رواية غزلًا يوقده الرجال
الفصل السادس وعشرون والأخير
قلت ان الفراق محتوم وان القرار مفعوله ساري..
وتعمدت الجهل وانا أرى الوقت معك يمضي..
لم اجادل ولم اقاوم وأطلقت سراح الشوق ليداري..
تركت الهمسات تعلو وهمست أن هذا لا يدمي..
كانت الروح ترفرف في هواء العشق المغري المُضني..
والعقل دون مفعول يسري ويتولى القلب ليبلي..
قطعت الوعود حتى امسى الليل يعاتبني على وهني..
وجبنت وكذبت حتى أضحت الشمس من بؤسها تشوي..
وفي كل ديمومة كنت اخرج بقلب يشجي ويكوي..
———————–
يقف خارج الحديقة ينفث دخان سيجارته بغضب وحنق بينما يكاد لا يرى أمامه مما فعلته الغبية امرأته ومما كان هو على وشك فعله.. وضع يده على صدره مكان الوشم الذي خلقته أسنانها المتوحشة بعد أن عضته بشراسة لا تمت لها بصلة.. ليس غاضبًا منها بقدر غضبه من نفسه.. سيطرته على نفسه اضحت شبه معدومة حينما يكون معها.. ربما هو يستحق ما فعلته بوجنته وبصدره ولكن كيف بحق الله سيرضى.. كيف تقوم زوجته بضربه؟! وليست اي زوجة وانما قدر!!
تفاصيل احداث الساعات الماضية تمر بعقله مرارًا وتكرارًا.. كيف كانت تستجيب لقبلاته ولمساته باستحياء وارتجاف لم يزيده الا لوعةً وشوقًا.. حتى انتهى بهما المطاف على الفراش الأرضي بينما العالم يدور بهما.. وكأن لا يعيش اي شخص على هذه الأرض غيرهما.. البداية كانت جنونًا والجنون استمر إلى أن صار ما لا يقدر على تحمله.. يداه اخذت تعبث بجسدها بطريقة عابثة مجنونة إلى أن أصبحت عارية بين ذراعيه دون أن يدري أو تدري.. كان يقوم بعملية صك ملكيته على جسدها بينما هي الأخرى غائبة عن العالم بما يفعله بها.. وحينما ابتعد لوهلة عنها ينظر الى تعابيرها بشغف اقرب الى الهوس وعت على نفسها وهمت أن تنهض ليثبتها مكانها مرة أخرى بينما تحاول دفعه وهي ترجوه أن لا ينسى أنه وعدها.. ولكنه كان مأخوذًا بجمال ثمرته التي حُرِّمت عليه طويلًا وها هي أخيرًا صارت حلاله..
لم يكن يدرك أن لمساته لم تعد تطاق وانه صار عنيفًا ليدعها تستجيب لها مجددًا.. كان يقف على خط رفيع بين الجنة والهاوية.. اما ان يمتلكها وإما أن يبتعد عنها ويحترق بنار بعدها.. وهو لا يريد غير قربها الناري منه..
مقاومتها كانت تزداد قوةً وعنفًا، وتوسلاتها ليحررها أصبحت مصحوبة ببكاء مرعوب إلى أن قامت أخيرًا بغرس أسنانها بصدره حتى نزف دماءًا بينما يطلق انينًا موجوعًا فيضطر ان يبتعد قليلًا لينظر الى صدره بذات الوقت التي رفعت قدر يدها لتصفعه بغضب وخوف!
للحظات فقط بقي ينظر إليها بنظرات مصدومة قبل أن تضطرم حدقتيه بلهيب الغضب البدائي الذي جعل جسدها العاري يرتجف بين ذراعيه.. لم تكن تفكر الا سوى كيف ستهرب منه.. من جنون غضبه.. وكادت أن تفر هاربة حقًا وهي تمد يدها لتتناول قميصها قبل أن تصرخ وهو يأخذ منها القميص ويمزقه أمام عينيها المرعوبتين ثم يميل عليها ويقبلها مرة أخرى إلى أن تذوّق دماء شفتيها بفمه ثم فعل المثل بعنقها ليحتد بكائها فيتركها وينهض مبتعدًا وهو يشتم بصوتٍ عالٍ..
تبًا له حطم كل شيء بغبائه.. ماذا سيحدث لو صبر.. الم يقسم أنه لن يتجاوز حدوده؟.. هو لم يكن سيمتلكها حقًا.. كل الذي أراده أن يشعر انها ملكه.. ولكن تبًا له ولسيطرته التي فقدها على نفسه..
عاد إلى الداخل لينظر الى الفراش الأرضي علّه يراها ولكنها لم تكن فأدرك انها في الاعلى تواري نفسها مؤكدًا عنه..
بخطوات سريعة بعض الشيء دخل إلى المنزل وتحديدًا توجه الى الغرفة التي كانت تغير بها ثيابها قبلًا.. وقف قليلًا يستمع إلى صوت بكائها بينما يعض شفته السفلى بندم.. تنهد ريس ثم دخل الى الغرفة ليجدها قد ارتدت فستانها وحجابها وجالسة على السرير تبكي..
همس باسمها فنهضت وقالت بصوت مبحوح مرهق:
– اذا لا تريد أن تعيدني إلى المنزل سآخذ سيارة آجرة واذهب لوحدي.. لا اريد ان ابقى معك.
اقترب منها عدة خطوات فتراجعت المثل وهي تصرخ به بغضب وبكاء:
– لا تقترب مني.. اياك! لقد وعدتني ولكنك كنتَ ك.. كحيوان لعين لا يهمه الا نفسه!
اغمض عينيه لوهلة يحاول ان يتمالك أعصابه فهو يعرف أن معها كل الحق.. ثم قطع المسافة بينهما وامسك يدها رغمًا عنها وهمس بخشونة لم يقصدها:
– لا تبالغي يا قدر.. لم يحدث بيننا اي شيء.. كنت سأتوقف ولكن انت من انفعلت اكثر مما يجب بقلقك.. ثم لم يكن سيحدث اي شيء لو جعلتك امرأتي بكل ما للكلمة من معنى فأنت حلالي وبعد يومين ستكونين سيدة هذا المنزل.
أضاف بعبث وهو ينزل بيده إلى خصرها ليقرّبها منه:
– وانظري لما فعلته اسنانك الصغيرة المتوحشة بصدري.. ويدك ما فعلته بوجنتي.
دفعته بعيدًا عنها وهدرت بقهر:
– انظر انت اولًا الى ماذا فعلت في جسدي ثم دعني انظر اليك.
ضحك ريس وقال بسماجة لا تناسب وضعهما الحالي أبدًا:
– اذًا اخلعي ثيابك مرة أخرى لآرى.. اريد ان اعرف حقًا ما الذي فعلته بجسدك.
رشقته قدر بنظرة غاضبة حارقة قبل أن تحاول تتجاوزه فيقبض على ذراعها ليدفعها الى صدره، قائلًا بأسف وهو يقبل جبينها بحنو:
– آسف حبيبتي.. لا اريدك ان تغضبي بسببي قبل الزفاف بيومين.. يجب أن تكوني سعيدة وراضية فأيامنا ستكون طويلة جدًا إن شاء الله.
ثم رفع رأسه وغمغم بابتسامة ملتوية:
– اعرف ان درس اليوم كان قاسيًا بعض الشيء ولكن سأعوضك بواحد اخر ستعشقينه ليلة الزفاف.. اعدك يا قدر القلب.
******************
مقهورة من تصرفاته معها.. يريد أن يتركها ويتحكم بها.. من يعتقد نفسه؟ من؟! سيسافر بعد عدة أسابيع وقد أرسل لها رسالة بشكل صريح أنه سيقطع علاقته بها إلى أن ينهي تعليمه وربما بعد ذلك إذا لا زالت تريده وهو لا زال يريدها سيرتبطان مرة أخرى.. أحست بأنانيته.. كرهته من كل قلبها.. حقير.. اناني..
ما يثير جنونها فعلًا رسالته الثانية التي أرسلها بعد رسالته الاولى اللعينة.. الحقير يخبرها أن تنتبه الى ثيابها وان لا تفكر مجرد تفكير بالعبث مع أي شاب لأنه سيخبر والدها وعمها إذ فعلت.. يا الله كم هي مقهورة منه..
جففت دموع القهر وهي تتوعده أن تفعل كل ما تشاء.. وكأنها لم تحبه يومًا..
ليلعنه الله.. بعد أن اوقعها بحبه تركها.. والله لترتدي أجمل الثياب ولتتحدث مع اوسم الشباب وتقهره قهرًا لا يُطاق.. وإذ كان يظن أن ما فعلته في حفل عقد قرآن ريس وقدر هو أسوأ ما تفعله فهو مخطئ كليًا.. ولو قتلها لن تدعه يتحكم بها ما دام لا يريدها..
ارتدت سروالًا من الجلد، اسود اللون يحدد رشاقة ساقيها وقميصًا احمر اللون من غير أكمام.. وتركت العنان لشعرها بتموجات ساحرة.. ثم وضعت زينة ثقيلة بعض الشيء على وجهها واحمر شفاه قاتم..
جذبت حذائها الأحمر ذو الكعب العالي وانتعلته بينما تسمع مها تقول لها بحزم:
– ليليان ضعي وشاحًا على كتفيك.
تبرطمت وهي تضع وشاحًا اسود اللون كيفما أتُفق على أحد كتفيها..
– انا سأسبقك الى الاسفل.
كانت تدري أنه سيفقد صوابه ما أن يراها فهي جذابة بحق.. وهي واثقة من كونها مغرية.. نظرات الاعجاب التي تلاحقها دومًا تثبت لها..
رسمت ابتسامة مغرية على شفتيها وهي تلقي السلام على الجميع وتجاهلت عمدًا النظر إليه بينما تلقي السلام.. ولتستفزه وتثير جنونه نادت على شقيقته صابرينا لتجلسا بجانب سيف وبقية الشباب الحاضرين..
انتظرت رسالة منه تعبر عن غضبه الذي يسعدها حقًا ولم يبخل رواد عليها وهو يرسل لها رسالة مثيرة للاستفزاز
“لا تعليق سوى انك فاسقة صغيرة تحتاج إلى من يعيد تربيتها.. وسيسرني أن افعل انا بنفسي وقبل أن اسافر أيضًا.. انتظري مفاجئتي لك الليلة حتى اريكِ كيف تهورك لا يضاهي ذرة واحدة من تهوري.. الحرية الدنيئة التي تريدينها حتى بغيابي لن تحصلي عليها”
على الرغم من كونها شعرت بالتوجس الا أنها اكتفت بالنظر إليه ومنحه ابتسامة استخفاف ساخرة ليبادلها إياها بقسوة ووعيد قبل أن يهتف بصوت حاد:
– صابرينا خذي قريبتك واذهبا لتجلسا بعيدًا عن الشباب.
رفضت ليليان الامتثال لأمره بينما خفقات قلبها تدوي صاخبة من رد فعله القادم..
ازدردت ريقها حينما اقترب منها ومن صابرينا ومال على اذن صابرينا ليهمس بصوت مسموع لها بينما يده تمتد لتقرص لها ذراعها بقسوة شديدة جعلت الدموع تتجمهر في مقلتيها:
– خذي هذه الفاسقة التي بجانبك وانهضي قبل أن اقتلها اليوم.
امتثلت صابرينا لأمر شقيقها في حين همست ليليان بصوت موجوع غاضب:
– لا شأن لك بي ايها الحقير.. واياك وان تلمسني مرة أخرى.
حاولت صابرينا أن تتدخل إلا أن رواد رفع يده لها لتصمت بينما يقول لليليان بعصبية شديدة بالكاد يتحكم بها:
– هل تنهضين ام اهينك هنا وأمام الجميع؟
حدجته بنظرة ساخطة قبل أن تدفع يده بقرف وتنهض.. فابتسم بتهكم وهو يرمقها بنظرات متوعدة.. وقد فعل وفجّر قنبلته لها حينما طلب يدها من والدها ووالدتها أمام والديه المتفاجئين..
“عمي أمير انا اريد ان اطلب يد ابنتك ليليان على سنّة الله ورسوله قبل أن اسافر.. انا معجب بأبنتك واريد أن اضمنها لي.. على الأقل عقد قرآن الآن وبعد أن أعود نعلن زواجنا”
********************
خفق قلبها بجنون وعدم تصديق حالما رأته يجلس في صفها.. لم تصدق ان جنونه قد يصل إلى هذا الحد.. تراجعت قمر عدة خطوات الى الوراء وكادت أن تفر بجناحيها حينما نهض حمزة عن المقعد الذي كان يجلس عليه وبإبتسامة شيطان كسول اخذ يقترب منها.. شعرت بالخطر الحقيقي وكأن روحها ستخرج من جسدها من شدة خوفها منه..
تطلعت حولها تتقصى عن شخص ما ولكن الصف كان فارغًا تمامًا من الطلاب والمعلمين.. لم تجد أي احد.. أحست بالعجز والاختناق من حصاره الدائم لها فاستدارت لتركض نحو باب الصف وتهرب إلا أنه أدركها وقبض على ذراعها بخشونة قبل أن تصل إلى الباب..
مرر حمزة يديه على ذراعيها بينما ظهرها يلتصق بصدره وانفاسها تعلو من شدة الرعب..
– الى اين ستهربين مني يا قمر؟! كان خطئك انني رأيتك واغويتني دون أن تدري!
أسند رأسه على كتفها وتنشق بتلذذ عطرها وهو بالكاد يلجم نفسه عن منح عنقها القبلات التي يستحقها.. صوت أنفاسها اللاهثة المرعوبة وعجزها بين يديه زرع في داخله نوع من المشاعر الغريبة ليديرها اليه ويمنحها ابتسامة مجرم حقيقي وجد ضحيته التالية.. وكاد أن يفقد عقله لو لم يقبلها فهمس بصوت اجش واضح بتهديده:
– كلما استسلمتِ لي ابكر كلما ارتحتِ أسرع فأنا لن اتركك يا قمر لغيري.. انت صرتِ لي وانا سأكون كابوسك المرعب لو حاولتِ الابتعاد عني!
ختم كلماته باقتراب شفتيه من شفتيها وقبل اللحظة الحاسمة كانت قمر ترفع يدها وتصفعه بكل قسوة وبذات الوقت تصحو مفزوعة من كابوسها المرعب..
اخذت قمر تشكر الله أنه كان كابوسًا.. كان كابوس مخيفًا بل مرعبًا.. منى سينتهي كابوس حمزة؟ متى؟
منذ عدة أيام وهي تحلم به لدرجة أنها صارت ترتعب من مجرد التفكير بأسمه..
تفكيرها به لا ينتهي وكوابيسها لا تتوقف مع انه منذ اللحظة الأخيرة التي رآها بها لم يرسل لها أي رسالة.. ما الذي يحدث معها بحق الله!
دون إرادة منها انهمرت دموعها وهي تدعو الله أن يحميها من شر حمزة ومن كل سوء..
خائفة من مصيرها المجهول بعد أن ظهر حمزة في طريقها.. خائفة منه مهما حاولت التحلي بالقوة.. وقعت بين يديه وبالتأكيد لن يعتقها قبل أن تصبح جسدًا بلا روح..
*******************
ابتسمت لونا بشقاوة حينما نزلت من منزلها الى عمر الذي كان ينتظرها داخل سيارته ليأخذها الى مكان ستحبه كما قال.. ألقت تحية السلام وهي تقبله على خده:
– مرحبا بضابطي الاشقر الوسيم.
ضحك عمر بحب:
– اهلًا بالعفريتة الصغيرة.. هيا ضعي حزام الامان فالضابط الوسيم سيأخذك الى مكانك المفضل.
همهمت لونا بدلع وتفكير بينما يداها تعمل على وضع حزام الامان:
– أُخمن اننا سنذهب الى الملاهي أو لنشاهد فيلمًا كوميدي أو رعب.
– اصبت الهدف.
رد غامزًا بعينه لتسارع لونا بوضع قبلة طفولية على خده..
فرمقها عمر بنظرة تحذيرية بينما يقود:
– لا تدعيني اخذك إلى منزلنا وارد عليك القبلة كما يجب.. انا بالكاد اتمالك نفسي.
ضحكت لونا بخجل دون أن تتفوه بحرف اضافي طيلة الطريق ليبتسم عمر بخفة على خجلها..
في الملاهي، كانت تتحرك لونا بمرح وجنون.. من لعبة الى أخرى دون توقف وهي تجبر عمر كالعادة أن يصعد الالعاب معها رغم أنه كل مرة يقول أن هذه هي المرة الاخيرة التي يأتي بها إلى أماكن كهذه!!
لم تنتبه لونا الى نظرات الاعجاب التي تلاحقها ورنين ضحكاتها يتعالى بطريقة لذيذة جذابة تُنعش القلوب..
لم تسحر فقط زوجها الحبيب عمر بوجنتيها الحمراوتين وضحكتها الطفولية بل سحرت العديد غيره..
بعد أن رفض عمر أن يصعد برفقة لونا لعبة تافهة بالنسبة له كما قال تبرمت لونا وهي ترمقه بنظراتها الحاقدة المُضحكة ثم صعدت ولم تجد مكانًا تجلس عليه غير بجانب أحد الشباب..
وبينما تدور اللعبة بطريقة مجنونة سريعة بالهواء وصراخ لونا المستمتع يتعالى انتبه عمر الذي يراقبها بعينيه بقدر ما تسمح له اللعبة بحركتها المجنونة الى الشاب الذي يجاورها يمسك بيدها..
احس بمراجل النار تضطرم, تفور وتغلي داخل صدره وهو يلاحظ أن الغبية زوجته غير مكترثة ومستمرة بصراخها المرح..
كل ما يريده حاليا هو أن ينزلا الاثنان ليقتله ويقتلها ويفجر هذا المكان اللعين..
نزلت لونا من اللعبة تضحك بينما الشاب لحق بها بمحاولة الحديث معها..
أمسكت بيدي عمر المتجهم, هاتفة بفرحة طفولية:
– عموري لقد خسرتَ حقًا.. اللعبة هذه منعشة جدًا.
احمرّ وجه عمر بغضب ثم بحركة سريعة ضغط على يدها وجذبها الى جانبه وأخذ يقترب بعنفوان من الشاب الذي وقف يشاهدهما وكأنه يحاول أن يستنبط العلاقة التي تجمعهما سويًا..
ومضت عينا لونا باستمتاع وهي ترى عمر يمسك الشاب من تلابيب قميصه ليقربه من وجهه بينما يهتف بصوت حاد:
– يد من تتجرأ أن تلمس ايها المسكين الذي وقع في يدي؟!
شهقت لونة ببراءة مصطنعة وغمغمت:
– هل مسك يدي انا حبيبي الضابط؟ كيف يتجرأ أن يفعل؟!
رشقها عمر بنظرة حادة عنيفة بينما ارتعب الشاب بعد أن عرف من هو عمر.. فقال:
– سيدي اقسم انني امسكت يدها بالخطأ.
دفع عمر الشاب الذي تتسم ملامحه بالخوف وهتف بحدة:
– اعتذر حالًا.
كتمت لونا ضحكتها وهي تراقب تعابير وجهه بهيام..
أعتذر الشاب بخوف لترفع لونا رأسها بشقاوة وتقول:
– اعتذر أيضًا لعموري.
مرر عمر يده على وجهه بعصبية من هذه الغبية زوجته التي تناديه هكذا أمام شاب لتوه كان سيقتله.. يا الله ماذا يفعل بها وبشقاوتها:
– اعتذر مرة أخرى سيدي.
استدار عمر بتجهم الى لونا التي تنظر إليه ببراءة وشقاوة وبعنف استولت أصابعه على ذراعها ليخرج بها من هذا المكان اللعين..
تعثرت لونا اكثر من مرة لتتمتم بما اثار حنق عمر منها أكثر:
– عموري بدلًا أن تقوم بجري بهذه الطريقة، احملني والله لن اخجل.
– استغفرك يا الله على هذه المصيبة التي دخلت حياتي.. هي بلائي في الدنيا على ما يبدو.
همس عمر بصوت منخفض ساخط قبل أن يدفعها نحو باب سيارته..
ابتسمت لونا بشقاوة محببة وأحاطت عنقه ثم غمغمت بينما تضحك بطريقة اسرت قلبه:
– عموري أن الله اذا احب عبدًا ابتلاه.. وانا اجمل ابتلاء.
رغمًا عنه ضحك وجذبها الى صدره إلى أن كاد يسحق عظامها الصغيرة بعناقه العنيف بينما يتنشق عبيرها بعنف..
همس بصوت اجش حانق:
– اخبريني ايتها الشقية ماذا افعل معك؟ رغمًا عني تذوب روحي وينصهر كل غضبي بشقاوتك وروحك النقية.
ضحكت لونا بخجل ثم رفعت عينيها لترسخهما بعينه وهمست:
– فقط احبني اكثر حبيبي الضابط وعاقبني اذا تريد عقاب الضابط الرومانسي.
بادلها عمر الابتسامة والنظرة العاشقة فإتسعت ابتسامتها الحالمة لتردف بمرح:
– والله عموري يجب أن أحضر كل يوم شابًا يتغزل بي لأرى نار الغيرة تتلألأ بعينيك الجميلتين ويحمر وجهك كحبة البندورة!
ضربها عمر على رأسها وهتف بغيط:
– حسابك قريبًا جدًا على لسانك هذا الذي يثير غيظي اكثر مما يجب.. ما رأيك أن تقولين أن يداي ترتعش من الخجل والخوف ايضًا؟!
قهقهت لونا بشدة ثم رفعت نفسها قليلًا لتقبله على خده وتستأنف بذات المرح:
– حبيبي العصبي والخجول يا ناس! لو اننا في منزلنا لكنت راضيتك ولكن اخاف عليك ان تخجل هنا أمام الناس!
********************
تعالت الزغاريد وهي تُزَف إليه بفستانها الابيض الذي سلب أنفاسه منه.. كانت في غاية الجمال والرقة.. ناعمة كالنسيم.. كفراشة الربيع تتغنج باقترابها منه.. خصرها الرشيق يتمايل ويتمايل معه قلبه..
عيناه اخذتا برحلة استكشاف مرة أخرى إلى جمالها الرائع.. حالما وقفت قبالته لم يقاوم أن يضمها إليه وأن يسرق قبلة من شفتيها امام الجميع على الرغم من وعده لأمه وجدته أن لا يتواقح وان لا يقل أدبه.. ولكن كيف يقاوم سحرها الفتّاك؟
– آه متى يا قدري المؤلم؟.. ذبحني الشوق اليك.. دعيني اشعر بانتمائك الي.
همس ريس بأذنها بعد أن أخفى وجهها الخجول بصدره..
شعرت قدر به يضمها بتملك وشغف ليس لهما حدود.. للمرة المليون ربما ينتفض قلبها بسعادة غير عادية.. فارس احلامها.. حبيبها وحلمها منذ الأزل والى الأبد يحبها بل صار يهواها بعد سنوات طويلة من الم الحب..
كان ريس على عجلة من أمره.. يريد أن ينتهي هذا الزفاف ليختلي بها في بيته.. في غرفته وفي حضنه.. آه من انتقامها الجبّار!!!
انتهى الزفاف.. كيف؟ لم يهتم.. كل ما يدركه انها الآن معه.. ربما كان جنونه وهيامه بها واضحًا للعيون وهو يتشبث بها بغيرة وعشق ليس له حدود.. عيناه كانتا تشع تحدي.. وخاصةً لوالدها وشقيقها! وكأنهما سيسرقانها منه.. غيرته كانت من سند لان قدر تعشق شقيقها وكل عدة دقائق يأتي سند ويحاول سرقتها من ريس ليغدقها بغزل اب لأبنته وحبيب لحبيبته..
كم حاولت قدر كتم ضحكتها بصعوبة وريس يجذبها برعونة من حضن سند، قائلًا بضيق شديد:
– اترك زوجتي واذهب الى زوجتك.. الآن حان دوري.
رغم عشقها له لم تقدر قدر على رفع عينيها بجراءة حينما اوصد ريس الباب واقترب منها..
دار ريس حولها بإعجاب بينما يقول بشغف سلب أنفاسها:
– جميلة قدري.. جميلة حد الخيال!
شعرت بأنفاسه بجانب اذنها بينما راحتيه تحيط بخصرها وتقرب ظهرها الى صدره..
اخذ ريس يتنشق عبقها كعاشق ملاذه الوحيد رائحتها.. بشغف وجنون.. أنفاسه صارت ثقيلة وهو يقبّل عنقها، هامسًا بصوت اجش:
– أخيرًا اصبحتِ قدري.. تنتمين الي وحدي.. لا أحد ولا قوة في الوجود ستبعدك عني.. بكل أنانية انت ملكي.. بكل قوة واصرار انت لا تنتمين الا لي فقط.. قدري وحدي.. جمالك وبراءتك وعذوبتك لي انا فقط.
أنفاسها اخذت تعلو بينما تتوغل كلماته المتملكة العاشقة الى قلبها قبل أذنيها.. قربه حلمها البعيد وها قد صار اقرب من جلدها الى عظامها.. خفقان فؤادها كان يشتت ذهنها ويبعثر كيانها اكثر مما هي متبعثرة..
توسعت عيناها فجأة حالما أدارها إليه وغمغم بأنفاس ثقيلة:
– قوليها حبيبتي.. قوليها قدري.
رفعت عينيها إليه، ذائبة كليًا بلدغته الساحرة بأسمها وغزله وتملكه.. وهمست بنبرة خافتة مهزوزة من قوة مشاعرها:
– احبك حبيبي.. احبك وفقط اليك انتمي.. احبك مرارًا وتكرارًا.
انصهرت بقية حروفها في شفتيه.. كانت قبلة مختلفة بكل ما بها.. قبلة تائقة عازمة على صك ملكية اسمه على كل خلية في جسدها.. قبلة مسافرة في رحلة طويلة.. طويلة جدًا.. ولن تنتهي إلا حينما يهدأ سعير هذا الشوق والتوق بالشعور بها منه وإليه.. إلا حينما تصبح روحه كأنها روحها.. وخفقات فؤادها تتحد مع وجيب دقات قلبه معلنة أنها قطعة ثمينة جدًا من جسده..
وطال الليل بهما وطال ولا زال يعلمها بتأنٍ دروس العشق والانتماء لريس وحده بكل ما للكلمة من معنى.. وكأنها لم تكتفي من حبه المهلك؟!!!!
********************
كان اكثر ما يريح جهاد هو ابتعاد حمزة نهائيًا عنها فمحاولته العبث معها وبحياتها وجنونه حول طفولتهما لا يهمها البتّة.. حتى معرفتها لوالديها وكيف توفيا وكل هذه الأمور لم تود أن تعرفها.. لا تريد أن تدمر سعادتها الحالية واستقرار علاقتها بسند.. هي تعشق سند.. فمن المجنونة التي قد تقدر أن تكره رجلًا كسند بطيبة قلبه وحنانه ووسامته ورجولته.. رجل يُشعر الانثى بالمعنى الحقيقي للانتماء.. وكأنه يعامل طفلته.. رجل حقيقي وحده من يجيد التعامل مع الانثى.. ويعرف جيدًا كيف يقدّرها..
بادلت جهاد الابتسامة مع إحدى المرضى التي تتأمل وجهها بانبهار وكتمت ضحكتها بصعوبة..
كانت قد عادت جهاد أخيرًا الى عملها في المشفى بعد اقناعها لسند بصعوبة فهو لا زال يصر انها تحتاج الراحة وجسمها لا زال متعبًا جراء الحادث..
ابتسمت جهاد وهي تعود إلى مكانها بينما تتذكر حبيبها سند وغزله الصباحي لتتفاجأ به.. ليس محبوب قلبها وانما سبب تعاستها فيما مضى.. هو! حمزة! ضاقت عيناها وتجهمت ملامح وجهها الفاتنة وهي تسأله بحدة:
– ماذا تفعل هنا؟
دنى حمزة منها بملامح عابثة يستحيل أن يغيّرها ثم قال بابتسامة:
– كيف حالك بطاطتي؟
اغمضت جهاد عينيها بنفاذ صبر:
– ماذا تريد يا حمزة؟ لماذا عدتَ اليّ؟ متى ستطلق سراحي لأعيش بهناء مع زوجي؟
للحظة رآت ملامحه تنكمش بتأثر حزين.. لمدة ثوان معدودة فقط..
– لقد سبق وتركتك يا بطاطا.. فهناك أخرى تلفت انتباهي وتشغل حواسي.
رفعت جهاد حاجبها وهي تقول باستهزاء:
– حسنًا ماذا تريد الان مني؟
ابتسم حمزة بتسلية وغموض:
– اتيت لألقي عليك تحية الوداع.. فلا شيء سيجمعني بك بعد الان إلا هي.. الماضي انسيه.. وكل شيء سيحين في وقته.
وغادر دون أن تفهم مقصده.. من هي المسكينة التي وقعت في مصيدته؟! حمزة ليس سهلًا بل هو ثعلب ماكر وفريسته محال أن تنجو من أنيابه..
حاولت جهاد أن تبث الطمأنينة في صدرها فعلى الأقل هو تركها وابتعد عنها.. الان لديها سندها حبيبها.. وغدًا عيد ميلاده.. يجب أن تنهي عملها لتجهز لاحتفالها بعيد ميلاده الغالي على قلبها.. وليذهب حمزة الى أعماق الجحيم..
*******************
بعد فترة قصيرة تمّ حفل زفاف عمر ولونا وغادرا في رحلة شهر العسل ولا زالت نرمين مختفية تاركة الراحة بعيدة كليًا عن قلب ياسين الذي حقًا كان يريدها.. ولكن هي اختارت أن تكون بعيدة والقرار لها وبيدها فقط.. لن يجبرها اطلاقًا على الزواج به فليس هو ياسين من يجبر متمردة سليطة لسان كنرمين خاصةً على الزواج به..
هي رفضت الزواج منه ولها كل الحق في الرفض والموافقة عليها.. ما عليه الا الصبر لينساها أو علّها تعود إليه ذات يوم..
اقترب من شقيقته الصغيرة النائمة وقام بحملها بحنو وهمس بينما يتأمل جمالها البريء:
– لو كنت متزوجًا لكان لدي طفلًا أو طفلة اكبر منك يا صغيرة.. سبحان الذي خلق الجمال ما اجملك!
قال رواد باستهزاء وهو يشاهد شقيقه يتعذب مع تلك البغيضة نرمين:
– لو كنت انا انت لكنت اجبرتها على الزواج وكسرت لها رأسها.. ولكنك غبي تتركها لأوهامها وهي تريدك وتحتاج اليك رغم رفضها.. النساء هكذا.. يعشقن الرجل ولكن اوهامهن وخيالهن الفارغ يجعلهن يتصرفن بكل هذا الغباء والتكبر.. انها تريدك ولكنها تفعل العكس.. فقط أجبرها واضغط عليها واعدك ان تكون أكثر من راضية فهي تريدك.
نظر ياسين الى شقيقه وتشدق ساخرًا:
– اصبحتَ فيلسوفًا يا رواد بعد علاقتك بقريبتنا العزيزة ليليان.. هل طلبك الزواج منها اجباري ام ماذا؟
ومضت عينا رواد ببريق خطير متوعد وعازم على ترويضها بكل ما للكلمة من معنى..
– ليليان لي وانت تعرف مسبقًا بعلاقة الحب التي تجمعنا منذ فترة ليست بقصيرة فلا تتوقع اني قد أجبرها على شيء وهي تريدني بقدر ما تعشقني.. زواجي منها يجب أن يتم الآن أو لاحقًا.. فهي مصيرها معي انا فقط.
استغرب ياسين حال رواد فعلى الرغم من أنه يعلم صواب ما يقوله وصحته الا انه القسوة بعينيه لا تناسب أبدًا العاشق الذي كان عليه قبلًا.. وكأن عشقه مختلفًا يجمع بين القسوة والأنانية والشر.. بين الحب والحنان والتمسك..
لم يعقب ياسين ويرد على شقيقه بل اكتفى بالنظر إلى وجهه قليلًا قبل أن يعيد نظره الى شقيقته الصغيرة التي استيقظت واخذت تنظر إليه ببراءة قاتلة..
******************
هزت رين رأسها دون فائدة وهي تصغي الى الموسيقى الغربية القادمة من غرفة ابنتها صابرينا.. لو أن تلك المجنونة ترقص شرقي بدلًا أن تصبح مهووسة بالرقص الغربي..
تبرطمت رين وهي تجلس بجوار زوجها، هاتفة بحنق:
– ابنتك ستفقدني صوابي برقصها هذا.
ضحك آسر بخنو بينما يضم زوجته إليه:
– دعيها يا رين تفعل في منزل والدها ما تشاء.. غدًا ستتزوج وبالتأكيد زوجها سيمنعها عن الرقص.. فدعيها تعيش شبابها وحريتها في بيتنا كما تشاء.
ابتسمت رين بدلال وهزت رأسها موافقة قبل أن تحيط عنقه بذراعيها هامسة بصوت مغري:
– آسر يا عمري الم تشتاق اليّ لتقوم باختطافي مثلما كنت تفعل ايام الجامعة.
ابتسم آسر باستمتاع شقي لا يبرح عينيه مهما كبر:
– اهمسي بأذني “اخطفني ثوري” واعدك ان افعل لفترة طويلة يا عذابي المريح!
اطلقت رين ضحكة عالية قبل أن تنفذ ما أمرها زوجها به وتقبل خدّه..
تنهد آسر وهو يضع يده على قلبه، متمتمًا بنفاذ صبر:
– لا فائدة منها يا الله!
– تأدبا انت وهي.. خذ زوجتك الى غرفتك وافعل بها ما تشاء.. ماذا لو رآتكما صابرينا.
اتاهما صوت رواد الساخط لتضحك رين بخجل واحراج من طفلها وهي تواري وجهها في صدر زوجها الذي أخذ يزجر ابنه:
– اصمت يا قليل الادب.. هذا بيتي وانت جالس به.. وإذا كان لديك أي اعتراض على ما أفعله بزوجتي بإمكانك أن تغادر البيت.. ولد قليل ادب ومُدمر للحظات الجميلة!
ضحك رواد ملئ شدقيه وقال:
– امي خذي زوجك الى غرفتكما والا لن يسكت وسيطردني حقًا من البيت.
يتبع الخاتمة