رواية غزلًا يوقده الرجال
اسأل نفسي في كل لحظة:
متى ستعود فقد أرهقني الشوق؟
تغلغل عظامي وهرس قواي..
وكأنني يتيم من بعدك اذا سأل..
اسأل نفسي بصوت واهن يائس:
الن تحن عليّ وتسأل؟
فقد تخدرت حواسي ببعدك
وكأنني مسافر في وطن غريب
دون حبيب او قريب..
اسأل نفسي بعد كل دمعة:
لماذا السؤال فاللقاء مهجور
ولن يتم الا بعد ارتمائي
على فراش الموت أصارع
العشق والشوق وكأنني
فاقد الروح ببعدك..
فبالله عليك اخبرني:
متى ستشفق وتعود
للنوم على وسادة صدري؟———————
لا يصدق ما فعلته خالته اطلاقًا.. لتبعده كليًا عن جهاد تخبره بكل برود انها طلبت يد قمر الجايد له للزواج كي يستقر.. واذا لم توافق الفتاة ستجد له غيرها فقد آن الآوان ليتزوج..
لعن حمزة بصوتٍ عالٍ وهو ينظر الى خالته الجالسة بصمود أمامه.. ثم هتف بغضب:
– كيف تفعلين دون ان تخبريني مسبقًا؟ من قال لك انني اريد الزواج بهذه الصغيرة؟ اخبرتك مرارًا ان لا تتدخلي بحياتي فلماذا تستسمرين بالتدخل بي بحق الله؟
أجابت ريما بجدية:
– انا خالتك.. وبما ان والدتك مريضة ولا تستطيع ان ان تنتشلك من دوامة الجنون الغارق بها فسأفعل انا.
– لن أتزوج واخبري غيث الجايد انني لن اتزوج ابنته.
قال حمزة بإحتدام لتغمغم ريما بإستهزاء:
– بالتأكيد لا تريد فإنت ترغب بتدمير حياة هذان الزوجين فقط.. لا تأبه بشيء آخر.. سوى بإعجابك بإمرأة متزوجة تعرفها مسبقًا.. انا لست بغافلة عنك يا حمزة.
إبتسم حمزة بسخرية:
– وماذا تعرفين ايضًا يا خالتي؟ وكيف تعتقدين انني قد أسمح لك بالتدخل بحياتي الشخصية؟ حينما أريد الزواج من امرأة فأنا لن اتزوج من المرأة التي تختارينها انتِ بل من المرأة التي اريدها انا.
هتفت ريما بتحذير:
– حمزة انا أهددك بالابتعاد عن جهاد وخاصةً بهذه الفترة.. وبعد ان نعرف رد قمر وعائلتها سأقرر ما الذي سأفعله بشأن طيشك.
تجهم حمزة وهدر بصوت حاد:
– خالتي لا يحقك لك التدخل بشؤوني.. ماذا افعل او لا أفعل انا لوحدي من يقرر هذا الشيء.. لأنها حياتي انا فقط.. تخصني لوحدي.
– لا تجبرني لأتحدث مع والدك واخبره حول ماذا تحوم.. عيب لك وانت في هذا العمر.
قالت ريما بجدية فقهقه حمزة بغضب وذهول قبل ان يزمجر بعصبية:
– وهل تعتقدين انني سأخاف من رجلٍ لا اعتبره ابي؟ لا احد يهمني.. لا احد كليًا.. عدا أمي و…
قاطعته ريما بحدة:
– وعدا جهاد ووالدتها.. اليس كذلك؟
– صحيح.
اجاب حمزة ببرود فقالت ريما بتوجس:
– لا تقل انك تحبها؟! ايّاك والقول انك تحب امرأة متزوجة وعائلتها لا تطيقك.
– هذه ليست عائلتها وانا أعرف كل شيء عن عائلتها الحقيقية.. اعرف ما لا تعرفيه انتِ وما لن اخبرك به ايضًا ابدًا.
ابتسم حمزة بسخرية وتابع:
– وعائلتها التي لا تطيقني تكون نفس عائلة قمر.. الفتاة التي تصغرني بعشر سنوات على الاقل.. لذا يا خالتي ابتعدي عن طريقي فأنا لا افكر بألحاق الاذى بجهاد.
*****************
– الى اين انتِ ذاهبة في هذا الوقت الباكر يا أم ليث؟
أوقفها سؤال زوجها الخشن وهي تحاول التسلل من المنزل فإستدارت لين بعبوس لتنظر الى زوجها ريس وقالت بصيغة أمر:
– عد الى سريرك.. ألم اخبرك ان لا تنهض؟
إقترب ريس منها بغيظ وهو يتذكر صراخها الليلة الماضية بعد ان تعب قليلًا لتجبره على السير وفقًا لأوامرها.. والقوي يعاندها ويتحدى سيطرتها على الجميع!..
بخفة امسك ريس ذراعها وهو يسألها بمكر:
– الى اين انتِ ذاهبة دون ان تأخذي اذن ريسك؟
توترت لين قليلًا الا انها ابتسمت بغنج وهي تميل عليه، هامسة بصوت مغري:
– لا يجب ان تعرف حبيبي فهي مفاجأة من النوع الذي تحبه.
– حقًا؟
تمتم ريس بتسلية وهو يحيط بيديه خصرها الذي لا يزال رشيقًا بعض الشيء بسبب اهتمامها بمظهرها الخارجي وحفاظها على لياقتها البدنية لأجله:
– نعم يا روحي.. هيا اذهب واقرأ بجريدتك وبعد ذلك اصعد الى غرفتنا ريثما اعود.
همهم ريس بخبث قبل ان يقربها منه ويسألها بحذق:
– الى اين انت ذاهبة يا لين؟ على ما يبدو انك نسيت انني افهمك اكثر من نفسك.
تأففت لين ثم اجابت بشقاوة:
– سأذهب لأجمع بين حبيبين.. هل انتَ راضٍ الآن؟
عقد ريس حاجبيه ثم سألها بحنق:
– ومن هذان؟
– بعد ان اعود سأخبرك كل شيء ريسي.
غمغمت لين بدهاء قبل ان تقبّله وتفر هاربة من اسئلته ليتأفف ريس بسخط:
– لا بعز شبابها تتفرغ لي هذه المرأة ولا بشيخوختها حتى! سلبت مني قواي لتتحكم بي.
إبتسم ريس بوعيد وخبثٍ:
– بعد ان تعودي يا أم ليث سترين ماذا سأفعل بك واين سأسجنك لتحاولي الفرار مني مجددًا عبثًا.
*****************
نظرت قمر الى والدتها بتوتر فهزت ناي رأسها برفض حتى تتجاهل اتصال ريس.. فتركت قمر هاتفها ليسأل غيث بهدوء:
– ما الآمر؟
– ريس يتصل.
ردت قمر بتردد فتجهم غيث على الفور وهتف بقسوة:
– لا تردي عليه.. يجب ان يتعلم التفكير بغيره قبل اي فعل اناني يبذر منه.
تنهدت ناي بضيق وغمغمت بعاطفة أمومية:
– ولكنني اشتقت اليه يا غيث.. هذا ابنك.. لا تنسى ذلك.
قال غيث بإنفعال:
– لم انسى انه ابني ولكن هذه المرة انا مُصّر على رأيي يا ناي لذا لا تجادلي.. يكفي ان المسكينة قدر غادرت المدينة بسببه.. في هذه الفترة حتى أسمه لا اطيق ان اسمع.
تبرطمت ناي بحنق ليهتف غيث وهو ينظر الى قمر، متجاهلًا شوق زوجته لإبنهما:
– لقد رفضت طلب حمزة للزواج بك.. انتِ صغيرة وفرق العمر كبير بينكما.. كما وانّ صيته لا يعجبني.. عرف من عمك ليث عدة أمور لم تعجبني عنه.
همست قمر بخجل:
– ادري أبي.. انا ايضًا لا أفكر حاليًا بالزواج.. فأنا اريد انهاء دراستي اولًا.
قال غيث بحنو:
– وهذا ما يجب ان يحدث حبيبتي.. لا زلتِ في العشرين من عمرك.. لستِ كبيرة كي تتسرعين بالزواج بالإضافة الى ان العديد من الرجال سيطلبون يدك للزواج وحينما تكونين جاهزة ستتزوجين ولكن حاليًا انا أُفضّل اهتمامك بدراستك.. حسنًا يا قمر والدك؟
اومأت قمر بخجل قبل ان تسارع للإرتماء على صدره فإغتاظت ناي بشدة من الإختلاف الشاسع بطريقة تعامل غيث لريس في حين يغدق قمر بحنانه وعاطفته..
*****************
حاول سند ان يتفهم غضب ليث للمرة المليون ربما حينما آتى الى المستشفى ليطمئن على جهاد وثوران جهاد عليه ليطلقها.. ولكنه لا يستطيع ان يطلّقها وما يخفّف عنه فعلًا هو عدم حديث ليث عن الطلاق.. فجهاد وحدها التي تصارع بشراسة لتحصل على طلاقها منه بينما هو يجاهد لتقديم موعد زفافهما.. فما عاد يتحمل ان تكون بعيدة عنه وهي تعاني بسبب الحادث.. عليه ان يعتني هو بها.. اذا تريد ان تفرغ شحنات غضبها وقهرها منه فعليها ان تفعل وهي في منزله لا بعيدًا عنه..
– لماذا اتيت؟ الم اخبرك ان لا تزورها مجددًا الى ان تتحسن نفسيتها؟
هتف ليث بغضب فوضع سند يده على رأسه بأرهاق.. لم يعد يذق طعم النوم كما يجب.. كل خليه في جسده تصرخ بتعب وجهاد بثورانها لا تساعده البتة ليتفاهما على الأقل..
قال سند بجدية على الرغم من شحوب وجهه بسبب قلةّ الإهتمام بنفسه وصحته:
– يجب ان اتحدث معك حول علاقتي بجهاد.
فكّر ليث قليلًا ثم قال بخشونة:
– لننزل الى مقهى المشفى.
بعد ان طلب ليث لسند كوبًا من القهوة نظر اليه واومأ له برأسه ليتكلم فقال سند دون تردد ودون مقدمات:
– انا اريد اتمام زفافي من جهاد بعد اسبوعين.. وسأعتني بها بنفسي وسأعمل جاهدًا على تغيير نفسيتها.
– كيف تريد مني ان اوافق في حين جهاد تطلب منك الطلاق؟
دمدم ليث بحاجبين مرفوعين فرد سند بهدوء:
– جهاد غاضبة مني فقط بسبب ما حدث.. وبعد ان تهدأ سيتحسن الوضع بيننا.. وانا اريد ان يتم كل هذا وهي في بيتي.. انا سأجعلها تغفر لي وسأحاول جاهدًا التحسين من نفسيتها ولكن وجود كل افراد العائلة حولها يمنعني حتى من التحدث معها كما يجب.
تنهد سند بتعب واضح على وجهه قبل ان يتابع:
– انا أتفهمك جيدًا لأن الحادث قد صار بسببي وبسبب غضبها مني.. ولكنك تعرف يا عمي ليث كم عانيت هذه الفترة.. انا أعدك ان اهتم بها وان أفعل المستحيل كي تعود جهاد كما كانت وافضل.
زفر ليث وقال بهدوء:
– دعني أفكر.. وصدّقني يا سند لو انني لا ارى الندم بعينيك لمَا كنت غفرت لك ما تعرضت له ابنتي بسبب جدال تافه دار بينكما.
– اعرف ذلك جيدًا.. وتأكد يا عمي انني أحب جهاد بصدق وسأسعى دائما لجعلها سعيدة.
همس سند بصدق فهز ليث رأسه بيقين ثم أمره بغلاظة:
– هيّا انهض واحضر القهوة.. لا بد انها جهزت.
*****************
تطلعت لين بإبتسامة عابثة الى الشاب الوسيم الذي يجلس امامها.. وكتمت بصعوبة قهقهة تود التسلل من حنجرتها وهي تفكر ان مها ليست بقليلة لتجعل شاب بهذه الوسامة المفرطة يقع بحبها.. بل وشاب الماني!
بعد الرسالة التي وصلتها منه باللغة الانجليزية يطالب بها مساعدته ودعمه لم تصدّقه وتجاهلتها حتى تأكدت من وصول رسالة أخرى من قدر الى هاتفها تخبرها بها عن علاقة هيرمان ومها وبحاجتهما الى مساعدتها..
قالت لين وهي تتأمله بتسلية:
– اذًا انت هو هيرمان.. لم اتوقع انك وسيم.
ابتسم هيرمان بتوتر ثم غمغم:
– شكرًا.. في الواقع انتِ تعرفين سبب طلبي للإلتقاء بك.. انا ومها نحتاج مساعدتك.
تنهدت لين ثم سألته بجدية:
– هل تتصل بمها؟ وهل تعرف مَن مِن عائلتها يعرف عن علاقتكما؟
– نحن لا نتحدث كثيرًا لأنني اخاف عليها من عائلتها اذا عرفوا انها تكلّمني.. وفقط عائلة والدها يعرفون اما عائلة والدتها فلا.. وانا اريد الوصول اليهم لأنني بحاجة الى مساعدتهم.. ولكن لا اعرف كيف.
أجاب هيرمان بهدوء قبل ان يهمس بصدق وهو يتطلع اليها بعينين تتوسلان الدعم لجمعه بمها:
– انا حقًا أحب مها ولا استطيع التخلي عنها.. وانا وهي ليس لدينا غيرك.. انتِ املي الوحيد.
إبتسمت لين بتأثر:
– لا تقلق ايها الوسيم سأفعل المستحيل حتى تكونان معًا.. فقط عليك الإنتظار الى بعد زفاف حفيدتي.. وفي هذا الوقت سأجعلك تلتقي بمها عدة مرات بطرقي المميزة.
زفر هيرمان بإرتياح قبل ان يهتف بود:
– انا حقًا لا أعرف كيف اشكرك.. شكرًا لكِ.
– لا بأس.. كل ما يتطلبه الأمر هو التحكم بكبير العائلة ليفعل ما اريد.
همست لين بصوت ماكر قبل ان تبتسم لهيرمان الذي لم يفهم ايّ كلمة مما قالت بسبب عدم معرفته للغة العربية..
****************
لقد مرت ثلاثة اسابيع منذ ان انتقلت لتقطن بهذه البلدة.. عمة والدها كانت لطيفة جدًا معها ومع والدتها الواجمة معظم الوقت خلال مكوثهما في منزلها.. وهي مقهورة وموجوعة بحق بسبب الجفاء الذي آل اليه الوضع بين والديها ولا تدري ما الذي عليها فعله.. والاقسى ان والدها لا يتصل بوالدتها ابدًا اذا اراد السؤال عنهما.. لا يتصل الا بها حتى اذا اراد منها ان تخبر أمها شيئًا ما.. رباه كم تشعر انها السبب بتدهور علاقة والديها.. بسببها وبسبب ريس كل شيء بدأ يتدمر..
تجد نفسها رغمًا عنها تشتاق لريس.. لعينيه العابثين.. لكلامه القاسي.. للدغته المغرية.. تشتاق له مهما حاولت الإنكار.. لقد وعدت نفسها أن تحاول نسيانه والبدء بحياة جديدة بعيدًا عن كل ما يمت له بصلة ولكن كيف تفلح؟ اين السبيل للخلاص من هذا العشق المحفور في قلبها بقساوة؟
لقد عرفت بطلب جهاد من سند للإنفصال وكم تألمت على حال شقيقها الذي تكلمت معه على الهاتف.. تتمنى ان تكون بجانبه لتدعمه ولكن ليس بإمكانها العودة.. لا تقدر.. فبعودتها ستتفاقم المشاكل أكثر لا بد.. وريس لن يدعها وشأنها.. وبالتأكيد لا تريد ان تزيد من حدة التوتر القائم في العائلة..
عبست قدر وهي ترى هذا الرجل الذي لا يطاق يبتسم لها بسماجة فإبتعدت عنه مسرعة وهي تفكر انها عليها التخلص من اي رجل في حياتها.. فما حدث معها مع كل الرجال الذي تعرفت عليهم يجعلها لا تفكر بأي رجل..
أحست بخطواته تتبعها فأغمضت عينيها بوهن..
تختنق.. تختنق حقًا.. منذ ان بدأت العمل في هذه المدرسة وهذا الرجل يتبعها وكأنه ظلّها.. آه لو يراه ريس فقط.. ربما لقام ببتر عنقه سريعًا..
إزدرمت قدر آهة بائسة تود التحرر من اعماق روحها قبل ان تشهق سريعًا برعب وهي تُجذب من قبل يد قوية الى غرفة التنظيف.. توسعت عينا قدر بذعر وهي تحدق بهذا الرجل المجنون الذي يكون ابن شقيق المدير الأصغر..
همّت ان تصرخ فمنعها وهو يضع يده على فمها، قائلًا بتهديد:
– إياكِ والصراخ.. انا اريد ان اتحدث معكِ فقط.
لقد كان وسيمًا.. كان وسيمًا بحق.. ابيض البشرة بعينين زرقاوين داكنين وقامة طويلة جدًا.. ضخم البنية وشعره اشقر قليلًا.. الا ان كل جماله لا يهمها..
هزت قدر رأسها بخوف فإبتسم رامي إبتسامة ملتوية ذكّرتها بريس ثم همس وهو يبعد يده عن فمها:
– احسنتِ يا جميلة.
– ماذا تريد مني؟
سألته قدر وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة فغامت عينا رامي وأجاب بنفس الإبتسامة اللعينة:
– اريدك انتِ!
– لا بد انك فقدت عقلك.
تمتمت قدر بعصبية ليُكرّر رامي ببرود وكأنه يلقي نكتة ما على مسامعها:
– انا اريد التعرف عليكِ ومواعدتك.. وحقًا لا اعرف على ماذا تتكبرين وتحاولين الهروب مني بينما نصف الفتيات ينتظرن اشارة واحدة مني.
– اذًا اذهب اليهن واتركني وشأني.
هتفت قدر بغضب وهي تحاول الإبتعاد عنه فعقد رامي حاجبيه وسألها بشك:
– هل تحبين شخصًا ما كي ترفضين رجلًا مثلي؟
ردت قدر بحدة:
– آجل أحب رجلًا واحدًا فقط والآن اغرب عن وجهي او انني سأضطر لتقديم شكوى عنك لعمك.
ابتسم رامي بإستفزاز:
– لا احد يقدر عليّ غير الله.. عمومًا انا سأستمر بملاحقتك يا صغيرة.
وبقهقة ساخرة بعثر شعرها وخرج لتتأفف قدر بإختناق..
“ليس مجددًا يا الله! ارجوك ابعده عني”
******************
نظرت جهاد بحقد الى سند الذي يقعد أمامها ببرود شديد.. لا تصدّق كيف جعل الجميع يقف بجانبه بعد ان كانوا ضده.. اي سحر القى عليهم لا تدري حقًا..
ادارت وجهها بغضب لتحسّ بيده تدير وجهها اليه مجددًا بينما يهمس بمكر بدى غريبًا عليها:
– لا اصدّق ان اخيرًا زفافنا سيتم يا روح سند.
– هذا زواج بالاجبار فأنا طلبت الطلاق.
هتفت جهاد بحدة فضحك سند وقال بينما يميل عليها:
– لا شيء يتم بالإجبار معك يا جهاد.. انتِ تحبينني وراضية تمامًا على هذا الزواج ولكن غضبك وحقدك هما من يمنعاكِ من الإعتراف.
ألّمها صدرها قليلًا بسبب انفعالها فغمغمت بعصبية:
– انت تتوهم يا سند فنصيحة مني ان تكف عن احلامك.
انتبه عليها تتألم مجددًا وهي تلتقط انفاسها فقبّل خدّها وهمس بحنو:
– انا اسف حبيبتي لكل ما فعلته معك.. اعرف انك لن تسامحيني بسهولة ولكن انا لا اقدر ان اعيش دونك.. انتِ لا تعرفين كم عانيت وانا اراك راقدة في المستشفى دون حراك.. والله تمنيت لو انني متُّ ولا اراك بهذا الحال.. الذنب والشوق قتلاني.. انا أعشقك جهاد فأغفري لي وحاولي ان تنسي ما حدث بيننا.
تجمهرت الدموع في مآقيها ببؤس وغمغمت بإنهيار:
– لن اقدر.. انا احترق.. انظر الى حالي.. بالكاد اتنفس.. وبالكاد اتحرك وكأنني مشلولة.. وكلما اتذكر انك السبب اكاد افقد عقلي.. انا بحاجة لأكون بعيدة عنك.
تنهد سند بألم ثم قال بجدية تدل على مدى حزنه:
– انتقمي مني واثأري لنفسك ولكن وانتِ في منزلي.. دعيني أعيدك الى ما كنتِ عليه.. ارجوك حبيبتي لا تعاندي اكثر وحاولي ان تنسي قليلًا ما حدث.
حينما لم يجد اي رد منها مال اكثر على شفتيها ليرتشف من شهدهما ويروي عطشه لها.. لم تبعده عنها بل تصلّبت وهي تشعر بشوقه اليائس لها خلال قبلته فرغمًا عنها تجاوبت معه لتبادله القبلة بتوق ووجع لم تبالي به.. فأخر أهتمامها بهذه اللحظة هو صدرها الذي يؤلمها..
إبتعد عنها سند بسبب حاجتهما للهواء فتنفست جهاد بصعوبة شديدة ليسألها سند بقلق:
– هل انتِ بخير حبيبتي؟
اومأت جهاد بصعوبة ثم دمدمت:
– انا بخير.. وسأوافق على اتمام الزفاف بشرط ان تتحمل ما ستعاني منه وانا في منزلك يا سند.
ضحك سند ملئ شدقيه قبل ان يهتف بحنين وحب:
– كلّي شوق لأعرف ماذا ستفعلين بي.. ولكن مهما فعلتِ اعدك انني لن اعارض وسأتقبل اي شيء منك بروح صبورة وقلب ملهوف.
طمست جهاد ابتسامتها بصعوبة وهي تتوعده بسرها بإنتقام طويل.. على الرغم من كون صحتها بدأت تتحسن قليلًا الا انها لا زالت تتألم.. كتفها قد تحسّن كثيرًا ولم يعد يؤلمها بشدة وصدرها بدأت تخف حدة الامه وصار الوجع معقولًا بينما بقية الأضرار في جسدها لا زالت مستمرة بتلقي علاجاتها وتمارينها لتُشفى.. اما بالنسبة لحالتها النفسية فهي لم تكن ضعيفة للغاية خاصةً بوجود عائلتها حولها لذا لم تتأزم كثيرًا ولم يأخذ معها الكثير من الوقت حتى تتقبل ما حدث معها..
******************
لم تجد قدر سوى والدتها لتشكو لها ضيقها.. فوالدتها صارت حقًا كصديقتها تستمع لها وتؤازرها وتعطيها النصائح كما لم تكن تفعل سابقًا.. لقد شكت لها عن محاولات رامي بالتقرب منها بينما والدتها تمرّر يدها بحنو على شعرها بحنو في حين هي متوسدة حضنها الدافئ..
– ماذا أفعل يا امي؟ كلّما اخرج من مشكلة ادخل في واحدة جديدة.
همست قدر بصوت مخنوق فأجابت سيلين وكأن الكبرياء الذي كان فيها في شبابها لم يزول بعد:
– لا بأس يا قدر.. هذا اذا دلّ على شيء فهو يدل على جمالك ونعومتك.. كل ما عليك فعله هو ان تتحلي بالغرور وتضعيهم عند حدّهم.. تعلّمي ان لا تدعي اي شخص يرى ضعفك فيستغلك.
اخذت قدر نفسًا مخنوقًا وغمغمت بخوف:
– اخشى ان يستمر رامي بملاحقته لي.. بل اخشى اذا عرف ابي ان يجعلني احاول التفكير به.. وانا لا زلت أحب ريس يا أمي.
رفعتها سيلين برفق لتجلس امامها، قائلة بحزم:
– قدر لا اريد ان اسمعك تقولين انك تحبين ريس.. لا امامه ولا خلفه.. اذا كان هناك من عليه ان يعاني فهو ريس لا انت.. منذ هذه اللحظة اريدك قوية، صامدة، مغرورة وذي ثقة لا تهتز ابدًا امام اي مواجهة.. لا تدعي حبك لحفيد شقيقي يتحكم بك بل اجعلي عشق ريس لك هو من يتحكم به ليصبح مثل المجنون.. لذا اريدك شجاعة دومًا وفي اي وقت ستلتقين به بريس او غيره.. حسنًا حبيبتي؟
هزت قدر رأسها ثم سألتها بحيرة:
– لماذا تتكلمين وكأنني سألتقي بريس في حين هو لا يعرف مكاننا؟
تنهدت سيلين ثم اجابت:
– زفاف سند وجهاد سيكون بعد اسبوع.. لقد اتصل بي والدك اليوم ليخبرني ان علينا العودة قريبًا حتى انتهاء زفاف سند وجهاد.
– ولكن جهاد لا تزال مريضة.. وهي تريد الطلاق!
هتفت قدر بإستنكار لتغمغم سيلين:
– لقد خرجت من المشفى منذ عدة ايام.. ولا ادري كيف وافقت ولكن ما اعرفه ان الزفاف سيتم بعد اسبوع والجميع مشغول بالتحضيرات.
ثم إبتسمت سيلين بسخرية:
– وانا وانتِ بالتأكيد آخر من يعرف.
– اذًا بجب ان أخبر المدير غدًا كي نعود بأسرع ما يمكن.
قالت قدر بتوتر لا تدري سببه.. ربما لأنها ستعود.. سترى ريس مجددًا.. ستكون قريبة من والدها الذي لم يسامحها بعد..
عانقت قدر سيلين فجأة وهمست بخوف:
– انا خائفة أمي.. لستُ جاهزة بعد للمواجهة.
– ستكونين جاهزة حينما ترغبين بجعل ابن الجايد كالخاتم في أصبعك.. كل ما عليك فعله يا قدر هو التحلّي بالغرور والقوة.. لا مجال للضعف حبيبتي.. انتِ قوية جدًا وايّاك ونسيان الحزن والألم الذي سبّبه لك المجنون ريس.. يجب ان يعرف ان لا يمكنه العبث مع ابنة سيلين.. لذلك عليك ان تعلّميه درسًا لا ينساه طيلة حياته وكذلك يجب ان تستغلي اعجاب الرجال بك لتقهريه ولكن بطريقة لا تجعلك تبدين بها رخيصة.
قالت سيلين بجدية لتبتسم قدر بأمل وتغمغم:
– حاضر أمي سأفعل وأحاول ان اكون مثلك.
******************
تطلع ريس بحنق الى زوجته التي تتجاهله منذ قدوم حفيدها ريس المفضل الذي تشتاق اليه بجنون كما تقول.. زمّ شفتيه وهو يتذكر ذاك اليوم الذي سجنها بالفعل بغرفتهما ليومين وكأنهما في شهر عسلهما.. كان يحضر لها الطعام بنفسه ويدلّلها وكل من يأتي ليزورهما يطرده، قائلًا بغضب “دعونا لوحدنا ولا اريد ان ارى اي احد منكم مجددًا”
ما يغيظه حقًا هو استمتاع لين بما كان يفعله في حين اراد هو ان يعاقبها لتهتم به أكثر.. ولكن عقابه كان بمثابة دلالًا بالنسبة لها.. لا يتمنى في هذه اللحظة شيئًا سوى طرد حفيده ريس من منزله ولكن حكم القوي على الضعيف يفوز دائمًا..
لقد أخبرته لين عن علاقة مها بالشاب الذي يُدعى هيرمان في أهم لحظاتهما التي كان يغدقها بها بغزله وعشقه.. وكانت بارعة تلك الماكرة التي تكون زوجته بإستغلال اهم لحظاتهما معًا بعد ان سلبت قلبه منه وهي تعود اليه بعد خروجها من المنزل بأبهى طلّة لتتدلل عليه كما يجب وكأنها عادت تلك الشابة الصغيرة التي وقع اسيرًا لحبها..
تأفف ريس حينما رأى بقية احفاده يدخلون ليتمتم بسخرية:
– ها قد اكتمل حظي اللعين.
ضحكت سيلا التي كانت تراقب تعابير وجهه بإستمتاع ثم قالت بشقاوة:
– لا تقلق عمي لن يبقوا في منزلك لوقتٍ طويل.. بعد قليل سيأخذهم ليث ليساعدوه.
رشقها ريس بنظرة ساخطة وزمجر:
– والى اين ذهب زوجك مع آسر، تاركًا مصائبه فوق عاتقي؟
قهقهت سيلا وهي ترد بمرح:
– لقد ذهبا مع أدهم وسند ليلقيا نظرة على الفندق الذي سيتم به الزفاف.
– عرف أدهم من يأخذ معه ليلقي نظرة على الفندق.. لن يعودوا حتى الصباح بسبب عينيهم التي تنتقد كل صغيرة وكبيرة كالنساء.. وخاصةً هذا آسر.
علّق ريس متبرمًا فقالت رين التي سمعت ما قاله والدها عن زوجها:
– وما خطبه زوجي يا أبي؟
– لا شيء سوى انه ثور ليجعلك تسيرين في هذا العمر وبطنك أمامك.
ردّ ريس بسخرية فإنفجرت سيلا ضاحكة بينما زمت رين شفتيها بغيظ وهتفت:
– انظر الى نفسك يا أبي.. لا تزال تغار وتتصرف كشابٍ في العشرينات من عمره في حين انت عجوز.
إقترب عمر منهم ليقول بتجهم:
– لينهض ريس ويساعد بدلًا ان يجلس وكأنه ملك.
وافقه ريس بتأييد:
– حالًا سأجعله ينهض ويساعد.. وأعدك انك حينما تقرر الزواج سأدعه يقوم بمعظم الأعمال.
ابتسم عمر بتهكم قبل ان يهتف بجدية:
– انا قررت الزواج منذ فترة.. بعد زفاف جهاد ستذهب معي لنطلب يد لونا للزواج.
ضحكت رين قبل ان تغمغم بإعجاب:
– أحسنتَ حبيبي.. سأذهب معك انا ايضًا لأرى تلك الفتاة المجنونة التي اخبرتني عنها والدتك.
ثم نظر الى سيلا واردفت بإستمتاع:
– انظر الى تعابير والدتك المصدومة.. عليك ان تكرر لها ما قلته الآن ولكن إفعل ذلك أمام ليث.
******************
لقد عرف ريس ان جدته تتحدث مع قدر بين الحين والحين وتطمئن عليها.. وقد أخبرته انها ستعود بعد يومين بسبب زفاف سند وجهاد وحينما سألها على المكان الذي تمكث به رفضت ان تخبره..
زفر ريس وهو ينظر الى هاتف جدته قبل ان يلتقطه بحركة سريعة ويهرب به وسط نداءها الساخط والغاضب عليه..
دخل الى سيارته وهو ينظر الى رقمها الجديد ليدوّنه في هاتفه قبل ان يقرر الإتصال بها من هاتف جدته فهو يخشى ان لا ترد عليه اذا كانت تعرف رقم هاتفه.. انتظر سماع صوتها وكأنه راقد على جمر ملتهب بينما خفقات فؤاده تدق بصخب..
اخيرًا.. اخيرًا سمع صوتها الشجي الذي يكاد لا يصدق كم اشتاقه:
– السلام عليكم جدتي.
للحظات لم يستطع النطق.. حباله الصوتية تلبدت وأنفاسه تأججت شوقًا.. سمع صوتها القلق مرة أخرى فأغمض عينبه وغمغم بصوت اجش وكأنه يلتقم حروف أسمها بنهمٍ:
– قدر!
إرتجفت بعذاب.. هذا صوته الذي تحفظه غيبًا.. كيف وصل اليها؟ كيف؟! ازدرت قدر ريقها بصعوبة واذنيها تكاد تُصم بسبب كمان فؤادها الذي تكاد اوتاره ان تتمزق..
– ريس!
همست بصوت مرتجف فقال ريس بخشونة:
– آجل ريس.. كيف حالك؟
– لماذا تتصل بي؟
هتفت قدر بقوة بمحاولة عقيمة ان تتحلى بالشجاعة وتقسو فرد ريس بعنف:
– ولماذا لا اتصل بك؟ اين انت؟
– هذا لا يخصك.
قالت ببرود وهي تنظر الى الطلاب الذين يلعبون في ساحة المدرسة ليبتسم ريس ويسألها بنعومة:
– ألم تشتاقي لي قدري؟ لقد اشتقت اليكِ بجنون.
عضّت قدر شفتها السفلى بألم ثم أجابت بنبرة ثابتة:
– كلًّا لم أفعل.
– قدر مع من تتحدثين؟
كان هذا صوت رامي الذي سمعه ريس فكادت ان تنهار قدر وهي تسمع ريس يتساءل بحدة:
– من هذا واين انتِ؟
– قدر يا قلب رامي لماذا لا تردين عليّ؟
قال رامي بصوت عابث فأغمضت عينيها وهي تلعن رامي وريس بداخلها..
———————-
يتبع..