رواية عشق ليس ضمن التقاليد للكاتبة أسيل الباش

الفصل التاسع عشر
إليكِ حبيبتي..
رسائل الحب والغرام،
واجمل الكلام..
فحاولي الغفران 
وتحلي بنعومة الكمان..
إليكِ يا حبيبتي..
القلب الذي يزعزع الجبال
والقوة التي تُفتت العظام
وفي ذراعيك الرجل يكون
طفلًا يتهجأ الكلام..
إليكِ فقط كل الورود..
والعشق الموعود..
إليكِ انا والحب
الذي بين الجفون
وعلى ناصية الوعود..


بعد الرد الذي نطق به قسورة القى وسيم نظرة حارقة غاضبة عليه قبل أن يهم بالمغادرة فيردعه ساري بإمساكه لكتفه برفقٍ رجولي بينما يقول بهدوء:
– ربما قسورة محق بما يقوله يا وسيم.. غضبك منه ومن عائلته حاليًا اعمى.. ولكن ثق دائمًا أن ما حدث حقًا افضل لابنة شقيقتك.. ومن تجربة اقول هذا الكلام.

ابتسم وسيم باستهزاء:
– لأصمت يا ساري.. لأصمت فقط.

  • لا تصمت.
    قال قسورة بجدية فحدجه وسيم بنظرة ساخطة حارقة وهتف:
  • اذا لم أصمت سأقتلك وأقتل شقيقك اللعين.. الأفضل أن أبقى صامتًا.

اقترب منه قسورة فأنزل ساري يده ووقف يشاهد ما يحدث بهدوء..
– ليس ذنب شقيقي.. كان ظلم لهما أن يتم الزواج.. ابنة شقيقتك صغيرة وشقيقي اصغر منها.. ليس ذنبه إذ كانت مريضة وليس ذنبها أنه كان صغيرًا ولا زال.. كلام الكبار ما كان يجب أن يتم.. ولو انني لم أقف وامنع زواجهما كانت كارثة ستحدث.

بعصبية شديدة امسك وسيم بقميص قسورة وصاح غير مكترث لوجود اي احد:
– اللعنة عليك وعليهم.. لقد كادت أن تموت وشقيقك التافه يختفي يوم الزواج.. لماذا لم تهتف بذلك قبل يوم الزفاف؟ ما الفائدة الان وهي كالمجنونة صارت وتحاول كل مرة قتل نفسها؟

دفعه قسورة بعنف وهدر:
– انتم مجانين ام ماذا؟ هل تعلم كم كان يبلغ عمران عندما أردتم أن يتزوج ابن شقيفتك؟ كان في الرابعة عشر من عمره فقط! طفل ولا زال طفل! لا زال عمران صغيرًا.. وابنة شقيقتك كم عمرها كان حينها؟ هل اذكرك؟ كانت في السابعة عشر من عمرها! كل ما كان سيتم جنونًا!! والأدهى من كل ذلك ابنة اختك لم تكن حقًا في كامل قواها العقلية والصحية.. فكيف لا أفعل ما فعلته؟

  • لم اكن لأسمح أن يتم زواجهما فعليًا قبل أن يكبر شقيقك قليلًا.. ولكنه كان قرار هام يخص القبيلتين.. وجدك رفض رفضًا قاطعًا إتمام زواجها منك.. وحينها كان شقيقك الآخر مسافرًا.. لم يكن أمامنا اي خيار آخر!
    صرخ وسيم بغضب وقهر فلم يتدخل اي احد عدا ساري الذي هتف بجدية:
  • كفى فضائح.. تشاجرا في مكانٍ لا يصبح بسببه كلامكما واسمكما على كل لسان.

بعنفوان زمجر وسيم:
– الكلام منتهي بيني وبينه الا في حال إتمام زواج عمران من غالية رغم كل ما بها!

برفض حاد هتف قسورة:
– مستحيل! لست مجنونًا لألقي شقيقي الصغير في الهلاك.. غباء تفكير الكبار لن انفذه ولو كنت على فراش الموت يا وسيم!

  • إذًا تزوجها انت وعالجها وبعد ذلك لك كامل الحرية اذا تطلقها أم لا.. فلا أحد سيتزوج بقايا امرأة!
    قال وسيم بنبرة قاسية ساخرة فرانَ الصمت للحظات طالت.. زواجه من أخرى لإنهاء العداوة وقتله من أخرى! خنساء لن تترحم عليه حتى!
    دون تفكير قال قسورة بصوت جاد:
  • لا! مستحيل أن اتزوج على امرأتي.. مهما كان السبب امرأتي تكفيني ولست جاهزًا لحرق قلبها فوق ما هو محروق بسبب فقدان طفلنا.. زوجتي لا تستحق.. أفضل أن تستمر عداوتي مع كل القبائل ولا أقهر زوجتي! اعذرني يا وسيم لا اقدر!

ابتسم ساري بخبثٍ وهو يفكّر..
“كما توقعت.. لستِ بهينة يا خنساء الفهدي.. جعلتِ قسورة الفهدي لا يرى سواك كما لا أرى إلا ياقوت.. والله انك كالأفعى.. ليس على تربيتك خوفًا بوجودك أو ببعدك.. فمثلما يقول المثل (تمسكن حتى تمكن) وانتِ هكذا تمامًا.. يا ليت ياقوت تتعلم منكِ!”

لم ينتظر قسورة رد وسيم عليه فلا يهمه حقًا.. ليفعل ما يشاء ولكنه يعلم جيدًا أن عليه الآن حراسة شقيقه عمران.. فيخشى أن يؤذيه وسيم.. ولكن مهما حدث هو يبقى السبب وليس عمران.. والان بعد رده على طلبه لا بد أن أعصاب وسيم تكاد أن تفلت وتحرق الاخضر واليابس..


اضطربت خفقات غزالة بعد أن انفردت أخيرًا بزوجها فؤاد.. خائفة ومتوترة اكثر مما يجب.. ربما لأن تجربة زواجها الاول لم تكن جيدة إطلاقًا.. ولكنها تثق بفؤاد.. ليست لأنها تعرفه بل لأنه ابن قاضي القبائل وبالإضافة إلى ذلك صديق الرجال كلها.. معروف من هو فؤاد ابن قاضي القبائل..

قرأت غزالة بعض الآيات القرآنية لتهدئ نفسها وتخمد نيران توترها وهي ترى فؤاد يقرأ بكتاب ما لا تدري ماهيته.. كانا قد انهيا صلاتهما معًا وبدّل كلاهما ثيابهما.. ولكن بعد ذلك انشغل فؤاد بكتاب ما يقرأه وقد أثار بالفعل استغرابها وتوجسها..
بعد ما يقارب النصف ساعة ترك فؤاد ما بيديه وتطلع إليها باهتمام فاقم من ارتعاش اناملها وخفقان فؤادها فأنزلت غزالة رأسها بخجل وارتباك ليدنو منها فؤاد ويقعد بجانبها على السرير.. وبلطفٍ سألها:
– هل تعرفين ماذا كنت اقرأ؟

رفعت غزالة وجهها وهزت رأسها بنفي فإبتسم فؤاد وقال:
– كان ذلك كتابًا اهداني إياه والدي صباح اليوم.. وطلب مني أن لا أقرأه الا بعد أن تصبحي في منزلي.

عقدت غزالة حاجبيها وقد خفً توترها قليلًا:
– ولماذا؟ ماذا كان محتوى الكتاب؟

  • كان عن الزواج وطرق التعامل الزوج مع زوجته.. بإختصار كتاب ثقافة ولكن عن الزواج.
    رد فؤاد بهدوء فتخضبت وجنتاها وتمتمت بتفكير:
  • لا اصدق أنه فقط كان عن هذا الموضوع.

  • صحيح.. ذكية كما توقعت.
    غمغم فؤاد بإعجاب وهو يرفع يده ليضعها على خدها.. فإزدردت غزالة ريقها وهي تحارب مخاوفها كي لا تفر هاربة مما سيحدث خلال هذه الليلة فتجربتها السابقة مهما حاولت أن تنساها لا زالت محفورة بعمق في ثنايا عقلها..
    ابعدت غزالة وجهها قليلًا فإقترب فؤاد منها بعبثٍ وهمس:

  • مؤلم حد الجنون لقلبي أن يكون كل هذا الجمال لي وحدي الا أنه يبتعد عني!

تفشت حمرة الخجل اكثر في سائر وجهها حتى صارت تضاهي الشعلة النارية باحمرارها.. إبتسم صفوان كمسلوب الإرادة والحواس ورغمًا عنه تاقت شفتاه لتذوق نعومة وجنتيها المخضبتين.. فبرقة امسك فؤاد كتفها ليقرّبها إليه ثم قبّل خديها بنعومة وغمغم بصوت اجش:
– اشهى من الشهد.. جميلة حد الالم.

  • فؤاد..
    همست غزالة بتوتر شديد فقال فؤاد بحنو:
  • إنسي فقط.. ابن القاضي مستحيل أن يخذلك.. انت زوجتي حتى الممات يا غزالة.. لقد ظُلمتِ وانا اعرف.. وبكامل ارادتي وافقت على الزواج بك.. وانا كلي ثقة انك افضل من اي امرأة أخرى.. يكفي انك غزالة العرابي.

حينما وضع فؤاد رأسها على صدره دمدمت غزالة برجاء:
– انا خائفة.. لا تكن مثله فتقتلني.. والله لن احتمل.. ارجوك!

  • ششش… فكّري بي فقط.. مرت سنوات عديدة يا غزالة.. انا الاول والاخير في حياتك.. اول واخر رجل يطئ باب مملكتك.. لا تحرميني من الجنة غزالتي.
    همس فؤاد بنبرة جعلت كل مخاوفها تضمحل.. روحها تنشرح.. كلماته أنعشت ما كان مقتولًا.. مدفونًا تحت وطأة ذكرى سببت لها الام لا تُنسى.. غزله ورقته أوهنا خفقات قلبها ليس توترًا وانما تأثرًا.. حلمها وقد تحقق.. هي ليست تحلم الان.. حياتها تتغير والذكرة السيئة ستُنسى وتُدفن بعيدًا..

قبلاته تبعزقت على وجهها.. بنعومة ورقة.. بتفهم وحنان.. بحب قبل أن يكون رغبة.. حب دافئ سببه إعجابه بها وبما يعرفه عنها.. لم يراها الا قليلًا ولكن بذرة الحب الصغيرة هذه ستمنو في قلبه حتى تصبح شجرة ممنوع منها الدنو.. شجرة حب تخص غزالة العرابي فقط..
دموعها بللت شفتيه.. بهجةً اكثر مما هي خوفًا وخجلًا.. ا إستوطن روحها قبل جسدها منذ ليلتهما الأولى معًا.. تاهت بغزله وتاه هو الآخر في محراب جمالها حتى صارت بكل ما فيها ملكه.. ليس زوجها الاول ولكن هو الأول في نظره ونظرها.. الاول امام العالم كله.. وليجرؤ اي شخص في الوجود ويقول إنه ليس رجلها الأول.. فبراءتها هذه ورقتها القاتلة كانت له هو فقط.. يغار فقط لأن غيره رأى ما هو ملكه.. لأن غيره لمس ما تاق له.. ويا ليته الحقير كان يستحق امرأة كغزالة.. الجمال والرقة والنعومة.. ولكن الان والى الأبد كل هذه الاشياء له..


هطلت دموع حسناء على خدّيها وهي ترجو الله أن يكون سبب تقيؤها هو الحمل لا شيء آخر.. منذ البارحة وهي تتقيأ وترغب حقًا بزيارة والدتها لتخبرها ما يحدث معها، عسى أن تُبهج قلبها ولكن أيهم مشغول جدًا في العديد من الأمور.. وها هي منذ الصباح تتقيأ للمرة الثالثة ربما وأمام ايهم الذي كان على وشك الخروج للعمل..
عاد ايهم أدراجه إليها وقال بقلق:
– وضعك لا يُطمئن يا حسناء.. تجهزي حالًا لأخذك الى منزل اهلي حتى ترى والدتي ما بك.

بوهن ردت حسناء:
– اريد امي.. خذني إليها.

  • حسناء منزل اهلي اقرب.. دعينا نطمئن اولًا عليك وبعد ذلك سأخذك أينما تريدين.
    هتف أيهم بجدية فهزت حسناء رأسها وغمغمت ببكاء:
  • لا اريد اي احد سوى امي.. ارجوك يا ايهم! انفاسي باتت تضيق من المنزل.

  • لا حول ولا قوة الا بالله العظيم.. اذهبي يا حسناء الان وافعلي ما قلته.
    رد ايهم بحزم فنفذت حسناء سريعًا ما قاله.. كانت المسافة بعيدة نسبيًا بين منزله ومنزل اهل حسناء ففضّل ايهم أن يأخذها اولًا الى منزل أهله وبعد ذلك إلى منزل أهلها.. وبالفعل فعل ما أراده وسط سخط حسناء وبكائها الذي يرى ان لا حاجة له.. وفور أن دلفا الى منزل أهله ارتمت حسناء بصدر والدته، وقالت ببكاء:

  • خالتي علياء اخبريه أن يأخذني إلى منزل اهلي.. انا اريد امي.. اريدها.

  • بسم الله الرحمن الرحيم.. اجلسي يا حبيبتي وسنتحدث.
    قالت علياء بلطفٍ ليهتف أيهم بحيرة بسبب بكائها:

  • امي هل كل النساء تبكي اذا اخذهن زوجهن إلى منزل أهله قبل أن يأخذهن إلى منزل والدتهن كحسناء؟

ابتسمت علياء:
– أخبرني ما خطب زوجتك كي تبكي هكذا؟

  • منذ البارحة وهي تتقيأ وتبكي وتريد والدتها.
    قال ايهم بحنق فضحكت علياء:
  • يا رب! إن شاء الله حامل زوجتك يا حبيبي.. إذهب لتحضر الداية حتى نتأكد.

  • الله يسمع منك يا أم قسورة.. سأغادر حالًا.
    هتف ايهم برجاء وهو يبتسم قبل أن يغادر..
    رفعت حسناء رأسها وهي ترجو الله ان يُحقق الله لكلام والدته وتكون حقًا حاملًا.. وإستجاب الخالق وأسعد قلوب خلقه وتعالت الزغاريد والمباركات..

لثم أيهم جبين حسناء وهمس بحنو:
– مبارك لنا يا روح ايهم.. عسى أن تلدي سالمة وبصحة كاملة.

ببكاء الفرح غمغمت حسناء:
– يا الله لك الحمد والشكر على فضلك.. انا اريد امي يا ايهم.. انا مشتاقة لها حد الجنون.. اريد أن اخبرها.. خذني إليها.. خذني حالًا.

رد ايهم بابتسامة:
– بعد أن تأكلي شيئًا ما سأخذك يا قلبي.


لأول مرة تفتح ياقوت عينيها بسبب قبلات توالت على بشرة وجهها الناعمة.. تململت بعدم استيعاب لثوان قصيرة قبل أن تتسع عينيها بخوف سرعان ما طمسته في ثناياها بينما تقابلها عيني ساري العابثتين..
إزدردت ياقوت ريقها حالما شعرت بأنامله تتحسس بشرة وجهها بشغف بان بلمساته وبصوته الهامس:
– صباحك بطعم الشهد كمذاق بشرتك المثملة بشهدها.

ابعدت ياقوت يده بضيق جاهدت أن لا تظهره بينما تقول بابتسامة ناعسة:
– صباح النور يا ابا كليم.. على ما يبدو انك استيقظتَ مبكرًا اليوم.

قعد ساري بجانبها على السرير ورد بابتسامة عابثة قبل أن يلثم جبينها وخدّيها:
– لم اعرف كيف انام بسبب تفكيري طيلة الليل بالنوم في منزل شقيقك الكريم يوسف.

ابتسمت ياقوت بخبثٍ صباحي ودون أن تدري كانت نجوم سماؤها تضيء بطريقة مغرية لعيني ساري المتلهف لأي حركة منها..
– سيفرح يوسف لسماع هذا الكلام.

  • أنا متأكد من ذلك.
    قال ساري بغموض بينما حدقتاه تتأمل ملامحها الشرسة بطبيعتها دون حدود فعقدت ياقوت حاجبيها بتوجس قبل أن تردف ببساطة لا تمت لها بصلة:
  • الا يجب أن نشتري له هدية حتى نبارك له؟

  • سنفعل.
    رد ساري بهدوء فقالت ياقوت بابتسامة وهي تمد له راحة يدها المنبسطة:

  • انت اعطني المال الذي بحوذتك وانا سأتصرف بهذا الأمر.. دعني ارى كرمك.

وضع ساري يده بيدها فاحتقن وجهها بضيق شديد وقبل أن تهم بجذب يدها كان ساري يضغط عليها برفق ويتساءل:
– هل تودين الذهاب الى السوق؟

همهمت ياقوت بتفكير قبل أن ترد بلؤم:
– بالتأكيد.. ولكن ليس سوق قبيلتك بل سوق قبيلتي.. خذني الى المتجر الذي اختطفتني منه! اريد رؤية شيئًا ما.

هل تستفزه؟ لا.. لن تفعل.. لن تجرؤ هذه الصغيرة على استفزازه وهي تعرف النتيجة التي سيؤول إليها حالها بعد أن تفعل.. فبهدوء قسري سألها ساري:
– لماذا تريدين هذا الجنون؟

غمغمت ياقوت بنبرة غريبة، غير مبالية:
– لإحياء الذكرى فقط!

  • لن افعل يا ياقوت.. لن اقوم بإحياء ذكرى تقهرك وتؤلمني.
    قال ساري بجدية قبل أن ينهض ويردف:
  • سنذهب إلى سوق قبيلتنا في طريقنا فقط.. ويوسف لم يتزوج بعد حتى نبارك له ولكن مع ذلك انا لا ادخل اي منزل فارغ الأيدي فسنشتري له أي شيء يعجبك من السوق.

إبتسمت ياقوت بسخرية والجمت ردها اللاذع بصعوبة.. لا يود احياء الذكرى لأنها تؤلمها!.. الا يدري ذلك القاسي أن تلك الذكرى فعلًا خالدة في طيات عقلها ولن تُحذف قط؟ لا يدري أبدًا على ما يبدو!
لم تنبس ياقوت ببنت شفة بعد رده بل اكتفت بالتوجه إلى الحمام لتغسل وجهها قبل أن تنزل إلى الأسفل لتساعد والدته هدية في بعض الأمور..


زمت خنساء شفتيها بضيق حالما إستيقظت ولم تجد قسورة بجانبها.. اذا ذهب إلى العمل قبل أن تستيقظ ستقتله حتمًا..
بخطوات بطيئة نزلت خنساء الى الأسفل لتجد قسورة ينظر أمامه بشرود.. فإقتربت خنساء منه وقعدت بجواره على الفراش الأرضي ثم بنعومة قبلت خده ووضعت رأسها على كتفه بينما تسأله:
– بماذا يفكر حبيبي؟

ابتسم قسورة لها بحب:
– مجرد بعض الأعمال الغير مهمة يا خُناس!

همهمت خنساء بتفكير ثم قالت:
– مثل ماذا هذه الأعمال؟ هذه أول مرة اراك شارد الى هذا الحد.. تبدو مهمومًا يا قسور.

تنهد قسورة بضيق:
– انا افكر في الحادثة القديمة.. هل تذكرين قصة زواج عمران القديمة؟

عقدت خنساء حاجبيها بحيرة:
– اجل.. ولكن لماذا تفكر بهذا الموضوع الان؟

  • فقط افكر يا خنساء.
    رد قسورة بانزعاج لم تفهم خنساء سببه فصمتت للحظات قبل أن تسأله:
  • ما الذي حدث ليلة البارحة؟ الشخص الذي كنت تبحث عنه لقد حضر زفاف فؤاد وغزالة البارحة وقد تشاجرت معه.. لماذا يا قسورة؟ هل بسبب عمران ايضًا؟

برفق رفعها قسورة ووضعها في حضنه بينما يرد:
– لعدة أسباب يا خُناس.

ابتسمت خنساء بحنو وهي تحيط وجنتيه بيديها..
– أخبرني يا قسورة.. ألستُ انا زوجتك؟

تأمل قسورة عينيها التي تفيض عشقًا والتي لو عرفت شرط وسيم ستطلق شررًا ناريًا.. الأفضل أن لا تعرف ما دام لا شيء سيحدث.. ولكنه قلق.. خائف على عمران.. خائف عليها.. حريق منزله وموت طفله.. المجرم المجهول.. كلام وسيم عن كونه سيتزوج أمينة.. لا يفهم اي شيء ومحتار.. الحيرة هذه ستخنقه حقًا.. ممن ومن يجب أن يحمي عائلته لا يدري!..

انزل قسورة يديها ليدفن وجهه في عنقها.. يتنشق أكبر قدر ممكن من عطرها.. اضحت رائحتها كالادمان له.. كيف بيوم وليلة أحبها وادمنها لا يعرف.. ولكن خنساء لبؤة استثنائية.. قوية وجبّارة.. ماكرة ومثابرة.. تحوم وتحوم حتى توصد الباب على أسدها وتسد كل الطرق في وجهه.. توصد الباب فقط على قلبه بعد أن تتغلغل وتوشم اسمها وشكلها داخله ثم تخرج بخيلاء وتتباهى بعظمة فكرها.. هذه هي خنساء زوجته..

  • انسي يا خنساء.. دعيني ارتاح.
    غمغم قسورة بتعب فإبتسمت خنساء ودست اناملها بين خصلات شعره بنعومة وهمست:
  • كما تشاء حبيبي.. لن اضغط عليك الان.

بعد دقائق طالت بعض الشيء رفع قسورة رأسه فهمّت خنساء أن تبعد يدها عن شعره ولكن قسورة سريعًا ما كان يلتقط يدها ليقبل باطنها..
ابتسمت خنساء بحب بينما غمغم قسورة:
– مشكورة يا لبؤة.

ضحكت خنساء بمرح قبل أن تهتف بجدية:
– قسورة انا اشك ان عزيز وأمينة هما السبب وراء ما حصل لنا ولكنني لا أود أن اظلمهما قبل أن أتأكد.

  • ومن أيضًا تعتقدين أنه ممكن أن يكون له يد بما حصل؟
    تساءل قسورة بجدية فردت خنساء تلقائيًا:
  • فواز العرابي.. لا ادري يا قسورة.. قلبي ليس مرتاحًا له.. ربما يكون قد اتفق مع عزيز وأمينة.. قلبي يخبرني أن هؤلاء الثلاثة هم السبب.

  • سأرى وفقًا لتفكيرك.
    همهم قسورة بتفكير غامض وعكست عيناه خطورة تفكيره.. ربما يكون كلام خنساء صحيحًا ويكون مخططًا منهم.. ولكنه منذ الغد سيبدأ تحقيقات مع عزيز فاليوم سيرى موضوع خطوبة وسيم من أمينة.. لا شيء يدخل الرأس ويتقبله العقل.. لا شيء!


في المساء..
إستفزت ساري نظرات يوسف له وكأنه لا يطيق وجوده في منزله وعلى وشك أن يطرده في أي لحظة.. ولكن مع ذلك ليس ساري العرابي من يتنازل ويستسلم.. سيبقى جالسًا على قلبه حتى يشلّ يوسف شلًّا.. ولكن ما لم يتحمله ساري حقًا هو قدوم عائلة ياقوت وبما فيهم معتصم فبالكاد ضغط على أعصابه وبقي مكانه.. وما جعله يصبر على وجود معتصم هو ياقوت فقط الذي يحيط بظهرها دون أي مبالاة لأي أحد منهم.. وياقوت إستغلت ما يفعله لصالحها حتى تقهر معتصم الذي قهر غزالة وتريه الفرق بينه وبين ساري رغم جرمهما الذي لا يُغتفر ولا يختلف.. فيستحيل ان تفضل حقارة شقيقها على المرأة التي وقفت بجانبها وكانت سندًا لها عندما لم يكن اي احد من عائلتها..
أراد ساري أن يرى زوجة معتصم الحالية ولكنه لن يلقي عليها ولو نظرة واحدة فزوجة المثير للاشمئزاز بالتأكيد ستكون مثله..

  • هيّا يا ياقوت لنعدّ العشاء.
    قالت ام ياقوت سماح بحنو فاومئت ياقوت في نفس الوقت الذي وقف فيه ساري وهتف ببرود:
  • انا سأغادر لأسلّم على شقيقتي والحاج كريم.
    ثم نظر إلى ياقوت واستطرد:
  • صحة وهنا حبيبتي.. لن اتأخر.

  • إن شاء الله.. أوصل تحياتي لهما.
    ردت ياقوت بإبتسامة بسيطة فهز ساري رأسه موافقًا وقال:

  • رافقيني الى الباب.

نفذت ياقوت طلبه وهي تشكر الله على ذهابه وبعد قليل بالتأكيد ستغادر عائلتها وبهذه الطريقة ستعرف كل شيء عن سبب الثأر والعداوة القديمة بين القبيلتين..
وقفت ياقوت بجانبه وقالت بمكر:
– لا تتأخر يا ساري.. ولا تنسى زيارة قسورة ايضًا فعيب أن لا تزوره بعد الذي حدث في منزله.

  • إن شاء الله.
    غمغم ساري قبل أن يضع يده على خصرها ويجذبها الى صدره ليقبّل جبينها وخدّيها فارتسمت على شفتيها ابتسامة صفراء وقالت:
  • مع السلامة يا ابا كليم.

  • انتبهي على نفسك حبيبتي إلى أن أعود.
    همس ساري بهدوء قبل أن يغادر..


لم تتأخر عائلة ياقوت كثيرًا في مكوثها في منزل يوسق فبعد ما يقارب الساعة من خروج ساري غادروا هم ايضًا..
نظرت ياقوت الى يوسف وامسكت يده بلهفة بينما تغمغم:
– لقد عرفتَ كل شيء.. أليس كذلك؟

  • انا يوسف الفهدي يا ياقوت.. بالتأكيد عرفت كل شيء… أنتِ اجلسي اولًا فالقصة طويلة وتحتاج هدوء كهذا.
    قال يوسف بإبتسامة مرحة فضحكت ياقوت بحماس وقعدت على الفراش الأرضي:
  • هيا يا ابن الحلال أخبرني.

قعد يوسف بجانبها وإستهل القول:
– هذا يا حبيبتي جد ساري فواز كان له شقيقة كما تعرفين تُدعى سليمة.. ووالدتهما تكون شقيقة والدة جدي كريم.. وهما يتيمان فمنذ الصغر تولّت أم جدي كريم رعاية اولاد شقيقتها بموافقة والد جدي الذي يُدعى فارس اي بإختصار والد جدي كريم قام هو الآخر بتربية فواز وسليمة.

  • أعرف هذه المعلومات.. هات الجديد.
    قالت ياقوت بنفاذ صبر فضحك يوسف قبل أن يسترسل:
  • المهم بعد أن كبر فواز وسليمة بدأ يظهر عليهما التغير وكان ذلك بسبب صداقة فواز مع أعداء قبيلتنا وأصحاب السوء.. وسليمة كانت معجبة بجدي كريم والله اعلم مثلما سمعت انها حاولت أن تقوم بإغراءه عشرات المرات لتوقعه في شباكها ولكن جدي لم يكن يراها الا كشقيقة.. فهما منذ الطفولة يعيشان تحت سقف واحد.. ولكن سليمة كانت تراه بطريقة مختلفة عنه كليًا.

تنهد يوسف وتابع بسخرية:
– والمرحومة كانت تدري ان لو احد عرف عن محاولاتها لإيقاع جدي في سحرها لا بد أنهم سيقتلونها.. ولو أن جدي كريم فضحها كانت ستموت دون أي تفكير أو جدال.. ولكن الشريفة هذه لم تكتفي بما فعلته فقد كانت تحب جدي كريم بأنانية وجنون ولتجعله يتزوجها اتهمته بأقبح شيء وهو الاغتصاب! لقد ظننت أن جدي سيتزوجها بسبب ما فعلته واتهمته بإغتصابها.

  • وهل تزوجها جدي؟
    تساءلت ياقوت بفضول فأجاب يوسف بهدوء:
  • حُكم على جدي أن يتزوجها أو أنه سيُنفى الى الخارج لمدة ستة سنوات وممنوع الدخول الى اي قبيلة.. وهي كانت حقًا ذكية وخبيثة فما أن اخبروها بقرار القاضي رفضت بانهيار مزيف بحجة انها خائفة منه ومرعوبة ولكنها كانت تريده.. واعتقدت أنهم سيجعلونها توافق فبالتأكيد جدي سيختار أن يتزوجها.. ولكنه خالف كل توقعاتها برفضه للزواج بها، قائلًا أنه يفضل تنفيذ الحكم عليه بدلًا أن يتزوج امرأة مثلها.. وهنا فقد فواز عقله وتشاجر معه بعنف قبل أن يخرج جدي من القبيلة ويقضي ستة سنوات خارج القبيلة ظلمًا.

ترقرقت الدموع في مقلتيك ياقوت وغمغمت بحسرة:
– يا قلبي يا جدي.. اصعب احساس هو الظلم.. تابع يا يوسف.. تابِع.

أخذ يوسف نفسًا عميقًا وأردف:
– بعد أن انتهى الحكم عاد جدي الى القبيلة وكانت سليمة لا تزال غير متزوجة بسبب الفضيحة التي سببتها لنفسها بيدها.. فلا أحد من القبيلة وافق على الزواج من واحدة أُغتصبت.. وفي ذلك الوقت كل أصدقاء فواز كانوا من اكثر الناس قذارة وأصحاب سمعة سيئة.. وقد كان فواز يستغل املاك وأموال جدي فارس بطريقة إستغلالية بشعة.. وكان جدي فارس في حالة صحية سيئة للغاية وعلى وشك الإفلاس.. والقبيلة كلها كانت على وشك الانهيار فقد تشتتت حقًا بسبب افعال فواز.

إبتسم يوسف بتهكم مرير وإسترسل:
– وبعد أن عاد جدي طلب فواز منه بكل صلافة الزواج منه سليمة فهو لم يكن يعرف أن هذه خطة من شقيقته التي تحب جدي كريم.. فواز كان يعتقد أن جدي فعلًا اغتصب سليمة.. وهنا بعد طلب فواز ورؤيى جدي كريم للأضرار التي اقبلت على القبيلة إعترف بالحقيقة.. وقال عن محاولات سليمة للإيقاع به.. ودون أي خجل وبلسان مظلوم طلب أن يدعوها تتزوج من رجل من خارج القبيلة لا يعرف عنها شيئًا.. واذا كان عذراء فهو بريء واذا لم تكن فهي زانية ووضع يده على القرآن الكريم وحلف أنه لم يمسها وأنه لا يقول الا الصدق..

  • وكانت زانية، أليس كذلك؟
    سألته ياقوت بقهر فومضت عينا يوسف بحقد وهو يرد:
    -آجل.. بعد أن تزوجها ذلك الغريب فضحها وقال إنها ليست عذراء فقاموا بقتلها لأنها زانية.. ففقد فواز عقله واتهم جدي كريم ووالده فارس أنهما السبب وان كل ما حدث من تأليفهما ولكن لم يعيره اي احد اهتمام.. لم يعد يرى فواز الخطأ من الصح بسبب موت شقيقته الوحيدة وبسبب السموم التي قام ببثها أعداء القبيلة الذين أصبحوا أصدقاء فواز.

  • وهل عرفوا مع من زنت؟
    سألته ياقوت بنبرة انجلى بها تعبها وحزنها فوضع ساري يده على يدها وغمغم بحنو:

  • آجل مع رجل من خارج القبيلة ولكن لحسن حظه كان قد توفى أثناء الفترة التي قضاها جدي في الخارج.

  • تابع يا يوسف.
    همست ياقوت بنبرة شجية فاستأنف يوسف:

  • مع كل الذي حدث كان فواز لا يزال يعيش في منزل والد جدي فارس ومعه جدي كريم.. وهنا بدأت العجائب.. أصبح فواز يتسبب بفعل افظع المشاكل فطرده والد جدي سليم بعد أن تسبب بمصيبة كبيرة أمام الجميع.. وتقريبًا تم اهانة كرامة فواز أمام الجميع فعاد فواز الى قبيلة والده وأثبت نفسه فيها.. ومع مرور الوقت بدأت تكبر العداوة اكثر واكثر حتى وصلنا الى هذا الحال الذي نحن عليه.. هذا هو سبب العداوة يا ياقوت.
error: