فريسه للماضي

الفصـل الثانـي عشر
فريسـة للماضـي
ــــــــــــــــــظل هذا الرجل بهيئته المريبة دائب أمام مسكنهم ويتطلع بطرف عينيه علي الحارس السكني المرابط طوال الوقت أمام المبني ، وحاول مستميتًا عثوره علي سبيل آخر ليصل إلي سيارتهم ولكنه لم يجده ، تجهمت ملامحه يريد أنهاء مهمته التي طالت كثيرًا ، ثم وجه بصره تجاه مدخل العماره وجدهم أمامه ويدلفون سويًا ، أنتصب في وقفته وادعي انشغاله بهاتفه لعدم إثاره الشكوك حوله ، تقدمت ثريا وفايز من السيارة وركض السائق تجاههم ليتولي القيادة ، أستقلوها وتهيئوا للإنطلاق .
جلست ثريا وملامح الحزن تكسو وجهها ، ثم نظر لها فايز وهم قائلاً بهدوء ظاهري :
– أن شاء الله خير يا ثريا ….أكيد زين عاقل ومش هيقدر يأذيه
ثريا بأسي جلي ونبرة متمنية :
– يارب يا فايز ، مالك دا طيب قوي ، انا أمه وعرفاه كويس
ثم أجهشت في البكاء المرير وضمها فايز من كتفها مهونًا عليها ، ثم حدث السائق :
– يلا ، أطلع بينا علي فيلا المدام القديمة .
رآهم الرجل وصر علي أسنانه وأخرج سبة صفيقة وهرع لسيارته منطلقا خلفهم ليكمل مهمته اليوم حتمًا……
_______________________

صف سيارته في مكانها المعتاد ، ثم وجه بصره لها وأبتسم بعذوبه وهو يتطلع عليها ، ابتسمت له نور بوهن ، واردف هو :
– وصلنا يا حبيبتي ، من هنا ورايح انا بس اللي هخلي بالي منك .
نور بنبرة متعبة :
– ربنا ما يحرمني منك يا حبيبي ، أحسن اني جيت هنا ، هبقي مرتاحه أكتر .
وضع يده علي رأسها وغمز بعينه :
– يلا علشان هشيلك يا حياتي .
ابتسمت نور وترجل هو من السيارة متجهًا اليها ، تتبعته نور وحدقت فيه بحب بائن ، فتح زين الباب ودنا من السيارة ليتمكن من حملها بين ذراعيه ، رفعها زين وأغلق الباب بقدمه وهم بصعود العوامة ، ولكن صوت والده استوقفه بتعجب :
– ايه يا ابني ! …ماشي كده ومش شايف ان أحنا معاك .
زين بعدم فهم : ايوه يا بابا يعني عاوز ايه .
فاضل بتهكم وهو يرمقه بغيظ :
– قليل الذوق ، بدل ما تقولنا تعالوا أتفضلوا ولا أشربوا حاجه .
زين بتأفف : تعالي يا بابا أشرب حاجه .
فاضل بسخط من حديثه :
– مش عايز ، بس خلي بالك من مراتك كويس ، وانا هبعت عزيزه .
زين بجدية : لو أحتجتها يا بابا هقول .
ثم أستدار صاعدًا بها للعوامة ، دفنت نور وجهها في عنقه كاتمة ضحكتها ، بينما تتبعهم فاضل بامتعاض وهتف :
– شوفي الواد مامسكش فينا ندخل .
فاطمه بابتسامة مكتومة :
– عادي يا فاضل ، تلاقيه مشغول بمراته وكده .
فاضل بغيظ : برضو، دا انا أبوه وعمري ما جيت هنا……..

أتجه بها لغرفتهم وظلت نور كاتمة لضحكتها ، وتعجب منها زين قائلاً :
– عايزه تضحكي ولا ايه !.
اطلقت نور لضحكتها العنان وردت من بينها :
– بضحك علي أنكل ، أصله عمره ما جه عندنا ، وانت مقولتلوش يدخل .
زين بلا مبالاة : انا فاضيله ، المهم انتي يا عمري .
نور بضحك : ضحكتني قوي مع اني كنت زعلانه .
زين مقبلاً ثغرها : ربنا يفرحك علي طول يا حبيبتي .
ثم دنا من الفراش ووضعها بحذر واستطرد :
– هعملك حاجه تاكليها ، وبعدين هجيبلك هدوم وهغيرلك .
نور بابتسامة ممتنة :
– ميرسي يا حبيبي ، انا مش عايزه أتعبك، كنت…..
قاطعها زين بحدة :
– إيه تتعبيني دي ، انا جوزك ، ومسؤل عنك ، ومحدش هيعملك اللي انتي عوزاه غيري .
حدقت فيه نور بامتنان ، ورفعت ذراعيها مطوقه عنقه ، وأيقن انها تريد تقبيله ، فدنا منها واضعا قبله مغرمة بها ، وتعمق سويًا فيها بقدر الإشتياق المخزون بداخلهم……..
______________________

علمت ميرا من والدتها بما فعله أخيها ، أنجلت الصدمة علي وجهها متيقنه حدوث الأسوء ، أهتاف قلبها لرؤيته هي الأخري ، ولكن مرض ابنها يمنعها ، نكست رأسها بحزن وأنتحبت بشدة ، وحذقت انتقام زين منه ، نظرت لابنها الساكن بين ذراعيها بأعين باكيه ، ودنت من مقبله جبهته وحدثته من بين بكاءها :
– شوفت يا اياد خالك عمل ايه ، عايز يعذبنا معاه ، الله يكون في عونك يا ماما .
ثم أستمرت في نحيبها وانكبت علي وجهها حزينة ، دلف وليد من المرحاض ليرتدي ثيابه ، بعدما اتفق مع نهله علي مقابلتها اليوم ، ثم لاحظ زوجته وهي تبكي في صمت ، حدق فيها بتعجب وباشر بالإقتراب منها قائلاً :
– ميرا .
رفعت رأسها تجاهه ووجهها مليئ بدموعها المنهمرة ، جثي علي ركبتيه أمامها وتسائل بقلق :
– ايه اللي حصل يا ميرا ، إياد فيه حاجه .
ملس علي رأس ابنه برفق ، ونظر لها متابعًا بحيرة :
– ميرا الولد كويس ، اومال ايه بقي اللي مزعلك كده .
ردت ميرا ببكاء : أصل مالك عمل مصيبة .
وليد متسائلا ًباقتضاب : مصيبه ايه يا ميرا ؟ .
زمت زاويه شفتيها قليلاً خجلة من إعلامه بما فعله أخيها ، ثم اجابته بحذر :
– أصله كان عايز نور ، وخلاها تروحله الشقة اللي اشتراها من ورانا .
شرد في حديثه محاولاً ربط الأحداث سويًا وفطن ما تعنيه ، ثم نظر لها قائلاً بمفهوم :
– عملها حاجه يا ميرا ، ولا ايه اللي حصل .
ميرا بتردد : الحمد لله محصلش حاجه بينهم ، بس…
وليد بتساؤل : بس ايه ؟ ، كملي يا ميرا .
ميرا بضيق : بس نزلت البيبي ، نور كانت حامل .
حدق وليد فيها بصدمة ، ثم هتف بانزعاج :
– ازاي يعمل كده ، هو ناسي انها متجوزه ، ومتجوزه مين ، ابن خاله ، يعني مش حد غريب.
ميرا مبررة دون اقتناع : أصله بيحبها يا وليد .
وليد بسخط من تبريرها المستهجن:
– حب ايه ده اللي يخلي أخوكي يعمل المصيبه دي ، أخوكي بصراحه زودها قوي ، وأنا لو من زين أخلص عليه .
نهضت ميرا وهي حامله ابنها وهتفت بامتعاض :
– حرام عليك يا وليد ، مالك دا طيب قوي ، واكيد مكنش في عقله لما فكر في كده ، هو بيحبها ومش قاصد يأذيها .
وليد بتأفف ونفاذ صبر :
– ميرا لازم تعرفي ان الموضوع دا مش سهل علي الواحد لما يعرف ام مراته كانت هتغتصب ، ومن أقرب حد ليهم ، وأكيد زين مش هيسكت .
بكت ميرا مرة أخري علي حاله أخيها الشقية ، فتنهد وليد بعمق وتذكرت هي خروجه وحدثته محاولة الكف عن البكاء :
– روح يا حبيبي مشوارك ، اسفه اني أخرتك ، وانا هبقي أحاول أروح أشوفه ، اكيد مش هقعد كده .
لوي وليد شفتيه وأمتعض بتلك المصائب التي تهتاف عليهم ، وشرد في تلك التي تنتظره ، ولكنه قرر البقاء معها قائلاً :
– خلاص يا ميرا ، لو عايزه تروحي أجهزي وانا هوصلك…
____________________

ترجلوا من السيارة ، ثم امسك فايز بيدها وصعدوا الدرج ، فتحت ثريا الباب وولجوا للداخل ، جابت المكان ببصرها ووجدته مظلمًا رغم بزوغ النهار ، نظرت حولها بحسرة واردف فايز بهدوء :
– يلا يا ثريا ، أكيد هو في أوضته .
اومأت برأسها وذهبت معه للدور العلوي ، سار سويًا متجهين لغرفته ، فتشدق فايز بعدم فهم :
– ايه الضلمة دي ، هو ما فيش خدامين هنا .
ردت ثريا كاتمة بكاءها :
– قاعد لوحده يا حبيبي ، مافيش حد معاه .
فايز بتفهم : خلينا نقعد معاه هنا ، كده احسن يا ثريا .
ثريا بموافقة : انا بفكر في كده ، بس تعالي نطمن عليه الأول.
تقدموا من باب غرفته وشرعت هي في فتحه ، تفاجئت بظلام وسكون الغرفه ، أنقبض قلبها وتوجست عدم وجوده بالفيلا ، ولا إراديا حركت بصرها تجاه الفراش ووجدته غافي كالمغيب عن العالم ، أضطربت من رؤيه بهتان وجهه ، وغلبتها مشاعر الامومة في الإقتراب منه ، دنت ثريا منه وتعاطفت معه رغم مقت الجميع له ، ضمته لصدرها ممرره يديها علي رأسه وظهره بلطف ، أغمضت عينيها وتخيلته كالطفل الصغير ، ازدادت آلام قلبها ووبخت نفسها كثيرًا علي تركها له ، واخذت قرارها بالبقاء بجانبه ، فتح مالك عينيه ببطء ، ناظرًا حوله متخيلاً إفاقته من ذلك الكابوس اللعين ، ولم ينكر الدفء الذي أستشعر به للتو ، والذي أفتقده من زمن ، رفع بصره تجاهها وتأمل وجهها جيدًا، وجحد عليها رغم تعاطفها الظاهر في أعينها الباكية ، أبعد يدها عنه وأعتدل ناظرًا اليها بملامح غامضه ، ثم وجه بصره لزوجها الواقف الصامت وابتسم ساخراً، لم يبدي فايز رده فعل رغم نظراته المهينة له والتزم الهدوء ،حدج مالك والدته باحتقار رغم فعلته المستهجنه والتي تجلي الجميع من حوله ورسم القسوة في نظراته وهتف بانزعاج وقح:
– انتي ازاي جاتلك الجرأة تجيبي الراجل ده هنا ، تابع بضحكه مستهزئا ًبهم:
– ولا انتوا خلاص ، مبقاش فيه حيا ، وانا أقول انا طالع قليل الأدب لمين
جلست ثريا موضعها مبتلعه كلامه بصدر رحب ، ولم تظهر ضيقها المعدوم ، تاركه له المجال لإخراج ما في قلبه ، ومتحمله لقسوته التي ايقنت ان بعدها عنه هو السبب ، بينما تعجب فايز من صمتها الهادئ رغم فظاظه حديثه في وصفهم .
لم يزيح مالك ابتسامته الساخرة منهم وهو يحملق فيها بضراوه
داخلية لتخليها عنه وعدم إدراكها لما يقاسيه ، ثم شحذت عيناه النظر عليه وهتف بنبرة إحتكارية :
– أمشي أطلع بره ، ولا مفكر انك في يوم من الأيام هتاخد مكان بابا ، اللي هو صاحبك ، اللي اول ما مات جريت علي مراته وأتجوزتها .
دُهش فايز من وقاحته وأكفهرت تعابيره ، ثم وجه بصره لها منتظرًا لتعنيفها له من تطاوله الوقح والغير مؤدب معه ولكنها فقط تحدق فيه بحنانها ، حدجها بتعجب وأجبر نفسه علي ألتزام الهدوء الزائف خشية تأزم الوضع للأسوء خاصه إدراكه مدي ضيقها في تركها له بمفرده .
نهض مالك من مكانه بتقاعس جم ، ورغم شحوب وجهه ظلت قساوته مرسومة عليه ، تطلع عليهم سويًا وهو يوزع نظراته بينهم ، وهتف بقلب متحجر :
– انا مش عايز أشوف وشكوا تاني ، يلا أطلعوا بره فيلتي …
_______________________
في شركه زين ….

ولجوا سويًا لداخل الشركه ، وحصفت هانا سبب قدومهم لها رغم اعماله الجمة بشركته ، ولم تقتنع بحديثه الزائف انه يهتم لأمر ذلك المشروع ؛ سارت بجانبه بتقاسيم صلدة جافة مفطنة لقيمتها في نظره بعد حديثه معها ، وتخلت عن غِيرتها رغمًا عنها خاصه إهانته لها كليًا ، وأشعرها بدونيتها ورعونتها منسبه بذلك اللوم علي نفسها ، وخاصة بعد تماديها معه في المحرمات وظنًا منها انه سيقبل بها فيما بعد .
أثنت ثغرها بابتسامة ساخره فور رؤيتها هي وزوجها معًا ، ثم وجهت بصرها له وجدته مسلطًا بصره عليهم ، لم تتعجب الأمر كثيرًا ، وتنهدت بعمق منتظره القادم .
تقدموا سويًا منهم ، ونظر له حسام بتعابير منزعجة ، ولم يبالي به ماجد حيث حدث مريم :
– صباح الخير يا مريم .
حسام وهو يحدجه بضيق : انت مش شايف غيرها ولا ايه .
رد ماجد مبررًا بابتسامة مصطنعة :
– اسف ، أصل مريم كانت زميلتي وصديقتي ، وانا معرفكش زيها .
حسام بامتعاض جم ونبرة موحية متعمدًا الضغط علي حروف جملته :
– لا تعرفني كويس ، انا جوزها وأبو أبنها ، وحبيبها .
ضغط علي كلمته الأخيره بقوة أشد قاصدًا إيقافه عن التمادي في حديثه ونظراته الوقحة لها ، بينما أرتعدت مريم منتظره لنشوب حربًا شرسة بينهم ، وجزعت تطور الأمر في مكان عملهم ، واردفت محدثه زوجها :
– يلا يا حسام احنا ورانا شغل كتير .
ثم امسكت ذراعه لتجبره علي السير معها ، وأغتاظ ماجد من عدم ردها عليه وتعمدها ترك المكان منشغله بأمر ما يسمي زوجها ، وبالمثل هانا التي تعشقه ولم يمنحها ولو قليلاً من حبها له ، وكانت نظراتها المحتقنة من نصيبه هو ، أخرجها من شرودها صوته المهتاج :
– يلا تعالي !……
_______________________

لم تعي سبب انشغاله المطول في تحضير اوراقاً زائفة كما وعدها ، كونه يجيد تلك المسألة ولا تستلزم تلك المده لإنهاءها ، اهتاجت رودي من تركه لها دون مهاتفته المعتادة معها ، وخاصة سؤال جارتها سلمي الدائم عن إنهاء اجراءات المشاركة الزائفة ، لم تجد أمامها سوي مهاتفته مضطرة ، جاء صوته بعد مده قائلاً ببرود لم تتعود عليه منه :
– عايزه ايه يا رودي .
رودي بتعجب : ايه الطريقه اللي بتكلمني بيها دي ! .
سامي بتأفف : قولي عايزه ايه ، انا عندي شغل ومش فاضي.
رودي بتهكم : شغل ايه اللي عندك ، انت مش رايح تخلص الورق المضروب وترجع .
سامي بضيق : طلعلي شغل مهم هنا ، أسيبه يعني .
رودي متسائله بامتعاض :
– وهتيجي أمتي ؟ ، مرات الظابط كل شويه تسألني هنمضي العقود امتي ، وانا اقولها لما ترجع ، انا خايفه تغير رأيها .
سامي بنفاذ صبر :
– بكره هكون عندك ، أستريحتي كده .
ردت بضيق :
– يعني انا موحشتكش يا سامي ، ايه اللي غيرك كده ، انت كنت بتكلمني في اليوم أكتر من مره .
تأفف سامي ولعنها بصوت هامس ، واردف لإنهاء حديثه معها :
– فيه ناس معايا دلوقتي يا حبيبتي وبنتكلم في شغل ، هشوف بكره بقي ، مع السلامه ..
ثم أغلق هاتفه وهو يسبها ، تأملته هايدي وتسائلت بفضول :
– كنت بتكلم مين؟ ، ومين اللي بتشتمها دي .
سامي بنفور : ما فيش ، دي واحده كانت حبيبه أخوكي ، ودلوقتي لزقالي ومش عارف أخلص منها .
هايدي باحتجاج :
– انا مبحبش حد يشاركني في حاجه بتاعتي ، كفايه جوزي الأولاني واللي حصل معاه .
نهض سامي ونفي بجدية :
– لا يا حبيبتي ، انتي اللي في القلب وبس ، وتيجي ايه هي جمبك ، دي ولا حاجه ، وانا أعمل بس اللي يرضيكي .
هايدي زاممة شفتيها بضيق :
– بس انا مشفتش حاجه ترضيتي ، ولا سمعت خبرهم زي ما قولتلي .
سامي بجدية :
– اوعدك يا قلبي ، التخليص النهاردة……….
____________________

عند زين في العوامة…..

لم تخجل من التعري أمامه ، تركته يبدل لها ثيابها دون إعتراض ، قام زين بشلح ملابسها بهدوء متطلعًا عليها بنظراته العاشقة ، ثم وقف لبرهه محدقًا بها ، وشعرت نور بنظراته نحوها وفرحت داخليًا من لهفته عليها ، دنا زين منها طابعًا لقبله علي كتفها العاري ، أخرجت هي إرتجافة خفيفة وتسارعت ضربات قلبها ، ثم نظر لها بحب وهمس في أذنها :
– كنت هموت لو كان لمسك ، انتي ليا انا وبس .
زادت أنفاسه المقتربة منها مشاعرها المتيمة به ، بينما استطرد هو بنبرته العاشقة :
– انا ميهمنيش الولد ، قد ما يهمني انتي ، انتي حبيبتي يا نور ، وبحبك قوي .
أحتضنته بقوه ودفنت نفسها في صدره قائله بحزن :
– انا كنت عايزه يكون عندي ولد ، بس ربنا مش عايز دلوقتي
زين بتعقل :
– الحمد لله ان إحنا متعلقناش بيه ، وان شاء الله نجيب غيره ، المهم انك تقومي بالسلامة ، وعايزك علي طول مبسوطة وتنسي اللي حصل ده.
نور وهي مازلت في أحضانه :
– زين حبيبي ..
رد بحب : نعم يا قلب زين .
نور وهي ترتجف : انا بردانه ، لبسني يلا .
زين منتبهًا : أسف يا حبيبتي ، انا مخدتش بالي .
ثم هم بتلبيسها ملابسها المريحة وقامت هي بمساعدته بحذر ، وبعد لحظات انتهي واردف بابتسامة مرحة :
– انا هقلعك ولبسك علي طول ، انتي سمعاني .
نور بضحكة خفيفة : سامعه ، ثم استأنفت متسائله بحذر :
– انت هتعمل ايه مع مالك ، اوعي يا زين تكون بتفكر تأذيه .
زين بانزعاج :
– اللي مصبرني عليه انه مقربش منك ، وعمتي عامل حسابها في الموضوع ، انما لو كان عملك حاجه ، كنت قتلته ومهمنيش اي حد ، بس مش معني كلامي اني هعديها كده من غير ما اعاقبه ..
نور بتفهم :
– أهدي يا زين ….المهم دلوقتي كلهم عرفوا باللي عمله معايا ، ومش هيفكر يقربلي تاني .
زين بعدم فهم حتي الآن :
– انتي مردتيش علي سؤالي في المستشفي وقولتيلي بعدين ، ممكن بقي اعرف قالك ايه علشان تروحيله ..
نكست رأسها قليلاً وازدردت ريقها متعثره في الرد الغير مرضي له وأجابته ضاغطه علي شفتيها بتوتر :
– قالي انك بتخوني مع واحدة .
أكتست الصدمه ملامحه وهو يحدق فيها بلوم ، بينما نظرت له هي مبررة :
– انا مصدقتوش يا زين ، وكلمتك كتير قوي ، بس انت مردتش عليا ، هو دا اللي خلاني اشك ، خصوصا انك علي طول بتكلمني .
تنهد زين بقوه متفهمًا ما حدث ، وأجل الحديث في ذلك لحين مرور وعكتها الصحيه بسلام ، وحدثها بجدية زائفة :
– خلاص يا نور ، المهم انك كويسه ، ولازم تعرفي اني مش ممكن أخونك ، استأنف وهو ينظر للطعام الذي حضره لها :
– يلا علشان تاكلي ، الدكتور قال لازم تتغذي .
ثم مد يده ليلتقط تلك الصينيه الصغيره وقربها منها ليطعمها بنفسه ، فنظرت هي لها وحدجتها بعبوس قائله :
– انت اللي عاملها يا زين .
زين باستغراب : ايوه يا حبيبتي ، اومال انا كنت في المطبخ بعمل ايه .
نور بغيظ وهي تحدق في الطعام بتقزز :
– وطبعا هيبقي طعمه وحش ، وهتردلي الأكل الوحش اللي كنت بعملهولك ، تابعت بعناد :
– بس انا مش هاكل منه ، علي جثتي .
حملق فيها زين مستنكرًا حديثها دون تذوقها لما طهاه من اجلها ورد :
– انتي شوفتي الأول هو وحش ولا حلو ، وعلي فكره انا كنت عايش سنه هنا لوحدي ، وكنت بعمل اكل لنفسي لما ببقي فاضي .
نور بتذمر : هو حلو يعني .
زين وهو يدغدغ عنقها مازحًا :
– دوقي وقوليلي رأيك يا روحي .
باشر باطعامها بهدوء ، وابدت إعجابها واشادت بما انجزه ، ثم حمدت الله علي وجوده بجانبها…….
_______________________
عند مالك…..

صعد الرجل من علي سور حديقه الفيلا بسهوله وقفز للداخل ، نظرًا لعدم وجود حرس يعيق طريقه ، حرك بؤبؤ عينيه بطريقة إجراميه خبيثة وهو يبحث عن السائق ، ثم تقدم بحذر من السيارة ، سمع مشادة كلامية عنيفة بالداخل ولكنه لم يعطي للأمر أهميه وأكتفي بإنهاء مهمته ، التفت حوله خشية من ان يراه أحد وتنفس بحبور عندما وجد السائق بصحبه البواب ويحتسون الشاي ، بدت مهمته سهله امامه حيث بادر بالنزول اسفل السياره واخرج سلاحًا ابيضًا ثم شرع في قطع مكابح السيارة ومحدثًا لبعض التخريب الذي يكمل مهمته بنجاح .
نهض وهو مرتبك من ان يراه أحدًا ، ثم هرول تجاه السور مرة أخري صاعدًا عليه وقفز للشارع كما جاء ، نظر امامه بثقه ثم اخرج هاتفه واتصل برب عمله وهو يركض ليبتعد عن الفيلا ، واردف عندما اجابه :
– كله تمام يا سامي بيه ، أعتبر المهمه خلصت…….
______________
في الداخل…..

ظلت متشبثه في باب غرفته تأبي الخروج ، دفعها مالك بقوة غير راغبًا في وجودها ، وبقسوة منه كادت ان تسقط ولكن يد فايز كانت الأسرع في إلتقافها ، ورفعها لتعتدل معه ، ظلت ثريا علي وتيرتها ونظراتها المشفقه عليه رغم عنفه معها، ولم يشعر هو بالرفق عليها ، لان لم يجد امامه من يشاطره أحزانه وقاساها بمفرده ، وظلت نظراته الزائغة وجسده المتشنج رافض التماس العزر لها ، وعن فايز فقد أهتاج من ضراوته الوقحة في معاملة والدته وتخلي عن صمته وهتف معنفًا إياه :
– انت فعلا ولد قليل الأدب ، ازاي تعامل امك كده ، انا مش مستغرب من اللي عملته في بنت خالك ، لاني شوفت بعيني امك بتعاملها ازاي .
مالك باهتياج وهو يصرخ فيه :
– متدخلش في حياتي ، انت اللي خلتها تبعد عني ، انت ضحكت عليها وأتجوزتها ، ودلوقتي عايزني اعاملكوا عادي ، أمشوا اطلعوا بره .
ثريا ببكاء عنيف :
– لا يا مالك ، انا أسفه يا ابني ، انا هقعد هنا معاك ومش هسيبك يا حبيبي و….
قاطعها بنبرة مستهزئة :
– وهتقعدي فين ، ما داهيه لتكوني هتنيميه علي سرير بابا .
فايز بصدمة من وقاحته الزائدة :
– انا مش عارف اقولك ايه ، يا ريت زين كان خلص عليك ، ولا انك تعامل امك كده ، او متحترمش اللي أكبر منك .
ثريا رافضه ببكاء :
– سيبه يا فايز انا مش زعلانه منه ، انا اللي غلط ولازم استحمل .
مالك بنفاذ صبر :
– يلا بقي امشوا من هنا ، انا مش عايز اشوفكوا تاني .
ثريا بتحدي : مش همشي يا مالك ، انا هفضل هنا ومش هخرج .
تقدم منها وأمسك بذراعهما معا ليدفعهم لهبوط الدرج ، وهبطوه بأعجوبه وهو ممسكًا بهم ، ولم يبالي بحديثه وتقدم من باب الفيلا قائلا بنبرة قاسية :
– يلا امشوا ، مش عايز حد يحس بيا ، سيبوني لوحدي بقي
ثم دفعهم للخارج واوصد الباب بعنف ، واستند عليه بظهره ثم جلس علي الأرضيه وأنكب علي نفسه باكيًا وحدث نفسه وهو يلومها :
– ليه يا ماما سيبتيتي لوحدي ، انا كنت محتاجك جمبي ، جايه بعد ايه ، انا خلاص انتهيت ………
__________
أسندها فايز لتهبط الدرج وهي تنتفض حزنًا لما حدث ، اقترب بها من السيارة وأجلسها بالداخل ، تعالت شهقات ثريا الحزينة المعبره عن إستياءها لما حدث وهتفت برفض :
– انا مش عايزه أسيبه يا فايز ، انا عايزه افضل جمبه .
فايز بتعقل : حاضر يا ثريا ، احنا نسيبه يهدي ونبقي نجيله تاني ، وان شاء الله هيبقي كويس .
ثريا بتمني : يا رب ، ربنا يهديه .
قاد السائق السيارة ودلف بها خارج الفيلا ، وما هي إلا لحظات قلائل حتي بدأت السيارة في الإنحراف ، ولم يتفهم السائق تغيرها المفاجئ وبدأ في تهدأه السرعة ، وارتعد عندما وجد مكابح السيارة لا تعمل ، وأيقن مشكلة ما فيها ، ارتاع داخليًا وجاهد لمعرفه السبب ، حملق فيه فايز بانزعاج وهتف :
– سوق كويس يا بني آدم انت .
السائق بنبرة مذعورة :
– الفرامل بايظه يا سعاده البيه …..باين حد لاعب فيها .
فايز باستنكار : ازاي ! ….احنا جاين بيها وكانت كويسه .
حرك السائق رأسه بعدم فهم ، وظلت تنحرف السياره يمينًا ويسارًا غير قادرًا علي السيطرة عليها ، جاءت امامهم سيارة نقل محملة بالبضائع وحاول ان يتحاشاها ، ولكن السيارة كانت تتعمد الإرتطام بها ، فاهتاج فايز وصرخ :
– حـاســــب ……………………..……….
________________
_____________
_________

 

error: