رواية عشق ليس ضمن التقاليد للكاتبة أسيل الباش
إبتعد عني بقدر ما تشاء..
إذهب الى أبعد القارات..
أو الى أعماق البحار والبحيرات..
سافِر.. هاجِر..
إفعل المستحيل لتقاوِم..
تعلّم اللغات والثقافات..
وإفعل المستحيل، لتنسى ما فات..
ولكنني أعدك..
مهما حاولت وحاولت..
وقاومت وقاومت..
مصيرك إليّ ان ترجع،
متوسلًا العفو والسماح..
ولن أفعل!..————————-
لا تعرف ياقوت لماذا اضحكتها كلمات عمة ساري.. فأخذت تضحك بصوتٍ عالٍ وهي تفكر ان اكثر ما تريده هو ابتعاد ساري الكلّي عنها.. هي بنفسها مستعدة ان تبحث له عن عروس لينشغل بغيرها وينساها.. ولو تزوج مئة امرأة لن تبالي.. فكيف تهتم له او حتى تغار وهي تكرهه بجنون ولا تتمنى له سوى موته!أحسّت بيد ساري تُكمّم فمها بقسوة ليكتم صوت ضحكاتها الساخرة بينما يقول بجدية وهو ينظر الى عمته:
– انا لن اتزوج بغير ياقوت.. فأشكرك عمتي على قلقك بشأني ولكنني لا احب ان يتدخل اي احد بحياتي الشخصية.. وقريبًا جدًا ستباركين لياقوت بحملها.حاولت ياقوت ان تبعد يده المطبّقة على فمها دون جدوى.. فتعاظم غضبها منه لأنه يمسكها أمامهن بهذه الطريقة السخيفة للغاية لتخرمشه بشراسة وهي تسمع رد عمته المخنوق:
– لم اقصد حبيبتي التدخل بحياتك الشخصية فقط انا اقترح عليك لأنك تعرف كم احبك وكم تهمني مصلحتك.
بعد ان هدأت ضحكاتها أبعد ساري يده عن فمها فهدرت ياقوت بإستهزاء:
– هل تعتقدين انني سأهتم له اذا تزوج، وانك بهذه الطريقة ستذلينني؟
ومضت عيناها بحقد قد يحرق الكون بأكمله وهي تسترسل:
– بأحلامك فقط! اذا اردتِ انا سأبحث له عن عروس لأرتاح من قربه لأنني لا اطيقه! هل تعرفين كم اشعر بالإشمئزاز من الأساس لأنني قمت بالرد على تفاهتك!
شحب وجه صبحية وياقوت تهاجمها وتذلها بكلامها فأمسك ساري ذراع ياقوت بعنفٍ شديد وكأنه يريد بتر يدها ثم هتف وهو يكز على اسنانه بغضب:
– زوجتي غاضبة مني لأنني اضطررت ان اعيدها بعد ان وعدتها بنزهة جميلة.
ثم ابتسم بصعوبة وقال:
– أمي اعتني بهن جيدًا الى ان اعود.
ودون ان يسمع رد والدته جذب ياقوت بقسوة وتوجه نحو جناحهما.. فتقلقلت خفقات فؤادها المذعور مما سيحدث.. ستكذب لو قالت انها لا تشعر بالرعب منه ومن رد فعله بسبب أفعالها منذ الصباح.. إزدرمت ياقوت ريقها وهي تحاول ان تبث القوة والشجاعة في قلبها ولكن سرعان ما اضمحلت محاولتها البائسة حينما دفعها ساري بعنف على الأرض..
أطلقت آهة موجوعة قبل ان تنظر اليه بخوف اخفاه حقدها وهي تزمجر:
– جرِّب ان تؤذيني يا ساري واعدك ان تندم.
كشّر ساري عن إبتسامة شرسة ثم هتف بخطورة وهو يرفعها عن الأرض بعنف:
– تودين ان ترتاحي من قربي.. وتشعرين بالإشمئزاز لأنك قمتِ بالرد على تفاهة عمتي صبحية.. اليس كذلك؟
– آجل.. واشمئز من لمساتك ايضًا!
هدرت ياقوت بكرهٍ غير مبالية بما سيحدث لها.. وكما توقعت هوى ساري بكف يده على وجهها، صافعًا اياها بقوة جعلت الدموع تهرع الى حدقتيها.. نظرت ياقوت اليه وهمست ببغضٍ:
– اكرهك.. ولا اتمنى سوى موتك!
ثم بعنفوان اضافت:
– إذهب وتزوج فأنا لا اريدك.. لا احبك ولن افعل ابدًا.. انت صفحة سوداء في حياتي فقط.. فلا تحلم كثيرًا يا ساري العرّابي كمثل ان اغار او اتأثر بكلمات عمتك التي تكرهني.. انا لا اهتم ابدًا!
إبتسم ساري بقسوة ورد:
– ولكنني أهتم اكثر مما تتخيلين.. انا اريدك انتِ فقط لأخنقك بمحاصرتي لكِ.. ولأن يتوجب عليك وحدك التعامل مع نوبات غضبي.. وانتِ الوحيد التي يجب ان تكون والدة لأطفالي.
دفعها ساري على السرير وهو يتابع:
– هل فهمتِ الآن لما اهتم؟
– هل تحبني؟
ادهشه سؤالها الخبيث رغم الألم الذي ينبض به وجهها فإبتسم ساري بوحشية ومال عليها، هامسًا:
– لا تستنتجي كلامي بالطريقة التي تريدينها.. كل وجودك هناك سببه الثأر فقط.. رفضي الزواج بامرأة غيرك ليس لأنني أحبك بل لأنني أريد ان أنشغل بك فقط.
فكّ حجابها بهدوء بينما يتابع:
– وعليكِ ان تعرفي يا ياقوت انني لو اردت الزواج مرة اخرى فآخر من قد اهتم له هو انتِ ورأيك.. ولكن ببساطة انا لا استطيع ان اتزوج الآن.
ثم مرّر يده على شعرها الذي اسدله على ظهرها وقال بنبرة مظلمة:
– يجب ان تعتذري لعمتي.. كلّما يتضح لي ان نساء قبيلة الفهدي وقحات ولكن انتِ لم تعدي منهن ولذلك يجب ان أعيد تربيتك بنفسي.
ضربت ياقوت يده التي يمرّرها على شعرها وزمجرت بكرهٍ:
– لا عاش ولا كان الرجل الذي سيعيد تربيتي.. إذ كنتُ لا اعجبك فالحل بسيط امامك.. طلّقني وإبحث لنفسك عن زوجة أخرى تخضع لقرفك يا مجنون.. وبالنسبة لعمتك لن أعتذر.. وإفعل ما شئتَ يا ساري.
سرعان ما كان جسدها ينتفض وساري يصرّخ بصوت مرعب بينما يمسكها من شعرها ببعض القوة التي لم تتأثر بها كما تأثرت بصوته:
– لا تجبريني على فعل ما لا أطيقه ونفّذي ما اقوله لكِ.. لا أريد ان أضربك يا ياقوت فإنتِ لن تتحملي قسوة غضبي بهذه اللحظة.
الطريقة التي إتسعت بها عيناها وإرتجفت بها شفتاها نتيجة خوفها جعلته رغمًا عنه يتركها ويقول بعصبية يجاهد على التحكم بها:
– إفعلي ما قلته بهدوء لأنك ستعتذرين من عمتي إن وافقتِ أو لم توافقي.
تطلعت ياقوت اليه بمقلتين دامعتين وهتفت بقوة واهنة:
– لماذا عليّ ان اعتذر منها؟ هي من بدأت وهي قصدت ان تذلني.. انا اعرف انها تكرهني.
– لأنها اكبر منك بأكثر من ثلاثين سنة ربما.. لا يجب ان تتواقحي عليها في حين هي بعمر والدتك.
قال ساري بجدية صارمة لترشقه بنظرات تشي عن اختناقها.. تعرف انها في نهاية المطاف ستضطر ان تعتذر مرغمة.. يا الله كم ترغب ان تبكي.. ولكن ليس امامه.. ليس الآن.. بعد ان تختلي بنفسها ستسمح لدموعها بالإنهمار..
إرتدت حجابها مكرهة تحت قوة نظرات ساري التي تتابع كل حركة تقوم بفعلها.. وبعد ان انتهت قالت بنبرة جعلته يشفق عليها:
– أعدك ان تندم يا ساري العرّابي.
إبتسم ساري بخفة وهو يمد يده الى الأمام لتسير امامه ففعلت وهي تسبقه الى الأسفل.. وحمدت الله حينما لم ترى اي احد من عائلته عدا أمه فنظرت ياقوت الى ساري بإنتصار لم يلقي له ايّ اهمية..
– اين الجميع يا أمي؟
ردت هدية بتنهيدة:
– لقد غادروا بعد ان صعدتَ انتَ وياقوت.
اومأ ساري بهدوء بينما تنفست ياقوت الصعداء لأنها لن تضطر ان تعتذر الى عمته صبحية وتذل نفسها..
****************
إبتسمت خنساء وهي تشعر بقبلاته المتفرقة على وجهها.. تململت بنعاس وهي ترفع يديها لتحيط بهما عنقه فقرّبها قسورة اكثر منه ليغوص في ثنايا ثغرها كالغريق بينما يهمس بتقطع:
– أحبك.. أعشقك… لبؤتي الجميلة…
ضحكت خنساء بغنج وهي تقول بدلال:
– أمطرني بغزلك قسور حبيبي.. اريد المزيد.
– ماذا تريد ان تسمع بعد حبيبة قلبي وروحي؟
همس قسورة وهو يعود الى تقبيلها فتمنعت بدلع وغمغمت:
– اي شيء من ثغرك يسعدني يا قلبي.. يكفيني ان قلبك ملكي.
“انهضي ونظّفي الغرفة يا خنساء قبل ان اثور عليكِ!”
فتحت خنساء عينيها بفزعٍ لترى قسورة امامها والشرر يتطاير من عينيه فأدركت بغيظ شديد انها كانت تحلم.. فالوجه العابس ها هو يقف امامها في الواقع كالثور لينتشلها من قوقعة الأحلام الجميلة ويعيدها الى الواقع المرير بشخصيته التي لا تعرف معنى الرومانسية ابدًا..
حدجته خنساء بنظرات حارقة قبل ان تنظر حولها وتجد الغرفة كما تركتها ليلة البارحة متسخة رغمًا عنه ونامت.. فإستشاطت غيظًا وهي تهدر:
– الا تعرف كيف توقظني بطريقة رومانسية قليلًا؟ تبًّا لم أكمل الحلم بسببك!
عقد قسورة حاجبيه وتمتم:
– اي حلم هذا؟
– لا يخصك.
ردت خنساء بحنق ليزفر قسورة قبل ان يقول بحدة:
– انهضي ونظّفي الغرفة.. تغاضيت البارحة ونمت وسط هذه القمامة لأنك كنتِ نائمة بعد ان عدتُ من الخارج ولكن اليوم لا.
زمّت خنساء شفتيها وهي تود ان تبكي.. لماذا لا يكون رومنسيًا مثلما كان بالحلم؟ تود ان تبرحه ضربًا لأنه لم يسمح لها ان تفرح وتهنأ حتى الحلم!
لم يفهم قسورة سبب نظراتها الحاقدة والتي تحمل الكثير من الغلّ فهتف:
– ما بك تنظرين اليّ بهذه الطريقة منذ ان استيقظت؟
ردت خنساء بغضب:
– لأنني كنتُ نائمة في نعيم واستيقظتُ في جحيم.
إبتسم قسورة بخبثٍ وهو يقعد بجانبها على السرير:
– هل كنتِ تحلمين بي يا خُناس؟
تبرّمت خنساء بضيق ليضع قسورة يده على وجنتها، ممررًا إبهامه عليها بينما يتابع بإستمتاع بعد ان أيقن من انها كانت تحلم به:
– ماذا كنتِ تحلمين بي يا لبؤة؟ هل كنت أقبلك؟!
رفعت خنساء عينيها اليه بتوتر وكأن لسانها عُقد بمشابك تأثير سحر عطره ونظراته عليها.. فإتسعت ابتسامة قسورة الملتوية وبنعومة إقترب منها ليقبّلها فتجاوبت سريعًا معه خنساء وكأنها لا تزال غارقة في الحلم الوردي..
إبتعد قسورة عنها ليسألها بنظرات عابثة:
– ماذا كنتُ أفعل ايضًا في حلمك؟
ومضت عينا خنساء ببريق ساحر وهي تجيب:
– كنتَ تعترف لي بحبك وتتغزل بي.
رفع قسورة حاجبه بإعجاب ساخر قبل ان يقهقه بإستمتاع:
– وماذا ايضًا؟
إبتسمت خنساء بدهاء ثم همست بنعومة حالمة:
– كنتَ راكعًا على قدميك وانت ترجوني ان ابادلك مشاعرك واحبك كما تحبني.
– للأسف كان حلمًا فقط.. فبالتأكيد لن اركع لك!
قال قسورة بإستهزاء فطمست خنساء انفعالها قسرًا وهي تحيط عنقه بذراعيها، مغمغمة بدلال:
– لا أريدك ان تركع حبيبي.. يكفيني انك تحبني.. اليس كذلك قسور يا قلبي؟
إبتسم قسورة ببرود:
– بالتأكيد أحبك فأنتِ زوجتي.
ليمسكها احد ما كي لا تلكمه على وجهه! إبتسمت خنساء بشراسة قبل ان تصرّخ بطريقة جعلته ينفجر ضاحكًا:
– أخرج من الغرفة.. أخرج!!!!
نهض قسورة عن السرير بصعوبة وهو يضحك بقوة ثم قال:
– سأنتظرك في الأسفل.. فنظّفي الغرفة جيدًا.
وتنهد قسورة بعد لحظات ثم اضاف:
– سنزور اليوم أهلك وبعد ذلك سنزور جدي فلا تتأخري.
القى نظرة اخيرة على خنساء ثم خرج من الغرفة وهو يبتسم..
******************
دموعها تسيل مدرارا على خدّيها وهي تتذكر تفاصيل ليلة البارحة القاسية.. شهقاتها تخرج من أعماق صدرها وتمزّق روحها من شدة وجعها.. راقدة على السرير وهي تضم الدثار بقوة حول جسدها العاري.. لا تعرف اذا استيقظ ام لا ولكنها تتمنى ان لا يستيقظ ابدًا فكلمة كره لا يمكن ان تعبّر بما يكفي عن مشاعرها التي تكنها له في هذه اللحظة..
شعرت عائشة بيد أحمد توضع على ذراعها فإنتفض جسدها وهي تصرخ بعنفٍ باك:
– لا تلمسني.. إبتعد عني!
أبعد أحمد يده وهو يهمس بأسف:
– انا آسف يا عائشة.. لم أعرف ما الذي أصابني ليلة البارحة!
لم ترد عليه سوى بشهقاتها التي نهشت قلبه فنهض أحمد بضيق يقبع فوق قلبه وتركها لوحدها تبكي براءتها التي اغتالها.. تعرف انها زوجته وهذا حقه.. ولكن ليس بالإجبار.. لقد إغتصبها اذا صحّ التعبير! كان كالمجنون حقًا ولم يراعي براءتها ابدًا.. الحقير ما دام لا يحبها فلماذا لمسها؟ رباه كم تكرهه!
نهضت عائشة عن السرير بقلبٍ مكلوم ثم توجهت الى الحمام الصغير المرفق بالغرفة.. بينما في مجلس الضيوف حيث يجلس أحمد والندم يكاد يفتك به أخذ يستغفر الله عدة مرات وهو يحس بإختناق رهيب.. لا يدري ما الذي أصابه ليتصرف بهذه الحماقة والقساوة.. هي زوجته وما فعله ليس حرامًا ولكن بالتأكيد لا يحق ان يأخذ حقوقه منها بهذه الطريقة القاسية فقد كان بإمكانه ان يتروى معها ولكن وكأن تلبسه شيطان حينما هاجمته عائشة بكلماتها السّامة ولم يعد هو نفسه أحمد..
وضع أحمد يده على وجهه بتعبٍ شديد.. مقهور.. مخنوق.. منذ اليوم الذي أُختطفت به ياقوت صارت حياته كالجحيم تمامًا.. لا شيء بها يسعده.. فقط حزن وغضب..
يعرف جيدًا ان عائشة لا ذنب لها بما فعله شقيقها وهو يحاول.. يحاول ان ينسى من تكون ليعاملها بطريقة أفضل ولكنه لا يستطيع.. لم يقدر ابدًا.. كما وان عائشة لا تساعده البتّة وهي تهاجمه بكلماتها اللاذعة..
“اريد ان اذهب الى منزل أهلي”
كلمات عائشة الحادّة جعلته يزفر بآسى قبل ان يبعد يديه عن وجهه ويقول:
– سأخذك بعد صلاة الظهر.
ثم نظر أحمد اليها وإستطرد بينما يزلف منها:
– عائشة.. انا آسف.
أدارت عائشة وجهها الى الجانب الآخر بضيق فأمسك يدها وغمغم:
– انا اعتذر منكِ لأنني لم أراعي براءتك فقط.. ويجب ان تعرفي ما حدث ليلة البارحة كان يجب ان يحدث ليلة زفافنا.. ومع ذلك انا اعتذر منك لأنني كنت قاسيًا معك في حين ليس لكِ ايّ ذنب بكل ما حدث.. انا آسف.
انهمرت دموعها مرة أخرى ليجذبها برقة ويقبّل جبينها قبل ان يهمس:
– مبارك لي بك.
ثم تنهد واضاف:
– سامحيني على كل ما فعلته.. فأنا لستُ بكامل وعيي هذه الفترة.
وبهدوء شديد ترك أحمد يدها وغادر من المنزل بأكمله لتطلق عائشة آهة من عمق اغوار قلبها وهي تجرّ قدميها جرًّا لتجلس على احد المقاعد.. رغم كل ما فعله معها تشفق عليه.. رباه كيف تشفق عليه وهي تكرهه؟ هو لم يؤذيها بقدر ما أذى ساري ياقوت ولكنها لا تستطيع ان تنسى بسهولة الأيام التي مضت..
******************
إبتسمت وهج بخجل عبر المرآة الصغيرة لصفوان الذي ينظر اليها بحب وهو يلبسها العقد الذهبي الذي اشتراه لها.. إستدارت لتتطلع اليه بحدقتين مبتهجتين ثم بنعومة لفّت ذراعيها حول عنقه ووقفت على أطراف قدميها وقبّلته فوضع صفوان يده على خصره ليقرّبها أكثر منه ويبادلها القبلة بشغفٍ أكبر..
إبتعدت وهج عنه بوجنتين مخضبتين ثم همست برقة وهي تتحسس العقد الذهبي بأناملها:
– شكرًا كثيرًا صفوان.. انه جميل جدًا.. لقد أعجبني كثيرًا.
إبتسم صفوان:
– يليق بكِ كثيرًا.. لأنك كالورد تمامًا.
– أخشى ان اعتاد على هذا الدلال.
غمغمت وهج بتنهيدة عاشقة فقهقه صفوان وقال:
– يحق لكِ ان تتدللي بما انك زوجتي يا صغيرة.
هزت له وهج حاجبيها بشقاوة فجذبها صفوان الى صدره بخشونة وزجرها، قائلًا:
– انتِ تشاغبين كثيرًا مؤخرًا وهذا ليس من صالحك.
– بلى من صالحي.. والآن اتركني لأوقظ أدهم ومحمود كي توصلهما بطريقك الى منزل عمي طالب.
غمغمت وهج بإبتسامة ليتساءل صفوان بإستغراب:
– هل طلبا منك محمود وأدهم ان يزورا جديهما؟
– لا حبيبي.. ولكن يجب ان يزورا اهل آيات فهما الوحيدان من رائحتها ولا بد ان خالتي سوسن مشتاقة لهما.
ردت وهج بهدوء فإبتسم صفوان بفخر وقبّل جبينها بحب شديد ثم همس:
– لا بد انك هبة من الله لي ولطفلاي.. انا ذاتي لا أفكر بهذه الأمور بقدر ما تفكرين بها.. سأخذهما بطريقي ان شاء الله واعيدهما في المساء.
إبتسمت وهج بنعومة وقالت:
– انتم الآن كل حياتي فكيف لا افكر بكل ما يخصكم.
– هيّا أخرجي بسرعة قبل ان أحبسك بالغرفة.
قال صفوان ضاحكًا فخرجت وهج سريعًا وهي تبتسم بخجل على معنى كلامه الوقح..
******************
إكفهرت ملامح خنساء بشكل فوري وهي ترى أمينة وعزيز ووالديهما جالسين في مجلس الضيوف.. الآن فقط عرفت سبب احضار قسورة لها لمنزل جدها.. تطلعت خنساء اليه بغضب ليمسك قسورة يدها ويجذبها خلفه بينما ابتسامة متعجرفة تحتل ثغره..
سلّم قسورة على جده وجدته ففعلت خنساء المثل وتجاهلت البقية ثم قعدت بجانب قسورة ورشقت أمينة بنظرات وحشية دون ان تتأثر بوجود بعض الكدمات على وجهها..
طأطأت أمينة برأسها لترتسم على شفتي قسورة شبه إبتسامة تدل على إستمتاعه بغيرة اللبؤة الشرسة التي تجلس بجانبه قبل ان يهتف:
– أمينة ستعتذر منكِ يا خنساء.
كشّرت خنساء وهي ترد بحدة:
– إعتذارها مرفوض.. انا لن أسامح هذه الحقيرة ابدًا.
– أمينة نادمة يا خنساء ولقد تمّ معاقبتها بالفعل من قبل والدها على التصرف الأحمق الذي قامت به معكِ.
قال الجد كريم بهدوء ليردف والد امينة:
– لقد عاقبتها يا خنساء بعد ان عرفت من قسورة ما فعلته هي وعزيز ولذلك لم أقدر ان الوم زوجك بعد ضربه المبرح لعزيز.. وغير ذلك امينة ستتزوج قريبًا فسامحيها.
همهمت خنساء بتفكير قبل ان تقول بترفع مضحك:
– حسنًا.. دعها تعتذر!
– آسفة.
همست أمينة بغيظٍ فتطلعت اليها خنساء بعدم رضى وهتفت:
– ماذا قالت؟!
بصعوبة شديدة تمالك قسورة نفسه كي لا يبتسم وهو يسمع أمينة تقول بحقد:
– قلتُ لكِ إنني آسفة يا خنساء.
وقبل ان ترد خنساء بلسانها السليط قال قسورة بجدية وهو يتطلع الى عمه:
– لأجل جدي فقط يا عمي لم اؤذي ابنك أكثر.. فمن الأفضل ان يكون قد تعلّم الدرس جيّدًا لأنني لا أضمن ردود فعلي دائمًا.
– لا تقلق يا قسورة.. لا عزيز ولا أمينة سيكرران هذا الخطأ مجددًا.. انا واثق.
هتف الجد كريم بهدوء فإبتسمت خنساء بتشفي وهي تتطلع الى وجه عزيز المشوّه تقريبًا ثم غمغمت بدلال تعمدته:
– جدتي ظهري يؤلمني بسبب الحمل فخذيني الى غرفتك انت وجدي لأريح ظهري بها قليلًا.
– ليست هناك حاجة لذلك يا خنساء.. فيجب ان نغادر بعد قليل.
قال قسورة بجدية لتمط خنساء شفتيه وتميل عليه قليلًا، هامسة:
– دعني ابقى هنا حتى المساء.
– لا.
رد قسورة برفضٍ قاطع لتحدجه خنساء بحنقٍ قبل ان تبتسم بإصطناع بوجه زوجة عمها التي تراقبهما بغيرة لم تكن غافلة عنها..
******************
لم تعرف حسناء كيف عليها ان تتعامل مع أيهم بعد كل ما حدث بينهما.. من ناحية هي تتفهم غضبه وغيرته عليها ومن ناحية اخرى تجد رد فعله مبالغ به بعض الشيء.. فأمين كان زوجها لا عشيقها كي يتصرف معها بهذه القسوة ويقرّر الإبتعاد عنها كليًا.. إذ ان غرفتهما لم ينام بها وكأنه يكره ان يشاركها اي مكان تتواجد به..
تنهدت حسناء هي تسمع صوت الباب الذي فُتح ثم وقفت لتستقبله بإبتسامة متوترة:
– السلام عليكم.. ليعطيك الله العافية.
– وعليكم السلام.
رد أيهم ببرود وهو يسير الى الداخل، متوجهًا الى غرفتهما فأغمضت حسناء عينيها بضيق ثم تبعته وهي تسأله:
– هل تريد ان تأكل الآن أم بعد ان ترتاح قليلًا؟
– أكلت في منزل أهلي.. فلا تتعبي نفسك.
رد أيهم بجفاء لتمسك حسناء يده وتغمغم:
– انا آسفة.
اومأ أيهم ببرود قبل ان يبعد يدها:
– لا بأس!
قضمت حسناء شفتها السفلى وهي تحسُّ بإختناق لا يُطاق ثم همست بإستنجاد:
– أيهم ارجوك لا تعاملني بهذه الطريقة.
تطلع أيهم اليها للحظات قبل ان يدير وجهه فزفرت حسناء وهي تلقي جسدها على صدره:
– هذا يكفي يا أيهم.. لا استطيع التحمل أكثر.. إنسى كل ما حدث بيننا.
لم ينبس أيهم ببنت شفة لترفع حسناء رأسها وتنظر اليه بمقلتيها الشجيتين بينما تتساءل بحزن:
– ألن تسامحني على الخطأ الذي لم أقصده يا أيهم؟ اين ذهب كل حبك لي؟
– لو انني لا أحبك لم أكن سأغضب واتأثر.
رد أيهم بحدة فغمغمت حسناء وهي ترفع يدها لتحيط بها وجنته:
– من يحب فعلًا يغفر لحبيبه بسهولة.
تنهد أيهم بنفاذ صبر وهتف:
– ماذا تريدين يا حسناء؟
– حبك!
همست حسناء بنعومة وهي تدنو بوجهها من وجهه ثم بعذوبة كانت تقبّله وهي ترجو الله ان يبادلها القبلة ويغفر لها خطئها الذي هي نفسها غير مقتنعة به! وإستجاب أيهم بعد لحظات لقبلتها التي بدت له أرق من نسيم الربيع..
فصلت حسناء قبلتهما لتضع رأسها على صدره ثم غمغمت بصدقٍ:
– أيهم انا لا أتحمل رؤيتك غاضبًا أو حزينًا وخاصةً بسببي.. والله أحسُّ بنار تحرق قلبي.. انا.. انا أحبك كثيرًا أيهم.
شعرت حسناء بتنهيدته الحارّة على عنقها تكويها بجمهرها فتتشبث بقميصه بقوة تدل على رغبتها الواضحة بالإقتراب منه وبتحذير صريح انها لن تبتعد عنه مهما فعل..
همس أيهم بصوتٍ أجش وهو يضغط على جسدها بقوة تكاد تُفتّت عظامها:
– جرّبي مرة اخرى ان تفكري برجل غيري او تنطقي بأسم رجل غيري يا حسناء وانتِ في حضني وأعدك ان أقصّ لسانك.
ضحكت حسناء بإنشراح:
– أعدك انني لن أفعل يا روحها لحسناء.. انت فقط خفّف من وطأة إنفعالك يا أيهم وأعدك ان تكون راضيًا مني طيلة الوقت.
– لنرى.
تمتم أيهم وهو يقبّل رأسها ويتنشق رائحة شعرها بعمقٍ وكأنه صار مدمنًا..
*****************
إبتسمت ياقوت بإستهزاء مرير وهي تنظر الى السماء عبر النافذة الزجاجية بعينين هائجتين كالبحر بدموعها التي تحارب حتى تنهمر.. ها هي العروس قد إشتقت لعائلتها وأتت لتزورهم.. وفي الأسفل يتم إستقبالها بالأحضان من قِبل عائلتها المشتاقة لها!
والمثير للسخرية ان ساري يطلب منها ان تنزل لترّحب بها..
صدقًا ترغب ان تنفجر ضاحكة! آخر ما قد تهتم به هو الترحيب بالفتاة التي تزوجت من كان خطيبها يومًا.. كوّرت ياقوت قبضتها وهي تضرب قلبها برفقٍ.. لماذا تحس بأشواك لاذعة تؤلم حنجرتها وبالتالي تمنعها عن التنفس كما يجب؟ لماذا قلبها يؤلمها بهذه الطريقة؟ فقط تريد ان تفهم لماذا تأثرت بتصرفات هذه العائلة التي تكرهها وهي ترى اللهفة بعيونهم للترحيب بإبنتهم العروس؟
أسندت ياقوت كتفها على الجدار وهي تسترسل بتأمل السماء دون ان تبكي.. فقط دموعها عالقة بأهدابها دون ان تنزلق فترأف بها.. وهي لا تريد ان تبكي.. ستحاول ان لا تتأثر.. فمن لا يريدها هي ايضًا لا تريده.. لو ان عائلتها تشتاق لها لكانوا سيأتون ليأخذونها اليهم ولكنهم لم يفعلوا وهي لن تفرض نفسها ابدًا عليهم..
وصلتها اصوات ضحكاتهم من الأسفل فأغمضت عينيها بقوة وهي تعدهم جميعًا ان يبكوا لاحقًا.. ستنتقم لنفسها من الجميع.. حتى من نفسها ستنتقم! ترى الدنيا سوداء فقط بعينيها، ليست بها اي نقطة بيضاء.. فقط سوداء!
“الا تودين ان تنزلي؟”
لم تبالي ياقوت بالرد على سؤاله بل تجاهلته والحقد يكاد ان يعمي بصيرتها.. ولكن حينما ادارها اليه ببعض القوة لم تقدر على التحكم بلسانها الذي هتف بسخرية:
– لا تترك عائلتك وتأتي اليّ.. لا بد انهم ينتظرونك!
تنهد ساري ثم قال:
– لننزل معًا.. لا أريدك ان تبقي لوحدك هنا، منعزلة عن الجمبع وكأنك خائفة.
إستشرست تعابير وجهها وهي تهدر بعنفوان:
– بأحلامكم فقط انني قد أخاف منكم يومًا.. انا أكره ان اشارككم النفس نفسه فكيف ان أجلس معكم وأستمع الى تفاهاتكم؟
– ستنزلين معي.
غمغم ساري بإصرار وهو يحدق بها بتمعن فهتفت ياقوت بتحدي وعناد:
– لن أنزل.. وحاول ان تجبرني وأعدك ان أهين كل أفراد عائلتك.. وهكذا إما ستضطر الى قتلي فأرتاح منك أو سأهرب منك ولن تجدني ولو بحثت عني في القبور!
عقد ساري حاجبيه وسألها:
– لماذا كل هذا الرفض يا ياقوت؟ منذ متى وانتِ تكرهين عائشة الى هذا الحدّ؟
بإستهزاء ردت ياقوت:
– بسببك نفسي صرتُ أكره فلا تستغرب كثيرًا تصرفاتي.
صوت عائشة وهي تطرق باب جناحهما منعه من الرد عليها فقال:
– أدخلي يا عائشة.
دلفت عائشة الى الداخل بإرتباك ليبتسم لها ساري بحنو بينما رمقتها ياقوت بجمود.. وبإبتسامة خفيفة رفعت عائشة يدها لتسلّم على ياقوت:
– كيف حالك يا ياقوت؟
تجاهلت ياقوت الرد عليها كما تجاهلت يدها الممدودة تمامًا فغمغم ساري وهو يجذب شقيقته من يدها الممدودة الى صدره ليضمها:
– ياقوت بخير حبيبتي والجميع بخير.. المهم انتِ ان تكوني بخير.
تطلعت عائشة بآسى الى ياقوت التي ادارت وجهها بعيدًا عنهما ثم غمغمت، متجاهلة إحتضان ساري لها:
– ألن تسلّمي عليّ يا ياقوت؟
زفرت ياقوت قبل ان تنظر اليها وتهتف بعصبية:
– ها انتِ بخير أمامي ومعك عائلتك فلماذا تهتمين الى سلامي بحق الله؟
إبتعدت عائشة عن ساري وهي تبصر بالحزن العميق المطموس بحدقتي ياقوت والتي هي ايضًا ذاقت البعض منه ثم بإصرار دنت منها وعانقتها، هامسة بصدقٍ:
– إشتقت لكِ كثيرًا يا ياقوت.. والله إشتقتُ لك.
لم تبادلها ياقوت عناقها وبالمقابل لم تبعدها عنها.. بل بقيت كالصنم بين ذراعيها وهي تشعر بنظرات ساري المتفرّسة لها..
بعد ثواني إبتعدت عائشة عنها وقالت:
– سأقضي هذه الليلة هنا.. وسنتحدث كما يجب ان شاء الله.
– لا تفعلي.. فأنا اريد ان انام.
تمتمت ياقوت بجفاء فتدخل ساري، قائلًا:
– عائشة انزلي الى الأسفل وسأتبعك انا وياقوت بعد قليل.
اومأت عائشة بقلقٍ ثم خرجت لتتطلع ياقوت الى ساري بلا مبالاة..
– إنزل مع أختك فأنا لن انزل الى الأسفل.
هزّ ساري رأسه قبل ان يقول هدوء عجيب:
– ولكنك مضطرة ان تنزلي.. فسبب تجمهر العائلة في الأسفل ليس بسبب زيارة عائشة فقط كما تعتقدين.
عقدت ياقوت حاجبيها بعدم فهم فوضع ساري يده على خدّها وغمغم ببساطة:
– السبب الرئيسي يا ياقوت هو عودة شقيقتي غزالة اخيرًا الى قبيلتها! بعد سنوات طويلة ستعود اخيرًا!