رواية غزلًا يوقده الرجال

الفصل الثاني وعشرون
لا حكاية دون بداية أو نهاية..
فحكايتنا.. طريقتنا.. علاقتنا..
بدأت بهمسة من قلب موجوع
وبعقل اقسى من الجُلمود..
استهلت بكلمات تُفتت الصخر
تقابلها كلمات ادفأ من الجمر..
تكبر وضعف.. قسوة وهوان..
حب مضطرم وغرور مُحطِّم..
الى ان كانت النهاية برسمة
امل على ورق الشجر..
بتوقيع يزين اهم الورق..
بخاتم زواج في البنصر لا يتزحزح..
وبقبلة عشق تحذف كل ما مضى..
———————-
أغلقت قدر باب غرفتها ثم سارت بخطوات مرتبكة لتفتح الباب لوالديها.. حاولت ان تبتسم بصدق في وجههما وهي ترحب بهما ولا تدري اذا نجحت ام لا.. عانقت والدتها التي على الفور ارتمت باكية في احضانها:
– يا الله كم اشتقت لعطرك.. المنزل لا شيء من دونك انت وسند.

– يا عمري اشتقت لك اكثر.
– دعيني اسلّم انا الآخر على ابنتي.
هتف ادهم بغيظ فضحكت قدر وهي تقبل جبين والدتها التي تشبثت بها، رافضة ان تتركها حتى تسلم على والدها المغتاظ من تصرفاتها..
برفق ابتعدت قدر عن والدتها وعانقت والدها بينما تسأله بحب:
– كيف حالك حبيبي؟

لثم ادهم رأسها بحنو:
– مشتاق لك يا روح والدك.. كيف احوالك انت؟ كيف حال العمل والكتابة؟ كيف تسير امورك؟

– انا بخير ابي.. والحمد لله مرتاحة بوجودي هنا.
ردت قدر بابتسامة قبل أن ترفع يدها وتشير إلى الصالة:
– هيا ادخلا.. لا بد انكما مرهقين من مسافة الطريق.

زمت قمر شفتيها بتوتر بينما تسمع والدتها تقول لوالدها:
– انا سأنام الليلة مع ابنتي حبيبتي.. اعمل حسابك ان تنام لوحدك.

رفع ادهم حاجبيها بغيظ:
– على الأقل ارتاح منك ليوم واحد.

اعترضت قدر بخوف بسبب وجود ريس:
– لا امي.. غرفتي صغيرة جدًا وانت يجب أن تنامي مع والدي وليس معي.

– لا يهمني والدك.. سأنام انا وانت في نفس الغرفة.. واذا كانت غرفتك صغيرة ولا تسعنا سننام انا وانت في الغرفة الأخرى ووالدك سينام في غرفتك.
قالت سيلين بحزم فإتسعت عينا قدر بفزع.. ريس ووالدها في غرفة واحدة! اي حرب عالمية ثالثة هذه التي ستقام الليلة! كم عدد الشهداء سيصبح؟!

– لا امي.. انا وانت سننام بغرفتي.
تمتمت قدر بوجه مخطوف لونه فعلّق ادهم بحنق:
– لن اسرق اغراضك وأعبث باشياءك الخاصة يا قدر.. فقط سأستخدم المرحاض وانام.

المرحاض!! حيث يختبئ ريس! تود أن تضرب وجنتيها وتصرخ بانهيار أمامهما.. مررت قدر يدها على وجهها وهي تقول بابتسامة بالكاد رسمتها على شفتيها:
– لا ليس كذلك ابي.. ولكنك تعلم كم انا اخجل من اغراضي النسائية.. وغدًا سأضطر الى ازعاجك بما ان لدي عملًا في الصباح الباكر.. فمن الأفضل أن انام انا وامي في غرفتي.. واذا شعرت امي بالضيق وعدم الراحة تأتي لتنام بجانبك.

تمتمت سيلين بموافقتها فزفرت قدر قبل أن تنهض وتغمغم:
– سأغيّر ثيابي واعود.

هتف ادهم وسيلين بموافقتهما فتوجهت قدر الى غرفتها وأغلقت الباب خلفها وقبل أن تفتح باب الحمام لتتحدث مع ريس كان هو يسبقها.. وضع ريس يده على فمها كي لا تصرخ من الفزع ثم دفعها بخفة ليصطدم ظهرها بالجدار خلفها وهو يهمس بحنق:
– كيف سأخرج من هنا؟ واياك أن تدعي والدك ينام هنا.

إزدردت قدر ريقها بارتباك ثم انزلت يده وقالت بهمس:
– لا ادري ولكن والدتي ستنام معي في الغرفة.. فإياك والخروج من الحمام وإذا قررت الدخول الى الحمام ستكون كارثة حقيقية فأقترح عليك إذ ودخلت امي أن تقفز من نافذة الحمام.. لا بأس اذا كسرت قدمك أو يدك أو حتى رأسك.. الاهم الان أن لا يدري أحد عن وجودك في منزلي.

رفع ريس حاجبه الأيسر بغيظ:
– والله! قمة الحب أنسة قدر!

تأففت قدر بضيق:
– كله منك.. الم أخبرك أن لا تصعد؟.. تود أن تظهر لي شهامتك وتحمل الاغراض عني.. و لكن انظر ماذا فعلت بي هذه الشهامة المخادعة!

– كلمة أخرى سأخرج أمام والديك ولن يهمني ماذا سيحدث يا ناكرة المعروف.
هتف ريس بتهديد فابتسمت قدر بغل وهدرت:
– عد الى مكانك حالًا واياك والخروج من الحمام قبل أن اسمح لك.

تجاهل ريس ما قالت وعلّق:
– حاولي أن تدعي والدتك تنام بجانب والدك.. والله لو أن زوجتي التي ستكون انتِ تقول انها لن تنام بجانبي لأسحبها من اذنها الى السرير الذي سأنام عليه.. ولكن ليس كل الرجال ريس غيث الجايد! يجب أن تعرفي قيمة ما بحوذتك يا قدر.

– ارى قيمتك العالية جدًا بإختباؤك في حمام غرفتي! لا تصدع لي رأسي يا ريس الان وعد الى مكانك حتى اجد حلًا لهذه المصيبة.
ألقت قدر كلماتها في وجهه قبل أن تهم بالمغادرة فمنعها ريس بضمها الى صدره بينما يهمس بتنهيدة شوق:
– الا استحق على الأقل هدية تجعلني اصبر على مكوثي في حمام غرفتك الجميل؟

– تستحق صفعة على وجهك.. ابتعد عني يا ريس وادخل الى الحمام فقد تذكرت الان انني قلت لوالدي انني سأغيّر ثيابي واعود لهما.
هتفت قدر بحنق وهي تحاول الابتعاد عنه فعانقها ريس بقوة أكبر كما لو أنه يود أن يشعر بها تسبح داخل دماءه وغمغم بابتسامة لعوب:
– لا بأس غيّري ثيابك وانا سأحاول أن اغض البصر عن مفاتن خطيبتي.

قضمت قدر صدره الذي يخنقها به فحرّرها ريس بينما يسمعها تزمجر:
– سأقلع لك عينيك بسبب كلامك الوقح.. اغرب عن وجهي حالًا يا ريس.

ضحك ريس فوضعت قدر يدها سريعًا على فمه وهي تؤنبه برعب:
– يا مجنون سيتم فضحنا.. يا الله يا ريس! ادخل الى الحمام ارجوك.

امسك ريس يدها التي على فمه وقبّل باطنها وظاهرها ثم همس بحب:
– حاضر يا قدري الناري.

*****************
حمل ياسين شقيقته الصغيرة بابتسامة عذبة.. يشعر أنه يحمل ابنته لا أخته.. صغيرة وشديدة الجمال.. بل ملاك تمامًا.. ملامحها ليست واضحة كثيرًا بسبب حداثة سنها ولكنها جميلة للغاية..
قبّل رأسها وفمها الصغير وقدمها الاصغر قبل أن يناولها لآسر الذي قال بحنو وهو ينظر الى شقيقته حور:
– سيكون اسمها حور على اسم شقيقتي الغالية.

ابتسمت حور ببهجة وهي تتطلع إلى رين المرهقة بإستفزاز ثم بحب قبلت خد آسر وغمغمت:
– حبيبي آسر حفظك الله لنا.

– بدلًا أن تقوم بتسمية ابنتك عدن تختار حور!
هتفت عدن بحنق فضحك آسر وقال:
– أن شاء الله الطفل الخامس سيكون اسمه عدن يا ام آسر.

– انت من ستحمل هذه المرة لا انا.. قال طفل خامس قال!
علّقت رين بنبرة مغتاظة متعبة فقهقه آسر وهو يناول الطفلة للين قبل أن يقعد بجوار رين ويقبّل جبينها، قائلًا:
– حبيبتي ام ياسين المتعبة.. ستجنب الخامس والسادس ان شاء الله.

– اترك اولادك تنجب هذه المرة.. الان انت تحتاج الأحفاد لا الاولاد.
قال ياسين وهو ينظر الى والدته التي ابتسمت له برضى ودلال..
– صحيح.. انا اريد ان ارى اولاد ياسين الان.. اولاد حبيب امه.

ايّدها ياسين وهو يغمز لها بابتسامة:
– قريبًا يا ام ياسين سأخذك لتطلبي لي يد المرأة التي تعجبني للزواج.

– هل انت بعلاقة مع امرأة ما؟
تساءلت صابرينا بفضول فأجابها رواد بحاجبين معقودين:
– ما هذه الأسئلة يا صابرينا؟ لا اعتقد ان اذا كان ياسين بعلاقة مع امرأة ام لا امرًا يخصك.

– اهدأ رواد.. هي فقط تسأل.
زجره ياسين بجدية قبل أن ينظر إلى صابرينا ويردف بهدوء:
– لا صابرينا انا لست بعلاقة مع أي امرأة.. انا فقط معجب بإمرأة واريد ان اتزوجها.

هزت صابرينا رأسها بينما تجاهد على إخفاء خوفها.. بدى واضحًا لها أن رواد يشك بكونها على علاقة مع شاب ما.. يا الله ما الذي ستفعله! حمزة يشكل خطر كبير عليها في الوقت الحالي.. يجب أن تتخلص منه بأسرع ما يمكن..

*****************
فتحت قدر باب حمام غرفتها فقابلها وجه ريس الممتعض الذي يجلس على أرضية الحمام ويستخدم هاتفه ليرفه قليلًا عن نفسه..
ابتسمت قدر وغمغمت:
– انا وامي سننام الان.. لا تصدر اي صوت.

وقبل أن تسمع رده سحبت مفتاح الحمام من الباب واوصدت الباب من الخارج لتمنع خروج ريس أو محاولته العبث بينما هي نائمة..
توسدت قدر سريرها بعد دخلت والدتها التي تطلعت إلى صغر السرير بتفكير لوهلة قبل أن تتقدم لتنام بجانبها فإبتسمت قدر ووضعت رأسها على صدر سيلين التي سألتها:
– ما هي اخبارك مع حفيد شقيقي؟

ردت قدر بابتسامة:
– لا زال يركض خلفي وانا اتدلل واتكبر عليه.

بفخر قالت سيلين:
– هذه هي ابنة سيلين.. الرجال تركض خلفها لتنال منها على الأقل ابتسامة واحدة وهي ترفضهن بخيلاء وتكبر.

ضحكت قدر:
– ماذا كنتِ تفعلين بوالدي في شبابك؟ انا حقًا بدأت أشفق عليه بسبب كلامك هذا.

– انا كنت غبية في شبابي.. لست قدوة مثالية لك.. ولكن بشخصيتك انت لا بأس اذا اخذت البعض من صفاتي.. فصفات شخصيتك المتعددة والمتناقضة ستجعلك امرأة لا تقاوم.. هشة ولكن جبّارة.. ناعمة ولكن شرسة.. تحتاجين الاطراءات ولكن واثقة.. دافئة ولكن باردة كالجليد حينما يلزم الأمر.. هكذا يجب أن تكوني.
قالت سيلين بجدية فابتسمت قدر بنعومة:
– وهذا ما أفعله بالضبط.. لا ارتكز على لون واحد فقط.. بل بدأت اخلط بين الألوان مع ان ليس لي الا لون واحد وانت تعرفينه جيدًا يا امي.. ولكن الحياة تحتاج ابتكار بعض الأساليب المختلفة.

مررت سيلين يدها بنعومة بين خصلات شعر قدر الملساء وغمغمت بحنو:
– هل افهم من كلامك هذا انك مرتاحة الان يا قلب امك؟

رفعت قدر رأسها ليقابلها وجه والدتها الشجي فرسمت ابتسامة عذبة على شفتيها وهي ترد بصدق:
– جدًا جدًا سلونتي.. وسند لا ينفك أن يتصل بي كل بضع ساعات.. فإرتاحي انا سعيدة بمكوثي هنا.

ومضت عينا سيلين بشقاوة:
– وماذا عن ريس؟ الا يتصل بك كل عدة دقائق؟

بطريقة عجيبة احتدت خفقات فؤادها وثبًا وهي تفكر بقربه منها في الدقيقة هذه.. حرفيًا لا يفصل بينهما الا باب الحمام الذي تملك مفتاحه هي.. آه لو تقدر أن تخبر والدتها فقط عن اختباء ريس في حمام غرفتها! هي لن تخاطر ابدا وتخبرها.. لا ينقصها المزيد من المشاكل والعقبات..
هي حقًا تشكر الله أن صوتها وصوت والدتها منخفض فهكذا لا يسمع ريس ما يدور بين الام وابنتها من افكار ومكر ودهاء..

– يتصل امي.. يتصل وكأنني روحه ويود أن يطمئن عليها!
غمغمت قدر بصوت اجش فإبتسمت سيلين بتأثر:
– انت القدر والروح والقلب فكيف لا يفعل ابن الجايد ذاك؟ يجب أن يحمد الله مليون مرة لأنك تحبينه.
تثاءبت سيلين بنعاس قبل أن تستطرد:
– على أي حال دعك من ابن الجايد المجنون ولننام فغدًا انا والامبراطور والدك لدينا معركة ضد بعضنا البعض.

– اعانه الله على قوتك الجبّارة.
ردت قدر ضاحكة فإبتسمت والدتها وغمزت لها قبل تغمض عينيها لتنام ففعلت قدر مثلها تمامًا.. نسيت وجود ريس في الحمام.. نسيت دون قصدٍ تحت تأثير دفء حضن والدتها وشوقها لها.. نامت مطمئنة على صدر والدتها.. مرتاحة بدثار السرير الذي يدفئ جسدها ويحميه من برودة المكيف.. فقط تفكر بريس وتحلم بريس.. ولكن ليس بريس اسير جدران الحمام!

******************
“انتهى كل ما بيننا!”
قرأت مها رسالة هيرمان بعدم تصديق.. كيف انتهى كل ما بينهما؟ كيف بل لماذا؟ اين الحب والعشق؟ اين التضحية وكل ما فعله لاجلها؟
احست بروحها تكاد تخرج من جسدها.. بغصة مؤلمة تستشرس لذاعتها في قلبها.. بأنين يخرج مع كل خفقة من خفقات قلبها.. دموعها سالت ببطء على خديها.. اقسى بطء!

قرأت الرسالة مرة أخرى وأخرى وهي تحس بالتيه والخجل مِن كل مَن دافع وساهم باقناع والديها للا شيء!
لم تقدر أن ترسل اي رسالة عتاب.. لم تقدر أن تسأل.. ولكن هذا هيرمان! كل حياتها.. كيف يتخلى عنها؟ لم يكن هذا وعده.. لقد خان ثقتها ودمر احلامها التي كانت تعرف انها مستحيلة.. ولكن ها قد انتهى الحلم.. انتهى كل شيء!

انتبهت ليليان التي كانت تراسل رواد الى شهقة خرجت من أعماق روح مها فنهضت سريعًا بقلق وقعدت بجانبها بينما تسألها بخوف:
– لماذا تبكين مها؟ ماذا حدث؟

– انتهى كل شيء! هيرمان تخلى عني.
أجابت مها ببكاء مخنوق فعقدت ليليان حاجبيها وقالت:
– اهدأي واسأليه عن السبب.. ربما يواجه مشاكل أجبرته أن يرسل لك هذه الرسالة.. اتصلي به حالا حتى نفهم.

اومأت مها على أمل ان يكون كلام شقيقتها صحيحًا ولكن لا رد! اتصلت مرتين ولا رد! وفور أن همت بارسال رسالة له كانت تصلها رسالة كمطرقة ووقعت على قلبها..
“لا تتصلي بي مرة أخرى.. ما بيننا انتهى.. ليذهب كل منا في طريقه”

ابتسمت مها بآسى بينما دموعها تتدحرج على خدّيها كزخات مطر في يوم الشمس به ساطعة.. أحست بعناق شقيقتها البائس وسمعت كلماتها الغاضبة ولكن لم تتفاعل ولم تتجاوب معها.. فقط بعثت برسالة بسيطة الى هيرمان تعبر عن مدى وجعها..
“الوداع لنفاقك!”

– مها!
غمغمت ليليان بحزن فابتعدت معها عنها وقالت بجدية:
– لا تخبري اي احد.. انا سأجد شيئًا ابرره للجميع عن سبب انفصالنا.. لا اريد ان ابدو صغيرة أمامهم.. لا أود أن يشمت بي أحد أو يشفق علي أحد.. سأتمزق الى أشلاء يا ليليان.. هل تفهمين؟

اومأت ليليان بقهر:
– لا تقلقي، لن افعل.. لو رأيته مرة أخرى امامي سأقضي عليه.. الحقير لقد خدعنا!

******************
قبل الفجر بساعة تقريبًا أحست قدر بعدم راحة.. شيء ما يضايقها.. يعبث بعقلها.. بأحلامها.. تأثير افكار باطنية تهاجم احلامها.. ريس.. عناق ريس.. غضب ريس.. غيرة ريس.. غزل ريس.. اسف ريس.. ريس.. ريس.. ريس…
فتحت قدر عينيها مفزوعة.. تطلعت إلى والدتها النائمة بارتياح ثم سريعًا ما كانت تغفر فاهها بعدم تصديق.. لعنة ريس نزلت عليها في نومها!

وثبت عن السرير بخفة محاولة أن لا تصدر اي صوت كي لا توقظ والدتها.. ثم بخطوات خفيفة اقتربت من باب الحمام وأخرجت المفتاح الذي كان في جيبها.. أطلقت قدر تنهيدة حارة ثم فتحت الباب بهدوء لتتفاجأ بريس نائمًا على الأرض و… ماذا فعل بنفسه هذا المجنون؟!
رغمًا عنها ضحكت قدر وهي ترى علبة الشامبو التي تستخدمها للإستحمام يضعها ريس تحت رأسه كوسادة بديلة بينما يغطي جسده بمنشفة استحمامها الكبيرة كدثار له..

وضعت يدها على فمها سريعًا وهي لا تدري اذا تضحك أم تبكي.. مظهره مضحك ولكن يثير الشفقة.. دنت قدر منه بابتسامة عاشقة متأثرة ثم جلست بجانبه على الأرض وكالمسحورة رفعت يدها ومررتها على خده الخشن بينما غادرت حدقتاها برحلة تستكشف بها كل انش في وجهه.. وسيم جدا يا الله! فاتن بالراء التي يلدغ بها.. بغروره وبروده.. بغضبه وانانيته..

ابعدت قدر يدها بعد أن وعت على نفسها وتمكنت من انتشال نفسها من هذا السحر الذي لا حل له ولا حد.. ثم برفق هزت ريس من مرفقه وهي تهمس:
– ريس.. استيقظ.. ريس.. ريس.. يجب أن تغادر.. هيا استيقظ.

بصعوبة فتح ريس عينيه وغمغم كالمخمور قبل أن يغمض عينيه مرة أخرى:
– أخبرك انني لن اتركك.. سيوافقون أو سأكسر رأسهم.

– من هم؟
سألته قدر بمكر فلم يرد عليها اي احد لتزفر بغيظ وتهزه بقوة أكبر بينما تهتف:
– ريس غيث الجايد.. اذا لم تنهض سأغرقك بماء بارد.

فتح ريس عين واحدة فثبتت قدر حدقتيها على وجهه واردفت:
انهض يا ريس.. يجب أن تغادر فورا.

بعينين حمراوين بسبب تأثير النوم تطلع ريس الى قدر ثم بذكاء سريع تساءل بأدراك لما يحدث:
– هل نام والدك ووالدتك؟

-أجل.. انت انهض فقط وغادر قبل أن يستيقظ أحدهما.
ردت قدر بهمس فرفع ريس رأسه قليلا ليتأوه بألم:
– اه عنقي.. لقد كسرت لي عنقي يا قدر.

رفعت قدر اصبعها لتضعه على فمها وهي تزجره بهمس:
– ششش ستوقظ امي بصوتك.
رشقها ريس بحنق فأضافت قدر وهي تمسكه من كتفيه:
– انا سأساعدك لتنهض.. لم ارى قط في حياتي شخص ينام على علبة الشامبو غيرك!

بصوت ثقيل هتف ريس:
– للضرورة احكام.. ويجب أن تشعري بالذنب على ما فعلتيه بي.

تجاهلته قدر وهي تساعده لينهض وكان يبدو واضحًا لها أنه يحاول إخفاء تأوهاته من الم تأثير النوم على الأرض الباردة..
– هل انت بخير؟
تساءلت قدر بتوتر فزم ريس شفتيه وقال:
– تأكدي لي الان من نوم والديك وسنتحدث لاحقًا عن كوني بخير أم لا.

اومأت قدر ثم خرجت من الحمام وهي تهمس بتحذير:
– لا تنظر الى والدتي.

تشدق ريس بتهكم:
– اخت جدي لا يهمني رؤيتها وهي نائمة.. ما يهمني حقًا هو ابنتها ولكنها مستيقظة الان للأسف.

تنفست قدر الصعداء فور وصولهما الى باب المنزل الرئيسي:
الحمد لله.. هيا اخرج يا ريس.

ابتسم ريس بخبث وهو يتأمل ما ترتديه.. اشياء لن يسمح لها بارتدائها في منزله ابدًا.. سروال ازرق طويل وقميص أبيض مرسوم عليه نجوم بلون السروال.. اقبح ملابس نوم قد رآها في حياته.. لا تناسب جمال خطيبته أبدًا!..
انتبهت قدر لنظراته فتمتمت بغيظ:
– اخرج حالًا يا وقح قبل أن ارميك بنفسي الى الخارج.

ضحك ريس بخفة ثم جذبها الى الخارج معه واغلق باب المنزل خلفه..
– الان انا وانت في الخارج يا قدر.. ستعوضينني عن انين عظام جسدي قريبًا والا سأضطر الى سجنك في حمام بيتي ولكن انا سأكون ذي قلب ارق من قلبك وسأبقى بجانبك في الحمام لأدفئك في صدري.

تخضبت وجنتاها بخجل لا إرادي وهي تغمغم:
– غادر ولا تهدد.. واهم شيء اذهب لتنام عسى أن يخف وجع عظامك التي تحتاج إلى تكسير.

مال ريس برأسه نحوها وقال بنبرة ساحرة:
– انا لا اهدد يا قدري.. انا انفذ فقط.

تطلعت إليه قدر بعينين تومضان ببريق نادر كما لو أنها تتوسمه بهيام! فلم يستطع أن لا يروي القليل من عطشه ولو بشيء بسيط.. ولم يكن أمامه اي حل سوى تقبيل جبينها بحرارة ثم ضمها الى صدره وبعد ذلك.. بعد أن سلب كل ما ينبض بجسدها تركها تحتاج إلى المزيد من عشقه.. تبًا له ولتأثيره الفذ عليها..

ابتعدت قدر عنه ثم دخلت سريعًا إلى داخل المنزل وقالت قبل أن تغلق الباب:
– اذهب لتنام فوالدي حبيبي نائم ولا أود أن ازعجه بسببك.

*****************
بصعوبة شديدة نامت ليلة البارحة.. دموعها لم تجف طيلة الليل.. مقهورة حد الموت.. لقد طعنها هيرمان في الصميم.. صار الجرح غائرًا لا علاج له.. وفي كل دقيقة تمر يتدهور جرحها اكثر وتحتد اوجاعه التي لا تُطاق.. لا يمكنها أن تنسى بسهولة هيرمان.. كان فارس أحلامها ولكن كل شيء انتهى..

التقطت هاتفها الذي كان تحت وسادتها وارتجف قلبها بعنف وهي ترى عشرات الرسائل وعشرات المكالمات الفائتة من هيرمان.. لقد وضعت هاتفها البارحة على وضعية الصامت كي لا يزعجها اي شيء فيكفيها طعنة هيرمان..
“اتصلي بي حالًا”
“كيف تقولين لي الوداع لنفاقك؟”
“لماذا تودين تركي؟”
“هل أجبرك أحد من عائلتك؟”
“مها.. ردي على اتصالاتي؟”
“انا في طريقي اليك”
“حجزت اول طائرة قادمة”
“ردي منها”
وغيرها… وغيرها… وغيرها…

احست مها بصداع رهيب يفتك برأسها.. ما هذا التناقض بين رسائله الاولى ورسائله هذه؟ لا تفهم اي شيء! اتصلت مها به عسى أن تفهم شيئًا مما قاله.. ثوانٍ معدودة وكان يوافيها رده الغاضب.. دون صباح ودون مساء!
– ما هذا الجنون الذي ارسلتيه لي يا مها؟ كيف تتجرأين وتقررين الانفصال عني؟ هل تعرفين انني بسبب جنونك الان انتظر في إحدى مطارات برلين أن تقلع الطائرة التي ستحضرني اليك لأعاقبك على ما تهور لسانك التفوه به؟!

– انت من طلبات الانفصال لا انا.. قلت أن كل شيء بيننا انتهى.. وحينما اتصلت بك لأفهم السبب اخبرتني أن لا اتصل بك مرة أخرى.
هدرت مها بعصبية فمرّر هيرمان يده على شعره وقال بحيرة:
– انا لم ارسل لك أي شيء البارحة.. قبل أن تصلني رسالتك لم ارسل لك أي شيء.
عقد هيرمان حاجبيه واستأنف:
– البارحة تركت هاتفي مع امي لأن بطارية هاتفي كانت فارغة.. الان.. الان فهمت كل شيء.

غمغمت مها بقلق:
– ماذا ستفعل؟ على ما يبدو أن والديك غير موافقان على زواجك بي.

– انت لا تقلقي.. بعد اسبوع سنأتي انا وابي وامي الى منزلك لأطلب يدك للزواج كما يريد والدك.. اخبري والديك بما قلته لك الان.. وانا سألغي الحجز واعود للتفاهم مع أبي وأمي.. سأستخدم الطريقة الأخيرة.

– ما هي؟
تساءلت مها وهي تكاد لا تصدق الراحة التي تشعر بها بعد أن كانت تئن المًا وقهرًا مما حدث البارحة ظنًا منها أن هيرمان حبيبها تخلى عنها..
أجاب هيرمان بهدوء:
– لا تهتمي.. فقط اخبري والديك بما قلته لي واتركي ما تبقى علي.

ابتسمت مها ثم همست بتنهيدة غرام:
– أعشقك هيرمان.. انت لا تعرف كيف كانت حالتي طيلة الليل.. نمت وانا ابكي اعتقادًا مني إنك حقًا تخليت عني.. حقدت عليك كثيرًا البارحة.. انا حقًا احبك هيرمان.

ابتسم هيرمان بتأثر:
– لن اتخلى عنك أبدًا مها.. انت كل حياتي.. وثقي انني احبك اكثر بكثير مما تحبينني.. انت الروح والقلب مها.

*****************
قضمت قدر شفتها السفلى حينما وجدت ريس ينتظرها بجانب المدرسة.. كانت يبدو غاضبًا مغتاظًا.. وهي لا تستطيع أن تلومه.. مظهره يثير شفقتها بقدر ما يضحكها..
الليلة الماضية حقًا كانت فريدة من نوعها.. وخاصةً طريقة نومه على ارض الحمام..
وقفت قدر أمامه وتنحنحت قائلة:
– صباح الخير.

هتف ريس بغيظ:
– اي صباح وأي رباح هذا؟ الا زال والدك نائمًا؟

ضحكت قدر ملئ شدقيها:
– أجل.. عمتك رين ولدت اخيرًا.. يجب أن تذهب وتبارك لها.

زم ريس شفتيه بحق:
– لو اننا متزوجان لكنتِ انت من تلدين الان.. وليس الطفل الاول بل الثالث أو الرابع ربما.. ولكن قدر خالي آسر أن يفرح لوحده.

– أعتقد أنني يجب أن أدخل إلى المدرسة افضل.
قالت قدر وهي ترى مزاجه الناري وكلامه الجنوني.. فمنعها ريس بقوله:
– انتظري قليلا.. لقد قررت أن اذهب واتحدث مع والدك.. ابو سند لن يرفض زواجك منك.. لا احد يرفض ريس الجايد.

رفعت قدر حاجبيها باستفزاز:
– انا رفضت ريس الجايد اكثر من مرة.

ابتسم ريس بحب ومكر:
– انت حبيبة قلبي المميزة ولذلك رفضتِ الزواج مني سابقًا ولكن الان كل شيء تغير فانا احبك وانت كذلك الأمر.. أليس كذلك يا قدري الجميل؟

– لا ادري.. على أية حال لا تتحدث مع أبي اليوم ولا تفكر حاليًا.. لا اريد ان يعرف ابي عن وجودك هنا.. سيقتلني ويقتلك ولن تنفعني كلماتك ووعدوك.
قالت قدر بجدية فأجاب ريس وهو يغمز لها بوعيد ومكر:
– لست انا من سيتحدث بل وزرائي يا روح خطيبك.

– هل تقصد جدتي لين؟
تساءلت قدر بفضول فابتسم ريس باستفزاز:
– بل جدتي انا.. حبيبة قلب حفيدها الغالي المدلل.

– على رسلك ايها الغالي المدلل!
تشدقت قدر بتهكم فضحك ريس وقال:
– ادخلي الان الى المدرسة وسنتحدث لاحقًا.

******************
في حفل خطوبة عمر ولونا..
تأمل عمر لونا بحب شديد بعد أن عقدا قرآنهما.. ترتدي فستانًا لونه ازرق فاتح كلون السماء تمامًا.. وشعرها القصير مرفوع من الامام بملقط بسيط جدًا.. بسيطة وناعمة جدًا بلمعة الشقاوة التي تزين عينيها..
أحاط عمر ظهرها بذراعه وهو يهمس لها بحب:
– أخيرًا صرتِ لي يا عمره لعمر.

ضحكت لونا بفرح حقيقي ثم دون أي خجل من الموجودين قبلت وجنته وغمغمت بشقاوة:
– دائمًا لك عموري.. الان انت زوجي ويجب أن تسمع كلمتي.. واي شخص لا يعجبني يجب أن تقوم بسجنه.

قهقه عمر بعدم تصديق:
– قبلة أخرى بنفس هذه الجرأة واعدك أن أقوم بسجن الجميع!

زمت لونا شفتيها وهي تنظر إليه بدلع قبل أن تهمس:
– لا انت الان يجب أن تقبلني.. ولكن ليس هنا فخالتي سيلا ستقول عني وقحة.

ضحك عمر ملئ شدقيه وهو يمسك يدها ويسير الى داخل المنزل، تاركًا الضيوف لوحدهم..
هز ليث رأسه بعدم فائدة حينما سمع سيلا تتساءل بضيق:
– الى اين يأخذها عمر بهذه الصلافة؟

– دعيه يفرح بأول ايام زواجه الجميلة قبل أن يواجه الواقع المر.
رد ليث بإستفزاز فحدجته سيلا بنظرات حانقة وهتفت:
– رحم الله الايام التي كنت تركض بها خلفي.. هل نسيت كيف كنت تتبعني فقط لأرضى عنك وكيف كنت تتتشاجر مع كل من يدنو مني غيرك؟

– كنت مسحورًا.. ولكن فك السحر بعد سنوات.
قال ليث مستمتعًا بتعابير وجهها الغاضبة فزمجرت سيلا:
– اشكر الله أن رضيت الزواج برجل متخلف مثلك.. كل يوم والثاني يضرب أحدًا ما.. وانظر الان الى نفسك.. انا ابدو اصغر منك بعشرات السنوات واجمل منك بكثير.

همهم ليث بسخرية:
– واضح جدًا.. لذلك مئات النساء تركض خلفي حتى وانا في هذا السن.

– وانا الاف الرجال تركض خلفي.
هتفت سيلا بغضب ليميل ليث بوجهه على اذنها ويقول بشراسة:
– لسانك سأقطعه لك حينما نكون لوحدنا.. لأرى اي احد ينظر اليك حتى ابتلي به.

زمجرت سيلا بوحشية:
– وانا سأشوّه لك وجهك حينما نكون لوحدنا.. ودعني ارى اي غبية تنظر اليك حتى أقتلها واقتلك خلفها.

همست ناي لغيث وهي تحدق بتعابير وجه ليث وسيلا الشرسة:
– أعتقد أن توأمك وزوجته يتشاجران.

علق غيث بتهكم:
– لا شيء جديد.. الاثنان نفس العقل ونفس الغباء.. وافق شن طبق!

ضحكت ناي:
– انت محق.. لا شيء جديد!
ثم تنهدت وسألته بينما تنظر الى ريس الذي يراقب قدر بعينيه:
– ماذا ستفعل مع ريس؟ هل ستوافق على زواجه بقدر؟

– اذا هي موافقة وادهم وسيلين موافقان لن أعارض.. في النهاية هو ابني وسعادته تهمني اكثر من اي شيء اخر.
أجاب غيث برزانة فابتسمت ناي:
– مفعول كلام والدتك ساحر.. لا أعتقد أن أحد سيعارض كلامها وهي المدللة الان.

ضحك غيث بدفء وهو يتطلع الى والدته التي تراقب الجميع بعينيها الجميلتين:
– حفظها الله لنا واطال بعمرها.

غمغمت ناي بصدق:
– آمين يا رب.

******************
استجاب ادهم لنداء لين عليه بابتسامة صادقة.. فلين لها مقام خاص بقلوب الجميع.. قعد بجانبها وبجانب ريس وقال:
– نعم خالتي.. اطلبي وتمني فقط.

قال ريس:
– ها قد قال اطلبي.. فأدخلي بصلب الموضوع ولا احد يرد زوجة ريس الجايد.

ضحكت لين وغمغمت:
– طلبي ريس وقدر يا ادهم.. ريس ابني الاول الان لا الرابع فأريدك أن توافق على زواجه من قدر.

ايّدها ريس بطريقة مضحكة:
– وافق يا ادهم.. ريس الجايد رجل لا يُرفض.. يكفي أنه يحمل اسمي ويكفي أن لين تحبه.

تنهد ادهم:
– القرار قرار قدر.. انا راحة ابنتي هي كل ما يهمني.. ولا اريدها أن تعاني مع ريس.. وانتما تعرفان ما فعله قبل فترة.

– انا اكفله يا ادهم.. ريس يحب ابنتك وسيحفظها ويصونها.
قالت لين بجدية وهي تلكز ريس ليدعمها بكلامه فأضاف ريس:
– وغير ذلك نحن سنبقى فوق رأسهما.. مصير الاثنان لبعضهما البعض.. فريس حفيدي وانا اعرفه جيدًا رغم غيظي منه بعض الأحيان بسبب دلال ام الكل له.. ريس اذا اراد شيئًا يحصل عليه ولو بعد سنوات.. فما بالك بقدر التي يعشقها؟

– على خير ان شاء الله.. ساسأل قدر اولًا.
أجاب ادهم بهدوء فقال ريس بحزم:
– اسألها الان.. فإذا وافقت سنقوم بتعيين تاريخ حفل الخطوبة وعقد القرآن الأسبوع القادم.. لقد مللنا منهما.

– انتظرا لحظة.
همست لين قبل أن تنهض وتسير تجاه ريس لتخبره:
– اذهب واجلس مع جدك وعمك ادهم إلى أن اتي.. وفكّر لي بهدية ثمينة.

– تم؟
سألها ريس بذهول فرفعت لين حاجبيها بغرور:
– كل شيء يتم مع لين.. جدتك ليست اي جدة.

ضحك ريس ثم قبلها جبينها وغمغم:
– قلبي وروحي وعمري وحياتي فقط لينو.

ضحك لين بمرح:
– غادر قبل أن يغيّر جدك رأيه ويصبح ضدك.

هز ريس رأسه موافقًا بسعادة بالغة قبل أن ينفذ ما قالته جدته.. فتوجهت لين الى قدر التي تتحدث مع قمر وسحبتها دون استئذان وهي تقول لها بتهديد:
– اذا لم تقولي انك موافقة سأطلب من حفيدي أن يخطفك ويهرب!

تطلعت قدر الى لين بحيرة وعدم فهم لتتجاهلها لين وتترك يدها فور أن وصلا إلى المكان الذي يجلس به ريس الجد والحفيد وادهم..
– قدر.. حفيدي يريد الزواج بك ووالدك موافق.. فما هو رأيك؟
تساءل ريس الجد باستمتاع فإحمرّ وجه قدر بخجل شديد بين تألقت عينا ريس الحفيد بمكر وعبث.. وحينما لم ترد سألها ادهم مرة أخرى بنبرة حانية:
– ما هو رأيك يا قدر؟ لا تخجلي.

اخفضت قدر نظراتها على استحياء بسبب نظرات الجميع لها وخاصةً نظرات ريس التي تكاد أن تلتهمها.. فابتسمت لين وقالت:
– السكوت علامة الرضى يا قدر.. أليس كذلك؟

تنهدت قدر ثم أجابت اخيرًا:
– انا موافقة!

ودون أن تسمع تعليقاتهم المستمتعة غادرت لتختبئ بوالدتها التي كانت تراقب ما يحدث منذ البداية بابتسامة شقية..
عانقت سيلين ابنتها بحب شديد:
– أخيرًا أتى الفرج لقلبك يا قلب امك.. الف الف مبروك.

– شكرًا.. امي هل ينظر الي؟
غمغمت قدر بخجل فضحكت سيلين وهي ترد:
– أجل ينظر اليك بعشق.. وعلى ما يبدو أنه يريد أن يخطفك الان ويهرب ليلتهم وجنتيك المشتعلتين خجلًا.

دمعت عينا قدر وهي تهمس لسيلين:
– امي اشعر بخجل فظيع.. قلبي يخفق بعنف.. واشعر انني لست على هذه الأرض.. لقد خطبت اكثر من مرة ولم اشعر كما اشعر الان.

اتسعت ابتسامة سيلين الحانية:
– ذلك لأنك تعشقينه يا قدر.. احساسك مختلف عن أي إحساس لأنه الرجل الذي تحبينه.

تنهدت قدر وهي تبتعد عن والدتها لتضع يدها على قلبها الخالق بجنون:
– آه يا قلبي!

******************
بعد أن بارك سند لشقيقته همست جهاد له بتعب:
– سند.. انا مرهقة.. لنعود الى المنزل.

– دقيقة فقط حبيبتي.
قال سند بابتسامة قبل أن يترك جهاد للحظة ويقترب من ريس الذي قرر الالتصاق بأدهم بكل مكر ليغير فكرته عنه..
وقف سند أمام ريس وهتف بتهديد:
– اياك ان تظن أن قدر صارت لك فتتصرف كما تشاء.. قدر في عيوننا دائمًا ومن يتجرأ ويضايقها بحرف واحد اقضي عليه.

رفع ريس حاجبه باستفزاز قبل أن يقول بلطفٍ بسبب وجود ادهم بجانبه:
– حبيبي سند.. اختك في الحفظ والصون.

كتم ريس الجد ابتسامته وهمس للين:
– حفيدك ماكر.. به الكثير من مكرك.

ضحكت لين بمرح:
– تربية لين لا تذهب هباءًا.. حتى تربيتي لك لم تذهب هباءًا.

عقد ريس حاجبيه بغيظ وقال:
– لسانك اشتاق الى عقابي على ما يبدو.

اسبلت لين اهدابها وغمغمت بمكر:
– اكثر مما تتخيل يا روح لين.

– اقتربت رحلتنا.
همس لها ريس بوعيد فابتسمت لين بحب:
– اجمل رحلة ستكون.. انت فقط انتظر.

****************
بعد ساعة..
خرج سند من الحمام وهو يحمل جهاد بين يديه.. لقد اعتادت على دلاله.. يحملها الى اي مكان تريده ويغدقها بدلاله وهمساته التي تنعش أنوثتها المجروحة بوضعها الصحي السيء.. علاقتهما الزوجية لا تزال كما هي منذ أن تزوجا.. فقط يسرق منها بعض القبلات ويكتفي بعناقها وبمغازلتها حتى لا تتضايق.. فهي تدري ان رضاها الان أكثر ما يريده.. وهي حقًا تحاول ان تنسى كل ما مر بينهما من الام واوجاع.. تريد أن تعيش كبقية النساء المتزوجات.. وهي ليست اي زوجة عادية.. هي لا تزال عروس جديدة..

وضعها سند على السرير بابتسامة دافئة ثم قعد بجوارها على السرير وسألها بينما يضع يدها على وجهه الذي قد شُفي تقريبًا من آثار الضرب الذي تعرض لها بشجاره مع حمزة:
– هل انت افضل الان جهاد؟

هزت جهاد رأسها بعطف على حاله وما يفعله لتغفر له وغمغمت:
– انا الحمد لله بخير سند.. فقط اريد ان انسى كل ما مضى واعيش كأي امرأة عادية.

انحنى سند بشفتيه ليقبلها بعاطفة حارة وهمس:
– انت لست أي امرأة جهادي.. انت أجمل امرأة.. صاحبة أجمل وجه واجمل فكر واجمل قلب.. انت قلبي.. سامحيني يا عمري.

بادلته جهاد قبلاته النهمة بحق ثم غمغمت بحاجة حقيقية لأن تشعر بأنوثتها الكاملة.. تود أن تصبح زوجته فعلًا.. تريد أن تكون علاقتهما كاملة فعدم اكتمال علاقتهما يشعرها حقًا بالنقص.. يشعرها بالنقص اكثر مما تفعل الآثار التي بجسدها:
– انا احتاجك سند.. احتاج حبك ودفئك.. احتواءك وحنانك.. اكمل نقصي لأنسى أو حتى اتناسى.. اريد ان اكون زوجة عادية.

لم يحتاج سند لعدة لحظات حتى يفهم كلامها.. اوجعه كونها تشعر بالنقص لان علاقتهما الزوجية لم تكتمل بعد.. ولكنه كان يبتعد عنها ليرضيها.. يريدها راضية.. رضاها هو جل ما يريده في هذه الدنيا لا غير.. هي لا تدري كيف كان يبتعد عنها بصعوبة.. ان تكون مع المرأة التي تعشق والتي ترغب ولا تحصل عليها شعور قاسي جدًا.. وهو لا يحبها فقط بل يعشقها ومنذ سنوات وهي حلمه الوحيد..

تعمّق سند بقبلاته ليأخذها بجولة غرام على سطوح العشاق.. يقبلها بشغف وشوق.. بلهفة ارضت غرور أنوثتها.. برغبة عززت من ثقتها بجمالها.. بتريث بسبب اصاباتها.. كان حنونًا لأقصى حد ولكن… هناك شيء خطأ.. شيء ارعبها وجعلها تنظر الى سند بقلب مفزوع ومن بين لهاثهما قالت بدموع:
– خذني الى المستشفى.

– ششش.. لا تقلقي.. انا اثق بك وبطهارتك وبتربية عمي ليث.. واعرف جيدًا انك عذراء يا جهاد.
همس سند بهدوء فهو ليس بجاهل كي لا يعرف بهذه الأمور النسائية.. لن يشك بها أبدًا.. بعض الدماء التي تثبت عذريتها وطهارتها لن تغير اي شيء من نقائها في عينيه.. ولكن جهاد هزت رأسها بنفي وقالت باصرار وبكاء:
– خذني حالًا الى المستشفى.. اريد ان اثبت لك ان غيرك من الرجال لم يلمسني مسبقًا.. لن ارتاح اذا لم اثبت لك يا سند

————————–
يتبع..

error: