رواية غزلًا يوقده الرجال
حينما اشعر بالضيق..
افتح النوافذ،
فلتفحني نسمات الربيع..
أغمض عيناي وأسترق الى زقزقة العصافير..
تمرّ ذكرى وتقف على محطة المغادرين..
وريثما تنقشع بعيدًا توافيني الاخرى..
فتهرق الدموع كما تهرق دماء الندوب..
تتشوش الرؤية ويدور العالم..
دوامة عميقة وشاهقة في آنٍ واحدٍ..
ترتعش حنجرتي..
ولا تصمد خفقات قلبي..
اما أوتار صوتي تأبى ان تعزف بهدوء الكمان..
تختار مزيج من كل الآلات..
فتزمجر الكلمات وسط معارك من الآلام..
ذكرى تليها أخرى..
ثم تُغلَق النوافذ..
وأبقى أسير جدران الذكريات..——————–
لم تهبه الامكانية ليتصل بسند وهي تنهض عن الارض بسرعة غاضبة لتسحب هاتفه من بين يده وتلقيه بعنفوان على الارض فيتحطم الى اشلاء صغيرة..
ثارت خلاياها وتحفزت يداها لتهجم عليه بضراوة فلا يجرؤ ابدًا على الاقتراب منها..
كان شامخًا مختالًا.. وجهه يوحي انه لا يأبه بتعابير وجهها التي توحشت وكأنها على أهب استعداد لتسلخ جلده بأظافيرها.. عيناه تتفرس النظر بها بنظرات غاضبة جعلت معدتها تتلوى من الغيظ والضيق..
– اقترب مني وأقسم ان أجمهر كل الاشخاص الذين في المشفى فوق رأسك.. لا تنسى اخت من انا.
زمجرت وهي تحدجه بنظرات حادة غاضبة ليبتسم باستهزاء ويهتف:
– لا يجب ان تنسي اصلك على ما اعتقد.
– ما مشكلتك معي؟ انا لا افهمك.
تمتمت بحيرة ليقول بهدوء:
– أمي! اريدك ممرضة لها في المنزل.
– اخبرتك ان ابي لم يوافق.. الا تفهم؟
هدرت بحدة ليغمغم ببرود:
– اعملي اذًا دون ان يعرف في منزلي!
حدجته بنظرات مذبهلة، ثم هزت رأسها وهي تصيح به:
– هل انت مجنون؟ تريدني ان اخفي عن أبي واعمل سرًا؟!
لهثت انفاسها المتأججة غضبًا واستأنفت:
– لماذا لا تبحث عن ممرضة اخرى غيري؟!
– لأنني اريدك انت فقط ان تكوني المسؤولة عن أمي.
اجاب بجدية لتعقد حاجبيها بتوتر وتردف:
– انت تخيفني بكلماتك الغير مفهومة.. وضّح كلامك اكثر.. انا لا اريد ان اقحم سند في هذا الموضوع كي لا يتهور بما اني اعرف تفكيره.
– اقحميه او لا تقحميه هذا لا يخصني.. كل ما يهمني هو ان احصل على ما اريد.. وانتِ تعرفين ما الذي اريده حاليًا.
هتف وهو يزلف منها لترتد الى الوراء بخطوات عصبية.. تأملت مكنونات نظرات عينيه بحدقتين متوترتين قبل ان تهمس:
– اذا حصلتَ على موافقة أبي حينها قد أفكر ان اكون ممرضة خاصة لوالدتك المسكينة.
ابتسم بمكر وهو يتأمل الغضب والخوف المرسومان بدقة واحترافية على وجهها الذي احمرّ من شدة غيظها.. ثم انزلقت عيناه بتريث مقيت لتطالع جسدها الممتلئ بعض الشيء فتقشعر نفورًا وكرهًا وترتكس خطوتين الى الوراء وهي تزمجر كإبنة ليث تمامًا:
– لا تنظر اليّ بهذه الطريقة.
– هل قلتُ لكِ انك سمينة قبل ان افعل الان؟
تساءل والابتسامة البغيضة المستفزة مستقرة شفتيه وكأنها خالدة لتزفر بحنق شديد قبل ان ترد باشمئزاز:
– احتفظ برأيك لنفسك لانه لا يهمني البتة.. ففي النهاية هذا جسدي انا.. ملكي.
– لن يبقى الى الابد ملكك وحدك.. هل تعرفين؟
هتف بوقاحة لتشهق بعصبية وهي ترشقه بجمر مقلتيها المشتعلتين:
– شخص حقير.. ماذا سأتوقع منك؟!
القت كلماتها الغاضبة في وجهه ثم استدارت لتغادر الغرفة وهي تتمتم بكلمات غاضبة حانقة.. تحس انها بهذه اللحظة لا تطيق نفسها بعد مواجهتها مع المجنون حمزة.. وكأنها ستقدر على تحمل جنونه وغضب والدها وسند معًا!!
توقفت قبالة المصعد وهي تخرج هاتفها من جيب سترتها.. فكرت عدة مرات قبل ان تتصل بسند ولكنها مضطرة.. تخشى ان يتصل به حمزة ويتسبب بمشكلة بينهما وهي لا تحبذ ابدًا غضب سند وعصبيته..
لم تنتظر كثيرًا قبل ان يوافيها ردّه:
– صباح العسل.
ابتسمت رغمًا عنها وهي تسمع كلماته التي تخمد غضب كل خلية مضطرمة في جسدها.. تنهدت قبل ان تغمغم بحب:
– صباح الخير حبيبي.
– هل اخذتِ استراحة قبل ان تبدأي؟
تساءل وهو يضحك لتبتسم بتوتر وهي تولج الى المصعد الذي دخله ايضًا حمزة قبل ان يُغلق..
فهمست جهاد بارتباك لاحظه سند وقهقه عليه حمزة بصوت عال:
– اجل، اين انت؟
حكّ حمزة ذقنه بخفة وهو ينظر اليها بتمعن لتتوتر اكثر وتقول قبل ان تسمع رد سند:
– سند اريد ان اراك.. هل يمكن ان نتقابل الان؟
– هل انت بخير جهاد؟
تساءل سند وهو يغيّر مسار طريقه لتغمغم وهي تلمح نظرات حمزة التي تأبى ان تنتزح عنها:
– اجل، اريد ان اقابلك.
– انتظريني في المقهى.
همس قبل ان ينهي المكالمة.. احسّ ان صوتها به خطبًا ما.. التوتر والارتباك اللذان كانا في صوتها يؤكدان صحة كلامه..
لا يدري لماذا يشعر ان الموضوع به حمزة.. ولو كان فعلًا حمزة سبب ما هي به لا يعرف ماذا قد يفعل..
زفر بضيق بعد ان كان هادئًا وهو في طريقه الى عمله..
بعد القليل من الوقت وصل الى المشفى ليعقد حاجبيه بعصبية وهو يرى جهاد واقفة مع حمزة بجانب المقهى تمامًا.. احتدمت حرارة جمرة الغيرة في قلبه وهو يرى حمزة يتأمل جهاد خطيبته.. زوجته قريبًا.. ملكه..
ركن السيارة باهمال ثم ترجل من سيارته ليهتف بصوت عال:
– جهاد..
“يا الله لا!”
همست جهاد برعب وقلبها يكاد يهوي على الارض.. كان حمزة يتبعها حتى يراهما سند معًا، وهي بكل سذاجة توقفت كي تخبره ان ينقشع بعيدًا عنها.. والان ماذا حدث..؟ رآهما سند معًا.. تمنت من كل قلبها ان لا يفهمها خطأ..
– اوه سند الناصر هنا.
هتف حمزة بهدوء ليرد سند بحدة:
– اجل انا.. جيد انك تعرفني.
– سند.
همست جهاد وهي تقترب منه ليحدجها بنظرة أججت من ذعرها وتوترها بينما يقول حمزة بهدوء اشد:
– اعرفك واعرف خطيبتك جيدًا.
ثم صمت ونظر الى جهاد واضاف:
– اريدها ان تعمل في منزلي.
– ماذا قلت؟
صاح سند بشراسة وهو يقطع المسافة التي بينهما ليقف قبالته وعيناه تشتعل بنار يتلقاها الاخر ببرود اقرب الى الجليد..
– اريد جهاد ان تكون ممرضة امي وفي منزلي.
اجاب حمزة بابتسامة ليمسكه سند من تلابيب قميصه ويزمجر بعنفوان:
– يبدو ان جسدك يشتاق للتراب.. ما رأيك ان اعيدك الى قبرك وادفنك بنفسي؟
– سند ارجوك اهدأ.
غمغمت جهاد وهي تكاد تبكي ليحرّر حمزة البارد من يديه ويجذبها اليه والغضب تنفثه عيناه بجنون.. التفت ذراعه اليسرى حول ظهرها ليقرّبها اليه اكثر فتستوطن صدره كما يود لدقائق ويهتف بضراوة:
– اياكَ ان تدنو من خطيبتي مرة اخرى.. اياكَ يا حمزة! صدّقني ستندم.
ضحك حمزة بسخرية وقال وهو ينظر اليه ببرود شديد:
– تهديدك ارعبني جدًا.. هل تعرف؟
– يجب ان يرعبك.. لا تلهو بذيلك معي.. جهاد خط احمر.. هل سمعت؟ خطيبتي خط احمر.
اردف سند وهو يضغط على جسد جهاد بقوة لتكتم آهة كادت ان تخرج من ثغرها.. لم يلاحظ سند انه يقسو بضغطه على جهاد بسبب عيناه المثبتة على الكائن الذي يقبع امامه..
اغمضت جهاد عينيها وهي تحس ان عظامها ستُهرس تحت وطأة ضغط سند على ظهرها قبل ان تتوسع عينيها بذهول حينما هتف حمزة:
– خطيبتك ستقبل بعرض عملي، فالعم ليث بالتأكيد لن يرضى ان تبقى شقيقة زوجة عمه مريضة.. اليس كذلك جهاد؟
– لا تلفظ اسمها.
قال سند بتهديد ليبتسم حمزة بتهكم قبل ان يغادر، تاركًا وراءه قنبلة موقوتة بين سند وجهاد..
*****************
عضّ على شفته السفلى بفضول ليعرف ماذا يدور بين الكبار.. جده، جدته، والديه، ادهم وسيلين… وسند ايضًا الذي الى الان لا يعرف اي شخص سبب عصبيته منذ ان دلف..
هزّ كتفيه بعدم اكتراث وهو ميقن ان خطيبته السبب.. ابعد عينيه عنهم ليتلكك بوضعهما على قدر وشقيقته قمر..
– قمر.
هتف وهو يقترب منهما لتنظر اليه بعبوس فيأمرها بنبرة مستفزة:
– اشعر بالعطش.. احضري لي قارورة ماء.
– وماذا افعل لك؟ اذهب واشرب.
دمدمت بغيظ لتبتسم قدر وتغمغم بنعومة:
– سأحضر لك انا.
لم ينبس بحرفٍ وهو يراها تنهض لتحضر له بنفسها ماذا يود فرمق شقيقته بنظرة غاضبة وقال:
– حسابك في المنزل.
امتعضت ملامحها بسبب غطرسة شقيقها التي لا تطاق.. ثم همّت ان تنهض عن مقعدها لتتبع قدر الا انه اوقفها سريعًا بنبرة متسلطة:
– لا تتحركي من مكانك.. سأذهب وارى قدر.
حمدت الله انه لم يسمعها وهي تسخر على لدغته والا كانت ستتحمل ردة فعله الشرسة وهي في هذه اللحظة لا تطيق الجدال معه..
ولج ريس الى المطبخ في ذات اللحظة التي كانت ستخرج بها قدر.. تطلعت اليه لثوان قبل ان تمد قارورة الماء له فيتناولها بجمود قبل ان يسألها:
– لماذا لم اراكِ اليوم في الجامعة؟
لم تنأى بعينيها عن عينيه البنيتين وهي تجيب بهدوء، محاولة ان تفهم ما يدور في طيات عقله:
– قد اترك الجامعة واعمل في شهادتي السابقة.
– اجل، هذا افضل.
همس لتبتسم بقهر دسّته في دماءها لتتركه يتشعب في سائر انحاء جسدها عسى ان تدرك اخيرًا انه لا يهتم بها ابدًا:
– في النهاية سآخذ رأي ابي وسند واقرّر.
– اعملي في المدرسة مثل أمي.. يليق بك.
غمغم لتبتسم له قبل ان تتقدم خطوتين لتغادر فيوقفها كلامه الغريب:
– لم ارى ماذا تكتبين منذ عدة اشهر.
– ستراهم كتبًا ان شاء الله مع البقية.
همست دون ان تتحمل الاصغاء اليه اكثر.. غريب.. متناقض.. سيهلك عظامها بتناقضه ومزاجه.. لم تعد تفهم حتى نفسها ماذا تريد منه..
ودّت ان تسترسل بخروجها من المطبخ ولكنه ردع مبتغاها وهو يرّش على الجروح ملحَ كلماته التي تقبض على قلبها ككماشة فولاذية مثل قلبه القاسي تمامًا:
– هل تعرفين انّي احب كتابتك عن الحب من طرف واحد، دون ان يبادلك الاخر نفس المشاعر والحب؟ لديكِ احساس عال جدًا بالتعبير عنه.
كفى كفى.. فلسفة العشق اجمعها لن تقدر على التعامل مع انسان مثله.. زفرت انفاسًا مريرة لتخفّف عن نفسها قبل ان تهمس بخفوت وكأن صوتها اضمحل تحت قسوة كلماته اللا مبالية:
– شكرًا.. سأعتبر كلامك محفزًا لي لأكتب اكثر عن هذا المجال.
ثم دون ان تعطيه الامكانية اكثر ليستمر بجلد مسامات جلدها بسياط كلماته القاسية انطلقت بخطوات مهزوزة الى الخارج..
لماذا يهوى ان يجعل من روحها ملجأ للالام والاوجاع.. لماذا بكل ندبة قابعة في اغوار جسدها يكون محفورًا اسمه بخط احمر عريض؟ لماذا؟..
****************
– اين كنتِ؟
سألت حياة ابنتها بانفعال لتبتسم مها بتوتر وهي تدنو من والدتها لتعانقها فترفع حياة حاجبيها بينما تجيبها مها:
– كنت مع هيرمان.
– ماذا كنت تفعلين معه؟
تساءلت حياة بينما تبتعد مها عنها فتغمغم الاخرى وهي تجذب والدتها لتقعدا على الاريكة:
– ذهبنا الى المقهى فقط.
وقبل ان ترد عليها والدتها غمغمت:
– امي كيف ترين هيرمان؟ هل يعجبك؟
– ما الذي سيعجبني به؟ هذا مجرد زميل لك في الجامعة مها.
هتفت حياة وهي تتأمل تعابير وجه ابنتها بحدقتين ماكرتين فتطئطئ مها وتهمس بتنهيدة:
– هو يحبك.
زفرت حياة قبل ان ترد بتفهم وكأنها فهمت اين تتجه مشاعر ابنتها ولمن:
– اسمعيني مها.. هيرمان مختلف عنا من كل النواحي.. انتِ من بيئة وهو من بيئة مختلفة كليًا.. العادات والديانات.. الاختلافات التي بينكما يجب ان تجعلك تدركين ان امكانية ما تفكرين به مستحيل.. اذا تربيتِ وكبرت في المانيا لا يعني ان تنسي من انتِ وما هو اصلك.
– لم انسى.. انا فقط اسألك عنه امي.
ردت مها تخفي وجعها قبل ان تسمع امها تقول:
– جيد جدًا.. لانك تعرفين اني لن اسمح لك بالتفكير برجل لا يناسبنا.
ثم اضافت حياة وهي تتأمل مقلتين ابنتها المترقرتين بدموع بالكاد تكتمها:
– ولا اريد ان اتكلم معك مها عن ثيابك اكثر وعن اللمس بينك وبين الرجال هنا.. لا تدعي اي شخص يلمس جسدك.. لا عناق ولا غيره.
– حاضر.. اساسًا انا افكر بالحجاب.
هتفت مها بهدوء قبل ان تنهض وتترك والدتها تفكر بحدتها بالتعامل معها.. على الرغم من كونها تتفهم مشاعر ابنتها وانجذابها للحياة في المانيا ولكنها لا تستطيع تقبل فكرة ارتباط ابنتها برجل لا يتلاءم معهم البتة.. وفي النهاية هي سئمت الغربة.. تريد ان تعود الى بلدها.. ان تعيش وسط اهلها.. وامير اخبرها انهم قريبًا سيقدرون على العودة نهائيًا الى فلسطين.. فيجب ان تمنع ابنتها بشكل تام التشبث بفكرة البقاء في المانيا وبفكرة عشق رجل الماني..
*****************
تعالت ضحكاتها الصاخبة دون ان تقدر على التحكم بنفسها وهي تفرّ هاربة منه.. منذ فترة طويلة لم تشعر بهذه الاثارة وهي تركض.. خافت ان تلتفت الى الوراء لتتأكد اذ كان فعلًا يركض وراءها ام تعب وتركها تهرب من بين يديه فيمسكها.. الغريب انها لا تشعر بالخوف بل مستمتعة.. ولكن سرعان ما تحول استمتاعها هذا الى ذعر وعمر يقبض عليها كما لو انه يقبض على احد المجرمين..
صرخت وهو يجذبها اليه بخشونة فيرتطم جسدها بجسده.. كاد ان يمزّق شعرها الاحمر ويده تمتد لتستولي على مؤخرة رأسها بخشونة قبل ان يدفعها امامه..
رفعت لونا عينيها الخضراوين بسخط اليه فتبتسم على انفاسه اللاهثة التي تبذر منه وتتساءل:
– هل تعبتَ؟
– من غباءك اجل.
اجابها بتهكم قبل ان يمسك ذراعها بقوة ويجرّها وراءه.. زمت لونا شفتيها بسبب عصبيته التي لا تُطاق قبل ان تقهقه بصوتٍ عالٍ وهر ترفع بيدها الحرة كاميرتها لتلتقط بعض الصور للمشكلة القائمة بجانب المخفر.. على ما يبدو ان راتبها سيرتفع بسبب الاخبار التي ستنشرها هذا الاسبوع..
حرّرها عمر من براثنه قبل ان يأمرها بصلافة ان تدخل وتنتظره في الداخل ففعلت كما قال وابتسامتها المرحة كلما تزداد اتساعًا..
جالت حدقتاها مرة اخرى على ما هو حولها.. لم تعرف ماذا حدث ولماذا يريد الحديث معها.. ولكنها حينما ترى هذا الضابط الاشقر تتفاقم شقاوتها وتتصرف بتهور دون ان تأبه بالقادم او حقيقة عمله..
دفعها مرة اخرى على مقعد خشبي حينما دخل ووجدها تتطلع حولها بفضول يغيظه لسبب لا يعرفه.. ثم قال:
– اجلسي بهدوء.
– انت لا تطاق حقًا.
هتفت لونا بضيق قبل ان تزم شفتيها وتستطرد:
– اين ذاك الشاب الذي رأيته معك قبل فترة؟
– ماذا تريدين منه؟
سألها عمر بغيظ لترد وهي تهز كتفيها بلا مبالاة:
– سر.
– وهل لدى واحدة مثلك اسرار؟
تساءل باستهزاء وهو يقعد قبالتها لترفع حاجبيها بحنق وتهتف:
– بالتأكيد لدي.
– جيد.. هل تعرفين سبب احضاري لك؟
غمغم لتبتسم بغرور:
– بالتأكيد اعرف.
– وماذا تعرفين انسة.. لونا؟
شدّد على اسمها بسخرية لتتجاهل سخريته وتقول:
– بسبب الصور التي التقطها احد الموظفين.
وقبل ان تسمع رأيه استأنفت:
– على ايّ حال تفاهمنا مع الذي قدّم لك الشكوى وقال انه سيسحبها.
همهم قبل ان يراها توثب عن مقعدها وتقول:
– انا مضطرة انا اغادر.. مثلما احضرتني ستعيدني ايها الاشقر.
******************
لم تكن لها القدرة لتستجب لنداء والدتها حالما ولجت الى المنزل ولكنها كانت مضطرة بسبب وجود والدها وشقيقها سيف.. القت السلام عليهم جميعًا دون ان تبتسم حتى فأدركت سيلا ان جهاد ليست بخير ولكنها لم تود ان تناقشها وابنها الصغير يسألها:
– ما خطبك جهاد؟
– لا شيء.. مرهقة فقط.
همست وهي تمرّر يدها على وجهها بتعب فيقول ليث بنبرة هادئة تواري خلفها الكثير:
– اصعدي لترتاحي وبعد ذلك سنتكلم معك انا ووالدتك.
هزّت رأسها بانصياع ثم صعدت دون ان تفكر بما يريد الحديث به والدها.. طيلة اليوم حواسها الخمس كلها متحفزة بسبب الذي حدث.. تشاجرت مع ممرضتين من شدة ضيقها.. كادت ان تنفجر بالبكاء ولكنها بصعوبة تحكمت في دموعها حتى تصل الى منزلها وتبثق كل دموعها على وسادتها..
سيناريو ما حدث اليوم بينها وبين حمزة وسند يأبى ان يهجر عقلها فيرحمها لدقائق على الاقل.. وخاصةً الكلام الذي دار بينها وبين سند.. لم تتوقع ان يتصرف بهذه الطريقة معها.. لم تتوقع ابدًا.. كانت حينها ترتجف وهي تنتظر رد فعله.. ووفاها رد فعله قاسيًا كما لم يكن يومًا.. لم يأبه بعملها وهو يجذبها بخشونة ويلقيها في سيارته.. تأخرت ساعتين وأُجبرت على تحمّل الاصغاء الى كلمات المدير الحادة ايضًا..
طيلة الطريق لم تتجرأ ان تنبس بحرفٍ مع انها ميقنة ان ما حدث ليس لها اي ذنب به.. اللوم كله على حمزة الذي على ما يبدو سيدمر حياتها وينيف من مشاكلها.. ولكنها ايضًا تعرف غضب سند وجرّبته ذات مرة.. سند على الرغم من حنانه معها ومع شقيقته الا انه في الواقع قد يقسو ويجرح بشراسة دون ان يشفق حتى..
لم تكن تعرف الى اين سيأخذها وهو بهذه الحالة العصبية.. كانت واثقة انه لن يؤذيها فسند يستحق الثقة.. ولكنها عندما عرفت اين سيأخذها تخفرت نبضاتها وهمست بأسمه فيزجرها بغضب:
– اصمتي جهاد.. اصمتي.
– كنت اريد ان اخبرك بما يفعله حمزة ولكنني خفت.
غمغمت ترجوه ان يفهمها الا انه في هذه اللحظة كان يبصر بالشياطين تتقافز امامه فتحثه على التصرف بجنون.. لم يرد عليها وهو يضغط على دواسة البنزين بقوة فتسير السيارة بسرعة ارعبتها حقًا..
– سند خفّف السرعة.
صاحت جهاد بخوف فيطلق شتيمة لم تتوقعها البتة من فمه قبل ان يخفّف سرعة السيارة..
– لماذا ستأخذني الى النادي؟ كل مرة سوف نتشاجر بها ستحضرني الى هنا؟!
تساءلت بضيق وهي تعرف انها مهما فعلت الان لن يرد عليها.. ولكنه خالف توقعاتها وهو يجيب بسخرية بينما يركن سيارته كيفما اتفق:
– أُحضّر لزوجتي المستقبلية مكانًا نتشاجر به.. ماذا تريدين اكثر من ذلك؟
– سند لا اريد ان اتشاجر معك.. ارجوك!
هتفت برجاء عسى ان يتفهمها فتجاهل كلماتها المتوسلة كليًا بينما يترجل من السيارة ويتوجه ناحية مقعدها ليخرجها هي الاخرى..
عضّت شفتيها وهو يولجها الى نادي ابن خاله آسر الذي يكون فارغًا بهذه الساعات..
– افهمني يا سند.
هتفت بقهر حينما ترك يدها بخشونة ثم دنت منه بتوتر ليرشقها بنظرات كبّلت قدميها بالارضية التي تحتها..
زفرت بتعب وهي تكوّر قبضتها على سترتها الطبية ثم سرعان ما فغرت فاهها بلا تصديق وهو يسألها:
– منذ متى وهو يلاحقك وانتِ تخفين عني وكأنني ابله؟! منذ متى وكل هذا يدور بينكما وانا المغفل الذي اثق بك امنحك الثقة وكأنك تستحقينها؟!
– الا تثق بي؟
همست بذهول فتقبض يداه على ذراعيها بعصبية ويهزها بينما يهدر بغضب اشوس:
– حاليًا لا.. لا اثق بك.. متى سألتيني عن اللعين حمزة واخبرتك ان تبتعدي عنه؟ تفاجأت سؤالك ولكنك غيّرتِ الموضوع بذكاء.. الم اخبركِ ان لا تسمحي له بالاقتراب منك؟ الم افعل؟
– انا لم اخطأ.. هو الذي يلاحقني.. كنت سأخبرك ولكنني خفت ان تفهمني بشكل خاطئ.
صاحت بحدة وهي تحاول تحرير يديها فيضاعف من حدة ضغطه ويزمجر بانفعال:
– لا، الان انا فهمتك جيدًا.. وعرفت ايضًا سبب تأجيلك لحفل زفافنا.. ولكن الزفاف سيتم وقريبًا ايضًا.. ووالدك انا الذي سأتفاهم معه واسأله اذ كان راضٍ عن افعال ابنته.
– ماذا فعلتُ انا؟ ما هو ذنبي؟
تساءلت باختناق ودمعة متألمة تنحدر رغمًا عنها على خدّها فيقضم شفته السفلى بعصبية قبل ان يدفعها فتتراجع عدة خطوات الى الوراء وهي ترمقه بنظرات شجية مخذولة..
– لا امانع تعجيل زفافنا سند.. انا اريدك وانتَ تعرف هذا الشيء.
همست جهاد ليتطلع اليها ببرود ويهتف:
– اثبتي لي.. اثبتي لي يا جهاد وحينها قد افكر بكل ما قلتيه.
– الا تثق ايضًا بمشاعري نحوك؟
تساءلت وهي تتمنى ان تموت في هذه اللحظة ولا ترى هذا الشك في مقلتيه التي كانت تشع لها حنانًا دائمًا والان لا تستنبط منها غير القسوة والجمود..
– لا اثق جهاد.. في هذه اللحظة لا اثق حتى بنفسي!
هتف واعطاها ظهره لتطالعه بصدمة.. لو صفعها مئة صفعة كان سيكون رحمة لها امام ما قاله.. هل قالت ان غضبه شرس؟.. لا.. هي متأكدة الان انه ينخر الروح ويمزّق دون هوادة..
اغمضت عينيها وكأن ابجدية كلماته القاسية تتكرر على مسامعها مرة اخرى واخرى بينما رذاذ الماء البارد ينساب على رأسها فيقشعر جسدها بردًا وقهرًا..
“اللعنة عليك يا حمزة”
صرخت ببكاء فتختلط دموعها مع زخات المياه وتعي ان القادم لا بد اسوأ ما دام حمزة لم يدعها وشأنها..
******************
عرف اخيرًا ما كان يدور بين الجميع بينما هو كالغبي في الخارج.. ستترك الجامعة قالت له.. الان عرف سبب كلامها جيدًا.. انتظر بفارغ الصبر قدومها الى الجامعة كما يفعل الشخص الذي يود ان يفتك به..
يشعر ان علي هو الذي طلب يدها بل متأكد انه هو..
لو لم يسمع الحديث الذي دار بين جده ووالده لما كان سيعرف انها طُلبت للزواج ولكن ممن لا يدري وعليه ان يعرف.. سيجن اذا لم يعرف..
انتبهت لها عيناه فجأة وهي تسير في ممر الجامعة كما تسير دومًا.. بسيطة.. بريئة.. يرغب في تحطيم رأسها على هالتها التي تثير بها شتى انواع المشاعر المستفزة.. كادت ان تدلف الى صفها حينما اوقفها علي ليلقي السلام عليها..
اقترب ريس منهما وحدقتاه كلما تتدلهم من شدة عصبيته وغضبه منها.. الم يخبرها ان تبتعد عنه؟ الم يتشاجر معها بسبب الحقير علي؟ الم يفعل..؟
كوّر قبضته وهو يسمع علي يسألها عن سبب غيابها البارحة بينما هي ترد ببساطة وغباء..
– قدر.
هتف ريس بصوت حاد لتنتفض وتتخفر خلاياها بسبب مظهره.. تمنت ان تتجاهله.. ان يكون لها القدرة لتفعل.. ولكن كان مستحيلًا وهو يدنو منها بخطورة قبل ان يجذبها بفظاظة الى جانبه ويضغط على معصمها فتتأوه بتفاجؤ..
– لدينا محاضرة.. يجب ان ندخل.
اردف علي بهدوء لينظر اليه ريس باستحقار ويقول:
– الله معك.. الباب وراءك.
– يجب ان تدخل قدر ايضًا.
غمغم علي وهو يتطلع الى قدر المرتبكة.. يا الله كم يعشق براءتها وضعفها وكل ما بها.. احسّ بالشفقة عليها وهي تتململ بين قبضة ريس الذي هدر:
– لا تتدخل بقدر، ولا تقحم انفك بأمور لا تعنيك.
– اريد ان ادخل ريس.
همست وهي تحاول جذب يدها فيضغط عليها اكثر وينظر اليها بينما يهتف بتسلط لم يقدر على تحمله علي:
– ستنفذين كلامي انا.
– اتركها تدخل.
دمدم علي وقد ضاق صدره فيلكمه ريس على صدره بينما يهتف بعصبية:
– بمن تتدخل انت؟ الم اخبرك ان لا تتدخل؟
ارتدّ علي الى الوراء بتفاجؤ.. وكاد ان يرد له ما فعله ولكن قدر التي جذبت ريس الى الخارج بخوف ردعه.. فزفر بسخط قبل ان يشتم ريس بسبب صلة القرابة التي تجمعه بقدر..
لم يسمح ريس لها ان تستمر بما تفعله وهي تخرج به من الجامعة.. ضغط على يدها قبل ان يجذبها اليه فتتراجع بقوة ويرتطم وجهها بصدره..
تأوهت بوجع ثم رفعت مقلتيها الغاضبتين اليه وغمغمت:
– ماذا تريد مني يا ريس؟
– الم اتشاجر معك بسبب علي؟
زمجر لترد بهدوء:
– انا لم اعدك باي شيء.
ثم ابتسمت واضافت:
– وعلى اي حال سند يثق بي.. فتقدر ان تخبره انني كنت واقفة مع علي وسترى رد فعله كيف سيكون.
– هل يثق بك حقًا؟
قال بتهكم وهو يحدجها بنظرات ذات مغزى فتبتسم وهي تتأمل عينيه التي لا ترحمها ابدًا.. صارت لا تتلقى من هذه العينين الا القسوة والاستهزاء..
“إجرح اكثر.. إجرح يا حبيب القلب.. إجرح”
لم تبجس من ثغرها اي رد قد يرضي غروره وهي تستدير فيقف قبالتها سريعًا ليكبحها من الاسترسال في سبيلها للابتعاد عنه وعن قساوة جروحه..
– لم انهي كلامي معك بعد.
هتف بفظاظة وهو ينظر اليها بتعجرف لتتنهد بتعب قبل ان تغمغم:
– تفضل يا ريس.
– من الذي طلب يدك للزواج؟
تساءل وهو يرمقها بنظرات باردة لتبتسم وتغمغم:
– لا يهم من.
– الهذه الدرجة ترغبين في الزواج؟ خائفة ان تكبري ويضيعون الرجال من يدك!
قال ريس باستهزاء مزّق نياط فؤادها المكلوم عشقًا ثم رسمت اوجع ابتسامة قد تقدر على رسمها وهمست بكلمات مبهمة:
– اجل، يمرّ الوقت واكبر.
ردعت بقية كلماتها من الانبجاس وهي تسترسل في ثناياها بوجع:
– كلما اكبر ازدادُ غباءًا وينتشر سمّ عشقي لكَ في جسدي اكثر واكثر.
– هل علي الذي طلب يدك للزواج؟
سألها بتوجس لتهتف بعصبية وهي تبتعد الى الوراء:
– لا، ليس هو ريس.. هل ممكن ان اذهب الان؟
– لا.. لا يمكن.
ردّ بحدة لتغمغم بقهر:
– لا اريد ان اسمعك اكثر.. لدي محاضرة.
– من هو يا قدر؟
هتف وهو يثبّتها امامه بضغطه على كتفيها فتقول بارهاق وكأنها تريد التخلص منه فقط والانقشاع بعيدًا عنه:
– معلم مدرسة.. لا تعرفه انت.
قهقه ريس بغية اثارة الوجع في روحها ثم اردف:
– معلم مدرسة!! الهذا تودين ان تتركي الجامعة؟ هل اكتفى العريس الجديد بشهادتك السابقة ويريدك ان تعملي معه؟
– اجل اكتفى.. وانا اكتفيت منك.
صاحت بغضب بينما شعورها بالذل يستفحل في قلبها فيحرقه وكأنه ينتظر رماده بفارغ الصبر.. تود ان تبكي واذا لم تفر هاربة الان من امامه ستبكي امامه وهي حقًا اكتفت اهانات.. يكفيها.. تجرّعت من كؤوسه السّامة هذه الفترة اكثر مما تقدر.. لم يعد بامكانها التحمل اكثر..
– سأزوركم اليوم مع جدي لأعرف العريس ويحق لي ان اعطي رأيي بما اني صديقك.
قال ريس لتهز رأسها باستياء مرير وتغمغم:
– صديق! ايّ صديق انت؟ ايّ صديق؟!
——————–
يتبع..