رواية غزلًا يوقده الرجال

الفصل الثاني
جعلتُ من عشقي لكَ مقبرة..
تحتويني بعد مماتي..
وتؤرقني في حياتي..
اتأزر الابيض قبلها وبعدها..
فأتعذب وانا انتظر شوقك اليّ..
لا مطرح لي غيرها..
اذ كان قبلها او بعدها..
في الحياة انتظر المقبرة..
انتظر مطرحًا ادفن به كلامًا،
لا يفهمه الا من شاقاه..
وفي الممات انتظر لقاءًا،
لا ينتظره الا قلب يخفق لحظة بلحظة،
وفي داخل المقبرة،
حيث سنكون انا وانتَ..
———————-
تغلغلت شهقاتها المذعورة بين طيات فؤاده الموجوع عليها والغاضب منها.. حاول ان يتجاهل بكاءها ولكنها لم تساعده البتة وبكاءها يحتد ضراوة اقلقته عليها..

كانت ترتعش وكلماته واتهامه لها امام شقيقها تُعاد على مسامعها وكأنها حُفرت كوصمة عار في روحها..
تخشى ان ترفع عينيها فتتلقى القسوة من شقيقها الذي حينما يغضب يؤذي.. تقوقعت حول نفسها وكأنها تحميها حينما ركن سيارته بجانب الطريق قبل ان تحس بيده ترفع وجهها اليه فيزفر بأسى على الشجن الذي تسرحه مقلتاها.. لم ينبس ببنت شفة وهو يتأمل دموعها التي تتدحرج على خديها ثم تهبط على ساقيها..
عيناها بريئتان تؤرقانه ليلًا ونهارًا عليها..

– اعتذر.
همس سند وهو يقرّبها منه ليقبّل جبينها فتتطلع اليه بعينين واسعتين مصدومتين، لا تزال الدموع تتصبب منهما بحرارة تسلخ جلده..

– لماذا؟
تساءلت بصوت مبحوح ليغمغم بحنو:
– لأنني سمحت لك ان تفكري بأنني قد اصدق كلامه لوهلة.

– ولكن كلامه صحيح.. انا كنت سأخرج مع علي لنتكلم قليلًا.
همست وهي تمسح دموعها ليهتف بهدوء:
– ولكنني اثق بك.. واعرف انك تضعين لكل شيء حد.. ومع ذلك الوم نفسي لانني اغلفك بحمايتي الشديدة فيراكِ البعض ضعيفة وانتِ اقوى منهم جميعًا.

– انا لست قوية في كل الامور.
علّقت ليرفع ذقنها ويرّسخ حدقتيه بحدقتيها:
– بل انتِ قوية قدر.. لا تدعي كلام ريس يضعف شخصيتك كي لا امسح وجهه عن الكرة الارضية.

– لا اريد ان اسافر.
هتفت باختناق ليسألها بتفهم:
– لماذا حبيبتي؟ اليست انتِ من رغبت بهذا السفر؟

– بلى، ولكنني اريد ان ازور خالي أوس.. احب الحديث معه لأن نفسيتي تتغير.
اجابت بحزن ليقول بجدية:
– قدر لا اريدك ان تحتكي بريس.. انا سأخبره ان يبقى بعيدًا عنك.

– لن اتكلم معه اساسًا.. واذا حاول ان يفعل سأتجاهله.
ردت وهي تنظر اليه بنظرات ناعمة ليبتسم:
– احسنتِ صغيرتي.. ولكنني لا اريدك ان تتجاهليه
بل اذا حاول ان يتدخل بك بسبب طلب امي منه لا تستكتي له واذا لزم الامر فاجئيه بلذاعة لسانك.. لأن هذا المغرور لا يعرف دواءه غيري.

– لن اسكت له.. لا تقلق سند.
همست ليضحك وهو يلثم جبينها مرة اخرى، ميقنًا ان كلماته ستنفذها شقيقته ما دام ريس يتصرف بهذه الطريقة الدنيئة.. وهذا جلّ ما يريده.. ان يبعد قدر عن كل ما قد يؤذيها وخاصةً ريس..

*****************
تلبثت مطرحها عندما صاح والدها بأسمها واستفحلت الحرارة في خديها بينما تبصر به وهو يزلف منها بخطوات تشي عن شدة غضبه.. لم تعرف ما الذي فعلته حتى تنطق حدقتاه بهذا الغضب المخيف..
طأطأت بتوتر بينما تسمع صوته الحاد يتساءل:
– ما الذي يريده منك ذاك المجنون؟

– من؟
تساءلت هي الاخرى وقلبها يكاد يوثب من صدرها بسبب تعابير وجه ليث الشرسة.. فلم يتردد ليث ويده تجذب ابنته من ذراعها ليصعد بها الى مكتبه..
توترت جهاد اكثر حينما اوصد والدها الباب بالمفتاح وامرها بخشونة ان تجلس..

– ابي، هل تقصد حمزة الحجازي؟
همست بقلق لتستشرس ملامحه ويزمجر بغضب:
– اجل جهاد.. لماذا يتصل بي ليخبرني انه يريدك ان تعملي في منزله وكأنه حصل على موافقتك وفقط ينتظر اذني!

– لا اعرف ولله.
قالت بخوف ليقترب ليث منها ويرفع وجهها فتخجل ان تضع عينيها بعينيه..
– لا اريدك بالقرب منه جهاد.. لا اريدك.. هل تسمعين ما اقوله؟

– اجل.
اجابت جهاد بغصة ليزفر ليث قبل ان يهتف بهدوء قدر الامكان:
– هذا الرجل عمي جواد نفسه لا يطيقه.. لا يجلب اي شيء سوى المصائب.. واذا فكّر ان يؤذيك انا سأشرب من دمه.. هل تفهمين؟

حاولت ان تنهض عن كرسيها فلا يثير ارتباكها جسد والدها الذي يقف قبالتها وعيناه المسلّطتان عليها.. الا انها لم تفلح ويداه تعيدها الى مكانها بينما تغمغم:
– ابي كل ما بيننا انه طلب مني ان اكون ممرضة امه في منزله، وانا رفضت.

– انتِ مخطوبة جهاد.. انتِ خطيبة سند.. لا يجب ان يدنو منك اي رجل عداه والا تعرفين تفكير عمر وسيف جيدًا.
هتف ليث بجمود لتقول بحزن:
– ابي لماذا تتكلم معي بهذه الطريقة وكأن بيني وبينه شيئًا ما؟

– لاني اعرف تفكيره يا جهاد.. صيته معروف.
اجاب ليث بهدوء قبل ان يستأنف بحنو:
– جهاد حبيبتي انا فقط اخاف عليك.. واعرف ما افعله جيدًا.. فقط حاولي قدر الامكان ان تبقي بعيدة عنه كي لا اسعى الى تدميره.

– حاضر.
همست بانصياع ليلثم جبينها بقبلة دافئة ويقول بينما يصلهما صوت عمر:
– ها قد عاد شقيقك.. طلب التحدث معك.

– بماذا؟
تساءلت بقلق ليقهقه ليث ويجيب:
– لا ادري.. انهضي لتري ما يريده منك هو ووالدتك.

هزت رأسها بارتباك كان باديًا في مقلتيها السوداوين ثم بخطوات مترددة انبجست من المكتب وعقلها يحوم بدوامات عديدة.. سند.. حمزة.. والدها.. عمر وسيف..

*****************
تهلّلت اسارير لين التي ما ان رأت حفيدها الاقرب الى فؤادها نهضت لترّحب به، تاركة زوجها لوحده يتناول المكسرات..
تبرطم ريس بضيق شديد بسبب اهتمام زوجته بحفيدها وكأن لم يعد له اي اهمية.. فضحك ريس الحفيد وهو يقبّل جبين جدته التي جذبته ليقعد بجانبها، دون ان تسمح له بالسلام على جده المغتاظ وبشدة ايضًا..

– دعيني القي السلام على جدي.
هتف ريس بمرح لتغمغم لين دون مبالاة:
– دع جدك ستراه لاحقًا.. الان قل لي اخبارك يا ابن غيث.

– الحمد لله بخير يا ام الكل بما انك بخير.
اجابها ريس وهو يضمها اليه لينهض ريس الكبير ويهتف بوجوم:
– سأصعد الى غرفتنا.. حينما تعود مكانتي الى مكانها سيدة لين بامكانك الحديث معي.

– الى اين انت ذاهب جدي؟
قال ريس لتغمغم لين بابتسامة عابثة:
– دعه يصعد.. كل الوقت هو امامي.. الان انت الاهم.

– حسابك يا ام ليث بعد مغادرة حفيدك الذي تحبينه بسببي فقط.
هدر ريس بحنق لترد لين وهي تلقي عليه نظراتها المستمتعة:
– ريس حفيدي اغلى على قلبي من ريس زوجي.

ضحك ريس وهو يقبّل لين من وجنتها امام جده الذي تركهما لوحدهما وغادر يتوعد بزوجته التي صارت تتعامل معه كيفما تشاء بعد ان اصبح لها احفاد..

– اقترب حبيبي ولا تأبه بجدك.
غمغمت لين ليقعد ريس بجوارها تمامًا ويقول:
– جدتي اريد ان اخبرك شيئًا.

– ماذا فعلتَ هذه المرة يا ابن عمك لا والدك؟
سألته لين وهي تتفحص تعابير وجهه بعينين خبيرتين تفهمان بالكثير اذ كان بسبب زوجها او اولادها.. فتنهد ريس قبل ان يردف بحذر:
– سأخبرك ولكن لا تغضبي.

– يا ساتر.. قل لي ماذا فعلت للفتاة المسكينة؟
دمدمت لين ليزم شفتيه بغيظ ويقول:
– عرفتِ عن من سأتحدث قبل ان اتكلم حتى.

– لا احد يجعلك تندم بهذا القدر غيرها.. هيا اخبرني لارى ماذا اقترفت.
هتفت لين بضيق ليبتسم وهو يجذب يدها ليقبلها ويغمغم:
– فليعنني الله عليكِ.

– ريس….
تمتمت لين بحدة ليضحك:
– سأخبرك ولكن لا تغضبي.

تطلعت اليه بتركيز ليحك مؤخرة رأسه ويستهل بالقول:
– قلت الكثير من الحماقات لها.. والاهم انني قد اكون تسببت لها بمشكلة مع شقيقها سند.
زفر ثم تابع:
– اخبرته ان ينتبه لشرفها.. ان يرى مع من تخرج.. وتشاجرت معها ومعه في الجامعة.

شهقت لين بغضب ثم بعصبية صفعته على يده وهدرت:
– ايها المجنون! ما هذه التصرفات الحمقاء؟

– لا ادري جدتي.. اخبرتك ان لا تغضبي.
صاح ريس بحنق لتزجره بسخط:
– وهل تنتظر ان اضحك لك؟! ماذا تريد من الفتاة يا ريس؟ اخبرتني انك لا تحبها فلما تفعل بها ما كان يفعل عمك ليث بزوجته سيلا واكثر؟!

– اجل.. انا لا احبها.
هتف بجمود قبل ان يتساءل بابتسامة عابثة:
– هل حقًا عمي ليث كان يتصرف هكذا مع زوجته؟

عبست لين وهي تتأمل المكر الذي تلمع به عيناه لترد بغيظ:
– لماذا تسأل؟

– ولله من يراه اليوم كيف يتعامل مع صاحبة شركته لا يصدّق كلامك.
غمغم لتضحك لين وتقول:
– سيأتيكَ الدور.. لا تقلق.

– مستحيل جدتي.. انا صاحب نفسي وكل ما يخصني.. وغيرك انتِ لا يعرف احد عني اي شيء.
اجاب بهدوء لتتجاهل لين كلامه وتهمس:
– اعتذر لقدر.. الفتاة طيبة جدًا ولا تستحق ما فعلته معها.

– سأحاول.
همهم ثم اضاف بمكر:
– اين قهوتي جدتي؟ يبدو انك كبرتِ ولم تعدي قادرة على التحرك من مكانك.. سأخبر جدي ان يبحث عن عروس جديدة له.

ضربته لين مرة اخرى على ذراعه وهي تضحك قبل ان تهتف بتبرم:
– لن افعل لك اي شيء.. اذهب لجدتك الاخرى لتعتني بك.. يكفيني اولاد ليث وطلباتهم.

– اسمي على اسم زوجك وحبيبتك، وسمعت من ابي انني الاحب لقلبك من بين كل احفادك والان انتِ تخبريني انك منشغلة بطلبات بقية احفادك.
غمغم ريس بحزن مصطنع لتقهقه لين بحب وهي تنهض:
– انتظر يا ماكر.. خمسة دقائق سأعود وقهوتك في يدي.

****************
ابتسمت قدر حينما احاطها خالها بذراعه وضمها الى صدره.. تمنت في هذه اللحظة ان تستوطن صدره طيلة الحياة.. يفعوعم قلبها بالطمأنينة والمرح عندما يسرد عليها مقتطفات بسيطة من قصص حياته.. تشكر الله ان سند اوصلها وغادر ليدعها تتكلم بحرية مع أوس..

– انظري اليّ قدر.
همس أوس بنعومة لترفع حدقتيها الشجيتين وتلقي عليه نظراتها التي تحرق قلبه قهرًا.. تنهد أوس وهو يلمح الدموع التي تتجمهر في مآقيها فقط من مجرد نظرة دافئة منه وكأنها تستعد على اطلاق موجة عاتية من الهموم التي تثقل كاهلها..

– ماذا فعل حفيدي هذه المرة؟
سألها أوس بابتسامة هادئة لتزم شفتيها بضيق وتغمغم بتيه:
– لا ادري كيف ابدأ او ماذا اقول؟

– لا اريد معرفة ما حدث تمامًا.. يكفيني كلمة بسيطة تعبّر عن كل ما فعله.
هتف أوس بجدية لتغمض عينيها وهي تسترط غصّة كالجمر عالقة في حلقها:
– اهانني.. اتهمني باشياء لا تمثلني.

ابتسم لها وهو يواري بصعوبة غضبه من حفيده الذي لا يكّف عن اذية الصغيرة التي تثير به مشاعر عدة.. واهمها ان يحاوطها بجناحي صدره فلا يجرؤ اي مخلوق على مسّها بحرف واحد.. حتى ابن ابنته الوقح ريس..
– انتِ وامك غريبات يا قدر.

عقدت حاجبيها باستغراب وحيرة ليسترسل بهدوء:
– امك كانت قوية اكثر مما يجب، حد الغرور.. وانتِ تظهرين ضعيفة اكثر مما يجب، حد الذل.. لم تتعلما كيف تكونان في الوسط.

– ولكنني لست ضعيفة.
همست باختناق ليرد بحزم:
– لستِ ضعيفة ولكنك خاصةً مع حفيدي المغرور لا تعرفين كيف تتصرفين.. عليكِ ان تكوني قوية في الرد عليه.. عليك ان تثأري لكل كلمة قد تمس كرامتك او تؤلم روحك.. عليكِ ان تحرّري الطاقة السلبية الكامنة في داخلك عليه مثلما يفعل تمامًا.

– خالي.. ريس حفيدك ايضًا.
تمتمت بتعجب ليضحك أوس ويقول:
– لأنه حفيدي اخبرك كيف تتعاملين معه.. بما انني اعرفه جيدًا وادري صفات من ومن ورث اقول لك كيف تتعاملين معه.

شردت بكلام جدها الذي جعل أوس يدرك ان قلم كلامه استهل بكتابة كلماته على دفتر عقلها.. يعرف جيدًا انها بهذه اللحظة ستحارب بضراوة كل من يشك ولو لوهلة انها ضعيفة وخاصةً حفيده ريس وشقيقها سند ربما الذي يحيطها بهالة حمايته التي تبعث الامان في روحها فتتجاهل اي اذى قد يُلحق بها بما انه موجود وتتصرف ببساطة اكثر..

– هل انتهى حديثكما؟
وعت من غفوة افكارها على صوت زوجة خالها عدن التي دخلت الى الصالة حيث تقبع هي وأوس فهزت رأسها بابتسامة وهي تغمغم:
– تعالي خالتي واجلسي.

ضحكت عدن وهي تتأمل ذراع زوجها التي تلتف حول الصغيرة بغريزة ابوية شديدة القوة.. ثم بمرح اقتربت منهما لتقعد بجانب زوجها الاخر وتعانقه فتحاول ان تبتعد قدر باحراج.. قرّبهما اليه أوس اكثر، غير مكترثًا بمقاومة قدر الخجول لتحمر وجنتيها وعدن ترمقها بنظرات عابثة عن كثب..

“السلام عليكم.”
طمست قدر شهقة مرتعدة كادت ان تنسل من حنجرتها وتخونها امامهم جميعًا وتخون الوعد الذي قطعته على نفسها..
“لماذا جاء الان؟ لماذا؟”
صاحت بين زوبعة افكارها التي جرفتها اليه، غير واعية بنظراته الساخرة ونظرات خالها أوس المراقبة بهدوء..

ابعد أوس زوجته وابنة اخته عنه وهو يتلقى السلام من حفيده قبل ان يتركه ليفعل ريس المثل مع جدته..
قبّل جبين جدته ثم ابتسم بغلاظة وهو يمد يده لقدر التي لم تتوقع ان يأبه بوجودها البتة..

– كيف حالك قدر؟
هتف ريس ويده لا تزال ممدودة فرفعت قدر عينين حادتين واجابت ببرود:
– على وضوء.. لن اصافحك!

لم يقدرا أوس وعدن ان لا يضحكا بصوت عالٍ على تعابير وجه حفيدهما الذي بان عليه بوضوح الاحراج..
انزل ريس يده ثم ابتسم ابتسامة لا تماثل ما يدور في حنايا عقله البتة وقال بنبرة لم يفهم معناها اي احد من الجالسين غيرها:
– اتمنى ان تبقي طاهرة طيلة الوقت.

لم ترد عليه وهي تراه يجلس على الأريكة التي قبالتها بينما هدير فؤادها المضطرب يكاد يهلك أوصالها.. خافت ان يتكلم عنها بسوءٍ امام خالها وزوجته فغمغمت وهي تنتصب واقفة:
– خالي سأتصل بسند ليأتي ويأخذني.

– ابقي حبيبتي هنا الى ان تأتي حور.
ردت عدن بلطف ليهتف ريس:
– هل ستأتي خالتي حور؟

– هذا ما اخبرتني به قبل ساعة.
همست عدن لتعزم قدر على الرحيل بسبب عدم راحتها لحور التي تحسّ انها بالكاد تطيقها.. وما ان كادت ان تتكلم سمعت ريس يغمغم بنبرة ذات مغزى:
– ابقي قدر وبامكانك ان تُصلّي هنا.

رفع أوس حاجبيه وهو يشاهد استفزاز حفيده لقدر بمهارة.. وكاد ان يقهقه بصوت عال وهو يسمع ردها الذي لم يتوقعه اطلاقًا:
– لا احب ان أُصلّي في مكان به انتَ.

“ابدعتِ يا ابنة أمك”
همس أوس بفخر لنفسه وهو يرى كيف قدر ارتشفت النصيحة ولم تُبقي اي قطرة منها لم ترتويها وتنفذها..

– قدر لماذا تتحدثين مع ريس بهذا الأسلوب؟
تساءلت عدن بتعجب ليهتف ريس بقسوة ارادها ان تجرح روحها بشراسة:
– دعيها جدتي.. هي اكبر مني فلن أرد عليها احترامًا فقط.

– اكبر منها بأربعة اشهر فقط.
اجاب أوس بهدوء لتبتسم قدر بألم وتهمس:
– عادي خالي.. سأتصل بسند الان.

مرّت من جانبه وهي تسير الى الخارج فيزفر أوس بغضب وهو يرشق حفيده بنظرات ساخطة لم ينتبه لها الاخر..
تعالى رنين هاتف ريس ليستغل الفرصة ويخرج وراء قدر بعد ان قال:
– سأرد على اتصال صديقي وأعود.

لم يأبه بالرد على الهاتف وهو يلاحق خطوات قدر التي توقفت اخيرًا في ساحة المنزل.. وما ان كادت تضع هاتفها على اذنها كانت يده تنتشل منها الهاتف بخشونة لتطلق آهة مفزوعة..
استولت يده على ذراعها ليسحبها بخفة بعيدًا عن اي عين قد تصلهما..

– احترم من هي اكبر منك وابتعد عني.
هتفت قدر بغضب ليهمس بصوت منخفض:
– هل جرحتك؟

– ريس دعني وابتعد.
دمدمت بنفاذ صبر وهي تدفعه بقبضتها ليغمض عينيه لوهلة ويقول بصوت جاد حاد:
– اريد ان اتكلم معك.. وعليك ان تسمعيني.

– لا اريد ان اسمعك.
هتفت قدر بقهر يسري في اوردة جسدها ليمسك ريس ذراعها ويقرّبها منه فتضربه على صدره وتزمجر ودموعها تهددها بالانزلاق على خدّيها:
– لا تمسكني بهذا الطريقة.

– عليكِ ان تسمعيني.
هدر ريس بعصبية وهو يقرّبها منه اكثر حتى كاد ان يضمها اليه.. فلهثت قدر انفاسها بسبب هذا القرب الذي يضنيها عشقًا ليلًا ونهارًا.. ثم بانفعال مشاعرها واحتدام اضطرابها غرست اظافيرها في عنقه لتخرمشه فيتركها متأوهًا مذهولًا..

لم تفكر وهي تحاول ان تهرب ليضمها سريعًا فيلتصق ظهرها بصدره.. توسعت عينيها بخوف شديد واصابعه تمتد لتلامس عنقها قبل ان تشعر بألم طفيف وهو يجرح لها عنقها كما فعلت له..

– اردتُ ان اعتذر منك قبل ان تتكلمي معي بهذه الطريقة ولكنك لا تستحقين.
همس بخفوت وانفاسه تلفح اذنها لترتعش اناملها التي تحاول ان تبعده عنها.. ثم قرّبها اليه اكثر لتتأوه بوجع وذراعاه تكاد تعتصر بطنها وظهرها وهتف بتهديد:
– لا تثيري جنوني قدر.. دعينا صديقان افضل لي ولك.

– لا اريد ان اكون صديقتك.
غمغمت بصوت مدبّج بمرارة اوجاعها العديدة منه فتبعد يده شعرها عن عنقها ويقول بجمود:
– هذا الموجود قدر فارضي به افضل لك.. كوني صديقك ارحم لك من اي شيء اخر.. وانت جرّبت القليل من جانبي العدواني فلا تجبريني ان ادعك ترينه كله.

– اتركني.
زمجرت بيأس ليديرها اليه بحركة عنيفة فتشهق بوهن نخر عظامها بينما عيناه تطالع عينيها بنظرات مبهمة..
انزلت رأسها ليغمغم بجمود:
– عليك ان تكوني صديقتي.. هل فهمتِ يا قدر؟

عقدت حاجبيها بتعجب وهي تتأوه بسخرية.. لا تفهمه.. لا تفهمه ابدًا.. تارةً يريدها صديقته وتارةً يفعل المستحيل ليبعدها عنه.. حدجته بنظراتها الرافضة وهي تتذكر كلمات خالها وشقيقها.. حرفًا حرفًا.. ثم تعثرت قدماها وهي ترتكس الى الوراء بينما تتساءل وهي تحس نفسها على حافة قريبة من الجنون:
– ماذا تريد مني ريس؟ لا افهمك!

– اخبرتك.. ان تكوني صديقتي.. هذا كل ما اريده منك.
همس وهو يثبتها مكانها لتهز رأسها بضياع وتتمتم بتخبط:
– انت.. انت..

لم تعرف ما تقول وهو يحاصرها من كل الجوانب.. اينما تذهب تجده في طريقها.. يحاصرها بجانبها الحزين وبجانبها السعيد.. وهو سبب كل احوالها!

– ماذا انا؟
سألها وهو يحرّرها من قيده الذي يخنقها فلا تقدر ان تتنفس وهي معه ولا هي دونه..

– ما الذي تريده يا ريس؟ وضّح لي اكثر.. تارةً تدفعني عنك وتارةً تقرّبني اليك.. انا لا افهم!
همست بانهاك وهي تحدق به بحدقتين تائهتين مرهقتين ليبتسم بهدوء شديد ويغمغم:
– كوني صديقتي واخبريني كل شيء عنك مثلما كنتِ تفعلين وسترين كيف سأكون معكِ.

– لماذا يهمك أمري لهذه الدرجة؟
تساءلت بعدم تصديق ليرد بنبرة قاطعة:
– افعلي ما قلته دون المزيد من الاسئلة.

– لن افعل.
هتفت بعناد ليقهقه باعجاب ويعلّق:
– كل مرة تكونين بها عند جدي اجدك انثى مختلفة كليًا.. هل كنتما تتحدثان وبما؟

– جدك هو خالي.. ولن اخبرك.
ردت بتصميم ليزفر ويقول:
– لا تقتربي من علي كي لا يتكرر ما حدث في الجامعة.. وربما بطريقة اسوأ.

– هذه حياتي انا فلا تتدخل بها.
غمغمت بفخر بذاتها وهي تتراجع الى الوراء ليدركها قبل ان تتمكن من الهروب ويزمجر بغضب:
– قدر لا تستفزيني وافعلي ما قلته.

– حسنًا ابتعد.
تأففت تخفي سعادتها بتصرفاته والتي تعني انه يغار عليها.. الا انه كان يعرف جيدًا ما يفعله.. والذي يعتبره شيئًا واحدًا فقط لا غير..
تركها ليهتف بتهكم:
– اذهبي وتوضأي فأنا لم اصافحك فقط.

***************
توسمت حدقتاه النظر بها وهي ترقص وسط ساحة الجامعة مع بقية الطلاب باحترافية.. ثم توسعت ابتسامته التي يخصها بها وحدها فقط وهي تدنو منه، متمايلة بجسدها..
توقفت قبالته وابتسامة مرحة يهواها تهبها اياه شفتيها الذي يتمنى ان يدري ما هو طعمها..

امسكت يده بنعومة دون ان تنبس ببنت شفة ثم سحبته الى حيث الطلاب يرقصون بصخب..
هزّ رأسه برفض وهو يجعد انفه بحركة مرحة لتضحك بصوت عالٍ وتغمغم:
– هيا هيرمان لنرقص.. الجميع يرقص.

– لا احب مها.
هتف لتتجاهل ما قاله وهي تمسك يده وتدور حول نفسها عدة مرات، ضاحكة بصخب.. ضحك هيرمان هو الاخر حينما توقفت عن ما تفعله والقت بثقل رأسها على صدره..

– غبية انا.. اشعر بالدوار الان!
همست وهي تضحك ليتنشق اريج شعرها ويسندها بيديه فترفع له وجهها وتستطرد:
– لنذهب الى المقهى.

– الا تودين ان ترقصي؟
سألها بابتسامة لترد بحنق:
– ولكنك لا تريد.

– لا احب هذا الجو كثيرًا وانتِ تعرفين.
قال بصوتٍ عالٍ لتتمكن من سماعه وسط الضجيج القائم فتبرمت وهي تجذبه مرة اخرى من ذراعه من بين الطلاب الذين يرقصون بجنون..

– لنغادر الجامعة.
قال وهو الذي يوجهها هذه المرة فاومأت بابتهاج وهي تسير برفقته الى الخارج:
– خذني الى مقهى الجبل.

– هيرمان؟
استدارت مها بتأفف عندما سمعت صوت ماتيلدا التي لا تنفك ان تلتصق بهيرمان بشكل مغيظ.. تبرطمت وهي تراها تدنو منهما قبل ان تتوقف امام هيرمان وتسأله:
– الى اين انت ذاهب؟

– سأخرج مع مها.
اجابها بجمود لتمسك مها يده وتهتف بنبرة متوحشة لم تلاحظها:
– سنغادر ماتيلدا.. وداعًا.

ثم دون ان تأبه الى ما تود قوله كانت تخرج متأبطة ذراعه من الجامعة.. قهقه هيرمان على تصرفاتها التي تجعله يتأكد انها تحبه مثلما يحبها والا ما كانت ستتصرف بهذه الطريقة مع حبيبته السابقة..

– مها.
امسك ذراعها قبل ان تولج الى السيارة فناظرته بعبوس ليقرّبها اليه فتتوتر وهي تتذكر تحذير والدتها وتهمس:
– اجل هيرمان.

– لا داعي لهذه الحدة مع ماتيلدا.. انتِ تعرفينها جيدًا وانا لا اريدها ان تؤذيك.
هتف بهدوء لترفع حاجبها الايسر وتغمغم باستهزاء:
– ماتيلدا تؤذينني! لن تجرؤ لانها تعرفني ايضًا.

– مها.
زجرها هيرمان لتعقد ذراعيها حول صدرها وتقول بضيق:
– يبدو انك لا زلتَ تحبها هيرمان.

– انا…
اراد ان يسترسل ولكنها قاطعته سريعًا خشيةً من الجواب الذي سينطقه.. تعرف انه معجب بها وتخشى نتيجة هذا الاعجاب الحاسمة.. هي تحبه ولكن…
كادت ان تصرخ بقهر وهو يرمقها بنظرات غريبة توصم على فؤادها حبها له وغيرتها عليه..

ودّت ان تغيّر رأيها وتعود ادراجها وتقبع مطرحها حيث كانت ولكنه سرعان ما حاصرها بجسده وحدقتاه تتأمل عينيها بجرأة لم تعتادها منه.. ارتعشت شفتيها حالما امتدت يده الى وجهها، تتلمسه برقة بينما يهمس:
– انتِ السبب!

لم تفهم ابدًا ما يقصده بكلامه وهو لم يفسح لها المجال لتفهم.. تركها بنعومة وببساطة استدار ليجلس على مقعد السائق..
غادرها حماسها ومرحها ورغبتها بفعل الكثير معه بعد ما حدث.. ماذا تقدر ان تفعل وكلام والدتها لا ينفك ان يبرح عقلها! ترغب ان تكون معه ولكنها تدري انه حلمٌ ابعد من المستحيل.. ولكن بالنسبة لهيرمان الامر كان مختلفًا كليًا.. فهو مخاوفه لم تكن شبيهة بمخاوفها.. جلّ ما يريده منها ان تعطيه المجال ليتمكن من الاعتراف لها بعشقه ليقاتل افكار عائلتها ويجعلها له.. ملكه..

*****************
خرج من المحكمة والغيظ يتشعشع في اوصاله بسبب المحامية البربرية.. الله وحده يعلم كم يرغب في صفعها بهذه اللحظة بسبب امتلاكها كل هذا الغرور..
رشقها بنظرات غاضبة لم تهز شعرة بجسدها وهي تواجهه بكل شموخ.. لا يعرف سبب حدتها المبالغ بها مع الرجال.. والافظع انها كلما رآته ينظر الى انثى ما يلمح ابتسامة ساخرة على شفتيها..

“مغرورة، تحتاج الى تأديب”
تمتم بصوت منخفض قبل ان يزلف منها فتتوسع ابتسامتها الساخرة وتقول:
– تهانينًا بالخسارة.

– لا تدعيني اضعك في رأسي.
هدر بتهديد لتضحك ببرود وتهتف:
– ضعني في رأسك.. اهوى مثل هذه التهديدات التي لا تهز شعرة واحدة في جسدي.

– احيانًا اشك بكونك امرأة.
غمغم بابتسامة ماكرة وهو يطالعها بنظرات عابثة من اخمص قدميها حتى اشهق رأسها فتشدقت:
– احب ان اثبت لك من انا بطرق اخرى.. هل تود ان تجرّب احداها؟

– كلّي فضول لأعرف انسة نرمين.. ماذا كان اسم عائلتك؟ لقد نسيت.
قال ياسين بتهكم لتحدجه بنظرة استخفاف وترد:
– حينما تهمني انتَ سأخبرك اسم عائلتي.
ثم استرسلت:
– واذا اردتَ ان تعرف ما الذي اقدر ان افعله تعال الى مكتبي.. واعدك ان ترى ماذا اقدر ان افعل.

ثم بخطوات واثقة غادرت ليصمم على البحث وراء حياتها.. سيكشف ما تحاول ان تضمره بقوتها هذه.. ولن يكون ياسين ابن آسر الهيب اذا لم يفعل.. واصلت حدقتاه تتبع سيرها الى ان اختفت من امامه ورأى امامه امرأة تختلف كليًا عن تلك المتوحشة الباردة..

ضحك ياسين بشقاوة عندما نظرت اليه وكاد ان يقترب منها لو لم يقاطعه رنين هاتفه.. نظر الى شاشة هاتفه ليجده والده فتبرطم وهو يرد:
– اجل ابي.

– اين انتَ؟
سأله آسر ليرد:
– الان خرجت من المحكمة.. ماذا هناك؟

– امك حامل.. وتريد ان تراك.
هتف آسر ليصرخ ياسين بفزع:
– حامل وهي بهذا العمر! اخبرها ان لا تتحرك قبل ان اتي.

لم يعد يبالي بتلك الفتاة المغرية حينما عرف ان امه حامل.. حامل يعني عذاب لكل المنزل.. لا نوم.. لا راحة.. لا شيء مثلما يجب..
وصل الى المنزل ليرى والدته راقدة على الأريكة وهي تبكي بينما جدته لين وجدته عدن متجمهرتان حولها..

– الم تعرفي ان تحملي الا الان؟ يجب ان تكوني جدة بهذا العمر سيدة رين.
دمدم ياسين بغيظ وهو يقترب من والدته ليصرخ آسر بوجهه فور ان القت رين نظراتها الغاضبة عليه:
– احترم امك يا ولد.. رين لا تزال شابة بأول عمرها.. واذا حملت هذا لا يعنيك.

– اللوم عليها لأنها ترضى ان تشاركك غرفتك.. منذ الان لن تناما الا بغرف منفصلة.. كم اخ واخت سيكون عندي!
هتف ياسين بغيظ لتضحك لين وتقول:
– هذا الرابع حبيبي.. اشكر الله انه ليس العاشر.

– هذا الذي انا خائف منه.
قال ياسين للين قبل ان يوجه كلامه لوالدته الحانقة: – الان عمتي حور ستشمت بك سيدة رين.

– لا زلت لم اخبرها.. سأتصل بها.
اردفت عدن بمرح ليهتف آسر:
– ارجوك أمي لا.. يكفيني مصيبة واحدة.

– سأنهض لأنام.. غادروا.
قالت رين وهي تنهض ليضحك آسر وهو يساعدها على الصعود فتوكزه وتهمس وهو توشك ان تبكي مرة اخرى:
– الجميع يسخر مني بسببك.. سأطبّق نصيحة ياسين وابتعد عنك كليًا.

– سأقتل ابنك الخبيث على ما يبدو.
صاح آسر بصوت عالٍ وهو ينظر تجاه ابنه الذي اخذ يضحك على استفزازه لوالده..

****************
اعتلت شفتيه ابتسامة حثيثة حينما اتته شكوى عن دار النشر الذي تنشر به تلك الفتاة ذات الشعر الأحمر..
الان سيتمكن ان يرد لها الصاع صاعين.. اهم ما سيفعله هو ان يراها خلف قضبان السجن تتوسله بالخروج.. وسيكون اكثر من قاسٍ وهو يرفض باستمتاع الافراج عنها..

ولج الى دار النشر ليطلب التحدث معها هي خصيصًا.. تمكّن مؤخرًا من معرفة اسمها.. لونا! هذا هو أسمها.. أدلع من هذا الأسم لم يمر عليه في حياته كلها..
رآها وهي تقترب منه بنظرات مستفزة تحثه ان يمزّق شعرها الأحمر بعنف..

– أوه الضابط!
غمغمت لونا بمرح ليبتسم ببرود ويقول:
– عليكِ ان تأتي معي.. تفضلي أمامي.

– حسنًا.. انتظر ان أُحضر كاميرتي معي لأصورك وانت تحقق مع المجرمين.. اياك ان تتحرك من مكانك.
هتفت وهي تركض لتحضر اغراضها فابتسم عمر باستهزاء وهو يبصر بمرحها الذي لا تدري الى ما سيؤول اليه..

– هيا لنغادر.. لنذهب بسيارتك.
اردفت بعد ان عادت ليدمدم بتهكم:
– في اي مطعم تحبين ان تجلسي؟

– احبذ ان يكون على البحر.
ردت بابتسامة غليظة ليزفر بحنق ويدفعها امامه.. لم ترضى ان تجلس الا بسيارته فأجبر نفسه ان يتحمل ثرثرتها وغباءها وسمح لها ان ترافقه بسيارته..
كان بامكانه ان يحقق مع احد اخر غيرها.. مع من هم اعلى رتبة منها.. ولكنه يريدها هي بالتحديد.. ليدعها ترى الجانب الذي لم تراه بعد..

– من اي عائلة انت؟
سألته ليلقي عليها نظرة حادة بينما يقود فتهز كتفيها بلا مبالاة وتغمغم:
– بامكاني ان اعرف دون ان تخبرني.

– اذًا اخرسي وابحثي بنفسك.
اجابها لتزم شفتيها وتتمتم بضيق:
– الا تلاحظ انك وقح جدًا؟ مغرور وكأن لا يوجد ظابط غيرك في العالم!

– كم عمرك؟
سألها لتهمس بحنق:
– ابحث بنفسك.. لن اخبرك.

ضحك بخفة وهتف:
– قوية ايتها الصحفية.. ها قد وصلنا فتفضلي وانزلي.

ترجلت من السيارة وهي تدخل قبله الى المخفر.. التقطت العديد من الصور بينما يتطلع اليها الجميع باستغراب..
زفر عمر بغيظ ثم هتف:
– انتِ.. لونا.. لم اطلب حضورك لتقومي باستكشاف المكان.. يجب ان احقق معك.

– انتظر لحظة.
قالت ليقف امامها ويقبض على ذراعها بخشونة قبل ان يدفعها لتجلس على احد المقاعد..
تأوهت بصوتٍ عالٍ ليمرّر يده على وجهه بعصبية ويهدر:
– اجلسي مكانك.

– لا تُطاق ابدًا.
زمجرت بغضب ليضع يده على ظهر مقعدها فتبادله نظراته الغاضبة بينما تسمعه يهتف بحدة:
– كلمة اخرى سيئة تبذر منك لا اضمن لك رد فعلي.

– ماذا تريد؟
دمدمت بضيق ليقاطعه احد الجنود:
– سيدي يوجد مشكلة في الخارج.

– اياكِ ان تتحركي من مكانك.
هتف بتهديد لتومئ بكذب.. وما ان خرج استغلت الفرصة لتفرّ هاربة.. صاح عمر بصوت عالٍ ان يمسكوها فخافت ان يقبض عليها ويؤذيها..
زادت بسرعتها، غير مدركة انه هو من يلاحقها هذه المرة وانه يتوعدها بغضب شديد..

****************
فور ان دلفت الى المشفى اخبرتها احدى الممرضات بالذهاب الى غرفة السيدة لورين التي تحتاجها بشكل فوري.. فتنهدت وهي تطرق باب غرفتها قبل ان تتفاجأ بالغليظ الذي يدعو حمزة يفتح لها الباب..
ابتسم حمزة باستفزاز وهو يرّحب بها:
– اهلاً وسهلاً بالانسة جهاد.. تفضلي.

– ها انت هنا مجددًا!
هتفت جهاد بعصبية ليبتسم حمزة ببرود ويقول:
– اخذت موافقة والدك.

– لا تكذب.. اخبرني بما فعلته وهو اساسًا لا يريدني ان اقترب منك، فلو سمحتَ ابتعد عن طريقي كي لا اضطر ان اتعامل معك بطريقة لن تعجبك ابدًا.
زمجرت بوجهه وهي تحس انها على أهبّ استعداد ان تضع بصمة كفها على خدّه.. وبالفعل كادت ان تفعل ورنين ضحكته المستفزة يثير كل خلاياها العصبية لتفتك به دون اي رحمة..

– ابتداءًا من الغد.. في تمام الساعة السابعة صباحًا تكونين بحانب المشفى لأتي واخذك انسة جهاد… العاصي!
غمغم بهدوء وهو يدنو بخطواته منها لتنبسط رموشها بذهول تام وهو ينطق اسم عائلتها الحقيقية.. طالعته بنظرات مذبهلة تسبح فيها خوفها من الذي يحوم حوله حمزة بهذا الاصرار والقوة..

– من اين تعرف اسم عائلتي؟
سألته بتوجس ليرد بهدوء:
– اعرف الكثير عنك.. اكثر مما تتخيلين.

– ما الذي تريده مني؟
سألته بقلق ليقول بابتسامة:
– تعرفين جيدًا ما الذي اريده منك انسة جهاد.

– اخبرتك اني لا اريد.. لماذا لا تفهم؟
صاحت بحدة ليقهقه ويسألها بينما يقترب منها بصورة لا تقدر على تحملها اطلاقًا:
– هل اتصل بخطيبك لاسأله؟ ما رأيك ان نأخذ موافقته؟

– لا تقحم سند بجنونك.
جهرت بعنفوان ليحاول ان يمسكها فتتراجع الى الوراء قبل ان تلمسها يداه وتهتف بانفعال:
– لا تلمسني.. ابتعد عن طريقي.. الجميع يكرهك.. لا احد يطيقك بسبب تصرفاتك!

أنّت بوجع حينما استولت يده على فكها بخشونة.. قاومته برعب والدموع تتكدس في عينيها.. خافت على نفسها من جنونه.. تعرف انه مجنون لئيم اذا اراد ان يؤذي شخصًا ما فهو يكون كالشيطان تمامًا..

– ششش..
همس بهسيس لتهز رأسها يمينًا ويسارًا فيستأنف بهدوء ظاهري:
– لا يهمني اي احد لأبالي بمن يكرهني ومن لا.. نفّذي ما اقوله فقط كي لا…

تركها تستنتج بقية كلماته لوحدها وتفهمها كما تشاء.. هزت رأسها بذعر ويده ترفع يدها اليمنى ليتحسس الخاتم الذي يلتف حول بنصرها بغموض.. ولم تدري ما حدث وكيف حدث وهي تجد نفس ملقية على الارض بينما هو يتصل بخطيبها سند!..

———————
يتبع..

 

error: