رواية غزلًا يوقده الرجال

الفصل الخامس (الجزء الاول)
عذِّب بما تريد..
مصيرك في قلبي شهيد..
إجرح وليكن قلبك كجمر الحديد..
حطّم ضلوعي ولا تترك ضلعًا زهيد..
نهاية عشقك قلبًا من جليد..
وبداية حبك جسدًا يعرف انه شهيد..
دع روحي تعاني ظلمَ العبيد..
ولن اغفر لك ولن احيد..
ستبقى الوجع الذي يفيد..
وما دمتُ اتنفس سأعتبر حبك تهديد..
———————–
لا تصدق.. محال! الن يدعها وشأنها ولو لبرهة؟ حدجته بنظرات ساخطة غاضبة بينما هو يسير نحوها بخطوات ثابتة واثقة وابتسامة مستفزة يهبها اياها ثغره..
هاجت شعلتها الشرسة وفاقت امكانيتها بالتحكم بنفسها حالما توقف قبالتها وهمس بصوت ناعم مستمتع:
– هيا.. سيارتي تنتظرك.

رفعت يدها لتصفعه.. لتبثق كل غضبها عليه.. لتنتقم منه بسبب المشاكل التي يسبّبها لها مع خطيبها.. ولكنه لم يسمح لها ويده تقبض على يدها ككماشة صلدة تهرس العظام.. لم تصرخ متوجعة ويدها تكاد تُكسر بسبب ضغطه بل واجهته بشموخ..

– عيبٌ ان تتواقحي على رئيسك.
غمغم حمزة بنبرة هادئة ولكنها غاضبة.. ومع ذلك لم تأبه جهاد بتهديده لتزمجر بشراسة:
– عيبٌ عليك ان تكون على قيد الحياة.. لن آتي معك.

– وصلتني الموافقة فلماذا تعترضين دون جدوى الان؟
سألها وهو يترك يدها لتهتف بعنفوان:
– ستتصل بي خالتي ريما ونذهب معًا.. لن اذهب معك ابدًا.

– خالتي في منزلي.. لا تقلقي.
غمغم قبل ان يقهقه باستهزاء حينما تعالى رنين هاتفها.. لعنت بخفوت قبل ان ترد:
– وعليكم السلام خالتي ريما.

– انا انتظرك حبيبتي.. سيأتي حمزة ليأخذك.
غمغمت ريما ليسحب حمزة الهاتف من يد جهاد بغتة ويضعه على اذنه، هاتفًا:
– انا معها خالتي.. اهتمي بأمي ريثما نصل الى المنزل.

تمتمت ريما بموافقتها ليعيد حمزة الهاتف لجهاد التي اكفهر وجهها واحتدمت حدقتيها وكأنها قطة برية ستشوه ملامحه لا شك..
اخذت منه هاتفها بعنف ثم قالت بتحدي:
– لن ارافقك.. سأتصل بسند ليقلني الى منزلك.

رشقها بنظرة ساخرة قبل ان تستولي اصابعه بخشونة على مرفقها ليجذبها ويضعها في سيارته بينما تقاومه هي بانفعال..
اوصد الباب عليها وهو يستدير ليتولى مقعد السائق ثم انطلق بسرعة جعلتها تصرخ في وجهه:
– ايها الحقير من تعتقد نفسك لتلمسني؟ اياك ولمسي بهذه الطريقة مرة اخرى.

– اخرسي قليلًا.
هتف بانزعاج ليجن جنونها وتهجم عليه بقبضتيها الناعمتين بينما يقود هو ببرود ولا مبالاة.. استشرى الحنق في اوصالها وهي تضربه دون ان يتأثر.. ماذا ستتوقع من غليظٍ مثله تشاجر مع اكثر من نصف الرجال البلد ولم يرحم احدًا من شرّه! هل سيتأثر بضرباتها الناعمة؟ بالتأكيد لا..

خمدت ضرباتها له بعد دقائق قليلة لينظر حمزة اليها ويعلّق بكلماته التي تستفزها:
– لو انك انحف قليلًا كان سيكون بك طاقة اكبر.. ولكن ما شاء الله الدهنيات كثيرة!

– لا يخصك.. سند يعجبه جسدي.
ردّت جهاد بحنق قبل ان تصرّخ:
– يا وقح اذا نظرت اليّ مرة اخرى بطريقة الانذال سأشرب من دمك.

– سأنظر كما اريد ثم اجرح اصبعي لتشربي من دمائي.
قال مقهقهًا لتتنفس بصعوبة وهي تكاد ان تحلّ حجابها لتمزق شعرها من شدة غيظها.. لم ترّد عليه فالحقير يعرف كيف يرد الصاع صاعين لها..

لم تصدق انهما اخيرًا وصلا فترجلت من السيارة قبل ان تغلق الباب بعنف فيضحك ويقول:
– اذا كسرتِ باب السيارة سأخصم لك من راتبك.. يكفي الهاتف.

– اذا كسرتَ لك عظامك حينها اخصم لي.
هتفت بتجهم ليغمغم بتهكم:
– امام خطيبك ارّق من العجين وامامي اقوى من الصخر.. على ما يبدو إنّي انا فقط من سيظهرك على حقيقتك.

لم ترد على كلماته المستفزة وهي تهتف بضيق:
– هيا لندخل وارى العمل الذي خرج لي من نار جهنم.

ضحك حمزة وهو يسير امامها.. تبعته جهاد وهي تتطلع حولها بفضول.. المنزل بسيط من الخارج.. له ساحة صغيرة وموقف سيارات يتسع لسيارتين..
انتظرته ان يفتح الباب وهي تتململ بوضوح ليهتف بينما يطرق الباب:
– قفي بثبات.

ولجت الى الداخل بعد ان فتحت ريما الباب وسلّمت عليها.. ثم نظرت حولها مرة اخرى بتفحص، غير متيقظة لنظراته التي تترصد حركة عينيها..
توقعته ان يكون غنيًا اكثر مما تراه حاليًا.. فالغرور والقوة الذل يملكهما توحي للجميع ان مستواه الاقتصادي والاجتماعي جيد جدًا..

– اجلسي حبيبتي ريثما احضر لك كوبًا من العصير.
غمغمت ريما لتهمس جهاد سريعًا:
– لا داعٍ خالتي ولكن اريد رؤية الخالة لورين.

– تعالي معي.
قال حمزة لتنهض على مضض وتسير خلفه بتردد فيردف بسخرية:
– لا تقلقي لن اغتصبك.. ليس وانت بهذا الجسد الممتلئ!

قضمت شفتها السفلى بعصبية دون ان ترد عليه فيتابع بسماجة:
– هل تودّين ان اعطيكِ بعض النصائح لتنحفي.

– هل تود ان تجرّب صفعاتي التي ارغب بمنحها لك لتصمت؟
هدرت باهتياج وهي تقف قبالته ليضحك ويغمز لها بوقاحة:
– صفعاتك ناعمة.. لا اريدها الان.

– حقير.
تمتمت وهي تفتح باب غرفة والدته وتدخا.. نظرت الى لورين لتجدها نائمة فقالت:
– لا استغرب حالة والدتك الصحية.. فمن لديها طفلًا مثلك ستمرض مؤكدًا.

– لم اطلب رأيك بعد.
هتف بجمود لتزم شفتيها بضيق قبل ان تسمعه يستطرد:
– لنتفق على ساعات عملك وراتبك.

– يوم الجمعة لن اعمل منذ الان اخبرك.. هذا اليوم لسند فقط.
غمغمت ليبتسم ببرود ويقول:
– لا يوجد مشكلة.. من يوم السبت حتى يوم الخميس ستعملين.. في تمام الساعة السابعة تكونين هنا وتغادرين الساعة الساعة السادسة مساءًا.

**************
هبّت واقفة بفزع حينما فتح باب غرفتها ودخل كاللصوص تمامًا.. حدجته بنظرات مذهولة ليسير نحوها فترتد الى الوراء بعدم استيعاب.. كيف دخل غرفتها ومتى اساسًا جاء الى منزلها؟ اين والدتها؟ الم تراه وهو يصعد الى غرفتها؟!

اسئلة كثيرة تساءل عنها عقلها وهي لا تزال في قوقعة صدمتها.. انتفضت فجأة وكأن مسّ كهربائي لسعها حينما امسك ريس يدها وهتف بصوت هادئ:
– لنتكلم.

وكأن صوته سيفٌ طعنها بقسوة لتستعيد ثباتها سريعًا وهي تتذكر كل ما فعله بها.. رفعت رأسها بتحدي وشموخ ثم هتفت بجمود:
– اخرج.. لا اريد ان اسمعك.

– سوف اتحدث معك بموافقتك او دونها.
غمغم ريس بجدية بينما يقترب منها بخطوات جاهدت ان لا تؤثر بها ولو برمشة عين.. ولم تعي على نفسها الا وهي تقع على السرير بينما يحاصرها ريس بجسده الذي يقف ملتصقًا لسريرها فتتخبط اوداجها ضيقًا وتوترًا وتهتف بحدة:
– اذا لم تبتعد سأصرخ يا ريس.. سأسبّب لك فضيحة مع والدك.

– لا احد هنا.. جميعهم في الخارج.
همس بخبث وهو يجلس بجانها على السرير وحدقتاه الماكرتان تتأملها من رأسها حتى اخمص قدميها وكأنها تعريها من ثيابها التي لم تكن سوى فستانًا قصيرًا للنوم..
تخضبت وجنتاها وسرت الحمرة حارّة مشتعلة في سائر انحاء جسدها.. همّت ان تنهض وتُطمِر جسدها عن عينيه البنيتين اللتين لا تسببان لها غير الارق والالم ولكنه سرعان ما كان يُبطل هروبها وهو يمسك ذراعها بنوع من القوة.

– اتركني.
هدرت بصوت منخفض مشتعل قبل ان تستطرد:
– لا زلت لم اخبر اي شخص بما رأيته فاطمئن وغادر.

قهقه ريس باستمتاع حقيقي قبل ان يردف بغطرسة:
– هل تعتقدين انّي قد اخاف مما افعله؟ لأجيبك انا.. لا يا قدر.. لا يا صغيرة.. لا يهمني احدًا.. ضعي كلامي قرطًا بأذنك.

– لا يهمني.. اخرج والا اقسم سأصرخ.
زجرته بصوتٍ حانق ليبتسم تلك الابتسامة التي تمقتها.. تمقتها بجنون وهي تغوي كل بنات حواء.. ابتسامة وسيم لعوب ماكر.. كادت ان تتحرّر منه قبل ان تشهق وهي تجد نفسها اسيرة حضنه بينما يهتف لها بصوت هادئ اخافت منه حقًا:
– شش قدر.. اعتذر لكِ!

يعتذر؟ ولها ايضًا؟! اي مأساة مفجعة تنتظرها منه؟ اي مكيدة يحيكها له لتندس بين امواج عشقه القاسي.. لم تتجاوب مع اعتذاره ولم تذعن ليديه التي تضمها بخشونة.. بهذه الطريقة كان يعانق غيرها.. ولكن بدفئ اكثر.. بابتهاج لا باجبار.. لا يحق له ان يعانقها من الاساس!

توسعت عيناها بتخفر وهي تفكر بما يحدث بينهما في هذه اللحظة.. ماذا لو فتح احد باب غرفتها ورآهما بهذه الوضعية؟
قاومته عسى ان يطلق سراح جسدها الذي يكاد ينشطر الى قسمين بين ذراعيه القاسيتين.. حتى عناقه لها قاسيًا! كل ما به يجرحها..
احتدت مقاومتها له بخوف حقيقي.. طريقة تمسكه بها في هذه اللحظة اذعرتها.. انّت بوجع عندما سمعت فرقعة خفيفة بعظامها.. في اي مكان لا تدري..

هل ضمها ليؤلمها؟ فكرت بمرارة قبل ان ترفع له عينين موجوعتين فيطالعها بصمت دون ان يحرّرها من قيده القاسٍ:
– اتركني يا ريس.. اتركني.. انا اتألم.

تركها بحدة لتشهق بصوت عالٍ وتغمغم بضيق شديد استشرى علقمه في حنايا قلبها:
– اعتذارك مرفوض.. اخرج فقط.

ابتسم بهدوء ثم وضع يده على خدّها وهمس:
– انتِ بريئة جدًا.. اشك بكونك لا تغفرين.. من هي مثلك وُلدت لتغفر!

– لست بريئة.
قالت بعصبية وهي تسير ناحية الباب قبل ان يمنعها هو ضاحكًا:
– انتِ محقة.. لستِ بريئة.. لا تغفرين.. ولكن دعيني اهدئ ضميري الذي يوخزني بسبب تصرفاتي معك هذه الفترة.

– لماذا يوخزك قلبك على واحدة لا تكن لها حتى مشاعر الكره؟
سألته وهي تردع بصعوبة دموعها المتمردة.. ونجحت بل تفوقت على نفسها وهي تتابع بقوة:
– الستَ تبغض وجودي في حياتك.. فلماذا تقحم نفسك في حياتي؟

– انتِ صغيرة على الرغم من كونك اكبر مني بأربعة اشهر.. ولذلك اخاف عليك.
دمدم ريس بجدية لتتشدق قدر باستهزاء:
– خوفك لا يسرّني ابدًا ريس.. لا اريد خوفك عليّ.

– ولكنك لن تستطيعي ان تمنعيني عن متابعتك بينما انا بامكاني ان امنعك عن كل ما اريد.
هتف بغرور قبل ان يسترسل:
– لا قوتك الجسدية تساعدك.. ولا رقتك ونعومتك المبالغ بهما.

– هذه هي انا.. الجميع يحبني كما انا والا ما كان سيطلبني العديد من الرجال للزواج.
زمجرت قدر بتحدي فيقضم ريس شفته السفلى كي لا يبجس كلمة من فمه تزيد الطين بلّة وتجرحها بعد ان اتفق مع جدته لين ان يعتذر منها..
زفر ريس بغيظ بينما تتابع قدر بشموخ والدتها:
– اذا لا تعجبك رقتي التي تراها ضعفًا فهذه مشكلتك لان غيرك يراها قوة ويقعون في حبها.. واذا لزم الامر صدقني سترى قوتي.. ولكن انا اعرف متى اظهر قوتي ومتى لا.

– هل انتِ حقًا قوية كما تقولين؟
سألها ريس وهو يرمقها بنظرات متجهمة زادتها عنادًا وقوة.. لن تنسى ابدًا ما فعله معها.. المشهد الذي رآته ترّسخ بين جفونها لتلسعها دموعها كل مرة..
ابتسمت قدر وهي تعقد ذراعيها بتعابير من صخر.. وكأنها لا تتأثر بكلماته البتة.. ثم دمدمت:
– واقوى مما تتخيّل!

ضحك ريس بصوت عالٍ لتعقد حاجبيها قبل ان تسمعه يهتف:
– اذًا اخرجي معي.. الان!

– لا اريد.
ردّت بتحدي قبل ان تضيف:
– واخرج من غرفتي.

– قدر!
زجرها بتهديد لتكرّر وهي تهز كتفيها بلا مبالاة:
– اخرج.

– ارتدي ثيابك.
هتف لتنظر الى الاسفل وكأنها تلقت صفعة قاسية على وجهها اعادتها الى ارض الواقع لتتذكر ما كانت تود ان تفعل بعد اقتحامه لغرفتها..
لم تقاومه هذه المرة.. لم تعاند.. بل اكتفت بالاستدارة والتوجه الى خزانتها بساقين قد تخرّ ارضًا من المشاعر التي تفشت في اوصالها بينما هو يتابع كل تحرّكاتها بعينين غامضتين مستمتعتين..

ابتسم بتهكم على الثياب التي اخرجتها..
“الخجول البريئة التي تتظاهر بالقوة”
تمتم بصوت خافت لتتطلع اليه بوجه محتقن جعلت ابتسامته تتوسع اكثر.. وبسرعة كانت تولج الى حمام غرفتها لترتدي ما اخرجت.. بنطال جينز اسود وبلوزة بيضاء ضيّقة..

لا تدري كيف ستخرج معه.. على ما يبدو ان والدتها اعطته الموافقة والا ما كان سيتصرف بهذه الطريقة.. ولكن المصيبة سند اذا عرف.. ربما يقتلهما معًا.. خاصةً وهو بحالة عصبية هذه الفترة.. حتى عليها بات يغضب من اتفه الاشياء ولكنها تتفهمه وتتفهم مزاجه فقد اخبرها انه يمر بمشاكل بسيطة لا يود ان يقولها لها..

تنهدت وهي تفتح باب الحمام لتخرج فتتفاجأ بريس الذي اختفى وكأنه لم يكن! ثم سرعان ما شهقت بفزع حينما وفاها صوته الساخر:
– لماذا خرجتِ؟ كان يجب ان تنتظري ساعة اخرى.

تجاهلته وهي تسير تجاه هاتفها لتلتقطه بينما تهتف:
– سأتصل بسند لأخبره.. لن اخرج معك دون ان يعرف.

لم يمهلها الفرصة حتى تتناول الهاتف وهو يأخذه عن المنضدة، قائلًا:
– امك تعرف وهذا يكفي.. لا اطيق شقيقك.

– هذه مشكلتك لا مشكلتي.. سند يمثّل العالم بالنسبة لي.
اردفت بحدة وهي تحاول ان تأخذ هاتفها من قبضة يده فيدفعها برفق امامه ويغمغم:
– انسي هاتفك الى ان نعود.
ثم تشدق وتابع:
– ورأينا بوضوح ماذا فعل لك اعتبارك لشقيقك العالم.

***************
لا يصدق انه اخيرًا وجد حقيبتها وانه تمكن من اسكات ثرثرتها التي كاد بسببها ان يلقيها في احدى الزنزانات.. يليق بها فعلًا ان تكون صحفية فهي مثل الراديو الذي لا يصمت..
زفر عمر بغيظ وهو يراها كيف تفتش بحقيبتها لتتأكد من محتوياتها فتمتم بضجر:
– اذا كان هناك شيئًا ناقصًا انا من سأعطيك ثمنه ولكن لا تثرثري.

– كان يوجد في حقيبتي الف دولار.
هتفت لونا بخبث ليبتسم بسخرية:
– انتِ والف دولار؟! هل تودين ان تحتالي عليّ؟

– انا لا اكذب.. كان بها الف دولار ومئة يورو.
ردت ببراءة مزيفة ليهتف بغيظ:
– الله معك اذًا.

– اريد حقي الان.. اعطيني نقودي يا سارق.
صاحت وهي توثب عن مقعدها بينما تضع يدها على خصرها بأكثر طريقة مستفزة قد يراها يومًا.. وخزته يده بشدة ليبعد يده عن خصرها واذا لم يفعل فهو سيفقد عقله وبالتأكيد لن يسمح لفتاة غبية مثلها ان تفقده جنونه..
اقترب منها بخطوات عصبية ليبعد يدها عن خصرها بخشونة فتصرخ متأوهة:
– همجي.. شرير.

رمقها باستخفاف وتمتم:
– شرير مرة واحدة!

– اجل.. اعد لي نقودي ولا تتدخل بجسدي.
زمجرت بغضب ليرد ببرود:
– عودي الى عملك والا سأعمل على طردك من العمل.

عقدت حاجبيها بحنق وهي تزم شفتيها بقوة ليتأفف ويهدر:
– كل المجانين لا يلتصقون الا بي.. قلت لكِ غادري.

– لا اريد.
اردفت بعناد وهي تسير ناحية مقعده لتجلس عليه.. ابتسمت باستمتاع وهي تعقد ذراعيها حول صدرها بينما تسند ظهرها باستهتار على ظهر المقعد..
رفع حاجبه بغضب عندما سألته وكأنها ضابط لا صحفية مجنونة ستجعله يموت غيظًا منها:
– والان سيد عمر.. اين مالي؟ اين الالف دولار والمئة يورو؟

– لونا!
زجرها بعصبية لتقهقه وتغمغم:
– لا تقل اسمي بصراخ.. اسمي ناعم فألفظه بنعومة.

لم يستطع التحكم بوتيرة غضبه الحادة.. ويده الان لا توخزه فقط بل تكاد تفتك به اذا لم يمسك شعرها الاحمر ويجرّها منه الى الخارج ليجعلها عبرةً لكل واحدة مثلها طويلة اللسان..
اقترب منها بخطوات تشي عن مدى غضبه لتطالعه بنظرات متوجسة قبل ان تشعر بيده تمسك شعرها لتوقفها..
ادمعت عينيها بضيق لتجذب يده الاخرى وتعضّها بغل فيتركها مرغمًا..

– همجي.. حقير.
صاحت لونا وهي تمسد فروة رأسها ليزفر بضجر ويهتف:
– اخرجي بكرامتك يا طفلة كي لا اخرجك قسرًا.

– اعرف اين تقطن.. سأذهب الى منزلك واشكوك لوالديك.
هدرت بعصبية وهي تسير الى الخارج فيدمدم ساخرًا:
– ارجوك لا تنسي شيئًا مما فعلته.

– سنتواجه.
زمجرت بعنفوان فيقهقه رغمًا عنه وهو يراها تسير الى الخارج بخطوات حانقة عاقبت الارض بضرباتها بدلًا ان تعاقبه هو..

*****************
كاد ان يتهور فعلًا بعد اتصاله بوالدته ليسأل عن قدر وجواب والدته انها خرجت مع ريس.. القى العمل الملقى على عاتقه والذي كلّفه به والده عرض الحائط وخرج من الشركة.. منذ متى تخرج قدر دون ان تسأله وخاصةً مع ريس؟
متأكد انه اذا رأهما الان معًا ستكون ردة فعله قاسية عليه وعليها..

الا يكفيه مشاكله مع جهاد وتدّخل ليث ليحل النزاع بينهما؟ الا يكفيه مشكلة الحقير حمزة واقحامه معظم افراد العائلة كي يقنعونه بالسماح لجهاد العمل في منزله الى ان يتم عقد قرآنهما؟ والافجع من ذلك انضمام والدته اليهم جميعًا لتخبره انه يبالغ بما ان ريما ستكون هناك!! كيف وافق اساسًا الاصغاء لكلماتهم التي اوجعت رأسه؟

خرج من الشركة، غير آبهًا بنداء والده.. يتمنى من الصميم ان يصل ويجد قدر في المنزل.. نائمة.. تستحم.. المهم ان لا تكن خارج المنزل او متفرغة..
ورغمًا عنه كانت تقوده عصبيته الى منزل حمزة الذي عرف عنه العديد من الامور.. قادته عصبيته قسرًا الى منزله وافكاره تؤوله الى الجنون.. سيعيدها هو الى منزلها ويذهب ليرى الابتلاء الاخر ريس..

لا يدري كيف ومتى كان يركن سيارته بجانب منزل حمزة وكاد ان يطرق الباب لولا اتصال والده الذي اضطر ان يرد عليه.. وفي الداخل كانت جهاد تعاني من غلاظة الوقح حمزة وكلامه الذي كاد ان يفقدها حبيبات رشدها..

– الا يثق بك والدك وخطيبك؟
سألها حمزة بجدية لتحدجه بنظرة غاضبة وتهتف:
– يثقان بي اكثر مما تتصور.

– لا ارى تلك الثقة التي تتكلمين عنها والا ما كانت خالتي ستبقى طيلة ساعات عملك في منزلي.
غمغم لتسأله بشراسة:
– ماذا تريد مني انت؟ لماذا تحوم حولي وتسعى لتخريب كل علاقاتي بخطيبي وعائلتي بهذا الاسلوب الدنيء الذي لا يمثّل غيرك البتة؟

قهقه حمزة ببرود وهو ينظر اليها بعينيه الماكرتين التي تكرههما اشد الكره.. لن تكره احدًا بقدره ما دامت تتنفس..
لا تعرف هل ارتعابها كان من يديه التي امسكت ذراعيها ام بسبب الطرقات القوية التي تنزل على باب المنزل..

افلتها حمزة قبل ان يهتف بغموض.
– مؤكدًا ان هذا خطيبك.. واحساسي دائمًا في مكانه.. لنرى.

*****************
هل بامكانها ان تخمد هاجسها المرعوب من اخذه لها الى المطعم القابع على شاطئ البحر؟ هل بامكانها ان تصدّق انه لن يجرحها مرة اخرى وان تصرفاته هذه حقًا بحسن نية؟ بالتأكيد لن تثق به والندوب التي في قلبها تُفسّر السبب جيدًا..

كانت متيقظة لنظراته جيدًا وهي تتلفت حولها بينما هواء البحر يلفح وجهها ويعيد شعرها الناعم الى الوراء.. احمرّت وجنتيها وانفها من شدة البرد ليسألها ريس:
– هل تشعرين بالبرد؟

اومأت ثم قالت:
– لندخل الى الداخل.

هزّ رأسه ثم رفع يده ليأتي احد الموظفين اليه فيخبره ريس انهما يريدان الجلوس في الداخل.. تأملته قدر بقلّة حيلة كيف يتحدث مع النادل.. من اين له كل هذه الوسامة التي تؤلمها؟ كيف لها ان تعشقه وتراه بهذا الجمال الذي لا يراه غيرها كذلك؟ كيف لها ان تغرم بلدغته وتذوب كشمعة هائمة حينما تسمع اسمها يخرج من شفتيه..

تأوهت تطمس تنهيدتها الحارة في قعر قلبها.. فهي وعدت نفسها ان تكون اقوى امامه.. ان لا تخور قواها وتسمح له بنعتها بالضعيفة.. تريده رغم كل ما يفعله به.. قلبها الخائن يأبى ان ينصاع لألامها العديدة ويسمح لها بالتحرر من هذا السحر المرعب.. سحر ريس!..

– انهضي.
انصاعت لقوله وسارت بجانبه ليهمس لها بخفوت:
– ستعرفين قريبًا سبب قدومنا الى المطعم.

وعرفت.. عرفت جيدًا مقصده ورسلان يولج الى المطعم.. لم تستطع ان تقعد وهو يقترب منهما ليبتسم ريس ويغمغم:
– ها قد آتى.. اجلسي لتعرفي سبب قدومه.

لم تجلس ابدًا بل رشقت ريس بنظرة غاضبة وهمّت بالمغادرة فتكبح ما تنتويه يده وكلماته الهامسة بخشونة:
– افعلي ما قلت واجلسي.

– لن افعل.
هدرت وهي تحاول تحرير يدها منه فيكزّ على اسنانه حينما توقف رسلان قبالتهما، معلنًا سلامه ويهمس بصوت اجش:
– لا تدعيني اتصرف معك بقسوة امام الجميع.. اجلسي.

ترقرت دموع القهر في عينيها.. لا تود ان تجلس ولا تود ان تثير الفضائح في المطعم المكتظ بالناس..
فغمغمت قدر بضيق:
– لا اود ان اجلس.. دعني سأغادر.

وقبل ان يتدخل رسلان كان يجلسها رغمًا عنها لتوغل اظافيرها في ثنايا بلوزتها وتطئطئ بحنق.. لم تهتم لأي كلمة يقولها ريس لرسلان وهي تلتقط هاتفها لترسل رسالة لسند من هاتفها تطالبه بالقدوم اليها.. ستموت قهرًا اذا لم تبرح هذا المكان الان وفي التو وهي تعرف جيدًا انها لن تقدر على ريس.. لن تقدر عليه ابدًا..

————————-
يتبع..

 

error: