رواية غزلًا يوقده الرجال

الفصل الثامن..
دعيني اعلّمك كيف تلعبين بقلبي..
تقرّبيني اليك، تعبثين بي ثم تهجرينني لوحدي..
دعيني اعلّمك بأي كلمات تثأري لنفسك..
بداية بأشعار الغزل، تجاهل ثم الجرح باستمرار..
اثأري لنفسك ولن امنعك..
ثوري.. انتقمي.. واشمتي دون ان تأبهي..
سألاحقك لأحميك من نفسك..
لا تترددي وضعي بصمة سوطك على قلبي..
ضعي علامة من الف سؤال وسؤال في عقلي..
ارميني في اروقة المتاهات ولا تنجديني..
ولكن…
لا تنفيني من قلبك..
ابقيني تلك النبضة التي ينطقها قلبك..
نبضة ليست لسواي..
ودعيني اعلّمك كل ما ترغبين..
———————-
شرارات الغضب كانت تبجسها عيناه بطريقة مخيفة حقًا وكأن انفجر خزان من الوقود في اعماقه ليحرقه حرقًا اذا لم يشوّه وجه علي الذي تجرأ وفعل ما فعله.. ولن يكون ريس ابن غيث الهيب اذا لم يثأر لنفسه..
بنظرات غاضبة تشي عن جهامة غضبه كان يبعد قدر عنه ثم يمسك علي من تلابيب قميصه بقوة ويضرب رأسه برأس علي بقوة عنيفة بينما يزمجر بضراوة:
– على من تتجرأ وترفع يدك يا حقير؟!

لم يتمكن علي من الرد عليه وصداع رهيب يداهم برأسه بسبب ضربات ريس العنيفة التي توالت على رأسه..
دفعه ريس على الأرض وسط صرخات قدر وليليان المرعوبتان فيتدخل رسلان ليبعده عن علي الذي لم يقدر على سد اللكمات التي بدأت تنهال عليه من قبل ريس..

– ابتعد.
صاح ريس بغضب وهو يدفع يد رسلان عنه فيحاول ان يبعده قسرًا مرة اخرى خوفًا على علي الذي تشوّه وجهه تقريبًا..
كانت هذه اول مرة ترى ريس بهذا الجنون والعنفوان.. لم تستطيع ان لا تتدخل وهي تبصر كيف يحاول رسلان بصعوبة ان يلجم عصبية ريس الفتّاكة فتدخلت قدر ووقفت امام ريس الذي يحاول ان يبعد رسلان عنه:
– كفى يا ريس.. اقسم بالله اذا لم تهدأ سأتصل بوالدك.

– اخرسي.
زجرها ريس بغضب لتتمتم ليليان ببكاء:
– انت اخرس.. همجي!
ثم تطلعت الى قدر وهتفت بتبرم:
– اتصلي بوالده قدر.. رجل عنيف.. وانا مثل الغبية ظننت انه هادئ ومتحضر.

“الحمدلله.. بالتأكيد اعتادت على نعومة رجال المانيا”
تمتمت قدر بعقلها وهي تردع ابتسامة تود ان تحتل ثغرها.. ولكنها لم تقدر ان لا تبتسم وهي تسمع رد ريس الوقح:
– انت فعلًا غبية.. هذا ما ينقصني! المانية غبية مدللة!

تجهمت ملامح ليليان وهي تصيح به:
– لست مثلك يا تافه!
ثم حدجت قدر بنظرات غاضبة وقالت:
– اعطيني رقم عمي غيث.. هذا الولد يجب ان تُعاد تربيته.

– ولد! كل هذا الجسد وتقول ولد!
هدر ريس بحنق وهو يبعد رسلان عنه الذي استغل الموقف ليرى سوء وضع علي.. لم يتواني ويصغي الى الجدال الممتع الذي يدور بل سرعان ما كان يرفع علي بصعوبة ليضعه في السيارة وكل خلية في جسده تتوعد بريس..

لم تحبذ قدر ان تبين لريس انها مهتمة به او بليليان بعد ان انتبهت لعلي ورسلان اللذان غادرا فحثت قدميها رغم تمنيهما بالبقاء واستدارت لتعود ادراجها الى داخل الجامعة.. وغادرت بينما يصلها صراخ ليليان الاقرب الى البكاء وردود ريس الهازئة المستفزة..

دلفت الى صفها لتقعد بهدوء قبل ان تصلها رسالة من رسلان على هاتفها لم ترد عليها بعد ان قرأت مضمونها الذي اثار غضبها وخوفها..
“قريبك ريس لن يرتاح ابدًا ما دام على قيد الحياة.. يجب ان تعرفي انه اذا مات قريبًا سأكون انا قاتله!”

لم تطيعها اناملها وتدوّن ردها على رسالته.. لم تسعفها ابدًا وعقلها ينسج خيالًا لا تتمناه ابدًا.. ان يكون ريس في ظلمة القبر.. تحت الارض.. دون ان تراه وتكتفي بوجوده! هذه الافكار كادت ان تقتلها..
لماذا تعشقه؟ تتساءل مرارًا وتكرارًا.. كيف تعشقه رغم قسوته معها؟ نعم! هو بعض الاحيان يكون رقيقًا بتعامله معها.. احيانًا تحس انه يغار عليها ولكن لا شيء يؤكد لها انه يحبها حقًا.. ربما عناد او غرور اعتاد ان يمارسه عليه.. او ربما يشعر ان عليه الاهتمام بها وحمايتها من الجميع ولكن ليس منه هو!..

استغلت عدم قدوم المحاضر وخرجت بسرعة قبل ان يأتي.. وجدت ريس بطريقها الى المكتبة فتغلف وجهها بملامح باردة كالصقيع.. متناقضة هي! تارةً هشة وتارةً قوية امامه.. مرّت يجانبه دون ان تنظر اليه.. شمخت برأسها كشموخ والدتها وسارت بخطوات واثقة لم ترتعش بنظراته القوية.. حتى صوته الذي سمعته يأمرها بالتوقف لم تتوقف لآجله بل استرسلت بطريقها وكأنه لا شيء! فتوقد غيظه بصمودها ليديرها اليه بخشونة ويغمغم:
– لماذا تتجاهلينني؟

– لانني اريد تجاهلك.
ردّت بهدوء شديد فيهتف ريس بتهكم:
– لانك تريدين!

– اين ليليان؟
سألته بلا مبالاة فيجيب بحنق:
– غادرت تلك الغبية.. ولا يهمني كيف!

رفعت قدر حاجبها بحركة استفزازية ثم هتفت:
– اذًا لماذا احضرتها؟

– لانها طلبت مني ان اعرّفها على الجامعة.. ويكفي اسئلة وبرّري لي كل ما حصل قبل قليل.
هتف لتقول بتحدي:
– لن ابرّر.. دع يدك العنيفة ولسانك الطويل يبرّران لك!

– هكذا اذًا؟
همس بنبرة خافتة بظاهرها ولكن في مضمونها كانت منافية كليًا لتهز رأسها بموافقة وترد:
– اجل.

– هل ستعترفين لشقيقك اذًا؟
هدر بصوت حاد لتبتسم قدر وتغمغم:
– بالتأكيد سأخبر سند ولكن انت لا!

زفر ريس بغيظ ثم تساءل:
– هل حاول رسلان التحدث معك ليقنعك بالموافقة عليه؟

– لم يفعل.. لم تهبه المجال ليفعل سيد ريس!
تمتمت قدر بتبرم فيصفعها ريس بخشونة على ذراعها لترتد عدة خطوات الى الوراء متأوهة بصوت عالٍ بينما تسمع ريس يقول بسماجة:
– لا يليق بك الا الاغبياء.
ثم القى عليها نظرة مغتاظة ودمدم:
– عودي الى صفك الان.

– لا تتكلم معي بهذا الاسلوب.
هدرت قدر بحنق ليلقي ريس عليها نظراته التي تربكها قبل ان يدعها ويعود الى صفه..

***************
منذ عدة ايام لم تذهب الى منزله وهو يكاد ان يجن حرفيًا.. تتجاهل اتصالاته ورسائله ايضًا.. ذهب عدة مرات الى المشفى التي تعمل به ولكنه لم يجدها هناك.. وصلته رسالتها من خالته بكونها لا تود ان تعمل في منزله بعد الان.. ويدري السبب جيدًا.. اذا ظنت انها ستقدر على الهروب منه بعد الخطة التي احكمت تخطيطها ونفذتها فهي مخطئة كليًا..

“اذا لم ترّدي على رسائلي اعدك ان عقد قرآنك لن يتم! ولا سندك الغبي ولا والدك والظهر الذي تتباهين به سيمنعني عن تحقيق ما سأفعله اذا لم تردي على رسائلي”

كانت هذه اخر رسالة يرسلها لها.. متأكد انها سترد عليه هذه المرة واذا لم تفعل فلن يتوانى ابدًا عن تحقيق تهديده وبأبشع الوسائل الذي قد يتخيلها عقلها وماضيه وصيته خير دليل على خطورة رسالته..
وسرعان ما كانت الابتسامة تهرع الى ثغره وردها يصله بقمة الغضب والجنون.. وهل هناك اجمل من الجنون حينما يكون هو سببه؟!

“ماذا تريد مني؟ لا اريد ان اعمل في منزل حقير مثلك! ابحث لوالدتك عن ممرضة غيري واياك ثم اياك ان تهددني مرة اخرى”
كانت هائجة ثائرة.. كل خلية في جسدها تزبد وترغي بعد ان وصلتها رسالته الاخيرة.. في كل حرف بها تجد تهديدًا منه يستفزها ويثير حنقها اكثر مما تقدر على التحمل.. اساسًا هي لا تتحمله اطلاقًا..

ازدردت جهاد ريقها وهي تنهض لتتأكد من كون باب غرفتها مغلق.. تخشى ان يدخل احد من عائلتها ويسمعها تتكلم مع حمزة الذي يتصل بها في الوقت الحالي..
وبعد ان تأكدت عادت ادراجها وتوسدت السرير بينما ترد على اتصاله وكلها متحفزة وكأنها قابعة على قبس:
– نعم؟!

– اين انت؟
سألها حمزة لتعقد حاجبيها بغيظ وتتمتم:
– هذا ليس من شأنك.. ما رأيك ان ارسل لك تقرير عن حياتي؟!

– ينفع جدًا.
غمغم حمزة بهدوء لتزمجر بعصبية:
– لا اود ان اسمع تفاهاتك هذه.. ويجب ان تعرف انني لن اعمل عندك بعد الذي فعلته معي.

– ستعملين.
همس بابتسامة واثقة لتتشدق بتهكم وتهدر:
– قلت لك قبل قليل.. فقط في احلامك! لن تجبرني ابدًا.

– ستعملين جوجو، يا اجمل حبة بطاطا رأتها عيني.
هتف حمزة باستمتاع وهو متأكد ان الضغط عندها تعدّى الحد المسموح وقريبًا جدًا ستنفجر.. ومن قال انه لا يريدها ان تنفجر؟!..
فتابع حمزة بابتسامة عميقة كلّها مكرًا وخبثًا:
– جوجو لا اريدك ان تغضبي.. ولكنك تعرفين ان كل ما بك يغري! وخاصةً…

اراد ان يكمل جملته ولكنها لم تسمح لها وهي تصرخ بغضب، غير مكترثة بكونها ستُفضح:
– ايها الحقير.. عديم الاصل.. سأقتلك.. سأخنقك بيدي!

– جوجو!!!
تمتم بنعومة مضحكة فتستشيط غضبًا وتوثب عن السرير بحدة وهي تهتف بجنون:
– جوجو ستكون هي قاتلتك ان شاء الله.. انتظر ما الذي سأفعله بك يا قليل الأدب!

قهقه حمزة بصخب قبل ان يهتف بنبرة مستفزة اكثر:
– لن اقدر على الانتظار اكثر جوجو.. تعالي اليّ الان ودعيني ارى ما الذي ستفعلينه بي جميلتي.

كادت ان تغلق الخط وكلها تشتعل غيظًا لو انها لم تسمعه يقول بغموض مناقضٍ لكلماته التي قالها:
– لا اريدك ان تعودي الى العمل الان.. اقترب عقد قرآنك ولكن بعد ذلك حديثنا.

– لا اريد ان اعمل ابدًا في اي مكان تتواجد به لأنك يجب ان تعرف انني اكرهك!
اردفت بتجهم قبل ان تغلق الخط دون ان تسمح له بالرد عليها.. لن تنسى ابدًا خوف والدتها عليها بعد ان اخبرتها بما فعله معها.. كان خوفها عجيبًا لتعترف لها سيلا ولأول مرة انها تعرضت للاغتصاب قبل ان تتزوج والدها..

كادت سيلا ان تتهور وتخبر ليث ولكنها لم تفعل في اللحظة الاخيرة.. على الرغم من كون جهاد ليست ابنتها الحقيقية الا انها تعتبرها مثل ابنتها تمامًا.. تخاف عليها من كل شيء وستحارب بكل ما بها من قوة ان تبعد عنها ما قد يؤذيها يومًا.. وحمزة حاول ان يؤذيها.. لم يغتصبها ولكن فعلته ارعبتها عليها..

تنهدت جهاد وهي تفكر بسند.. آه لو يعرف! من سيتحمل موجات غضبه وعصبيته المفرطة؟! ومهما فعل لن تستطيع ان تلومه البتة لان الحق كله سيكون معه.. والان ستحاول فقط ان تبعد حمزة عنها وعن سند.. وستحاول بقدر الامكان ان لا يعرف سند ما فعله حمزة معها لانها تخاف عليه من تهوره.. هذا جلّ ما تريده في الوقت الحالي..

****************
اخيرًا اتت تلك الدمية الحمراء الى منزله! بعد ثلاثة ايام من اخذها لحذاءه لتنظفه كما قالت مع ان كله يقين انها دمرته لا نظفته.. تقف قبالتهم وبيدها صندوق متوسط الحجم لونه اسود وفي يدها الاخرى كيسًا به حذاءه على ما يبدو؟!..
تطلع الى والدته وجدته لينتبه الى اثار الضيق التي تحتل وجه كل واحدة منهما عكس والده وجده وشقيقه سيف..
ورغمًا عنه ابتسم حينما دنت لونا من جده بابتسامة جميلة بعد ان وضعت ما بيدها على الطاولة:
– جدي اشتقت لك.

– من هذه؟
تساءلت سيلا بحاجبين معقودين ليهتف ليث بابتسامة:
– هذه الصحفية لونا.. ابنك سرق لها الف دولار ومئة يورو!

سلّمت لونا على ريس وليث ثم القت السلام على لين وسيلا قبل ان تهتف بابتسامة عابثة:
– لقد سرق لي ابنكم الف دولار ومئة يورو.. واجبرني على تنظيف حذاءه واحضاره له الى منزله.. ولكنني قررت ان اعفو عنه وسامحته.

ضحك سيف قبل ان يسألها باستمتاع:
– من اين انت؟

– لا يخصك.
ردّ عمر وهو ينهض ليقف امامها فتبتسم له بشقاوة وتقول:
– احضرت لك هدية ايضًا.. سأفتحها امامهم.

رفع حاجبه بتوجس فتومئ له بابتسامة ازدادت اتساعًا جعلته يتردد اكثر.. فوالده وجده مستمتعان ولكن جدته وامه هما من يخشى رد فعلهما على جنونها..
كان اول ما فتحته هو الصندوق لتخرج منه لعبة على شكل ثور فهم القصد منها سريعًا لتكفهر ملامحه بينما تضحك هي بصخب ومرح..

– ما هذا؟
تساءلت لين باستمتاع بعد ان فهمت بلمح البصر نظرات زوجها التي تواري عبثه وشقاوته فيجيبها سيف بمشاكسة:
– هذا عمر.. اليس كذلك لونا؟

– انت ولد ذكي.
غمغمت له وهي ترمقه بنظرات اعجاب ليضحكوا جميعهم فتحمر وجنتيها بخجلٍ لم يفيدها البتّة..
عضت لونا شفتيها وهي تُخرج الحذاء من الكيس، متيقظة جيدًا لعينين عمر التي على وشك ان تزهق روحها بسبب غيظه من الذي تفعله..

– ماذا فعلتِ به؟
صاح بها عمر لتزم شفتيها وتتمتم بعبوس:
– صبغته!.. هل تعرف كم دفعت ثمن الصبغة؟!

– هذا كان لونه ابيض، اليس كذلك؟
تساءلت سيلا ليرد عمر بعصبية:
– كان ابيضًا واضحى اسودًا مثل افعالها المجنونة.

– اهدأ!
زجرته لونا بغيظ وهي تسير مبتعدة عنه فيأمرها بفظاظة:
– اخرجي.. لا اريد ان ارى وجهك.

– انا لست في منزلك.. انا جالسة في ساحة جدي.
هتفت باستفزاز قبل ان تنظر الى ريس وتسأله بنعومة:
– اليس كذلك جدي؟

اومأ لها ريس، ضاحكًا فتبتسم لونا بحب وتغمغم للين التي تتأملها بنظرات متعجبة:
– انتِ محظوظة بجدي الوسيم.

– اعرف.
همست لين بغرور قبل ان تسألها بابتسامة:
– هل حقًا سرق لك حفيدي مالك؟

– الحقيقة لا.. عمر مسكين بسيط لن يفعل مثل هذه التصرفات!
قالت لونا بهدوء ليزمجر عمر بحنق:
– مسكين بسيط! هل تعرفين انني استطيع ان القيك في السجن بسبب اتهامك لي زورًا؟

– انا لم اتهمك فلا تكذب امامهم!
هتفت لونا بجدية تامة ليزفر عمر بضجر ويهتف:
– تعالي لأوصلك الى منزلك يا غبية.. اريد ان اعرف من هذه العائلة التي تملك ابنة مجنونة مثلك.

– لا اريد.. سأغادر لوحدي ولكن ليس الان.. سأتعرف على بقية افراد عائلتك اولًا.
غمغمت لونا بلا مبالاة فتضحك سيلا وتهمس بغموض:
– املي بك كبير يا فتاة!

عقدت لونا حاجبيها بعدم فهم وهي تتساءل:
– بماذا خالتي؟

– لا شيء.
رد عمر بتجهم وقد فهم جيدًا كلمات والدته المبطنة.. ثم دون ان يكترث للجالسين كان يجذب لونا من يدها بخشونة لتستقيم واقفة قبل ان يجرّها خلفه تلاحقهما نظراتهم المستهجنة..
حاولت لونا ان تسحب يدها ولكنه كان بالمقابل يضغط عليها بقوة اكبر لتصرخ بصوتٍ عالٍ مزعج يكاد ان يصمّ اذنيه..
اجبره صراخها ان يفلتها ليضع كفه على فمها بقوة حتى يخرسها.. هدأت بعد ثوانٍ ليسألها بعنفوان:
– هل انتِ مجنونة ام ماذا؟ اي فتاة عاقلة تفعل تصرفاتك المخجلة هذه؟!

– لا شأن لك بي وبتصرفاتي المخجلة!
هدرت لونا بغضب فيدفعها على سيارته ويهتف:
– اذًا لا تقحميني بها.

– غليظ.. متكبر!
تمتمت بانفعال قبل ان تفتح باب سيارته وتجلس فيتشدق عمر قبل ان يدخل هو الاخر الى السيارة ويقول بنبرة مستفزة:
– ضعي حزام الامان لتحمي نفسك وغباءك من الحوادث.

لم تفعل ما قاله بل رفعت ساقيها وعقدتهما امامها على مقعد السيارة فيزفر عمر بعصبية ويصيح بها:
– انزلي قدميك عن مقعد السيارة وكفى جنونًا.

لم تنزل قدميها لينزلهما لها بعنف فتصيح به بثوران:
– لا تلمسني يا همجي والا سأضربك!

رفع عمر حاجبه باستهزاء لتعقد ذراعيها امام صدرها وتهدر بتبرطم:
– لن تراني بعد الان.. انسان غليظ عصبي!

تجاهلها عمر بينما يسمع بضيق تحول الى استمتاع شتائمها وسبابها له.. القى نظرة عليها بينما يقود فيجد وجهها احمر بشكل غريب ليتنهد ويقول ليراضيها:
– انا اسف يا حمراء.. اهدأي فقط.

– لست حمراء.. انا لونا.
تمتمت لونا بحنق ليبتسم ويغمغم:
– حسنًا انتِ لونا ولستِ حمراء.

*****************
ازدردت ريقها بتوجس حينما طلب منها ياسين التحدث على انفراد.. احسّت ببعض التوتر يغزو قلبها.. لم تغفل عن نظرة والدتها التي رمتها بها وهي تسير بجانب ياسين.. وكأنها تأمل ان يصير بينها وبين ياسين شيئًا ما مستقبلًا.. ولكن على ما يبدو ان والدتها لا تدري بكونها لن تعشق رجلًا غير هيرمان ولن ترتبط برجلٍ غيره ما دام في جسدها روحًا..

تنهدت باختناق وكل نبضة يسرّحها فؤادها تشتاق لحبيب القلب.. تشعر ان شخصيتها المرحة التي يعشقها هيرمان اندثرت في الاونة الاخيرة.. لم تعد مها التي تسحر الجميع كما يقول هيرمان.. فقدت رونقها ببعده وذبلت روحها شوقًا اليه..

توقفت بعد ان توقف ياسين في شرفة منزله ليتطلع اليها بنظرات لم تعجبها قبل ان يهتف بجمود:
– من هذا هيرمان؟

رفعت مها حاجبها باستهجان تام.. بأي حق يحقق معها؟! لم تعطيه الاجابة الذي ينتظرها بل غمغمت بجدية:
– لا اعتقد ان هذا الأمر يخصك لتسألني عنه!

حدجها ياسين بنظرة طويلة اثارت ضيقها ثم اردف بنبرة حازمة لاسعة:
– يخصني جدًا مها.. اذا ترعرعتِ في المانيا لا يجب ان تنسي نفسك ودينك.

– لم انسى اي شيء وبالمقابل لا تقحم نفسك بأمور لا تعنيك.. لا يحق لأي احد منكم التدخل بي.. غير ابي وامي لن اسمع اي احد منكم.
قالت بتحذير ليستشيط ياسين غضبًا ويهدر:
– اذًا ساسأل خالتي حياة اذا كانت تعرف بعلاقتك هذه مع الالماني.

– اسألها.
هتفت بتحدي وهي تستدير لتغادر فيردعها صوته المتجهم:
– لن نرحمك هنا اذا كنتِ على علاقة به او… فهمتِ قصدي جيدًا.. يجب ان تعرفي هذا الشيء قبل ان تُقدمي على خطوة متهورة قد تفقدك وتفقده حياتكما.

– لا تتدخل بي!
زمجرت وهي تلتفت اليه وقد تفشى الغضب في اوبئة جسدها كالسرطان.. ثم زلفت منه وهي تطالعه بنظرات امرأة عاشقة ستقاوم حتى الرمق الاخير لتحمي معشوقها:
– واياك ان تهددني مرة اخرى! لن يعجبك رد فعلي ابدًا سيد ياسين فابتعد عني.

قبض على ذراعها بعصبية ثم هتف بها:
– صوتك لا يرتفع مجددًا عليّ.. والا سأعمل بنفسي على جعلك تندمين اشد الندم.

– لا تلمسني.
هتفت ببرود وهي تطالعه بنظرات حادّة مناقضة لنبرة صوتها فيتركها بخشونة ويقول:
– افعالكِ هذه لن تمرّ مرّ الكرام.. اعتبري كلماتي تهديدًا صريحًا لك.

– لنرى..
غمغمت باستخفاف ثم استدارت لتغادر وقلبها يدق بعنف وصخب.. تخشى ان يخبر والدتها حقًا فتستمر تحقيقات والدتها المستمرة وافعالها التي تؤلمها وتضايقها..

*****************
بعد شوق طويل اتت تلك اللحظة الحاسمة.. اخيرًا ارتبط اسمها بأسمه وتمّ عقد قرآنهما كما ارادا تمامًا.. مشاعرها متخبطة متبعثرة ما بين فرح، شوق وارتباك.. تنتظر اللحظة التي ستنفرد بها مع زوجها..
كان عقد قرآنهما عائليًا كما اتفق الكبار.. صغيرًا ولكنه راقيًا كما تحب..

اقتربت من سيلين التي نادت عليها لتسلّم على واحدة من عائلة سند.. فسلّمت على الفتاة التي وجدت بها الكثير من ملامح قدر.. خاصةً الخجل والبراءة.. ردّت على مباركتها لها بابتسامة صادقة لتغمغم سيلين:
– هذه لبابة الجميلة.. سنزوّجها قريبًا ايضًا.

ابتسمت لبابة بخجل لتقول جهاد:
– بالتوفيق حبيبتي.

– سند سيفرح حينما يراكِ.
هتفت سيلين للبابة فترفع جهاد حاجبها وتتساءل بنبرة جعلت سيلين تكتم ابتسامتها الماكرة قسرًا:
– هل هما صديقان؟

– كانا كذلك.
ردت سيلين بابتسامة لتومئ جهاد قبل ان تهتف:
– سأذهب لأرى جدتي.

هزت سيلين رأسها بابتسامة شقية فتتركهما جهاد وتسير نحو جدتها التي تقف بجانب ريما..
ابتسمت لين وهي ترى جهاد تدنو منهما ثم سرعان ما كانت تضمها بحب وهي تمسح دمعة نزلت اثر تأثرها بزواجها:
– مبارك لك حبيبتي.

ضحكت جهاد وهي تؤنبها:
– لا تبكي جدتي.. لا زلت في المنزل ولم اخرج بعد.. وفّري دموعك ليوم زفافي.

قهقهت ريما وعلّقت باعجاب:
– ما شاء الله جميلة جدًا حبيبتي.. اتمنى لك ايام جميلة كجمال وجهك تمامًا.

شكرتها جهاد بخجل قبل ان تهمس ببعض الاحراج:
– اعتذر خالتي ريما على ما حدث.. ولكنك تعرفين تصرفات ابن اختك اكثر مني ولا داعي لأخبرك عنها.

هزت ريما رأسها بتأييد لكلامها، قائلة:
– لا تقلقي حبيبتي.. مصلحتك بالتأكيد اهم.

ابتسمت جهاد بمجاملة ثم توسعت ابتسامتها اكثر وهي ترى قدر العابسة تقترب منهن.. لم تفهم سبب عبوسها الا حينما غمغمت بضيق:
– يقفون الرجال في الخارج وكأنهم حرّاس!.. اريد ان ارى سند.

– سند اليوم لي.
هتفت جهاد بعبث لتبتسم قدر وتهمس بحب:
– سند دائمًا لك وليس فقط اليوم.. ولكن دعوني على الاقل اعانقه وأُهنئه.

كانت تتكلم ولين تتأملها بعينين متفحصتين.. بدايةً بشعرها المرفوع الى الاعلى ليظهر حسن جمال وجهها ثم فستانها الأسود التي بدت به بقمة الاناقة..
لا تدري كيف يقدر ان يجرحها حفيدها وهي بكل هذه الصفات التي تجعلها تتمنى معانقتها بقوة وبثها الحب والحنان..
انتبهت جهاد لنظرات لين ولكنها لم تعلّق لأن والدتها نادت عليها لتغادر مع سند اخيرًا..

غادرت جهاد وهي تسلّم هنا وهناك فيما بقت قدر واقفة مع لين وريما.. ابتعدت ريما عنهما بعد ان طلبتها حياة فتستغل لين الموقف وتسألها:
– كيف حالك قدر؟ وكيف حال الدراسة؟

– الحمدلله جدتي.
ردّت قدر بابتسامة ناعمة لتغمغم لين بمكر:
– الا تودين ان تدعينا نفرح بك ايضًا؟! اعرف ان الف رجل يتمناك.

تطلعت اليها قدر بمقلتين وامضتين تتلألأ بهما افكارها المؤلمة.. تعرف كم ريس يحب جدته لين وتجد نفسها عنوةً تهتم لما يحبه وبالتالي تهتم بنظرة لين عنها..
رفرفت رموشها مرتين وهي تفكر بما ترد على هذا السؤال الذي يتكرر من ثغر الجميع.. فما كان منها الا ان تجيب بصوت رقيق:
– لا زال مبكرًا جدتي.. اود ان انهي تعليمي وبعد ذلك سأتزوج.

– تفكير سليم حبيبتي.
هتفت لين لتكتفي قدر بالرد عليها بابتسامة جميلة اوجعت قلب لين عليها..

*****************
لم تفكر اكثر من مرة وهي تتصور بحجابٍ من الحجابات الذي اشتراهم لها وترسل الصورة اليه.. تنتظر رأيه بقلبٍ متقد بنار اللهفة والشوق.. ولم يتأخر رده ابدًا وهو يتصل بها بشكل فوري وكأنه كان ينتظر صورتها.. اختارت ان تتحجب في يوم عقد قرآن سند وجهاد واخبرت هيرمان بما كانت تنتويه ودعمها بقرارها وطلب منها دون ان يبوح برغبته ان يراها بالحجاب.. وليست هي من لا تلّبي طلب من تعشق بجنون..

– اميرتي تبدين جميلة جدًا.. مذهلة!
غمغم هيرمان بحب لتبتسم مها وتسأله بلهفة واضحة:
– هل ابدو حقًا جميلة؟

– جدًا جدًا اميرتي.
هتف هيرمان لتقول مها بغبطة واضحة:
– الجميع يخبرني انني ابدو جميلة به.. تسلّلت بصعوبة لأتصور وارسل لك هذه الصورة.

ضحك هيرمان وهو يهمس لها بشقاوة:
– لا شيء صعب عليك.

ابتسمت بشجن ثم اردفت بنبرة انجلى بها بؤسها وتوقها اليه:
– يا ليتك هنا لتراني واراك.

– متى ستعودين؟
سألها بنبرة غامضة لتزم شفتيها وترد بحيرة:
– لا ادري.. ربما ننتظر الى ان يتم زفاف قريبتي.

تنهدت ثم اضافت بضنك:
– هيرمان احسّ اننا لن نعود.. امي تريد ان تسجل ليليان في الجامعة هنا لا في برلين.

– اذا لم تعودي سأسافر اليك واخطفك.
تمتم ممازحًا ظاهريًا.. ولكنه كان جادًّا جدًا وسينفذ كل كلمة قالها اذا لم تعود اليه.. احاسيسها بعد سفرها صارت واضحة جدًا اليه وهذا يحثه لأن يفعل المستحيل لأجلها.. لأجل ان يبقى معها دائمًا..
ضحك بقوة حينما سمع تهديدها المذعور:
– اياك هيرمان! سنموت معًا حينها!

– وهل هناك اجمل من الموت بسبب… العشق؟
سألها بنبرة خاصة جدًا.. بنبرة اوهنت عظامها لتستسلم برضوخ انثى عاشقة الى سحر كلماته التي تغري اي انثى وتجذبها اليه.. فابتسمت وردت عليها بسؤال يؤرقها فعلًا:
– الا زالت ماتيلدا تلاحقك؟

ابتسم هيرمان بخبث ثم هتف بضيق مزيف:
– لا تتركني ابدًا.. اينما اذهب اراها في وجهي.. لا اعرف فعلًا ما الحل معها!

– هل انت جاد؟!
سألته مها بغضب واضح ليقهقه ويعترف بشقاوة:
– امزح اميرتي ولكن لا تغضبي.

زفرت مها براحة ثم قالت ببعض القلق:
– هيرمان اود ان اخبرك شيئًا مهمًا.

– اخبريني.
همس هيرمان بتوجس لتردف بخوف لم تظهره لأي احد غيره:
– لقد سمعني شابٌ من عائلتي وانا اتكلم معك قبل عدة ايام وتحدث معي ليستفسر ويهددني بانه سيخبر والدتي اذا عرف انني على علاقة برجل ما.. ولكنني لم اعطيه اي رد اراده بل حذّرته بأن لا يتدخل في حياتي لانها لا تخصه.

– احسنتِ حبيبتي.
غمغم بفخر بقوتها قبل ان يستأنف، طامسًا خوفه عليها في لبّ قلبه:
– لا اريدك ان تخافي من اي شخص.. واذا لزم الأمر سأتصرف بنفسي.

– لا، لا تتصرف انت.. انت صديقي فقط.
هتفت مها بارتباك ليبتسم بسخرية.. الى متى ستقاوم؟ وكأنها لا تعرف ان كلماتها الكاذبة واضحة جدًا له.. سمعها تتنحنح باحراج قبل ان تغمغم بأسف:
– اعتذر.

– لا بأس قاومي.. فأنا اتفهم مخاوفك وادري ان ليس كل ما في القلب يُقال في الكثير من الاحيان!
ردّ بهدوء لتستشرس الغصة العالقة منذ فترة طويلة في حلقها وتهمس بنبرة شجية عذبة:
– أن لا اقول ما ينطق به قلبي اهون لي من ان انطق.. لن افشي عن سرّ فؤادي ليكون وعدًا فاشلًا يحرقني ويقتلني.

– ستعترفين في النهاية مها.. انت في طريقك لتنفيذ هذه الخطوة مهما قاومتِ.
هتف هيرمان بجدية تامّة لتهز رأسها بيأس ينخر روحها وتهمس:
– لن افعل ما دمتُ اعرف النهاية جدًا.

– لن تتحملين اميرتي وستعترفين وسيكون اعترافك هو قوتك وشموخك.. وصدّقيني انني انتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر.
اردف بنعومة محببة لتشهق بضعف وتنزلق دمعة على خدّها فتكويها بمرارة صدق كلامه.. الى متى ستصمد امامه وتتحدى الجميع هنا لوحدها؟ اعترافها له سيكون نقطة انطلاق لهما فتستمد القوة منه لتجاهد على محاربة كل من سيمنعها عنه.. وستفعل.. ستقاوم لآجله ولآجل عشقها له!..

– لا تبكي مها.. انا احبك!
غمغم باحتدام لتقضم شفتها السفلى بقسوة تمنع شفتيها من تحرير المزيد من الشهقات والآهات الترحة.. اعترافه بحبه لها لا يزيدها الا وجعًا وبؤسًا..
كادت ان تتنازل وتصرّح بعشقها له ولكن صوت والدها هو من ردعها ليحمر وجهها بخوف وتهمس:
– ابي يناديني.. سأغلق هيرمان.

اغلقت الخط بسرعة وجففت دموعها بأنامل ترتجف.. تنفست اكثر من مرة لتهدئ من نفسها قبل ان تفتح باب الحمام وتخرج لتجد والدها يقف بجانب الباب..
استرطت مها ريقها بصعوبة.. وخفقات فؤادها تكاد تصل عنان السماء من شدة توترها.. لا ترغب ابدًا ان يكشفها والدها في هذه اللحظة التي هي بها اكثر هشاشة من اوراق الخريق الذابلة..

– هل كنتِ تبكين؟
سألها امير وهو يتمعن النظر بها لتبتسم له بارتباك وترد بصراحة.. بصوت مخنوق:
– اجل ابي.. كنت ابكي!

– لماذا حبيبتي؟
سألها بحنان وهو يضمها بنعومة اليه فتهمس بابتسامة شجية:
– لا تقلق حبيبي.. فقط تأثرت بكلام صديقاتي بعد ان ارسلت لهن صورتي وانا بالحجاب!.

– صغيرتي الحسناء صارت حسّاسة.
غمغم امير وهو يقبّل رأسها لتبتسم بحب وتسأله بفضول:
– هل لاحظتَ غيابي فأتيت لتبحث عني؟

– كنت اريد الدخول الى الحمام فأخبرتني والدتك انك في الحمام منذ فترة.. فأتيت لأتفقدك ايضًا.
هتف امير بهدوء لتومئ قائلة:
– سأنتظرك في الاسفل اذًا.

******************
تخضبت وجنتيها وهي تراه كيف يتوسمها بحدقتين لامعتين منبهرتين.. لم يتسنى له رؤيتها كما يجب.. بالكاد تمكن من النظر اليها ليروي القليل من عطشه بجمالها الساحر..
كان تخطيطه هذه المرة مختلفًا.. احضرها الى منزله بعد تخطيط محكم ليحتفلا لوحدهما بحفل عقد قرآنهما..

ابتسم على نظراتها المذهولة المستغربة.. لم تتوقع ان تكون هديته هكذا وفي منزلهما ايضًا.. صورهما تغطي الجدران بوضعيات مختلفة.. صور الخطوبة.. صور عقد القرآن والتي لا تفهم كيف تمكن من اخراجهم بهذه السهولة! والصور التي كانت بهاتفه.. بينما الأرض تغطيها بالونات باللون الاحمر والابيض.. بالاضافة الى بالونات الهيليوم التي تلامس السقف..
تطلعت الى طاولة الطعام لتجد بها كل ما تتمناه..
كانت الطاولة مرتبة بطريقة تخطف الانفاس.. لم تعرف ماذا تقول او كيف تعبّر..

رفعت عينيها لتثبتها عليه فيبتسم لها ابتسامة لا يخصها بأحد غيرها.. ابتسامة تشي عن مدى عشقه لها.. ضغطت اناملها بنعومة على يده ثم همست وهي تدنو منه بدلال.. حد الالتصاق بصدره:
– لن اقول اي شيء غير الله يحفظك لي حبيبي.

ثم بحب طوّقت ذراعيها حول عنقه فيتغلغل عطره الرجولي الى اعماقها ليزكم انفاسها بعدم مقدرة على تحمل كل هذا الحب..
بادلها العناق بجمّ احاسيسه الفذة.. كان عناقهما دافئًا رومانسيًا.. عناق تتمناه طيلة الحياة.. لن تعترض ابدًا اذا قضت حياتها في حضنه ترتشف من دفئه وحنانه..

دام عناقهما لدقائق طويلة.. لم تبتعد وهو لم يسمح لها ان تبتعد.. يتنشق اريجها كغرثان لا يعرف طعم الجمال الا حينما تكون بين يديه..
امتدت يده لترفع لها رأسها ثم سرعان ما كان يلّبي نداء قلبه الذي يطالبه بشفاء جفافه بقبلة انتظرها طويلًا منها.. وقبّلها… قبلة طويلة حالمة.. قبلة بثّ بها جزءًا بسيطًا من رغبته بتواجدها بحياته.. بتوقه لأن تكون قريبة منه دائمًا وابدًا..

اسند جبينه على جبينها مستمتعًا بخجلها الذي بان على وجهها.. لم ترفع عينيها وتطالعه.. لا زالت مغمضة العينين بعد تلك اللحظات التي كادت ان تطير بعقلها..
احاط ظهرها بذراعه ليقرّبها من طاولة الطعام ويجلسها بنفسه قبل ان يجلس هو الاخر على المقعد الذي قبالتها فتهمس جهاد بخجل:
– شكرًا على كل شيء.

ابتسم سند ثم هتف بعشق:
– تبدين كما رسمتك بخيالي تمامًا.. الفستان يلائمك ولا يبدو جميلًا الا لأنك انتِ من ترتدينه.

– انت لا تخطأ ابدًا حبيبي بأي شيء تخطط له او تفكر به.
غمغمت جهاد بنعومة قبل ان تداهمها صورة لبابة لتسأله بغيرة واضحة:
– سند لماذا لم تخبرني عن صداقتك بقريبتك لبابة؟

– هل كانت اليوم؟
رد عليها بلهفة لم تعجبها البتة لتلقي عليه نظرة باردة قبل ان ترفع صحن السلطة لتسكب القليل بصحنها، متجاهلة سؤاله..
تمتم بأسمها عدة مرات الا انها لم ترد عليه ليضحك ويقول:
– هل افهم انك تغارين منها الان؟

– إفهم انني اغار عليك لا منها.
هتفت جهاد بغيظ ليغمغم بحب:
– حبيبتي التي تغار عليّ.. لبابة كانت صديقة عزيزة لي لأنها تشبه قدر ببراءتها لا شيء اخر يا مجنونة!

رفعت حاجبها بعدم رضى فيمسك يدها ويرفها ليقبلها برقة لتبتسم رغمًا وتهمس:
– احبك سند ولذلك اغار عليك!

– وانا اكثر بكثير.
ردّ عليها بابتسامة حانية لتتنهد وتقول:
– سند سأعود الأسبوع القادم الى عملي في المشفى.

– جيد.
تمتم بهدوء قبل ان ينظر اليها ويسألها بنبرة جادّة:
– هل رأيتِ حمزة بعد ان تركتِ العمل في منزله؟

– لا، لم اراه ابدًا.
اجابت بصدق ثم اضافت بتوتر:
– ولكنه كان يتصل بي ويرسل لي الرسائل.

– ماذا كان يرسل لك؟
هتف سند بغضب لتهمس جهاد برجاء:
– سند هل يمكننا ان نتكلم عن حمزة لاحقًا؟ لا اريد ان يتعكر هذا اليوم بسبب اسمه ارجوك.

هز سند سند رأسه بعدم رضى.. لا يريد ان يرتكب الا جريمتين في هذه الدنيا.. قتل ريس وقتل حمزة.. اكثر شخصين لا يطيقهما!..

******************
ابتسمت قدر لريس الذي تغيرت معاملته لها بعد الشجار الذي حدث بينه وبين علي.. اضحى يرافقها دائمًا في الجامعة.. يبتسم لها ويحتويها ويدّرسها ايضًا..
تحارب بكل ما اوتيت بها من قوة ان لا تتعلق به اكثر.. ان لا تتشبث بأوهام قد تفجعها لاحقًا.. ولكن… الارادة موجودة والقلب يفعل ما يشاء!

لم ترى رسلان بعد رسالته المخيفة لها.. لم يرسل لها اي رسالة.. حتى علي لم يعد يتكلم معها في الجامعة.. مرتاحة بما يحدث ولكنها خائفة من هدوءهما.. خائفة ان يكونا فعلًا يخططان لقتل ريس.. احتفظت برسالة رسلان ولم تحذفها مع انها على يقين ان رسلان لن يؤذي ابدًا ريس.. رسالته ارسلها فقط بلحظة غضب لا غير.. خوفها كله من علي المسالم بغرابة..

سارت بجانب ريس وهي تتطلع حولها بهدوء.. تتأكد من كون الامور سالمة.. من كون كل شيء على ما يرام.. تتأكد من كون الانسان الذي تعشقه لن يتأذي ما دام في صدرها نفسًا..
جلسَا في مكتبة الجامعة ليسألها ريس:
– هل تودين ان تشربي شيئًا ما؟ سأحضر لي كوبًا من الشاي الأخضر من المقهى.

همهمت قدر بتفكير قبل ان تردف:
– احضر لي اي شيء.

اومأ ثم سار مبتعدًا عنها لتُخرج هاتفها وتنتبه الى رسالة سند الذي يطالبها بالاتصال به..
اتصلت به ليوافيها ردّه سريعًا:
– ماذا تفعل شقيقتي الجميلة؟

– أدرس مع ريس في المكتبة.
غمغمت بابتسامة ليتبرم بعدم رضى ويقول:
– اشتريت لكِ الكتب التي طلبتيها.. واتفقت مع دار النشر ان نذهب انا وانت بعد انتهاء فترة امتحاناتك لتتفقي معهم على الكتاب الذي ستنشرينه.

ابتسمت قدر ثم هتفت بسعادة بالغة:
– احبك سند.. احبك جدًا.

– وانا ايضًا يا طفلة.. لا تنسي ان تتصلي بي بعد انتهاء دوامك.
اردف سند بهدوء لتومئ وتهمس بعبث:
– لن انسى حبيبي ولا تنسى ان تتصل بزوجتك كي لا تغار مني.

ضحك سند، قائلًا:
– لكل واحدة منكما مكانة خاصة.. ولكن سأوصل لها كلامك.. في امان الله حبيبتي.

تنهدت قدر وهي تنهي المكالمة بينها وبين سند بابتسامة..
بعد دقائق قليلة انتبهت لريس الذي يعود وفي يده ما ارادته.. اشترى لها مثل ما اشترى له لتبتسم وتشكره فيبادلها ابتسامتها ويقول بنبرة ساخرة:
– لا تشكري اكثر مما يجب.

تأففت قدر بغيظ.. الن يغيّر اسلوبه الساخر ابدًا؟! تطلعت اليه ثم هتفت بابتهاج:
– سأنشر اول كتابًا لي بعد الامتحانات.

– بعد تخرّجي تقصدين؟
ردّ لتومئ وتهمس:
– اجل بعد حفل تخرّجك.. اخيرًا ستتخرج سيد ريس.

– سأتخرج بامتياز.
دمدم بفخر لتبتسم وتغمغم:
– وانا سأتخرج بامتياز.. سوف ترى.

– لنرى.
همس باستخفاف ليغيظها وبالفعل اثار ضيقها قبل ان تعقد حاجبيها وهو يسألها بجدية:
– اما زال علي لا يتكلم معك؟

هزت قدر رأسها ثم غمغمت بحيرة:
– ورسلان ايضًا.. اشعر بالغرابة.

– وانا ايضًا.
هتف ريس بغموض قبل ان يقول بتسلط:
– هيا اخرجي كتبك.. سأدرّسك شفقةً قبل ان اتخرج وادعك تدرسين لوحدك.

– غليظ!
تمتمت قدر بتبرطم ليصحّحها بغرور:
– بل تقصدين لطيف ذو قلب طيب.

– واضح جدًا!
تشدقت قدر بسخرية ليحدجها بنظرة اجبرتها ان تخرج كتبها وتسمع لدغته التي تسحرها بينما يدرّسها..

******************
بعد عدة اسابيع..
على ما يبدو ان مشكلة تلك المحامية بالفعل التصقت به.. لا يعقل ان يأتي لمكتبه ويجد زوج شقيقتها ينتظره.. في هذه اللحظة لا يطيق حتى الحديث مع نفسه فكيف سيتكلم مع هذا الغبي؟!
سأله ياسين بنبرة حادة عن سبب وجوده فيرد عليه بما اثار ذهوله حقًا:
– اريدك ان اوكلك محاميًا ضد نرمين!

– ماذا!
هدر ياسين باستنكار ليردف الاخر بضيق:
– تلك المجنونة لا تنفك ان تتدخل بحياتي الزوجية.. تريد مني ان اطلّق شقيقتها رغمًا عني!

– لماذا؟
سأله ياسين بهدوء فيرد عليه:
– لأنني خنتها! ولكنني نادم.. اساسًا تلك الفتاة لديها عقدة من الرجال وستخرج كل جنونها عليّ.

– لماذا لديها عقدة من الرجال؟
تساءل ياسين بفضول ليهتف الاخر بتهكم:
– لانها تعتبر كل الرجال الذين حولها خائنين بسبب عدة تجارب تعرضت لها.

لم يسمح لياسين ان يحقق معه اكثر بل سأله بجدية:
– هل ستنفذ طلبي وتعاقب لي نرمين؟

– لا.
هتف ياسين ببرود قبل ان يأمره بنبرة متعجرفة:
– وبعد الان لا اريد ان اراك بالقرب من مكتب.. غادر ولا تدعني ارى وجهك والا سأعمل بنفسي على رميك بالسجن لسنوات طويلة.

دخل ياسين الى مكتبه بعد ان غادر زوج شقيقتها الاحمق ثم اتصل بها عدة مرات قبل ان ترد عليه بصوت بارد مثير للاستفزاز:
– ماذا تريد؟

– زوج شقيقتك كان في مكتبي الان.. يريد ان يرفع قضية ضدك.
قال ياسين بغيظ لتهمهم بلا مبالاة وتردف:
– جيد جدًا.. دعه يفعل ما يريد هذا الغبي.

– الستِ خائفة؟
سألها ياسين بحيرة لتضحك بسخرية وتغمغم:
– هذا الرجل لعبة سهلة جدًا استطيع تحريكها كما اريد.. فدعه يلهو قليلًا قبل ان ارميه في السجن.

تأوه ياسين باعجاب:
– اوه! لستِ هينة ابدًا انسة نرمين.

– احذر مني انت ايضًا.
همست بنبرة هادئة ولكنها كانت تعني كل كلمة قالتها فيشخر ياسين باستهزاء ويهدر بتهديد خطير:
– خافي على نفسك انك يا نرمين.. لن أعجبك ابدًا حينما اتهور.. وهذا تهديدي الاخير لكِ قبل ان يبدأ التنفيذ الفعلي لأجعلك ضمن قائمة المهزومين.

– ارجوك ابدا الان.
تمتمت نرمين بتهكم فيهتف ياسين بوعيد:
– اعدك انني سابدأ.. واول خطوة ستكون هي البحث عن حياتك الخاصة واستنباط نقاط ضعفك لأصفعك بهم بقوة.

– سأنتظرك وكلي شوق.
غمغمت بجمود ليغلق ياسين الخط في وجهها وعصبيته تزداد سوءًا.. اذ كان بسببها او بسبب المستفزة الثانية التي تدعى مها!..

******************
ابتسمت بعشقٍ لم يُهرِم الا قلبها الذي يئن من الانتظار.. من كلمة تهمد نارًا كلما تضطرم على بحرٍ من الاشواق.. تحبه.. متى وكيف؟ لا تعرف.. ابتسامته تُرّتل لها خفقاتها آيات من غرام ليس له حدود..
صفقت مع الحضور فور استلامه شهادة التخرج بامتياز.. فخورة به.. ويا ليته يراها كما تراه!

ازدرت ريقها ما ان نزل عن المنصة وتقدّم من الطاولة التي يجلس عليها افراد عائلتهما.. سلّم على الجميع بابتسامة صادقة.. الا حينما آتى دورها مدّ يده بتكلّف وابتعد!..
احمرّ وجهها حتى كادت ان تختنق بغصتها المدّبجة بمرارة عشق يتسرب بكل ثانية كالسرطان في خلاياها.. غصة سببها تجاهله الدائم لها.. لا يراها.. لا يهتم بها.. منذ ان اعترفت بكل حماقة بحبها له!
كانت حينها مثمولة بخمر غرامها له.. لم يستطع لسانها الكتم اكثر بما يجوش في صدرها.. فباح بكل ما يحمله مكنونه..

تلك الليلة قضت على صداقتهما الوهمية.. ليلة حطّمت اسوار خيال لا زال يحلق بعيدًا.. ويحلم وكأنه لا يُهان ولا يُذل.. كان يُدّرسها بعد انتقالها الى نفس تخصصه في الجامعة.. لتكون قربه.. تراه وتروي ظمئها منه..
كانا في مكتبة الجامعة، مخضبة الوجنتان بينما تستمع الى حروف ثغره.. ولدغته بحرف الراء الخفيفة.. لتهمس فجأة، تقاطعه من التفوه بالمزيد:
– احبك ريس!

تدري انه يشعر بالمشاعر التي تكنها له ويتجاهلها بسبب صلة القرابة والصداقة.. هي تكبره بأربعة اشهر وهو يعتبرها مثل شقيقته لا غير.. بينما هي تعتبره فارس ساحر سيتلقفها يومًا ويضعها امامه على حصانه الاسود، معترفًا بحبه لها.. وكالعادة احلام لا غير!
لا تزال تذكر كيف نظر اليها بصدمة ممزوجة بغضب مخيف قبل ان ينهض سريعًا ويخرج من المكتبة.. ركضت وراءه وهي ترجوه ان يتوقف، ليتوقف اخيرًا بجانب سيارته ويقبض على ذراعها، هادرًا باحتدام:
– اسمعي قدر.. سأتصرف وكأنني لم اسمعك… انتِ تعرفين جيدًا انني لن انظر لك يومًا كحبيبة او كأنثى! انتِ مجرد قريبة لا غير.

ثم دفعها وهو يهتف بانفعال:
– لا ادري اين تركتِ كرامتك لتعترفي لي بحبك الابله بكل هذه الصلافة وانا اصغر منك!

عضّت شفتيها تلجم ثوران عبراتها التي ترجوها بالانهمار.. انزلقت كلماتها التي تطمسها بقساوة في صدرها رغمًا عنها.. هل يُعاتَب العاشق الضعيف على ما يبذر منه من افعال متهورة؟ ما هو الذنب التي اقترفته حتى تُعاقب هكذا؟!

تركها وغادر غاضبًا لتُجبر قدميها بالعودة الى حمام مكتبة الجامعة.. ستبكي هناك.. ستشهد هذه المرة جدران الحمام على دموع وجدانها المُتيّم به بغباء.. هو السبب.. لماذا بعد ان كان ينفر منها صار يعاملها بودٍ؟ لماذا بعد ان كان يكرهها ويحقد عليها لانها طيبة القلب اكثر مما يجب، وربما لأنها ضعيفة صار يعاملها وكأنها ماسةً يخشى ان تُنهب او تُخدش؟ منذ عامين وهو يعاملها هذا المعاملة.. حتى انها من شدة تعلّقها به رغبت ان تتعلم نفس الموضوع الذي يتعلمه.. ولم تعد تأبه بشهادتها السابقة.. فقط تريد ان تكون قريبة منه..

ارتفعت عن عينيها غمامة الذكريات المؤلمة حينما مالت عليها والدتها وتساءلت:
– ما خطبك حبيبتي؟ هل انتِ متعبة؟

هزت رأسها بنفي وقالت:
– لا شيء امي، فقط افكر متى سأنتهي انا من التعليم.. فقد تعبت.

– بقي لك سنتين.. ولا تنسي انك بامكانك العمل ايضًا بشهادتك الاخرى والتي لا اعلم سبب تنازلك عنها.
اردفت سيلين بجدية لتبتسم لها بوجع.. آه لو تعلم سبب تخلّيها عن شهادتها السابقة.. ربما ستضربها والدتها على افكارها المراهقة الحمقاء.. ولكن ما بيدها حيلة.. تريد ان تعمل معه.. ان تطلب مساعدته في بعض الاحيان فتكون قريبة منه، بحجة انه لديه خبرة اكثر منها.. ولكن في الواقع هي لا تحتاج خبرته.. بامكانها ان تنجح دون ان تستعين بخبرته..

لآجله فقط تخلّت عن حلمها.. هي تعشق اللغة العربية.. لطالما تمنت ان تكون معلمة لغة عربية، ولكن.. لآجله قرّرت دراسة علم المحيطات.. موضوع مثير للاهتمام وهي ليست نادمة ابدًا.. بل هكذا ستوّسع آفاق معرفتها..
لم تبالي بالاحاديث التي تدور حول الطاولة والتي جميعها محورها حبيب قلبها المشروخ.. بل نهضت عن كرسيها لتتجه الانظار اليها لوهلة فتهتف:
– سأسلّم على صديقتي واعود.

وسارت تجاه طاولة اخرى يجلس حولها عدد من الاشخاص ربما يماثلون طاولة الحبيب..
همست باسم صديقتها فنهضت سريعًا لتعانقها بابتسامة.. ابتسمت قدر وغمغمت:
– تهانينًا عزيزتي.

– شكرًا قدر.. سأعرّفك على ابي وامي و.. وشقيقي لا حاجة بما انك تعرفينه.
انخفضت خامة صوتها تدريجيًا لتبتسم لها قدر بخجل واحراج لانها رفضت طلب شقيقها بالارتباط بها.. ولكنها اعتادت.. العديد يريدون الزواج بها ولكنها ترفض دومًا لآجله.. لأنها تريده هو فقط.. هي تعرف انها ليست اجمل انثى في الوجود.. ولكنها جميلة ورقتها ونعومتها تجذب الكثير لها.. وخاصةً صوتها الشجي.. ناعم وحزين.. فيها براءةً تُقلق الكثير عليها وبنفس الوقت هذه البراءة تُلين الصخر.. هي ليست ضعيفة كما يظن الكثيرون ولكنها تلجأ دومًا لاكثر الطرق ليونة.. لا تحب القوة والعنف.. حساسيتها تضعفها من الخارج فتبدو ضعيفة للبعض وخاصةً لأثير الوجدان..

تنهدت ثم ابتسمت بخجل لشقيق ميرال الذي مدّ كفّه لها والابتسامة الصادقة المفعمة بالاعجاب لا تزال مستوطنة شفتيه.. لم تود ان تحرجه فمدّت يدها وازالتها مسرعة.. تحدثت معهم قليلًا ثم عادت الى مكانها وهي ترجو الله ان ترفع عينيها وتطالعه، علّها تبصر القليل من مشاعر الغيرة في حدقتيه.. وفعلت ويا ليتها لم تفعل! كان باردًا ومستمتعًا بينما المرارة تستشرس ملوحتها في حلقها..
تمنت ان يكون شقيقها هنا.. على الاقل ستستمد القوة من ابتسامة حانية يخصّها بها لوحدها..

****************
لا تصدّق وجوده هنا بعد ان اعتقدت انه تركها لوحدها ولن يعود مجددًا ليزعجها.. تناظره بعدم استيعاب، بخوف، بتوتر.. ما الذي يفعله في موقف السيارات الخاص في المشفى! والافظع انه يتكئ على باب سيارتها وكأنه ينتظرها منذ فترة طويلة؟!
ودت ان تستدير وتعود ادراجها وكادت ان تفعل لو ان صوته لم يمنعها:
– الى اين جوجو؟ لم ابارك لك بعد!

تلبث جهاد مطرحها وقلبها يخفق بتخفر.. لا ترغب ابدًا بخوض الاحاديث معه وخاصةً في موقف السيارات الذي ليس به غيرهما..
التفتت اليه جهاد لتسأله بجمود:
– لماذا اتيت؟

– لا انتظر هذا الترحيب جهاد.. توقعت ان تستقبليني بالاحضان!
هتف بحزن مصطنع لتردف بعصبية:
– غادر وكف عن الخروج لي بهذه الطريقة! لا زلت لم اخبر سند عن ما فعلته معي.. لو انني اخبرته لكنت الان اما ميتًا واما في المشفى.. فغادر ولا تدعني اتصرف بتهور.

ضحك حمزة باستمتاع ثم اقترب منها لتتراجع الى الوراء وهي ترشقه بنظرات تشع له تحديها.. امسك يدها بنعومة ليقرّبها منه فتزمجر:
– اتركني يا متخلف.

– دعيني ادللك فقط جوجو.. لا اريد ان ادعك ترين من سيدخل من الى المشفى او القبر.
هتف حمزة بهدوء وهو يضغط على يدها بخشونة لتشهق جهاد بألم وتضربه على صدره بقبضتها:
– ابتعد عني والا سأتهمك بمحاولة الاعتداء علي!

– حينها سيتركك سند وستحزنين طوال حياتك.
علّق حمزة بتهكم وهو يتركها لتغمض جهاد عينيها وتقول بغضب:
– حياتي لا تخصك فأخرج منها.

– لا استطيع جوجو.. ليس بعد ان وضعتك في رأسي!
اردف حمزة بحزن مصطنع لتطالعه بحدقتين خائفتين فيبتسم بمكرٍ ويربت على كتفها بنعومة:
– لا تخافي واهدأي.. تنفسي عدّة مرات وسترتحين.

————————-
يتبع..

 

error: