رواية غزلًا يوقده الرجال

الفصل السابع عشر
في مقلتيك حزنًا
يُصعب عليّ تكهن اسبابه..
في ضحكتك حسرةً
تؤرق ليلي ونهاري..
في نظرتك ضياعًا
يشلّ حواسي وأفكاري..
كنتُ أقول انكِ كالشمس،
أشعتك قوية بقسوة تقضي..
وتارةً أخرى أقول انك كالقمر
نورك أقوى وأجمل من ايّ نور..
ولكن كلّما اكتشف سذاجة أفكاري
وأدري انك لا تشبهين بل انتِ تمثّلين
كل شيء في الوجود..
————————–
لم تتردد قدر بإغلاق الخط بعد سماعها زئير ريس الغاضب وسؤاله عن من هذا الذي يرغب بموته بهذه السرعة.. رشقت رامي بنظرات نارية وهي فعلًا تتمنى قتله.. تعرف جيدًا ان ريس في هذه اللحظة قد فقد عقله وخاصةً بعد سماعه صوت رامي وكلماته المجنونة لها..
هتفت قدر بحدة:
– كيف تتجرأ وتتكلم معي بهذه الطريقة بينما اتحدث على الهاتف؟

إبتسم رامي بسماجة ورد:
– لقد قلت كلامًا نابع من قلبي.. وانتِ كنتِ تبدين تائهة خلال المكالمة لذا فضلت ان اضيف نكهتي ليصبح الجو أجمل.

تطلعت قدر حولها لوهلة قبل ان تقترب منه وتزمجر بشراسة:
– اسمع ايها اللعين.. ابتعد عني قبل ان اجعل تعاستك بالنسبة لك جميلة.. ابتعد عني لأنني في هذه الفترة حتى نفسي لا اطيق.

ضحك رامي بإستمتاع واعجاب ثم مال عليها وهمس بمشاكسة:
– مخالبك ساحرة جدًا أيتها القطة.. سأحاول تقبّل نصيحتك بروح مرحة فإعجابي بكِ كلما يزداد.. وانا معتاد ان احصل على كل ما اريد.. خاصةً بوسامتي وشخصيتي الفاتنة.

– شخصية طفل أحمق.
علّقت قدر بإستخفاف لتكفهر ملامح رامي ويقول بحدة:
– انتبهي لكلماتك جيدًا.. طفل احمق تقول!

هزت قدر رأسها بيأس ثم سارت الى الأمام، متجاهلة اياه كليًّا ليلحق بها بعناد ويسألها بصوت متوجس:
– هل انتِ حقًا تحبين؟ لم تكذبي عليّ تلك المرة التي سألتك بها.

استدارت قدر اليه وطالعته بهدوء ثم ردت بثبات:
– لا، لم أكن أكذب عليك.. انا أحب رجلًا واحدًا فقط لذلك ابتعد عني لأنك انت وحدك من سيتألم في النهاية.

ودون ان تسمع ردّه على كلامها توجهت قدر الى غرفة المدير لتطلب إجازة مع انها متأكدة ان والدها قد تحدث معه مسبقًا..

****************
حاول ان لا ينظر اليها.. حاول بصعوبة شديدة ان يتجاهل يديها اللتين تعبثان بالملفات الكثيرة المتراكمة على مكتبه أمامه.. أصابعها طويلة نحيفة وجميلة.. وعطرها مسكر كالخمر تمامًا.. صوتها عذب بطريقة مؤلمة.. ونعومة بشرتها التي يطوق للمسها تُخدّر عزيمته وقواه..

– هذا هو الملّف الذي أقصده.
انتشله صوتها من زوبعة الأفكار والمشاعر التي تراوده فأخذ الملف من يدها بخشونة وقال:
– حسنًا نرمين.. عودي الى مكتبك الآن وبعد ان ادرسه سنتحدث.

– لا تتأخر فيجب ان اعود الى المنزل.
غمغمت نرمين قبل ان تخرج ليضع ياسين يده على رأسه بغضب.. رباه ما الذي يفكر به الآن.. لقد بدأ يميل الى نرمين بطريقة لم يحبذها البتة.. مشاعره صارت تفيض بوجودها.. يحب قوتها وثقتها بنفسها.. طريقة تفكيرها العميق.. مهارتها وهي تشرح له عن قضية معينة..

تنهد ياسين، محاولًا ان يبعد تلك الأفكار المجنونة عن رأسه.. فهو لا يعرف عنها اي شيء الى الآن.. ونرمين ليست بشخصية بسيطة وسهلة.. بل هي قوية كالفولاذ ومعقدة كمسائل الفيزياء والرياضيات.. ولكنها من اجمل الشخصيات التي قد عرفها يومًا.. غرور وكبرياء.. وثقة وعزة نفس..

أمسك الملف التي أخرجته نرمين ليدرسه عبثًا.. فتفكيره كله منحصر حولها هي.. بودها الحديث معه وبجمالها الذي يزداد يومًا بعد يوم بعينيه.. يتخيلها حينما تعشق.. كيف ستكون؟ نرمين المنهزمة أمامه عشقًا.. بوجه ذو كبرياء ساحر وقلب خافق..

ألقى الملف بحدة على المكتب ثم نهض بعصبية وهو يتمتم:
– هذا لا ينفع.. لا ينفع ابدًا.
وضع يديه الإثنتين يغرسهما في خصلات شعره وهو يهدر:
– ركِّز يا ياسين.. وإبعد تلك الأفكار المجنونة عنك.. ركِّز ولا تفكر بها أكثر.

التقط الملف مرة اخرى ليقرأه هذه المرة بأصرار وعناد ليفهمه كما يجب حتى لا يكون مثل الأبله امامها في حين هي تتباهى وتتغنج بذكاءها الذي لا لا يستطيع انكاره او لومها عليه..
بعد ساعة خرج من مكتبه وتوجه الى مكتبها، رافعًا رأسه بشموخ مثير للسخرية وكأنه لا يرى احدًا امامه.. وبعد ان سمحت له بالدخول دلف وهو عابس ثم بغيظ القى الملف على مكتبها لتحدجه بنظرات مذهولة:
– ما خطبك لتدخل بهذا المنظر؟

– لا تتدخلي.. واسألي عن الملف اللعين.
هتف ياسين بإنفعال لتعقد نرمين حاجبيها وتقول بحنق:
– لا تصرّخ بي وكأنني اعمل تحت امرك.. نحن شريكان فإحترمني لأحترمك.

– وماذا ستفعلين ان لم أفعل؟
سألها ياسين بتحدي ورغبة عنيفة بالشجار معها لترد نرمين بحدة:
– سأريك ما لن يعجبك.. والآن تفضل الى الخارج فوجودك بمكتبي لم يعد مُرحب به.

قعد ياسين قبالة مكتبها ببرود ثم قال:
– لن اخرج.. ولا يهمني اذا وجودي مرحب به ام لا فأنا أرحب بنفسي دون حاجة لأحد يرحب بي.

رشتقه نرمين بلظى نظراتها الغاضبة قبل ان تزفر وتتمتم:
– مجنون ولكن لا بأس.

*****************
توسمته حدقتيها بشوق عارم.. رباه كم تشتاق اليه! تشتاق لعشقها.. لبحر عينيه العاصفتين.. لكلماته الغزلية.. لكل ما به..
صارت تراه كل عدة ايام ولا احد من عائلتها يعرف او يشك بما انها تخرج مع لين.. طبعًا والدتها استغربت اهتمام لين المفاجئ بها ولكنها لم تمانع بل على النقيض تمامًا فرحت لها وأضحت سعيدة بكل خروج لها مع لين..

إبتسمت مها حينما امسك هيرمان يدها، هامسًا بنبرة عذبة:
– إشتقت لك أميرتي.. إشتقت لكِ بحجم الكون.

– إشتقت لك أكثر حبيبي.. انتَ لا تعرف كم انا بحاجة للبقاء بجانبك هيرمان.. أحس ان الوقت قاتل دونك.
غمغمت مها بآسى ليضغط هيرمان على يدها بنعومة ويقول مشجعًا:
– يجب ان نصبر قليلًا بعد حبيبتي.. السيدة لين بجانبنا وستساعدنا لنكون معًا.. انا أثق بها ومتأكد انها لن تخذلني.. يكفي انها تحضرك لي حتى آراك.. وانا في الواقع مصدوم من وجود امرأة مثلها متفهمة وبسيطة بعد كل ما رأيته من عائلتك.

إبتسمت مها وهي تهز رأسها موافقة:
– اوافقك الرأي.. ولذلك جدي ريس يعشقها والجميع يحبها.. انا ايضًا مصدومة لأنها توصلني اليكَ وتغادر، تاركة لنا المجال للتحدث بحرية.

اومأ هيرمان قبل ان يقول بهدوء:
– قدر دومًا تسألني عنك.. هذه الفتاة جيدة جدًا ولا اعرف كيف الرجل الذي تحبه لا يبادلها مشاعرها مثلما قلتِ لي.

ضحكت مها ثم هتفت:
– لا هو يبادلها المشاعر ويحبها ولكنه احمق لا يريد الاعتراف علنًا.. على ايّ حال دعني من اي أحد آخر غيرنا فأنا أتيت لأراك ولأسمع أخبارك حبيبي.

لثم هيرمان جبينها بجنو قبل ان يهمس:
– لا شيء جديد سوى انني أخبرت أمي برغبتي للزواج بكِ.

– وما كان ردها؟
تساءلت مها بتوجس فأجاب هيرمان مطمئنًا:
– أمي لا تتدخل بحياتي الخاصة كثيرًا فبالتالي لم تعارض ولن تفعل مستقبلًا.. وبالتأكيد ستخبر أبي وسواء أعجبه الأمر ام لا انا لا يهمني فأنا احبك وسأتزوجك مهما حدث اميرتي.

– هل اخبرتها انك إعتنقت الإسلام؟
سألته بجدية ليتنهد قبل ان يجيب بصراحة:
– لا.. لن أخبر عائلتي على الهاتف بأمر كهذا.. بعد ان اعود الى المانيا سأخبرهم.
احاط هيرمان وجنتيها بيديه واستأنف بجدية:
– مها اريدك ان تعرفي انني إعتنقت الإسلام ليس لأجلك فقط.. بل لأنني أرغب بالتعرف عليه ولأنني أرتاح حينما اسمعك تتحدثين عنه.. وكلما اقرأ عنه أكثر كلما أحبه أكثر.. ثقي اننا حتى لو لم نكن لبعضنا البعض لن أغيّر ديانتي مرة أخرى.. فالإسلام صار ديني.

إبتسمت مها بعشقٍ وهي تتأمله بعينين مغرمتين حدّ النخاع ثم همست بنعومة شديدة:
– احبك جدًا هيرمان.. انا عاشقة مجنونة بك.

******************
جاهد ليكتم غيظه بسبب تصرفات جهاد الغير منطقية.. اي شيء يختاره لحفل زفافهما ترفضه بعناد وترد بجواب واحد يتمنى قتلها بسببه..
“هذه انا.. اذا لم يعجبك بإمكانك ان تطلّقني”
لقد ظنّ ان وضعهما سيتحسن بعد ما حدث بينهما قبل عدة ايام.. خاصةً بعد القبلة اليتيمة التي اخذها من شفتيها.. ولكن على ما يبدو انه كان يتوهم فلا شيء بينهما سيعود بسهولة كما كان..

مال عليها ليريها تصميم قاعة الفندق كيف سيكون فأبعدت هاتفه بحدة وقالت ببرود:
– لا اريد ان أرى ولو سمحتَ لا تصدع لي رأسي بهذا الموضوع والا سأعيد التفكير مرة أخرى برضوخي لإتمام زفافنا بهذه السرعة ورغمًا عني.

أخذ سند نفسًا عميقًا حتى لا ينفعل.. فهو يريد ان يمتص غضبها منه لا ان يزيده.. وبإبتسامة صبور غمغم:
– لا بأس حبيبتي.. سترين تصميم القاعة يوم الزفاف وانا متأكد من انه سيعجبك.

هزت جهاد رأسها بلا مبالاة ثم سألته بحيرة:
– اين خالتي سيلين وشقيقتك قدر؟ لما اراهما ابدًا منذ استيقاظي.

– امي وقدر انتقلتا للعيش في مدينة أخرى ولكنهما ستعودان غدًا بسبب حفل زفافنا.
اجاب سند بتعب واضح لتقول جهاد بإستغراب:
– ولكن لماذا فجأة انتقلتا؟ وهما لوحدهما خاصةً دون والدك!

– بسبب ريس وجنونه.
تمتم سند بغضب ثم نظر اليها وإحتضن كفها بأصابعه وأردف:
– هل بإمكانك عدم التحدث عن هذا الموضوع الآن لأنه فعلًا يغضبني.

– لا بأس.. لا يهمني كثيرًا.
غمغمت جهاد ببرود قاسٍ وهي تسحب يدها ليزفر سند بعصبية قبل ان ينهض ويقول بضيق:
– انا سأغادر الآن.. هذا آخر يوم أزورك به قبل الزفاف.. وداعًا الآن.

همّ ان يقبل جبينها قبل ان يغادر فإبتعدت عنه جهاد سريعًا وهتفت بجمود:
– لا تلمسني مرة اخرى دون اذني.. وهيّا غادر فأنا أريد البقاء لوحدي قبل ان تدعوني أمي للأسفل وأنشغل بالضيوف الذين لا أطيق احدًا منهم في هذه اللحظة.

اكفهرت ملامحه وتشعشعت العصبية في سائر خلايا جسده ليبتعد عنها بشكل فوري كما لو ان عقرب لسعه ويهدر بصوت محتدم:
– كما تودين جهاد.. لن المسك الآن الى ان يحين موعد الزفاف.
ثم مرّر يده بين خصلات شعره وهتف وكأنه يتكلم مع نفسه:
– سأصبر لا بأس.. سأصبر.

ودون ان ينظر اليها مرة أخرى غادر غرفتها ونزل الى الى الأسفل ليلقي التحية على الموجودين ثم غادر..

******************
تغاضت قدر عن الطريقة الباردة التي استقبلهما بها والدها ولكن لم تستطيع ان تفعل وهي ترى معاملته الجافة لوالدتها الجبّارة التي لم تهتز قيد أنملة.. الا انها تدري جيدًا ان والدتها تضايقت من طريقة معاملته واستقباله لها وربما ترغب بالبكاء خاصةً بعد غياب دام لعدة أسابيع..

وثبت قدر عن الأريكة سريعًا بعد ان لمحت سند يدخل الى المنزل وبلهفة شديدة كانت تركض تجاهه وترمي جسدها بحضنه وهي تغمغم بشوق:
– سند حبيبي إشتقت لك بجنون.. رباه لا اصدق حقًا كم افتقدتك يا روح اختك.

إبتسم سند وهو يضمها بقوة بينما يقبّل جبينها ثم قال بصدق:
– إشتقت لك اكثر حبيبتي.. المنزل دونك ودون أمي ليس له اي معنى.

توسعت ابتسامة قدر الدافئة وهي تهمس:
– حمدًا لله على سلامة جهاد يا قلبي.. ومبارك لكما الزفاف مسبقًا.

أبعدها سند عنه برفق ليقبّل جبينها مرة اخرى ويقول بتنهيدة:
– تسلمين لي حبيبتي.. عُقبالك ان شاء الله.

توترت إبتسامتها فور ذكره هذا الموضوع وأمام والدها بشكل خاص.. ثم أفسحت له المجال ليدنو من والدتها التي ترقرقت الدموع بمقلتيها فور ملاحظتها لوجه ابنها الذابل فكادت قدر ان تبكي هي الأخرى وهي تشاهد الطريقة التي عانقت بها والدتها سند.. بشوق وحزن.. كالأم المكلومة تمامًا..

انسابت دمعتها على خدّها وهي تنظر الى والدها لتجده جامد الملامح فبخفة زلفت منها ليلقي عليها نظرة تدل على عدم رضاه عنها بعد.. فتنهدت قدر بإختناق ثم أمسكت يده وهمست بنبرة شجية أوجعت قلبه:
– ألن تغفر يا أبي؟ انا سأفعل اي شيء تريده لتعود كما كنت يا أبا سند.. وأمي ألم تشتاق لها لتستقبلها بهذه الطريقة وكأننا غريبتان لا أهم امرأتين في حياتك؟

– قدر علاقتي بوالدتك لا اريدك ان تتدخلي بها.
قال أدهم بجدية فزمت قدر شفتيها بحزن:
– ولكن ابي..

هتفت سيلين بحدة تقاطعها بعد ان ابتعدت عن سند وسمعت ما قاله ادهم:
– قدر اسمعي كلام والدك ولا تتدخلي.

نظر سند الى والده بهدوء قبل ان يقول بلومٍ مبهم فهمه أدهم جيدًا:
– ابي لا يقصد ما سمعتيه يا أمي.. ولكنه مضغوط بسبب التجهيزات لحفل زفافي بجهاد.. ولذلك فقط لا يعرف ماذا يقول.

– آجل، بالتأكيد سند فهذا حفل زفافك يا غالي.. ونحن جميعًا يجب ان نشعر بالضغط بسبب حفل زفافك.
ايّدته قدر بإبتسامة مرتبكة وهي تضغط دون قصدٍ على يد أدهم ليأخذ أدهم نفسًا عميقًا مترددًا قبل ان يجذب قدر الى صدره ويقبّل رأسها بعاطفة أبوية لتبتسم قدر بحب وتدّس نفسها بصدره أكثر وكأنها لم تصدّق اخيرًا رضى والدها عليها..

*****************
قفزت لونا أمام عمر بدلال كاد بسببه ان يضربها من شدة غيظه بما انها تفعل أمام الناس، دون ان تبالي بهم وهي تردد بدلع:
– عمر أنا جائعة.. هيا لنذهب الى المطعم.. هيا عموري.

امسكها عمر من مرفقها ليثبتها بينما يهتف بغضب:
– اهدأي يا مجنونة ولا تفضحينا امام الناس.

– لنذهب اذًا وأعدك ان اكون هادئة لعدة دقائق.
غمغمت لونا ببراءة مزيفة ليجذبها عمر وراءه بعصبية ويقول:
– لن الوم الا نفسي لأنني وافقت على الخروج معك لأراك.

ضحكت لونا بإستمتاع وهي ترقص له بحاجبيها بشقاوة فيتجاهلها عمر عمدًا ويتوجه برفقتها الى سيارته.. سحبت لونا يدها من قبضته وهي تهتف بمرح:
– أعرف انك ترغب بفتح الباب لي بنفسك ولكن ليست هناك اي حاجة لفعل ذلك عموري.

رفع عمر حاجبه بتهكم وهو يرد بتهديد:
– ادخلي بنفسك كي لا اريك متى سأرغب بفتح الباب لك.

– بالتأكيد ترغب طيلة الوقت بما انني لونا مدللتك وقريبًا خطيبتك.
قالت لونا بغرور قبل ان تفتح باب السيارة وتدخل ليميل عمر بذراعه على ظهر السيارة ويدخل جسده العلوي، مدمدمًا بغضبٍ ساخر:
– وقريبًا ضحيتي على ما يبدو لذلك اخرسي من الأفضل لك.

هزت لونا كتفيها بلا مبالاة وهي تشاكسه القول:
– همجي ولكن مهضوم!

توجه عمر الى المقعد الآخر وهو يرغب بتمزيق شعرها الملوّن ثم تقبيلها كالأطفال بالضبط.. كطفلة مشاكسة تحتاج الى عقاب وقبلة تنسيها كل ما مضى..
أخذها عمر مجبرًا الى مطعم لا يبعد كثيرًا عن منزله لتبتسم لونا وتغمغم قبل ان تنزل من السيارة:
– مطيع جدًا عموري.. ستكون زوجًا صالحًا يُضحك عليه بكلمات بسيطة.

زفر عمر بغضب لتقهقه لونا وتردف:
– لا تتجهم هكذا فدون ان تفعل شكلك مرعب.. لا اريدهم ان يطردونا من المطعم.

– لونا اذا لم تكفي عن هذه الأفعال سأكسر لك عنقك.
هدر عمر بحدة لتهز لونا رأسها بطاعة وتهمس:
– أعدك ان اكون مهذبة.. هيا لندخل.

دخلا معًا لتسبقه لونا بالجلوس على اول طاولة رأتها فارغة ليبتسم عمر بإستهزاء ويسير وراءها.. قعد عمر امامها وغمغم بغيظ:
– مجرد طفلة ساذجة.

– وهذه الطفلة انت تحبها وتريد الزواج بها.
قالت لونا بغرور ليقهقه عمر بذهول:
– ثقتك وغرورك زادا عن حدهما انسة لونا.

– يحق لي.
غمغمت لونا وكأنها تفخر من نفسها فكاد عمر ان يرد عليها ولكن قدوم النادل لياخذ طلبهما منعه.. وما ان همّ ان يسأل عن طلبهما حتى كان عمر يجيب بإبتسامة عابثة وهو ينظر الى لونا:
– وجبتان من سمك الأجاج المشوي بالإضافة الى السلطات المتوفرة وكوبين من عصير البرتقال.

لم تنبس لونا ببنت شفة وهي ترى ايماءة النادل البسيطة لعمر قبل ان يختفي.. مالت لونا برأسها الى الأمام ثم سألته بتعجب:
– كيف عرفت ماذا كنتُ اريد ان أطلب.

ضحك عمر بشقاوة محببة:
– هذه أسرار لا يجب ان يعرفها الأطفال مثلك.. لذلك لا تسألي مجددًا.

تبرمت لونا بحنق وتمتمت:
– همجي أرعن.

– أعدك انني سأقص لسانك بنفسي بعد زواجي منك.
هتف عمر بوعيد لتهز لونا كتفيها دون اهتمام..
– تعال واطلب يدي لأتزوجك اولًا وبعدها تحدث بهذه الطريقة وإفرض سلطتك التافهة عليّ.

قال عمر بمكرٍ وكأن أفعالها لم تعد تثير دهشته:
– لم اكن أعرف انك متلهفة الى هذا الحدّ للزواج بي.

– لا تتوهم كثيرًا كمراهق لا يفقه شيئًا بهذه الحياة.. ولكن انا عليّ ان أرضى بهذا الواقع المرير وأوافق على الزواج بك.
هتفت لونا وهي تلهو بخصلات شعرها الناعمة ليعلّق عمر بغيظ:
– حقًا.

– اجل عموري.. الصراحة مؤلمة ولكن يجب ان تتحملها فأنا لا احب النفاق.
ردت لونا ببراءة مزيفة ليهز عمر رأسه بغموض وإبتسامة لعوب ترتسم تدريجيًا على ثغره:
– سنرى لاحقًا ونتأكد.

******************
توسعت عيناها برعبٍ وهي تشعر بيد تُكمّم فمها وتجذبها الى مكان مجهول بعد ان خرجت من منزل مها واطمأنت عليها.. قاومت قدر بخوف شديد اليد التي تكتم صوتها مع ان جزءًا ما بداخلها يعرف ان هذه اليد ليست سوى يد ريس.. فلا احد غيره يجرؤ على خطفها بهذه الطريقة..

تأوهت قدر بوجعٍ حينما أُلقي جسدها بعنف بداخل السيارة لتستدير وتنظر الى الشخص المجنون الذي جذبها بهذه الطريقة البدائية فتتأكد ظنونها وقبل ان تتمكن حتى من الصراخ كان ريس يغادر بسيارته بسرعة مجنونة وكأنه يطير..
للحظات لم تستوعب قدر وجودها في سيارته التي تنطلق بسرعة رهيبة.. ولكن سرعان ما وعت على نفسها وهي تفكر بعائلتها وبتهور ريس وما سيؤول اليه فصرخت به بغضب:
– أوقف السيارة حالًا.. أوقفها يا ريس.

لم يرد عليها سوى بإلقاء نظرة مرعبة عليها زعزعت قليلًا من قوتها وشجاعتها الا انها حاولت قدر الإمكان ان لا تبالي فهتفت بحدة:
– ريس أوقف السيارة ودعني أنزل.. وأعدك اذا لم تفعل سأقفز من السيارة وسيكون عليك تحمل النتيجة.

ركن ريس السيارة بجانب الطريق بحدة مباغتة لتضع قدر يدها بسرعة على وجهها لتحميه من الإصطدامات ثم رفعت رأسها لتطالعه بقوة وجهرت كلبؤة شرسة:
– هل فقدت عقلك لتأخذني بهذه الطريقة؟ من تعتقد نفسك؟

– ما هو أسمه الكامل؟
قال ريس بجمود مخيف لتتمتم بعدم فهم:
– عن من تتحدث؟

– اسمه الكامل؟.. اريد اسم عائلة ذلك اللعين الآن وفي الحال.
صاح ريس بشراسة ففهمت قدر قصده لترد ببرود:
– هذا ليس من شأنك.. كل أموري لا تخصك.. وكل ما يتبع لي ايضًا لا يخصك.. لذا لا تتدخل.

ضرب ريس المقود بيده بغضب وهو يزمجر بعنفوان:
– هل تعتقدين انني لن أعرف اسم عائلته ولن أصل اليه؟ انتِ مجنونة اذا ظننتِ ان كلمات هذا النذل لكِ ستمر مرّ الكرام.. والله لأفتك به حتى أدعه يعرف جيدًا كيف يتغزل بكِ مجددًا.

هزت قدر رأسها بتهكم قبل ان تفتح باب السيارة لتخرج فتردعها يده التي قبضت على ذراعها بخشونة وأعادتها مكانها بعنف مؤلم لتصرخ بهستيريا:
– لا تلمسني.. لا اريدك ان تفعل.. إبتعد عني ودعني وشأني.

احتدت ملامحه جهامة ليسألها بعصبية:
– لأجله تدفعينني بعيدًا عنكِ.. اليس كذلك؟ لآجل ذلك اللعين؟

– لا يخصك.. لآجله او لآجل غيره.
ردت قدر بإحتدام فصاح ريس وهو يقبض على مؤخرة رأسها بقوة، مقرّبًا وجهها الى وجهه الى حد خطير:
– كيف لا يخصني وانتِ تنتمين لي؟ ملكي وزوجتي بعد فترة قصيرة ان شاء الله! هل تعرفين بأي جنون تتفوهين وبأي جحيم تلقين نفسك؟

– انا لستُ ملكك.. انا ملك نفسي.. وإفهم يا ريس انني لم أعد اريدك.. لا تظنني غبية الى هذه الدرجة حتى انسى كل ما فعلته بي مسبقًا بهذه السرعة.
هدرت قدر بعنفوان وهي تضربه على صدره كي يحرّرها فقرّبها ريس منه اكثر وهمس بصوت أجش:
– انتِ تكذبين.. انتِ لا تقدرين ان تكوني مع رجل غيري.. انا الوحيد الذي تريدينه والذي تريدين الزواج به.. انا الوحيد الذي يخفق قلبك بأسمه كهذه اللحظة تمامًا.. انا فقط يا قدر.. بكل مشاعرك وأحاسيسك انتِ لي.. منذ الأزل والى الأبد.. وستبقين لي أنا فقط.
إخشوشن صوته قليلًا وهو يتابع:
– وكل من يجرؤ ويقترب منك سأقضي عليه.. هل تفهمين يا قدر؟

إبتسمت قدر بتهكم تخفي بها انفعالات قلبها ثم بهدوء أبعدت يده التي خفّت من ضغطها على مؤخرة رأسها قبل ان تقول:
– انت تعيش في أحلام مستحيلة يا ابن الجايد.. انا كنت أحبك يومًا ولكن هذا الحب انتهى ولم يعد له اي وجود في قلبي.

– هل تعتقدين انني سأصدق محاولاتك البائسة لإنكار عشقك لي يا قدر؟
تمتم ريس بسخرية لتومئ قدر ببرود:
– عليك ان تفعل يا ريس.. لأن حقًا لم يعد لك اي مكان في قلبي.. انتَ لا تستحق ذرة حب واحدة مني.

– لقد إنفصلت عن رغد.
قال ريس فجأة لتهز قدر كتفيها بلا مبالاة مصطنعة:
– لا يهمني ريس.. اخطب.. تزوج.. إفعل ما تشاء.. هذا كله لا يهمني.. الآن لدي حياتي الجديدة وسعيدة بها وبالناس التي تعرفت عليهم.

– وذلك الحقير من ضمنهم.. اليس كذلك؟
هتف ريس بعصبية لتومئ قدر موافقة فزمجر بغضب:
– كل مكان تذهبين اليه يجب ان يتوافد به الرجال حولك.. ماذا يريد منك؟ وايّاكِ والكذب لأنني سأعرف آجلًا ام عاجلًا.

بلحظة تهور لا تدري ماذا اصابها بها ردت قدر بإبتسامة ملتوية:
– رامي قد يصبح قريبًا اقرب اقرب شخص اليّ والى عائلتي.. من يدري متى ستحين هذه اللحظة التي سأتزوج…

لم يخرسها سوى جهيره المرعب وهو يقبض على ذراعها بعنف، هادرًا من بين اسنان تصطك ببعضها غضبًا وغيرةً حطّمت روحه:
– اخرسي.. لا تتكلمي حتى لا اجعل هذا اليوم الأخير.. قسمًا بربي العظيم لغيري لن تكوني.. وليتحداني العالم كله يا قدر.. لغيري لن تكوني.. ورغمًا عنك ايضًا ولا تستبعدي كثيرًا ان اخطفك فجأة واتزوجك لأضع عائلتي وعائلتك تحت امر الواقع.. اما بالنسبة لكلامك الآخر فأنت بنفسك سترين ماذا سأفعل بمن يتجرأ ويدنو من امرأتي.

————————
يتبع..

error: