رواية غزلًا يوقده الرجال

الفصل التاسع..
يقولون انني احب اكثر مما ينبغي..
أهبُ بسخاءٍ.. بكرمٍ كله غباء..
يقولون انني لن أُحب..
فمن هو مثلي ليس متاح للحب.. 
من هو مثلي يقف على محطة المسافرين،
ينتظر تذكرة تقلّه من معلوم الى مجهول..
يقولون انني ضعيف لا يقاوِم،
حتى الضعيف مثلي يهزمني..
يقولون ويتكلمون عني
دون ان تكلّ السنتهم من خوض محرابي..
فكيف اخبرهم؟
ان في الحب والحرب كل شيء مباح..
ان طريقتي تختلف عن طريقتهم..
وان سبيلي ليس كسبيلهم؟
———————–
لم تعد تطيق صبرًا ليعود والدها وشقيقها عمر من العمل لتتحدث معهما.. بعد تصريح حمزة لها حسمت امرها وقررت ان تشكو لهما.. لا تستطيع التعامل معه لوحدها ولا تود ان تقحم سند بهذا الموضوع.. سند غضبه مخيف وقد يتهور فهو يكره حمزة جدًا.. وهي تدري انه ينتظر اي خطأ منه ليتشاجر معه بينما والدها يفوقه عمرًا وخبرةً واذا لزم الامر سيتدخل جدها ليحل هذه المشكلة التي وقعت بها كما لو انها وقعت في جبٍّ من الصراعات المستمرة..

والدتها تسألها منذ عودتها من المشفى عن سبب حالها.. ملامح وجهها تحكي عن خوفها وغضبها.. لا تريد ان تخبر والدتها.. هذه المرة من سيسمعها فقط والدها لا غير..
زفرت جهاد بضيق ووالدتها تكرّر سؤالها مرة اخرى.. دون ان تمل من صمتها:
– هل حمزة هو السبب يا جهاد؟ اشعر بالخوف عليك.. اجيبي حبيبتي!

اغمضت جهاد عينيها ثم بتعب اسندت رأسها على كتف سيلا.. وهمست:
– ارجوكِ امي انتظر الى ان يعود ابي.

ابعدت سيلا رأس جهاد عن كتفها ثم عانقتها وهي تغمغم بقلق:
– انتِ تشعرينني بالخوف عليكِ ولكنني سأنتظر حبيبتي.

اومأت جهاد وهي تُنعِم جسدها بحضن والدتها الدافئ.. تستمد منها الحنان الذي لم تبخل به قط في يوم من الأيام بل غدقتها به بحنان وسخاء أم حقيقية..

عاد والدها اخيرًا وهو يبدو عليه التعب.. توترت وارتبكت.. اضمحل قرارها التي عزمت تنفيذه.. نهضت كما فعلت والدتها لتعانق والدها الذي لثم جبين كل منهما..
تركتهما سيلا لوحدهما وغادرت لتعدّ طاولة العشاء لزوجها وابنها الذي سيعود قريبًا هو الاخر من عمله..

جذب ليث جهاد واجلسها بجانبه بينما يسألها بحنو:
– كيف كان يومك حبيبتي؟

– الحمدلله.. جيد.
همست جهاد قبل ان تنظر اليه وتقول بارتباك:
– ابي.. اريد ان اتحدث معك بعد ان تنهي طعامك.

– بماذا؟
سألها ليث باهتمام لتغمغم بحسم:
– ليس الان.

رمقها ريس بنظرة طويلة ثم هز رأسه وابتعد عنها، قائلًا:
– سأصعد لأغير ثيابي واعود.

اومأت جهاد ثم تنهدت وهي تراه يصعد الى الاعلى.. شردت بأفكارها ولم يوقظها الا صوت سيف الذي دخل وهتف:
– بماذا انت شاردة؟ منذ ساعة وانا اقول السلام عليكم!

– لا تبالغ!
غمغمت جهاد ليهتف سيف بجدية وتسلّط:
– منذ متى وانا ابالغ؟ قلت لك منذ ساعة فلا تجادلي.

رمقته بنظرة مغتاظة وقالت:
– لن اجادلك لأنني لا ارغب حبيبي الصغير.

بعد ساعة تقريبًا كانت تفرك يديها ببعضهما.. جميعهم ينتظرونها ان تتكلم.. خائفة بعض الشيء.. مع انها واثقة انهم اذا غضبوا فغضبهم لن يكون بسببها بل لأجلها..
ازدردت ريقها وهي تقنع نفسها ان ما تفعله هو الصواب.. احسّت بيد والدتها تحتضن يدها، تبث في روحها القوة لتزفر قبل ان تردف:
– لا ادري من اين ابدأ.. ولكنني سأشكو لكم عن شخص تعرفونه جيدًا.

– حمزة؟!
سألها ليث بعينين حادتين لتهز رأسها موافقة وتهمس بنبرة خافتة متوترة:
– اجل ابي.

– من حمزة؟
هتف سيف بحدة ليتجاهله ليث ويقول:
– ماذا فعل لك؟ واين التقيتِ به؟

– اليوم.. في المشفى.. انا خائفة منه.. حمزة يعرف الكثير عن ابي وامي.
همست جهاد بنبرة متحشرجة ليهدر عمر بغضب:
– ما الذي فعله هذا…؟

لم يكمل جملته بل وثب عن مقعده بعصبية، هاتفًا:
– انا سأذهب لأرى ما يريده هذا الحقير من جهاد وحالًا!

– اهدأ يا عمر.
زجره ليث بعصبية قبل ان يسأل جهاد بهدوء قدر امكانه:
– ما الذي حدث بينكما؟ اخبريني بالحرف الواحد لأعرف كيف اتصرف.

رفرفت جهاد رموشها بخوف لا ارادي عدة مرات وهي ترد:
– حمزة يلاحقني منذ فترة.. لا اعرف ما الذي يريده مني.. انا اشكو لك ابي لانني اريده ان يبتعد عني.. وانت تعرف اذا سند عرف لن يكون رد فعله عاقلًا بل قد يتهور ويأذي نفسه في النهاية.

– سند يجب ان يعرف.. انت زوجته وهذا حقه.
علّق سيف بخشونة لتهز رأسها وتهمس برجاء:
– لا اريده ان يعرف.

زفر ليث ثم هتف بحزم:
– لن نخبره الان.. دعيني افهم ما الذي فعله لك.. كلامك المختصر لا يعجبني.

– لنتحدث على انفراد ابي.. ارجوك!
غمغمت جهاد ليقول عمر بغيظ:
– من حقنا ان نسمع ايضًا.. ومن حقي انا خاصةً.

– وانا ايضًا.
هتف سيف لترمقهما سيلا بنظراتها المستهجنة فيما تسمع رد ليث:
– لا احد غيرنا.. انا وهي فقط.

– تعالي معي.
سارت وراء والدها وهي تفكر بالكلمات التي سوف تقولها..
قعدت امامه ليسألها بجدية:
– ماذا فعل حمزة لك؟

– لم يفعل شيئًا سيئًا.. ولكنني خائفة منه.. ذات مرة اخبرني انني كوالدتي.. يعرف عن عائلتي الكثير من الامور وكأن وراءهما سرًا ما.. بالاضافة الى سخريته.. لا يناديني الا حبة بطاطا!.. وهذا يضايقني.. فقط اريد منك ان تهدده بالابتعاد عني.
اردفت جهاد بهدوء ليقول ليث:
– وماذا ايضًا؟

– كان يتصل بي بعد ان تركت العمل عنده ولكنني لم ارد عليه.. حتى انه مرة هددني بعدم اتمام حفل عقد قرآني اذا لم ارد عليه!
همست بتوتر ليهدر ليث بعصبية:
– والان فقط تقولين كل هذه الاشياء!

– كنت مترددة.
تمتمت بخوف ليزفر ليث بانفعال وينادي بصوتٍ عالٍ افزعها:
– عمر.. عمر..

سرعان ما كان يفتح عمر الباب بينما يهتف بصوت غاضب مشتعل:
– نعم ابي.

– اقبض عليه بتهمة ما والقنه درسًا في السجن ليعرف ان اللهو مع عائلة الجايد نتيجته وخيمة!
دمدم ليث بغضب لتهمس جهاد بارتباك:
– امه تعاني من مرض الخرف (الزهايمر).. من سيعتني بها اذا بقي في السجن؟ فقط هدّده لاجلها.. حالتها كلما تتدهور وهذا المرض خطير جدًا فهي تحتاج الى من يرافقها اربعة وعشرين ساعة.

شتم ليث بخفوت ثم قال لعمر:
– ضع بصمة على جسده فقط ليجرؤ مرة اخرى على الدنو من شخص يخصني.

اومأ عمر على مضض ثم خرج.. لا شعوريًا احست جهاد بالشفقة على والدته لورين لتهمس برجاء:
– ابي ولله والدته مسكينة.. لا يوجد من يعتني بها غيره وغير خالتي ريما.. اذا تأذى من سيعتني بها؟

– هل احضر لها ممرضة غيرك؟
سألها ليث لترد:
– لا ادري.. ولكن وفقًا لما اعتقده انه احضر لها والا ما كان سيتركها لدقيقة.

– اذًا لا تقلقي.. اذا مات نحن سنعتني بها!
هتف ليث بجمود لتزم جهاد شفتيها وتقرر الالتزام بصمتها..

**************
كم مرّ على حفل تخرّجه؟.. لا تذكر فعلًا.. لا تود ان توغل عقلها في متاهة ذكريات مؤلمة.. يكفيها انها تحاول النسيان.. هذه المرة ستُجبر نفسها بالقوة.. ستدوس على قلبها الذي يخفق له وحده ويهفو لكلمة جميلة منه وستنساه.. كل خلية في جسدها تشكو من اهاناته وكرامتها المهدورة.. تحبه؟! ليست هي الوحيدة من تحب.. ولكنها احبت الانسان الذي لا يستحقها..

اسندت ظهرها على جذع الشجرة، مستمتعة بالهدوء الذي حولها.. هدوء يبعث الطمأنينة في اوصالها.. كانت تعقد هدنة بين قلبها وعقلها.. وشتآن ساحق بينهما.. العقل يقاوم والقلب ينازع.. العقل طفح كيله من افعاله والقلب يغفر له..
وهن عظيم يتغذى على روحها فتنزلق دموعها بائسة كالجمر.. شجية كمعزوفة الناي..
ألم يقولوا ان في الدموع حكايات؟ وهي دموعها كلها تتمحور حول حكاية واحدة.. فألم يئن الاوان لتردع هذه الدموع وتنهي هذه الحكاية المأساوية بنهاية اشد مأساة؟

اغمضت عينيها فتداهمها صورته.. بوسامته.. بقسوته.. بابتسامته.. حتى بلدغته التي تسحرها..
في كل مكان بالجامعة هناك بصمة منه تذّكرها به.. في كل مكان تجد نفسها تائهة بين اروقة حنينها وشغفها اليه.. في كل مكان هناك ذكرى تجلد عظامها بسوطٍ اشد قوة.. وما لها الا الذكريات دونه وما لها الا الاحزان معه..

احسّت بشخصٍ يقعد بجانبها.. لم تفتح عينيها وتُبعد رموشها عن بعضهم.. تعرفه من عطره الثقيل..
وضع كفه فوق كفها فتبعدها بضيق وتفتح عينيها لتراه يرمقها بذات النظرة الغريبة..
تطلعت اليه قدر لثوانٍ قبل ان تشيح وجهها ليهمس لها علي:
– لماذا تجلسين لوحدك هنا؟ بعد ان تخرّج ريس انطويتِ على نفسك ولم اعد اعرفك.

تنهدت قدر ثم سألته بخفوت:
– هل انا واضحة؟

– اجل.
ردّ بصراحة لتتأوه بتعب وتقول:
– كيف لا اصبح واضحة؟ اريد ان اكون غامضة.. لا احد يعرف ما يدور في داخلي سواي؟

– شفافيتك تميّزك.
هتف علي بصوت اجش لتنظر اليه وتبتسم بمرارة، مغمغمة:
– ولكنها تجعلني ابدو ضعيفة.

– ربما!
همس قبل ان يتساءل بابتسامة:
– هل تريدين ان تصبحي غامضة؟

– اجل.
ردت برجاء ليومئ بابتسامة ويردف:
– اذًا تحتاجين لمن يساعدك على اخفاء ما في باطنك.

– سند.
همست دون تفكير ليضحك علي ويقول:
– محظوظ شقيقك بحبك له.

ابتسمت ودام الصمت لدقائق.. كلاهما شاردان بأفكارهما.. ولم يقطع هذا الصمت سوى سؤال علي الذي اجّج من خفقان فؤادها وتوتر اضلعها:
– قدر.. هل تحبين ريس؟ اجيبي بكل صراحة.

رمقته بنظرات مذبهلة.. لم تتتوقع ابدًا ان يسألها سؤال كهذا لا يزيدها الا وجعًا.. ارتبكت ولاحظ علي ارتباكها ليجزم ان ظنونه صحيحة.. توجع وتحسّر فؤاده لآجلها حينما رفعت كتفيها وانزلتهما باستسلام وهمست بخنوع:
– اجل، انا افعل!

ازدرمت قدر ريقها واستأنفت بشجن:
– اعتذر منك.. انا اتفهم شعورك!

– لماذا تعتذرين؟
سألها بهدوء شديد لتتلألأ دموعها في مآقيها وتغمغم بصوتٍ واهٍ:
– لأنك تحبني.. وانا.. وانا احب غيرك.. انا اتفهمك!

– ليس كل ما نتمناه نحصل عليه.
هتف علي وهو يحدق بارتعاشة شفتيها فاومأت قدر:
– ادري..

– هل يعرف؟
سألها لترفع كتفها الايمن بحيرة وتغمغم بكذب:
– لا ادري.. ربما؟!

تطلع علي اليها وكأنه لا يصدّقها فنهضت وكأنها عرفت اخيرًا فداحة خطأها باعترافها بحبها للرجل الذي يكره ريس ثم تمتمت:
– انا سأغادر.

– انتظري قدر.
هتف علي بينما ينهض هو الاخر لتزم قدر شفتيها فيحدجها لوهلة بنظرات عميقة تغلغلت اوصالها ثم يسألها:
– ما رأيك ان اكون صديقك؟ اساعدك لتنسي ريس وبالمقابل…

– وبالمقابل ماذا؟
سألته بتوجس ليبتسم علي كي يطمئنها ويغمغم:
– لا تقلقي.. وبالمقابل ان تعرّفيني على فتاة ما تستطيع ان تجعلني انساك.. فأنا لست ذاك المغرم بجنون مثلك.. انا في النهاية رجل وسوف انسى بسهولة!

رمقته قدر بنظرات غير راضية فيهتف بسلاسة:
– فكّري يا قدر.. اقسم انني لن اؤذيك.. من يحب لا يؤذي! وانتِ خاصةً انثى لا تستحق الاذى.. بل تستحقين الاحتواء والحب فقط.

هزت رأسها دلالة على انها ستفكر:
– سأفكّر.

كيف ستفكر وكل افكارها تدور حول ريس؟ حول حبيب الوتين.. خليل الفؤاد.. من تعشقه دون تفكير!

“سأفكر من اختار..
الحب او اللاحب..
سأفكر بالنار وجمرها..
بالجنة ونعيمها..
من بين كل اختيار
انتَ من سأختار..
فهو قرار لا بد منه..
فلا خيار.. ما دمتَ المتاح
والممكن والوحيد فقط للاختيار..”

*****************
وصلتها رسالته التي فاقمت من هدير فؤادها.. لم تتوقع ابدًا ان يقبل على خطوة كهذه.. ان يرسل لها رسالة تخبرها بصريح العبارة عن تواجده في فلسطين كان صادمًا جدًا لها..
جالت حدقتيها حولها بخوف وكأن احدًا ما سيقفز من العدم ليقرأ رسالته! افكار عديد تهاجم بضراوة رأسها.. اوهام مرعبة تقتحم اسوار دماغها لتبجس منها تصرفات غير واعية..

اتصلت به، شاكرة الله انها لوحدها في المنزل.. كان لديها حجّة هذه المرة لكي لا ترافق عائلتها بزيارتهم لمنزل شقيق جدها جواد.. اخبرت والدتها انها تحس بوجع بطنٍ قوي ولن تقدر على مرافقتهم فوافقت والدتها على مضض ورصخت ان تتركها لوحدها في المنزل..

لا تدري بعد كم من الوقت اتاها رده.. رعبها عليه وعلى نفسها طمر صمودها ليتشعشع بين سراديب مخاوفها التي تواريها بصلابة ومتانة..
همست مها بنبرة واهية دون ان تلقي بالًا لكلماته المشتاقة التي قالها:
– اكذب عليّ واخبرني انك لستَ في فلسطين.. ارجوك هيرمان!

– انا اتيت لأجلك مها.
غمغم هيرمان بهدوء لتهز رأسها برفض وتهتف بانهيار:
– مستحيل ان اراك! مستحيل! لماذا اتيت يا هيرمان؟ لماذا؟

– لأنني اريدك مها! اقولها لك بكل صدق.. انا اريدك! سأطلب يدك من عائلتك!
اردف بجدية لتقول بيأس:
– لن يوافقوا.. امي لن توافق ابدًا.

– لنلتقي اميرتي ارجوك!
همس برجاء لترد برفض قاطع:
– لا اريد هيرمان.. لا اريد.. عُد الى المانيا ارجوك!

– ليس قبل ان اتعرف على عائلتك.
هتف بحسم جاد لتزجره بعصبية:
– لن تتعرف عليهم.. التفكير هنا مختلف كليًا عن تفكيرك هيرمان! اول شيء ستناله هو الضرب منهم.. وانا لا اريدك ان تتأذى.. عُد يا هيرمان!

– المشكلة تكمن في ديانتي، اليس كذلك؟
سألها بهدوء لتجيب بخور:
– اجل، في ديانتك.. بيئتك.. اختلافك.. كل شيء يشكل مشكلة!

– انا اسلمتُ مها!
القى هذه الكلمات على مسامعها لتشهق مها وتكرّر بصدمة تامّة، غير قادرة على تحديد شعورها كما يجب:
– اسلمتَ! اسلمتَ هيرمان!!

– اجل اسلمتُ.
ردّ بهدوء لتقول بآسى:
– ولكنك اسلمتَ لأجلي.. اسلامك ليس لأنك تحب الاسلام!

– انا احبه بسببك.. بسبب كلماتك حوله.. احب كلمة ما شاء الله.. الحمد لله.. احب ان اتعلم منك كيف اكون مسلمًا بحق.
هتف هيرمان بنعومة لتبتسم مها بانهاك وتغمغم:
– سأعلّمك لترشدني انت كما تفعل دائمًا.. ولكن…

– ولكن؟
علّق بتوجس لتسترسل:
– لا احد سيوافق باسلامك.. الفكرة كلها لن تعجبهم.. لا اعرف هيرمان.. الطريق بيننا مسدود!

– الا تودين ان نلتقي اليوم؟
سألها برجاء، متمنيًا ان توافق الا ان ردها الرافض سرعان ما كان يأتيه:
– مستحيل هيرمان.. لن أُعرّض حياتك الى الخطر.

– لا تخافي عليّ.. اعرف كيف احمي نفسي.
هتف هيرمان بجدية تامّة لتهز رأسها بنفي وتقول:
– لن اراك.. عُد الى المانيا.

– لن اعود.. لا تجادليني اكثر مها.
تمتم بعصبية لترد بغضب اشد:
– لا اريدك! مجنون!

وبجنون كانت تغلق الخط وترمي جسدها على السرير ما بين بهجة وقهر.. وشتآن عظيم بين سبب قهرها وسبب فرحتها..
لم تبكي.. لا تود ان تقبع تحت تحقيقات والدتها مرة اخرى.. تنفست عدة مرات بصوتٍ عالٍ لتخمد من اجيج توترها وخوفها..
هدأت بعد وهلة فالتقطت هاتفها بغية ان ترسل رسالة لهيرمان تعتذر بها ولكنها تتفاجأ برسالة من ياسين يطالبها بالالتقاء في مكتبه.. وكأنها تعرف اين يقع مكتبه! فكرت مها بتهكم..

اتصلت بوالدتها كي تطلب منها الذهاب لرؤية ياسين فتوافق حياة بسرعة وبابتسامة واسعة.. كوّرت مها قبضتها بقهرٍ لا يُطاق وهي تتساءل باستياء دون ان تنطق..
“بماذا ياسين افضل من هيرمان؟”

بعد ساعة تقريبًا كانت تجلس امامه.. ارسل لها العنوان واتت لتعرف ماذا يريد هذا المتطفل..
انتظرته لعدّة دقائق ان يتكلم ويخبرها ما الذي يريده منها.. ولكنه كان صامتًا منشغلًا في الملف الذي في يده وكأنها ليست موجودة!
استفزها صمته لتزمجر بعنفوان:
– سيد ياسين لماذا ناديتني اذا كنتَ ستبقى صامتًا؟ هل تراني غبية؟!

– اجل!
همس ياسين ببرود لترشقه بنظرة كلها استهزاء وتهدر:
– على الاقل لست شخصًا بوجهين!
تنفست مها بعصبية ثم اضافت وهي تضع ساق على ساق:
– اخبرني ماذا تريد.. لا املك الكثير من الوقت لك.

– الن تخبرينني؟
سألها وحدقتيه تتمعنها بنظرات تغزو اسوارها لتجاهد ان تبقى ثابتة والا هذا المحامي اللعين سيجعلها دمية في يده:
– لا يوجد ما اخبرك عنه.

– هل انتِ متأكدة؟
سألها بتأنٍ لتغرس اظافيرها في ساقها وتردف:
– اجل ياسين.. انا متأكدة.

– لا اريد ان اظلمك!
قال ياسين بجدية لتتحشرج انفاسها فتطمسها قسرًا وتجيب:
– اذًا لا تظلمني وتدور حولي اكثر مما يجب!

ابتسم ياسين ابتسامة جعلتها تدرك انها وقعت في مأزق مرعب لا محال!.. لا شعوريًا احتدّ خوفها على هيرمان لتتمنى ان تتصل به في هذه اللحظة وترجوه بالعودة الى المانيا.. المهم ان لا يكون قريبًا من عائلتها..

– هل تودين ان احلّل لك تصرفاتك؟
تساءل ياسين بابتسامة خبيثة فتشتعل مقلتيها بغيظها منه وتوثب عن مقعدها فيما تصيح به بعصبية:
– حلّل عقدك بالاول.. لا اريدك ان تقترب مني.

– مها.. مها.. صوتك لا يرتفع علي!
همس ياسين بنبرة هادئة ولكنها مخيفة فتلتقط مها احد الملفات الموجود على طاولة مكتبه وترميه عليه بينما تهتف:
– لا تهددني.. ابغضك بجنون!

استدارت سريعًا لتفرّ هاربة فيدركها قبل ان تخرج من مكتبه ويدفعها على الباب بخشونة.. لم ترضخ له رغم كل ما تتعرض له هذه الفترة من امور اوهنت روحها وقوتها بل ضربته بعنف على بطنه ومع ذلك لم يعتقها..
ثبتها ياسين على الباب بينما يهتف بحدة:
– تصرفاتك المجنونة هذه لا تدل سوى على شيء واحد مرفوض كليًا.. وهو انك على علاقة برجلٍ ما! وانتِ خائفة ان تُكشفين لانك تعرفين كيف سوف تتعاقبين.. انتِ وهو!

– افكارك الدنيئة هكذا تفكر.. انا لست بعلاقة مع اي رجل.
صاحت باندفاع ليضغط اكثر على جسدها ويزمجر بغضب:
– اذًا اخبريني من هذا هيرمان؟!

– صديقي في الجامعة.
ردّت بانفعال فيحرّرها قائلًا:
– انتِ تكذبين.

– لستُ اكذب.
ردّت تدافع عن نفسها ليصرخ بها بصوتٍ اجفلها:
– بل تكذبين.

لم ترد عليه بل بحركة سريعة كانت تخرج من مكتبه وتفرّ هاربة من حصاره لها.. تعرف ما الذي يريده منها.. يريدها هي ان تعترف لتكون فريسة سهلة لجنونهم.. ولكنها لن تفعل ما دام هيرمان حبيبها سيتأذى ابدًا..
اوقفت سيارة آجرة ودموعها تسبقها.. اكتفت.. اكتفت.. والدتها وياسين.. الاثنان يعرفان كيف يضغطان عليها جيدًا..

******************
دلفت الى دار النشر يرافقها شقيقها سند.. بعد ان اعطتهم كتابها ليلقوا نظرة عليه اخبروها انهم سيتصلون بها بعد عدة ايام.. والان ستعرف قرارهم ورأيهم بكتابها..
بادلتهم التحية.. كانوا خمسة تقريبًا.. رجال ونساء.. قعدت بجانبهم حول الطاولة المستديرة وهي تنظر الى سند كل عدة دقائق لتستمد منه الدعم الذي لا يبخل به عليها ابدًا..

– قرأنا كتابك انسة قدر.. احسنتِ فعلًا.
هتف احدهم لتبتسم قدر وتغمغم:
– يسعدني انه اعجبكم.

– سنرسله الى التنسيق وسنروّج عنه.. وبعد ذلك سنرسل لك نسخة منه ثم سنعرضه في معرض الكتاب الذي سيكون بعد شهر.
قالت سيدة اخرى بابتسامة فيضيف شخص اخر:
– سنعرض عليك ان تكوني ناشرة دائمة عنا مقابل ان لا تدفعي اي مبلغ مالي وتكون الارباح بنسبة ثلاثين بالمئة لك واذا نجح كتابك خمسين بالمئة.. ناهيك عن الجوائز التي ستأخذينها.

– موافقة.
هتفت قدر بفرح شديد ودون اي تردد ثم استأنفت:
– انا حقًا اشكركم.

– انتِ موهوبة.. لا داعي لتشكرينا.. ولكن نريد منك فقط نبذة عن حياتك.
– سأبعثها لكم في البريد الاكتروني.

– اذًا سنلتقي بعد شهر في المعرض وبعده سنتفق معك على موعد حفل توقيع الكتاب.. بامكانك ان تدعي كل من ترغبين.. دعي عائلتك تفخر بك.
اردفت واحدة منهم لتبتسم قدر فيقول سند بفخر:
– قدر فخرنا بكل شيء.

– حبيبي سند.
همست قدر فيناولها احدهم ملفًا لتوقعه.. قرأت الشروط والبنود برضى ثم نظرت الى سند ليومئ لها بابتسامة حانية فتغمض عينيها ثم تمسك القلم وتوقع بعزم..

بعد ان خرجا جذبها سند الى صدره لتبتسم قدر بحب وتقول بصدق:
– اشعر بالسعادة.

– عسى ان تدوم سعادتك يا روحي.
غمغم سند بحنو ثم هتف:
– لا تخبري احدًا الان عن كتابك.. دعيها مفاجأة للجميع.

اومأت قدر موافقة ليسألها:
– اين تودين ان نذهب؟

– السينما.
ردت بحماس ليقهقه ويقول بعبث:
– لن اشاهد فيلمًا رومنسيًا.. اختاري فيلمًا رعبًا.

– حاضر.
همست قدر بانصياع كطفلة صغيرة فيبتسم سند لها قبل ان يحقّق لها ما ارادت..

******************
عاد ياسين الى منزله وهو لا يرى بعينيه الا السرير من قوة الصداع الذي يكاد يفتك برأسه.. القى السلام على والدته المتمددة على الاريكة كالعادة.. ابتسم وهو يراها كيف متدثرة بأكثر من دثار ثم قبّل جبينها بينما يسألها:
– متى ستعرفين بما انت حامل؟

– ابعد عني.. لا اريد ان اعرف.
تمتمت رين بضيق ليعقد حاجبيه بغيظ ويهتف:
– اين صابرينا؟

– ترقص في الاعلى.
غمغمت رين بحنق قبل ان تهدر بعصبية:
– اين والدك حتى الان؟ لم يتصل بي اليوم.

– الان عرفت سبب غضبك.
علّق ياسين بمكر فتحدجه بنظرة غاضبة اجبرته ان يصمت ويرفع يديه باستسلام.. صعد الى الاعلى وصوت الاغاني تصله من غرفة شقيقته.. طرق باب غرفتها لتوقف الموسيقى وتفتح له الباب..
رفعت شعرها الاعلى بينما تتنحى له جانبًا ليدخل فيسألها ياسين بجدية:
– هل اكلت امي؟

– لا.. لا تريد.
ردّت بضيق فيهتف بحدة:
– انزلي الان واعدّي لها شيئًا تأكله بدلًا من رقصك هذا الذي صدعتِ رأسنا كلنا به وكأن بك شياطين!

رمقته صابرينا بتجهم ثم خرجت من الغرفة يتبعها ياسين.. وسرعان ما كانت تتبرطم بحنق شديد وهي تتأمل والدتها الممسكة بصحنٍ كبيرٍ من اكلة المقلوبة التي اعدّتها جدتها عدن وتأكل بشراهة مضحكة.. لم يتحمل ياسين مظهر والدته فأخذ يضحك بصوتٍ عالٍ لتعقد رين حاجبيها بقهر وتبعد الصحن عنها، قائلة بتهديد:
– اياكم ان تخبروا والدكم انني اكلت.. سأدعه يدعوني الى مطعم الاسماك البحرية لأنه تأخر.. اذا سألكم عن طعامي اخبروه انني لم اضع اي شيء في فمي منذ البارحة.

رفعت صابرينا حاجبها بتهكم ثم علّقت:
– واضح جدًا.. انا سأصعد الى غرفتي.

اقترب ياسين من والدته ثم بعثر لها شعرها، مقلدًا والده وهتف بحب:
– اكملي طعامك يا ام ياسين.. سأراقب لك الوضع الى ان يعود زوجك.

– راقب جيدًا.
همست رين ليضحك ويومئ موافقًا ثم يجلس بجانبها بينما يسأل والدته بفضول:
– امي ما الذي يجعل المرأة تكره الرجال جميعهم؟

طالعته رين لوهلة باستغراب ثم اجابت بتفكير:
– اكير سبب مقنع هو الاغتصاب.. او تعرضها للظلم من الرجال.

فكّر ياسين لوهلة ثم نفض هذه الافكار عن رأسه.. فمن هي بقوة نرمين بالتأكيد لم تتعرض للظلم..
– ماذا ايضًا؟
سألها مرة اخرى فترد بحيرة:
– اعتقد ان فكرتها عن الرجال خاطئة.. مثلًا تفكر ان جميعهم يخونون.. او لا يهمهم اي شيء سوى رغباتهم.. لا ادري! ولكن ان كانت افكارها كذلك من تشغل عقلك فهي محقة وانت خير دليل بوقاحة نظراتك.

قهقه ياسين بصدمة وهو ينظر اليها بحدقتين واسعتين فتزجره بغيظ:
– لا تنظر اليّ هكذا.. يجب ان تتزوج واحدة تضعك كالخاتم في اصبعها كي لا تنظر الى انثى غيرها.

– لم تخلق بعد من تجعلني خاتمًا في اصبعها.
هتف ياسين لترمقه رين باستخفاف وتغمغم:
– من هو اكثر صلابة منك صار كالقط لزوجته فهل تظن انك لن تصبح كذلك؟

– اجل، لن اصبح ابدًا!
ردّ بثقة لتتجاهله رين وتتناول ما في يدها، غير مكترثة لوجوده بجانبها البتة..

******************
كان جالسًا في مكتبه القابع في مستودع السيارات حالما دلف عمر الى مكتبه بغضب واضح ومعه بعض الجنود..
وثب حمزة عن مقعده مثلما فعل شقيقه يعقوب ثم تساءل بعينين حادتين:
– ما الامر يا ابن الجايد؟

– اسمي الضابط عمر الجايد.
هتف عمر بصلابة ليبتسم حمزة بتهكم فيغمغم يعقوب برزانة:
– تفضل حضرة الضابط.. انا شقيق حمزة.. بماذا بامكاننا ان نساعدك؟

– سنحقق مع حمزة في مخفر الشرطة.
قال عمر ليرفع حمزة حاجبه ويسأله باستمتاع:
– وما هي التهمة؟ من حقي ان اعرف.. اليس كذلك؟

– طبعًا من حقك ان تعرف.. ولكنني أفضّل ان تعرف في مخفر الشرطة.
دمدم عمر وهو يكزّ على اسنانه فيغمغم حمزة بخبث:
– لا تخبرني ان الموضوع يخص جهاد!

لم يتمالك عمر اعصابه فأمسك حمزة من تلابيب قميصه وهو يزمجر:
– ايها الحقير.. لا تلفظ اسمها مرة اخرى.

تأوه حمزة باصطناع ثم همس بخبث:
– اهدأ ايها الضابط.. هناك شهود على انك تتهجم عليّ دون ان تملك اي حق بفعل ذلك.. لا اريدك ان تخضع انت للتحقيق بدلًا مني.

دفعه عمر بحدة ثم جهر كليث يتحكم بنفسه بشقاء كي لا يهجم على فريسته فيقتلها قتلًا:
– احضروه الى السيارة.

– ليس قبل ان نعرف ما هي التهمة.
هتف يعقوب بجدية فيهدر عمر:
– لا تتدخل في ما لا يخصك.

– يخصني طبعًا.. حمزة شقيقي.
ردّ يعقوب بجهامة ليتشدق عمر باستهزاء:
– لا يهمني.

القوا القبض على حمزة على الرغم من محاولة يعقوب منعهما ولكن برود حمزة وسخريته لم تساعده ابدًا.. فحمزة يسير شامخ الرأس الرأس وكأنه غير ذاهب الى السجن بل ليحضر مسرحية ما!
لم يكن حمزة غافلًا عن سبب القاء عمر القبض عليه.. كان واضحًا جدًا ما فعله.. ابتسم بسخرية وهو يفكر انها فعلتها حقًا.. واثبتت انها حينما يلزم ستسعتين بعائلتها.. ليست هيّنة تلك الجهاد!..

بعد عدة ساعات كان يخرج من السجن بعد ان دفع مبلغ مالي ليس بسيطًا.. تصرّف عمر بنذالة معه واهمله كليًا، تاركًا اياه ينتظر على جمر.. فهو لم يحقّق معه بل هدّده بصريح العبارة انه اذا دنى مرة اخرى من جهاد لن يخلصه احد من السجن ثم حرّره..
واخبره انه اذا لم يدفع مبلغ مالٍ سيتهمه بالتحرش والرسائل التي في هاتف جهاد خير دليل.. تصرف عمر وفقًا لتعليمات والدته.. اخذ رد فعل سند بعين الاعتبار.. وحالة والدته الصحية ايضًا.. وهذا ما كان يقلق حمزة فقط.. حالة والدته لهذا اضطر ان يذعن لاوامر عمر الذي عرف كيف يحاصره ومتى وكيف يستغله ايضًا..

عضّ حمزة شفته السفلى بغل.. يعرف جيدًا متى عليه ان يأخذ بثأره.. الان عليه فقط التحكم بهدوءه ثم بعد ذلك يرد الصاع صاعين لهم.. هذه هو اسلوبه..

******************
هذه المرة هي التي لم تعيره ادنى اهتمام.. سلّمت على الجميع وعليه هو لم تفعل! كانت تود ان ترد ولو القليل من كرامتها لذاتها.. تحس بنفور عجيب منه.. لا تتمنى اي شيء سوى ان تهينه مثلما اهانها.. ان ترحمها آهاتها المقهورة التي تطالبها بسحقه تحت قسوتها وقوتها..

الجميع متجمهر في منزل خالها أوس.. لم تتطلع اليه ابدًا.. ادركت اخيرًا ان مشاعرها واضحة تجاه ريس فالبعض يشكّ بكونها تحبه.. ومن ضمنهم خالها أوس التي اوحت لها نظراته بعدم رضاه عن مشاعرها..
وكأنها تُعاتَب لانها لا تملك السلطة على مشاعرها القاسية عليها!.. تحبه وتحاول ان تنساه.. تحاول.. ولكن كيف تنساه وهي تراه في كل مكان.. في كل مناسبة.. كيف؟!..

استغلت خروج ريس الى الحديقة ليرد على اتصاله ثم تبعته لتقول ما عندها.. لتسترد انفاسها المخنوقة.. لتبلسم جروح فؤادها.. انتظرته ان ينهي المكالمة وهي تفكر اي حروف ستبجس من ثغرها.. اعدّت الكثير والكثير من الكلمات.. ولكنها تخشى ان ترتعش هذه الكلمات فتتبعزق الحروف على الارض التي تحتها وتذل نفسها اكثر!..

بعد ان انهى المكالمة استدار ريس فيتفاجأ بها واقفة تطالع الارض بشرود.. فتمتم بأسمها بصوت اجش لتهمس بخفوت:
– اريد ان نتحدث.. اذا ممكن هذه المرة اسمعني.. فالكلام لأجلك ايضًا!

طالعتها عيناه بتمعن فتتنهد وتسأله بعصبية لا ارادية بسبب توترها:
– هل ستسمعني ام ستفعل كما كل مرة تتجاهلني وتغادر وكأنني لستُ انسانة؟

– تبدين غاضبة.. هاتِ ما عندك.
هتف لتزفر ثم تبتسم وتقول:
– لستُ غاضبة.. خاصةً اليوم لستُ غاضبة.. بل انا سعيدة اكثر مما تخيل.. حديثي معك الان فقط لأهدئ ضميري واريحك انت من هم كلماتي التي سمعتها.

– جيد.
تمتم ببرود ثم اضاف وحدقتاه تتفرس النظر بثباتها المتزعزع:
– هيا.. انا اسمعك.

– انا لا احبك! كانت هذه مزحة.
غمغمت قدر بجمود وهي تنظر الى ريس فيرفع حاجبه بينما تسترسل:
– انت صدّقت ما قلته لك وبدأت تتصرف وكأنني حقًا احبك بينما انا لا اكن لك الا مشاعر الصداقة.

اضافت قدر وهي تغرس اظافيرها بكفها:
– اسأل ميرال لتتأكد.. بالتأكيد لن احب رجلًا اصغر مني افوقه انا وعيًا وهدوءًا! حينما اقرّر ان اتزوج سأتزوج رجلًا يكبرني ليحتويني لا احتويه انا! حاولت ان اخبرك بأن كل ما حدث كان مزاحًا ولكنك لم تعطيني اي فرصة لفعل هذا الشيء.

رسّخت قدر عينيها بعينه ثم قالت بابتسامة تقاوم هشاشة فؤادها اللعين:
– فقط احببت ان اطمئنك يا ريس واخبرك انك ليس انت الرجل الذي انسج احلامي معه.. ليس انت من اتمنى ان يحبني واحبه ابدًا.. فقط احببت انا تعرف هذا الشيء وأُفضّل بعد كل ما حدث ان تبقى علاقتنا محدودة.. غرورك الذي لا يخرج الا عليّ لن اسمح به بعد الان!

زلف منها ريس رغم صدمته بكلماتها الصامدة القوية.. ثم سألها باستهزاء:
– كيف اصدّق انك لا تحبيني.. فكل افعالك تقول العكس؟

ابتسمت قدر بصلابة تناقض امواج قلبها التي تود ان تفيض فتغرق العالم بؤسًا والمًا على حال قلبها الملكوم:
– ستصدق حينما نفرح بك وتفرحون بي.. حينما تراني مع رجلٍ غيرك.. لو انني احبك حقًا لن اعترض عندما تقرر ان تخطب وتتزوج.. سأفرح لك بقدر فرحتي لسند.. فانا اعتبرتك يومًا شقيق صغير لي.

– اخطب؟
همس بقساوة لتحس بروحها تكاد تنفطر.. لم تعد تقدر اكثر على الصمود..
هزت قدر رأسها بابتسامة جامدة اجبرت نفسها عليها ثم هتفت:
– اجل.. هذا حقك كما هو حقي.. فأنا ايضًا سأخطب ذات يوم!

– طبعًا انا سأخطب.. وقريبًا ايضًا.
قال ريس لترد بهمس يتألم:
– وانا اكثر من ستفرح لك.. نريدها عروسًا جميلة!

– ستكون اجمل الجميلات.. لا تقلقي.
غمغم بخشونة وهو يقترب منها اكثر فترفع يدها تمعنه من الاقتراب اكثر وتردف:
– لن اقلق وبالمقابل لا تتدخل بي ابدًا.. حتى صداقتك لا اريدها بعد الان.. اتمنى لك التوفيق في عملك الجديد.

– شكرًا.. انا سعيد بقرارك حول علاقتنا.
همس لتبتسم قدر، قائلة:
– وانا اكثر.. سأعود الى الداخل.. ارجو ان لا تتحدث معي امامهم.

– لن افعل قدر.. ولكن نصيحة اخيرة مني لك.. اتركي الجامعة وابدأي العمل في شهادتك السابقة.
غمغم ريس فيوافيه ردّ جده أوس بدلًا عنها:
– ومن قال لك يا ابن غيث انها ستأخذ نصيحتك في عين الاعتبار؟ قدر انسانة ذات شخصية مستقلة ستحسم قراراتها بنفسها.. اليس كذلك حبيبتي؟

– نعم خالي.. انت محق.
ردت قدر بنبرة خافتة فيهتف ريس بتهكم:
– كل قراراتها تكون تحت امر سند.. فكيف تقول انها ذات شخصية مستقلة؟

لم تسمح لخالها بالرد عليه بل وقفت هي امامه واردفت بهدوء.. بصوتٍ ناعمٍ واثق:
– شقيقي من حقه ان يساعدني في ادارة اموري.. فهو يريد مصلحتي دائمًا.. ولكن القرار الاخير دائمًا لي.. لن اهتف بالكثير الان ريس.. ولكنك ستعرف الى اين ستصل تلك التي تعتقد انها ضعيفة دون شخصية مستقلة!

———————–
يتبع..

 

error: