رواية عشق ليس ضمن التقاليد للكاتبة أسيل الباش
خذيني معكِ الى أي مكان
وان كان بلا حياة..
خذيني معكِ برحلة
امدها اطول من العمر..
خذيني معكِ الى مقصورة
العشق السرمدي ولنجعل
كل ليلة من ليالِ الحكايات..
تشبثي بيدي ولا تفلتيها
فقلبي لن يسمح لك بالفرار..
ستكونين دومًا امرأة تحتل
وطن الفكر والحب..
ستكونين دومًا اسيرة
ملاحقاتي وتحكماتي..
ولن تحلمي يومًا بالنجاة من
الغرق وانت في سفينة القبطان..————————
أطلق ساري شهقة استنكار وهو يرفع ساقه حتى يحمي جسده من المقعد الخشبي الثقيل الذي رمته خنساء الفهدي عليه.. وسرعان ما كان يتأوه حالما ارتطم المقعد بساقه بينما يتوغل الى اذنيه صراخ خنساء الهائجة:
– يا ابن الملعون.. اريد ان اقتلك.. يجب ان تموت.. كيف تتجرأ وتخطف ابنة عمي؟ كيف يا حقير؟للحظة لم تستوعب ياقوت هجوم ابنة عمها خنساء على ساري بهذه الضراوة.. حتى انها لم تعرف بوجودها قبلًا.. توسعت حدقتاها بصدمة وخنساء تهم بالهجوم على ساري بأظافيرها كلبؤة شرسة فسارعت لتمسكها خوفًا عليها وهي تهتف:
– خنساء اهدأي ارجوك.. ماذا تفعلين؟- من هذه المجنونة؟
تمتم ساري بغضب استوطن خلاياه فصاحت خنساء بشراسة وهي تحاول دفع ياقوت التي قامت بالتشبث بها بقوة:
– سأريك من هي المجنونة ايها الحيوان.
قالت ياقوت برجاء وهي تتطلع الى ساري:
– ارجوك أخرج الان.
هتف ساري بتهكم وعناد:
– ولماذا عليّ ان اخرج بينما هذه المجنونة هي من اقتحمت…
قاطعته خنساء بإهتياج:
– تجرأ وانعتني بالمجنونة مرة اخرى لأشرب من دمك يا ابن العرّابي.
ابتسم ساري بغضب شرس فقالت ياقوت برجاء مرة أخرى ومن دون وعي:
– ارجوك ساري أخرج لآجلي!
إمتثل ساري لطلبها وخرج متجاهلًا بإزدراء خنساء التي لا تتمنى اي شيء بقدر ما تتمنى قتل هذا الكائن الذي قام بإختطاف ياقوت وقهر شقيقها أحمد..
بعد ان خرج أفلتت ياقوت خنساء وهمست بوهن:
– خنساء انا متعبة وبحاجة للراحة لا لشد الأعصاب.
تأملتها خنساء لثوانٍ ثم غمغمت:
– انا آسفة لكل ما حدث معك.. ما كان يجب ان تعودي اليه بعد كل ما فعله معك.. ولكنك كنتِ مضطرة بما إنه حكم القاضي والشيوخ.
ارتسمت على شفتي ياقوت شبه ابتسامة مرتجفة متألمة:
– لا ينفع الندم الآن يا خنساء او الحديث حول ما قد تمّ فعلًا بلا فائدة.
أخذت نفسًا عميقًا كما لو انها تختنق.. تحتضر.. وأردفت:
– أحمد صار صفحة سوداء قديمة في حياتي.. لقد تخلى عني بسهولة.. لن أعود اليه يومًا.. لن أعود اليه ابدًا يا خنساء.. هل تفهمين مقدار جرحي وساري يقصّ عليّ بالتفصيل ما فعله شقيقك امام قاضي وشيوخ القبائل؟
ضاق صدر خنساء حزنًا لحال ابنة عمها وصديقتها الا انها لا يمكن ان تتقبل كون خنساء تفضّل ساري على أحمد.. اطلاقًا لن ترضى بهذا الشيء..
قالت خنساء بحنق واضح وهي تُجلس ياقوت التي تكاد تفقد وعيها على الكنبة:
– ساري العرّابي الحقير ليس بأفضل من أحمد يا ياقوت.. هل نسيتِ انه سبب بعدك عن أحمد وسبب حزنك؟ كيف وافقتِ على اتمام الزواج ولم تهربي؟
رفعت ياقوت يديها لتضعهما على وجنتيها تستند عليهما وهي ترد بجفاء قاسي:
– لا يا خنساء.. ساري ليس بأفضل من أحمد.. هما الإثنان اسوأ من بعضهما.. أحمد بتخليه عني وبزواجه من أخت ساري.. وساري بكل ما فعله بي.. أعدك انني سأنتقم ذات يوم من كل شخص جرحني ولو بكلمة.
ثم رفعت رأسها وهتفت ببرود إندس في صوتها فجأة:
– ولا يحق لك استجوابي او سؤالي عن اي شيء ابدًا يا خنساء.. لا يحق لأي أحد منكم فعل ذلك.
مطت خنساء شفتيها بعدم رضى لتسألها ياقوت بجمود:
– كيف اتيتِ الى هنا؟
– أتيت مع قسورة.. وتركني مع النساء وعرفت انك هنا من زوجة القاضي التي طلبت مني الدخول اليك بعد مغادرة ساري ولكنني كنتُ غاضبة بعد ان عرفت صباح اليوم كل ما حدث وانت تعرفين البقية.
ردت خنساء بتبرم فهزت ياقوت رأسها بتفهم:
– لقد فهمت وشكرًا لقدومك ولكن ما كانت هناك حاجة لفعل ذلك.. إذ ان أمي لم تأتي فكيف سأنتظر قدومك؟
– أمك متعبة قليلًا يا ياقوت.
دافعت خنساء عن والدة ياقوت فغلفت القسوة المريرة قلب ياقوت وهي تقول:
– لا بأس.. حينما يخصني الأمر الكل سيمرض او سينشغل.
– انتِ تتصرفين وتفكرين بغباء الآن.
قالت خنساء بإستياء لتهمس ياقوت بضعف لم ترضى ان تظهره:
– عندما تعيشين ما عشته سأسمح لكِ بإنتقادي ولومي.. ولكنك زوجة قسورة الفهدي فما من خوف عليك وانتِ زوجته ومحبوبة الجد أيمن الذي يفضلك عن الجميع.
فغرت خنساء فاهها بصدمة ثم تمتمت بإستنكار:
– هل تغارين مني يا ياقوت؟ هل غيّرك ساري الى هذا الحد؟!
– الدنيا تُغيِّر كثيرًا يا خنساء.
قالت ياقوت ببرود فقضمت خنساء شفتها السفلى بعصبية محاولة ان تتمالك نفسها وتتفهم المعاناة التي عاشتها ياقوت بإختطافها وبعدها عن القبيلة..
همست خنساء اخيرًا وهي تضع يدها على بطنها:
– انا حامل يا ياقوت.. ألن تباركي لي؟
إبتسمت ياقوت بمشاعر متناقضة وقالت:
– مبروك.. عسى ان تلدي سالمة.
*****************
تقف عائشة أمامه بفؤاد يرتعش كورقة بالية.. تتطلع الى الأرض دون ان تتجرأ لترفع حدقتيها اليه.. كانت خائفة متوترة.. واتمام زواجهما بهذه السرعة لا تزال غير قادرة على استيعابه.. لقد نطقت حقًا بموافقتها على الزواج منه ولكنها تتألم.. لآجله ولآجل ياقوت.. لا تفهم كيف يطلب الزواج منها وهو يعشق ياقوت! كيف تخلى عنها بهذه السهولة؟ اين حبه الذي كاد ان يقتلها بسببه؟
– إرفعي رأسك.
أمرها أحمد بنبرة باردة كالصقيع فإرتجفت بضعف وكأنه يجتاحها بلكمات ضارية! ثم رفعت رأسها له بتوتر ليقول بجمود:
– لا بأس بك!
عقدت عائشة حاجبيها بعدم فهم ليبتسم أحمد بقسوة مريرة:
– ها قد أصبحتِ زوجتي يا ابنة العرّابي.
ازدرمت عائشة غصّة متشبثة بحلقها بصعوبة وهمست:
– انت تظلم نفسك فقط.. ما كان عليك الزواج بي وانت تحب ياقوت حقًا كما تقول.. انا اعتقدت انني سأتزوج من يوسف.
– اخرسي!
هدر أحمد بفحيح لترتد عائشة عدة خطوات الى الوراء بخوف لا ارادي فيتابع أحمد بعنفوان:
– تلقين كلماتك وكأنك ملاك بريء يهتم حقًا بمشاعري تجاه زوجة شقيقك الذي سرقها مني.
احتد لهيب أنفاسها وأحمد يدنو منها، ساحقًا المسافة التي حاولت خلقها بشتى الطرق..
– انتِ وشقيقك الحقير دمار.. كارثة!
ثم أمسك مرفقها وقال بنبرة غاضبة موجوعة حد النخاع:
– ما يمنعني من الانتقام منك حقًا هو قسمي بألا أفعل.. وانني لستُ جبانًا كساري العرّابي.
قالت عائشة بنفور غير مكترثة لأصابعه الغليظة التي تلتف حول مرفقها كالعقرب:
– بل كلكم متشابهين.. وأحقركم معتصم الفهدي الذي هو أساس ظلم البنات.
– قلتُ لكِ ان تخرسي.
هزّها أحمد بعصبية فأغمضت عينيها لوهلة بألم ثم همست:
– لن أفعل أبدًا.. أتعرف إنني أشفق عليك فقط يا أحمد؟! أشفق عليك لأنك دمّرتَ نفسك بنفسك.
حاولت تجاهل قبضته المؤلمة وهي تستأنف:
– لقد أخبرني قاضي القبائل كيف كانت اجابتك هي الصمت حينما تم سؤالك اذ كنتَ ستتزوج بياقوت.. عقلك الشرقي لم يسمح لك لتقبل الزواج بامرأة تعشقها ولكن مسّها رجل غيرك.. وليس أيّ رجل بل عدوكم! وهذا ما ترفضه.
هسيس أنفاسه الذي يبثقها بوجهها أرعبها حقًا.. لقد كانت شجاعة اكثر مما تعتقد وهي تواجهه بالحقيقة.. ولكنها خائفة مهما حاولت التحلّي بالشجاعة.. قلبها صار يؤلمها وهي تنظر الى عمق عينيه الخضراوين بخوف وقلق..
لقد كانت محقة بما قالته وهو يعرف.. ولكن ان يعترف لها هي بذلك فهو حلم مستحيل لا يحق لها التكلم عنه او التفكير به…
هتف أحمد بخشونة وتهديد:
– انتِ تجعلينني أنسى قسمي.. فإنتبهي لما تقوليه يا ابنة العرّابي.. بعد ثلاثة أيام لقاءنا في منزلي وحينها لن أسمح لك بالتكلم حول اي شيء دون اذني.
– انتَ لن تؤذيني.
قالت عائشة بقوة زعزعت السواد الذي يُغرق عينيه ليحرّر ذراعيها..
– كلًا.. لن أفعل.. انا لن اؤذيك لأن الأذى هذه المرة سيكون من نصيب ساري العرّابي.
انقبض قلبها بغتةً وخوفًا على شقيقها فقالت بحدة:
– لن تقدر عليه.. انتَ لا تعرف من هو ساري العرّابي.. لن تقدر عليه ابدًا.. وانا لن أسمح لك ان تؤذيه.
ابتسم أحمد بلؤم ثم استدار ليخرج بينما يقول:
– بعد ثلاثة ايام سنتفاهم حول هذا الموضوع.. ولكن الآن وداعًا.
****************
– ماذا حدث؟
نطقت بها خنساء وهي تُسحب بخشونة فور ان خرجت من الغرفة التي كانت بها ياقوت.. تطلعت الى ظهر قسورة وهو يجرّها ليخرج بها من قصر القاضي ويدفعها وراء شجرة زيتون اخفتهما قليلًا عن العيون.. ابتلعت ريقها حينما استدار اليها بتعابير شرسة فأيقنت انه عرف بما فعلته بساري العرّابي..
ابتسمت خنساء بتوتر مجهزة نفسها لتخرج شخصيتها الماكرة كما كل مرة مع زوجها ولكن هذه المرة كان قسورة حقًا غاضبًا بعد ان عرف بسؤال ساري لجده أيمن عن امرأة وقحة تُدعى خنساء.. حينها لم يتمنى شيئًا سوى قتل ابن العرّابي لأنه تجرأ وفكّر بزوجته وبل نعتها بالوقحة..
كانت نار حارقة تلك التي هبّت في قلبه وغيرة مجنونة وهو يفكّر كيف نطق ساري العرّابي أسمها مجرّدًا.. وكأنها فتاة صغيرة عازبة لا امرأة متزوجة تحمل طفله!.. وكاد ان يبرحه ضربًا حقًا لو إن جده لم يخبره بعد مغادرة قبيلة العرّابي كما ولو انه لم يعرف ماذا فعلت زوجته بساري العرّابي.. وكم لام نفسه لأنه استجاب للشعلة النارية المتحركة على الأرض ووافق لها ان ترافقه بعد بكاءها ورجاءها له بكل دهاء ومكر..
هتف قسورة بعصبية:
– ما الذي فعلتيه؟ هل جننتِ يا خنساء وتودين جعلي أفقد عقلي عليك انا الآخر؟
زمت خنساء شفتيها وهي تبرّر ببراءة:
– كنتُ غاضبة يا قسور بسبب ما فعله النذل بياقوت ولذلك فقدت أعصابي وهجمت عليه بمقعد خشبي.
ثم أسبلت أهدابها وأردفت:
– كما وان يا قسور انا لم ألمسه بيدي اذ كان هذا ما يقلقك ويغضبك.. وابن العرّابي لن يتجرأ ويحاول رفع يده عليّ والا يعرف ما الذي سيحدث له سواء منك أو من زوجتك حبيبي.
تفرّستها حدقتاه لثوانٍ طويلة بعض الشيء قبل ان يدمدم بهسيس وهو يرفع يدها، ضاغطًا عليها بقوة:
– خنساء إياكِ والتدخل بما لا يعنيكِ.. وإياكِ ان ترفعي يدك على رجل مهما كان والا صدّقيني لن يعجبك رد فعلي الذي سيكون أقسى من ليلة محاولتك الهروب من القبيلة لتحقيق حلمك الغبي.
حرّرها سريعًا وتابع بتحذير:
– واياكِ والنسيان بكونك تحملين إبني.. إبن قسورة الفهدي.. وحسابك الطويل سيكون في المنزل يا خنساء.
****************
أقسى ما يكون ان تجد نفسك غريبًا وسط عائلتك.. وسط أقرب الناس الى قلبك.. إحساس مرير طعمه كالعلقم يفتك بالروح ويُفتت العظام بلا رحمة.. يُكدم الحلق ويحرق العيون..
تجلس ياقوت وسط عائلتها.. عيناها لم تتحرك عن يديها القابعان في حجرها.. سلامها لأمها كان حارًا ولكن بالنسبة لها كان باردًا غير كافيًا.. هي تحتاج ان تبقى أسيرة بحضن والدتها لأيام حتى تداوي بعدها عنها وحاجتها الملحة لها حينما كانت رهينة ساري العرّابي..
يومها كان صعبًا مرهقًا.. معظم نساء القبيلة اتوا ليروها.. الا انها لم تستطيع التجاوب مع احداهن.. لا تريد احدًا غير والدتها ولكنها مشغولة بالضيوف وبالتحضيرات لمراسيم الزواج قبل ان تعود مرة اخرى الى قبيلة العرّابي.. بل الى زوجها ساري العرّابي..
أقسى لحظة أوشكت على تدميرها هي لحظة لقاءها بأم أحمد.. رغبت بقتلها وهي تبصر الشفقة بعينيها والحزن.. ثم صدمتها وهي تعرف بالتجهيزات التي تحضّرها لكنتها عائشة التي كانت يجب ان تكون هي مكانها.. ودّت ان تصرخ بهن ليغادرن ولكنها لم تقدر.. كيف تطردهن وهي تشعر ان ما عاد لها اي مكان بينهن واي كلمة تقال لها تكون مجاملة بينما من وراءها ينعتونها بأقبح الصفات؟.. وتفكيرها كان صادقًا فبعض النساء كنّ يتكلمن من وراء ظهرها بينما أمامها وكأنهن يحببنها حبًا خالصًا..
بعد ان بقيت لوحدها مع والديها وإخوتها أحست بيد والدتها تمسك يدها وتهمس بحنو:
– إذهبي لتنامي بغرفتك يا قلب أمك.. الوقت قد تأخر وغدًا سيكون يومًا طويلًا.
رفعت ياقوت رأسها وتطلعت اليها ببرود ثم فعلت المثل مع شقيقها معتصم الذي عقد حاجبيه بعدم رضى قبل ان تنهض وتتمتم بجفاء:
– تصبحون على خير.
ولجت الى غرفتها لتتأملها لدقائق طويلة وكأنها عادت بعد غربة سنوات ثم بتنهيدة مأساوية تُقطع الأفئدة إرتمت ياقوت على فراشها قبل ان ترفع دثار السرير وتُغطي كل جسدها ضمنه وجهها.. وكانت هذه المرة الاولى التي تنام فيها على سرير لوحدها بعد فترة طويلة اعتادت فيها ان ينام ساري بجانبها رغمًا عنها..
أغمضت ياقوت عينيها محاولة ان تنام دون تفكير.. لا تريد التفكير انهم إستقبلوها بعكس توقعاتها.. لا تريد التفكير بوالدتها التي لم تسألها عن أي ما حدث معها وهي في قبيلة العرّابي بل كان جلّ اهتمامها الاعتناء بضيافة الضيوف وانشغالها بمراسيم زفافها..
****************
كانت صدمة لها ان يبعدها عنه وهي تضمه بكل جفاء وبرود.. حاولت ان لا تبكي امامه وهو يعاملها بهذا الجمود لسببٍ لا تدري ماهيته.. تطلعت حسناء اليه وهو يسير نحو غرفتهما دون ان ينبس ببنت شفة وهي الغبية التي قررت ان تسعده وتُحطّم كل حصون ماضيها التي تلتف حول قلبها لتبدأ حياة سعيدة معه..
ازدردت حسناء غصّتها بأشواكها اللاذعة ثم قامت بالسير نحو غرفتهما لتراه متكئًا بظهره على ظهر السرير، مغمض العينين..
إقتربت منه بإرتباك ثم سألته بنبرة مكتومة بعض الشيء:
– لا بد انك جائع.. فهل تريد ان تأكل؟
– لا.
أجاب ببرود لتتوجه للناحية الأخرى من السرير وتجلس بالقرب منه تمامًا حتى انها وضعت رأسها على صدره وقالت بحزن:
– انت تبدو مختلفًا كثيرًا يا أيهم.. هل اخطأت بحقك دون ان أقصد.. جفاءك هذا يؤلمني جدًا.
أبعدها أيهم عنه برفق ثم هتف وهو ينهض عن السرير:
– سأنام في المجلس.
– أيهم!
تمتمت حسناء بضيق ورجاء فإستدار ليتطلع اليها قليلًا وقال بجدية:
– ياقوت عادت الى القبيلة ومراسيم زواجها ستتم مرة اخرى.. بالإضافة الى زواج أحمد من واحدة من نساء قبيلة العرّابي.. لذلك يجب عليك تجهيز نفسك للمساعدة بما انك زوجة أيهم الفهدي قبل اي شيء آخر.
هزت حسناء رأسها بقهر وهي تفكر بما حلّ بالخطيبين العاشقين.. أيّ ظلم هذا؟ ودون وعي منها كانت تهتف كما لو انها هي من تعاني لا هما:
– لا.. حرام.. حرام.. أيّ ظلم هذا ليفترقا بهذا القسوة ويتزوجان بنفس الوقت؟
– النصيب والقدر.
ردّ أيهم بجفاء ثم زلف منها قاطعًا المسافة التي بينهما وأردف بينما يمسك ذقنها ويرفع وجهها اليه:
– النصيب يا حسناء الذي جعلك ايضًا زوجتي.. الظلم الذي تتكلمين عنه ليس له أيّ معنى.. فهذا النصيب والقدر.
بدا واضحًا لعينيها الدامعتين انه لا يقصد أحمد وياقوت بكلماته بل يقصدها هي.. فإحتقن وجهها وقالت مدافعة عن ما لا تعرفه او تفهمه.. فقط تتكلم بإندفاع محاولة ان تفهم تقلّبات زوجها المزاجية:
– لا هذا ظلم.. ان يُجبرا بالتخلي عن حبهما والزواج بشخص آخر انه لأكبر ظلم.
– تمامًا كما ظُلمتِ بزواجك مني.. اليس كذلك؟
باغتها أيهم بكلماته فإرتدت حسناء الى الوراء بعجز دون ان يفلت أيهم وجهها أو يخفف من وطأة أصابعه..
رمقته حسناء بتوسل.. على ماذا تحديدًا لا تعرف.. فوضع أيهم ذراعه حول ظهرها وقرّبها منه بخشونة دون ان تتمكن حتى من الإعتراض.. عينيه! رباه ما أجملهما! رسمتهما وبريقهما كنجوم سماء شديدة السواد..
للحظات بقيت عيناه تتفرس ملامحها دون هوادة.. بعينين تائقتين عاشقتين منذ الأزل.. ثم سرعان ما كان كل شيء يختفي وهو يرفعها قليلًا ليغرق كالشهيد في نبع عسل شفتيها.. كان يقبّلها كما لو انه يائس من النجاة.. يتمسك بها وكأنها الحل الوحيد الذي تبقى له..
طالت قبلتهما وحسناء تائهة بمشاعر شتى.. قربه منها يدغدغ أنوثتها.. برقته وتفهمه ونعومته بالتعامل معها.. ولكن الآن؟ وهي تجرّب الجانب الآخر لزوجها الفهداوي بحق عرفت ان زوجها متعدد الجوانب.. ونصف هذا الجوانب قاسية..
في البداية تردّدت بمبادلته وهو يداهم شفتيها بهذه القوة والعنفوان حتى استسلمت سريعًا له وتجاوبت معه.. إبتعد عنها أيهم بعد دقائق وأنفاسهما تتلاقى بلهاثٍ ليسند جبينه على جبينها ويغمغم بصوت اجش:
– سينفذ صبري ذات يوم يا حسناء أيهم.
إبتسمت حسناء بصعوبة ثم رفعت ذراعيها وعقدتهما حول عنقه وهمست بنعومة قاسية حد الجحيم على مسامعه:
– دعه ينفذ وانا بين ذراعيك أيهم.. انا زوجتك.. لك وحدك على الرغم من كل ما سبقني قبل ان اتزوجك.. اذا تزوجتني رغمًا عني مسبقًا فأنا الآن اعتبر نفسي تزوجتك بكامل ارادتي يا روح حسناء.
كلماتها كان لها مفعولًا عجيب عليه.. ان تعترف بنفسها وبكل رضى بصك ملكيته لها كان تأثيره قاتلًا على مشاعره.. فبلحظات تغيّر كل شيء.. حتى وعده لنفسه بجفاءها بعد ما رآه وسمعه اضمحل ليحل مكانه قلب يتحرك على الأرض مُفجّرًا مشاعره دون اي تريث..
****************
لعنت خنساء بصمت فور ان استيقظت ولم تجد قسورة نائمًا على السرير.. نهضت بكسل وهي ترجو الله ان يكون في المنزل ولم يغادر بعد.. فالليلة الماضية كانت متعبة حقًا بعد عودتهما من منزل قاضي القبائل ليشفق عليها ويؤجل حسابه لها حتى صباح اليوم التالي..
بحثت عنه بخطوات عصبية لتجده جالسًا على الفراش الأرضي كالعادة وفي يده مسبحته الطويلة..
دنت خنساء مسرعة منه ثم جلست بجانبه وهي تلّف يديها حول عنقه، هاتفة بضيق:
– لماذا نهضت قبلي يا قسورة؟ الا تعرف انني اكره ان تنهض قبلي؟
أغمض قسورة عينيه للحظات حتى يتفهم مزاجها بسبب الحمل ثم جذبها لتجلس على ساقيه وقال بجدية لا تقبل الجدال:
– انا انهض متى ما اردت يا خنساء.. ليست انتِ من تجعلني أسير على مزاجها.
تبرطمت خنساء بحنق:
– انا حامل ويجب عليك تفهم مشاعري والا سأعود الى منزل أهلي وأبقى به حتى تقرّر السير وفقًا لما أريده.
ثم ابتعدت عنه محاولة ان لا تتنشق رائحته بعمق ليبتسم قسورة بسخرية ويقول:
– من الجيد انني تذكرت.. ما فعلتيه البارحة كان يجب ان احاسبك عليك بعد عودتنا من منزل القاضي ولكن تعبك هو ما شفع لك.
– انا لستُ طفلة صغيرة لتعاقبني او تحاسبني يا قسور.
تمتمت خنساء بجدية حانقة فمرّر قسورة يده على شعرها الأسود الطويل وغمغم:
– صحيح.. لستِ طفلة ولكنك لهيب مشتعل وبحاجة الى من يخمد نيرانك.. وانا الوحيد القادر عليكِ.. ولذلك يا خُناس مهما بكيتِ وقاومتِ بمكرك ودهاءك لن أسمح لك بتكرار اي خطأ.. وبالنسبة لأشعارك ولما فعلته امينة سيتم الحساب عليه بعد انتهاء زفاف أحمد وزفاف ياقوت.
ثم رفعها بخفة وأجلسها بجانبه واضاف:
– جهّزي نفسك للذهاب الى منزل والديك لتساعدي بالتجهيزات لمراسيم الزفاف.. وانتبهي الى بطنك ولا تحملي اشياءًا ثقيلة كي لا تتأذين.
عقدت خنساء حاجبيها بغيظ:
– يهمك طفلك فقط وزوجتك لو ماتت لا يهم.. اليس كذلك يا قسور؟
التوى ثغره بشبه ابتسامة متعجرفة ثم قال بهدوء:
– وهذا الطفل منك يا خُناس.. فمثلما تهمني سلامته تهمني سلامتك وأكثر لأنه قطعة منك.
ابتسمت خنساء برضى:
– بدأت تعجبني يا ابا فارس.. أظنني سأكتب عنك قصيدة مساء اليوم لتجيد الجواب على اسئلتي دائمًا وتتغزل بي طيلة الوقت.
ضحك قسورة ملئ شدقيه وغمغم بإعجاب:
– اذ كان هناك امرأة مثابرة لا تعرف معنى الاستسلام على هذه الأرض فهي أنت يا خناس.. أرجو ان تكوني المرأة الوحيدة في العالم كله التي تحمل هذه الشخصية لأن ستكون كارثة حقيقية للرجال لو تواجدت امرأة غيرك.. خاصةً وان لا رجل مثلي.
قهقهت خنساء بسعادة على اطراءه لها ثم قبّلته بخفة على خدّه..
– مع انك كنت مغرور بما قلته الا ان لا بأس.
وبحركة سريعة انتصبت واقفة وهي تردف بينما عيناها تلمعان بسواد ليلة عاصفة تشع بالعاطفة:
– اليوم يجب ان أغيظ جميع النساء بحسني وجمالي وسأقهر كل امرأة.. وخاصةً أمينة التي أشك انها تريدك لها وتغار مني.
هتف قسورة بتهديد:
– خنساء ايّاك والتصرف بتهور لأنني سأعرف بكل شيء ستفعلينه…
تأففت خنساء وهي تقاطعه بحنق:
– حسنًا.. حسنًا.. لقد فهمت.
– اتأمل ذلك حقًا.
قال قسورة فتخصّرت خنساء وهي تحدجه بنظرات مغتاظة قبل ان تتوجه الى غرفتهما وتجهز نفسها للخروج..
****************
توترت ابتسامة وهج وارتعد فؤادها فجأة حينما سمعت بعض النساء يتهامسن فيما بينهن عنها.. الن يتركن أي امرأة وشأنها؟
غامت عيناها بعاطفة اجشة وهي تسمع احداهن تتساءل متى ستحمل.. رباه لم تفكر ابدًا ان يكون لديها طفلًا من صلبها! ولكن ما انتشلها من هذه العاطفة القاضية على اي همس شرير هو قول امرأة اخرى..
“رباه تعاني من اعاقة ما ولا تستطيع الإنجاب ولذلك زوّجوها من رجل متزوج ولديه طفلين بحجّة الإعتناء بهما.. ولا تنسوا اذا حملت بالتأكيد ستتغير معاملتها للطفلين اليتيمين.. ستظهر على حقيقتها بالتأكيد”
يا الله كم ترغب ان تجهش بالبكاء في هذه اللحظة.. هي لم تفكر يومًا بالطفلين الا كقطعة من روحها.. تحبهما جدًا والا ما كانت رضت بالزواج من صفوان..
وقفت بثقل ثم سارت تجاه احد الأطفال الصغار لتطلب منه ان يقول لصفوان انها تريد العودة الى المنزل.. ليس لديها اي جرأة لمواجهة كلام النساء.. هي لا تفضل التشاجر مع احد.. لطالما كانت رقيقة الفؤاد.. ولكنها تقسم انها ستثبت لهن كم هنّ غافلات مغفلات حينما تنجب ولدها من صفوان الذي لا زال لم يقربها بعد وستثبت لهن كيف ستعامل طفلها نفس معاملة طفلي صفوان..
خلال دقائق عاد الولد الصغير راكضًا ليخبرها ببهجة ان العم صفوان بالخارج ومعه طفليهما.. فدون ان تودع احدًا خرجت وهج من المنزل ليركضا الصغيران نحوها ويعانقاها فإبتسمت لهما بحنو ثم رفعت رأسها ونظرت الى صفوان الهادئ لتعزم على اخباره بكل كلمة سمعتها ريثما يصلون منزلهم..
بعد ساعة تقريبًا خرجت من غرفة الطفلين وتوجهت الى مجلس الضيوف حيث يجلس صفوان.. قعدت بجانبه لتسأله بهدوء:
– بماذا انت شارد او بماذا تفكر؟
– بك.
اجاب صفوان بصدق وهو يتطلع اليها بنظرات مبهمة عجزت عن فهمها.. فإبتلعت ريقها وكأنه صدمها بهذا الجواب.. ثم اردفت بإبتسامة بسيطة:
– وبماذا تفكّر بي؟
– ماذا تريدين ان تقولي؟ منذ ان عدنا والتوتر يغلف ملامح وجهك يا وهج.. اخبريني.
قال صفوان بجدية فرفرفت وهج برموشها لوهلة بحركة تدل على تفكيرها ثم غمغمت بضيق انجلى على ملامح وجهها البريء:
– انت محق يا صفوان.. انا…
– تحدثي.
حثّها صفوان بإبتسامة مشجعة فقصّت عليه ما سمعته من النساء بحزن وخجل.. للحظات لم تفهم اي من تعابير وجهه التي كانت جامدة قبل ان تشعر به يرفع رأسها وينظر بعمق الى اغوار مقلتيها العذبتين..
همس صفوان بجدية وقوة جعلت قلبها يئن بهجةً وشكرًا:
– انت تعرفين نفسكِ جيدًا يا وهج.. وانتِ بكل ما فعلتيه لآجل آيات والطفلين كبيرة جدًا بنظري.. يكفي انني اعرف من انتِ وأعرف من اي امرأة قد تزوجت.. هذا الكلام الذي سمعتيه لا يدل الا على الحقد والغيرة.. وانتِ تعرفين ان بعض النساء لا يهمهن سوى مراقبة هذا والتكلم عن ذاك.. وهذا هو حال الناس.. وانا اشكر الله انكِ لستِ منهن بل انتِ امرأة تتميز بالبراءة والنقاء الصافي.
ابتسمت وهج بخجلٍ ثم بعفوية كانت تعانقه ليتنهد صفوان بعمق ويقول بحزم:
– انا لا اريد لمسك دون موافقة ورضى منك يا وهج.. اريدك ان تعتبريني فعلًا زوجك عندما أقرر لمسك.. زوجك بكل ما للكلمة من معنى.. وحينها سيتغير كل شيء.
همست وهج دون تردد وبخجل:
– انا اعتبرك زوجي حقًا صفوان.. زوجي بكل ما للكلمة من معنى.
وحينها فقط أحاط صفوان وجنتيها بكفيه ثم أخذ شفتيها برحلة عبر الحدود التي توصل الى بلاد العشق والغرام..
*****************
ربما كان الوقت متلهفًا لانتهاءه حتى تأتي اللحظة الحاسمة التي ستُزّف بها لساري العرّابي.. ولكنها حقًا لم تكن ممتنة لإنتهاء الثلاثة ايام بهذه السرعة.. ما يؤلمها حقًا هو عدم قدرتها لتشكو الى والدتها معاناتها بل من كان ملاذها الذي فرض نفسه عليها ليسمعها هي خنساء.. خنساء التي قدمت ليلة أمس لتبثها دعمها وتزرع بها قوة شرسة وشجاعة متينة لا تقبل التزعزع.. وكم كانت ممتنة لها على الرغم من محاولاتها التحلي بالبرود قدر الامكان.. الا ان كل مقاومتها ضُربت بعرض الحائط لتنهار باكية بين ذراعيها بيأس وقهر..
لقد أغلقت النوافذ على كل من حولها عدا عن خنساء التي أقسمت لها انها ستزورها كل أسبوع ووعدتها بالدعاء على ساري بكل صلاة!.. ورغمًا عنها كانت ياقوت تضحك على غضب خنساء وتوعدها بضربه ذات يوم بإناء المطبخ الحديدي الذي تكرهه..
جدها ووالدها تحدثا معها الا انها لم ترد عليهما بكلمة على الرغم من محاولاتهما التي باءت بالفشل.. حتى والدتها صباح هذا اليوم ولجت الى الغرفة بعد ان تم تجهيزها كأي عروس تبكي، راجية الله ان يهبها السعادة الخالصة.. ولكن ضمن حديث امها لم تسمع كلمة “أخبريني”.. لم تسمع هذه الكلمة التي تحتاجها بحق والتي كانت تتمناها أكثر من اي كلمةأخرى..
تقابلت هي وعائشة التي كانت تبدو جميلة جدًا.. وكم غارت منها وهي تفكر انها صارت زوجة الرجل الذي كان يجب ان يكون ملكها.. ويصعوبة وبجدارة حاولت ياقوت ان لا تتمنى لها السوء او نعتها بكلمات جارحة فهي ليس لها اي ذنب..
انتشلها من كل هذا التفكير صوت أقدام الخيل والطبول التي تُدق.. الاحتفال بزفافها من ساري وزفاف أحمد من عائشة كان ضخمًا هائلًا يحضره معظم القبائل.. حتى الأعداء.. والولائم التي أُعدت كانت من أضخم وأشهى الولائم.. ربما كان هذا الزفاف من اكبر الزفاف على مرّ التاريخ في جميع القبائل..
تطلعت ياقوت بسخرية الى الفرس الأبيض الذي اهداه ساري لها وأحضره مزيّنا بطريقة احترافية.. وعليه تم وشم أسمها بحناء سوداء.. وكيف فعلوا ذلك؟ حقًا لا تعرف.. مهرها كان ذو ثمنًا كبير.. يديها مغطتان بآساور من الذهب الثقيل.. حتى ان شعرها تم تزيينه بالذهب.. الذهب كان يزينها بكثافة لدرجة انها وجدت بعض الصعوبة في التحرك.. ولم تهتم حقًا برؤيتهم وهم يلبسون عائشة الذهب او القطع الذهبية..
وفجأة اغمضت ياقوت عينيها وهي تسمع صوت اصلاق النار الصاخب.. رباه كم تكره هذا الصوت! تكرهه بجنونه كما تكره الخيل الذي يعشقه ساري والتي عرفت من والدته انه يحب ترويض الخيل..
بعد عدة ساعات و بعد انتهاء الزفاف فكرت ياقوت ان المكان التي ارادت الهروب منه ها هي تعود اليه مجددًا ولكن دون خوف او الاحساس بمصير مجهول.. كل شيء تمّ وفقًا للعادات والتقاليد.. زواجها منه الان شرعي ودخولها الآن الى منزله لا يحني رأسها خوفًا فقوة عظيمة معها.. سند الشيوخ والقاضي كلهم برفقتها..
احساسها تجاه ما يحدث هو الغضب والنفور.. رغبة عارمة بالانتقام منه واذلاله واذلال جده.. ذاك الرجل الذي تكره..
أحسّت ياقوت بيديه الضخمتين تديرانها اليه لتواجه عينيه العاصفتين بمشاعر شتى لم تستنبط اي من معانيها.. فابتسمت بسخرية:
– الآن انا حلالك يا ساري العرّابي.. ولكن بالله عليك اخبرني كيف كان احساسك وانتَ تُجبر على تنفيذ اوامر شيوخ القبائل دون ان تتمكن من الاعتراض؟
ابتسم ساري ويده اليمنى تحرّر كتفها لتمتد وتحاوط ظهرها بخشونة وتقرّبها منه دون ان يفصل بينهما اي انش.. وقبل ان تتمكن ياقوت من رفع رأسها ومواجهة عينيه الغريبتين كان ساري يرفع وجهها بنفسه بحركة حادة وينحني مقبّلًا اياها بشغف.. قبلة كادت ان تهشم فؤادها الذي يزمجر دون اي تريث..
لقد كادت ان تختنق وهو يقبلها بهذه الطريقة الهمجية التي لا تناسب الا ساري العرّابي بتملكه الريعاني.. حاولت دفعه بعيدًا عنها بنفور وكره الا انه لم يسمح لها وهو يقرّبها منه اكثر وكأنما يريد دفنها في ثنايا جسده..
ابتعد ساري عنها بعد لحظات وغمغم بصوت اجش:
– كان شعوري تمامًا كشعورك الآن وانتِ في حضني انهل من رحيق شفتيك دون هوادة.. ولكن الاختلاف انني كنت سعيدًا فالنهاية دومًا لصالحي.
ضحكت ياقوت باستخفاف رغم ارتعاد كيانها كله من قربه منها وعدم تحريره لجسدها.. ولكنها ابدًا ابدًا لن تضعف امامه.. لقد وعدت نفسها ووعدت خنساء بأن تتعلم من دهاءها ومكرها لتجعل ساري العرّابي خاتمًا في بنصرها تحرّكه كما تشاء انتقامًا وسخريةً منه.. وعلى ما يبدو ان الاثنتين قد تناستا ان ساري العرّابي ليس رجلًا يمكن جعله كما تريدان وتتمنيان..
– انا لا اشعر بأي شيء بين يديك.. لأنك لا شيء يا ساري بالنسبة اليّ!
همهم ساري بخفوت وتفكير متهكم ثم قال بابتسامة غليظة قاسية:
– كم درسًا اعطتك زوجة قسورة خلال هذه الأيام؟
– الفهداويات لا يأخذن الدروس يا ساري كما وانهن لا يعلمن الدروس.. فما ولدن به يحتفظن به لأنفسهن فقط دون اخذ او عطاء.
قالت ياقوت بهدوء وهي ترفع يدها الحرة لتضعها على شفتيها قبل ان تمسحهما بعنف وتهمس باشمئزاز:
– انا اقرف منك فقط.. للتو فقط ادركت ماهية شعوري تجاهك بالضبط يا ابن العرّابي؟
– جميل جدًا.
علّق ساري بكلمات مبهمة اثارت توجسها ثم سرعان ما كانت تصرخ بألم وهو يضمها بقوة تكاد تحطم جسدها الصغير امام وحشية جسده الضخم بينما تسمعه يقول بفحيح:
– اذًا اقرفي مني اكثر يا ياقوت.. دعي قرفك مني يخنقك الى ذاك الحد الذي يجعلك معتادة على التعايش مع قرفك مني.. فانتِ بعد الآن مكانك الوحيد لن يكون الا معي.. بين ذراعي.. كما وانك بعد الآن ستكونين ام الحفيد المنتظر.. ليس واحدًا وانما عشرة اولاد يا ياقوت.. فيجب ان تعتادي على هذا الاحساس.
– انت تحلم اكثر مما يجب يا ساري وقد تكلمتَ مسبقًا عن خيال الفهداويات باستهتار فدعني اسخر منك ومن احلامك المستحيلة يا ساري العرّابي.
هتفت ياقوت بكرهٍ وهي تحاول دفعه والهروب.. ولكن اين المفر بعد ان ولجت الى عرينه بموافقة من الجميع.. بموافقة عائلتها وقبيلتها؟
تعالى صوت انفاسها حينما لم يرد ساري عليها الا بجمود نظراته وارتعاشة بسيطة في طرف ثغره لا تدري اذ كانت غضبًا ام… لا تدري؟!
تركها ساري فجأة فارتدت الى الوراء لتقع على السرير المزيّن بورود حمراء لعروسين سيقضيان ليلة زفافهما.. تعرقلت قدماها بفستان زفافها فلم تقوى على النهوض بسهولة واقتراب ساري البطيء منها لم يساعدها ابدًا على تنفيذ ما تتمناه بيأس طفلة لا تزال مرعوبة من زوجها الذي خطفها وتزوجها قبل فترة رغمًا عنها..
– لا تقترب اكثر والا..
صاحت ياقوت بفزع لم تتوقع ان يكون بها بعد كل ما حدث فقال ساري بغموض:
– والا ماذا؟
– سأقتلك وأهرب!
ردت ياقوت بشجاغة كاذبة فقهقه ساري بمرح وعبث ثم سرعان ما كان يجذبها من خصرها ويرسخ يديها على صدره بينما يقبّلها بخشونة، غير ناويًا ابدًا بالتوقف.. فهذه المرة لا يوجد اي سبب سيمعنه من جعلها زوجته فعلًا كما يريد.. ولن يتواني ابدًا ليدمغ كل خلية بجسدها بأسمه لتفهم انها ملكه وحده.. حتى قلبها سيحتله وسيجعله ملكه..