رواية غزلًا يوقده الرجال
ربما لم أعشق غيرك..
ولم افكر قط برجل غيرك..
ربما تعلمت السير ويدي بيدك..
وإعتدت انني سأسقط ببعدك..
ربما ببسمة منك أنسى وأضحك..
وبلمسة دافئة منك أتمنى طيلة الحياة قربك..
صحيح.. أحببتك ولا زلت أحبك..
ولا زالت وسادتي الوحيدة هي صدرك..
ولكن هذا لا يعني انك لست ملكي بينما انا ملكك..
لا يعني ان تجرحني لأنني أعشقك..
لا يعني ان تقسو علي وإبتسم وكأنني أسمع غزلك..————————
لم تصدق قدر جنون ريس الى اين من الممكن ان يصل! فقط تتمنى ان تصفعه عسى ان يعود اليه عقله قليلًا.. هتفت قدر بتماسك وهي تبحث عن سيارته من خلال المرآة الأمامية:
– ريس هل فقدت عقلك؟ عُد ادراجك حالًا ولا تُسبِّب لي المزيد من المشاكل.
إبتسم ريس ثم قال بجدية:
– لا تقلقي لن أتسبب لكِ بأي مشكلة.. ركّزي بقيادتك فقط ولا تلقي بالًا لشيء آخر.
تأففت قدر بحنق:
– يا الله يا ريس ما هذه التصرفات؟ منذ متى تصرفاتك صارت كالمراهقين تمامًا لتتبعني هكذا؟ انت حقًا مجنون!
إرتسمت على شفتيه إبتسامة عاشقة:
– انا أحبك قدر وانتِ تريدين مني ان أثبت لك وسأفعل رغمًا عنك.. أعرف جيدًا إنك تحبينني ولكنك تأبين الإعتراف بسبب غروري السابق بالتعامل معك.. ويحق لكِ ان تفعلي.. ولكن يجب ان تعرفي مهما حدث أسمك لن يرتبط إلا بأسمي.. وداعًا قدري.. سأتبعك فقط حتى تصلين سالمة الى منزلك.
*****************
قعدت مها بجانب جدها جواد بتوتر.. لقد أخبرها هيرمان ان ريس ولين تحدثا مع جواد وريما البارحة حول علاقتهما.. والله وحده يعلم ما الذي سيحدث الآن فنظرات جدها قيس مريبة ومربكة..
إزدردت ريقها وهي تتطلع بصمت الى أناملها المتشابكة ببعضها البعض بإرتباك وقلق بينما نظرات الجميع مثبّتة عليها..
– لماذا لم تخبرونا ان مها بعلاقة مع رجل ألماني؟
تساءل جواد بنبرة غامضة فرفعت مها وجهها سريعًا وقالت بإندفاع:
– انا لستُ بعلاقة معه.. انا فقط احبه وهو يحبني ويريد الزواج بي!
إبتسمت ريما بينما زجرتها حياة:
– مها! إنتبهي لكلماتك.
عضّت مها شفتها السفلى بضيق وهي تدعو الله ان تسير الأمور كما تتمنى.. لقد طالت هذه المسألة حقًا وهي تريد الزواج بهيرمان واذا لم يوافقوا سترفض الزواج من اي رجل غيره..
سمعت والدتها تبرّر لجدها بما حقًا اخافها:
– ابي نحن لم نخبرك لأننا لسنا موافقين على هذا الشاب.
– وما سبب معارضتكم ما دام الرجل يريد ابنتكم على سنة الله ورسوله؟ لقد سمعت انه إعتنق دين الإسلام.
هتف جواد بجدية فكان الرد هذه المرة من قِبَل أمير:
– عمي انا اعرف تفكير الألمانيين تجاه ديننا.. لقد عشت في ألمانيا لسنوات واذا كان الشاب يريدها حقًا كزوجة فأبصم لك ان والديه لن يوافقا.. وانا ومها وعائلتي نعرف نظرتهم جيدًا وندرك العنصرية التي في داخلهم تجاهنا.. ثم ما الذي يضمن لي انه لم يدخل دين الإسلام فقط ليتزوج ابنتي وربما بعد ذلك بسنة او سنتين سينفصلان وستتدمر حياة ابنتي بسبب حب عابر سيكتشفان لاحقًا انه غير حقيقي؟
– هيرمان ليس من هذا النوع ابي.. هو من حثّني على الحجاب.. كما انه يحبني منذ سنوات وقد دخل الإسلام قبل ان يعرف بمشاعري تجاهه.. والله هيرمان مختلف عن ما قلته.
غمغمت مها بآسى في حين هرعت الدموع لتتجمهر في مآقيها الشجيتين.. يا الله كيف تقنعهم بصدق مشاعر هيرمان تجاهها وتجاه دين الإسلام!
طرقات قوية توالت على باب المنزل منعتهم من الرد على ما تفوهت به مها فأشار امير لليليان برأسه ان تنهض وتفتح الباب:
– إنهضي وإفتحي الباب.
وثبت ليليان عن مقعدها بتأفف لتفتح الباب وما ان فعلت إرتدت سريعًا الى الوراء ولين تدفعها قائلة:
– مرحبا.. لقد سمعت ان السهرة ليست جميلة بما انني غير حاضرة.
إبتسمت مها بأمل فغمزت لها لين ثم أدارت وجهها تجاه الباب وصاحت:
– هيّا أدخل يا ريس.. لقد قلت لك ان تشتري عكاز لتقدر على السير بطريقة أفضل.
ضحكت ليليان بمرح ثم سرعان ما كتمت ضحكتها وهي ترى ريس يدخل وبرفقته هيرمان! تطلعت ليليان بفضول الى الوراء لتعرف رد فعلهم فإبتسمت وهي ترى الصدمة تشع من عينيهم.. ثم فغرت فاهها وهي تسمع هيرمان يلقي التحية بقوة وثبات:
– السلام عليكم.
– هيرمان!
همست مها بشوق ودموعها تهددها بالإنهمار على وجنتيها.. سمعت رد البعض عليه ولكن عيناها لم تتزحزح عنه.. يا الله ما أجمله! تعشقه بجنون..
إبتسمت وهي تسمع ريس يأمره ان يدخل باللغة العربية مع انها تدري انه يجيد التحدث باللغة الإنجليزية وبطلاقة:
– تعال يا ولد وإجلس بجانبي.
نظر هيرمان له بعدم فهم فألقت لين نظرة حانقة على ريس الذي قعد بوقاحة بينما الجميع لا زال واقفًا ثم تطلعت الى هيرمان بإبتسامة لطيفة وقالت:
– تفضل هيرمان.
حمحمت لين بحاجبين مرفوعين ثم قعدت بجانب ريس الذي فرد ذراعه على ظهر الأريكة وأردفت:
– إجلسوا.. أشعر إنني انا الآن هي صاحبة المنزل.
إنصاعوا لطلبها بينما غمغمت حياة بإبتسامة باهتة بسبب وجود هيرمان:
– بالطبع انتِ من اصحاب المنزل خالتي.
إبتسمت لين ثم لكزت يد بريس فتأفف وقال:
– لقد احضرنا الشاب معنا فهو يريد ان يتزوج إبنتكم على سنة الله ورسوله ولين زوجتي تدعمه.
– وريس ايضًا يدعمه.
تمتمت لين بغيظ بسبب اسلوب ريس ثم مالت عليه وهمست بجدية:
– ريس لا تكن جلفًا ونفِّذ ما طلبته منك بالحرف الواحد.
رشقها ريس بحنق قبل ان يتطلع الى أمير ويقول بنبرة جادة حازمة:
– هيرمان التجأ الينا وقد عرفنا انه يريد ابنتك يا هيرمان.. وحسب ما ارى ان الشاب صادق بمشاعره ولا يوجد اي سبب قد يحثكم على رفضه.. انا ولين تحدثنا معه وانا وجواد نكفله.
– وانا ايضًا.
اضاف قيس بهدوء فتنهد أمير ثم نظر الى هيرمان وسأله باللغة الألمانية:
– هل تحدثت مع والديك وأخبرتهم عن إعتناقك دين الإسلام؟
اجاب هيرمان بجدية:
– آجل.. لقد فعلت.. لأكن صريحًا هما عارضا ولكن هذا قراري انا.. الدين الذي اراه صحيحًا وأكثر صدقًا أعتنقه رغمًا عن الجميع.. وانا منذ سنوات اقرأ عن الإسلام بسبب حديث مها عنه.. والحمدلله مها كانت احدى الدوافع التي جعلتني أعتنق الإسلام.
إبتسمت مها بحب وهي تسمع هيرمان يردد العبارات الإسلامية التي علّمته إياها بنفسها..
– وما كان رأيهما عن رغبتك بالزواج بإبنتي؟
– أبي فقط من عارض ولكنه يعرف ان هذه حياتي الشخصية وفي نهاية الأمر انا الذي أقرر من هي التي سأتزوجها وهو رفض فقط لأنه يعتقد انني إعتنقت دين الإسلام بسببها فقط مثلما تفكرون.. ولكنني سأثبث له لاحقًا ان لا علاقة بين رغبتي بالزواج من مها وإسلامي.
نظر أمير الى مها التي تحدق بهيرمان بعينين عاشقتين شغوفتين فأخذت نفسًا عميقًا وهتف:
– لأوافق فعلًا اريدك ان تأتي بوالديك لتطلب يد إبنتي.. نفّذ هذه الخطوة أولًا وبعد ذلك سنتكلم عن بقية الشروط.
قفزت مها من مكانها ثم إرتمت بحضن أمير، هاتفة بعدم تصديق:
– والله أحبك يا أغلى أب.. شكرًا.. شكرًا.
– هلّا فسّر لنا احد المحادثة التي دارت الآن باللغة الألمانية فانا أشعر انني كالأطرش الذي يجلس وسط الزفّة.
هتف ريس بغيظ فأيّدته لين ضاحكة:
– ليفسّر لنا احد ما.. فيكفي العمل الذي تعبته خلال هذه الفترة.
عانقتها مها بإمتنان وحب وهي تفسّر لهم حديث والدها وهيرمان..
*****************
شعرت جهاد بشيء ناعم يمرّ على وجهها ففتحت عينيها بصعوبة ثم نظرت بعبوس الى خصلات شعرها التي بيد سند وغمغمت بضيق:
– دعني انام وإترك شعري.
إبتسم سند بعبث:
– هل ستنامين طيلة النهار وتبقين مستيقظة طيلة الليل وكأننا بشهر عسلنا حقًا؟
زحفت حمرة الخجل الى وجنتيها وهي ترد:
– لا تحلم كثيرًا.. وانا رضيت بعدم السفر حاليا لأن وضعي الصحي سيء ولكن لتضع بالحسبان اننا سنسافر بعد شفاءي بإذن الله لعدة دول كأشهر عسل وليس شهرًا واضحًا!
قهقه سند بإستمتاع ثم مال عليها ليرّسخ حدقتيه بعينيها السوداوين:
– ما دام السفر له علاقة بالعسل فليكن سنة عسل ولن أعارض.. الحمد لله انكِ التي إقترحت.
– وقح.. إبتعد عني لأنهض.
تمتمت جهاد بخجل واضح فغمز لها سند بعبث:
– هل تريدين مني ان أحملك كالبارحة ام ان الإعاقة اليوم ليست سيئة الى ذلك الحد؟
هتفت جهاد بحنق:
– بعد ان رأيت وجهك صرت معاقة ايضًا بالرؤية.. تفضل وإحملني حتى الحمّام.
ضحك سند ملئ شدقيه:
– طلباتك أوامر أيتها الأميرة جهاد.. ولكن كما تعلمين الدفع قبل الرفع.. فإدفعي الفاتورة اولًا وسأنفذ الطلبية.
بوجه ملتهب بحمرة الخجل دنت جهاد بوجهها منه فأغمض سند عينيه إستعدادًا لتلقي قبلتها ولكنه سرعان ما فتح عينيه وتأوه بألم وهو يشعر بأسنانها تعضّ وجنته بعنفٍ..
إبتعدت جهاد عنه بإبتسامة شيطانية وهمست:
– أحيانًا حبيبي يكون الحساب قاسيًا.. تعيش وتتلقى حسابًا كهذا مرة اخرى ان شاء الله.
إبتسم سند وهو يتحسس وجنته مكان عضّتها الشرسة ثم بحركة سريعة احاط مؤخرة رأسها بيده وجذب وجهها اليه ليقبّلها بقوة وشغف.. كقبلة ليلة البارحة ولكن مع بعض العنف..
تجاوبت جهاد معه حينما طالت القبلة، مرغمة بسبب المشاعر التي إجتاحت أوصالها.. وراضية بطريقة غريبة أزعجتها..
بعد دقائق لا تدري كم طالت إبتعد عنها سند وغمغم بإبتسامة ملتوية:
– بإمكانني ان أقدم شكاوى وأخذ حقي كما يجب.
لم تنبس جهاد ببنت شفة وإكتفت بوضع رأسها على صدره، مستمتعة بهدير قلبه الصاخب بينما يسير بها سند الى الحمام الذي خارج غرفتهما عمدًا.. فوجودها بين ذراعيه هو غايته الوحيدة..
ساعدها هذه المرة بنفسه على غسل وجهها وفرش أسنانها ولم تفتها نظراته الوقحة الحالمة وتعليقاته الساخرة الماكرة التي جعلت قلبها يخفق بجنون ووجهها يتوهج أكثر بحمرته..
بعد ان أجبرته جهاد ان يخرج من الحمام ويتركها قليلًا توجه سند الى المطبخ ليعدّ شيئًا بسيطًا لهما وقبل ان ينتهي سمع صوتها تنادي عليه فإبتسم بعبث ثم أغسل يديه وذهب اليها ودون اذن فتح الباب وهتف بمزاح:
– أرى انك تتدللين الآن أيتها الأميرة.. سينكسر ظهري بسببك وانا أحملك من مكان الى آخر.
– هذا عملك فلا تعترض بكلمة.
قالت جهاد بترّفع فرفع سند حاجبه الأيمن بإعجاب ساخر ثم حملها وسار نحو المطبخ..
– زوجة وقحة.. يجب ان أعاملك كما كانوا يعاملون المرأة في العصر الجاهلي.
– زمن أول تحول حبيبي.
همست جهاد بتهكم فإبتسم سند ثم أنزلها على أحد المقاعد وقال:
– انا أرى حبيبتي.. انا الذي بتُّ اخاف منك لا انت.. في هذه الدنيا يوم معك ويوم عليك.. الله يرحمنا من نساء الجيل القادم!
ضحكت جهاد بطريقة ابهجت قلبه وسلبت كل حواسه:
– آمين.. سند انا جائعة فإنهي ما كنت تفعله لأنني اتضور جوعًا.
تمتم سند ساخرًا بطريقة فكاهية:
– حاضر يا حضرة الأميرة جهاد.. أي اوامر ثانية؟
– لا.
أجابت جهاد بترفع فضحك سند ثم إنحنى يقبّل وجنتها وعاد لتنفيذ أوامر الأميرة جهاد..
*****************
كتمت نرمين شهقتها حينما إستدارت ووجدت ياسين يقف خلفها.. حدجته بنظراتها الحانقة وهي تسأله:
– ماذا تفعل هنا؟ ولماذا تقف هكذا خلفي؟
– إجلسي.. أريد ان أتحدث معك.
قال ياسين بهدوء فزمت نرمين شفتيها ثم توجهت نحو مكتبها وقعدت..
– قل ما لديك.
قعد ياسين أمامها وملامحه لا تشي بشيء الا الجدية التامة.. تنحنحت نرمين حينما طالت نظراته المرسخة عليها بطريقة غير مريحة.. فأخذ ياسين نفسًا عميقًا وقال:
– لقد رأيت والدك البارحة.
تلقائيًا تحفزت ملامحها وومضت عيناها بنظرات بربرية شرسة وهي تهدر:
– هل ذهبت اليه؟ ما الذي تبحث عنه بالضبط سيد ياسين؟ لقد أخبرتك ان لا تتدخل بشؤون حياتي الخاصة.. لما لا تفهم وتبتعد عني؟
ببرود مستفز أجاب ياسين:
– لا أريد ان أبتعد عنك.. انا الذي أقرر ما أريد فعله وما لا.
– ياسين!
زمجرت نرمين بعصبية بدت فاتنة لعينيه حد الألم.. رباه ما هي المشاعر التي يكنها لهذه الفتاة الإجرامية.. كارهة الرجال؟!
بإبتسامة ماكرة وقف ياسين ثم إستدار حول مكتبها الصغير ووقف بجانبها تمامًا.. ثم أسند يديه على مقعدها، يطوّقها بجسده وأحنى وجهه قبالة وجهها ليتأمل عينيها الشرستين التي لا تخاف ابدًا عن قرب..
– اذا كانت الخيانة متأصلة بجذور عائلتك وزوج أختك فهذا لا يعني ان جميع الرجال مثلهم.. إذا تمّت معاملتك بقسوة من قبل الرجال الذين مرّوا في حياتك فلا يعني ان كل الرجال ستعاملك بقسوة وستحاول ذلك.. إذا كانت شخصية نساء عائلتك ضعيفة ويصمتن عند الذل والخيانة فإنتِ لستِ مثلهن.. انتِ صاحبة اقوى شخصية عرفتها ومحاولتك للتعرف على رجل يغير معتقداتك لن يضعفك ابدًا يا نرمين..
بهتت ملامح وجهها وهي تحدق به بصدمة.. من أين عرف كل هذه الأمور؟ تألقت دموع الغضب بمقلتيها ولكنها لن تذرف اي دمعة.. لا امامه ولا امام غيره..
تساءلت نرمين بحدة:
– من اين عرفت هذه الأمور؟
– لا يهم.. المهم ان تغيّري تفكيرك ونظرتك عن الرجال.
اجاب ياسين بهدوء على سؤالها المرتجف فتشدقت نرمين بتهكم تخفي به تأثرها:
– تتحدث وكأنك مهتم بي حتى أغير نظرتي عنك!
إبتسم ياسين بنعومة وقرّب وجهه أكثر منها حتى كادت أنفاسهما تختلط.. ثم همس:
– ومن قال إنني لا افعل.. انا افكر بك أكثر من مجرد شريكة عمل أو فتاة قوية.. تفكيري بك أعمق بكثير.. إهتمامي بك ينبع من مشاعر خاصة تعبث بقلبي وعقلي نرمين.
رفرفت نرمين برموشها وبرد فعل لا إرادي دفعت رأسها الى الوراء بينما إزدادت وتيرة انفاسها وهي تغمغم بإرتباك:
– ماذا تقصد؟
إتسعت إبتسامته العابثة:
– انتِ ذكية نرمين فلا تحاولي ان تصطنعي الغباء.
– إبتعد اولًا.
تمتمت نرمين بغيظ فقهقه ياسين وإبتعد عنها بتكاسل:
– إمنحيني الفرصة لأهدم حصونك الخائفة وأعدك انني لن أخذلك ابدًا.. لا تنكري يا نرمين الكيمياء التي بيننا.
– إنت مجرد زميل عمل…
هميت نرمين بنبرة مرتبكة فقاطعها ياسين بثقة:
– بل اكثر من مجرد زميل عمل.. انا أريدك نرمين.. أريد الزواج بك.. انتِ تعجبينني منذ فترة وانا لستُ كبقية الرجال التي تعرفينهم.
إزدردت نرمين ريقها بصعوبة ثم أغمضت عينيها لوهلة وهتفت بجمود مفاجئ:
– لا! انا لا اريدك ولا أريد غيرك.. فتفضل وأخرج الآن ودعني لوحدي لأتابع عملي.
– لن أضغط عليك الآن.. ولكن انا بنفسي سأخرجك من هذه القوقعة البائسة التي تحيطين نفسك بها.. وأعدك يا نرمين ان يتم زواجنا قريبًا وبموافقتك.
قال ياسين بجدية قبل ان يغادر مكتبها لتزفر نرمين بضيق وهي تحس بمسننات قاسية تفتك بحلقها وبأنين خفقات مؤلمة تبجس من فؤادها..
*****************
إبتسم عمر بغرور وهو يرى ان لونا قد نفذت كل ما طلبه منها بالحرف الواحد.. كان جائعًا بحق ورائحة الطعام الشهية لم تزيد الا من انين معدته.. ولم يكن أمامه اي حل سوى ان يرمق لونا بنظرة ذات مغزى حتى يدعونهم على مائدة الطعام وبعد ذلك يكملون حديث التعارف بين العائلتين..
كتمت لونا ضحكتها ثم نكزت والدتها بخفة لتقول:
– تفضلوا يا جماعة على الطعام وبعد ذلك سنتحدث بوضوح أكثر.
نهضت سيلا وهي تهمس لليث بتبرطم:
– اذا لم يكن طعامهم لذيذًا سأغيّر رأيي.. فأنا أخشى على معدة ابني من التسمُّم.
– لن يصيبه اي شيء.. ها انا قضيت حياتي أكل من الطعام الذي تطهينه ولم أتسمم.
اجابها ليث ضاحكًا فهمست له بتهديد:
– حسابك في المنزل.
قعدت لونا بجانب عمر ولم تخجل ابدًا بسكب الطعام له بنفسها.. كانت بهجتها واضحة لجميع العيون والنظرات العاشقة تطلّ من حدقتيها بسخاء.. لقد تمّ تعيين موعد الخطوبة وعقد القرآن بعد شهر.. وتحمد الله ان لا احد من العائلتين إعترض على علاقتهما إلا سيلا التي شعرت انها تغار منها قليلًا ولكن منذ متى كانت لونا تبالي؟ فما دام عمر معها لا يهمها الكون كله..
همس ريس للين الجالسة بجانبه:
– منذ الآن يجب ان نتقاضى اجرنا.. نجمع بين هذا وذاك ولا احد يعبّرنا.
ضحكت لين بخفة:
– بقيت مهمة واحدة حبيبي.. ما ان تنتهي سنسافر انا وانت لوحدنا.
– لا تتوقعي ان اتدخل بقضية حفيدك الأحمق المدلل.
تمتم ريس بحنق فإبتسمت لين وهي ترد:
– بهذه الطريقة لن يضايقك بعد الآن بإلتصاقه بي.. فبجب ان تتخلص منه بهذه الطريقة يا قلب لين.
– بماذا تتهامسان؟
تساءل ليث ضاحكًا فردت لونا بإبتسامة شقية:
– يتغزلان ببعضهما البعض كما نفعل انا وعموري احيانًا.
– ضاعت هيبة الضابط.. عموري!
تمتمت سيلا بضيق فأنّبها ريس بسخرية:
– كما ضاعت هيبة زوجك.. ليثي!
تعالت ضحكاتهم بينما سأل عمر لين:
– جدتي ما الذي يحدث مع جدي؟
– هذه آثار الشيخوخة حبيبي.. كلما يكبر كلما يفقد شيئًا من عقله.
اجابت لين ضاحكة فرشقها ريس بنظرة متوعدة كانت تخافها يومًا ما ولم تعد تأبه لها ابدًا منذ فترة طويلة..
بعد ان خرجت لونا وعمر ليجلسا في حديقة منزلهما تعارفتا العائلتان اكثر وإنسجمت سيلا بهذه الأجواء التي ذكّرتها بحياتها القديمة..
كان منزل عائلة لونا بسيطًا متواضعًا ولكنه يشع حيوية ودفئًا بطريقة تهدئ الأعصاب.. كما كانوا يمتازون أفراد عائلتها بالبساطة الشديدة فرغمًا عنك تحبهم وتتجاوب معهم..
في الخارج..
غمغمت لونا وهي تتحسس السوّار الذي أهداها اياه عمر قبل قليل:
– عموري.. شكرًا على كل شيء فعلته.
إبتسم عمر وأمسك يدها بنعومة:
– انا الذي يجب ان اشكرك فأنت اجتزتِ الإختبار وبإمتياز.
قهقهت لونا بمرح:
– لقد خبئت لك علبة من ورق العنب لتأخذها معك عندما تغادر.. يسرّني ان كل شيء أعجبك عموري.
إبتسم عمر ثم تساءل بخبث:
– كيف حال مديرك الآن؟ وكيف يعاملك؟
– يعاملني كالأرانب.
اجابت لونا ضاحكة بشماتة فقال عمر بحاجبين معقودين:
– من الأفضل ان يبقى هكذا.. والا يعرف جيدًا ما الذي سأفعله به.
إبتسمت لونا بحب ثم هتفت بمزاح:
– حبيبي الذي يخاف علي يا ناس!
*****************
زفرت قدر بحنق حالما انتبهت لريس الذي يقف بجانب بوابة المدرسة التي تعمل بها.. يقف بطريقة بدت جذابة جدًا لعينيها.. يسند ظهره على الجدار الخارجي للمدرسة بينما يضع قدمه اليمنى فوق اليسرى وفي يده… سيجارة!! ريس يدخن!!
بدا كأحد رجال العصابات بسترة سوداء جلدية وبسروال من الجينز لونه أسود.. وتلك السيجارة والنظارات السوداء!
تجهمت ملامحها وهي تسير نحوه بعصبية.. منذ متى وهذا الأبله يرتدي مثل هذه الثياب المرعبة.. الجذابة جدًا! بل منذ متى يدخن؟!
إرتسمت على شفتيه إبتسامة لعوب وومضت عيناه بنظرات خبيثة من تحت النظارات الشمسية وهو يرفع سيجارته عمدًا ويأخذ نفسًا منها ثم يطلقه بذات اللحظة التي توقفت بها أمامه..
– ماذا تفعل هنا يا مجنون؟ ومنذ متى تدخن وما هذا المنظر؟
هدرت قدر بعصبية فأجاب ريس بسماجة:
– كنت أنتظرك يا روحه للمجنون.
تجاهلت نبرته السمجة وهي تسأله بضيق:
– ريس منذ متى تدخن؟
– منذ بضعة أشهر.. سأقلع عنه اذا وافقتِ ان تتزوجيني.
رد ريس بإبتسامة عابثة وهو يبعد النظارات الشمسية عن عينيه فأطلقت قدر تنهيدة ثم قالت بهدوء:
– اذا اردتَ ان تدخن ام لا هذه حياتك وليست حياتي.. ولكن انا انصحك ان تقلع عن التدخين كي لا تصبح مدمنًا وليست هناك حاجة لأخبرك كم ان التدخين مضرٌّ للجسم فهذه المعلومة باهتة ومعروفة.
القى عليها نظرة ساخرة بعد ان رمى سيجارته على الارض ثم قال بجدية وهو يجذب يدها برفق نحو سيارته:
– تعالي معي لأوصلك الى منزلك.
– لا أريد.. أستطيع السير على الاقدام فمنزلي ليس بعيدًا ولذلك لم أستخدم سيارتي.
هتفت قدر وهي تحاول جذب يدها فرشقها ريس بنظرة أربكتها ثم دون ان يبالي بمقاومتها أدخلها الى السيارة وإنطلق..
تململت قدر بعدم إرتياح على مقعدها فتطلع اليها ريس لوهلة ثم قال:
– هل تعرفين ان هذه البلدة لا تبعد كثيرًا عن البلدة التي أعمل وأعيش بها؟ مسافة الطريق بين البلدتين لا تأخذ اكثر من ساعة.
– لم اسألك.
تمتمت قدر بجفاء فإبتسم ريس بإعجاب:
– لسانك طويل يا حلوتي.
عقدت قدر حاجبيها سريعًا ولم تعقب فور إستيعابها ان السيارة تنطلق الى خارج البلدة وليس الى منزلها.. فهدرت بغضب:
– الى اين تأخذني يا مجنون؟ لقد قلتَ لي انك ستوصلني الى منزلي.. كان يجب ان اعرف انك شخص لا يجب الوثوق به.
ضحك ريس بإستمتاع:
– والآن عرفتِ وتأكدتِ حبيبتي.. فقط أغمضي عينيك الى ان نصل ودعيني اتأملك خلال قيادتي كما اريد.
– انت حقًا انسان مختل.
زمجرت قدر بحدة فاومأ ريس لها مؤيدًا بإستفزاز لتقضم شفتها السفلى بحنق وتوتر بينما السيارة تنطلق بها الى مكان مجهول..
بعد نصف ساعة تقريبًا ركن ريس السيارة بجانب متجر صغير للذهب والفضة فعقدت قدر حاجبيها بتوجس وهي تسأله:
– لماذا احضرتني الى هنا؟
– لشراء خواتم الخطوبة حبيبتي.
اجابها ريس ببرود فحدجته قدر بنظراتها الساخطة وصاحت:
– لا أريد اي شيء منك.. فأعدني يا ريس حالًا الى منزلي.
ترجل ريس من السيارة دون مبالاة ثم توجه الى الناحية التي تجلس بها وفتح باب السيارة ودون اي كلمة أخرجها من السيارة فحاولت قدر جذب يدها من قبضته عبثًا..
هتفت قدر بعصبية:
– سأتصل بخالي أوس واشكوك له.
– هذا الخاتم سترتدينه مؤقتًا ليعرف الجميع انك محجوزة لي فقط وبعد ان ينتهي عمل جدتي لين مع عائلتك سأشتري طقمًا كاملًا لك.
قال ريس بجدية وهو يجرّها الى داخل المتجر فزمت قدر شفتيها وهي تتطلع الى الخواتم الذهبية.. وفكرة مجنونة داهمت عقلها لتسأله بإبتسامة خبيثة:
– هل ستشتري لي أي خاتم يعجبني مهما كان سعره؟
بإستفزاز اجاب ريس:
– بالتأكيد لا.. هل ترينني ملياردير؟ وأساسًا ذوقك ليس جميلًا فأنا الذي سأختار وانتِ سترتدينه فقط.
بصعوبة تحكمت قدر بقبضتها كي لا تلكمه وتحطم له اسنانه.. إختار ريس لها بنفسه خاتمًا ذهبي ثم بإبتسامة متعجرفة طلب منها ان تختار له خاتمًا.. فإختارت له قدر خاتمًا فضي تحت وطأة إصراره.. ولتثبت له ان ذوقها اجمل من ذوقه إختارت له خاتمًا جميل جدًا حتى انها جعلت التاجر يعترف بحسن ذوقها ليغتاظ ريس ويرشقه بنظرات حادة..
بعد ان خرجا من المتجر فتح ريس علبة الخواتم وألبسها الخاتم رغمًا عنها.. ثم هتف بتهديد:
– حاولي ان تنزعيه من يدك وأعدك يا قدر ان تري جنونًا حقيقيًا من قِبَلي.
– وهل يوجد المزيد من الجنون؟
تمتمت قدر بسخط وريس يمسك بيدها قسرًا لكي تُدخل الخاتم في بنصره.. فأجاب ريس بنبرة شيطانية:
– لم تري شيئًا بعد.
– عسى ان ارتاح من هذا الإبتلاء قريبًا.
غمغمت قدر بحنق فهتف ريس بتسلط:
– ضعي حزام الأمن.. ولا تتحدثي أكثر.
****************
إرتسمت على شفتي حمزة إبتسامة ساخرة لئيمة حينما إنتبه الى صابرينا التي رآها بعض المرات واقفة بجانب مقر عمله وشاب ما يطوّق يدها بيده بينما يتأملها بنظرات حب صبيانية.. فتاة صغيرة وقحة! إبنة أخته لليث الجايد تواعد شابًا بعمرها بالتأكيد سرًا!
بخطوات ثعلب ماكر إقترب منهما حتى وقف وراءهما ثم هتف:
– يا إبنة آسر الهيب.
إرتعبت صابرينا وهي تبتعد سريعًا عن الشاب الذي بهت لونه ثم إستدارت بقلب يخفق برعب لتشهق وهي ترى قريب ريما الذي يتواجد احيانًا في المناسبات والذي قد طلب يد قمر للزواج ورفضته..
إبتلعت صابرينا ريقها وهي تغمغم بذعر:
– حمزة! هذا.. هذا صديقي فقط ولا شيء بيننا.
بعنفٍ صفع حمزة الشاب على مؤخرة رأسه ثم ضغط عليها وسأله بإبتسامة شرسة:
– من انت يا ولد؟
– انا زميلها فقط.
أجاب الشاب بخوف فدفعه حمزة وأمره بنبرة مرعبة:
– غادر الآن.. لا بد ان التقي بك مرة أخرى.
عضت صابرينا شفتها السفلى وطأطأت حينما نظر اليها حمزة وسألها:
– هل تعرف عائلتك بمواعدتك لهذا الأخرق؟
– هو زميلي فقط.
أجابت صابرينا بتوتر فهمهم حمزة بتفكير ساخر:
– هل تكذبين يا صغيرة؟ صحيح انكم جيل فاسد.
– لا شيء بيننا.. اذا اردت ان تصدق ام لا فالقرار يعود لك ولا تحاول ان تتصرف معي بهذه الطريقة لأن قدر رفضت الزواج بك.
هتفت صابرين بوقاحة فضحك حمزة:
– صحيح انكِ وقحة ويجب ان أخبر والدك ما الذي رأيته.
– لن يصدقك.. فلا شيء بيننا.
قالت صابريتا بحدة فحكّ حمزة طرف أنفه ثم مال عليها، قائلًا:
– لقد صوّرت الطريقة التي أمسك بها يدك.. هذا أكبر دليل.
– وماذا تريد مني الآن؟
زمجرت صابرينا بقوة تخفي بها رعبها فإبتسم حمزة:
– الآن انا على عجلة من أمري ولكن سأتكلم معك لاحقًا.. ولا تقلقي سأصل إليك بطريقة ما.
————————
يتبع..