رواية غزلًا يوقده الرجال

الفصل الرابع
كيف لصراخك ان يكون مغريًا،
كمعزوفة ناية تلمسها الانامل بنعومة..
كنسمة ربيع تمر فوق وجنتي فتدغدغني وتنعشني..
تصرخين بصوتٍ عالٍ،
وتزمجرين بكرهٍ..
وتلقين اللوم بضراوة،
فيتفتت غضبي الى شظايا..
رباه هل هناك من هي اجمل منك؟
وانتِ لستِ ملكة جمال الاناث..
وصوتك حينما يعلو يصم اذناي..
ودموعك حينما تنهمر تبلّل يداي..
وقبل ذلك كل ما يتبع اليّ..
شفتيكِ.. وجنتيكِ.. وعينيكِ..
واذا تكلمت عن يديك الناعمتين حينما
تستهل بالصفع والضرب..
فهل هي ناعمة حقًا أم قاسية كزخات مطر
في ليلة برودتها قاسية..
كل ما بك لا يجذب ولا يغري
فكيف انجذبت انا لك
وانت أمازونية معروفة بقسوتك؟
———————–
لا تعرف كيف غفت عيناها بعد نوبة عاتية من البكاء المتواصل.. قهرها من الجميع فاق عنان السماء.. لدرجة انها لم تلّبي طلب والدها بالحديث معه.. لم تستطع ومقلتيها السوداوين كلما تتكدّس بهما الدموع بعد تذكرها لما حدث معها.. والان لا تدري ما هو عدد الساعات التي كانت بها مأسورة في دوامة النوم..

وثبت عن سريرها بكسل قبل ان تلتقط هاتفها عن المنضدة.. رفرف فؤادها بخفقات صاخبة جمهرت عبراتها مرة اخرى في مآقيها وهي ترى رسالة من سند.. تردّدت كثيرًا برؤيتها.. خافت ان يكون محتواها قاسيًا لذا رمت هاتفها باهمال ونزلت الى الاسفل بثياب نومها..

القت تحية السلام دون ان ترفع عينيها وتطالع الموجودين.. ولكن سرعان ما انبسطت جفونها بذعر وهي تسمع صوت عمر الغاضب:
– اصعدي واستري نفسك.

رفعت رأسها باجفال لتنتبه الى سند الجالس بجانب والدها.. تخضبت وجنتيها بحمرة قانية واحتدمت دقات قلبها بطريقة غير عادية.. توترت وما عادت تعرف ماذا تفعل فضحكت سيلا بصخب وهي تنهض عن مقعدها لتُبعد جهاد عن موضع نظرات عمر وسيف الغاضبان..

اخذتها الى الاعلى وهي تسمع صوت عمر الذي هتف لسند:
– صعدت بامكانك ان تتطلع بحرية الان.

احسّت بالشفقة عليها فابنتها تبدو مضطربة خائفة كما لم يحدث يومًا.. والاجمل ان وجهها صار لونه كلون حبة البندورة تمامًا..
غمغمت سيلا بقهقهة وهي تُقعد جهاد على سريرها:
– اهدأي.. في النهاية سيصبح زوجك.

– امي أقسم اني لم اعرف بوجوده والا كنت سأرتدي حجابي وانزل.
تمتمت جهاد بتوتر لتضحك سيلا بقوة وتقول:
– لا تقلقي.. يبدو ان صوت شقيقك افزعك.

– لن انزل مرة اخرى.
هتفت بضيق ثم اضافت بغيظ:
– أمي كفّي عن الضحك وكأنك تشمتين بي.

– لا زلت لم ارى رد فعل والدك.. اعتقد انه سيعاقبك.
علّقت سيلا لتغيظها اكثر فتتبرم جهاد وتردف:
– لن انزل الى الاسفل ولا اريد رؤية سند.. اخبريهم برأيي.

– الرجل ينتظرك ان تستيقظي منذ ساعتين والان تقولين انك لا تريدين رؤيته.. اردت ان اوقظك ولكنه رفض.
هتفت سيلا بجدية لتسألها جهاد بتوتر:
– بماذا كنتم تتحدثون كل هذا الوقت؟

– قررنا موعد عقد القرآن متى سيكون.. ونحن سنذهب غدًا الى منزل حماك لنتحدث بتفاصيل هذا الموضوع.
غمغمت سيلا بهدوء لتهز جهاد رأسها بشرود فتستطرد سيلا:
– سند استأذن والدك لتخرجي معه الليلة.. فغيّري ثيابك وانزلي.

اومأت موافقة لوالدتها لتخرج سيلا من الغرفة، تاركة ابنتها تولج نفسها الى معركة حادّة بين قلبها وعقلها.. فسند حقّق مبتغاه.. كل كلمة بثقها في وجهها بلحظات غضبه نفذها.. الزواج سيتم وكأن قراره لا مفر منه..
هل حضر الى منزلها ليرّسخ فكرة حقه بها في ثنايا عقلها؟ هل صار الان زواجهما تحدي منه؟

الجمت قوة جنود دموعها التي تود التحرّر والمحاربة وهي تتنفس بقوة.. لا تود ان تبدو ضعيفة اكثر مما بدت عليه في لحظة صدمتها امامه.. جرحها لا زال غائرًا من كلماته القاسية التي توغلت الى اذنيها سامّة هائجة لا تعرف معنى الرحمة ابدًا..

بدّلت ثيابها بفستان اسود طويل ذو حزام ذهبي وهبها اناقة وجمالًا يمتاز وجهها بهما.. ثم وضعت على شفتيها احمر الشفاه قبل ان تلّف حجابها حول رأسها..
نزلت الى الاسفل مرة اخرى لتزدرم غصّة اهلكت عظامها المقهورة في هذه اللحظة حد الاختناق والعويل وهي تبصر بهدوءه وبروده وكأن لم يحدث اي شيء بينهما.. وكأنه لم يهشم قلبها بكلماته ابدًا..

– انا جاهزة.
همست جهاد بهدوء ليغمغم ليث:
– اذهبي مع خطيبك.. سيخبرك بماذا اتفقنا.

– حاضر.
ردت لينتصب سند واقفًا وهو يقول:
– سنغادر الان عمي ليث.. لن نتأخر ان شاء الله.

لم تبجس منها اي ردة فعل وهي تخرج برفقته من المنزل.. فتح لها باب سيارته لتقعد بجمود..
يعرف جيدًا بماذا تفكر ولذلك التزم الصمت وهو يتوجه ناحية مقعده..
كان يلقي عليها نظراته بين الحين والحين خلال قيادته بينما هي نظراتها منصوبة على الطريق فقط..

ركن سيارته بجانب المنزل الذي سيصبح منزلهما قريبًا لتتنهد بصوت عالٍ فيغمض عينيه لوهلة قبل ان يهمس:
– اخرجي جهاد.

انصاعت لكلماته لترتعش رغمًا عنها حالما امسك يدها وغلغل اصابعه بين حنايا اصابعها.. همّت ان تُحرّر يدها من قيده فيضغط عليها بخفة، غير مكترثًا بمقاومتها له..
ادخلها الى المنزل بعد ان فتح الباب لتغمغم بتهكم:
– هل سنتشاجر هنا؟

– ششش.
همس وهو يقعدها على احدى الارائك لتزم شفتيها بعصبية وتهتف:
– لا تخبرني ان اصمت.. انا مقهورة جدًا منك.

– اعرف.
اجاب وهو يجلس بجانبها ثم استرسل:
– ولذلك اردت رؤيتك.. لأعتذر جهاد.

– لقد جرحتني بعدم ثقتك بي.
قالت جهاد وحدقتاها تومض بدموع قهرها منه ليبرّر سند وهو يزيل دمعة انزلقت على خدّها الناعم:
– كنت غاضبًا.. لم اتحكم بنفسي.. لو انّي لا اثق بك لما كنت سأنتظرك الى الان لأتزوجك.. انا اعرفك جيدًا جهاد واثق بك اكثر من نفسي ولكن لا يحق لك ان تعاتبيني في لحظات غضبي وغيرتي عليك.. لا يحق لكِ ابدًا.

ابتلعت ريقها وهي تتوسم بانفعالات كلامه على وجهه وفي عينيه خاصةً ثم اردفت:
– كلماتك لا تزال ترّن في اذني.. ولله لو انك ضربتني لما كنت سأحزن بهذه الطريقة.. شكك بي يقضي على اجمل لحظاتنا معًا.. لا تقسو يا سند.. ولله لا اتحمل.. اعتدت الدلال والحب منك فلا تتغير ارجوك.

– كنت غاضبًا ولله.. لم اعي ماذا اقول من شدة غضبي.. لو انّي اشك بكِ ولا اهتم بحزنك لما كنتُ سأترك قدر لوحدها ترى العريس الذي تقدم للزواج بها واهرع اليك لأراضيك.
غمغم بنعومة ليخفف من حدة عتابها عليه فزفرت بتعب قبل ان تسأله:
– هل تركت اختك لأجلي يا سند؟ هي اهم في هذه اللحظة.

– وانت مهمة جدًا لي.. لو عرفتُ انك نمتِ حزينة ومجروحة مني لكنتُ اتيت الى المشفى لأدعك تسامحيني وتريحين فؤادك ولكنني كنت مشغولًا بغضبي وغيرتي عليك من الحقير حمزة.. وخشيت ان اجرحك اكثر فلا تغفرين بعد ذلك.
هتف وهو يضع يده على يدها فتبتسم:
– عصبيتك تقهر وحنانك يقتل.. كيف سأعيش معك؟ اخبرني.

ضحك سند وهو يجذبها الى صدره ليوغلها في عناق تتمناه دومًا منه والان يغدقها به بكل سخاء وحب.. هل ستُعتبر حساسّة اكثر مما يجب اذا اجهشت بالبكاء وهي بين ذراعيه واخرجت كل شحناتها السلبية بسبب كل ما حدث هذه الفترة.. ولتُعتبر كذلك اذًا.. الاهم ان تتحرر من قوقعة الحزن عن طريق دفئ الحبيب الذي تتمناه ان يبقى هكذا دائمًا..

ابتسم سند بحب وهي تتشبث بسترته وتبكي باهتياج كما لم يراها تفعل يومًا.. ثم همس لها وهو يطبطب على ظهرها بنعومة:
– اعتذر للمرة الف يا قلبي ولكن اهدأي فقط.

ابتعدت بخفة عنه لتبصر بابتسامته الحانية فترفع يديها لتمسح دموعها فيسبقها وهو يزيلهم برقة عزف لها قلبها الحانًا مغرمة فتهمس بعد ان هدأت:
– اذهب الى قدر.. اريد ان ارى العريس انا ايضًا.

هزّ رأسه وهو يغمز لها بينما يقول بمشاكسة:
– من عيوني سيدة جهاد.. سترين وتحكمين.

*******************
كانت تبدو واثقة كما لم يراها يومًا وهي تقعد بجانب جده أوس والابتسامة الرقيقة مستملكة ثغرها بشكل مغيظ بعد ان دارت بينهم وهي تمد صينية فناجين القهوة لكل واحد منهم وتركت الفنجان الاخير للعريس الذي ظهر من العدم..

رفع ريس فنجان القهوة التي اعدّتها قدر ليرتشف منه قبل ان يبتسم باستهزاء على مذاقه.. اللذيذ!
كاد ان يختنق بقوته وهو يسمع ام العريس تهتف:
– ما شاء الله قمر يا سيلين.. رقة واناقة وثقة.

ابتسمت قدر بأدب وهي تلمح النظرات الساخرة المستهترة بها.. لا زالت لم تنسى ما فعله معها ولن تنسى ابدًا.. ستصنع من جروحه جبلًا يرفعها الى القمة.. وستفعل مؤكدًا وترمي صداقته الكاذبة القاتلة في وجهه ليعذّب غيرها كما يشاء..

تطلعت الى سند الذي يجلس بجانب خطيبته فهز رأسه لها بابتسامة دافئة لتبادله اياها بحب شديد قبل ان ترد على ام رسلان:
– مشكورة خالتي حبيبتي.

“حبيبتها!!”
تمتم ريس باستهزاء لتسمعه سيلين وتبتسم قبل ان تغمغم بغرور:
– ابنتي هذه يا ام رسلان.. بالتأكيد ستكون جميلة.

– ورقيقة مثلك جدًا!
همس ادهم لسيلين بسخرية لتحدجه بنظرة اخرسته قبل ان تسأل رسلان:
– وانت يا عريس ما رأيك بأبنتي؟

– سمعت عنها الكثير.. لا داعي لكي اقول رأيي.
اجاب بابتسامة ليهتف سند بتكشيرة:
– وماذا سمعتَ عن اختي؟ احب ان اسمع.

– وانا ايضًا.. يهمني جدًا.
هتف ريس ببرود ليرشقه سند بنظرة غاضبة فيتجاهلها بابتسامة مستفزة.. زفر سند بعنف فلم يتوقع اصلًا حضور هذا الكريه ولكن خاله أوس احضره معه وكأنه ذو مكانة هامة!

– الانسة قدر معروفة بحسن اخلاقها.. والاهم من ذلك انسانة مثقفة وسمعت انها قريبًا ستنشر اول كتابًا لها.
غمغم رسلان ليتشدق ريس:
– ستصدر كُتبًا عن الحب من طرف واحد.

– ما رأيك ان تخرس؟
هتف سند بعصبية ليزجره ادهم:
– سند اهدأ.

– اخبره عن ماذا تكتب.. هل قلت شيئًا خاطئًا؟
تساءل وهو يرفرف برموشه وكأنه ملاك لا شيطان يغزو القلب دون رحمها ويمتص خفقاته ثم يهجره ميتًا..
ابتسمت قدر لريس وهي تجيب:
– لا بالتأكيد.
ثم نظرت الى رسلان واسترسلت:
– انا احب اكتب عن المشاعر والاحاسيس، وأجد نفسي مبدعة في هذا المجال لذلك اكتب عنه.

ابتسم لها رسلان باعجاب ثم هتف:
– هل بامكاننا ان نتحدث على انفراد؟

– بالتأكيد.
اجابت قدر قبل ان تتطلع الى والدها الذي اومأ موافقًا.. فتوقف وهي ترمق ريس بنظرات جعلته يتمنى قتلها في هذه اللحظة..
“منذ متى هذه القوة والثقة؟”
فكّر بغيظ وحدقتاه تترصد طريقة سيرها وطريقة سير الابله الاخر الذي خلفها..

– تعال معي ريس.
هتف سند ليرد ريس بغلاظة:
– لن اتحرك من مكاني قبل ان اعطي رأيي.. قدر صديقتي منذ صغرها.

ضحك أوس باصطناع وهز يكزّ على اسنانه بسبب وقاحة هذا الرجل الذي ندم على موافقته له ليرافقه ثم قال وهو يوجه حديثه لوالد رسلان:
– ريس يهتم كثيرًا بمستقبل قدر.. ولذلك يخاف عليها.

– جدًا جدًا.. مصلحتها تهمني ولن ارضى لها بالزواج من اي كان.
دمدم ريس ليهتف سند بحنق شديد:
– ارى ذلك وبوضوح ايضًا.

******************
استغرب تصرفاتها التي لم يعتادها منها وخاصةً معه.. تبتسم برسمية وتتحدث بمرح بشكلٍ مبالغ به.. هذه ليست هي.. ليست تلك الفتاة التي يهوى تفاصيلها وخواصها اجمعها.. تلتف حول عينيها غمامة شفافة من الشرود الذي يجهل سببه..

مدّ يده ليضعها على كتفها فتبتعد تقائيًا الى الوراء وتغمغم بنبرة جادة:
– هيرمان لا تلمسني بعد الان.. لا تفعل.

– الا زلتِ غاضبة بسبب ماتيلدا؟
سألها وعيناه تجترع من اغوار تعابيرها بنهم عسى ان يعلم ما تفكر به هذه الانثى التي اوقعته في جبّ عشقها.. انثى تختلف عنه وتتمّمه بعدة امور واهمها روحها التي تهب لسحرها رونقًا لا يبرح ولا يرحم..

– لست غاضبة.. فقط لا اريدك ان تلمسني.
اجابت بهدوء وهي تتذكر كلمات والدتها التي تعلّقت حروفها في اسوار عقلها.. ثم تنهدت وهي تضيف:
– سأتحجب هيرمان.

– تتحجبين؟!
هتف بعد فهم لتبتسم بصدق وتقول:
– اجل سأتحجب.. يعني سأصبح مثل أمي أغطي شعري.

لم تفهم نظراته الجامدة التي تتفرّس النظر بها وكأنها اخطأت القول.. توجست خفقات قلبها واستشرى التوتر في دماءها بينما يرمقها بهذه النظرات التي لم تفهم منها اي شيء..
كادت ان تستانف بكلماتها قبل ان تسمعه يتساءل:
– الن أرى شعرك مجددًا؟

– لا، لن تراه الا اذا اصبحتَ…
سكتت غير قادرة على الاسترسال في حروفها التي توجعها بقدرٍ لا يقدر الوجدان على تحمله اطلاقًا وهو مأسورًا في محراب الغرام..
اطلق نفسًا حارًّا ثم اضافت:
– الا اذا اصبحتَ زوجي.

– سوف اسألك سؤالًا.. هل ستكونين صريحة بالجواب عليه؟
غمغم لتضج فوضة عارمة في فؤادها.. تعرف ماذا سيسألها ولا تريد.. لا تريد ان تشرخ قلبه وتشرخ علاقتهما التي تعدّت الصداقة ووصلت ذروة الهيام اذ كان منه او منها..

لم ترد.. وماذا ستقول؟! اي كلمة ستسعف هدير اوجاعها..
توسعت عيناها وهو يدنو منها ويناظرها بتلك النظرات التي تربكها رغمًا عنها.. ثم تراجعت تلقائيًا الى الوراء ما ان كادت يداه تلمسها فيزفر هيرمان بغيظ شديد ويزمجر:
– لا تتصرفي هكذا معي.. اياكِ.

– لا تلمسني.
هتفت مها بحدة وهو يمسكها رغمًا عنها.. تململت لتحرّر ذراعيها منها فيثبتها اكثر ويهدر احتدام:
– ما الذي حدث لك؟ لماذا تبدين مختلفة اليوم؟

– اخبرتك فاحترم قراري.
اجابته بعنفوان ليزفر بعصبية ويدفعها عنه.. مرّر يده على وجهه عدة مرات قبل ان يقول:
– لن المسك.. ولكن ما الذي حدث معك؟

– لا شيء.. لا شيء.
همست وهي تستدير لتغادر فيدركها وهو يقف قبالتها، متسائلًا:
– هل تشعرين بالمشاعر التي اكنها لك؟

زفرت مها قبل ان تبتسم لعينيه الرماديتين وتغمغم:
– اعرف جيدًا ما هي مكانتي في قلبك هيرمان.. نحن صديقان وانتَ تعرف كم احبك.

حاولت ان لا تتأثر بتعابير وجهه التي انقلبت حالها.. كان غاضبًا والان حزينًا ليمزق نياط فؤادها بؤسًا على حالهما..
استأنفت وكأنها لا تبصر بأثر كلماتها على وجهه وعلى قلبها الذي يُحرق ببطء لاسع:
– هيرمان اريدك ان تحترم قراري ارجوك.. اقصد اللمس و…

– اعدك انني لن المسك.
قاطعها ببرود غير مدركة ان كذبها وكلماتها المتألمة لم تمر من تحت حدقتيه مرّ الكرام.. لا تحبه؟ وهل تجيد الكذب عليه وهو يعرفها اكثر من نفسها.. لتتوهم اذًا تلك الشقية كما تشاء وليترك الوقت كفيلًا ليدعها تعترف بنفسها..

******************
قهقهت سيلا بصوتٍ عالٍ حالما جذبها ليث من معصمها لتقعد في حضنه ثم قبّلته بخفة على خدّه وهتفت:
– ماذا تريد سيد ليث؟

– تعرفين ماذا اريد.
اجابها وعيناه تتفرسها بنظرات عابثة وقحة فمطت شفتيها بدلع وغمغمت:
– لا شيء دون مقابل حبيبي.

رفع ليث حاجبه بغلاظة ويداه تقرّبانها منه اكثر فتلهث انفاسها التي تؤجج ناره وكأنها تهدف الى اغراء هذا الجنون المطموس بصعوبة حاليًا في داخله..
مرّر يداه بخشونة تعشقها على ظهرها قبل ان تسمعه يهمس بصوت اجش:
– وماذا تريدين اكثر من استيلاءك على كل ممتلكاتي؟

ضحكت سيلا وهي تطوّق عنقه بدلال فيتنشق عبيرها كالعاشق المخنوق ثم يبعزق قبلاته على بشرة عنقها لتتمنع بدلع قبل ان تصمت نهائيًا واللعوب ليث يقبل ثغرها بضراوة لم تستغربها من زوجها الخشن..

عتق شفتيها من جنونه بعد دقائق قليلة لتغمغم بلهاث:
– ستفقدني عقلي في يوم من الايام.

– الم تفقديه بعد؟
سألها بشقاوة لتبتسم وترد:
– كدت ان افقده عدة مرات.. ولكن سيف يعيده دومًا الى مكانه.

– ابنك الحقير هذا سأقتله.
هتف ليث قبل ان يقضم خدّها بقوة فتصرخ سيلا بحنق وهي تضربه:
– الن تكف عن هذه التصرفات؟ اتركني سأنهض.

– لا اريد.. لا احد في المنزل وانا سأستغل هذه الفرصة كما اشاء.
هتف ليث بعناد لتزفر سيلا بسخط وتقول:
– سيف سيعود بعد قليل وسأدعه يغيظك.

– هل نسيتِ العصاة؟
دمدم بمكر لتتشدق سيلا:
– اي واحدة منهم؟ لا اذكر.

ضحك ليث وهو يجيبها:
– التي سأضرب بها ابنك اذا تجرأ وتدخل بيني وبينك.

– لن اسمح لك.
زمجرت بحدة ليضحك اكثر ويهمس بعبث:
– سأضربه بها وانتِ نائمة.

– سأطردك من المنزل.
جهرت سيلا وهي تحاول تحرير نفسها ليلقيها بخشونة على الاريكة وينحني فوقها:
– لسانك طال سيدة سيلا واحتاج ان ابتره الان وفي التو.

لم تستطع سيلا التحكم بضحكاتها فغمزت له بعينها ليزم شفتيه بينما يسمعها تردف:
– يحق لك ان تهددني يا ابا عمر.. يحق لك.

*******************
عقد ياسين حاجبيه باستغراب وهو يركن سيارته قبالة مكتبه بينما يسمع صراخ مزعج يبذر من المحامية نرمين التي لا يطيق مجرد رؤيتها..
ضحك باستمتاع وهو يراها تهم بضرب الرجل الذي يبدو ضحية بربريتها قبل ان ينزل من سيارته ويقترب منهما ليسمعها تصرخ في وجهه:
– اياكَ ان اراك بالقرب من اختي.. اياك.

– لا تتدخلي في حياتنا.
صرخ الرجل هو الاخر بينما يرفع يده ليمسك ذراعها فترفع قدمها لتضربه بها بين ساقيه قبل ان تهدر بعصبية:
– لا تدعني القيك في السجن.. فقط لأجل الاطفال انا صامتة الى الان.

تأوه الرجل بألم ليعقد ياسين يديه باستمتاع حول صدره بينما يبتسم بمرح شديد وهو يقف بجانبها دون ان تشعر بوجوده..
التفتت نرمين لتغادر قبل ان تسمع صوتَ رجلًا تتمناه ان يكون فريستها في هذه اللحظة لتُخرج كل غضبها عليه..

– مرحبا ايتها الشرسة.
هتف ياسين بعبث لتزفر نرمين قبل ان تلقي نظرة على زوج اختها مؤقتًا لانها ستسعى الى رفده من حياتها ثم تتطلع الى ياسين المبتسم باستفزاز وتهتف بصوت عالٍ غاضبٍ:
– كان ينقصني بهذه اللحظة فقط احمق مثلك.

– من هذا نرمين؟
سألها توفيق بشك لتحدجه بنظرة استحقار وترد:
– اخر من قد افكر بالجواب على سؤاله هو انت.

– اذًا ستردين على سؤالي انا انسة نرمين.. اليس كذلك؟
غمغم ياسين بنبرة ذات مغزى فهمت قصده منها بذكاء لتبتسم باستهزاء وتقول:
– انت ضمن قائمة الذين اكرههم فلذلك لن اهتم حتى لسماع صوتك الذي يثير اشمئزازي.

تأوه ياسين باصطناع وكأنه تلقى ضربة قاسية منها بكلامها هذا ثم غمغم:
– لماذا تجرحين قلوب الرجال؟ هل تعرفين كم احبك؟!

– حسابك سيكون مع شقيقك ايتها المحترمة.
هتف توفيق بوعيد لتبتسم بسخرية قبل ان ترد ببرود:
– مع السلامة.. تهديدك لا يؤثر بي ابدًا.

ما هذه القوة التي تبجسها حدقتاها؟ كأنها تمثالٌ تكوّن من قسوة وغرور.. ثقتها بنفسها، كرهها للرجال وعدم خوفها من اي شخص يثيرون استغرابه..
لم ينبس بحرف وهو يرى توفيق يغادر.. توقفت امامه ليبتسم بمشاكسة على النيازك التي تسرّحها مقلتيها ويقول:
– لا تصرّخي.. اذني تؤلمني.

– لا اريد ان ألمحك بالقرب مني بعد الان سيد ياسين.. الافضل لك ان تبقى بعيدًا عني كي لا اؤذيك حقًا.
همست بتهديد وهي ترفع اصبعها في وجهه كتحذير مستفز لعينيه التي اخذت تتدلهم بضيق رويدًا رويدًا..
وخزته يده بشدة لتصفعها ولكنه لم يفعل.. اكتفى بتنزيل اصبعها وهو يضغط عليه بعنف اوجعها الا انها اكتفت برمقه بنظراتها الحادة..

– انا لا أُهدد.
قال ياسين بهدوء نسبي قبل ان يرفع يده ويضعها على خدّها فتطالعه ببرود بينما يتابع:
– لا تدعيني اتحداكِ واضعك في رأسي.. أُفضّل ان ابقى في عينيك كما انا.. مستهتر، عابث ولعوب.

– ابعد يدك.
غمغمت نرمين بجمود فيمرّرها على خدها بلمسات عابثة قبل ان يقهقه وهو يتراجع الى الوراء فور ان رفعت قدمها لتضربه كما فعلت مع المسكين زوج شقيقتها..

– اذا ضربكِ شقيقكِ اتصلي بي لأشكره.
دمدم ياسين باستفزاز لتبتسم بسخرية:
– انتَ لا تعرف ماذا بامكاني ان افعل.. انا لا اخاف احدًا غير الله.. ابقى بعيدًا عني يا ياسين ولا تُقحم نفسك في حياتي لأنك ستتعب من كل النواحي.. اسأل عني جيدًا وستعرف من انا.

– اخبريني انتِ.. لا احب ان اسمع من هنا وهناك.
غمغم ياسين بهدوء لترد نرمين بغرور:
– انا لا اعرّف عن نفسي.. الناس تبحث عني دومًا.

*******************
احاط آسر ظهر زوجته وهو يضحك على قول حور التي منذ ان عرفت بحمل رين وهي تفعل المستحيل لتغيظها..
ضمها اليه اكثر لتبكي امامهم جميعًا بحساسية شديدة فتضحك لين وتغمغم:
– خففي حساسية يا رين.. حور لا تقصد ما قالته.

– بل اقصد خالتي.. اللواتي في عمرها لديهن احفاد وهي حامل!
هتفت حور بغلاظة ليزجرها أوس:
– اتركيها يا حور.. كلما تراكِ صارت تبكي.

– ابي رين تتدلع اكثر مما يجب.. تراهق من جديد هذه المرأة.
دمدمت حور باستفزاز ليهتف غيث، مؤيدًا كلام حور:
– انا اوافقها.. ماذا سيناديني الطفل حينما يكبر؟ جدي!!

– خالي اذا غضبت منك امي لن ترضى بسهولة وانت تعرف.
قالت صابرينا لغيث ليبتسم لها ويهتف بشقاوة:
– تعالي واجلسي بجانبي يا حبيبة خالك.. اخبرتني قمر انك تخفين موهبتك عنا خوفًا من والدك وخالك.

– اي موهبة؟
سأله آسر بجدية وهو يبتعد عن رين التي هدأت قليلًا وركزت بالحوار الذي يدور عن موهبة ابنتها صابرينا التي تعرفها جيدًا.. فأجابته هي بدلًا عن غيث:
– ابنتك ترقص غربي، وتريد ان تصبح راقصة مشهورة ايضًا.

– امي!!
تمتمت صابرينا بضيق ليهتف ليث الذي كان صامتًا الى ان سمع كلمات اخته:
– من التي ستصبح راقصة مشهورة لأكسر لها قدميها؟ اخبريني مرة اخرى يا رين.

استقامت صابرينا واقفة قبل ان تصعد الى غرفتها والغيظ يتفشى في اوبئتها بسبب كلامهم.. وبينما هي في طريقها سمعت باب المنزل يُطرق ففتحت الباب لتجده ريس ابن خالها..
فسحت المجال له ليدخل فسألها:
– ما خطبك؟

– اسأل والدك.
ردّت بحنق قبل ان تصعد الى الاعلى تحت نظراته المتعجبة..
ولج الى الداخل ليلقي تحية السلام فيردون السلام عليه.. وما ان همّ ان يجلس بجانب جدته لين منعه صوت جده أوس الجاد:
– انتظر لحظة ريس.. اريد الحديث معك انا ووالدك في الخارج.

عقدت ناي حاجبها بقلق ثم سألت:
– ماذا حدث أبي؟

– لا شيء حبيبتي.. فقط سأخبر زوجك شيئًا.
اجابها أوس قبل ان ينهض ويسير الى الخارج يتبعه غيث وريس..
كان يعرف جيدًا بماذا سيتكلم معه جده وامام والده ايضًا فزفر بغيظ وهو يتمنى ان تكون قدر امامه في هذه اللحظة ليبجس كل سخطه عليه هي.. ومن غيرها تتحمل جنونه؟!!

توقفوا في ساحة المنزل ليتساءل والده بحيرة:
– ماذا حدث عمي؟

– ابنك يا غيث لسانه طويل ويتدخل بأمور لا تعنيه البتة.
هتف أوس بجدية ليقول ريس بانفعال:
– موضوع زواج قدر يعنيني جدي.. انا لم اخطأ.

– اصمت وتحدث بهدوء.
زجره غيث بعصبية ليهتف أوس بغضب:
– لا، لا يعنيك.. لا تتدخل بها بعد الان.

– ماذا فعل لها؟
سأل غيث أوس ليجيب الاخر بضيق:
– طلب مني ان يرافقني لمنزل شقيقتي ليرى العريس الجديد.. وانا لا ادري كيف غفلت عن تصرفات ابنك التي يفعلها عادةً مع ابنة سيلين وسمحت له بمرافقتي.

زم ريس شفتيه بحنق والغيظ يكاد يفتك بأعصابه.. اذ كان بسبب كلام جده ام بسبب افعال قدر التي تجيد باحترافية كيف تدع الجميع يقفون بجانبها ضده ودون ان تقول ايضًا..
عضّ شفته السفلى بعصبية حينما استأنف جده:
– كاد ان يتشاجر معه سند عدة مرات بسبب اقواله وافعاله.

– سأتصرف معه.. لا تقلق.
هتف غيث وهو يحدج ابنه بنظرات متوعدة اغاظت ريس بشدة وجعلته يتأفف بضيق فألقى عليه أوس نظرة اخيرة قبل ان يدلف الى الداخل..

يدري أوس ان ما فعله اغضب حفيده ولكنه يستحق.. يحمد الله ان الزيارة مرّت على خير وانتهت بالرد على العريس بعد ثلاثة ايام..
في الواقع يريد من قدر الزواج برسلان الذي اعجبه فعلًا من كل النواحي.. قدر تستحق انسان يعشقها ويحترمها ويقدّرها وهو ميقن ان رسلان سيفعل..

*******************
وثب عن مقعده بقلق عندما رآها من النافذة تبكي وهي تحاول الدخول اليه.. سار الى الخارج لينتبه الى يدها المجروحة والدموع التي تسيل مدرار على خديها الاحمرين بينما شعر الاحمر مشعث بجنون..
غمغم عمر بأسمها لتتطلع اليه بعينين خضراوين لامعتين وتهتف:
– لقد سرقوا حقيبتي!

– من؟
سألها وهو يتأمل حالتها المزرية فتقضم شفتها السفلى وترد بينما تشهق كطفلة صغيرة:
– رجلان.. اخذاها مني ودفعاني على الارض.
ثم اضافت ببكاء وهي تضرب قدمها بالارض:
– حقيبتي بها كل شيء يخصني.. ارجوك اعدها اليّ.

– حسنًا تعالي واجلسي في الداخل.
هتف عمر لتهدر لونا ببكاء اشد:
– لا اريد.. اعد حقيبتي الان اليّ.. اليس هذا عملك؟

لم يأبه باعتراضاتها وهو يدخلها الى جوف المخفر رغمًا عنها.. لا يعرف حقًا من اين ظهرت هذه الصحفية المجنونة في حياته! تمعنت حدقتاه النظر بها بعد ان اجلسها على احد المقاعد وابتسم بسخرية على الكلمات الغاضبة الساخطة التي تختلط بشهقاتها..

– ماذا يوجد بحقيبتك؟
سألها بهدوء لتزمجر بعصبية:
– لا يخصك.. فقط اريد حقيبتي.

– اهدأي واعرفي كيف تتحدثين.
هتف بتهديد لتتبرطم وهي تمسح دموعها بأناملها فينتبه الى الخدوش التي في راحة يدها..
زفر عمر بضيق قبل ان يمسك يدها ويسألها بهدوء فنوبة بكاءها هذه اضجرته اكثر مما يتحمل:
– متى سرقوا لك حقيبتك؟ واين؟ واخبريني ماذا يوجد بحقيبتك.

– هل ستجدها لي؟
سألته وهي تتأمل يده التي بين يدها فيهز رأسه موافقًا قبل ان يترك يدها وينهض ليحضر حقيبة الاسعافات الاولية ليعالج جروحها..
ابتسمت لونا بشقاوة حينما استهلّ عمر في تعقيم جروحها ثم همست:
– تصرفاتك غريبة.. طيب القلب على الرغم من كونك لا تُطاق.

ضغط على يدها بقوة لتضحك بدلًا ان تتأوه وتغمغم:
– سأكتب عنك في الصحيفة اذا وجدتَ لي حقيبتي وعاقبتَ السارقين.

– وماذا ستكتبين عني انسة لونا؟
هتف بعد ان انتهى من مداواة جروحها لتقول بمزاح:
– سيكون العنوان “الضابط الاشقر الذي وجد حقيبة الصحفية المشهورة لونا” اما المضمون فسيكون سرًّا.

تنهد عمر بغيظ وهو يجثم على مقعده بكسل.. ثم غمغم بنفاذ صبر:
– دعي لي رقم هاتفك للتواصل معك وغادري.

– سأبقى معك الى ان تجد حقيبتي.. اخاف ان تسرق ما بها.. واساسًا هاتفي في حقيبتي.
هتفت وهي تعقد ذراعيها بعناد ليرفع حاجبيه ويتشدق بتهكم:
– اسرق حقيبتك!
ثم تأفف باستهزاء:
– هذا ما ينقص! ان اسرق حقيبة اغبى صحفية رأيتها.

زمت لونا شفتيها بضيق قبل ان تسمعه يهتف:
– سنعرف اين حقيبتك عن طريق تعقب هاتفك.. وريثما نجده لا اريد ان ارى وجهك ولا شعرك ذو اللون الغريب.

– اجمل من شعرك الاشقر.
ردت لونا بحنق وهي تمرّر اصابعها بين خصلات شعرها لتعلق اصابعها بين الخصلات المعقدة ببعضها فيضحك عمر بتهكم ويدمدم:
– لا معروف اذ كان شعرك احمرًا ام زهريًا وفوق ذلك متشابكًا ببعضه!

*******************
ادرك ليث سبب اتصال عمه جواد به بعد دعوته لمنزله برفقة جهاد وخطيبها سند.. ايقن ان الموضوع به حمزة والا ما كان سيدعو ثلاثتهم فقط..
لم يغفل عن تجهم سند ولا توتر جهاد.. موعد قرآنهما سيكون بعد شهر.. تحدث معه ادهم واتفقا..

ركن سند سيارته بجانب منزل جواد لتزفر جهاد بتعب.. فعلى ما يبدو ان حمزة لن يعتق روحها الا قبل ان يدمرها.. ثلاثتهم يعرفون سبب مجيئهم الى منزل عم والدها.. مؤكدًا ليقنع والدها بالسماح لها لتعمل في منزل حمزة..

لا تود ان تتشاجر مرة اخرى مع سند بسبب حمزة.. لن تتحمل عصبية وغيرة سند العنيفة مرة اخرى.. تخشى ان تضمحل سعادة علاقتهما بسبب اصرار سند لتكون ممرضة والدته وفي منزله..

ابتسمت للعم جواد الذي رحّب بهم وافسح لهم المجال ليدخلوا.. تمنت من لبّ اغوار فؤادها ان لا يكون حمزة هنا.. وتحققت امنيتها فذلك البغيض ليس موجودًا..

قعدت بجانب سند الذي امسك يدها واجلسها بجانبه بينما يهتف والدها:
– ربما اعرف سبب دعوتك عمي.. ولكن اتمنى ان يكون سببًا اخرًا.

تنهد جواد قبل ان يغمغم وهو يوزع نظراته بينهم:
– اعتقادك في مكانه يا ليث.. بسبب حمزة ووالدته.

تلقائيًا بانت العصبية على ملامح سند لتدوي خفقات قلب جهاد بصخب وتهمس له ببعض الكلمات وهي تضع يدها على يده كتوسل منها ليهدأ، فجاهد لأجلها ان يخمد من ثوران عصبيته ولو قليلًا فقط والا يتصرف بتهور امامهم جميعًا..

– عمي جوابي معروف.. جهاد لن تعمل في منزله.
قال ليث بصوت جاد حازم لتغمغم ريما:
– فكّر جيدًا ليث.. اختي مريضة وجهاد تعرف سوء حالتها.

– ليث وافق على طلب حمزة.. والدته لورين بالفعل تحتاج الى ممرضة.. ولن ترضى اي ممرضة بالعمل عنده بسبب صيته المعروف.
هتف جواد لابن شقيقه ليث فيرد سند بعنفوان:
– لن اسمح لها بالعمل عند ذلك الحقير.. مستحيل!

زفر سند انفاسًا مضطرمة بنار غضبه وسخطه قبل ان يهدر وهو يرشق جهاد بنظراته الحادة:
– لن تعملي في منزله.. ابدًا.

– سند سأكون انا في منزله ايضًا.. رجاءًا وافق واذا فعل حمزة اي شيء خاطئ انا بنفسي سأخبركم.
اردفت ريما وهي تتطلع اليه برجاء فتزدرد جهاد ريقها بتخفر.. لماذا لا يسألونها هي ايضًا عن رأيها؟ على الرغم من كونها تدرك جيدًا انها لا تملك جوابًا ولكن يجب ان يأخذوا رأيها هي ايضًا..

انبسطت عيناها بذعر ولعنت نفسها على عتابها الصامت لهم حينما سألها جواد عن رأيها.. ماذا سترد؟ اي كلمة ستقولها قد يتشاجر معها سند بسببها..
تشابكت اناملها ببعضهم بتوتر ثم رفرفت برموشها بارتباك وهمست:
– القرار لأبي.. ما يريد هو سأفعل.

– دعني افكر جواد.. سند يحق له ايضًا ان يقرر.. واذا حدث ووافقت.. سيكون بشرط ان تبقى خالتي ريما مع ابنتي طيلة ساعات عملها وان يكون حمزة خارج المنزل.
قال ليق بتنهيدة وهو ينظر الى سند الذي تحكي تعابير وجهه وحركاته عن صعوبة كتمه لما يعتريه في هذه اللحظة..

******************
منذ مجيئها الى الجامعة وهو يتجاهلها.. توقفت مع علي عدة مرات وتكلّما بالعديد من الامور وريس يمر من جانبها وكأنه لا يعرفها.. وكأنها لا تمت له بصلة!
استغربت تصرفاته فلم يكن هذا ريس نفسه الذي لم يرحمها من تدخلاته طيلة الفترة الماضية حتى كادت ان تلفظ انفاسها الاخيرة تعبًا وكدرًا منه..

ما يوجعها حقًا هو اهتمامه بزميلاته في صفه وعبثه معهن.. لمحته عدة مرات بقلب يئن انفطارًا كيف يبتسم لهن ويتكلم معهن بود عكسها هي.. عكس النفور والعصبية التي تتلقاها منه.. اي لعنة هذه تفعل الويلات بها وتجعلها تتمنى الاندثار بعيدًا عنه؟

سارت على غير هدى في ساحة الجامعة خلال استراحة الطلاب.. شاردة بأفكارها.. بريس.. برسلان..
لا تعرف هل توافق عليه وتقضي على حب ريس في قلبها على الرغم من كونها تشك في التحرّر من اغلال عشقه ام ترفض وترأف بفؤاد قلبين من المعاناة؟

اخذتها الافكار وهي تسير لوحدها.. دون احد.. وتشكر الله انها لوحدها لتتمكن من التفكير كما تشاء.. تفكر وتسرح بالبعيد.. ولكنها رغمًا عنها عادت الى ارض الواقع وهي ترى اقسى مشهد قد تراه يومًا.. انقصف فؤادها بقذيفة ما تراه.. ما اقساه!!

مسننات خناجر حادّة انغرست في روحها وهي تراه بعينين دامعتين يعانق فتاة غيرها.. تتدلل عليه وهو يقبّل رأسها.. اي غيرة هذه التي هبّت في اوصالها لتشهق بصوت عالٍ؟ اي غيره هذه جعلت الدموع تهرع الى مقلتيها مُهدّدة بالسقوط؟

تطلعت قدر اليهما بعدم مقدرة على التحمل قبل ان تستدير وتغادر، مبتعدة عن هذا المكان وعن اي مشهد قد ترّسخ في عقلها الى الأبد.. سارت بسرعة وكأنها تهرب من حيوان بري يلاحقها.. وكان ريس حيوانًا قاسيًا بفعلته هذه..

تمنت ان لا تبكي حينما شعرت بيده تستولي على ذراعها بقوة وتجذبها الى ركنٍ جانبي.. لهاث انفاسه اضرم اجيج الغضب في قلبها لتدفعه بغضب وهي تتراجع عدة خطوات الى الوراء فيرمقها ريس بنظرات باردة كادت ان تزهق انفاسها وجعًا..

– لا تلمسني.
صاحت قدر بعصبية ليزلف ريس منها بخطورة ويهمس بينما يتأمل وجهها الأحمر بنظرات تمنت ان تضربه بسببها:
– لا داعٍ لكل هذا الغضب قدر.. لا تتصرفي وكأنني جرحت كرامتك او…
تلككت كلماته على شفتيه قبل ان يبتسم بوقاحة وسخرية ويتابع:
– او براءتك!

– انتَ لا تؤثر بي كي تجرح كرامتي.
زمجرت بقوة وهي لا تدري حقًا من اين اندفعت هذه القوة في اوصالها.. ربما بسبب الخنجر القاسٍ الذي انغرس في قلبها دون هوادة وهي تشاهد تصرفاته التي كلما تحتد قساوة طعناتها..

تفنّن ثغره برسم الابتسامة الصفيقة على شفتيه والتي اربكت خلاياها بجنون بينما يُخفض رأسه ليُرّسخ حدقتيه بمقلتيها المتوهجتين ويهمس بخبث:
– اذا لا تدعيني افكر بجرح كرامتك لان جرحي لكِ سيسلخ روحك ولن يبرأ ما دمتِ تتنفسين.

– انا لا اخافك ريس.. لا اخافك ابدًا.
ردت بصوت قوي وان كانت اوتاره تتمزق ثم اضافت باشمئزاز عمدت ان تظهره له:
– انت انسان مقرف.. مثير للاشمئزاز!

وسرعان ما كانت تصرخ بألم وهو يدفعها الى الجدار بخشونة ويقف قبالتها، هادرًا بهسيس:
– احترميني كي ارحمك.. لا تدعيني اقسو عليك لاني لا اطيقك.. ابغضك.

– ابتعد عني.
صاحت بخوف ويده تقبض على فكها.. تمنت ان يراهما احد من طلاب الجامعة.. تمنت من كل قلبها ان يأتي سند لينتقم لها منه على ما يفعله بقلبها.. انهمرت دموعها رغمًا عنها وهو يقرّب شفتيه من اذنها ويهمس:
– لا تنسي ان تخبري جدي او والدي بما رأيتيه.

ضربته على صدره وهي تحاول ابعاد شفتيه عن اذنها.. لا تود ان تضعف.. لا تود ان تخاف من تصرفاته.. تريد ريس الذي كان قبل هذه الفترة حينما كان فعلًا صديقها.. ربما كان صديقًا مخادعًا ظهرت حقيقته الان ولكن لا يهمها.. هي تريد وجهه المخادع لا وجهه القاسٍ..

– اكرهك ريس.
هتفت بيأس ليبتعد عنها ويغمغم بينما انامله تتحسس عنقها بغلاظة:
– اكرهيني لاني حتى الكره لا اكنه لك.. لا حب ولا كره.. لا شيء فقط!

– اتركني.
همست قدر بانهاك ليتركها ويرمقها بنظرة اخيرة باردة ويغادر بهدوء وكأنه لم يؤذيها ابدًا..
اغمضت عينيها بحرقة ثم ضمت جسدها بذراعيها لتبث الحياة به.. تبث الطمأنينة به.. وتداوي جروحه المستمرة بطبطبتها المثيرة للشفقة..

———————-
يتبع..

error: