رواية عشق ليس ضمن التقاليد للكاتبة أسيل الباش

الفصل السابع عشر (الجزء الاول)
اكرهك.. فلا شيء يبرر فعلتك..
ولا شيء يداوي قسوتك..
لم تلملم الشظايا، بل مشيت
دون الإنتباه إلى انعكاس المرايا..
لا احبك.. فحبك لا يستحق
الحب الا من أواخر البقايا..
لا دموع تُذرف ولا عيون تدمع..
فقط انفصال هو أهم مثابرة
دون أدنى محاولة..


وصل خبر شجار ساري وأحمد الى شيوخ وقاضي القبائل فهرعوا جميعهم إلى قبيلة العرابي لحل النزاع الذي كان متوقع حدوثه في يوم ما.. وحينما وصلوا كان ساري يقف بجانب شقيقته عائشة ليهدئ من روعها بينما احمد يقف بجانب الجد فواز.. أما في الاعلى حيث النافذة الزجاجية كانت تقف ياقوت ويدها موضوعة على قلبها..

هتف قاضي القبائل بتجهم:
– ما الذي يحدث هنا؟ ما هذه الفوضى والمشاكل يا ساري ويا احمد؟

قال الجد فواز بغيظ:
– أسأل ابن قبيلة الفهدي يا ابا مالك فهو من فرد عضلاته وتجهم على منزل ساري.

  • لن ينفع الكلام علنًا.. لنجلس ونتحدث.
    قال أبو مالك بجدية فهتف ساري بصوت يبدو عليه الغضب الشديد:
  • تفضلوا الى المجلس وسأتبعكم بعد أن أدخل شقيقتي الى المنزل.

دلف ساري الى المنزل وذراعه تحيط بظهر عائشة بينما رحّب والده بالقاضي والشيوخ..
– تفضلوا يا جماعة ولكل شيء حل.

فور أن دخل ساري الى المنزل قابله وجه والدته وشقيقته غزالة بالإضافة إلى ياقوت التي كانت تقف بجانبهما والجمود يغلف ملامح وجهها..
تطلع ساري إليها بنظرات غاضبة وهمس لها بعد أن دنى منها:
– بيننا حساب كبير بعد أن انهي عملي مع ذلك الغبي.

  • ساري ارجوك لا اريد المزيد من المشاكل.
    غمغمت عائشة ببكاء فضمتها غزالة الى صدرها واردفت لساري:
  • اختصر الشر يا ساري لأجل اختك فما مررنا به حقًا يكفينا ولا ينقصنا المزيد من المشاكل.

  • إن شاء الله غزالة.. ولكن حقي لن اتنازل عنه.
    قال ساري بحزم قبل أن يلقي نظرة أخيرة على ياقوت التي لا يدري كيف ومتى صارت أسيرة ذراع والدته الدافئة ويخرج..


في داخل مجلس الرجال..
تساءل ابو مالك بجدية:
– هلا شرحت لنا يا احمد سبب هجومك على ساري؟ هل تملك أي سبب مقنع؟

طأطأ احمد رأسه فماذا سيقول؟ أيقول أن ياقوت كانت عذراء قبل أن يتم زواج ساري الثاني منها ولكن ساري اوهمهم انها زوجته قولًا وفعلًا؟ كيف يتحدث بهذا الموضوع عنها امام كل هؤلاء الرجال وبماذا سيفيد الكلام الان؟
رد ساري بدلًا منه بخشونة فهو الآخر لن يسمح بالتحدث عن خصوصية علاقته الزوجية امام كل هؤلاء الرجال:
– السبب لن يتم قوله لأنني أعتقد أنه لا يخص اي احد من الموجودين ولكن ما لن اسكت عنه هو تهجم احمد على بيتي وشتمي.. فإذا كان يريد أن يتشاجر معي بسبب غيرته مني بإمكانه أن يفعل في كل مكان ولكن ليس في بيتي كما ليس في بيته!

علّقت الجد كريم بنفاذ صبر:
– نريد أن نعرف سبب المشكلة لنحدد من منكما هو صاحب الحق.

  • انا صاحب الحق.
    هتف أحمد بنبرة مرتعشة من شدة غيظه وغضبه.. يريد أن يقتله.. أن يمزق روحه.. ان ينتقم منه على الأذى الذي تسبب به له ولياقوت.. سيفقد عقله حرفيًا وهو يفكر بقهر ياقوت لأنه تخلى عنها.. كانت ستكون له لو عرف فقط أن ساري يكذب عليهم ولكنه كالأحمق لم يتأكد من اي شيء وفقط قال إنه سيتزوج من عائشة.. زواج لم يزده الا همًّا ووجعًا لا غير..

عقد أحد الشيوخ حاجبيه بينما يسأل بهدوء:
– هل لواحدة من زوجاتكما علاقة بهذه المشكلة.

قبل أن يجيبه ساري رد احمد بلوعة قلب:
– أجل يا شيخنا.

اقترح قسورة برزانة:
– أعتقد بما ان الموضوع بهذه الخصوصية يجب أن يتحدث العم ابو مالك مع والد كل من زوجاتكما بالإضافة اليكما على انفراد.

أيّده الجد كريم:
– انا اوافق قسورة القول.

تنهد قاضي القبائل قبل أن يقول بجدية:
– سينضم شيخ قبيلة الفهدي وشيخ قبيلة العرّابي وليبقى البقية هنا إلى نعود ونقرر ماذا سنفعل بهذه المسألة.


لم يخبرهم أحمد بصريح العبارة عن سبب تهجمه على ساري بل اكتفى بالقول إن ساري كذب عليهم في أمر هام كان بإمكانه أن يغيّر كل شيء.. ودافع عن نفسه بقوله ان عائشة كانت شاهدة حينما بالغ ساري في ضربه وعندما طلبت منهما التوقف لم يفعل ساري فواجهه ساري ودافع هو الآخر عن نفسه، قائلًا بحدة:
– من الطبيعي أن لا انصاع لكلام شقيقتي عائشة في حين انت تصرخ عليها امام رجال قبيلتي كلهم.. واي كان ما تتكلم عنه لا يخصك فإبقى بعيدًا عن حياتي الزوجية وانتبه لكونك زوج عائشة مع انك حقًا لا تستحقها.

  • ليس بهذه الطريقة يتم النقاش.
    هدر ابو مالك بعصبية قبل أن يستأنف، موجهًا كلامه لأحمد:
  • مهما كان السبب يا أحمد لا يحق لك ان تهجم على ساري في بيته.. هناك شيوخ وكبار كان بإمكانك أن تلجأ إليهم لا ان تتصرف من تلقاء نفسه.. كان بإمكانك أن تخبرنا ما هي مشكلتك ونحن نقوم بحلها.
    ثم أضاف وهو يتطلع إلى ساري:
  • وانت يا ساري انتبه بأي اسلوب تتحدث.. اسلوب التهديد لا ينفع.. وكلامي الذي قلته لأحمد موجه لك ايضًا.. هناك من هم أكبر منكما سنًا وهم المسؤولون عن حل النزاعات والخلافات.. وتصرفك بهذا العنف غير مقبول أبدًا.. واذا احمد صرّخ على اختك فهي زوجته وليس واحدة غريبة والرجل كان غاضبًا حينها وربما غير مدرك لما يخرج من فمه في لحظة غضب كحال اي رجل غاضب.. كان بإمكانك أن تزجره أو تعاتبه بسبب صراخه على اختك امام رجال قبيلتك على انفراد ولكن ليس امام كل الرجال.. بل والأدهى انك تضربه ايضًا!

طلب شيخ قبيلة الفهدي من ساري بعد أن أنهى قاضي القبائل كلامه:
– اذهب واحضر اختك وزوجتك.

ببرود قال ساري:
– لن أحضر زوجتي الى مكان يجلس فيه احمد.. اذا كنتم تريدون مني أن اجلبها يجب أن يخرج أحمد.

زم احمد شفتيه بغيظ وكره ثم هتف:
– زوجتك تكون ابنة عمي اذا لم تعرف بعد أو إذا كنت قد نسيت.

  • وذات مرة كانت أكثر من مجرد ابنة عمك.. ولا احد يعرف ماهية مشاعرك تجاه ما املك كما انا اعرف فلذلك لا تحلم أن يجمعكما مكان واحد في يوم من الايام.
    رد ساري بوجوم فقال والد ياقوت:
  • أحضر الان اختك.. وحينما تأتي ياقوت سيخرج احمد.

  • لا.. لن تخرج يا ساري.. احمد الان متزوج ولا يفكر بإمرأة متزوجة.. افهم ذلك رجاءا
    رفض ابو مالك بصوت صارم لتكفهر ملامح وجه ساري بشكل فوري وما ان حاول الاعتراض كان ابو مالك يقاطعه بصلابة:

  • ولا كلمة تُقال بعد كلمتي يا ساري.. اذهب ونفذ ما قلته لك فقط وحالًا.

انصاع ساري وغادر ليحضر شقيقته وزوجته احترامًا فقط لمن ستصبح شقيقته غزالة كنته بما أنه ذو مكانة مرموقة وذو مكانة خاصة والا ما كان سيوافق ابدًا ولكن لا احد يرد كلمة قاضي القبائل فكيف يفعل الان واخته غزالة ستصبح قريبا زوجة ابنه؟

بامتعاض قال ساري لياقوت وعائشة:
– لتضع كل منكما حجابها فالعم ابو مالك طبب حضوركما.

وضعت ياقوت حجابها ببرود وتساءلت:
– لماذا طلبنا قاضي القبائل؟

  • ستعرفين حينما تأتين معي فلا تسألي كثيرًا الان لأنني في هذه اللحظة نفسي لا اطيق.
    رد ساري بانفعال فقالت هدية بضيق:
  • لا تتحدث مع زوجتك بهذه الطريقة.. ما لا ترضاه لعائشة نحن لا نرضاه أيضًا لياقوت.

ابتسمت ياقوت في حين قال ساري:
– لعلّه خيرًا أمي.


طيلة اليوم وحسناء تشعر بالضيق الشديد.. تود أن ترتاح وتحمل.. قلقة من سؤال والدة ايهم عن موعد قدوم حفيدها فهي خائفة أن تكون لديها مشكلة ما ولا تنجب لأنها كانت متزوجة قبل ايهم ولم تحمل.. وام ايهم ترى أن عدم حملها حتى الآن غريب ويثير الشك.. مع انها لم تخبرها بصريح العبارة ما استنتجت هي من كلامها كي تجرحها وتحرجها ربما ولكنها فهمتها جيدا..

انتبه ايهم الى الحزن الذي يتألق بدل البهجة في عينيها فتساءل بقلق وهو يجلس بجانبها:
– هل انت بخير حبيبتي؟ تعابير وجهك الحزينة لا تعجبني ابدًا.. ما الذي يحدث معك حسناء حياتي؟

بابتسامة ناعمة غمغمت حسناء:
– انا بخير حبيبي.. فقط عرفت أن وهج حامل وأصبحت افكر متى انا الأخرى سأحمل منك وانجب طفلًا في غاية الجمال مثل زوجي الوسيم.

ضحك ايهم ملئ شدقيه قبل أن يقول بجدية:
– الله كريم حسناء.. متى سيرزقنا بالذرية الصالحة لا احد يعلم.. فقط توكلي على الله ولا تفكري كثيرا فكثرة التفكير ستؤرقك وتؤدي إلى تدهور حالتك النفسية.. وغير ذلك الحياة أمامنا طويلة باذن الله فدعيني اشبع منك قبل أن يزداد عددنا في يوم من الايام.. الان لا شيء غيري وغيرك سوسو.. حسنًا؟

اومأت حسناء بابتسامة واهنة قبل أن تدمدم بقلق لم تقدر على طمسه في جنبات قلبها:
– حبيبي ساسألك سؤالًا.. انت لن تفكر بالزواج قط من غيري إذ وقد تأخر حملي.. أليس كذلك ايهم؟

  • لا تقلقي حسناء.. غيرك من النساء لا اريد.. واخبرتك الان أن الله كريم.. وبإذن الله سيرزقنا الذرية الصالحة في يوم ما.. انت فقط ابعدي الأفكار السلبية عن رأسك وسيكون كل شيء بخير وكما نتمنى.
    قال ايهم بهدوء فعانقته حسناء، هامسة:
  • ان شاء الله ايهم.. سأفعل.

رفعت حسناء رأسها بخجل وهي تسمعه يغمغم بغزل ناعم:
– ارفعي راسك لأرى جمال روحي واتمكن من تقبيلها كما تستحق.


لقد عرفت أن والدتها قالت لأحمد ما اخبرتها اياه ولا تفهم حقا لما فعلت ذلك.. فلا شيء من الممكن أن يتغير الان.. تأخر احمد كثيرًا واي مما فعله مع ساري لن يغير شيئًا.. ولكن هذا لا يمنع أن تستغل ما يحدث لصالحها حتى تؤلم ساري فاستغلت ياقوت الموقف وقالت بثبات:
“انا ارى أن احمد محق برد فعله! ساري كذّب على الجميع وانا قد تم اهمالي ولم يتم احتوائي حتى اتجرأ واقول ان لا شيء حدث بيني وبين ساري.. واي رجل طبيعي كان سيكون رد فعله كرد فعل احمد وربما أكثر.. واذا هناك أحد فعلا يجب معاقبته أو لومه فهو ليس احمد مؤكدا”

لا يمكنها أن تنسى الابتسامة التي رسمها احمد على شفتيه بعد كلامها ولكنها تجاهلته كليًا وركزت على الاهم.. على حدقتي ساري التي تطلق شررًا يهدد بحرق الاخضر واليابس!.. غضبه ارعبها لوهلة وخافت أن يؤديها بعد ما تفوهت به امامهم.. خشيت أن يذلها أمامهم ولكنه لم يفعل بل قبضته اليمنى كانت ترتجف من شدة الغضب فقط..

لا تدري ما الذي حدث بعد أن دافعت عن احمد ضده وبررت تهجمه على ساري فكل تفكيرها وكل حواسها كانت مشغولة بدراسة رد فعل ساري.. ما قالته قد يسبب لساري العديد من الخسائر.. واكبر خسارة لدى ساري العرابي الذي يكون زوجها هي تنازله لأحمد الفهدي واعتذاره منه بالإضافة إلى ما قد يقرره قاضي القبائل..

قعدت ياقوت بجانب عائشة التي كانت صامتة بشكل غريب بعد أن خرجتا الاثنتان وتركتا الرجال يتفاهمون فيما بينهم لإخماد القنبلة التي قد تنفجر في أي لحظة أو ربما لتفجير القنبلة بأسرع ما يمكن! ولكنها متأكدة أن ساري سيخرج من اي شيء بأقل الخسائر فساري ذكاءه خبيث مليء بالمكر.. لا شيء يؤثر عليه ولا احد يقدر على مكره.. عداها هي قريبًا جدا..

وكان تتوقع ياقوت صحيحًا فساري تمكن من تبرير سبب خداعه لهم بقوله..
“انتم بالتأكيد لم تكونوا تتوقعون أن اذل نفسي امام كل الرجال واقول انني لم المس زوجتي.. انا لا احب أن أعلن شؤون علاقتي الزوجية للعلن.. ياقوت امرأتي وذلك لن يتغير ابدًا.. ومن المخجل جدا أن يأتي احمد بعد كل هذه الأيام ليتشاجر معي بسبب موضوع خاص وحساس كهذا الموضوع.. وانت يا ابا احمد تفهم قصدي بوضوح”

بعد أن غادر الرجال المجلس صعد ساري الى جناحه حيث تقف ياقوت بجانب النافذة المفتوحة تشاهد رحيل رجال قبيلتها ورحيل شيوخ القبائل ثم خلال لحظات شعرت بوجوده في جناحهما وسمعت صوته الجهوري لتستدير وتواجهه بعد أن انتفض جسدها:
– ياقوت…

قضمت ياقوت شفتها السفلى بعنف بينما نظراتهما تتصادم وتتشاحن كجنود معركة طاحنة.. جسدها يرتجف والوشاح الذي يغطي كتفيها يتطاير بسبب الهواء البارد الذي يدخل من النافذة المفتوحة..
بكل خطوة يقترب منها تترسخ قدماها في الأرض تحتها اكثر.. ليست خائفة بل متوترة.. مرتبكة.. اقصى ما يمكن أن يفعله هو ضربها.. وهي لم تعد تخاف الضرب أو الصراخ ابدًا..

أجل هي أخطأت بدفاعها عن احمد ووقوفها بجانبه أمام شيوخ القبائل.. ولكنها لم تدافع عن احمد محبة به بل لتذل ساري.. ونجحت بإثارة جنون ساري وهي تدافع عن خطيبها السابق ضده.. ضد زوجها!
شعرت بيده الضخمة تمتد لتحيط بمؤخرة رأسها فرفعت حدقتيها الجامدتين ولم تحيدهما عن عينيه الشرستين المقهورتين.. ورغم كل صلابتها ارتجفت قبضتها التي تكورها وهي تسمع همسه القريب من اذنها:
– تدافعين عن رجل حقير تخلى عنك ضد زوجك!

كان قريبًا جدًا منها.. قريبًا الى حد مخيف بل مرعب! همساته كفحيح الافعى ونظراته كجمر سعير لا خلاص منه.. وبثبات جاهدت ياقوت الحفاظ عليه غمغمت:
– انا لا ادافع عن أي منكما.. لا انت ولا هو يهمني.. ولكن…

قاطعها بأنفاسه الحارقة التي تلفح وجنتها واذنها:
– ولكن ماذا؟ معرفتك سبب تهجمه على زوجك وفي منزله وقبيلته رفع من غرورك يا عرابية وبلسم القليل من قهرك.. أليس كذلك؟

اغمضت ياقوت عينيها لوهلة قبل أن ترفع قبضتها لتدفعه قليلًا عنها بينما تقول بجمود:
– لا لم يبلسم اي شيء بعد.

ضغط قليلًا على مؤخرة رأسها فكتمت تأوهها وهي تشعر بشفتيه الساخنتين على خدها تتحركان وهو يهمس:
– لا أود أن اضربك أو اعاقبك بما تستحقين حقًا لأنك لن تتحملي نوبة غضبي الحالية اطلاقًا.. فماذا تقترحين ان افعل معك؟

  • اتركني فقط.
    ردت ياقوت بلهاث فغمغم ساري وهو يترك مؤخرة رأسها ليضع يده على خصرها:
  • لا اقدر.. فماذا افعل؟

  • انتحر!
    ردت ياقوت بقوة واهية فابتسم ساري بلؤم:

  • سوف أخذك معي لننتحر سويًا عندما اقرر الانتحار.
    ثم استطرد بتساؤل غاضب:
  • لماذا دافعتِ عنه يا ياقوت؟ ها؟

  • لأنني أريد أن اؤلمك.
    ردت ياقوت بتوتر فسألها ساري بنبرة مبهمة:

  • فقط بسبب ذلك؟

  • أجل فقط.
    غمغمت وهي تتململ لتبتعد عنه ففاجأها بل صدمها وهو يهمس في اذنها:

  • اذًا سأفكر بالعفو عنك اذا كان هذا السبب فقط.

أردف ساري وهو يشعر بجمودها بين ذراعيه:
– هل تعرفين لماذا؟ سأخبرك الان.. لأنني لم اتألم أبدًا بل غضبت فقط فحاولي مرة أخرى يا ياقوت.. ربما تنجحين وربما انا اساعدك فبتُّ حقًا اكره حقدك وصار يهمني اكثر رؤية جوانبك الأخرى ولكن التي تتمحور عني فقط.

تجاهلت ياقوت ما قاله بسؤالها:
– هل اعتذرت؟

رد عليها ساري بغرور:
– ليس ساري العرابي من يعتذر يا ام كليم!


بعد يومين..
احست خنساء بصدرها يضيق.. بأنفاسها تنحسر.. هناك رائحة قوية تخنقها.. شيء ما يحترق.. دخان وشرارات رمادية تقترب.. ما الذي يحدث يا الله؟! هل منزلها يحترق؟!
نهضت بصعوبة عن السرير ويدها تحيط ببطنها برعب.. التقطت بأنامل مرتجفة وشاحًا اسود اللون وغطت به شعرها ثم ببطء خرجت من الغرفة لتشهق بفزع وهي ترى أن الحريق يأتي من مجلس الرجال الذي في بيتها.. هناك أحد في المنزل غيرها وقسورة ليس هنا! المنزل سينهار وربما ستموت هي وطفلها..

كتمت خنساء أنفاسها المرعوبة بينما دموعها تنهمر على خديها لتلوثهما بكحلها الاسود.. عادت الى الغرفة بخطوات بطيئة.. لا يجب أن تصدر اي صوت والا ستكشف وجودها وربما تُقتل.. حاولت أن ترتدي عباءتها بأسرع ما يمكن وهي تضع يدها على فمها وانفها.. تخشى أن تختنق ويتأذى طفلها.. رباه لقد كانت تود أن تنام.. لقد كانت على وشك أن تغفو ومنزلها قيد الاحتراق!..

نزلت خنساء إلى الاسفل وكل خلية في جسدها تنتفض من شدة الخوف.. تريد فقط أن ترى وجه الذي يحرق منزلها هي وقسورة قبل أن تهرب.. يجب ان تفعل قبل أن تفر هاربة ليقبضوا عليه..
حاولت أن ترى وجه المجرم ولكنه كان ملثمًا والدخان يغطي المجلس.. ابتلعت صرختها وطمست انهيارها وهي تتوجه إلى الباب الرئيسي بينما ترجو الله أن يحفظها هي وطفلها..

نجحت بفتح الباب دون أن ينتبه لها.. وفور أن رأت بعض الرجال والنساء المارين بجانب منزلها صرخت بانهيار:
– ساعدوني! ساعدوني يا ناس! هناك رجل في منزلي يقوم بحرق المنزل.. قسورة اريد…

لم تكمل بقية كلماتها ففجأة تم جذبها الى الداخل من قِبَل ذلك الرجل الذي يحرق بيتها لا سيما وأُغلق باب المنزل بعنفوان.. وبلمح البصر كانت تفقد وعيها وهي تقع على الأرض بسبب صفعة قاسية هوت على وجنتها يليها ضربة عنيفة على مؤخرة رأسها بينما هرع بعض الرجال لفتح الباب دون جدوى..

خلال عدة دقائق كان قسورة يصل راكضًا يتبعه جده ووالد خنساء.. واول ما فعله فور وصوله هو كسره لباب المنزل بينما قلبه يزمجر برعب على خنساء وطفله.. وما ان تمكن من خلع الباب تفاجأ بخنساء ملقية على الأرض، فاقدة الوعي لكل ما حولها بينما مجلس الرجال الذي في منزله يحترق..

كاد قسورة أن يقتل احدًا ما بسبب ما يحدث والأهم في منزله ولكن جل ما يهمه حاليًا هو خنساء وطفله والاطمئنان عليهما.. يجب أن ينقذهما والا سيفقد عقله..
صرخ قسورة بعصبية:
– والله لأعرف من الفاعل وموته سيكون على يدي.. حاولوا أن تقوموا بتطفئة الحريق حالًا.. لعن الله المجنون الذي تجرأ وفعل هذه الجريمة في بيتي وبزوجتي.

  • اهدأ يا قسورة وخذ خنساء وتعال الى منزلي لنتأكد من كونها بخير هي والطفل وبعد ذلك سنبحث عن الفاعل.
    قال والد خنساء فوافقه الجد كريم:
  • افعل ما قاله عمك الان يا قسورة وانا سأهتم بما يجري هنا.. اذهب يا قسورة حالًا والطبيبة ستكون خلفك بعد دقائق.

انصاع قسورة لكلامهما وغادر حاملًا خنساء بذراعيه وهو يدعو الله ويرجوه أن يحفظها هي وطفله.. على الأقل أن يحفظها هي واذا فقد طفله الله سيعوضهما بغيره.. لا زال لم يرضيها بعد كما تتمنى.. يجب أن يحقق امنياتها.. يجب أن يسعدها كما تحاول أن تسعده دائمًا.. هو يحتاجها بجانبه.. هي زوجته ومصدر قوته بقوتها وذكائها ومكرها.. هي خنساء.. خناس حبيبة قلبه وحبيبة بيته..

فور وصوله إلى منزل اهل خنساء برفقة عمه استقبلتهم والدتها بفزع يليه بكاء حاد على منظر وجه خنساء الاسود بسبب دخان الحريق بالإضافة إلى بعض الدماء التي تغطي وجهها..
خلال دقائق معدودة كانت طبيبة النساء الخاصة بالقبيلة تدخل هي والداية.. فاضطر قسورة أن يخرج من الغرفة التي وضع خنساء بها حتى تقوم الطبيبة والداية بعملهما.. وبينما النساء في داخل الغرفة وهو وعمه خارج الغرفة توالت طرقات عنيفة على باب المنزل ففتح قسورة الباب ليتفاجأ بشقيقه الصغير يقول:
– لقد رأيت من حرق منزلك ومن قام بأذية خنساء يا قسورة! لقد رأيته…

  • من يا عمران؟ أخبرني حالًا.. من ذلك الحقير؟
    تساءل قسورة بلهفة شرسة فرد عمران بلهاث:
  • لن تتوقع من يا قسورة.. وسيم العثماني!

 

error: