فريسه للماضي
فريسـة للمـاضـي
ــــــــــــــــــــ
#الفصل_الرابع_فریسة_للماضي
جلس في مكتبه عدة ايام ليشغل نفسه في عمله ، ولكن تفكيره شرد دون عمدٍ في ضراوة الحديث الذي نشب بينهم ، لم يتوقع معتــز ان يُوضع في موقف كهذا معها ، ولم يضع في اعتباره أختلاف نمط حياتها المرفهه قيد تفكيره ، واقتصر علي حبها له ومدی تعلقه بها ،لم يدري كيف سيقدر علی تنفيذ مطلبها ، فلم يكن بحوزته ما يكفي له،وفكر ماليا في إقتراض بنكي والتسديد لاحقًا ، ولكن خشي عواقب ذلك الأمر وتعثره فيما بعد ، وابتسم ساخرًا متذكرًا شعور زوجته بضيقه ، ولكن ما فكرت فيه جعله مُهان غير قادرًا علي تحمل ظهور ضعفه امامها ، نكس رأسه حزينًا فلم يري ابنته منذ عدة ايامٍ وكان يتفقد أحوالهم من الخادمه رغم قرب المسافة بينهم .
رفع رأسه وجد صديقه جالس ومحدقًا به ، فنظر له باستغراب وحدثه بحيرة :
– انت هنا من أمتی ، انا ما حسيتش بيك .
رد كرم بنبرة متعجبة :
۔ فيك ايه يا معتز ، بقالك كام يوم هنا ، ومبتروحش ، مع ان مراتك وبنتك معاك ، ممكن اعرف فيه ايه.
تنهد معتز بقوة ورد بملامح حزينة الی حدٍ ما :
– سلمي عايزة تخلي باباها يشتريلها السنتر .
كرم بتساؤل :
۔ طيب وانت قولتلها ايه ؟ .
معتر بتعجب :
۔ هقولها ايه يعني ، رفضت طبعًا ، انا لا يمكن اسمح إن حد يصرف علي مراتي ، او يدخل في مسئولياتي ، تابع بعصبية :
– انا راجل يا كرم ، واللي قالته ده أهنيي ، ومش هيحصل طول ما انا عايش .
كرم بتفهم :
۔ اهدي بس يا معتز ، هي بس تلاقيها بتتكلم عادي ، ومتعرفش ان الموضوع ده بيبقي محرج للراجل ، تابع بنبرة لائمة :
– وانك تسيب بيتك ومراتك كام يوم ، مع انهم قريبين منك ، دا غلط يا معتز ، لازم تتكلم معاها تاني وتالت وتعرفها ان كده مينفعش ، وانك مش هتقبل بيه ، بس بالهداوة ، من غير خناق
اومأ رأسه بتفهم ونظر امامه بوجه مكفهر منزعج وأخذ قراره بالعودة للمنزل، فاستطرد كرم بعمليه :
– وصلتنا أخبار ان الجماعة هيوصلوا شحنة كبيرة قوي قريب .
معتز بتفهم :
۔ هيتمسكوا بيها ان شاء الله………
______________________وقفت أمامه لتحكم ربطة عنقه عليه وسط مداعبته لها، فابتسمت لمغازلته الدائمة فيها ، وازعجتها لمساته الجريئة عليها فتذمرت قائلة :
– زين اسكت بقي ، مش عارفه اربط الكرفته .
زين بعبث : هو انا عملت ايه يعني .
نور بضيق زائف : متحطتش ايدك عليا ، خليني اخلص .
زين مدعي الزعل : طيب ، مش هحط ايدي في اي حته .
نور زاممة شفتيها : انت زعلت .
اومأ برأسه ، فاستطردت بدلال : ممكن أصالحك ..
اومأ رأسه بموافقه ، فاقتربت منه بتمايع ووضعت قبلة صغيرة علي وجنته وحدثته :
– لسه زعلان .
عبس بوجهه واومأ راسه ناظرًا لها بعدم رضي ، فاردفت بضجر :
– اومال اعمل ايه .
نظر لها بخبث ودنا منها واخذ قبلة مباغتة من شفتيها ، فصدمت منه ودفعته قائله :
– ازاي تبوسني كده .
زين باستنكار : ايه ده ، انتي اتضايقتي لما بوستك .
اقتربت منها وردت بضيق : لما تبقي عايز تبوسني تقولي .
ثم طوقت عنقه واغمضت عينيها قائله :
– بوس يلا .
كتم ابتسامته ودنا منها مرةً اخري مقبلاً شفتيها بحب ، ثم ابتعد قائلاً :
– كده حلو .
اومأت برأسها ، وردت بمعني : يلا علشان اتأخرت .
زين بتساؤل : هتعملي ايه النهارده ؟.
نور بلا مبالاة : هقعد انضف اي حاجة ، واتفرج علي التي في شوية .
زين وهو يقبل جبهتها : طيب يا حبيبتي ، انا همشي بقي ، وخلي بالك من نفسك .
نور بابتسامة : حاضر يا حبيبي………..
______________________
نهض من علي طاوله الطعام ولكن استوقفته رائحة ما نفاذه اثارت أنفه وقامت بتأليب حواسه ومشاعره الذكورية ، وتسائل وهو يستنشقها :
– ايه الريحة الحلوة دي .
مريم قاطبه بين حاجبيها : ريحه ايه دي .
حسام بتعجب : ازاي مش شامه حاجة! ، دا ريحة برفان يجنن.
مريم بسخط : انا مش حاطه اي برفيوم .
اقتربت الخادمة لتحمل الأطباق ، وازدادت الرائحة ولاحظتها مريم التي اغتاظت منها ، بينما انحني حسام قليلاً وبدأ في استنشاق رائحتها واغمض عينيه باستمتاع ، فحدجته مريم بنظرات ناريه مهلكه ونهضت قائلة باهتياج :
– حســـام ..
انتبه لها حسام وتوتر في رده :
۔ خير يا مريم ، بتناديلي كده ليــه ..
مريم بنظرات غاضبه :
۔ لم نفسك أحسنلك ، انت متعرفتيش ..
حسام بتلعثم : انا كنت عملت ايه يعني ..
نظرت له شزرًا ، ثم وجهت بصرها للفتاة وحدثتها آمـره :
– روح شوفي شغلك ، والقرف اللي انتي حطاه ده مش عايز اشمه تاني ، مش كفايه المسخرة اللي بتلبسيها دي..
اسرعت الخادمة للداخل وسط نظراتها المحتقرة لها ، ونظرت لزوجها الواقف مدعي المسكنه ، وحدقت فيه بغيظ وضيقت عينيها نحوه قائلة :
– عجبتك ريحتها قوي .
حسام منكسًا رأسه : حرام عليكي يا مريم ..دايمًا ظلماني كده .
مريم بسخريه :
۔ لا يا شيخ ، علي اساس انا كنت شايفه ايه من شويه ..
حسام لامتصاص غضبها :
۔ انتي اللي في القلب يا روحي، معقول ابص لدي ، دا حتي كلها علي بعضها وحشه
تابع بصوت خفيض للغاية :
– سامحني يا رب علي الكذب ده .
واستكمل محدثا اياها بهيام :
۔ دا انتي الحب الأول والأخير .
مريم وهي ترمقه بطرف عينيها :
– عليا برضه الكلام ده .
اقترب منها حسام قائلاً بنبرة والهة زائفة :
– انتي بس اللي ماليه عنيا وقلبي .
عضت علي شفتيها بخجل مصطنع ، فتابع بهيامه الزائف :
– الحركه دي قولتلك قبل كده انها بتغريني ..
نظرت له بحب ومطت شفتيها منتظره تقبيله لها ، ولكنه نظر لها مدعي عدم الفهم قائلاً :
– عايزه ايه ، بوقك بيوجعك .
اعتدلت في وقفتها وحدجته بغيظ وهتفت بعصبية:
– عايزاك تمشي من قدامي .
شهق حسام من صوتها المنفعل وهرول للخارج وهو كاتم ضحكته من حياته التي تغيرت للأفضل بفضل تلك الخادمة……
_______________________
حملت ابن ابنتها بين ذراعيها وظلت تهدهد فيه وتداعبه ، ويعلو وجهها فرحة شديدة لرؤيه أحفادها ، تشدقت ثریا بنبرة مطمئنة :
– الحمد لله يارب ، ربنا طول في عمري وشوفت احفادي .
ميرا وهي تضمها من كتفها :
۔ ربنا يطولنا في عمرك يا ماما .
ابتسمت لها ثريا وردت مهونه عليها :
– تلاقيه يا حبيبتي بيسهرك ، ومبتعرفيش تنامي .
ميرا مؤكدة :
۔ ايوه يا ماما ، دا حتي مبقتش فاضيه لوليد ، بقيت بعيدة عنه ، ودا مضايقه .
ثريا بلوم :
۔ لا يا ميرا ، مينفعش كده يا حبيبتي ، لازم تهتمي بجوزك وبطلباته .
ميرا بضيق :
۔ يعني اعمل ايه بس يا مامي ، ما انتي شايفه الولد مجنني ازاي ، ونهله بتيجي علي طول وتشيله معايا .
ثريا باستنكار :
– انتي مش بتقولي الولد متعلق بيكي ومش بيروح لحد ، ازاي بيروح لنهلة .
ميرا موضحة :
۔ اصله من كتر ما بيشوفها هنا ، اتعود عليها .
ثريا بامتعاض :
– انا مش مستريحه للبت دي ، من امتي وهي بتسأل يعني ، وكمان تجيلك كل شوية ، هي معندهاش حاجة تعملها .
ميرا بعدم فهم :
۔ وفيها ايه لما تيجي تقعد معايا شوية .
ثريا بجدية :
۔ اسألي مجربة قبلك ، حافظي علي جوزك من اي حد ، ممكن في لحظه يروح لغيرك ، لما يلاقيكي مش بتهتمي بيه ولا بتشوفيه عاوز ايه .
ميرا بتفهم :
۔ عندك حق يا مامي ، تابعت بتساؤل :
– بس انتي اللي باين عليكي متضايقة ، في حاجة مزعلاكي؟ .
ثريا محركة رأسها بقلة حيلة :
– هيكون مين غير مالك أخوكي ، حاله بقي وحش قوي ومش عاجبني ، واتغير ، مبقاش زي الأول ، ومش بيرد علي أتصالاتي ، وبقي بيشرب وبيجيب بنات الفيلا …
ميرا بصدمة: أيه ! …بنات .
ثريا بضيق :
– البواب بيحكيلي كل حاجة ، حتي بيقول انه مخرجش بقاله كام يوم ، وكان سمع دربكه جوه الفيلا زي ما يكون كان بيكسر في حاجه .
ميرا بقلق :
۔ وليه يا ماما ماروحتيش تشوفيه .
ثريا بانزعاج :
– البواب الغبي لسه قايلي النهاردة ، لو مكنتش اتصلت بيه علشان اطمن عليه مكنش قالي المتخلف ده .
ميرا بقلق بائن :
– روحي يا مامي وشوفيه ، ليكون عمل في نفسه حاجه ، ولا يكون تعبان .
ثريا وهي تنهض :
– انا هروحله دلوقتي ، دا ابني ولازم اطمن عليه………..
______________________
ولج البواب بحذر داخل الفيلا حاملاً بيده بعض المتطلبات المنزلية بحجة رؤيه ما يحدث بالداخل ، خاصةً بعدما عنفته ربة عمله علي تقصيره في إبلاغها عن اخباره ، وبرر ذلك عدم خروجه ومكوثه داخل المنزل الأيام الماضيه .
تقدم نحو الداخل وصدم مما رأي ، فقد اضحی أثاث الفيلا عبارة عن ركام ، نظر له بصدمة جلية وتسائل كيف حدث ذلك ، فقد انقلبت الردهه رأسًا علي عقب ولم تعد صالحه للإستعمال .
حرك الرجل رأسه مبديا استياءه مما رآي .
أتی مالك من الخلف وحدثه بعصبية:
– انت ايه اللي دخلك هنا يا حيوان .
انتفض البواب من مكانه وارتعدت اوصاله ، ثم أستدار بجسده وصدم من هيئته الغير مهندمه ، ونبات بعض الشعر اسفل ذقنه، وشعره الأشعث ، فحدجه مالك بنظرات شرسة وهو يعيد سؤاله :
– ايه اللي دخلك هنا يا حيوان ، يلا أنطق .
البواب بتوتر جم :
۔ ا..أ.انا كنت جايب لحضرتك شويه طلبات .
مالك باهتياج :
– حد قالك اني عاوز حاجه ، بتدخل ليه من غير ما اقولك يا بني آدم انت .
الرجل بتلعثم :
۔ اسف يا بيه ..اصل الست ثريا كانت بتسأل و…
قاطعه بنبرة غاضبة :
– وانت بتنقلها اخباري بقي ، انت اللي بتقولها بجيب بنات هنا .
ارتعد البواب وتراجع للخلف خوفًا من تطاوله عليه ، فاستأنف مالك بصرامة :
– امشي اطلع بره وسبني لوحدي ، ولو دخلت هنا تاني مش هيحصلك كويس ..
اومأ رأسه بطاعة وهرول للخارج معاتبًا نفسه علي تدخله فيما لا يعنيه ، وأقتفی مالك أثره بانزعاج ، ثم نظر أمامه وقام بركل تلك الأريكه المبعثرة وهتف بغضب :
– بكره تشوفوا انا هعمل ايه ، هوريكوا كلكم ……….
________________________
وقف امامها يرتدي ملابسه ، فنظرت له وهمت هي بالنهوض لاففه جسدها بالملاءه ، وتقدمت منه قائله :
– رايح فين ، خليك معايا .
رد ماجد وهو يكمل ارتداء ملابسه :
۔ عندي شغل مهم ، ماينفعش أسيبه .
هانا بنبرة منزعجة :
۔ وشغلك دا اهم مني علشان تسيبني وتروحله .
ماجد باستغراب :
۔ ما احنا كنا مع بعض من شوية .
هانا بضيق :
۔ مع بعض من ورا الناس ، انا عارفه انت ليه مأجل جوازنا لحد دلوقتي ، ناقصك ايه ، تابعت بغيظ :
– ولا خلاص زهقت مني ، وشايف غيري .
رد ماجد بانزعاج :
۔ قولتلك مش جاهز لجواز دلوقتي ، اصبري عليا .
هانا بحزن :
۔ انا بحبك يا ماجد ، ومصدقتش نفسي لما طلبت ايدي .
هتف ماجد بنبرة متعالية :
۔ ودلوقتي بتنامي في حضني ، وبقيتي معايا في كل مكان ، وغيرك بيتمني اللي انتي فيه ، تابع مستهزءًا :
– نسيتي انتي كنتي ايه ..يا….يا هاله …وكنتي عايشة فين ، كنتي في الزباله ، وانا اللي وصلتك لكده .
اغرورقت الدموع في عينيها ونكست رأسها متحسره علي حالتها ، فتنهد هو بقوه وشعر بها ،فتقدم منها وضمها اليه قائلاً بهدوء:
– انتي اللي وصلتيني اني أقولك كده ، انا مش عايز علاقتنا تبوظ ، لاني ببقي مبسوط وانا معاكي .
ثم ابعدها عنه قليلاً وتابع :
۔ وانت عجباني .
دنا منها وقبلها بهدوء معبرًا عن اعتزاره لما تفوه به ، ثم ابتعد عنها وتابع بجديه :
– خلاص يا هانا ، مش عاوز اسمع كلام في الموضوع ده ، وانا لما ابقي جاهز اتجوز ، هنبقي نتجوز علي طول ، خلاص يا حبيبتي .
اومات برأسها وردت بصوت متحشرج :
– خلاص يا حبيبي…………..
______________________
تفاجأ بوجودها تدخل عليه ، نهض من مقعده غير مصدقًا رؤيتها امامه ، فاقتربت منه بسعادة جلية علي طلعتها وهي تنظر اليه ، حملق زين فيها متعجبًا منها واعتلت ملامحه فرحة بائنة لقربها منه ، نظرت له بعدم فهم وحدثته باستغراب :
– انت متضايق ولا ايه انك شوفتني .
دار حول المكتب متجها اليها وهو محدقًا بها ، ووقف قبالتها قائلاً :
– انتي جيتي ازاي؟ .
ضحكت نور بصوت عالي ، وضحك هو الآخر متذكرًا ما حدث بينهم قبل ذلك ،فاستأنف بفرحة :
– انتي اول مرة تيجي هنا الشركة .
نور بسعادة مطلقة :
۔ وهاجي علي طول هنا ، علشان بتوحشني
زين بحب : وانتي كمان بتوحشيني .
نور بدلال :
۔ انا جيت نتغدي برة النهاردة ، عايزه أخرج معاك ونتفسح شوية .
زين بابتسامة فرحة:
۔ النهارده هيبقي ليكي انت ، قوليلي بس عاوزه ايه وانا أعمله يا روحي .
نظرت اليه بتفكير ، ثم عبست ملامحها وزمت شفتيها ، فتعجب زين منها واستطرد متسائلاً :
– ايه اللي زعلك؟ ، انتي كنتي كويسه من شويه .
ردت نور بامتعاض :
۔ ايه اللي قاعده بره دي .
زين بتخمين : تقصدي السكرتيره .
اومأت راسها وردت بضيق :
۔ انا مش حباها ، لازم تمشي .
زين بتعجب :
۔ ليه يا نور ، دي شغاله كويس ، فهميني امشيها ليه
ردت بايجاز : بغيِر .
زين بتأفف :
۔ هتغيِري من السكرتيرة، هو انا هبصلها برضه .
نور بتلميح :
۔ ما انت بصيت لغيرها ، وكانت واحدة لمؤاخذة .
بهتت تعابيره وهو ينظر لها ورد بضيق داخلي :
– خلاص يا نور ، انسي بقي الموضوع ده ، انتي مراتي دلوقتي ، واكيد مش هبص لغيرك وانتي معايا .
نور بمغزي : بجد يا زين ، يعني مش هتبص لغيري .
زين بعدم تصديق : انتي مش واثقه فيا يا نور .
نور بابتسامة زائفة : واثقة ، اصل لو عملتها مش هيحصل كويس .
زين بنبرة واثقة : ودا مش هيحصل ابدا ……………….
________________________
القي البواب علي مسامعها ما فعله به ، وما حدث بالداخل من تخريب ، غير هيئته التي باتت مُبَعْثَرة وغير مرتبة ، انتفض قلب ثريا بارتجافه حزينة علي ابنها ، وتوجهت للداخل وهي تمقت نفسها علي تخليها عنه ووجوده بمفرده يقاسي ويلات همومه واحزانه دون ونيس .
تقدمت للداخل وشهقت مصدومة من هول المنظر ، وأضطربت أكثر من حالته التي تسوء وخشيت ان يصيبه مكروه ما ، دارت ثريا حولها متفحصه الأثاث الذي بات في طي النسيان ، وتوجست من ضراوة افعاله التي ستصيب حتمًا اقرب ما لديه .
لم تتواني في ثبوتها في موضعها ، حتي صعدت للأعلي متجها لغرفته ، هرولت في مشيتها وتعثرت أكثر من مرة غير مكترثه لهيئتها ، ففطرتها الأموميه تحفزها علي رؤيه ما يعانيه فلذه كبدها ، ولجت غرفته وجدته منكبًا علي نفسه ومنكمشًا في الفراش وحالته غير مطمئنه .
نظرت ثريا له بأسي ، ودنت من الفراش وجلست بجواره ، وجهت بصرها لوجهه من الناحية الأخري وجدته غافي غير مدركًا لما حوله ، وضعت يدها علي رأسه عفويًا ومررتها بلطف ، وقامت بضمه لحضنها بحنان لم تعهده من قبل ، شعر مالك بها ، وفتح عينيه وادار رأسه ناظرًا اليها ، ثم ابتسم بسخرية وتحدث بنفور :
– جايه ليه ، دلوقتي افتكرتي ان ليكي ابن .
حركت رأسها حزنًا ولا إراديًا خانتها عبراتها لتنهمر علي خديها ،قسي قلب مالك وهو يطالعها غير مبديًا شفقه عليها ، بل نهض من الفراش بملامح جافه وحدق فيها قائلاً بامتعاض :
– جايه ليه ، انا مش عايز اعرف حد فيكم ، ولا عايز حد يسأل عني ، انا بكرهكم كلكم ، سمعاني ، بكرهكم كلكم .
نهضت ثريا ودموعها مغرقة وجنتيها ، وردت بنبرة متحسرة :
– ليه يا ابني كده ، كلنا بنحبك ومحدش …..
قاطعها بعصبية :
۔ قولت سيبوني لوحدي ، وروحي لجوزك ، انا مش عايز اعرف حد فيكوا .
انفعلت ثريا من اسلوبه الفظ وهتفت معنفة إياه :
– ايه الكلام اللي بتقوله ده ، انت اتعلمت قلة الأدب دي فين ، كل دا علشان ايه ، حبيت واحده وهي بتحب غيرك ، انت لأول ولا آخر واحد يمر بموقف زي ده ، فوق يا ابني قبل ما تخسر اللي حواليك ، تابعت وهي تنتحب بشدة :
– خايفه يجرالي حاجه قبل ما اطمن عليك ، انا امك ومش عيزاك تندم علي حاجه ، انت الشيطان مسيطر عليك ، علشان خاطري يا ابني ، اسمع كلامي ، انا امك ويهمني اشوفك مبسوط.
ثم تعالت شهقاتها الحارقة ، وشعر مالك بالشفقة عليها لوهله ولكن وضع علي قلبه كومه من الجليد لتمنيه الإنتقام فقط ، ظنًا منه خيانتهم له .
نظرت له ثريا بأعين محتقنه متعجبه من قساوه قلبه ، ولكنها تصلبت أمامه وحدثته بقوة رغم الوهن الذي بداخلها :
– روح احلق دقنك دي ، وعيش حياتك قبل ما تضيعها ، وبكره تندم لو عملت حاجه غلط ، وهتقول ماما قالتلي ، يا رتني كنت سمعت كلامها ، تابعت بانزعاج :
– انا هكلم مهندس ديكور يجي يشوف البهدله اللي عملتها تحت دي.
تأفف هو وادار رأسه بعيدًا عنها ، وحدجته هي بنفاذ صبر وتابعت :
– ربنا يهديك…………….
______________________
ضجرت من الجلوس في المنزل وترك زوجها لها الأيام الماضية، رغم معاتبتها لنفسها بكلمة عفوية لم يخيل ان توصله للغضب منها ، شعرت سلمي بالوحدة لعدم رؤيته امامها رغم قرب المسافات ، فتركت من تحب وابتعدت من أجله ، ولكنه تخلي عنها ، أخذت ابنتها وقررت التمشي قليلاً بها ، فدائما ما تحب الجلوس امام المياه لتسرح بخيالها قليلاً وتجد في ذلك راحه البال وتؤنس وحدتها ..
وقفت الخادمة خلفها وحدثتها بعملية :
– هتتأخري يا سلمي هانم؟
ردت سلمي بهدوء زائف :
۔ لا يا هناء ، انا هتمشي علي الشط شوية
هناء بجديه : طيب آجي معاكي اشيل البنت .
سلمي بنفي : لأ…انا هخرج انا وهي شوية، يلا سلام .
همت سلمي بالخروج واوصدت الباب خلفه ، وتوجهت للمصعد لتستقله ، أتت سيدة من الخلف يظهر عليها الترف ، وقفت تلك السيدة بجانبها وابتسمت لها بعذوبة وحدثتها :
– اهلا مدام سلمي ، مبسوطة قوي اني شوفتك .
سلمي باستغراب : أنتي تعرفيني! .
ردت السيدة بابتسامة ذات معني :
۔ طبعًا ، فيه حد ميعرفش مدام سلمي في العمارة ، وزوجة الرائد معتز .
سلمي ماططة شفتيها بتفكير في حديثها :
۔ اهلا بيكي .
السيدة بنبرة متلاطفة :
۔ قوليلي يا رودي ، نفسي نبقي أصحاب
سلمي رافعة كتفيها : عادي ، معنديش مانع .
رودي بحماس : انا حاسه اننا هنبقي اصحاب قوي…..اصحاب ايه …..اخوات ان شاء الله………………
________________________
أتت الممرضه ووقفت أمامها ، ونظرت هي حولها قبل ان تتفوه بكلمه لكي لا ينكشف أمرها ، اطمأنت لعدم وجود أحدًا سواهم وتنهدت بارتياح ، فتلوت الممرضة بجسدها وحدثتها بنفاذ صبر :
– متخلصينا يا ست ، مافيش حد غيرنا ، قولي عايزه ايه بقي .
ردت بحذر وصوت خفيض :
۔ عايزاكي تساعديني أخرج من هنا .
الممرضة بتفكير : معاكي تدفعي .
ردت بنبرة سريعة :
۔ معايا فلوس كتير ، هديكي اللي انتي عوزاه ، بس ساعديني أخرج .
الممرضة متغنجة بجسدها : الفلوس الأول .
عبست بوجهها قائلة :
۔ اديكي فلوس ازاي وانا محبوسة كده ، مش لما أخرج الأول .
الممرضة باقتناع : طيب وانتي عايزاني اعمل ايه .
اجابتها بلهفة :
۔ هديكي عنوان واحد اعرفه انتي بس بلغيه بمكاني وهو هيتصرف .
ردت الممرضة بضيق زائف ونبرة ماكرة :
۔ انا خايفه ، دا انتي محكوم عليكي بالمؤبد ، وكل ده علشان ملاليم هتديهالي .
ردت بنفي :
۔ لا ابدًا ، شوفي عاوزه كام وانا هديلك .
قالت الممرضة بخبث :
۔ اما نشوف ، اديني بقي العنوان .
دونت لها عنوان الرجل واعطته لها وحدثتها بجدية :
– انتي بس قوليله هايدي اخت امين صاحبك ، وهو هيعرفني علي طول ، وهيفهم انا عاوزه ايه .
الممرضة لاويه شفتيها :
۔ طيب ، اما نشوف أخرتها ايه .
ثم دست الورقه في جيب البالطو الأبيض وسارت للخارج وهي تهمهم :
– سبوبه باين عليها سقع ، لازم اطلب مبلغ كبير .
جلست هايدي علي الفراش ناظره امامها بغضب وتوعد فَتَّاك ، وحدثت نفسها بغل :
– مش بعد ما ادَّعَيت اني خارصة الفترة اللي فاتت دي علشان ماينكشفش أمري ، هفضل في القرف ده ، لازم أخرج بقي من هنا ، وانتقم من اللي دمر حياتي وكان السبب في موت أخويا .
ثم نظرت امامها بوعيد وحقد واستأنفت بنبرة هلاك :
– موتك علی إيدي يا ثريا ، انتي وجوزك …………………….
_______________
____________
__________