رواية غزلًا يوقده الرجال

الفصل السادس
في عينيكِ،
حيرة تتراقص
تأسرني وتستفزني..
في عينيكِ،
كلمات كالشذى
ودموع مترقرقة
تعبث بوتين قلبي
وتجعلني اسرح في خيالي..
لن اصف عينيك،
سأكتفي بوصف شفتيكِ..
واخبرك كم انا مسعورٌ لملمسها
وتذوق شذاها..
سأصف لك رسمتها
وكأنني فنانٌ في رسمكِ..
وسأكون مهندسًا
لرسم بقية تفاصيلك
باتقان مغرَم جاهل..
———————-
احسّت بخجل فظيع يتشعشع في ثناياها بعد ما حدث.. خجل وتأنيب ضمير.. ليس بسبب ريس بل بسبب رسلان الذي لم يخطأ عليها ولو بكلمة واحدة وبالمقابل رُفض بطريقة مهينة من سند..
في الواقع هي كانت سترفض رسلان ولكن ليس بهذا الأسلوب..
مثلما رفضت غيره كانت سترفضه.. ليس لأجل ريس بل لأجل نفسها التي لا تقدر ان تكون الا مع ريس المتيمة به منذ الازل.. متيمة به رغمَ كل ما يفعله بها وفي قرارة نفسها تتمنى ان تسلخ عشقها له عن قلبها ولكن ما باليد حيلة.. وقعت منذ زمن طويل وما عاد هناك بلسم للجرح الذي سبّبه وقوعها..

تشكر الله ان جهاد كانت متواجدة لتكبح تهورهما عن الفتك بها اكثر.. لا تريدهما ان يتشاجرا فلا سند يهون عليها وكذلك لا حبيب القلب يهون.. انتبهت الى صوت والدتها التي دلفت الى غرفتها لتبعد الدثار عنها وتعتدل بجلستها وتغمغم:
– تفضلي أمي.

– ماذا حدث قدر؟ سند لم يعود الى الان.
تساءلت سيلين وهي تقعد بجانب ابنتها لتهز قدر كتفيها بيأس وتهمس:
– لا ادري امي.. لا اعرف.

– هل تكلمتِ مع رسلان؟
سألتها سيلين لترد قدر بتنهيدة:
– لا.. تشاجر معه ريس ورفضه سند.

– مرة اخرى!
هدرت سيلين بعصبية لتغمغم قدر بلا مبالاة:
– في كل الاحوال كنت سأرفضه.

– لماذا يا قدر؟ الرجل محترم.. الجميع يثني عليه.
هتفت سيلين بانفعال وقد بات يضايقها رفض ابنتها المستمر لجميع من يتقدم للزواج بها فهزت قدر كتفيها باستسلام خفي وهمست:
– لا اكن له اي مشاعر.. كيف سأتزوجه؟!

– ستحبينه بعد الزواج او خلال فترة خطوبتكما.
علّقت سيلين بتفهم لترد قدر بحزم:
– لا اريد الزواج الان امي.. ارجوك لا تضغطي علي.

كادت سيلين ان ترد على ابنتها برد قاسٍ ولكن ولوج سند المتجهم ردعها وجعلها تبعزق نظراتها بينه وبين قدر التي طأطأت بوهن اوجع قلبها على حالها..
وثبت سيلين عن السرير ثم غمغمت وهي تسير الى الخارج:
– يجب ان اعرف ما حدث بالتفصيل ولكن سأنتظر قليلًا الى ان تنتهيا.

لم يرد اي منهما على كلام سيلين.. اقترب سند من قدر وهتف بعصبية لا زالت تستحكم خلاياه بشدة:
– ماذا كنت تفعلين مع ريس ورسلان؟ اريد ان اعرف حالًا يا قدر.

– ريس استأذن أمي ليأخذني.
همست قدر لتخفف من حدة نوبة العتاب التي ستنالها فهتف سند بغضب وهو يسير ليقف امام سريرها:
– وماذا مع الغبي الاخر رسلان؟

– لا اعرف.. ولكن ليس له اي ذنب.. ريس هو من اخبره ان يأتي وفقًا لما فهمته.
برّرت قدر بضيق ليغمغم سند بحدة:
– وكأنك تدافعين عنه يا قدر!

– لا اقصد الدفاع عنه ولكنه مسكين ما كان يستحق هذه المعاملة منك والرفض بهذا الاسلوب.
قالت بهدوء ليهتف سند بتعجب:
– وهل كنتِ موافقة على الزواج به؟

– لا.
ردت بصراحة ليزم شفتيه ويجلس بجانبها بينما يتساءل بحنو:
– لماذا كنتِ تبكين؟

– لأنني كنت اشعر بالضيق والغضب في انٍ واحدٍ ولم اعرف كيف اريح نفسي الا بالبكاء.
همست وقد ظهرت انفعالاتها الشاعرية على خامة صوتها ليضمها سند بقوة ويغمغم بابتسامة:
– لا زلتِ تتصرفين كطفلة ضعيفة بريئة.. متى ستنضجين؟

ابتسمت قدر بشجن ثم قالت وهي تُحرّك رأسها على صدره كهريرة صغيرة:
– لا اريدك ان تغادر غرفتي قبل ان تتأكد من كوني غفوت سند.

ضحك سند وهو يلثم جبينها ثم همس لها:
– بالمقابل لا اريدك بالقرب من الحقير ريس ابدًا والا سأغضب جدًا منك.

****************
لم يستطع ان يكبت صرخته الحادة بأسمها بعد ان رآها فعلًا في منزله.. لا وبل جالسة بكل وقاحة مع جده تأكل البزر وكأنها تعرف جده منذ زمن طويل..

– ها قد آتى جدي.. انظر الى وقاحة حفيدك وعجرفته.
قالت لونا بغيظ ليضحك ريس ويهتف:
– اقترب اقترب يا ابن ليث.. ماذا سرقتَ للصحفية التي ستنشر فضيحتك على الجرائد.

– هل صدّقتها جدي؟
هدر عمر بغضب لتنهض بحدة وتزمجر:
– بالتأكيد صدّقني.. ووالدك ينتظرك ان تعود.

سكتت لوهلة قبل ان تنادي بصوتٍ عال:
– عمي ليث.. عمي ليث.. لقد عاد ابنك من العمل.

“لا وتعرّفت على الفراد العائلة جميعها!”
فكر عمر بتجهم قبل ان يقترب منها فيزجره جده باستمتاع:
– منذ متى وانت تسرق يا عمر؟ اول مرة اسمع عن ضابط يسرق!

– جدي هل صدّقت المتخلفة هذه؟
تساءل عمر بذهول قبل ان يرشقها بنظرة غاضبة عندمها سمع صوت والده:
– عمر اجلس وتفاهم مع الصحفية لونا بهدوء.

– اين امي؟
تساءل عمر بسخط ليرد ريس بضيق:
– امك وجدتك ذهبتا لتناول الطعام لوحدهما في مطعم فُتح حديثًا.

جلس ليث بالقرب من والده يتأمل العصبية البادية بعينين ابنه والمكر البادي على وجه الصحفية المجنونة فعلًا.. لا يقدر ابدًا ان ينسى كيف ولجت الى منزله تصرخ متوعدة بعمر..
تأمل انفعال عمر الذي حدج لونا بنظرات واجمة ردّتها له بتحدي.. ثم هتف بهدوء:
– ماذا سرقتَ لها من حقيبتها سيد عمر؟

– الف دولار ومئة يورو.
ردّ ريس بدلًا عنه ليضحك ليث بصوت عالٍ اغاظ عمر بشدة وجعله يزمجر:
– هذه المجنونة مخادعة.. تود ان تحتال عليّ.

– لم اعد اريد المال.
تمتمت بعبوس ليهتف عمر بتهكم:
– لا ارجوك خذي المال!

– حسنًا هات الف يورو فقط.. لا اريد المئة دولار.. خذها صدقة عني.
قالت ليكوّر قبضته ورغبة عاتيه تحثّه على بتر لسانها الطويل الغبي.. سمع قهقهة والده وجده ليزفر ويهتف بحزم:
– اقسمي بالله اني سرقت لك مالك وسأعيدهم لك.

– لا يجب ان اقسم بالله على امور تافهة.
ردت ببرود ليعلّق ريس باستمتاع:
– فتاة ناضجة ومتحرمة فعلًا.

– اشكرك جدي.
ردت بابتسامة قبل ان تنظر الى ليث وتستطرد:
– عمي كان يجب ان تكون قاسيًا اكثر بتربية ابنك لترّسخ الحلال والحرام في عقله.

– قسوت حبيبتي عليه دون فائدة.. عقله كعقل والدته.
اردف ليث بتنهيدة مصطنعة ليتمتم عمر:
– حبيبتي! لغير امي!

– انا سأعيد لك المال.. ما هو المبلغ مرة اخرى؟
هتف ليث لترد لونا بتبرطم:
– يجب ان يعيده هو.. اريده من تعبه هو.

– وتتشرطين ايضًا!!
دمدم عمر بغيظ ليؤنبه ريس:
– دع الفتاة تقول كل ما تود.

– جدي هل يوجد رجل مثلك لأتزوجه؟
سألته لونا بشقاوة ليضحك ليث ويغمغم:
– لو سمعتك امي كانت ستطردك من المنزل.

– ابي الا ترى انك اعطيتها امكانية حرية الحديث اكثر مما يجب؟
هدر عمر بحنق لترد عليه لونا بضيق:
– الا تلاحظ انك انسان متعجرف وتغار اكثر مما يجب؟ انا سأغادر.

– مع السلامة.
تمتم باستهزاء لترشقه بنظرات واجمة وتردف:
– سأزورك غدًا وسنتفاهم كما يجب حضرة الضابط.

ثم تطلعت الى ريس وليث وتابعت بابتسامة:
– وسأزوركما انتما قريبًا لنجلس ونتحدث.

اومأ لها ريس بموافقة لترمق عمر بنظرة جانبية وتهمس بصوت منخفض:
– ستعطيني الالف دولار وقدمك فوق رأسك.. اعدك!

*****************
رفع حاجبه الأيسر حينما عرف من المتصل والذي لم يكن سوى شقيق المغرورة نرمين.. تلقائيًا وبمهارة ادرك سبب الاتصال وهو يتذكر زوج شقيقتها الابله الذي ضربته المتوحشة نرمين.. لم يرد السلام عليه حتى بعد ان سأله ما علاقته بشقيقته.. اكتفى ببروده وابتسامته الساخرة وهو يرخي جسده على ظهر مقعده الاسود..

كان ينتظر بتأن ان يستشيط الاخر غضبًا ليدع لسانه الماكر يتصرف.. وبالفعل ما هي الا دقائق حتى شرع الاخر بالصراخ من شدة غيظه لانه يتكلم كالغبي لوحده..

– من معي؟
تساءل ياسين ببرود ليغمغم مصطفى بحنق:
– اخبرتك من انا منذ بداية الحديث.. ولكن على ما يبدو انك لم تسمع اي كلمة مما قلتها.

– آه انت شقيق المحامية نرمين.
دمدم باسين باستمتاع ليتشدق مصطفى بغيظ:
– من الجيد انك عرفت.. اخبرني ما علاقتك بشقيقتي؟

– اختك وقحة جدًا.
قال ياسين ليهتف مصطفى بعصبية:
– لم اسألك اذا اختي وقحة ام لا.. اخبرني ما علاقتك بها.

ابتسم ياسين بخبث قبل ان يرد:
– لا تجمعني اي علاقة بها.. ولكن من يعلم ماذا قد يحدث مستقبلًا.

– ابتعد عن شقيقتي افضل لك.. سنزوّجها قريبًا.
هدر مصطفى بتهديد ليقهقه ياسين بصوت عال ساخر ويقول:
– اختك تتزوج! على أيّ مسكين سترميها؟

اغتاظ مصطفى من كلامه الذي اوحى له ان شقيقته كارهة الرجال وضعت بصمتها ايضًا عليه.. ولكن هذا المحامي الماكر ليس بهيِّن ويستمتع بنوعية الفتيات الشرسات مثل شقيقته تمامًا.. في الواقع هو يدري جيدًا سبب تصرفات شقيقته ولا يستطع ان يلومها عليها.. فما رآته من كل الرجال الذين حولها لن يجعلها تتقبل اي رجل ابدًا.. واذ كان ملاكًا ايضًا!

هو يحاول دائمًا ان يثبت لها ان ليس جميعهم مثل بعضهم ولكنها كفيفة بالغشاء الفكري الذي يحاصر عقلها ورؤيتها فتُضرب كل محاولاته بعرض الحائط بالنسبة لها.. حتى هو تتعامل معه بتجهم وعنفوان
على الرغم من كونه يعاملها برفق وحنو.. ومع ذلك لن يلومها البتّة بل يلوم من كان السبب الرئيسي..

زفر بضيق قبل ان يهتف بجمود لياسين الساكت:
– ابتعد عن نرمين فقط.. لانها لن ترضى بك اطلاقًا.

لم يكن يعرف مصطفى ان تحذيره لياسين من نرمين ولّد رغبة أثيثة باللهو مع تلك البرّية واستنباط ما تغمده في سراياها لتكون بمثل هذه الشخصية التي تشبه الصخر بقوتها وصلابتها.. ولن يكون ياسين ابن آسر الهيب اذا لم يفعل..

*****************
لم تعارض سند الذي قرّر انه هو من سيوصلها الى منزل حمزة.. كان مكفهرَ الملامح والتعابير المحتدمة تحكيها عيناه.. لا تنكر وتقول انها ليست خائفة ان يتشاجر مع حمزة مرة اخرى.. لا ترغب ان تهيج من عصبية سند بسبب حمزة ذو اللسان المستفز والنظرات الوقحة..

لم تنتبه الى الطريق وتفكيرها بما دار بينها وبين والدها بعد سماحه لها بالعمل في منزل حمزة يعاود اقتحام عقلها مرة اخرى..
كان صارمًا بحديثه معها وبثها ملاحظاته الهامة بينما كانت هي هادئة، تنصت بأدبٍ..

“سند خطيبك عليك تنفيذ قراراته”
“حمزة رجل لعوب افهم دناءة عقله جيدًا فاحترسي منه واخبريني اذا جرّب ان يلهو بذيله معك”
“اذا شعرتِ ان حمزة يشكّل اي خطر على علاقتك بسند ستتركين عملك في منزله بشكل فوري وفي الاساس انتِ ستتركينه بعد عقد القرآن”
وغيره… كل ملاحظاته تتمحور حول علاقتها بسند وحمزة..

جفلت جهاد وخرجت من حجرة افكارها المضطربة بعد ان وضع سند يده على كتفها فنظرت حولها لتدرك انهما وصلا.. تنهدت ثم غمغمت بخور:
– اشعر انني مرهقة التفكير.

– ما الذي يؤرقك؟
سألها باهتمام لترد بصراحة:
– انت!

– انا؟!
تمتم سند بذهول لتومئ وتقول:
– صرت اخشى ان تغضب.. اخشى عصبيتك وتهورك.

– انا لستُ ملاكًا يا جهاد.
هتف سند بجدية لتزخرش ابتسامة هائمة صادقة على شفتيها وتهمس:
– ولكنك كالملاك في نظري حينما لا تكون غاضبًا.

لم يقدر الا ان يبتسم ويردف:
– وماذا اقول عنكِ اذًا؟! هيّا انزلي كي لا اتهور ونحن ما زلنا لم نعقد قرآننا الى الان.

اومأت بخنوع ثم سرعان ما كانت تعقد حاجبيها فور ان خرج حمزة مبتسمًا باستمتاع فأيقنت ان سماجة لسانه وغلاظته ستبدأ في التو..
القت نظرة بسيطة على سند لتتأكد من هدوءه فيصدمها بملامحه المتأهبة للقتل.. مجرد ان ينظر اليه لا يطيق! فكيف سيتحمل رؤيته لشهرٍ كامل تقريبًا؟
فكرت جهاد بحيرة قبل ان تمسك بيد سند وتهمس له بنعومة:
– غادر انت حبيبي.. سأنتظرك لتعيدني الى المنزل.

تطلع اليها دون ان يرد ثم رفع عينيه لحمزة الذي هتف بفظاظة:
– ها قد اتت حبة البطاطا ولكنها تبدو مرهقة اليوم.

عضّت جهاد على شفتها السفلى بحنق ليغمغم سند وهو يجاهد على طمس عصبيته لأجل جهاد التي دسّت اصابعها في اصابعه بحركة قصدت بها تهدئته:
– اتت وعليك ان تخرج.. تعرف ذلك جيدًا.

– هل خالتي ريما في الداخل؟
تساءلت جهاد ليرد حمزة بابتسامة لعينة:
– خالتك ريما تنتظرك في الداخل لذلك ادخلي اليها.

– اذًا هيا تفضل امامي.
قال سند ببعض الحدة ليهتف حمزة بشقاوة:
– اولًا ادخل واشرب شيئًا وبعدها سنغادر انا وانت عزيزي.

– لا، سند سيغادر لديه عمل.. وانت ستغادر ايضًا.
دمدمت جهاد بضيق ليهز حمزة كتفيه بلا مبالاة ويقول:
– سأغادر اذًا.

وبالفعل غادرا الاثنان وكلها يقين ان مغادرة حمزة حاليًا لا تعني انه لن يعود مرة اخرى بل سيعود ليلقي على مسامعها كلماته المغيظة التي تستنفر كل خلية في جسدها وتحفزها لتهجم عليه باسنانها فلا تترك مطرحًا واحدًا بجسده سليمًا..

*****************
منذ ثلاثة ايام وهما يتجاهلان بعضهما البعض.. لم يطاوع عقلها قلبها هذه المرة ويرضى بالحديث معه.. كانت تراه يتحدث مع هذه وهذه.. تارةً يبتسم وتارةً بارد الملامح.. ليتها تدري ما يدور في مكنونه.. ولكنه ريس! لو دارت حول العالم اجمعه لن تستنبط خباياه..

تنهدت تلجم تأوهًا يود ان يتحرّر من الأغلال التي تلتف حول قلبها.. ولكنها لن تفعل.. حديثها مع سند ورسالة رسلان التي وصلتها مساء البارحة حرّكا خيوط عقلها الحازمة لتخنق قلبها فتستطرد عشقها لريس وترّكز في الاهم..

– قدر.
لم تعرف انها كانت اسيرة شبكة الشرود الا حينما سمعت صوت علي فرفعت عينيها وغمغمت بابتسامة ناعمة:
– علي.. كيف حالك؟

– بخير.. هل رفضتِ العريس؟
سألها علي لتعقد حاجبيها باستغراب وتقول:
– من اين عرفت؟

– رسلان يكون ابن خالي.
اجابها بهدوء لتتمتم بذهول:
– حقًا! لم اكن اعرف.

– ادري.. في الواقع اريد الحديث معك حول موضوع معين.
هتف ببعض التوتر وهو يتلفت يمينًا ويسارًا ليتأكد من عدم وجود ريس الذي لا يكره احدًا مثلما يكرهه..
فإسترطت قدر خفقة متوجسة قلقة ثم غمغمت بتردد:
– تفضل علي.

– ليس الان.. قريبك ريس يقترب منا ولا اعرف اتكلم امامه وانتِ تعرفين السبب جيدًا.
هتف علي بضيق لتزفر قدر بغيظ قبل ان تشعر بيد ريس على كتفها:
– تعالي.. سندرس معًا في المكتبة.

– لا اريد.
ردّت قدر بجمود ليقول ريس باستحقار واضح يقصد به علي:
– تعالي معي ودعكِ من عائلة المجانين هذه.

“هل كان يعرف؟”
تمتمت بعقلها دون تنبس ببنت شفة قبل ان تحس بيد ريس تمسك يدها ليجذبها الى ناحيته بينما يهتف علي بغيظ:
– من تقصد بعائلة المجانين؟

– بالتأكيد ليس عائلتي.. كن ذكيًا قليلًا وافهمها دون شرح.
غمغم ريس باستهزاء وهو يجرّ قدر وراءه الى حيث مكتبة الجامعة.. الا انها اوقفته بنصف الطريق وحررت يدها بعنف ليرمقها بنظرات باردة اشعلت نارها..

– لماذا تتصرف معي بهذه الطريقة؟
سألته وهي تكاد تفقد عقلها فعليًا فيغمغم ريس بجمود:
– لأنك غريبة.

ثم طالعها بنظرات اربكتها قبل ان يسترسل:
– تصرفاتك.. شخصيتك.. شكلك الخارجي.. وحتى عمرك غريب!

– حتى عمري غريب!
تمتمت قدر بذهول ليغمغم ريس وهو يدنو منها:
– كل ما بك غريب.. حتى…

كاد ان يتابع لتتوسع مآقيها بتخفر وخوف الا انه قضم شفته السفلى وقال بغموض:
– انتظري ماذا سيحدث فقط.. انتظري يا..

مرّر نظراته الغريبة عليها لتقشعر تأثُرًا وتوترًا وهي تسمعه يهمس بخفوت سلب خفقات فؤادها المغرم حد النخاع رغمًا عن تحديها لقلبها:
– يا قدر!

– لا اريد ان انتظر.. سند طلب مني ان ابتعد عنك وهذه المرة سأنفذ طلبه كما يجب.
دمدمت وهي تستدير فيعيق تحرّكها بجسده الضخم حالما تلبث قبالتها ويهتف بجدية رغم استهزاءه الواضح:
– ومنذ متى اعير كلام شقيقك اهتمامًا؟ وكأنك لا تعرفيني يا قدر!

– اجل، لا اعرفك.. لا اعرفك البتة.
همست وحروفها تُبجس بمعاني مختلفة لا يدري فحواها الحقيقي الا هي.. ودون ان تنتبه كانت عيناها تطالع عينيه بشرود وهو يبادلها النظرات.. ولكن هذه النظرات لم تدوم طويلًا بعد ان غمغم بصوت اجش غامض:
– اكتفي بما تعرفينه اذًا.. وتعالي الان لأعطيكِ بعض المعلومات عن امتحانك القريب.

اومأت بصمت ثم سارت خلفه ليتوقف ويقول بسخرية:
– النساء اولًا.

عقدت حاجبيها بتعجب ثم سارت امامه يتبعها هو.. لم ترضى ان تدخل الى المكتبة بعد رؤيتها لتلك الفتاة التي تحس حقًا انها تكرهها.. هل قصد ان يجعلها تأتي الى الجامعة ليعرّفها على الفتاة التي كان يضمها؟! فكرت بوجع وهي تطالع تلك الفتاة..
لا تود ان تبدو ضعيفة امامه ولا تدخل وبالمقابل لا تود ان تقسو على قلبها اكثر مما يجب وتدعه ينشق بخناجر غيرتها عليه.. ما باليد حيلة اذ كانت متيمة به وتغار عليه بصمت..

توقفت غير راغبة بالاستمرار في سيرها ليدفعها ريس برفق ويهتف بسخرية:
– سنجلس لوحدنا فلا تقلقي لن أُكرّر ما حدث امام عينيك البريئتين.

لم تعير كلامه اي اهتمام وهي ترى ميرال تدنو منهما..
ابتسمت قدر حينما عانقتها ميرال وغمغمت بحب:
– كيف حالك قدر؟ لا يعقل ان نكون بنفس الجامعة وبالكاد نرى بعضنا!

ابتسمت قدر وقالت:
– حبيبتي ميرال.. تعرفين فترة الامتحانات وصعوبتها.

اومأت لها ميرال بموافقة ثم هتفت بنبرة ذات مغزى لم تمرّ مرّ الكرام للحدقتين التي تطالع تعابير قدر بتركيز:
– انتظريني بعد الجامعة.. سأخبرك برأي شقيقي بك.

تخضبت وجنتاها وهزت رأسها بارتباك ثم دمدمت:
– هيا ريس لندرس.

لم ينبس ببنت شفة وتركها هي تقوده الى طاولة بعيدة عن الجميع.. اختارت طاولة في اقصى المكتبة ليتشدق ريس:
– لنجلس في الخارج افضل.

تنهدت قدر بغيظ فسألها بنبرة قهرتها فعلًا:
– من اين يعرفك شقيق ميرال؟ واين التقى بكِ من الأساس؟

– لا يخصك.
اجابت بجمود ليرفع حاجبه الايسر ويهمس:
– سأعرف تمامًا كيف يعرفك.. واذا عرفت انه تعرّف عليك بطرق ملتوية سأذهب هذه المرة بنفسي لوالدك واخبره ان يعتني بأبنته.

– لا اريد ان ادرس معك.
زمجرت بعصبية وهي تنهض عن مقعدها فيزجرها بحدة:
– اجلسي ولا تثيري الفضائح في كل مكان نجلس به.

– انا ام انت الذي يثير الفضائح؟
تمتمت بغضب قبل ان تهدر:
– وتكلم عن نفسك قبل ان تتكلم عني.. على الاقل انا لا اسمح لنفسي بمعانقة الرجال.

– انا اتصرف كما اشاء.. لا احد يمنعني.. ولكن انتِ…
صمت وهو ينظر اليها فتتجهم وتسأله:
– ماذا انا؟

– انتِ لديك من يمنعك ويراقب تصرفاتك جيدًا.. وانا هو هذا الشخص في الجامعة.
قال بجدية لتتأوه بسخرية وتهتف:
– هل يجب ان اخاف منك اذًا سيد… ريس؟

ابتسمت وهي تقول اسمه كما يقوله تمامًا بلدغته الخفيفة.. فيعبس ويسألها بغيظ:
– هل تسخرين مني؟

– نعم.
ردّت بصراحة فيتأفف يلجم شتيمة تود التحرر ويهتف:
– اخرجي كتبك لندرس.. ولا تتكلمي اكثر مما يجب.

*****************
رفرفت رموشها بعدم استيعاب وهي تراه اسفل منزلها من نافذة غرفتها.. المجنون لقد فقد رشده بعد ان اخبرته انها ستسافر وصار يتصرف بتهور.. التقطت هاتفها الذي يرّن منذ دقائق وهي لا تزال تحت تأثير صدمتها برؤيته وخوفها من والدتها..

– هيرمان!! هل جننت؟ ماذا تفعل تحت منزلي؟
هدرت مها بغضب بعد ان ردت على اتصاله ليبتسم لها من الاسفل ويهتف:
– انزلي.. سأنتظرك.

ابتلعت ريقها ثم قالت:
– ابي وامي في المنزل.. لن استطيع.

– تسلّلي بهدوء.. انت بامكانك فعل اي شيء.
غمغم هيرمان ليحثها على النزول فاومأت له وهي تسند راحة يدها على زجاج نافذتها:
– سأحاول ولكن ادخل الى سيارتك.. الطقس بارد.

لبّى كل كلمة نطقت بها لتبجس انفاسًا حارة من صدرها وتفتح باب غرفتها، متمنية من كل قلبها ان تكون والدتها نائمة.. والدها بالتأكيد نائم فبعد ان يعود من عمله ينام ولا يستيقظ الا صباح اليوم التالي..

نزلت السلالم بتمهل.. حتى حذائها لم ترتديه! تخشى ان يصدر صوتًا فتُكشف.. تنفست الصعداء بعد ان تمكنت من الخروج دون ان يُقبض عليها ثم ركضت الى سيارة هيرمان وصعدت اليها وهي تصرخ رغم اثارتها بما حدث:
– ارغب في قتلك الان.. هل تعرف؟

استقبل هيرمان عاصفة صراخها باستمتاع وقهقهة عالية فزمت مها شفتيها وهدرت وهي تمسكه من ياقة سترته بخشونة:
– على ماذا تضحك سيد هيرمان؟ هل بامكانك ان تخبرني سبب قدومك الى منزلي في هذه الساعة المتأخرة؟

– اشتريت لك شيئًا سيسعدك.
ردّ وهو يبعد يدها بنعومة فتتمتم بعبوس:
– ماذا احضرتَ لي؟

– ستعرفين بعد قليل.. ضعي حزام الامن.
قال بغموض لتهتف بقلق:
– اخاف ان تستيقظ والدتي ولا تراني في غرفتي.

– لا تقلقي مها.. لن نتأخر.
همس يطمئنها فغمغمت باحراج:
– انا حافية القدمين.. رباه اشعر بالخجل!

ضحك هيرمان بصوت عالٍ وهو يتطلع الى قدميها التي تفركهما ببعض ثم هتف بابتسامة عاشقة بدت واضحة لعينيها:
– لن تخرجي من السيارة.. انا فقط سأخرج.

اومأت بابتسامة وقد هزم تعقلها جنون عشقه لها.. خائفة بجنون ان تعرف والدتها بخروجها مع هيرمان في هذه الساعة المتأخرة ولكنها بحاجة له.. بحاجة ان تخفّف قليلًا من اشتياقها له.. لن تراه لمدة شهر تقريبًا بعد سفرها الى فلسطين وقد تطول فترة مكوثها هناك اكثر..

لم تعرف انها كانت تتأمله طوال الطريق بمقلتين وامضتين بدموع الانكسار.. كل ما به تعشق بجنون.. وسامته الفتّاكة.. شخصيته التي تلهب انفاسها توقًا لتكون معه فقط.. نظراته الناعمة وقلقه عليها.. كل ما يبجس منه تعشق بجنون..

آه لو يعرف ماذا اخبرتها والدتها مساء البارحة لما كان سيسمح لها بالسفر نهائيًا.. لو يعرف كيف قالت لها والدتها بصراحة انها قد تُخطب من احد رجال العائلة.. كيف تُخطب وقلبها لا يخفق الا بأسم واحد رغم الاختلافات الشاسعة التي بينها وبينها هيرمان؟!

توسعت عيناها بذهول عندما شعرت بإبهامه يزيل دمعة كانت مستوطنة خدّها دون ان تدري.. لم تعرف ماذا تقول او بما ستبرّر سبب دموعها.. خلال الايام الأخيرة صارت تتحسّس من اي شيء وخاصةً من والدتها..

– لماذا تبكين مها؟
سألها هيرمان بحدة عبّرت عن قلقه وغضبه بسبب رؤيته لدموعها فهزت رأسها بيأس وردت:
– لا اعرف هيرمان.. لا اعرف.

زفر انفاسًا غاضبة ثم قال وهو يضمها اليه قسرًا للمرة الألف:
– لا تبكي حبيبتي.. اكره رؤية دموعك.

اومأت مها بابتسامة وهي تحاول الابتعاد عنه فيشدها اليه اكثر لتتحرك بضيق وتهتف:
– هيرمان لا تجعلني افتح معك نفس الموضوع في كل مرة.

ابتعد عنها لتتطلع حولها فتسأله بحيرة:
– لماذا احضرتني الى مطعم الجبل مرة اخرى؟

– ابقي في السيارة.. سأخرج لأشتري لك شيئًا تشربينه واعود لأريك ماذا اشتريت لك.
هتف هيرمان بهدوء لتومئ بانصياع قبل ان تتوسم حدقتاها النظر به وهو يسير الى المطعم بقامته الطويلة التي تخطف انفاسها..

لم يتأخر ويجعلها تنتظر كثيرًا.. عشرة دقائق وكان يعود حاملًا بيديه كوبين من الكاكاو المثلج، وكيسًا ورقي لا تدري ما به.. فتحت الباب لتخرج الا انه منعها حينما قال وهو يناولها الاغراض:
– ابقي في الداخل.

هزت رأسها باستغراب ليستدير هيرمان ويفتح صندوق سيارته ليُخرج صندوقًا كبيرًا لونه ازرق..
زمت شفتيها تكتم ابتسامة تود احتلال ثغرها حينما وضع هيرمان الصندوق في حجرها وامرها بخفوت:
– افتحي الصندوق.

فتحته بأنامل متلهفة ابتسم لها هيرمان ثم سرعان ما كانت تصيح بأسمه بذهول وهي ترى ما هي هديته!
ضحك هيرمان بحب ثم غمغم بابتسامة:
– اشتريتهم من موقع على الانترنت بعد ان اخبرتيني انك ستتحجبين.

تطلعت مها الى ثياب المحجبات التي اشتراها لها هيرمان بذهول.. هل يعقل حقًا ان يحبها لهذا الحد فيشتري لها هو كل ما يلزمها لتتحجب؟! هذه المرة لم تتحكم بدموعها فأطلقت سراحهم وكانت هي هذه المرة من ترغب التوغل في صدره.. ولكنها لم تفعل وهو لم يفعل فهيرمان تعهد لنفسه ان يساعدها على تلبية ما يأمره دينها ويحترمه..

– اريدك ان ترتدي الحجاب الوردي في اول يوم تقررين ان تتحجبي به.
همس لها بجدية لتبتسم مها وتومئ بتأثر:
– سأرتديهم جميعًا.. واحدًا تلو الاخر.. ثم سأدعك تشتري لي من جديد.

ضحك هيرمان وقال وهو يغمز لها:
– لا يوجد اي مشكلة حبيبتي.. يوجد في الصندوق علبة صغيرة..اخرجيها.

فعلت ما قاله وهي تجفف دموعها بأصابع مرتجفة.. نظرت الى العلبة الحمراء بتفكير ثم سألته بحيرة:
– ماذا يوجد بها؟

– افتحيها وسترين بنفسك.
ردّ بابتسامة لتفتحها وطبلة قلبها تدق كما لم تفعل يومًا.. تدق ابتهاجًا وعشقًا لهذا المخلوق الذي يقبع بجانبها..
خرج من شفتيها تأوهًا خفيفًا يسرد مدى تأثرها بما تراه.. كان في داخل العلبة سلسلة ذهبية مكتوب عليها اسم الله.. سلسلة ناعمة ورقيقة تناسب عنقها وروحها..

لم تستطيع ان لا تعانقه للمرة الاخيرة بعد كل هذه المفاجآت.. ففعلت ليقهقه بصوتٍ اطرب روحها وجعلها تبكي مرة اخرى رغمًا عنها..
كتمت اعترافها بعشقها له بصعوبة.. كتمت هدير قلبها العاشق بقساوة.. لا تود ان تعلّقه بها ولا تود ان تتعلق هي اكثر به فتموت من شدة حبها له لانها تدري ما هو قرار والدها ووالدتها بزواجها من رجل غير عربي..

*****************
عرفت جهاد انه لن يترك عادته هذه ابدًا.. يخرج الى عمله بعد ان تأتي الى منزله ثم يعود في منتصف النهار ليصدع لها رأسها بأوامره وكلماته المستفزة..
كورت قبضتها بعصبية حالما قعد قبالتها يتأملها كيف تأكل وينتقد طريقة اكلها..

احمرّ وجهها بشدة حينما قال لها حمزة باستفزاز:
– على رسلك.. لن يهرب الصحن منك.

تركت الطعام الذي بيدها بعدم شهية بعد كلماته التي تشعر انها كالسم تمامًا.. ثم نهضت دون ان ترد عليه هذه المرة لانها تدرك ان لا شيء ينفع مع هذا المتخلف.. سارت من جانبه دون ان تنظر اليه فيجذبها من يدها لتقع في حضنه..

توسعت عيناها برعب وهي تجد نفسها قريبة للغاية منه.. عيناه مرّسخة على عينيها الواسعتين.. ارتعبت من هذا القرب فحاولت ان تبعده عنها الا انها لم تقدر ابدًا ويداه تقرّبها اكثر منه.. رباه ريما ليست هنا وامه نائمة! من سيبعده عنها؟ فكرت جهاد بخوف..

– اتركني.
صاحت جهاد بذعر فيقرّبها اليه اكثر ويهتف بينما يتفرسها بنظرات اخافتها فعلًا:
– على الرغم من كونك سمينة الا انك لستِ ثقيلة.. غريب جدًا!

– ابتعد عني يا مجنون والا سأقتلك.
هدرت جهاد بجنون وهي تضربه على صدره فيضغط على جسدها اكثر ويقول بعبث:
– اقتليني اذًا ولكن بطرق مختلفة.

– اقسم بالله اذا لم تتركني…
لم يسمح لها ان تتابع قسمها وهو يضع يده على فمها يكتمه من التفوه بالمزيد.. ارتعشت كل خلية في جسدها.. خافت ان يغتصبها.. ان يؤذيها وهي لوحدها معه في منزله.. وانبلجت كل افكارها بعينيها السوداوين اللتين احتدتا شراسةً وعنفًا..

– هل تشعرين بالخوف عزيزتي جهاد؟
سألها بمكر لتهز رأسها بنفي.. ولو قتلها لن تهبه الرد الذي يتمناه.. ضربت قدميها في الهواء عسى ان يحرّرها من وكره الدنيء فيرفعها اكثر ليتقابل وجهه مع وجهها ولا يفصل بينهما الا يده التي تكتم انفاسها ايضًا لا فقط كلماتها..

استشرت الحمرة في سائر خلاياها واستفحلت وطأة القبضة التي تضغط على قلبها لتذعرها اكثر منه.. تخبطت ترغب في التحرر منه.. تريد الخلاص من جسده الذي يهددها بخطر الجنون..
لم تبكي ابدًا ليهتف حمزة بابتسامة مخيفة:
– جبّارة كوالدتك جهاد.. لا اقصد والدتك سيلا بل والدتك مريم!

من اين يعرف كل هذه المعلومات عنها؟ تساءلت برعب دون ان تخرج حروفها من فمها..
توسعت ابتسامته بعد رؤيته لكل انفعالاتها التي تطمسها بشق الأنفس ثم همس بتلكؤ:
– مستغربة، اليس كذلك؟ هل تعرفين ماذا اعرف عنك ايضًا؟

هزت رأسها بنفي ليبعد يده عن فمها ويغمغم بصوت خافت ماكر:
– اعرف كيف توفيا والدك ووالدتك.. اعرف لماذا تبناك العظيم ليث ويعاملك وكأنك ابنته وانت لستِ ابنته.. اعرف بعمل والدك السرّي.. اعرف كل شيء عنكِ!

– ماذا تريد مني؟
سألته مذعورة ليدفعها عنه برفق ويهتف بابتسامة:
– حاليًا لا شيء سوى ان تعتني بوالدتي.. ربما في الايام القادمة احتاجك ببعض الامور.

ثم نهض هو الاخر ليقف امامها فترتكس الى الوراء وتصيح بنبرة منفعلة:
– لماذا تبحث عن حياتي وتتعمق بتفاصيلها؟ ما الذي تستفيده من افعالك؟

قهقه حمزة وقد بدأ يغريه حديثه مع تلك اللبؤة الماكثة امامه تصرخ بطريقة يحبها جدًا:
– احب ان اعرف نقاط ضعف كل شخص قريب مني لأضغط عليه بها حينما يلزم الأمر.

– انت مجنون!
صاحت جهاد غير آبهة بما سيحدث وهي ترفع يدها لتطبع صفعة قاسية على خده تمنت ان تعطيه اياها منذ فترة طويلة..
لم تخاف من نظراته التي اضطرمت وبدأت تُطلق نيازكها الضارسة عليها.. توقفت بجمود وهي تبادله النظرات بصمود وشموخ انثى لا تعرف الخوف ابدًا.. لن تخاف منه وهي وراءها ظهرًا يحميها من اي شخص قد يفكر بأذيتها.. تملك عائلتها وتملك سند خطيبها الذي يفديها بروحه..

تمنت ان يحدث اي شيء رغم كل صمودها امامه ليبتعد عنها وينسى اسمها عن الوجود.. تمنت ان تعود ريما.. ان يأتي سند.. ان يحدث زلزال.. ولكن لا يرمقها بهذه النظرات الحادة التي سرعان ما اطلقت بسببها صرخة عالية وهو يمسكها من ذراعها بقسوة ويزمجر:
– اعتذري كي لا تندمين.

– لن افعل.
ردت بعنف فيضغط على ذراعها بقوة اكبر لتحس انها على وشك ان تُكسر.. ترقرقت دموع الالم في مآقيها رغمًا عن ارادتها لتبدو ثابتة واقوى امامه..

– اعتذري يا جهاد والا سترين تصرفًا سيجعلك تكرهين نفسك بسببه.
هتف بتهديد لتزدرم ريقها وتتوسع مقلتيها وهي تحاول فهم ما يقصد.. ولم يكن هناك اي حاجة ليفسر لها حينما دنى بوجهه من وجهها فتنتفض بذعر وتصيح بخوف:
– اعتذر ولكن ابتعد عني.

افلتها بنظرات ساخرة ثم مرّر انامله على خده يتحسس موضع اثار صفعتها تحت نظرات حدقتيها المتوجستين وتمتم بخبث ليغيظها:
– اذ كانت صفعتك ناعمة فكيف الامور الاخرى؟

لم تتحمل وقاحته ابدًا.. احتقنت بحمرة الاحراج والغيظ ثم استدارت لتخرج فيردعها صوته المستمتع:
– بدأتِ تنحفين ايتها البطاطا.. اشعر انني السبب.

– ليس لأجلك اطمئن.
ردت بعصبية فيهتف حمزة بشقاوة:
– اذا لأجل فستان الزفاف، اليس كذلك؟

– لا يخصك.
جهرت بعنفوان قبل ان تزفر بضيق حالما فتحت ريما الباب وولجت متسائلة عن سبب صراخهما..

*****************
تلّظت قدر حنقًا حينما وقف ريس بجانبها وكأنه حارسها الملاك ليعرف رأي شقيق ميرال بها.. احسّت بالخجل من ميرال التي رمقتها بلوم على احضارها لريس معها.. ولكن الاخرى لم تكن تدري ان ريس فرض حضوره بنفسه.. كانت مجبرة لا مخيّرة وهو يسير قبلها حتى! دون ان تقدر على منعه من اللحاق بها..

عضت قدر شفتها السفلى حينما طلبت ميرال منها التحدث على انفراد كدعوة صريحة لريس ان وجوده غير مرغوب به.. ولكن الوقح التصق بها وقال لميرال بنبرة مستحقرة قصد بها كل حرف نطقه:
– اخبري شقيقك انه اذا اراد الزواج ليطرق الباب.. رسائل الاعجاب هذه عن طريق شقيقته لا تسري نفعًا معنا.

– ريس!
زجرته قدر بحنق فيلقي عليها نظرة متجهمة ويهتف:
– ماذا قدر؟ هل تعرفين ماذا سيحدث اذا عرف سند بان الاحمق شقيقها يوصل رأيه بك عن طريق شقيقته.

– اخي لا يقصد ما فهمته.
غمغمت ميرال بغيظ ليقول ريس باستخفاف:
– اولًا لم اتحدث معك.. ثانيًا اي كان ما يريده شقيقك من قدر فيجب ان يقوله لواحد من رجال العائلة لا لقدر الرقيقة!

قال كلمته الاخيرة بتهكم لتمرّر قدر يدها على شعرها بعصبية وتهتف وهي تشد على ضروسها:
– ريس يكفي.
ثم تطلعت الى ميرال وغمغمت بأسف:
– ميرال سأتحدث معك على الهاتف.. اعتذر نيابة عنه.

– لماذا تعتذرين منها؟
هدر ريس بحنق لتجذبه قدر وهي تكاد تضربه بسبب هذا اللسان الذي يملكه.. لم يسبق ويمر عليها شخص يملك نفس غروره وكبرياءه..
تركت يده فور وصولها الى موقف السيارات وقالت:
– بامكانك ان تغادر.. سند سيأتي ليأخذني.

– هل اشتريتِ ملابس لعرس شقيقك؟
سألها ريس لتعبس باستغراب وترد:
– ليس بعد.. ولكن اليوم سأذهب.

– اذًا سأخذك انا لأصالحك.
غمغم وهو يفتح لها باب سيارته لتهز رأسها باعتراض:
– لا اريد.. سأذهب مع سند.

– شقيقك لديه خطيبته ايضًا.. اصعدي، اريد ان أريح ضمير جدتي الذي يؤنبها كونها تملك حفيدًا مثلي.
هتف سند وهو يدخلها الى سيارته لتتبرطم وتغمغم بعد ان صعد هو الاخر:
– وانت الا تملك ضميرًا ليؤنبك على افعالك التي لا تطاق؟

– بلى ولكنه لا يؤنبني.
ردّ بسخرية لترشقه بنظرة مغتاظة وتردف:
– بما انك انت من اقترحت مرافقتك لي ستتحمل النتيجة.

– لا تقلقي.
دمدم وهو يلتقط هاتفه ليتصل بسند الذي ردّ عليه بعد عدة محاولات منه:
– ماذا تريد لتتصل بي؟

– قدر معي.. لا تأتي.
هتف ريس بجمود ليغمغم سند بحدة:
– الى اين اخذتها؟

– اذهب الى ابنة عمي جهاد واعتني بها وبعد ان تعود الى المنزل ستعرف الى اين اخذت شقيقتك.. سلام.
قال ريس وهو يطالع قدر التي تبدو متوترة.. ثم اغلق الخط لتسأله بقلق:
– ماذا قال؟ هل غضب سند؟

– لم يغضب.. اطمئني.
غمغم لتومئ بصمت وتنظر الى الطريق بشرود.. كانت صامتة وهادئة اثناء الطريق.. لم تتحدث معه وهو لم يبادر.. حتى انها لم تنظر اليه كما تفعل عادةً عندما تكون معه في سيارته.. خائفة ان يكذب عليها ويكون سند غاضبًا بسبب خروجها معه.. لا تريد ان تثير غضب سند مرة اخرى..

وصلا بعد نصف ساعة تقريبًا الى المجمع التجاري ليركن سيارته وينزلا.. لم تحبذ ان تسير بجانبه بعد ان انتبهت الى عائلة تعرفها فهمست له:
– فليسير كل منا في اتجاه.

رفع حاجبه باستهزاء واضح ثم دون ان يكترث لطلبها كان يسير بجانبها ويضع يده حول ظهرها فتحاول ان تبتعد عنه الا انه يقرّبها اكثر منه..

– ريس.. ابتعد عني.
هدرت قدر بعصبية فيدخلها الى احد المتاجر ويقول:
– جرّبي بعض الفساتين الى ان اعود.

لا تعرف لماذا كانت تشعر بالقلق وهو يغادر تاركًا اياها لوحدها.. احسّت بالخوف من افكاره وافعاله.. حاولت ان تتجاهل التفكير به وترّكز نظرها على الفساتين التي امامها فيعجبها فستانًا اسودًا ذو فتحة ظهر كبيرة وبأكتاف عارية ايضًا..

كان عاريًا اكثر مما يجب بعض الشيء ولكنها ستضع فوقه في كل الحالات شالًا ناعمًا بناسبه.. طلبت من العاملة ان تعطيها القياس الذي يناسبها ثم ولجت الى غرفة تبديل الثياب لتجرّبه على جسدها.. وبدا في غاية الروعة عليها.. توافق سند حينما يقول ان الاسود يليق بها..

عقدت قدر حاجبيها بتخفر وهي تسمع صوت ريس الذي يبدو غاضبًا فخرجت ليسألها باحتدام:
– اين هاتفك؟

– لماذا؟
سألته بقلق ليتجاهلها وهو يقتحم غرفة تبديل الملابس.. تناول ريس حقيبتها واخرج هاتفها منها ليعبث به لثوان معدودة قبل ان يدفعها بغضب الى داخل غرفة تبديل الملابس ويغلق الباب تحت انظار العيون الفضولية.. شهقت قدر بخوف وهي تحاول ابعاده عنها فيهمس لها بصوت خافت اثار ريبتها وخوفها:
– اين رسالة رسلان؟!

———————-
يتبع..

 

error: