فريسه للماضي

ً الفصــل الثامن عشر
فريســه للماضــي
ـــــــــــــــــــــجلست علي مقعدها المريح بداخل السنتر الرياضي وعزمت الإتصال بزوجها الذي افتقدت رؤيته في الأونة الأخيرة ، ضغطت سلمي علي أرقام هاتفه منتظره سماع صوته الذي اشتاقت إليه ، أجابها الأخير فهبت قائله بلهفة :
– معتز حبيبي ، وحشتيني .
رد عليها الأخير بحب :
– انتي اللي وحشتيني يا حبيبتي ، عاملة ايه ، ونور عاملة ايه .
سلمي بمغزي وهي تحدثه :
– بدل ما احنا وحشناك كده متيجي .
معتز بابتسامة واسعة :
– يعني آجي ؟!..
سلمي وهي تبتسم بدلال هادئ :
– ايوه ، انت وحشتنا ، ايه بقي يمنع تيجي تقعد معانا شوية حلوين .
معتز بامتعاض وهو يتأفف بضيق :
– اعمل ايه بس ، انا مش عارف هخلص من المهمة دي أمتي .
سلمي متذمرة بقوة :
– فرقت ايه بقي لو احنا بعيد عنك ،كل مرة بتيجي مش بتكمل ساعه وتمشي .
تفهم معتز ضيقها وحدثها بنبرة محببة لتهدئتها قليلاً :
– هانت يا حبيبتي ، احنا جاتلنا معلومات بتأكد وصول الشحنة المقصودة ، وكلها يومين ونقبض ان شاء الله عليهم .
زمت سلمي شفتيها ومازالت علامات الانزعاج راسخة بداخله وردت عليه بهدوء زائف :
– طيب يا معتز ، هستحمل اليومين دول .
طرق باب مكتبها إحدي الموظفات ، ثم ولجت للداخل وعلي وجهها رسمية شديدة وهي تتقدم من سلمي ، نظرت لها سلمي وقد ابعدت الهاتف قليلاً عن أذنها وخاطبتها :
– خير في أيه ؟!..
الموظفة بعملية :
– مدام رودي بعتتني وبتقولي لازم تمضي علي الورق دا حالاً علشان هي محتاجاه في شغل ..
سلمي بملامح مقتطبة وهي تسألها :
– ورق ايه دا ، هي مقلتليش علي حاجة .
الموظفه بجدية :
– ضروري يا فندم إمضت حضرتك ، هي مستنيه علشان تخلص الشغل اللي هي بتعمله .
تأففت سلمي ونظرت لهاتفها وزوجها المنتظر لها ، ثم مدت للموظفة يدها وحدثتها بنفاذ صبر :
– هاتي أما أمضي .
علي الفور بادرت الموظفة باعطاءها الأوراق المطلوبة ، وكما امرتها ربه عملها بأن لا تعطيها فرصة لقراءة ما هو مدون فيها ، وقفت الموظفة لحظات مَشْدُودة وهي تنتظر توقيعها الأخير علي تلك الورقة المتبقية ، تهللت اساريرها ما ان أنتهت ، ثم بحركة سريعه التقطت من امامها الاوراق كمن تخطفها وهي تبتسم ببلاهه لها ، تعجبت سلمي من أمرها وهي تقول خاصة ًبعدما هتفت بنبرة فرحة لا تعرف سببها :
– متشكره قوي يا مدام سلمي ، عن إذنك .
هرعت الموظف، للخارج وراقبتها سلمي بعدم فهم ، ثم تأففت ونفضت ما حدث من رأسها واكملت حديثها مع زوجها قائله :
– أسفه يا حبيبي ، إحنا كنا بنقول ايه…….
_______________________

وقفت امام المرآه تمشط شعرها بهدوء خارجي بعكس ثورة هياجها بما فعلته تلك الفتاة الأجنبية السمجة اليوم من إقترابها وتَمَلُّقها الزائد مع زوجها ، لم تفارق علامات العبوس وجه نور المنزعجة مما سار امام عينيها وتأججت نيران الغِيرة المهلكة بداخلها ، وجعلتها تتذكر ما مضي حين كان مع إحداهن ، الأمر الذي عكر صفو يومها في نهايته ، ثم انتبهت لزوجها الذي يحاوط خصرها من الخلف ويدفن وجهه في عنقها ويهمس بحب :
– انتي متضايقة ولا ايه ، محصلش حاجة لكل ده ، هما أجانب وأكيد تفكيرهم غيرنا ، ولما يعملوا كده عادي .
ادارت رأسها قليلاً تجاه وجهه وردت بلا مبالاة زائفة متعمدة إظهار ثقتها في نفسها :
– ومين دي علشان أغِير منها ، انا أحلي منها وهي ولا في دماغي .
أبتسم زين بشدة وهو يتحرك بوجهه علي عنقها وهمس مرة أخري بمعني :
– وأنا عايزك كده علي طول ، وتعرفي انك حبيبتي وبس .
رسمت ابتسامة باهتة علي محياها لتبين عدم تأثير ما حدث عليها ، فهي لا تريد تخريب حياتها التي باتت مستقرة إلي الآن ، ادارها زين إليه وهو يملس علي شعرها الطويل بنظرات حب يلقيها عليها كسهام تتسلل لأعماق قلبها الذي يهتاف لحبه الجارف لها ، ثم مرر يده لتحاوط عنقها وقربها منه ويميل عليها ليتعمق بقبله تنسيها ضيقها الذي استشعر به رغم عدم اكتراثها الزائف الذي فطنه بقلبه المستهام بها …
ابتعد زين عنها ببطء معلنًا تمنيه للمزيد في نظراته المتجولة علي هيئتها ومتوقة لارسال حبه العاصف بداخله ليختلج قلبها ويصدر انينا بضرباته المتسارعة التي يكاد يسمعها ، قربها منه مستكملاً لهمساته الوالهة :
– عايز أجرب أوضتنا وأحنا مع بعض………
______________________

ترنحت في وقفتها ولم تتحمل الصمود حيث سقطت علي الفراش إثر صفعته المدوية التي أحدثت علامات غائرة علي وجهها ، وضعت هانا يدها عليها وهي تفركها متألمة من تطاوله الزائد في تعمده لاهانتها والاستهانة بكرامتها ، شعرت بغياب العالم من حولها غير مستوعبة إلي الآن فهم شخصيته التي باتت مبهمة أمامها ، شحب وجهها وهي تتأمل نظراته الغاضبة التي تخترق معالمها وتود الفتك بها ، ولا إراديًا تراجعت بجسدها للخلف خيفةً من بطشه المتكرر لها والذي لم يتأني في سماعها لتبرير موقفها لكي يكف عن تماديه في تحميلها الذنب كليًا ، ورغم ما يفعله من حقارة امامها صور له عقله الأهوج انها المذنبة مما جعلها تحتار في أمره وطريقتة الغامضة ..
تَجَوَّل ماجد ببصره عليها كليًا بنظرات مهلكة لم يظهرها من قبل لتتفاجئ هانا بها ، تقدم خطوة منها وهو يرمقها بقسوة ويعتصر قبضه يده مما فعلته وتركها له اليوم ، الأمر الذي جعله غير قادرًا علي تملك هياجه الداخلي مجرد ذهابها لغيره ، وقف أمامها مشدودًا وبجمود حاد أرتسم عليه ونبرة مقلقة :
– انا ما فيش واحدة تسيبني وتروح لغيري ، واللي تعمل كده نهايتها علي إيدي ، واللي تزعلني منها يبقي تستاهل اللي هتشوفو مني ، استأنف بوعيد وهو يحدجها بقسوة واهتياج جلي علي أعصابه المشدودة :
– بس اللي عملتيه النهاردة دا مش هسامحك عليه ، فهماني ولا لأ يا مريم .
شهقت هانا من نطقه لإسمها دون وعي منه في لحظة غضبة وعدم إخفاءه لما يدور في عقله الباطن ، اضحت حقيقته مكشوفة امامها وظهر تفكيره الأَرْعَن في افشاء انتقامه كونها تركته قديمًا وذهابها لغيره ، وفهمت أنها امامه مجرد وهم ليخرج غضبه المكنون عليها ، بينما انتبه ماجد لما تفوه به قبل قليل وتلعثم قليلاً فيما سينطق به فاهه ، وتوتر في وقفته التي كانت منتصبة وجامدة قبل قليل ، ونظر لها بأعين زائغة مهزوزة بعدما أبان انتقامه امامها ..
ابتلع ريقه بصعوبة بعدما جف حلقه من نظراتها الغامضة تجاهه ، ولكنه بث في نفسه قوة زائفة لكي لا يفشي مدي ضعفه امامها خاصةً في تلك المسألة الوَبِيلة التي تبيح المحظورات نصب أعينه وأكمل تهديده بنبرة قوية متزعزعة :
– انا مش هتكلم في الموضوع دا تاني ، انتي هتبقي معايا علي طول ، وان عملتيها وبعدتي ، عقابي ليكي هيكون مش حلو ، ولو عملتي حاجة تضايقني منك وقتها مش هتلومي غير نفسك ، فهمتي يا هانا .
اومأت هانا رأسها بهدوء مريب وهي تحملق فيه بتعابير مبهمة اثارت فكره في كشفها واستنباط ما يدور في رأسها حاليًا…..
_______________________

سرعان ما ابتعدا الإثنان عن بعضهما فور سماعهم لصَكّ الباب ، توترت هايدي في جلستها ورسمت شبح ابتسامة وهي ترمق تلك المرأة التي تتقدم منها وتحدجها بأعين ثاقبة منزعجة ، مررت رودي بصرها علي كليهما بنظرات حانقة ، وتحركت هي صوبهم ؛ نظر لها سامي مبتسمًا ببلاهه وحدثها بفرحة زائفة :
– حمد الله علي السلامه يا حبيبتي .
جلست رودي علي الأريكه المقابلة لهم واضعه ساقًا فوق الأخري وهي توزع أنظارها الصائِبة عليهم مما أَرْهَب أوصالهم ؛ وجهت رودي بصرها اليه ثم أظلمت نظراتها وهي تحدثه بمكر :
– مش عاويدك تيجي قبلي ، دايمًا باجي قبلك .
سامي وهو يطالعها بابتسامة سخيفة أَحْنَقت انفعالاتها الداخلية وهي ترمقه منتظره ردا غير مقنعًا بالتأكيد ، وصدق حدسها عندما رد :
– اصلي مكنش عندي شغل كتير ، قولت آجي اقعد ارتاح في البيت شوية .
زمت شفتيها مبدية عدم إقتناعها بالمرة ، ثم حدثته بجدية :
– مرات الظابط مضت علي الورق ، يعني الشحنة يمكن توصل بكره .
ثم اخرجت الأوراق من حقيبتها وألتقفها سامي بلهفه وهتف بفرحة جلية وهو يطالع الأوراق كليًا:
– حلاوتك يا رودي ، ايوة كدة خلي الشغل يخلص بقي .
رودي بنبرة مغترة وهي تنظر شزرًا لهايدي :
– انا ما فيش حاجة تقف قدامي ، عوزت إمضتها وأهي عندك .
لم يخفي سامي فرحته خاصةً انه سينعم بكل ما تمناه من خلال صفقة مربحة كتلك ويأخذ حبيبته معه والتي حدثها متناسيًا وجود رودي :
– خلاص يا بيبي ، يومين ونخلع من البلد دي .
حدجته رودي باستغراب وهي تتطلع عليه بصدمة بائنة ، غير مدركه حتي تلك اللحظة ماذا يعني هذه المرأة بشأن تلك المسألة ، فكما أخبرها سابقًا بأنها ضيفه لعده ايام ، وعن هايدي فقد رمقته هي الأخري بغمزات من عينيها لتنبهه بحديثه الذي ادركه بعد فوات الاوان ، ثم وجه بصره لرودي المحملقة فيه وحدثها بتردد مخترعًا ببراعة سبب ربما يخرجه من ورطته الهوجاء :
– اصل يا حبيبتي انا وعدت بنت خالتي اني هسفرها برة ، اصلها عايزه تشتغل برة احسن من هنا .
حركت رأسها بإماءه خفيفة ولم تتخلي عن ريبتها الداخلية من الامر برمته ، وتوجست داخليًا خاصةً بعد مكوثها الطويل كل تلك الفترة دون سبب ، وألزمت نفسها بالحذر مما هو قادم……
______________________

ولج بها إلي إحدي الشقق السكنية في أحد الأبراج العالية المشهورة في الأسكندرية ، تباطأت ديما في خطواتها محاولة تفرس محتواياتها بتأني ويكسو وجهها انبهار صريح مبدية سعادتها منها ، وقف أمير بجانبها متأملاً فرحتها التي أسعدته داخليًا وأبتسم عفويًا عندما وجهت بصرها اليه ، ولم تتواني ديما في الإرتماء في أحضانه ومحاوطة خصره بحب ، وضمها الأخير اليه بحنان بالغ وقال بحب :
– مبسوطه يا حبيبي .
اومأت برأسها بسعادة وهي تستكين في أحضانه وردت :
– قوي يا امير ، ربنا يخليك ليا .
امير مبتسمًا بعذوبة وهو يبعدها قليلاً :
– انا بحبك قوي يا ديما ، وعمري ما حبيت غيرك ، ومبسوط قوي انك هتجبيلي بيبي ، انا اول ما عرفت كنت هموت من الفرحة.
قاطعته بلهفه واضعه يدها علي شفتيه ، ردت بخوف طفيف :
– متقولش كده يا حبيبي ، بعد الشر عليك .
امير وهو يغمز بعينيه ، قال بخبث :
– قد كده خايفه عليا يا حبيبتي .
ديما بدلال وهي تلعب في تلابيب كنزته :
– وان مخفتش عليك ، هخاف علي مين يعني .
نظر لها ثم ابتلع ريقه قائلا باعضاء مضطربة :
– تعالي أما اوريكي أوضة نومنا……..
_____________________

جلست مع صديقتها في الغرفة التي تجمعهما سويًا بداخل الفندق ، شردت كريستين بفكرها باحثة عن طريقة ما للتقرب من هذا الرجل الذي يُدعَى زين ، ذلك الرجل الذي ستتخذه سبيلاً في خوض معركتها الشرسة مع غريمها الذي استهان بها وتقرب من تلك الفتاة التي تصغره كثيرًا بالعمر والقي ما بينهما خلف ظهره بسهولة ، لم تدرك كريستين وصول مشاكلهم إلي هذا الحد الذي يجعله يتركها ، فطالما عشقته هي ولكن كثرة خلافاتهم أججت البغض بينهم واضحت حربًا باردة لا تقتل من شارك فيها بل تقتل مشاعرهم المكنونة منها والمرئية ، تنهدت بعمق منزعجه مما ستفعله ولكنها لم تجد حلا آخر امامها لعودة كرامتها أمامه..
دنت بيلا منها مستنبطة ما تفكر به وتأملت تعابيرها التي تتغير بفضل تفكيرها المتضارب ، ثم تشدقت بنبرة هادئة دَمِثة :
– What are you thinking about , christine ?.
(بماذا تفكرين يا كريستين ؟)..
انتبهت لها كريستين ووجهت بصرها بشرود نحوها ، ثم تنهدت بقوة قبل ان ترد بضيق وهي تتوعد :
– I need to take my right …He deepened it.
(لازم أخذ حقي ..لقد زودها ..)..
نظرت لها بيلا متفهمة لما تمر به ، خاصةً أنها علي علم بعناد مايكل الشديد وبمشالكهم التي لا تنتهي وتشتد مع ابسط الأشياء ،ثم ربتت بكف يدها علي كتفها بخفه وبنبرة هادئة قالت:
– What will you do ? ..Michael love you so much , but his actions are fierce , some times ..
(ماذا ستفعلين ؟..مايكل يحبك كثيرا ..ولكن افعاله تكون هوجاء أحيانا )..
زمت كريستين شفتيها للجانب قليلاً وردت بنبرة غامضة مقلقة :
– I will do the right thing …..
(سأفعل الشئ الصواب …………
______________________

بعد مرور يومين ….
بداخل الفندق الماكث فيه الوفد الأجنبي ، وصلت نور بصحبة مريم لبدأ المهمة التي كلفت بها ، أشارت مريم بيدها لنور التي تسير بجانبها قائله :
– واقفين هناك اهم ، يلا نشوف هيعملوا ايه النهاردة .
وافقتها نور واخذ الإثنان يتقدمان منهم بخطوات رزينة وعلي وجوههم ابتسامه مشرقه ووجه بشوش في التطلع عليهم ، امالت كريستين رأسها للجانب وجدت تلك الفتاة تدنو منهم ، لا تعرف ما هو شعور الغِيرة الذي استوقد بداخلها فور رؤيتها ، فزفرت بقوة وتجهمت قسمات وجهها حينما وجدته يقترب منها ويحدثها ، وحدجتهم بأعين مشتعلة حقدًا وقررت تنفيذ ما انتوت إليه لاستفزازهم سويًا …
أغزا مايكل في خطواته تجاه نور القادمة نحوهم وهتف مرحبًا بحرارة جمة وهو يقف أمامها مبتسمًا بسعادة :
– اهلا بكي سيدة نور ، لقد سعدت برؤيتك ثانيةً
ردت نور بابتسامة مجاملة :
– متشكره قوي .
سألته مريم بنبرة ودودة :
– ان شاء الله يكون الفندق عجب سيادتكم ، دا أحسن فندق في إسكندرية .
مايكل ممتنًا بخجل:
– المصريون أُنَاس محترمون ، يعاملوننا بكل ذوق.
مريم مبتسمة بارتياح داخلي :
– طيب الحمد لله .
تقدمت كريستين منهم بنظرات قاتمة ماكرة متعمدة التغنج بانحناءات جسدها المثيرة ، ويعلو محياها ابتسامة جانبية مغرية ذات مغزي ، نظر لها مايكل بطرف عينية ممررًا بصره عليها كليًا ، ورغم عدم رؤية كريستين له إلا انها ادركتها كونها تعرف مدي سيطرتها عليه مستخدمة سلاحها الإنثوي الذي دائمًا ما تلجأ إليه لحل مشاكلهم ؛ وقفت كريستين امامهم بعدما تمايلت بجسدها للجانب وحدثتهم بدماثة برعت فيها :
– Hi !..Glad to know you.
(اهلا..تشرفت بكم ).
حدجتها نور بغيظ دفين واثنت ثغرها قليلا ًبتهكم جاهدت علي عدم إظهارة ، وعن مريم فردت عليها بابتسامة رقيقة :
– ياريت تكوني سعيدة معانا والفندق يكون عاجبك .
كريستين بدلال زائد وهي تنظر لنور بمكر :
– بالفعل انا سعيدة جدا اليوم ، خاصةً أني سأقابل مستر زين اليوم ، اريده في موضوع هام جدًا .
نظرت لها نور مصدومة من مقابلتها لزوجها ، وربما التمادي في ملاطفتها له خاصةً بعدما ستصبح معه بمفردها ، وخشيت نور ضعفه امامها والإستجابه لها ، كلحت تقاسيمها وتذبذبت الأفكار برأسها من مجرد التفكير في عودة ما كان يفعله في الماضي معها ، وعن مايكل لم يتأن في التحديق فيها باغتياظ ، وفطن انها تريد اللعب معه ، وابتسمت كريستين لهم باستفزاز ألهب حواسهم في فهم ماذا ستزْمَع هي ، ثم اردفت بنبرة ذات مغزي لإثاره حفيظتهم :
– اترككم أنا ، سوف اذهب .
ابتسمت لها مريم وهي ترد :
– طبعا اتفضلي .
تركتهم كريستين بعدما رمقتهم بطرف عينيها وهي تبتسم بسعادة مطلقة ، مدركة نجاح مخططها في الإنتقام من صديقها بطريقة محايدة ، وإِقْتَفَت نور اثرها وهي متوجسة من ذلك الرعب الذي دب في أعماق قلبها ، واعتزمت الذهاب خلفها ولكن يد مريم وهي تسحبها احالت دون ذلك ، حيث حدثتها مريم وهي تشير برأسها :
– تعالي يا نور نشوف باقية الجروب .
سارت معها نور علي غير رضي وهي تهتاج من الداخل ، وعن مايكل فطن انها تريد ازعاجه وقرر الخوض في تلك الحرب الباردة مستخدماً دَهَاءه بكافه السُبل المتاحة أمامه …
______________________

ولجت لداخل فيلته مضطرة ومجبرة بعد تهديده الصريح معها ، فتح لها الباب بنفسه لتدلف للداخل وسط نظراته الثاقبة لها ، تحركت ساره ببطء وهي تتقدم للداخل متطلعه علي بعض الأدوات التي كانت تستعملها قبل ترك العمل ، ولا تعرف حتي الآن ما هو الشعور المريح الذي استكان بداخله لوجودها معه في مكان واحد ، وعن مالك ظلت أعينه عليها وعلي محياه ابتسامه غامضه ولكنه أنتشي من نجاحه في اجبارها لتأتي إليه بنفسها ، تقدم منها بهدوء واستدارت هي بجسدها نحوه ، ثم نظرت له بتعابير جامدة لم يتفهمها مالك ، وتشدقت بعدما تنحنحت بخفوت :
– ممكن ابدأ شغلي لو سمحت .
مالك وهو ينظر إليها بعدم فهم :
– ما تبدئي ، هو أنا ماسكك .
لوت شفتيها مبتسمة بتهكم ، ثم ضمت يديها حول صدرها وهي ترد عليه بمقت :
– اصلك دايس علي الشغل ، ممكن تشيل رجليك من عليه .
لا إراديًا وجه مالك أنظاره علي الأرضية ، ورفع حاجبيه مندهشًا ، فهو بالفعل واقفًا علي بعض اللوحات الورقية الخاصة بها، تنحنح بخجل وهو يزيح قدميه عنهما ، وما أن ابتعد حتي انحنت ساره لتلتقطهم ، في نفس اللحظة التي دنا هو الآخر ليمسك بهم ، وتلقائيًا تخبطتت رؤسهم سوياً ،نظر مالك لعينيها ولأول مرة يشعر بذلك التوتر المفاجئ ، أما ساره فقد ازدادت ضربات قلبها من ذلك القرب القدري بينهم ، ابتلع مالك ريقه وهم هو بحمل الأوراق ، ووقفت هي بأعصاب مشدودة وهي تتأمله وهو يمد يده بالرسومات الخاصة بها ، مدت يدها وامسكتهم بأيدي مرتعشة وتحدثت بصوت متحشرج وهي منكسه بصرها :
– انا هروح ابدا شغلي ، عن إذنك .
ثم استدارت بجسدها لتكمل عملها علي تلك الطاولة التي خصصتها للرسم عليها ، وتوجهت صوبها وجلست عليها وسط نظراته التي لم يزيحها لحظة ، وبدأت في عملها وهي ترتجف عندما بدأت بالرسم علي لوحتها الورقية ، تنهد مالك بقوة وجلس قبالتها علي المقعد الجلدي الوحيد في ردهة الفيلا ، وضيق عينيه نحوها وقال مدعي الحزن :
– ساره انا جعان ، ممكن تعمليلي أكل…….
_____________________

ولجت داخل الشركة راكضه لمكتبه ، وتجاهلت نظرات الموظفين حولها واكملت طريقها ، سارت نور بالرواق المؤدي لمكتبه وهي تتنفس بصعوبة ويسري بداخلها ماء مثلج جعلها تشعر بالبرودة وارتجف جسدها خوفًا من رؤية ما لا تتمناه ان يحدث مطلقًا ، وقفت امام مكتبه ونظرت لها السكرتيرة بعدم فهم ، بينما عن نور فهي حاولت ان تشدد من قواها وتمكنت من تهدئة انفاسها المضطربة وشرعت في فتح الباب وهي مغمضه العينين .
ثم فتحتهما وهي تفتح الباب وتحدق مباشره في مكتبه ، وأنعقد ما بين حاجبيها من رؤيته بمفرده ، رفع زين بصره نحوها وتفاجئ بوجودها ثم نهض من مقعده ، لم تبالي به حيث تجولت بأنظارها في مكتبه باحثه عنها ، تضاعف تعجب زين منها ، ثم وقف امامها قائلاً باستفهام :
– نور حبيبتي ، مالك؟ ، بدوري علي حاجه ؟..
نور بانتباه ونبرة متوترة وهي تنظر إليه :
– لا مش بدور ، استأنفت متسائلة بحذر :
– أنت كنت بتعمل إيه من شوية ؟.
حدق فيها بتعجب جم ولكنه رد :
– عادي يا حبيبتي ، انا كنت بشتغل .
نور بعدم إقتناع وهي تسأله مرة أخري :
– فيه حد جالك النهارده ؟!.
زين بنفاذ صبر من هيئتها التي لم يفهمها :
– نور انتي فيكي حاجه ، عماله تسأليني ، فيه ايه عايز أعرف؟
نور وهي ترمقه بعصبية طفيفه ووجه عابس :
– زين رد عليا ، فيه حد جالك هنا ؟.
زين متسائلاً بضيق :
– تقصدي مين يا نور ؟ ، وضحي كلامك ، انا عايز أعرف بتفكري في إيه ؟ ..
نور بأعين محتقنة ونبرة غاضبة :
– كريستين كانت هنا ، مش كده .
صُدم زين منها ، ولكنها أستمرت في حديثها وهي تدفعه بعنف من صدره بكلتا يديها وهي تهتف باهتياج :
– هي كانت هنا يا زين ، هي قالت انها جيالك ، متحاولش تكدب عليا علشان انا مش هصدقك .
نظر لها مدهوشًا ، وادرك ان ما كان يفعله مازال راسخًا في ذهنها حتي الآن ، ولكنه تأني في الرد عليها بهدوء زائف لعدم تطور الجدال بينهم ويحدث فجوة في علاقتهم الحديثه وقال وهو ينظر لها مباشرةً :
– نور محدش جالي هنا ، وان كنتي بتفكري في حاجه من اللي كانت زمان فدا مش هيحصل ابدًا ، انا بحبك ، وانتي بقيتي مراتي ، وأكيد مش هفكر في حد غيرك .
نور بعدم تصديق ووجه شاحب منفعل :
– ازاي ؟ ..هي قالت انها جيالك .
زين بابتسامه ساخره وهو يستنكر ما تفوهت به :
– بتصدقيها يا نور وبتكدبيني انا .
نور بتلعثم ممزوج بالتوتر :
– وهي هتكدب ليه ! ، هي قالت قدام مريم كمان انها هتجيلك .
زين باقتضاب وقسمات متجمدة :
– محصلش ..
ابتلعت ريقها بصعوبة ومازالت علامات الحزن والإنزعاج جلية علي تقاسيمها ، ولكن زين تفهم ما تمر به كونه من أختلق ذلك الأمر الذي لم يتوقع ان ينتج عنه مضاعفات في مستقبلهم سويًا ، ورغم صفاء نيته في القرب منها ولكن هذا الماضي اضحي منبوذًا في الحاضر ولابد محوه وللأبد ..
وضع زين كلتا يديها علي وجهها وجعلها تنظر إليه ، ثم حدثها بصوت رخيم :
– لازم تصدقيني يا نور ، كده المشاكل بينا هتزيد ، انا بحبك ومش بتأخر اني أبين حبي ليكي ، وعمري ما هبص لغيرك ……
_____________________

قامت بتجهيز بعض الطعام السهل إلي حد ما وتستطيع طهية بسهولة كما كانت تري والدتها ، ثم وضعته ساره علي تلك الطاولة الصغيرة التي تتوسط ذلك المطبخ الكبير نسبيًا ، وتفاجئت بمن يحاوط خصرها من الخلف ، ثم أخرجت شهقة مضطربة لإدراكها انه هو ..
عندما ولج مالك المطبخ عليها شعر بأريحية وجو افتقده منذ توفي والده وتركوا ذلك المكان ، ساقته قدماه لا إراديًا نحوها والتفت ذراعاه حولها وهو يقترب منها ، ضمها بهدوء إليه وهمس بنبرة هادئة :
– خليكي جمبي يا ساره ، متسيبينيش زيهم ، انا تعبت وانا لوحدي .
عفويًا اغرورقت عيناها بالدموع مستشعرة لما يعانيه بعيشته وحيدًا ، واستدارت نحوه وهي تتأمل وجهه التي لم تراه من قبل هكذا ، فقد كان حزينًا منطفئًا وشعرت بوخزة في قلبها ، ثم أحتضنته بقوة وردت بنبرة جادة ذات عزيمة :
– وأنا مش هسيبك يا مالك ، انا بحبك .
ضمها الأخير اليه شاعرًا بالطمأنينة بعض الشئ لوجود من يؤنس وحدته القاسية التي يعانيها بمفرده ، واغمضت ساره عينيها من لمسات يده التي حركت مشاعرها الأنثوية والتي جعلت مالك يبتسم ، ثم ابعدها عنه لينحني واضعًا تلك القبلة التي جعلتها تتجاوب علي الفور معه وأحست باختلافها عن المرة الأخري ، وظل الإثنان في لحظات بدايه اقترابهم القدري………………...
________________
____________
_______

 

error: