فريسه للماضي

الفصــل الرابع عشــر
فريســة للماضــي
ـــــــــــــــــــــــبعد مرور شهـــر……..

أفاق منه نومه علي صوت شخص ما يهتف بأسمه ، فتح حســام عينيه ببطء وحدق في الواقفة امامه بعبوس يكسو تقاسيمه ، أعتدل في نومته علي الفور ناظرًا لها بعدم فهـم ، وحدثهــا متسائلاً :
– انتـي مين ؟..
ردت السيدة بصوت أجـش :
– انا الخدامـة الجديدة يا سعادة البيه .
حسام بضيق :
– انتي الخدامه الجديدة ، اومال فين المزة التانية ، قصدي الخدامة التانية .
السيدة بجهل :
– معرفش حاجه يا بيه ، انا اول يوم ليا ، والمدام طلبت مني ادخل اصحي حضرتك .
نظر لها حسام مغتاظًا من وجودها ونهض سريعًا من علي الفراش وهدج للخارج مصيحًا بانزعاج :
– مريـم ……يا مريم .
هرعت مريم تجاهه وردت بتعجب :
– ايه حسام ……مالك صوتك عالي كده ليه !..
نظر خلفه واشار لتلك السيدة ورد باشمئزاز :
– تقدري تقوليلي مين دي ؟.
مريم لاوية شفتيها للجانب :
– دي الخدامة الجديدة ، تابعت بنبرة مستفزة لتثير حنقه :
– نقاوه إيديا يا حبيبي ، ايه رأيك في حلاوتها ، حاجه مافيش كلام .
حدجها حسام بغيظ وهتف بتردد :
– بس دي ممكن تخوف الواد .
السيدة معترضة بنبرة خشنة :
– لا يا بيه ، دا انا اكلته ونيمته ، وحبني خالص مالص .
كتمت مريم ضحكتها بأعجوبه ، بينما أهتاج حسام وكز علي اسنانه وهتف :
– الله يرحمني ، انا داخل البس وامشي من هنا .
ولج الغرفه مرة اخري وهو يستشاط غيظًا من زوجته وتلك المرأة الشمطاء التي لا تختلف كثيرًا في هيئتها عن الرجل ، ولجت مريم خلفه وهتفت بضيق زائف :
– تقدر تقولي ناني فيها ايه وحش ؟!.
حسام بتهكم :
– ناني مين دي! ، هو الأخ الي بره ده أسمه ناني .
ردت مريم كاتمة ضحكها :
– اسمها نعيمة ، وانا بدلعها وعايزاك تدلعها انت كمان .
حسام بامتعاض :
– ودي جايه تشتغل ولا جايه تتدلع .
مريم بالامبالاة زائفة :
– سيبك منها ، ويلا البس علشان كده هنتأخر علي الشغل .
حسام علي مضض :
– طيب ، يارب خد اللي في بالي …..
___________________

سَئِمَت من المكوث في العوامة الفترة الماضية ، ولذلك قررت ان تذهب معه للشركة وتغيير روتين يومها المقتصر علي الذهاب لعمها فقط ، ارتدت نور ملابسها متجاهلة نصائحه لها ، ثم تقدمت منه وردت عليه بتأفف :
– انا زهقت يا زين من القعدة ، بقالي كام يوم مش بخرج غير عند انكل .
زين بتفهم :
– عارف يا حبيبتي انك زهقتي ، بس انا خايف عليكي وانت لسه مخفتيش وبتاخدي دواكي .
نور بتذمر :
– هو انت لما تاخدني معاك الشركة فيها ايه ، انا هقعد معاك واتعلم شوية حاجات ، مش حاجة صعبة .
زين بحنان وهو يملس باصبعه علي خدها :
– انا خايف عليكي يا حبيبتي ، الدكتور قال لازم ترتاحي ، خصوصًا انك كنتي تعبانة قوي .
نور بضجر :
– انا مش تعبانه ، انا كويس قدامك أهو .
زين مستسلمًا لرغبتها :
– خلاص زي ما تحبي .
نور متسائلة بفرحة :
– هتشغلني فين بقي ؟ .
زين باستنكار :
– فين ازاي ، في مكتبي طبعًا .
نور زاممة ثغرها بضيق خفيف :
– بس انا عايزه مكتب ليا ، هو انا مش ليا فيه الشركة برضو .
زين مؤكدًا:
– ايوه يا حبيبتي ، ليكي التلت فيها .
نور بتساؤل : ولمين الباقي .
رد بايجاز :
– ليا .
نور بمفهوم :
– يعني بتاعتي انا وانت ، تابعت بتساؤل :
– طيب.. وسلمي ومريم ؟! .
رد بجدية :
– الشركه بتاعتي انا وانتي وبس ، وانا اللي بديرها لوحدي ، لأني وصي عليكي ، وانا اللي بتصرف في نصيبك .
نور متنهدة قالت بمعني :
– طيب ممكن بقي اشتغل وافهم كل حاجه ، علشان ابقي معاك
زين بابتسامة عذبة :
– وماله لما تشتغلي معايا ، علي الأقل نبقي مع بعض علي طول .
ردت معترضة :
– مش علي طول قوي ، انت ناسي اني لسه بدرس والأجازة قربت تخلص .
زين مستنكرًا :
– وفيها ايه ، انتي الوقت اللي فاضيه فيه تعالي معايا ونشتغل سوا انا وانتي ، استأنف بتأفف :
– مع انا لما كنت في الجامعه مكنتش بروح ، وشغال عادي ولا اي حاجه .
نور بدلال مائع :
– طيب يلا بقي علشان هنتأخر .
زين وهو يمسك يدها ويستدير بها للخروج :
– تعالي يا وجعه قلبي ……..
______________________

جلسوا ثلاثتهم علي طاوله الطعام يتناولون إفطارهم ، ولم تخلو جلستهم من نظرات رودي العابسة لهما ، حاولت هايدي تجاهلها لحين الإنتهاء من الصفقة المربحة وتحملت حركاتها المستفزة ، وعن رودي ظلت تثاورها الشكوك في علاقتهم سويًا ، خاصةً بعد رؤيه تلك النظرات المريبة بينهم ، والتي توحي بعلاقة أخري غير تلك التي يدعيها ، وتأججت الشكوك بداخلها وتحفزت كليًا لكشفها ، نظر لها سامي بطرف عينيه وايقن شكها في امر هايدي ، فهو علي علم انها لن تتقبل خدعته التي رسمها عليها بسهولة ، لذلك تشدق لينهي تفكيرها ويشتت أنتباهها لـ :
– ومرات الظابط مبسوطة من السنتر يا رودي .
رودي وهي تلتفت اليه :
– ايوه عاجبها ، دا كل يوم فيه من وقت ما مضينا العقود .
سامي بجدية :
– طب كويس ، علشان تبان قدام الناس انها صاحبة المكان ، وتلبس الليله لوحدها .
رودي بتجهم :
– ونخلص بقي من الصفقة دي ، ثم وجهت بصرها لهايدي وتابعت بتساؤل :
– وأنتي ناويه تقعد معانا كتير يا نادين ؟.
هايدي متعثره في الرد :
– يعني ، علي ما ألاقي مكان وكدة .
سامي بامتعاض زائف :
– مالك يا رودي ، انتي بتطرودي بنت خالتي ولا ايه .
ردت رودي بحنق :
– انا مش بطرد حد ، انا بسألها سؤال ، اصل مش شيفاها بدور علي مكان .
نكست هايدي رأسها ، بينما هتف سامي متذمرًا :
– ايه الكلام اللي بتقوليه ده ، ما تقومي ترميها بره أحسن .
رودي بتأفف منزعج :
– هو انا كنت قولت ايه يعني ، دي علي طول في اوضتها ، وعمري ما شوفتها خرجت زي ما يكون خايفه حد يشوفها ، ولا عامله مصيبة .
اضطربت هايدي وتلعثم سامي وهتف بتوتر :
– عامله مصيبة ايه ، دا هي بس بتتكسف ومتعرفش حد .
وجهت بصرها لملابسها العارية وردت بمقط وهي تمرر بصرها عليها كليًا :
– لا ما واضح الكسوف ، ما انا شايفاه بعيني .
نظر سامي لهايدي ، واغتاظ من الأخري ولكنه تريث في التخلص منها عندما يسنح له الوقت ، ثم رمقها بضيق وحدثها بكلمات موحية يتفهمها هو وهايدي :
– هانت يا حبيبتي ، متضايقيش نفسك ، اول ما تخلص الصفقة هتستريحي خالص ………..
______________________

جلست في مكتبها الخاص بداخل السنتر ، وظلت تتطلع علي تلك الاوراق الموضوعة امامها وتتامل ما هو مدون فيها ، زاد إستغرابها بعض الشئ كونها تتفهم تلك المهمة جيدًا ، وما امامها سوا بعض الاوراق الغير مجدية للعمل بداخل السنتر ، وتخيلت ربما الاخيره لم تتفهم العمل ، وقررت سلمي مباشرة الأعمال بنفسها وزيادة مسئوليتها بداخله مستغلة حنكتها في تلك المسألة ، ليتسني لها تجهيزه بمستوي راقي ، اسندت تلك الأوراق جانبًا واعتزمت مفاتحة رودي في تلك المسألة لتعلمها بمدي خبرتها في هذا المجال ..
ادارت سلمي رأسها لهاتفها الذي يهتز بجانبها ثم التقطته ، واعتلي ثغرها إبتسامة فرحة وهي تتطلع علي هويه المتصل ، اجابت هي علي الفور :
– صباح الخير يا حبيبي .
معتز متنهدًا بحرارة :
– وحشتيني قوي يا روح قلبي .
سلمي بعبوس زائف :
– ما انت اللي بتيجي ساعه وتمشي ، وياريت بتزود عن كده .
معتز مبررًا :
– اعمل ايه بس ، أول ما نقبض علي تجار المخدرات دول هتلاقيني فضيلك علي طول .
سلمي بتهكم :
– اما اشوف ، دا انت حتي مفضتش تكتب معايا عقود الشراكه .
معتز بمعني :
– مش خلاص كل حاجه تمام ، لازمته ايه الكلام ده ، تابع بضيق :
– وبعدين انا هضيع الخمس دقايق في الكلام ده .
سلمي لاوية شفتيها :
– خمس دقايق .
رد ببلاهة غير مستمعًا لضيقها :
– وحشتيني قوي .
سلمي بتعجب :
– هو انت مش هتتغير ابدا ! .
معتز بمغزي :
– انا هفضل كده علي طوووووول……..
_____________________

منذ وفاه والدتهم وهي دائما ما تأتي اليه وتطمئن عليه لانها من الآن تعتبر المسؤله عنه ، وتواظب علي إحضار ما يشتهيه معها وتغصبه علي مشاركتها في الطعام ، وتأتي بابنها كي يرفه عنه قليلاً، دنت ميرا منه وجلست بجانبه وحدثته وهي تلاعب طفلها:
– مش هتسلم النهاردة علي الولد الحلو ده .
مالك بابتسامة باهتة وهو ينظر اليه :
– فعلا حلو ، ربنا يحميهولك .
ميرا بجدية غير راضية بوضعه :
– مش هتخرج بقي يا مالك من الجو ده ، شايف شكلك بقي عامل إزاي .
مالك متأففًا بنفاذ صبر :
– يووه يا ميرا ، كل مره تيجي تسمعيني الكلمتين دول .
ميرا بنبرة حنونة :
– يا حبيبي انت اخويا الصغير ، ومبقاش لينا غير بعض ، عاوزني يعني اشوف كده وافضل ساكته ، اخرج يا مالك وعيش سنك ، متشيلش نفسك ذنب موت ماما ، دي كانت حادثة مقصودة ،والله اعلم لحد دلوقتي مين اللي عمل كدة .
أغرورقت عيناه بالدموع قائلاً بندم :
– يا ريتني ما طردتهم ، انا كنت قاسي قوي ، انا مش هسامح نفسي ابدا ، انا اللي رميتهم بإيدي علشان يموتوا ، انا السبب في كل حاجه ، انا السبب .
استسلم لبكاءه المرير متذكرًا لذلك اليوم المشؤم ، ربتت ميرا علي ظهره مهدئة إياه وهتفت بحزن :
– خلاص يا مالك ماما ماتت ، ولو بتحبها حاول تبقي أحسن من كده يا حبيبي ، واثبت قدام الكل انك راجل ويعتمد عليك ، كفاية فكرتهم الوحشة عنك بسبب اللي عملته .
اومأ رأسه قائلاً بتنهيدة :
– سيبني شويه مع نفسي ، انا زعلان ومش قادر أفكر في اي حاجة دلوقتي .
ميرا مبتسمة بطاعة :
– حاضر ، هسيبك براحتك ، بس توعدني تاكل الأكل اللي عملتهولك .
رد بايجاز :
– حاضر .
نهضت حاملة إبنها الذي غفي علي ذراعها وحدثته بمعني :
– وليد مستني تليفون منك زي ما أتفقنا يا مالك ، هو قالي انه جاهز يعرفك اي حاجة في الشغل .
مالك بهدوء ظاهري :
– حاضر يا ميرا هبقي اكلمه .
سارت ميرا للخارج وتعقبها مالك بتنهيدة عميقة أخرجها كونها تأتي لإزاحة الهموم قليلاً من عليه ، بعدما اضحي في نظر الجميع غير مرغوب فيه ، وأعهد نفسه علي التغير لاحقًا ، حينما يتهيأ لذلك بسبب موت والدته الذي أحدث فجوة غائرة بداخله….

في الأسفل توجهت ميرا لفتح باب الفيلا متهيأه للخروج ، وتفاجأت بساره أمامها ، وتفوهت باستغراب :
– ساره !..
ازدردت ساره ريقها ، وردت عليها بتوتر داخلي :
– أهلا يا ميرا .
ميرا بنفس دهشتها :
– انتي جايه لمالك !..
ردت ساره بتردد :
– انا مهندسة الديكور اللي بعتها المهندس باهر ، وكنت باجي هنا علشان شغلي .
ميرا مومأة رأسها بتفهم وهي تتطلع عليها :
– طيب يا ساره ، انا همشي علشان تشوفي شغلك
ابتسمت ساره لها ودلفت ميرا للخارج ، وتنفست ساره بحبور ، ثم ولجت هي الداخل لمباشرة عملها………
______________________

أغتاظ من أخته التي سحبتها أمام عينيه وولجت بها لمكتبها، ولج هو الآخر خلفهم بتعابير متجهمة ونظر لهم بعدم رضي ، فحدجته مريم بتعجب قائلة :
– انت جاي عاوز ايه ، متروح تشوف شغلك .
زين بضيق ناظرا لنور :
– يلا يا نور تعالي معايا .
مريم باستنكار :
– تيجي معاك فين ، انا اللي هعرفها كل حاجة ، روح انت علي شغلك .
زين بامتعاض :
– بس انا عاوز اعلمها انا .
مريم بنفاذ صبر :
– زين سيبها بقي ، احنا ستات زي بعض وهنفهم بعض بسرعة .
صر زين علي اسنانه وهتف من بينهما :
– عن إذنكوا .
بادر بالخروج وهو متذمر ، بينما أنفجرت مريم ضاحكه عليه وهتفت بخبث :
– مش قادر يبعد عنك يا جميل ، دا انتي مجنناه بقي .
ردت نور بلامبالاه :
– سيبك من الكلام ده ، انا عايزه أعرف كل حاجه هنا ، زين قالي ان الشركة بتاعتي انا وهو .
مريم بتهكم :
– ايوه بتاعتكوا لوحدكوا ، حتي بابا أتنازل عن نصيبه له .
نور بجدية ممزوجة بالحماس :
– عرفيني كل حاجه يا مريم ، علشان انا هشتغل مع زين هنا .
مريم مقترحة فكرة ما :
– في جروب أجنبي احنا متعاقدين معاه جاي بكرة ، ايه رأيك نقابله سوا .
نور بشغف :
– واووو ، انا موافقه ، خديني معاكي يا مريم ، عايزة اعمل شغل زي ده .
مريم بتأكيد :
– متقلقيش ، هاخدك معايا ، تابعت بمرح :
– ومنها نشوف أجانب وننبسط شويه……..
______________________

وقف ملازمًا للطبيب وهو يتفحصها بعناية ، ثم وجه بصره نحوها متأملاً وجهها المتعب ، استنكر أمير عنادها التي باتت تفتعله معه ، وحرك راسه آبيًا ما تفعله خاصةً حملها في شهورها الأولي ، انتهي الطبيب من فحصها ثم أقصي السماعة الطبية من أذنه ووضعها في حقيبته ، وتشدق بعملية :
– المدام صحتها كويسه ، والبيبي كمان ، بس لازم تجيلي العيادة علشان اتابع حالته كويس ، وياريت المدام تلتزم بالتعليمات علشان صحتها هي والبيبي .
أمير بضيق :
– ياريت يا دكتور تقولها ان كده غلط ، لانها بتبذل مجهود كبير قوي ، ومش مراعيه انها حامل .
الطبيب بجدية :
– ودا نتيجه إجهادها المبالغ فيه ، ولازم ترتاحي يا مدام كويس جدا ، علشان متتعبش بعد كده .
ردت ديما بنبرة متعبة :
– انا كنت قاعده عادي ، لقيت نفسي تعبت ودوخت .
اميرا مستنكرًا بامتعاض :
– لا يا ديما ، انتي كنتي في البسين ، وكذا مرة اقولك متلبسيش مايوه .
هتفت ديما بضيق :
– طبعا ، كل اللي يهمك لبسي ، مش انا تعبت ولا اي حاجة . حتي البيبي انت مش حابه .
استمع الطبيب لحديثه الأسري الخاص ونهض قائلا بتفهم :
– طيب أستأذن انا .
لم يرد عليه احد واستمروا في نقاشهم الحاد ، فأضطر الطبيب لتركه المكان لهم ..
أمير بجدية :
– لو مسمعتيش كلامي يا ديما مش هيحصل كويس
ديما باعتراض :
– بتاع ايه اسمع كلامك ، انت مش طلقتني وقولت انك مش حابب الولد ومش فرحان بيه .
أمير بغيظ :
– طيب انا رديتك يا ديما ، ايه رأيك بقي ، ومن هنا ورايح كلامي انا وبس اللي هيمشي .
ديما معترضة رغم فرحتها الداخلية :
– برضه مش هتتحكم فيا ، ومش هديك فرصه لكده .
امير بعصبية :
– متخلنيش اتصرف تصرف مش هيعجبك .
ديما بعناد وهي تحدق في عينيه :
– ولا تقدر تعمل حاجة .
امير بعناد أشد :
– هتشوفي يا ديما هعمل ايه ……..
_____________________

جلس في غرفه مكتبه ممسكًا لألبوم من الصور الخاص به وبعائلته ، تأمل فاضل تلك الصور بشرود فيما مضي ، ثم رفع إحداهن أمام عينيه وتطلع فيها بحزن ، فكانت له هو واخته وأخيه الأصغر ، ولا إراديًا أدمعت عيناه لفراقهم له ، تنهد فاضل بحزن لفراق أخته الصغيره علي حين غره ، ومتعجبًا ممن خطط لقتلها هو وزوجها ، لم تبرد نيران غضبه ممن أنهي حياتها ، وتستمر محاولاته مع افراد الشرطة لمعرفه الجاني الذي فشل في كشف هويته حتي الآن ..
ولجت فاطمه مكتبه كعادتها في الايام الغابرة منذ توفت اخته ، وتقدمت منه وهي تتأمله بحزن جلي علي طلعتها ، جلست في مقابلته بهدوء ، وتطلعت عليه مشفقه علي حالته الشاردة ، لم يستشعر فاضل وجودها معه وظل يتأمل تلك الصور ومنغمسًا في ذكريات الماضي ..
اضطرت فاطمه للحديث قائله بنبرة هادئة :
– هتفصل كده لحد أمتي يا فاضل ، كل يوم ادخل ألاقيك قاعد القاعدة دي .
نظر لها فاضل بتعابير منطفئة حزينة ورد :
– أصل ثريا دي غالية عندي قوي ، وكمان عادل ، يوم ما مات وانا بقول ثريا بتهون عليا ، جت هي كمان وسبتني .
فاطمه بضيق ممزوج بالرأفة :
– ليه بتقول كده ، وانا روحت فين ، وكلنا روحنا فين ، دا حتي زين بيجي علي طول وبيصر انكوا تاكلوا سوا ، ومكنش بيعمل كده الأول ، كلنا حاسين بيك يا فاضل ، وكلنا حواليك وهنفضل علي طول جمبك ان شاء الله .
فاضل بتفهم قال بمعني :
– ان شاء الله يا فاطمه ، انتي حتي عوضتيني عن زوجتي الله يرحمها ، كانت طيبة ومحترمة زيك بالظبط .
فاطمه بابتسامة هادئة :
– طيب الحمد لله ، ويا ريت تحبني زيها .
رد فاضل بابتسامة باهتة :
– مغلطتش لما اتجوزتك……….
______________________

في شركه زين….
فتح باب مكتب أخته وولج دون إستأذان قائلاً بإبتسامة واسعة :
– يلا يا نور يا حبيبتي ، الشغل خلص وهنمشي .
حدجته مريم بتعجب وردت عليه هي باستنكار :
– ومالك فرحان كده ليه ، عامل زي العيل اللي مروح من المدرسة .
زين بضيق :
– علي فكرة انا بكلم مراتي ، وجه بصره لنور متابعًا
– يلا يا نانو .
مريم بسخط وهي تعيب علي حديثه:
– يلا يا نانو علشان تروحو .
هتفت نور بضحك وهي توزع أنظارها بينهم :
– انتوا هتفضلوا كده علي طول ، بحس انكوا مش طايقين بعض
مريم موضحة بتأفف :
– أصلي مولودة وراه علي طول ، فتلاقينا علي طول بنتخانق .
زين بنفاذ صبر :
– انا هفضل واقف كده علي طول .
نهضت نور قائله :
– لا يا بيبي انا جايه طبعًا .
التقطت حقيبتها وبعض متعلقاتها الخاصة ، ثم أقتربت منه ومد لها يده لتمسك بها ، وامسكت هي يده واطبق علي يديها بقوة وسحبها خلفه وسط نظرات مريم التي تفوهت بامتعاض :
– دا ايه الحب دا كله ، الله يحرقك يا حسام ….
_____________________
في شركه وليد…
جلست امامه علي المقعد ناظرة اليه بحزن زائف ، بينما بادلها هو بنظرات منزعجة ، فهمت هي بالحديث قائلة :
– الباقيه في حياتك يا وليد .
رد بإيجاز :
– حياتك الباقية .
نهله بحزن زائف :
– انا اول ما عرفت بالخبر زعلت قوي .
وليد باستهزاء غير مصدقًا حديثها :
– زعلتي من ايه بالظبط ، ان اتأخرت ومروحتلكيش .
نهلة بضيق مصطنع وهي تلومه :
– ايه الكلام ده يا وليد ، وانا اللي بحبك ، وجيت مخصوص علشان أعزيك .
وليد بنفاذ صبر :
– بصي يا نهلة ، لازم تفهمي ان ابويا ميت ، ولسه ممسكناش اللي قتله ، ومخي واقف ومش قادر افكر في حاجة .
نهضت نهلة وأستدارت حول المكتب متجهه اليه ، ووقفت خلفه وسط تأففه ، إلا انها قامت بتدليك أكتافه من الخلف قائله بدلال:
– انا ميهمنيش غير راحتك يا وليد ، عايزاك علي طول مبسوط .
ثم دنت منه وهمست في أذنه بشوق لتحفزه علي إخراج مشاعره المكنونة :
– وكل دا علشان بحبك يا وليد ، انا مستعده أعمل اي حاجة علشانك .
أغمض وليد عينيه شاعرًا بأنفاسها التي لفحت وجهه ، ونبرة صوتها التي تدفعه للإقتراب منها ، ولم تكتفي هي بذلك حتي قبلت عنقه بهدوء وهمست مره أخري :
– هتجيلي أمتي يا وليد ، أستنيت كتير .
وليد بأعضاء مضطربه ونبرة مهزوزة :
– خلاص يا نهله ، هشوف وأجيلك …..
______________________

سار ممسكًا بيدها ودلف بها للخارج ، نظرت له نور بحب قائلة :
– بتحبني قوي كدة .
زين مؤكدًا : طبعًا يا قلبي ، وعايزك تتأكدي من حبي دا .
نور بابتسامة فرحة :
– وانا كمان بحبك ، تابعت بتساؤل :
– أحنا هنروح عند عمي زي كل يوم .
زين وهو يدير سيارته : أيوه ، كل يوم هاخدك ونروح عنده .
نور بحماس :
– شوفت مريم إقترحت عليا ايه ، مش هتصدق .
زين متسائلاً باقتضاب :
– اقترحت ايه ؟ .
ردت بسعادة غمرت هيئتها :
– هتاخدني معاها وهي رايحه للجروب الأجنبي .
زين باستنكار : نور انتي لسه تعبانه ، وكمان دا مجهود عليكي ، نسيتي ان الدكتور قالك ارتاحي .
نور بضجر :
– يوووه يا زين ، انا لو تعبانه هقول .
زين بضيق :
– ما انتي كنتي تعبانه قبل كده يا نور ، وسكتي .
نور مبررة بحزن :
– انا مكنتش عاوزه أقلقك عليا ، وانا مكنتش حاسه بحاجة بتوجعني .
زين مشيرًا بيده قال بجدية :
– خلاص يا نور ننسي اللي حصل ، بس انا خايف الشغل دا ياخدك مني .
نور موضحة باستنكار :
– بالعكس ، دا انا هبقي معاك علي طول ونشتغل سوا .
زين بتهكم : أما أشوف ، ومتنسيش ان جامعتك قربت تبدأ ، صمت للحظات وأستأنف متذكرًا بابتسامة ماكرة :
– هتخفي أمتي بقي ، أصلك وحشتيني قوي ……..
______________________

أنهت عملها التي أتت من أجله بعد وقت ليس بقليل ، وأثناء تلك المدة كانت تنتظر نزوله بين لحظة وأخري ولكنه لم يفعل ، ملت ساره وتأففت بوضوح ، ثم فكرت في طريقة ما مناسبة للصعود اليه ، زمت شفتيها وقررت التوجه للمطبخ وعمل شيئًا ما لهما .
ولجت للداخل وحاولت البحث عن أدواتها اللازمة لعمل كوبين من النسكافيه ، كحيلة منها لرؤيته والتحدث معه قليلاً ؛ أنهت ساره ما بيدها وحملته متوجهه لغرفته في الأعلي .
صعدت لغرفته ووقفت أمامها واخذت نفسًا طويلاً وزفرته دفعة واحدة متأهبه للدخول عليه ، ثم طرقت الباب بهدوء وولجت للداخل ..
وقفت عند الباب للحظات لتلفت إنتباهه إليها ، فقد كان جالسًا علي الفراش وناظرًا للناحية الأخري ، وعند عدم وجودها لردة فعل منه تنحنحت بخشونة ، ادار مالك رأسه إليها ورمقها بوجه عابس ، ثم أدارها مرةً أخري ، تقدمت ساره للداخل بهدوء ووضعت ما بيدها علي الطاولة الصغيرة في منتصف الغرفة ؛ ثم وجهت بصرها اليه وحدثته وهي تقترب منه :
– عامل ايه يا مالك ، انا عملتلنا نسكافيه نشربوا سوا .
نظر لها مالك مضيقًا عينيه وهتف قائلاً :
– هي الفيلا دي بقت مفتوحة كده لأي حد يدخل .
ردت ساره مبررة بتردد :
– انا جايه لشغلي ، وعادي لما اطلع اتكلم معاك ، إحنا بقينا عيلة واحدة ، وكمان انا معزتكش في مامتك .
ضم ركبتيه علي صدره ، متذكرًا لما فعله يوم توفت والدته وهتف بحزن جم :
– انا السبب ، انا اللي موتها .
جلست ساره علي طرف الفراش وردت مواسية إياه :
– متقولش كده يا مالك ، الأعمار بيد الله .
ثم لمحت نظرت الحزن والندم في عينيه ، ولم تجد أمامها سوا ضمه إليها ، وربتت علي ظهره مهدئة إياه ، أغمض عينيه وتلقائيًا ضمها اليه مستشعرًا لذلك الدفء ، ومتشوقًا لأحدًا يحتويه .
توترت ساره بعض الشئ وظنت أنه يكن لها بعض الحب ، رفع مالك بصره ناظرًا إليها بأعين مهزوزة ، ثم دنا منها وقبلها بهدوء ، لم تبدي ساره رفضها وتجاوبت معه ، ولكنه أنتبه لنفسه وابتعد عنها سريعًا قائلاً بخجل :
– أنا آسف !.
ساره ناظرة إليه بعتاب :
– أسف ليه ، انا بحبك يا مالك ، بحبك قوي…………………...
________________
_____________
_________

 

error: