت صوت الجد الكريم الذي قال بإبتسامة طيبة:
– الف الف مبروك.. يستحق فؤاد هذه الزوجة.. نعم الإختيار يا أبا مالك.

توالت التهنيئات على ساري ووالده وفؤاد ووالده بينما رمق الجد كريم حفيده معتصم بعتاب.. لقد خسر اشد خسارة وما عاد بإمكانه تصحيح اي شيء إقترفه فما فات قد مات ولم يبقى الا الأثر..
وقف قسورة وصافح فؤاد بودٍ فمنذ الطفولة تجمعهما علاقة الصداقة والجميع يعرف مدى متانة صداقتهما..
– الف مبارك يا فؤاد.. كلما ترتفع مكانتك أكثر بنظري.. شهم طول عمرك.

إبتسم له فؤاد:
– تسلم يا قسورة.. فقط أرجو ان يتم كل شيء على خير وان لا يتسبب إبن عمك بأي مشكلة فحينها تعرف ما الذي سيكون رد فعلي.

– لا تقلق.. انا اضع عيني عليه وعلى يوسف منذ فترة.
قال قسورة بجدية فاومأ فؤاد وهو ينظر الى ظهر معتصم الذي يسير الى خارج المجلس بوجه باهت مكفهر..

******************
تطلعت خنساء الى ياقوت بقلق بسبب هدوءها وصمتها وتساءلت:
– ما الذي يحدث معك يا ياقوت؟ وجهك شاحب جدًا.

ألقت ياقوت نظرة على والدتها التي تتحدث مع ام ساري قبل ان تهمس بوهن:
– انا متعبة يا خنساء.. لا شيء يسير مثلما أريد او مثلما أتوقع.. البارحة قبل ان أتمكن من تحقيق ما خططت له قبض علي ساري وأعادني الى المنزل ولم يصدق انني كنت سأعود الى قبيلة العرابي فقط.. لقد ظن انني سأهرب الى أحدٍ ما.. أفكاره كلها مجنونة.. بالكاد صدقني.. البارحة كدت أموت حقًا من شدة رعبي منه.

قالت خنساء بتنهيدة:
– نفس تفكير قسورة حينما حاولت ان اهرب ذات مرة.. ولكن برؤية وجهك كما هو ليس به اي اعاقة فرد الفعل من الواضح انه مختلف.. لقد كدت اموت على يد قسورة عندما حاولت الهروب.. وانت تذكرين كيف شوّه لي جسدي.

إبتسمت ياقوت بخفة:
– ساري يعتقد انك انت هي التي خططت وهددني من الحديث معك مجددًا والا سيخبر قسورة حتى يعيد تربيتك فإنت عديمة أخلاق ولسانك طويل.

حدجتها خنسها بغيظ وهدرت:
– ليذهب هو وقسورة الى جهنم الحمراء.. وكأنني أخاف من السيد قسورة ليشكوني اليه! يجب حرق رجال العالم كله لنرتاح منهم ما عدا رجلًا واحدًا.

– من هو؟
سألتها ياقوت بسخرية فإبتسمت خنساء وردت:
– قسورة الرومنسي.

ضحكت ياقوت وكادت ان تعلق ولكن مناداة غزالة لها جعلتها تسكت وتنهض لترى ماذا تريد..
نظرت خنساء الى عائشة التي تلاعب أولاد شقيقتها الصغار ثم أدارت وجهها سريعًا، منتظرة عودة ياقوت لتتابع حديثها معها..

– آجل غزالة.. بماذا اساعدك؟
قالت ياقوت حينما دخلت المطبخ فغمغمت غزالة دون ان تنظر اليها:
– ساري يريدك حالًا في جناحكما.. اصعدي اليه.

إزدردت ياقوت ريقها قبل ان تومئ وتصعد الى جناحها.. أخذت ياقوت نفسًا عميقًا ثم دخلت ليقول ساري سريعًا:
– غطي شعرك فوالدك وجدك كريم والعم ابو مالك يريدون ان يسلموا عليك.

فعلت ياقوت كما طلب ساري منها ثم سارت الى الخارج برفقته ليدخلها ساري الى نفس الغرفة التي بجانب المجلس والتي قابلت معتصم ويوسف فيها..
سلّمت ياقوت عليهم ثم قعدت بجانب ساري وهي ترد بهدوء على اسئلتهم التي تتساءل عن احوالها..

لم تطل فترة مكوثهم فما ان جلسوا عدة دقائق حتى نهضوا مرة اخرى.. كانوا يبدون على عجلة من امرهم وفقط ارادوا الإطمئنان على سلامتها قبل ان يغادروا.. تشبثت ياقوت بحضن جدها الدافئ للحظات طويلة بعض الشيء وفور إبتعادها عنه أحاط ساري ظهرها بذراعه امامهم دون اي خجل..

إحمرّت وجنتاها هي تحاول دفع يده القوية عن خصرها ولكنه لم يتأثر بمقاومتها له كما لم يعلّق أحدهم على ما فعله ساري..
قال والدها بجدية قبل ان يسير الى الخارج وراء جدها وابو مالك:
– اطلبي من النساء الخروج يا ياقوت لنغادر.

تطلعت ياقوت الى ساري بحنق وهتفت:
– إبتعد عني لأخرج.. وإخجل قليلًا بسبب تصرفاتك هذه.

إبتسم ساري بلا مبالاة:
– انا لا أعرف معنى الخجل.. و انت زوجتي وانا حر بك.

رفعت ياقوت حاجبها بضيق ثم سألته بقلق:
– ألم يتشاجر أحد ما؟

– لا.. رغبت ان افعل ولكنهم ضيوفنا اليوم فلا استطيع ان اتشاجر معهم.
اجاب ساري بتهكم فعلّقت ياقوت بسخرية:
– كلك شهامة تبارك الله.

– الحمدلله.. هيا إذهبي وأطلبي من النساء الخروج وأولهن زوجة قسورة.. لا أطيق قربها منك.
هتف ساري وهو يبتعد عنه فرمقته ياقوت بغضب قبل ان تخرج..
– لا يهمني ما الذي تطيقه وما لا.

*******************
وقف أحمد بجانب والده ينتظر عائشة لتخرج حتى يغادر هو الآخر فلم يعد يطيق البقاء في هذا المكان.. وبعد دقائق طويلة خرجت عائشة برفقة ساري الذي أخذ يحقق معها باسئلته ليطمئن من كونها بخير..
نظر ساري ببغضٍ الى أحمد قبل ان يقبّل جبينها ويحرّرها لتذهب الى زوجها..

– أحضر عائشة غدًا فسنبدأ بالتجهيزات لعرس غزالة.
قال ساري بصوت جاد فحدجه أحمد بنظرات تشي عن مدى كرهه ثم اومأ دون ان ينبس شفة ولكن ما كاد يقتله هو سماعه الصوت الذي اشتاقه بجنون.. وخطوات الركض التي كانت تتسارع بلهفة ذات مرة لآجله..
– عائشة إنتظري.. لقد نسيتِ ان تأخذي القماش معك.

إستدار ساري بعنف لينظر الى ياقوت التي صُدمت برؤية وجه أحمد.. أحست بقلبها يتمزق.. بنار تحرقه بلا هوادة.. توترت وخافت.. رفعت يدها بسرعة لتتأكد من كونها تستر شعرها.. ثم نظرت الى الأسفل بألم وهي تشعر بيد ساري تأسر جسدها بين ذراعيه بقسوة بينما يهتف بصوت غاضب لأحمد الذي لا زال مصدومًا ومتأثرًا بوجودها:
– عينيك على الأرض كي لا أقلعهما لك في التو.

بخوف وقلق أخذت عائشة القماش من يد ياقوت بينما أخفض أحمد بصره وكوّر قبضته وهو يحس بأنفاسه بالكاد تخرج من صدره.. يا الله كم اشتاق لها.. لصوتها.. لنظراتها.. لضحكاتها.. لكل شيء يخصها..
كان أقسى مما يتحمل ان يرى ذراع الرجل الذي يراه عدوه تلتف بهذا التملك حول ظهر من كانت من المفترض ان تكون زوجته فغمغم أحمد بصوت اجش لعائشة التي تراقب ما يحدث وكأنها تشاهد مسرحية ما:
– هيا.. لنغادر.

كتمت ياقوتها صراخها حينما هتف ساري بغضب وهو يلصق جسدها بجسده بعنف:
– غادر ولا تنسى ما قلت لك.

تشدق أحمد بسخرية وأجبر عينيه قسرًا ألا تنظر الى ياقوت ثم بغضب وحقد إستدار ليغادر وعائشة جانبه، تحس بقلق شديد على ياقوت.. فنظرات ساري الشرسة لا تطمئن ابدًا.. بالتأكيد سيظن انها خرجت عمدًا لترى أحمد ولكن هي لم تكن لتخرج لو ان هدية لم تطلب منها..

تأوهت ياقوت بألم حالما جذبها ساري بعنف الى داخل المنزل ثم توجه الى جناحهما وفور إغلاقه للباب قالت بنبرة خائفة مرتجفة:
– والله لم أقصد ان اراه.. خالتي هدية فقط طلبت مني ان اركض وراء عائشة واناولها القماش التي ارادته.. لم اكن أعرف ان أحمد…

لم يسمح لها ان تكمل جملتها وهو يطبّق على فمها بيده بعنف بينما يهتف:
– لا تنطقي أسمه اللعين.. البارحة واليوم.. ما الذي تخططين له يا ياقوت بهذه الأفعال؟

ضربته ياقوت بقبضتيها الصغيرتين على صدره بتخبط وخوف.. ما باله صار كالمجانين فقط لأنها خرجت ولم تنتبه لوجود أحمد؟ ارادت ان تدفعه عنه وتهرب منه الى اي مكان ولكنه قرّب جسدها أكثر منه دون ان يكترث لضرباتها على صدره.. ثم همس بفحيح:
– إياك بإثارة شكوكي يا ياقوت.. أقتله واقتلك! قد أتقبل اي شيء الا كل ما يمت بأحمد بصلة.. هل تفهمين عليّ يا ياقوت؟

اومأت ياقوت برعب فأبعدها ساري عنه أردف:
– اتأمل ان لا تنسي تهديدي فأنا لن أتوانى عن تنفيذه.. ابدًا!

 

error: