رواية غزلًا يوقده الرجال

 

الفصل الحادي وعشرون
كنت ذات مرة اتمنى رؤية
دموع القهر تبلّل وجهك..
كنت انتظر أن تخرج شهقاتك
الباكية مصحوبة بأسمي بوجع..
كنت أعتقد أن آهاتك ستطرب
روحي المجنونة بك ومنك..
ولكن حينما تم ما أردت وما
تمنيت انا الذي بكيت.. شكيت..
وندمت ثم توسلت العفو عن
كل ما فعلت.. وكنتِ انت للمرة
المليون ربما انقى من العسل
وغفرت لي دون سؤال ودون
عتاب.. فبحق الله اخبريني كيف
اتخلى عنك واتنفس ببعدك
وغيرك لم اعد اعرف ولا اتمنى؟
———————–
رفعت قدر يدها وهي تتأمل الخاتم الذي يلتف حول بنصرها بنظرات غير مقروءة.. لا تدري الى اين سيأخذها ريس هذه المرة.. وهي حقًا لا تدري كيف تتعامل معه.. آجل تحبه و تعترف ولكن هذا لا يعني أن تسمح له بتجاوز حدوده اكثر مما يجب معها..
توقفت السيارة اخيرًا بجانب مجمع تجاري ضخم فتطلعت إليه قدر بحيرة لترتسم شبه ابتسامة على شفتيه قبل أن يقول بتأمر:
– انزلي.

زمت قدر شفتيها بغيظ وعقدت ذراعيها أمام صدرها:
– لن انزل.. لماذا احضرتني الان الى هذا المكان؟

– اريد أن أدلل خطيبتي فأحضرتها لأشتري لها بعض الاشياء.
رد ريس بابتسامة سمجة فتشدقت قدر بسخرية:
– على حد علمي انك لست مليارديرًا فمن أين لك كل هذا المال الان لنتفق على خطيبتك كما تقول؟

– لا تقلقي كل المال الذي بحوذتي من عرق جبيني انا فقط.
أجابها ريس بنفس نبرتها المتهكمة قبل أن ينزل من السيارة ويردف:
– هيا انزلي.

نفذت قدر طلبه بضيق بدا جليًّا على وجهها ولكنها لم تنبس ببنت شفة.. سارت بجانبه بصمت جعله يزفر بحنق.. امسك ريس يدها ثم أدارها إليه لتتطلع إليه بعينين واسعتين متفاجئتين.. همس ريس وهو يضغط بخفة على يدها:
– قدر.. انا اعتذر اذا كنت قد ضايقتك بتصرفي في متجر الذهب.. لا اريدك ان تغضبي مني أو تحزني بسببي.. واريدك أن تعرفي فقط انني احبك وغير ضحكتك لا اريد اي شيء.

خفق قلبها بقوة وهي تستمع إلى نبرته الصادقة وومضت الدموع في مقلتيها وهي تسمع لأول مرة منه كلمات كهذه.. لقد تأثرت حقًا بصدق كلماته التي كانت تتمنى دومًا أن تسمعها..
لم تقدر أن ترد عليه فهذه المرة الأولى التي يعاملها ريس برقة رومانسية.. عادةً حتى رومانسيته النادرة تكون عنيفة بعض الشيء.. وربما اذا ظلّ ريس يعاملها بهذه المعاملة التي فعلًا تضعف وتهدم اي حصن قد بنته سوف تستسلم له بسهولة كبيرة..

ضغط ريس على يدها مرة أخرى حينما لم ترد عليه وقال بنعومة وهو يقرّبها قليلًا منه:
– قدر.. إنسي حبيبتي ما مضى.. أقسم لك برب العرش العظيم اني أعشقك وسأعوضك عن كل ما فات.. دعينا نفتح صفحة جديدة.

إزدردت قدر ريقها بصعوبة بينما إرتجفت يدها القابعة بين خشونة يده.. ثم اخيرًا غمغمت:
– دعني أفكر يا ريس.. ولا تضغط علي بتصرفاتك الغليظة.

اومأ ريس ثم بهدوء جذبها لتسير بجانبه الى داخل المجمع التجاري..

*****************
ألقى ياسين تحية السلام حينما ولج الى منزله ووجد حياة وإبنتيها جالسات مع عائلته.. لم يغفل عن نظرات مها التي طالعته بتوجس وبعض القلق الذي أثار حيرته.. لطالما كانت علاقته بمها يشوبها التوتر والتحدي.. فهما لا يطيقان بعضهما البعض اطلاقًا.. كقطبين متنافرين تمامًا..
تساءل ياسين عن أحوالهم فردت حياة بإبتسامة:
– الحمدلله حبيبي.. انت كيف حالك؟

– الحمدلله بخير خالتي.
قال ياسين بهدوء لتبتسم رين ببهجة وهي تنظر الى ابنها:
– هل سمعت آخر الأخبار يا ياسين؟ هناك رجل ألماني يريد الزواج بحبيبتنا مها.

رمق ياسين مها بنظرة ساخرة وتّرتها قليلًا الا انها تماسكت فليس هناك ما يجعلها تخاف منه الآن.. الجميع يعرف عن علاقتها بهيرمان ولا يوجد ما تقلق بشأنه.. لا تنسى أنه أمسكها وهي تتحدث بعض المرات مع هيرمان وهددها ولكن الان كل شيء قد تغير..
غمغم ياسين بنبرة متهكمة:
– آلف مبروك.. عساها لم تفعل شيئًا من وراء ظهركم.

– ياسين!
وبخه رواد بحدة بينما هتفت مها بقوة:
– اتمنى أن لا تتدخل بشؤوني الخاصة سيد ياسين كي لا اتدخل انا ايضًا بشؤونك الخاصة.. واعرف كيف تتحدث معي لأنني لن أسكت لك دائمًا.

– هل تهددينني؟
تساءل ياسين بإستهزاء غاضب فصاحت رين بحدة:
– كفى يا ياسين.. ما بالك على الفتاة الآن؟

قالت مها بهدوء بعد أن نهضت عن مقعدها:
– دعيه خالتي.. على أي حال انا سأغادر الآن.. لقد وعدت جدتي لين أن ازروها.

همت ليليان ان تنهض هي الأخرى ولكن منعها رواد سريعًا حالما امسك يدها وثبّتها مكانها.. تطلعت إليه ليليان بتساؤل فرفع حاجبه الأيسر وانزلها بمعنى أن لا تنهض واستجابت ليليان لطلبه الخفي بإبتسامة..

– انتظري أن أغيّر ثيابي وسوف أوصلك بنفسي.. فأنا ايضًا أريد زيارة منزل خالي ليث.
قال ياسين بجدية فردت مها بتجهم:
– مشكور على معروفك ولكن لا اريده.. انا سأذهب لوحدي.

هتف ياسين بحزم:
– قلت لك انتظري.. لن اتأخر كثيرًا وغير ذلك هناك موضوع هام اريد ان اتحدث عنه معك.

ودون أن يسمع ياسين كلمة أخرى صعد إلى غرفته بينما قعدت مها مرة أخرى بعبوس وغيظ دون أن تبالي بنظرات والدتها..
ابتلعت صابرينا غصتها المرعوبة وهي تفكر بالذي سيحدث لو أن حمزة أخبر ياسين أو أحد من عائلتها عن وقوفها مع زميلها بجانب مقر عمله وهو يمسك يدها بعاطفة واضحة.. زميلها الذي تحبه وهو يحبها.. ليس حبًا تمامًا ولكن إذا صح التعبير فهو اعجاب اكثر مما هو حب..
وهي في الواقع لا تدري ما الذي يريده منها هذا الإنسان ولكنها ميقنة أنه سيستغلها بأبشع الطرق.. يا الله كيف تتخلص منه؟ وذاك الجبان التي هي معجبة به بدلًا من أن يدافع عنها غادر خوفًا من حمزة..

*****************
– ريس انا لن اشتري هذه الأشياء.
قالت قدر بهدوء بعد أن جذب ريس سلة حديدية وبدأ بوضع بعض الثياب لها لتجرّبها حتى يشتريها لها..
هتف ريس بضيق:
– انا الذي سأشتري هذه الملابس لك لا انت.. لا تعترضي يا قدر.

دمدمت قدر بجدية:
– لن اقبلهم.. فأنا ان شاء الله سوف ارتدي الحجاب قريبًا.

للحظات توسمتها حدقتاه دون أن ينطق بحرف واحد ثم أخيرا بابتسامة فخر غمغم:
أخيرًا قررت الجميلة أن تخبئ جمالها لي وحدي.. الف مبروك والحمدلله.

ابتسمت قدر رغما عنها:
– شكرًا.. والان لو سمحت اعدني الى منزلي.

برفض قاطع رد ريس:
– مستحيل.. سأشتري لك كل ما يلزمك الان حتى اتأكد انك لن تتراجعي عن قرارك.

– لا ريس.. لن اوافق أن تشتري لي اي شيء ما دام ليس هناك اي علاقة بيننا.. فرجاءًا لا تضغط علي.
قالت قدر باصرار فتجاهل ريس اعتراضها كليًا وهو يجذبها الى متجر خاص بملابس المحجبات.. حاولت قدر قدر الإمكان أن تعترض ولكن ريس لم يسمح لها وهو يتغزل بها بحب أمام الموظفات بطريقة جعلت الحمرة تزحف الى خديها وتستوطنهما..
همس ريس لإحدى الموظفات بينما يتأملها بالفستان البنفسجي الذي اجبرها أن تجربه:
– خطيبتي ملكة جمال.. اخبريني بالله عليك كيف اخفي جمالها عن العيون؟

– ريس كفاك عبثًا!
زجرته قدر بخجل شديد بينما لم تتوقف كمان فؤادها عن العزف منذ أن اعتذر لها.. يا الله لا تريده أن يعاملها بهذه الطريقة الساحرة التي تسلبها كل قواها دون أي رحمة.. تخضبت وجنتاها اكثر بعد أن سمعت ضحكة الموظفة الحالمة فإتسعت ابتسامة ريس المغرورة والواثقة ليخطف حواسها وخفقاتها العاشقة اكثر فتنهدت قدر بيأس محاولة أن لا تغرق اكثر في سحره وتنسى بسهولة كل ما مضى.. ولكن كيف ذلك مع هذا الرجل الوسيم التي تعشقه منذ الأزل؟ كيف ذلك وهو يلبي كل احلامها العاشقة عنه؟ يدللها.. يتغزل بها.. يغدقها بأجمل الكلمات.. ويعاملها وكأنها اهم امرأة قد عرفها في حياته كلها..

ناولها ريس فستانًا آخر لتجربه لونه أسود وغمغم لها:
– جربي هذا الفستان.. يليق بك الأسود وانا احبه عليك.

– لا اريد.. هذا يكفي يا ريس.
تمنعت قدر بنعومة فإبتسم ريس بحب:
– لن يكفيك مال العالم كله قدري فدعيني اشتري لك كما اريد.

بصعوبة تحكمت قدر بردها الساخر بسبب كلامه الان الذي يناقض تمامًا كلامه في متجر الذهب عن كونه ليس مليارديرًا.. لم تود أن تضايقه وتزعجه وهو يسعى في الوقت الحالي لجعلها سعيدة فقط فإبتسمت هي الأخرى دون أن ترد ثم استدارت لتجرب هذا الفستان التي أقسمت أن يكون الأخير..

بعد أن دفع ريس الحساب رغم إحراجها الشديد أخذها الى مطعم فخم موجود في المجمع التجاري..
قالت قدر بجدية:
– انا التي ستدفع الان.

تجاهل ريس الرد عليها فحدجته قدر بنظرات حانقة وكررت:
– ريس هل سمعتني؟ انا التي ستدفع ثمن وجبتي ووجبتك.

– أن شاء الله.
رد ريس بلا مبالاة قبل أن يعقد حاجبيه حالما انتبه الى اكثر شخص لا يرغب أن يراه وهو برفقة قدر.. رغد!
حاول ريس أن يلهي قدر كي لا ترى رغد فلقاءها بها لن يكون لصالحه ابدا.. وهو اكثر من يعرف غيرة قدر الصامتة وحقا لا يريد أن يتسبب لها بمزيد من الألم.. يكفي ما تسببه لها فيما مضى..
– قدر.

كادت أن تومئ بتساؤل ولكن رنين هاتفها المفاجئ ردعها من الرد عليه.. اخرجت قدر هاتفها لترى أن المتصل فلم يكن إلا شقيقها سند..
ارتسمت ابتسامة شوق على ثغرها وهي ترد بسرعة:
– اهلًا حبيبي سند.. ما هي اخبارك واخبار جهاد؟

تطلع اليها ريس بتركيز ليعرف ما الذي يتحدثان به..
– ان شاء الله سوف اتحدث مع أبي اليوم.. لا تقلق انت.

بعد عدة دقائق أنهت قدر المكالمة فسألها ريس بهدوء:
– حول ماذا ستتحدثين مع والدك؟

– لا شيء مهم.. لا تشغل بالك.
ردت قدر بنعومة قبل أن تتفاجأ برغد تقف بجانب طاولتهما..
– ريس.. كيف حالك؟

زم ريس شفتيه ثم تطلع الى رغد ببرود وقال:
– اهلًا رغد.. الحمد لله بخير.. ماذا عنك؟

ألقت رغد نظرة على قدر التي تصغي الى حديثهما بهدوء اقرب إلى الجمود..
– الحمدلله بخير.
وبتساؤل أردفت وهي تشير إلى قدر:
– خطيبتك قدر.. أليس كذلك؟

برقة امسك ريس يد قدر وهمس بابتسامة:
– أجل.. هذه قدر خطيبتي وحياتي.. وانت اين خطيبك يا رغد؟

ابتسمت رغد بغيرة ووجع لم تتمكن من طمسهما في أعماق روحها..
– تهانينا.. لقد انفصلت عنه.. لم نتفق معًا.. وانت تعرف جيدا كيف احب الرجل الذي سأتزوجه أن يكون.

ضغط ريس على يد قدر بنعومة حينما أحس بإرتجافها قليلا ثم قال بجدية:
– ان شاء الله ستجدين الرجل التي تتمنيه.. لا خوف عليك.

اومأت رغد بحسرة وهي تتطلع إلى يده التي تضم يد قدر بعاطفة قوية..
– ان شاء الله.. دعني اتعرف على خطيبتك.

مدت رغد يدها وهي تنظر الى قدر بابتسامة فهمتها قدر جيدًا.. فهي أكثر من جربت وعانت من هذه المشاعر المؤلمة..
– انا رغد اعمل مع ريس.. وخطيبته السابقة كما تعرفين.

صافحتها قدر وهي تسمع ريس يقول بحدة:
– رغد.. قدر تعرف من تكونين بما فيه الكفاية فلا لهذا العبث الان.

– لا باس ريس.
غمغمت قدر بتماسك قبل أن تستأنف وهي تتطلع الى رغد بثقة:
– تشرفنا أنسة رغد.. بما انني أنا أيضا فهمت ذوقك جيدًا فما رأيك أن ابحث لك بنفسي عن عريس؟

عقد ريس حاجبيه بتوجس وعدم رضى بينما ابتسمت رغد بسخرية وردت:
– مشكورة.. فقط اذا وجدتِ نفس النسخة النادرة التي بحوذتك سأوافق.

لم تود قدر أن تظهر حبها ولا وغيرتها أمام ريس ولكن كلام هذه البلهاء لم يساعدها البتة.. لقد كانت تشفق عليها قبل عدة دقائق ولكنها لا تستحق حقا.. تتغزل بخطيبها أمامها وتريدها أن تسكت لها!
هتفت قدر بابتسامة شرسة:
– للأسف النسخة التي بحوذتي لن اجد لك مثلها ابدا فما هو ملكي يبقى ملكي ولا يوجد مثله ابدا.. ولكن اعدك أن ابحث لك عما يناسبك تمامًا..

استوطنت الابتسامة الماكرة ثغر ريس وهو يسمع رد الملاك الناعم الذي ينتمي إليه فقط.. لم يتوقع الرد هذا منها ابدًا فقدر دومًا هادئة.. ناعمة.. تتجنب اي نقاش أو جدال..
ولكنه يعرف انها تغار.. حبيبته تغار عليه وتعلن بصريح العبارة أنه فقط لها.. وهو لا يريد أن يكون لغيرها.. فقط لها مثلما هي فقط له..

– ابحثي جيدا ربما تجدين.
غمغمت رغد قبل أن تلقي سلامها وتغادر.. فضحك ريس، قائلا بحب:
– يا لجمال خطيبتي حينما تغار.

– انا لا اغار.. لا تحلم كثيرا.. انا فقط لا اطيقها.
هتفت قدر بغيظ تواري به خجلها واحراجها فعلق ريس باستمتاع:
– واضح جدا أن حلمي واقعي.

******************
تطلعت مها الى الطريق الذي أمامها ببرود بينما ياسين يقود سيارته بهدوء.. انتظرت أسئلته وتحقيقاته أن تبدأ فهي تدري جيدّا سبب اقتراحه الفظ بتوصيلها بنفسه الى منزل جده..
واخيرًا سألها ياسين نفس التي كانت تتوقعه:
– هل هذا الرجل الألماني الذي يريد الزواج لك نفس الرجل الذي سمعتك عدة مرة تتحدثين معه؟

– أجل، هو نفسه.. اسمه هيرمان وكل عائلتي الان تعرف عنه فلا يوجد عن ماذا تتكلم عنه أو تهددني به.
أجابت مها بقوة فإبتسم ياسين بسخرية:
– كيف عرفوا أن ابنتهم تواعد رجلا؟ هل تم القبض عليك وانت تتحدثين معه ام اعترفت بنفسك؟

رمقته مها بنظرات حادة وهي تهتف:
– لا أعتقد ان هذا الموضوع يخصك بأي شكل من الأشكال.. كل ما عليك فعله هو أن تتمنى لنا التوفيق.. غير ذلك لا نريد منك شيئًا.

صفر ياسين باعجاب ساخر:
هل تدرين أن لسانك طويل جدا؟ انا فعلا لا ارغب بقصه لك وانت على وشك الزواج.

عقدت مها حاجبيها وهي تسأله بحيرة وغضب:
– ما هي مشكلتك معي؟ لماذا تعاملني بهذه الطريقة وكأنك أبي أو اخي؟!

– انا لا احب تصرفاتك العوجاء.. ولو أن ذلك الألماني لم يود الزواج بك ولو لم يعرفوا اهلك لكان لي رد فعل اخر بعد أن اعرف عن علاقتك به.
قال ياسين بنبرة استفزازية فهتفت مها بعصبية:
– لا يهمني رأيك وكلامك وانا انصحك أن تهتم فقط بشؤونك الخاصة وبشؤون المحامية التي تعمل معك ولا تحشر انفك في حياتي.

ركن ياسين سيارته فور وصولهما وقال بجدية:
– لا تقلقي انا اهتم بشؤون شريكتي التي ستصبح زوجتي قريبا اكثر مما تتخيلين.. الخوف عليك انت فقط!

ابتسمت مها بتهكم ثم نزلت سريعًا من السيارة.. فموضوع زواجه أو علاقاته النسائية لا يهمها البتة.. جل ما تريده هو أن يبقى بعيدًا عنها..

*******************
بعد عدة أيام في منزل ريس حيث يتجمع أغلبية أفراد العائلة.. توترت الأجواء بعد صرخة رين الموجوعة وإدراكهم لوالدتها المباغتة.. رافق ياسين ولين آسر الذي حمل رين سريعًا وتوجه إلى سيارته ليقودها ياسين وينطلق الى أقرب مستشفى..

همست لونا بقلق لعمر الذي يجلس بجانبها:
– عمر جدتي كانت تبدو خائفة.. يجب أن يذهب معهما أحد آخر لنطمئن على خالتي رين.

– لا تقلقي.. سوف يُطمئننا ياسين بعد أن تلد سالمة ان شاء الله.
قال عمر بجدية فهزّت لونا رأسها بهدوء وهي تتطلع إلى صابرينا التي يبدو الخوف والقلق جليًا على وجهها.. لم تكن تدري ان بالإضافة إلى ولادة والدتها قد وصلتها رسالة من حمزة يطالب أن يراها فيها.. وهي لم يكن أمامها اي حل سوى الرد عليه بغضب.. فبماذا هو مشغول وبماذا هي مشغولة الان؟
“اغرب عن وجهي الان.. لا ينقصني الا انت في هذا الوقت لأتعامل معه.. ابتعد عن حياتي فأنا حاليًا نفسي لا اطيقها”

أحست صابرينا بالقلق حينما تأخر رده عليها.. يا الله آخر ما قد ينقصها في هذه اللحظة هو حمزة.. الا يستطيع أن يقدّر قليلًا كونها مشغولة بولادة والدتها..
ارسلت صابرينا له مرة أخرى عسى أن يدعها وشأنها..
“حمزة امي في المستشفى الان تلد.. فرجاءًا تفهم ظروفي وبعد أن اطمئن على والدتي سأتحدث معك مرة أخرى”

اخيرا بعد دقائق وصلها رده الذي اغاظها بحق..
“ظننت أن زوجة شقيقك التي تلد.. ولكنني تفاجأت بكونها والدتك!”

“امي صغيرة.. وتمنى لها أن تلد سالمة كي لا أشوه لك وجهك”
أغلقت صابرينا هاتفها سريعًا فور أن سألها شقيقها رواد بشك:
– مع من تتحدثين؟

– صديقتي.
غمغمت صابرينا بتوتر فرفع رواد حاجبه الأيمن بعدم اقتناع وقال:
– دعك منها الان.. وتحدثي معها لاحقًا.

اومأت صابرينا بانصياع وهي تنظر الى هاتفها بتوجس.. وصلتها رسالة أخرى من حمزة فنهضت بارتباك وقالت:
– سأذهب لأحضر شيئًا من المطبخ لنشربه.

– انتظري.. سأرافقك.
هتفت قمر فهزت صابرينا رأسها.. وبعد أن اختفتا الاثنتان في المطبخ سألتها قمر بحيرة:
– ما خطبك؟ تبدين متوترة.

مررت صابرينا يدها على وجهها ثم همست:
– هل تذكرين حمزة قريب خالتي ريما الذي طلب يدك للزواج؟

عقدت قمر حاجبيها باستغراب:
– أجل.. ما خطبه؟

قصّت عليها صابرينا ماذا حدث بينها وبين حمزة بصوت خافت، خشيةً أن يسمعها أحد..
– يا مجنونة ابتعدي عنه نهائيًا.. لقد سمعت أن صيته ليس جيدًا.. وغير ذلك عرفت من قدر أنه ربما يحب جهاد.. فهو تسبّب عدة مرات بمشاكل بين جهاد وسند.

قضمت صابرينا اظافيرها بخوف..
– كيف أبعده عني يا الله؟ ربما سيستغلني حمزة حتى يعرف معلومات عن سند وجهاد.. والمشكلة انني لا استطيع ان أخبر أحدًا عدا والدتي و لكنها الآن تلد ولن تقدر على مساعدتي فيما بعد بسبب النفاس.

طمئنتها قمر بابتسامة:
– لا تقلقي.. في اسوأ الحالات سنخبر الخالة ريما وهي ستجد حلًا لإبن شقيقتها.. ولكن الان فقط تجاهلي رسائله بحجة انك مشغولة بوالدتك وبشقيقتك الصغيرة القادمة.

*******************
شهقت جهاد حينما استيقظت ووجدت بجانبها على السرير سلة كبيرة من الشوكولاتة والحلويات التي تحبها.. منذ فترة طويلة لم تأكل هذه الأشياء وبسبب ذلك خسرت الكثير من وزنها وصارت رشيقة تقريبًا.. لا بد أن سند الذي كان يمنعها عن هذه الأشياء هو الذي أحضر هذه السلة الضخمة لها وهي حقا ممتنة له في هذه اللحظة..

اعتدلت جهاد على السرير بصعوبة ثم امسكت السلة لتقربها منها قبل أن تشهق بتفاجؤ كالاطفال حينما وضع سند علبة بوظة بطعم الفستق التي تعشقه في حضنها وقال بابتسامة مرحة:
– كلي البوظة اولا قبل أن تذوب وبعد ذلك اهتمي بسلة الشوكولاتة.

رغما عنها ضحكت جهاد ببهجة وغمغمت:
– اريد ملعقة.. أحضر لي.

ابتسم سند ثم دمدم وهو يمد لها الملعقة التي كانت مسبقًا في يده:
– تفضلي ايتها الأميرة جهاد.. الف صحة و عافية يا رب.

استهلت جهاد بغمس الملعقة في علبة البوظة وأمام نظرات سند المتأملة لها بهيام رفعت جهاد الملعقة ووضعتها في فمها وهي تهمهم بتلذذ..
ضحك سند على طريقة اكلها التي تثير الشهية فتطلعت إليه جهاد بخجل وسألته:
– لقد كنت ترفض اكلي لهذه الأشياء.. فما الذي غيّر رأيك؟

قعد سند على جانب السرير ثم أجاب بابتسامة شقية:
– لقد اشتقت لدبدوبي جوجو الذي فقد الكثير من وزنه.

حدجته جهاد بغيظ وقسرًا تذكرت كيف كان يناديها حمزة بحبة البطاطا وبجوجو.. لا تود أن تفكر به اطلاقًا فهي تحمد الله أنه اختفى من حياتها ولم تعد تراه.. لا تريد أن تدمر علاقتها بسند بسببه مجددًا.. فها هو سند يفعل المستحيل لكي تغفر له.. وهي تحاول جاهدة أن تنسى موضوع الشك والغيرة الذي بسببه كادت أن تموت..

– غدًا لدي موعد مع الطبيب.
قالت جهاد بهدوء بعد دقائق فرد سند بابتسامة عذبة:
– اعرف.. لم انسى.. والحمد لله انت كلما تتحسنين.

تنهدت جهاد بضيق وٱسى:
– لقد اشتقت الى عملي.. اريد أن أرجع مثلما كنت.. متى سأعود جهاد القديمة يا سند؟

ضمها سند الى صدره وقبّل جبينها بينما يهمس:
– قريبًا أن شاء الله ستعودين مثلما كنتِ وبحال افضل أيضًا.. فقط اصبري قليلا حبيبتي.

ابعدت جهاد علبة البوظة عنها بينما لا تزال في حضن سند.. رفعت رأسها إليه وسألته بوهن جعل الدموع تترقرق في مقلتيها السوداوين:
– هل حقًا سأعود مثلما كنت ام تكذب علي يا سند؟

– باذن الله ستعودين حبيبتي.
غمغم سند بنعومة ثم احنى رأسه ليقبلها واستسلمت جهاد لقبلته بيأس.. تحس انها ضعيفة، دون فائدة.. صحيح أن سند يتعامل معها بروح مرحة ويجعلها تضحك معظم الوقت ولكنها لا تزال تشعر بالنقص.. تتعب بسرعة.. لا تتنفس كما يجب.. كتفها.. وحاجتها له ليساعدها بسبب اصابة ساقها.. كل هذه الأشياء تؤثر عليها مهما حاولت أن تظهر العكس..

بعد عدة لحظات ابتعد عنها سند وهمس بصدق:
– سامحيني جهاد.. أقسم لك انني احبك وانني نادم على تصرفاتي القاسية بحقك.. انا اغار عليك يا جهاد.. أعشقك اكثر مما تتصورين.. انت لا تعرفين كم أن دموعك واوجاعك تقتلني.. لا تدرين يا جهاد كم اتعذب وانا اسمعك تتأوهين بألم.

دفنت جهاد وجهها في صدره دون أن تنبس بحرف.. لا تأبه اذا ذابت البوظة ام لا.. فقط تود أن تتوسد صدره قليلا وترتاح..
استوطنت أعماق روحها رائحة عطره الرجولية فتنشقتها بعمق قبل أن تبتعد عنه وتتمتم بعبوس:
– لقد ذابت البوظة.. ستشتري لي غيرها.

ضحك سند ملئ شدقيه:
– حينما تفتحين الثلاجة التي في المطبخ ستدخلين بصدمة وانت ترين عدد علب البوظة التي اشتريتها لأجلك.

– هل أحضرت لي بوظة ايضًا بطعم الفراولة؟
سألته جهاد بفضول فأجاب سند بابتسامة حانية:
– أجل يا روح سند.. أحضرت لك ولكنك تعرفين جيدًا انك لن تأكلي كل هذه الأشياء في يوم واحد.

دسّت جهاد الملعقة التي غمستها في البوظة في فمها وهي ترد:
– لا تقلقي.. انا سأحافظ على جسدي وصحتي حتى لا اضطر أن أسمع محاضراتك ومحاضرات والدتي.

********************
تنهدت قدر حينما وصلتها رسالة من ريس يخبرها بها أنه ينتظرها في الاسفل.. لا زال هناك الكثير من الوقت حتى تنهي دوامها ولا تدري حقًا لماذا صار دائما يعود من عمله مبكرًا وينتظرها بجانب المدرسة التي تعمل بها.. حتى أنه تعرّف على حارس المدرسة وأصبحا صديقين كما يقولان..
بعثت له قدر رد مختصر ثم انشغلت مع الاولاد الصغار.. في المساء والدها ووالدتها سيزورانها وهي يجب أن تخبر ريس كي لا يتسبب بمشاكل لها وله مع والدها..

بعد ساعة ونصف تقريبًا خرجت قدر من بناية المدرسة وكما اعتادت أن ترى.. كان ريس يقف بجانب الحارس ويتحدث معه وفي يد كل منهما سيجارة.. تأففت قدر بحنق وهي تسير نحوهما.. لقد أخبرته أن يقلع عن التدخين ولا زال لم يفعل..
فتح الحارس لها البوابة فخرجت قدر وهي تتمتم بغيظ:
– ريس ارمي السيجارة.. رائحتها تضايقني.

اخذ ريس نفسًا اخيرًا من السيجارة قبل أن يرميها على الأرض ويدوس عليها بحذاءه..
صافح ريس الحارس وغمز له ثم همس لها:
– هيا لنغادر حبيبتي.

– خذني الان الى منزلي فقط يا ريس.. أبي وأمي قادمان في المساء ولا اريد ان اكون خارج المنزل.. فإذا كان هناك أماكن ترغب بأخذي عليها اليوم ايضا اتمنى أن تؤجلها لوقت لاحق.
قالت قدر بجدية فزم ريس بحنق:
– الا يكفيني قريبة والدك الملتصقة بك معظم الوقت ليقرر عمي ادهم وخالتي سيلين أن يزورانك اليوم؟

ابتسمت قدر وغمغمت قبل أن تفتح باب السيارة وتدخل:
– انت الذي تلتصق بي يا ريس ولذلك ترى أن الجميع يلتصق بي.

تبرم ريس ثم سألها وهو ينطلق بسيارته:
– هل سيقضيان هذه الليلة هنا.. في منزلك؟

– أجل.. انت تعرف أن المسافة كبيرة بين البلدتين.
أجابت قدر بهدوء فسألها ريس مرة أخرى بضيق:
– هل تريدين أن تشتري شيئًا تضعينه لهما قبل أن أوصلك الى منزلك؟

همهمت قدر بتفكير:
– أجل.. اريد ان اشتري بعض الفاكهة.

ابتسم ريس بمرح:
– حسنٌ.. هكذا سأرى اذا كانت زوجتي المستقبلية تجيد اختيار الفاكهة الطازجة ام لا.

ضحكت قدر قبل أن تتوقف السيارة بجانب متجر كبير للخضراوات والفاكهة.. نزلت برفقة ريس من السيارة ودخلا معًا وهي تفكر بمدى جمال شخصية ريس الحالية..
بدأت قدر بتعبئة الاكياس بينما ريس يحملهم لها.. لم تقدر على طمس ابتسامتها وهما حقًا يتصرفان كزوجين حقيقيين.. هي تملئ الاكياس وهو يحمل وطبعًا لم تسلم من تعليقات ريس الساخرة المضحكة والرومانسية في نفس الوقت..

بعد أن دفعت قدر الحساب رغمًا عن ريس وبالتأكيد تسبب لها ريس باحراج مع المحاسب خرجا الاثنان من المتجر..
وضع ريس الاكياس في الصندوق الخلفي من السيارة ثم قال بجدية:
– يوجد متجر للكعك لا يبعد كثيرًا من هنا.. فدعيني نشتري كعكة قبل أن اعيدك.

اومأت قدر بهدوء وهي تدري جيدًا أن ريس سيدفع زمن الكعكة رغمًا عنها..
بعد نصف ساعة تقريبًا ركن ريس سيارته بجانب منزلها ونزل هو الآخر معها ليساعدها على حمل الاغراض مع انها حاولت منعه خوفًا أن يراها احد ما برفقته ولكن الابله لم يبالي وهو يحمل عنها كل الاكياس قبل أن يصعد إلى الشقة التي تقطن بها..
فتحت قدر له الباب فدخل وهو يتطلع حوله باعجاب وتقدير:
– مرتبة كثيرًا خطيبتي.. سأضمن أن منزلنا سيبقى نظيفًا ومرتبًا طيلة الوقت.

ضحكت قدر ثم توجهت إلى المطبخ لتحضر له كوبًا من العصير..
– اشرب واخرج.. اخاف ان يأتي أحد ويراك في منزلي.

– هل تطردينني وانا الذي كنت أرحب بك بشقتي ورغمًا عنك ايضًا؟ صحيح انك ناكرة المعروف.
تمتم ريس بغيظ فرفعت قدر حاجبيها وهتفت:
– لا تذكرني رجاءًا بجنونك.

غمز ريس لها يعبث:
– أجمل جنون هو جنوني بما انني مجنون بك.

ضحكت قدر بخجل ثم قالت بجدية:
– ريس لقد وعدتني أن تقلع عن التدخين.. لا اريدك ان تدخن مرة أخرى.

– غالية والطلب رخيص.
همس ريس لها بحب فابتسمت قدر وهمت أن ترد عليه لو انها لم تسمع جرس منزلها يرن..
تطلعت قدر بخوف الى ريس قبل أن تسير ناحية الباب لترى عبر العين الصغيرة من الطارق.. وكادت حقا أن تنهار فور أن رأت أن الطارق ليس إلا والدها وبجانبه تقف والدتها..

استدارت قدر الى ريس برعب وغمغمت:
– ابي وامي! ما هذه المصيبة يا الله؟

– اهدأي قدر.. سأختبئ إلى أن يغادرا.
همس ريس لها بجدية فهزت قدر رأسها وغمغمت بصوت مرتجف:
– ادخل الى غرفتي واختبئ بخزانة الملابس.

رشقها ريس بنظرات حانقة قبل أن يشير لها على قامته الطويلة التي بالتأكيد لا ينفع أن تدخل في خزانة.. زفرت قدر بتوتر حينما لم يتوقف رنين الجرس المنزلي ثم امسكت يد ريس وادخلته الى غرفتها قبل أن أن تفتح باب الحمام الذي في غرفتها وتدخله اليها وهي تقول بتهديد:
– اياك واصدار اي صوت يا ريس.. سأقتلك!

———————–
يتبع..

 

error: