فريسه للماضي

الفصــل الثامن والعشرون (الجزء الأول)
فريســة للمــاضــي
ــــــــــــــــــــــــــ

تَوَصَّل ماجد إلي عنوانها من أحد جيرانها ، لم يتراخي في التوجه للعنوان المقصود حيث صعد إلي تلك البناية الشبه متهالكة وهو ينظر لها شزرًا ويتأفف لما حوله ، أتمم ماجد خطته التي رسمها لتأتي معه راكعة مذلولة لتعرف نتيجة تصرفها الأحمق معه ، سيطر عليه غضب جسيم لعلمها بأن هذا يزعجه ونفضت حديثه خلف ظهرها دون اكتراث به ، ولكنه سيطر علي نفسه لحين مجيئها إليه لطالما رغب في ذلك ، طرق باب الشقة لتفتح له والدتها التي ظلت تحملق فيه بابتسامة بلهاء جعلته يرمقها باستهجان وتأفف ، هتفت سعاد ببلاهة :
– عاوز مين يا سعادة البيه .
ردت ماجد بابتسامة زائفة علي زاوية فمه :
– انا كنت جاي عاوزك انتي .
حركت رأسها بجهل وهتفت بعدم تصديق :
– انا يا سعادة البيه .
رد بابتسامة ماكرة :
– مش هتقوليلي اتفضل ولا إيه .
أفسحت له الطريق وهي تردد بترحيب عظيم :
– اتفضل يا بيه ، ودا اسمه كلام ، دا بيتك .
خَطَا ماجد بقدمه نحو الداخل وهو يجوب ببصره المكان ، لوهلة شعر بالشفقة عليها وادرك سبب تقبُلها العيش معه وهو رغبتها للمال والعيشة المرفهة التي تحلم بها ، تحرك ماجد نحو الداخل ليجد السبيل بنفسه ، وجد ذلك الرجل المُمدد علي الأريكة وعلي الفور كلحت تعابيره من وجوده ، اعتدل الرجل وهو يتفحص هيئته من رأسه لأخمص قدمية بتعجب من وجود شخص كهذا في قلب منزله ، هتف الرجل باكتهاء وهو ينهض :
– خير يا سعادة البيه ، اتفضل .
رد ماجد وهو يحاول التعامل باريحية معهم حيث جلس علي الاريكة وهو يبتسم لهم بمعني :
– انا كنت جاي في موضوع مُهم قوي ، ثم اخرج دفتر شيكاته وهو يبتسم بمكر واستكمل حديثه :
– عاوزين كام ، وكل اللي هتطلبوه انا هدفعه .
حدق الإثنان فيه ببلاهة جلية غير مستوعبين ما يتفوه به هذا الرجل ذو الهيبة ، بينما حافظ ماجد علي ابتسامته الصفراء ووضح لهؤلاء الأغبياء ما يريده :
– انا هدفعلكم اللي انتوا عوزينوا مقابل هالة ، انا عاوز هالة ، قولتوا أيه .
صمت ماجد يراقب ردة فعلهم حيث وجد فرحة والدتها ، وعن هذا الرجل تفاجىء بعبوس تقاسيمه مما جعله يتعجب أكثر ، هتفت سعاد بسعادة مطلقة :
– تحت أمرك يا بيه ، هو انا هلاقي لبنتي احسن منك فين .
ابتسم لها ماجد بتصنع ، بينما هتف هذا الرجل بعدم رضي :
– ايه الكلام ده ، احنا معندناش بنات ، وهالة هتفضل قاعدة عندنا .
نظرت له سعاد قاطبة الهيئة وحدثته بامتعاض :
– وانتي مُتمسك بيها كدة ليه ، دي بنتي وانا حرة اجوزها لمين ، انت حياله جوز أمها .
لوي ماجد زاوية فمه بسخرية ، ثم قال بجدية :
– يبقي اتفقنا يا مدام ، عاوزة كام علشان هاخدها معايا دلوقتي.
جلست هانا بغرفتها وقد كانت شاردة ، وقطع شرودها هذا اصوات تتحدث بالخارج ومنهم صوت والدتها التي تهتف بفرح ، تعجبت الأمر ولهذا نهضت متوجهة للخارج لرؤية ما يحدث .
وقفت هانا امام غرفتها محملقة فيه عندما وجدته جالس بقلب بيتها ويعلو ثغره ابتسامة اخافتها ، تجمدت موضعها وشحب وجهها فجأة ، بينما استدارت والدتها نحوها وهتفت بفرحة بائنة مشيرة بيدها علي ماجد:
– تعالي يا هالة ، شوفي البيه جاي طالب ايدك .
نظرت له بصدمة فهي تعرفه جيدًا فطالما اراد اذلالها ، حزنت هانا لمعاملته الرخيصة في حقها ، ابتسمت في نفسها بسخرية مُدركة معاملته القاسية معها وعليها الآن الاستسلام لمصيرها المجهول معه ……….
_________________________

طلب زين توصيل الغداء لمكتبه حيث أَصَر علي تناولهما الطعام سويًا ، وافقت نور لرغبتها هي الأخري في البقاء معه والتحدث كما السابق كعادتها التي تعشقها حينما تكون بالقرب منه ، تناول الإثنان طعامهما مع الشعور بجو الألفة بينهم ولا يشوب علاقتهم مشاكل ما ، شعرت نور بافتقادها هذا الجو ودق قلبها تريد العودة معه ، وعن زين رغم عدم وجودها معه ظل يحرص علي التقرب منها وعدم تركها بمفردها فهو يعلم ما تمر به ورسم الهدوء رغم عدم ارتضاؤه لما تفعله مُدركًا مدي تعلقها به ، انتهوا من تناول الطعام ثم وجه بصره نحوها وهتف بابتسامة ذات مغزي :
– مش بعرف أكل غير وأنتي معايا ، لو بتحبيني أبقي كويس يبقي ناكل سوا علي طول .
نور بابتسامة حزينة :
– أسفة يا حبيبي ، غصب عني صدقني ، استأنفت بتردد :
– زين أنا كنت عايزة حاجة كدة .
اخفي زين ابتسامته لمعرفة ما تريده منه ، حيث رد عليها بجهل زائف :
– قولي يا حبيبتي عوزة ايه وانا أعمله علي طول ، تابع بمكر :
– وهتلاقيه قدامك في ثانية .
ازدردت ريقها وردت بتوتر وهي تنكس بصرها للأسفل :
– كنت عايزة فلوس علشان الجامعة والكتب بتاعتي وكدة .
اتسعت ابتسامته لصدق حدسه ، هتف بجدية :
– وزي ما وعدتك من شوية ، اطلبي هتلاقيه قدامك .
ظنت نور من حديثه اعطاءها المال ، ولكنه فاجئها حين انحني بجسده ليخرج شيئًا ما من تحت الطاولة ، دُهشت نور عندما رأت الكتب الخاصة بجامعتها والتي كانت تنتوي شراءها ، رمقها زين بخبث جعلها تشعر بالفرحة لاهتمامه المتفاني في اسعادها
والتفكير الدائم بها ، كل ذلك جعله هو الرجل الأول والأخير في حياتها وسيبقي عشقها وللأبد ، تأملت نور الكتب بشغف ثم وجهت بصرها نحوه وهي تبتسم له بحب ، هتفت نور بامتنان :
– متشكرة قوي يا حبيبي ، انا مش …
قاطعها بتأنيب :
– ايه يا نور اللي بتقوليه ده ، انتي مش بس مراتي وملزومة مني ، انت حبيبتي وكل حياتي ، واللي بيحب بجد بيعرف حبيبو بيفكر في ايه دلوقتي ، فما ينفعش تشكريني ، سامعة .
ردت بخبث :
– وانت تعرف بفكر في ايه دلوقتي .
اجابها بثقة كبيرة تعجبت منها :
– اكيد عارف بتفكري في ايه دلوقتي .
رفعت حاجبيها بتعجب ، ثم اظلمت عينيها متسائلة بمكر:
– وايه بقي اللي بفكر فيه دلوقتي ؟.
ابتسم قائلاً وهو يدنو منها :
– ده اللي بتفكري فيه ، ثم قبلها بحب عميق جعلها هي الأخري تتجاوب معه فهذا بالأكيد ما كانت تفكر فيه ، وابتسمت في نفسها لحبه الكبير الذي يغمُرها به ، ابتعد زين عنها وهمس بمكر جعلها تخجل :
– مش هو دا اللي كنتي بتفكري فيه .
اومأت برأسها بنعم ولم ترد ، فابتعد عنها وهو يقول بجدية :
– هتعرفي تروحي الجامعة وانتي قاعدة في الفندق .
ردت وهي تحرك رأسها بمعني :
– هعرف يا حبيبي ، تابعت بتذكر :
– صحيح سلمي هنا ، مش هنروح نسلم عليها .
رد بتأكيد :
– ايوة هنروح سوا نسلم عليها ، تابع بتحذير :
– بابا مش لازم يعرف يا نور ان احنا بعيد عن بعض ، هو فاكر انك معايا ، وانا مقولتلوش علي اللي بينا.
ردت موافقة بطاعة :
– حاضر يا زين مش هقول حاجة ، اضافت مستفهمة :
– هنروح امتي ؟……
___________________________

ولج مكتبها وجلس بهدوء ويعتلي وجهه ابتسامة مشرقة سعيدة جعلتها تحدجه بغيظ ممزوج بالاستغراب ، نظر لها حسام مظلمًا عينيه بخبث ، ثم اخرج تنهيدة حارة وتشدق بهيام زائف ازعجها:
– النهاردة صحيت من النوم يا حبيبتي مبسوط علي غير العادة ، لأن اجمل بنت في الكون كانت هي اللي بتصحيني .
أحدت إليه النظر وودت الفتك به ، حيث هتفت مستفهمة بامتعاض :
– انت بتتكلم عن ايه ؟ ، وبنت مين دي اللي صحيتك من النوم ، تذكرت الخادمة واستكملت باستهزاء :
– ولا تكون تقصد حنفي ، ضحكت مريم وتابعت بسخرية :
– انت حبيتها ولا ايه ، بس تصدق لايقة عليك .
كتم حسام غيظه منها حيث رد بابتسامة ماكرة ليغيظها اكثر :
– حنفي ايه بقي ، دا انا جبت بوسي ، تابع وهو يصفها بهيام مُصطنع :
– ست ايه يا مريم مقولكيش ، حاجة كدة ولا في الاحلام ، جسم ايه ولا قوام ايه ولا….
قاطعته صارخة بانفعال واضح :
– انت اتجننت ، مين الست اللي عندك في البيت دي ، وحنفي فين ، قصدي نعيمة فين .
رد بلا مبالاة زائفة :
– طردتها وجبت بوسي .
هتفت باهتياج وهي تنظر له بغضب :
– ازاي تمشيها من غير ما تاخد أذني ، وازاي تجيب واحدة تانية البيت ، وسيادتك جاي تمدح فيها قدامي .
رد بانزعاج :
– وانتي ايه اللي مضايقك ، انتي مش سيبتيني لوحدي ، عايزاني اعيش علي مزاجك كمان ، تابع بتحدي :
– مش هيحصل يا مريم ، واللي يريحني هعمله ، رضيتي بيه او لأ .
نظرت له مريم مُتعجبه نبرته الجديدة ، فكل ما خططت له جاء ضدها وأنقلبت الأمور واضحت تلوم نفسها ، تنهدت مريم وبثت القوة في نفسها حيث هتفت مُدعية الا مبالاة :
– ايوة انت حر يا حسام ، تابعت بسخط :
– وأنا كمان حرة وأعيش علي مزاجي ، زيك بالظبط .
حسام بنظرات غاضبة ، هتف بحدة رغم نبرة صوته المُنخفضة :
– لا مش حرة ، انتي مراتي ولازم تسمعي كلامي ، سواء كنتي بعيدة عني او قريبة ، ومتفكريش علشان سبتك تخرجي كدة ابقي هعديها ، لا يا مريم انا مبجيش بلوي الدراع ، وهتشوفي مين اللي هيرجع للتاني .
لاحظت مريم من نظراته مدي ضعفه امامها رغم الشدة التي يحاول التحدث بها ، ابتسمت في نفسها وادركت انه حتمًا الخاسر بالتأكيد ، واخلاقه لا تسمح بالتقرب مع احداهن ، هتفت مريم بتحدي عنيد وهي تتنهد بقوة :
– طيب يا حسام ، خلينا نشوف……..
_________________________
صفعها بقوة حتي ارتمت علي الأرضية بعنف ولا إراديًا وضعت يدها علي بطنها حتي اضحت تتألم ، لم يرحم ماجد ضعفها امامه او كونها امرأة حتي ، قسي عليها بعدة صفعات متتالية جعلتها تبكي بحرقة لاعنة وجودها في الحياة ، حاولت هانا جاهدة التوسل إليه ليرأف بها وقررت ان تخبره عما تحمله في احشاءها منه عله يشفع لها ، تشبثت بساقه وهتفت بترجي باكي وهي تبرر موقفها :
– علشان خاطري يا ماجد سامحني ، انا مشيت علشان خايفة منك ، ابتلعت ريقها بتوتر وتابعت :
– انا حامل يا ماجد ، وخوفت تعمل حاجة وتحرمني من ابني لو عرفت اني حامل .
ثم بدأت في بكاء مرير وهي تردد متوسلة له ، بينما حدق فيها ماجد بعدم تصديق ، هتف بانفاس مضطربة :
– أنتي بجد حامل ؟! ..
اماءت رأسها عدة مرات وهتفت مؤكدة :
– حامل يا ماجد ، انا في الشهر التاني .
ابتلع ريقه ونظر لها بأعين مجفلة وبدا عليه التوتر ، راقبته هانا وهي تنتظر ردة فعله التي تأخرت ، خاصةً تعابير وجهه الزائغة التي تعجبت منها ، فضلت الصمت الذي جعلها ترتاب مما يفكر فيه حاليًا ، بينما رسم ماجد الجمود والتحجر عندما قال :
– لازم ينزل ، انا مش عايزو .
علي الفور كسا الحزن تقاسيم وجهها الشاحب ، ادمعت عيناها من قسوته التي دائمًا يغرقها فيها مُستغلاً ضعفها ، فهي ليست بمُستوي مريم لتجعله مريضًا ضعيفًا غير قادرًا علي الانتقام منها ، توسلته بنظرات عينيها الباكية ولكنه تابع بقسوة :
– جهزي نفسك علشان هينزل ، انا مش عايز ولاد .
نظرت له هانا بحزن ومازالت تترجاه لعدم فعل ذلك ، تجاهل ماجد كل هذا واستأنف بقسوته الجامدة :
– يلا قومي ، وجهزي نفسك انا عايزك لوحدك ، ولاد متحلميش ان دا هيحصل في يوم .
ضغطت هانا علي شفتيها مانعة صوت بكاء ولكنها لم تستطع منع دموعها التي انهمرت بغزارة علي وجهها ، نهضت وهي تتألم داخليًا من اعماق قلبها ، رفض عقلها استيعاب ما تفوه وتمنت ان يُغير فكرته ، شعرت ولأول مرة بأنها علي وشك فقدان اغلي ما تملكه حتي الآن وهو قطعة منها وستموت حتمًا اذا افتقدته……………….
_________________________

 

error: