فريسه للماضي

الفصــل الخامس
فريســه للماضي
ــــــــــــــــجلس مع والديه علي طاولة الطعام كالمغيب بعدما تركته زوجته ، ولم يستطع التواري عن نظرات والديه نحوه ،والتي تتسائل عما حدث بينهم لتتركه ، فلابد له من أخذ حل رادع معها حتي لا تنكسر هيبته أمام والديه ، ولن يسمح بتطاولها فيما تفعله لان ميوله الشرقية لاتسمح له ، تأمل الطعام الذي أمامه وبدأ يقلب فيه شاردًا في قدرتها علي التخلي عنه ، رابط افعالها الهوجاء بعلاقتهم التي بُنيت علي الحب منذ رآها .
رمقته والدته متفهمه ضيقه ، فهي بالاحري لم يصدر منها ما يجعل زوجته تمقت العيش معهم ، حركت رأسها بحزن علي حالته ، ولم تستطع الصمود حتي هبت قائلة بتساؤل :
– أمير
نظر لها فتابعت مستفهمة :
– مراتك سابت البيت ليه ، حد فينا زعلها .
أزدرد ريقه ورد بصوت متحشرج :
– لا يا ماما محدش زعلها ، هي بس عايزة تشوف أخوها شويه .
فايزة بعدم اقتناع :
۔ كله ده ، دا بقالها كام يوم هناك ، وانت حتي مفكرتش تروح تشوفها .
زم شفتيه لم يُرِد إخبارها بما حدث ، وأنقذه صوت والده يحدثه :
– لو زعلانين من بعض يا امير ، روح هاتها يا ابني …دي مراتك ، ومينفعش تغيب كل ده بعيد عنك ، او انها تقعد عند اخوها كده ، دي بنت ناس برضه ، مافيش حاجة يا ابني تستاهل تبعدو عن بعض كده .
هتفت فايزة متدخلة بتمني :
۔ ايوه يا ابني ، دا انا حتي بدعيلك ليل ونهار ان ربنا يرزقكم بالزرية الصالحة زي أخوك .
امير بتردد : ان شاء الله يا ماما .
فايزة بابتسامة محببة :
۔ روح يا حبيبي هاتها ، مش آن الآوان بقي أشوف ولادكم ، تابعت باستغراب :
– بقالكم اكتر من سنه ونص متجوزين ، اخوك مراته حامل في التاني ، مش ملاحظ انكوا أتأخرتوا .
نظر لها أمير بتوتر ولم يعرف بما يجيبها ، وابتسم ساخرًا خاصه بعدما ابرمت معه اتفاق لتأجيل حملها خوفًا من تغير مظهرها العام ، تنهد بعُمق وقرر الذهاب اليها حتي لا يرتاب والديه في امرهما …………
______________________

لم تصمد كثيرًا حينما رأته أمامها ، حتي ارتمت في أحضانه شاعرة بالأمان ، ضمها معتز اليه بشوق مدنف ودفن راسه في عنقها مستنشقًا عبيرًا الذي افتقده في الايام الدابرة .
ابتعدت سلمي عنه قليلاً وتأملت ملامحه التي اشتاقت اليها وحدقت فيه بنظرات لائمة لبعده عنها ، مرر معتز يده حول عنقها وابتسم لها قائلاً :
– سامحيني يا حبيبتي ، كنت متضايق شويه ، وحشتيني قوي
سلمي بحزن :
۔ كده اهون عليك تسيبني الأيام اللي فاتت دي .
معتز بنبرة آسفة :
۔ كنت خايف الموضوع يكبر اكتر ، أسف .
سلمي بحب : وحشتني قوي .
حاوط وجهها بكفيها واقترب منها والْتَقَم شفتيها بقبلة سحيقة شغوفة لمَلَث حبه عليها ، تمنت سلمي المزيد من حبه ولكن ما تمر به يمنعها من الجمع سويًا ، ابعدها معتز قليلاً وابتسم لها ، فتذمرت قائله بتأفف :
– اهو انا بفكر انزل الواد ده علشان مانعنا نقرب من بعض .
ضحك معتز عاليا ورد غامزًا :
– هانت يا روحي ، شوية كده وهنبقي سوا .
سلمی بدلال مصطنع : لسه زعلان مني ؟.
رد معتز بنفي :
۔ عمري ما أزعل منك ابدًا ، تابع ناظرًا حوله :
– نور فين ، وحشيتني قوي .
ردت سلمي بارتياح :
۔ الحمد لله نايمه ، دي كانت تعباني قوي .
معتز بحب : بعد الشر عنك يا حته مني .
هتفت سلمي بجدية :
۔ خلاص يا معتز ، ننسي اللي حصل ده ، ونستني حتي شويه علي ما نشوف هنعمل ايه .
قال معتز بهدوء :
۔ يا ريت يا سلمي تفكري تاني ، وانا لو بإيدي اجبلك الدنيا دي كلها .
سلمي بابتسامة فرحة :
– وهو ده اللي محببني فيك………..
______________________

ولج الغرفه عليها وجدها ما زالت نائمة، تعجب منها ثم دنا من الفراش جالسًا بجوارها ، مد زين يده ومرره علي شعرها بلطف ، واقترب منها وقبل جبينها ، تعجب اكثر كونها لم تشعر به ، ويبدو من هيئتها انها نائمة من ليلة أمس ، ابتسم عفويًا وهو يتأمل ملامح وجهها الطفولية ، ثم دنا منها مقبلاً شفتيها بحب ، اخرجت هي انينًا خافتًا لشعورها به رغم نومها العميق وابتسم لحركاتها الصبيانية خاصه معه ، تذبذبت افكاره في إفاقتها او تركها علي راحتها ، ولكنه حسم أمره بافاقتها ، هزها بهدوء شديد مناديًا عليها بصوت رخيم :
– نور ……..نور حبيبتي…… اصحي بقي .
تململت قليلاً ولم تفتح عينيها وردت بصوت ناعس :
– عاوز ايه ….سيبني انام .
قال زين بتعجب :
۔ نور انتي نمتي كتير ، انا روحت الشغل وانتي نايمة ، ودلوقتي لسه نايمة .
لم ترد عليه وأكملت نومها ، فتعجب أكثر منها واصر علي أفاقتها قلقًا عليها واستأنف مرة أخري :
– طيب انتي تعبانة يا حبيبتي .
هزها مرة أخری لترد عليه ، فتأففت بوضوح وردت بانزعاج :
– زين ، انا عاوزه أنام ، وانا مش تعبانه ، سيبني بقي .
رد زين بنفاذ صبر :
۔ طيب يا حبيبتي براحتك ، بس انا هروح عند بابا لأنه عاوزني ، انتي سمعاني .
زم شفتيه منتظرًا لردها فقد غفت هي مرة أخري ، اخرج هو تنهيدة قوية ونهض من مجلسه وتوجه لتبديل ثيابه بأخري …
_______________________

حملت الولد وظلت تقبل فيه بلهفة فرحة لرؤيته ، ضحك فاضل عليها وحدثها باستغراب :
– بالراحة يا فاطمة …دول كانوا عندنا من كام يوم .
ردت فاطمة وهي ما زالت تقبل فيه :
– دا ابن ابني الغالي ، يعني حته مني .
مريم بابتسامة فرحة : ربنا يخليكي لينا يا ماما .
فاطمه بنبرة متمنية :
۔ عقبال ما تجيبوله اخ او اخت يارب .
مريم بعبوس : مش دلوقتي يا ماما ، دا مجنني ومطلع عيني
فاطمة باستنكار : اومال الخدامة بتعمل ايه ، وليه مجبتهاش معاكي تشيله بدالك .
تنحنحت مريم ووجهت بصرها للخادمة الواقفه وحدجتها بغيظ ، ولاحظت فاطمة نظراتها تلك ، وتأملت الفتاة وتسائلت :
– صحيح يا مريم ، مش تعرفينا بالهانم اللي جات معاكي .
كزت مريم علی أسنانها واضحت علی وشك الإنفجار غيظًا ، وكادت ان تعلن عن هويتها ، ولكن صوته تحدث قبلها :
– دي الخدامة يا ماما .
قالها حسام وهو يتقدم منهم وعلي وجهه ابتسامة سخيفة مستفزة اغاظتها اكثر ، ورمقته هب بنظرات نارية لتعمده مغازلة الفتاة وانشغاله بأمرها .
وقف حسام امام والدته وامسك يدها وقبلها قائلاً :
– وحشتيني يا ست الكل .
ردت فاطمه بنبرة حنونة:
۔ وحشتني يا ابني ، ربنا يحميك لولادك .
توجه لفاضل ايضًا ودنا منه مقبلاً يده هو الآخر قائلاً :
– مساء الخير يا عمي .
ربت فاضل علي رأسه ورد بودٍ :
– مساء الخير يا ابني .
انتصب حسام في وقفته وحدث والدته عن الفتاة بنبرة هائمة قاصدًا إغاظه مريم لتوليد الغيِرة بداخلها التي بات يعشقها :
– الهانم دي ماما، تبقي الخدامة ، شوفتي الهنا اللي ابنك فيه .
هتفت مريم بامتعاض : حسام ، ايه اللي بتقوله ده .
رد حسام مدعي الامبالا :
۔ قولت ايه يعني ، مش بعرف مامي عليها .
فاطمة وهي تحملق فيها :
– يا حلاوه يا ولاد ، بقي دي الخدامة ، تابعت بتهكم وهي تلوي شفتيها :
– الله يرحم خدامين ايام زمان ، كانو الله اما أحفظنا ، يخوفوا العيال ، تابعت باعجاب :
– بس دي حلوة يا حسام ، دي هتخلي الواد علي طول مبسوط
قال حسام ضاغطًا علي شفتيه بحركة خبيثة :
۔ الواد وابو الواد يا ماما
حدجته مريم بغيظ وأعتزمت علي طردها كغيرها في أقرب وقت .
حسام بتساؤل : اومال ساره فين ..وحشتني قوي………..
______________________

في إحدی مكاتب الديكور الكبيرة ، تجلس ساره علي مكتب صغير وحولها زملائها في العمل حيث تعمل في فتره أجازتها ، تقدم منهم المهندس باهر مدير وصاحب المكتب وحدثهم بعملية:
– تعالوا كلكم ، في إجتماع دلوقتي .
نهض جميع الطلاب تحت التدريب متوجهين صوب الغرفة الخاصة بالإجتماعات ، وولجوا جميعًا وجلسوا علي مقاعدهم ، ترأس المهندس باهر الطاوله وجلس ناظرًا اليهم فردًا فرد ، ثم تشدق بنبرة متفهمة جادة:
– طبعًا انتو عارفين بتشتغلوا فين ، وان أي غلط عندي مش مسموح بيه ، دا اكبر مكتب للديكور ، وبنتعامل مع ناس كبار ومستويات كلاس جدًا ، يعني لازم نقدملهم افضل شغل واللي يطلبوه بالظبط .
هتف شاب ما بحماس :
۔ يا ريت يا بشمهندس تدينا شغل من ده ، واحنا بإذن الله مش هنخذل حضرتك .
قال باهر باعجاب : برافو عليك ، وهو ده اللي انا جامعكم علشانه .
قالت فتاة ما بشغف : خير يا بشمهندس ، أأمورنا .
المهندس بجديه : في شغل في فيلا كبيره جدًا ، وصاحبته مركزها كبير قوي ، ومتجوزه رجل أعمال كبير جدًا ، اسمها مدام ثريا السمري.
انتبهت ساره للأسم جيدًا وظنت انها تتوهم ولكنها تأكدت حين أكمل :
– أخوها رجل الأعمال فاضل السمري .
فغرت ساره فاهها في صدمة ، وزاد فضولها لمعرفه المزيد ، وانصتت باهتمام اليه لتشبع فضولها ،فاستطرد المهندس بجدية:
– هي عايزه الشغل في فيلتها القديمة ، مش اللي عايشه فيها حاليًا ، وانا هكلف حد فيكم بالمهمه دي، وعايز اشوف شغلكم ، وبناءًا عليه هقول كلمتي فيه كمهندس ، اذا كان ينفع ولا لأ ..
تسارعت انفاس سارة وفطنت انه بالفيلا التي يقطنها مالك ، وتحفزت لتلك المهمة وبدت متحمسة ورفعت يدها قائلة بنبرة حماسية :
– لو سمحت يا بشمهندس ، ممكن تكلفني بالمهمة دي ، تابعت بترجي :
– بلييز من فضلك ، واوعدك هعمل أحسن شغل .
حدثتها فتاة ما بامتعاض :
– وليه مش انا ، هو انتي لوحدك هنا .
نظرت لها ساره بغيظ ، وظنّت ان الموضوع سيخرج منها اذا لَهِف كل منهم تلك المهمة الجازمة لها ، وقررت التدخل لتقنعه بها وهتفت موضحة :
– يا بشمهندس مدام ثريا تبقي أخت جوز ماما ، انكل فاضل ، وأعتقد هيبقوا مرتاحين ومبسوطين في نفس الوقت لما يعرفوا ان انا اللي همسك الشغل ده .
رد باهر زاممًا شفتيه بتفكير :
۔ فعلاً يا ساره ، ازاي مخدتش بالي ان فاضل بيه هو اللي موصي عليكي في المكتب ، انا مكنتش اعرف انه جوز والدتك .
انتظرت ساره موافقته عليها بعدما ابدت تبريرها امامه ، فاستطرد بجدية :
– خلاص يا شباب ، ساره هي اللي هتمسك الشغل ده .
تنهدت ساره بارتياح ، واعتلي وجهه ابتسامة فرحة كونها ستراه ويجمعهم لقاء آخر …………..
______________________

بعد انتهاءهم من تناول الطعام ، توجه تلاثتهم لغرفة الصالون وجلسوا سويًا ، ونظر هو لأخته بملامح جاده منزعجة من تركها لزوجها ، ولم تعطيه سببًا حتي الآن لتركه هكذا ، وما زاد حيرته عدم سؤاله الفترة الماضية عنها ، وتوجس انفصالهم خاصةً بعدما اطمأن عليها وانزاح همها ، ليتفرغ لحياته ، تنحنح ماجد بخشونه معلنًا انه سيتحدث لينتبهوا له وتشدق محدثًا اياها :
– ممكن أعرف انتي سايبه بيتك ليه ، بقالك كتير هنا ومحكتيش حاجه ، احب اعرف السبب ودلوقتي .
ابتلعت ديما ريقها واعتدلت في جلستها وردت عليه بتوتر :
– ما فيش يا ماجد ، احنا بس شدينا مع بعض في الكلام وكده .
ماجد بتهكم : كلام ايه اللي يخليكي تسيبي بيتك وجوزك كام يوم وتيجي .
نظرت له ديما وردت بجدية :
– وهي دي اول حاجه انا مش حباها يا ماجد ، تابعت موضحة :
– انا عايزه بيت لوحدي ، لأن هو ده سبب مشكلتنا اللي احنا فيها .
ماجد بعدم فهم : وضحي أكتر ، ايه سبب خناقكم .
ديما بتردد :
– البيه بيعترض علي لبسي ، جاي دلوقتي بعد ما رجعنا في وسط اهله بيقول شكلي ومنظري ، علي اساس قبل كده كنا ايه .
تفهم ماجد الموقف وحدث أخته بعقلانية :
– وانتي يعني يا ديما هتخسري حاجه لو لبستي كويس علشان ترضي جوزك ، حتي علشان نفسك علي الأقل ، عندك كتير ولاد ناس وبيلبسوا كويس ، مريم مثلاً ، شوفي بتلبس ايه .
نظرت له هانا الجالسه في صمت وتجهمت تقاسيمها لذكره امرأة أخري في وجودها ، وانتبهت ديما للأسم وغمزت لأخيها ، انتبه هو ايضًا لما تفوه به ، واستطرد الحديث لعدم لفت الإنتباه :
– اسمعي كلام جوزك يا ديما ، وان كنتي عايزه بيت ، انا مستعد اشوفلك أحسن مكان تقعدي فيه ، بس متزعليش جوزك منك ، هو بيحبك بجد وخايف عليكي ، وعمل كده من غيرته بس
ردت ديما بتذمر وتعابير مقتطبة :
۔ هبقي اشوف يا ابيه ، سيبني افكر في الموضوع ده لوحدي شويه .
ماجد بتروي : براحتك ، بس متتأخريش عن جوزك اكتر من كده.
ديما بابتسامة مصطنعة : حاضر .
ثم وجه بصره لهانا وتابع :
– تعالي يا هانا نتكلم في الشغل شويه .
نهضت من مقعدها وسارت خلفه زائغه في ماهيه تلك الفتاه التي تحدث عنها……….
______________________

في فيلا فاضل …
تبادلو الأحاديث سويًا حول بعض الأمور العملية في الشركة ، وأقتربت منهم السيدة فاطمة حاملة بنفسها طاولة المشروبات وتقدمت بها نحوهم بحذر ، فنهض حسام وأخذها منها قائلاً بامتعاض :
– مافيش فايدة فيكي يا ماما ، دايما بتحبي تعملي كل حاجه بنفسك .
ردت فاطمه بنبرة هادئة:
۔ ببقي مبسوطة لما بعمل اي حاجه بإيدي .
قال فاضل بنفاذ صبر :
۔ انا تعبت معاها والله ، وعزيزه كمان ، بس أعمل ايه .
فاطمه موضحة :
۔ اصلي علي طول متعودة علي كده ، مش واخده علي الخدامين .
حسام وهو ينظر لمريم :
– فين الناس تسمع ، يوم والتاني بنغير الخدامين زي ما بنغير هدومنا .
هتفت مريم بنظرات مغتاظة:
۔ ما انت لو تلم نفسك ، مش هنغير حاجه.
رد حسام بضيق زائف :
۔ بعمل ايه أنا يعني ، دايما ظلماني .
مريم بغيظ : لا يا شيخ .
فاضل متدخلاً : ايه اللي بتعملوه ده ، هتعقلوا امتي ، المفروض عندكم ولد ، وكبرتوا علي الكلام ده .
فاطمه مؤكدة حديثه : عندك حق يا فاضل .
وجه فاضل بصره لابنه وسأله :
– نور مجتش معاك ليه
زين بحيرة : نايمه ….نايمه من إمبارح .
مريم متنهده بضيق : لازم تنام براحتها ، ما هي في الأجازه ، وكمان مافيش اللي يطلع عينها .
حسام بضيق : ايه يا مريم ، دي لسه صغيره ، انتي بتحسديها .
نظر له زين متعجبًا ورد مستهزءًا :
– يا سلام ! ، هي بس ، دا انت هاريني حسد .
حسام غامزًا : ايه يا زينو ، دا انت اللي في القلب .
وضع فاضل يده علي رأسه وهتف بنفاذ صبر :
– أيوووووه عليكم ، خلونا نعرف نتكلم .
حسام بمرح وهو يصفق بيده : ايوه الحاج الأسكندراني طلع .
ضحك الجميع عليه ، وزفر فاضل بنفاذ صبر ثم تحدث بنبرة جادة:
– خلاص بقي ، سيبوني انا اقول انا كنت عايزكم في أيه .
زين باهتمام : أتفضل يا بابا .
تحدث فاضل بقلة حيلة :
۔ الواد مالك مش عاجبني ، حالته بقت وحشه وثريا بتشتكي منه ، لأن أفعاله بقت مش كويسه .
زين بتساؤل : ماله يا يابا؟ .
رد فاضل موضحًا بتردد :
۔ باصصلك يا زين ، عايز يعمل زيك ، صمت قليلاً ثم استأنف بتوتر :
– بيقول ما زين كان بيعرف بنات ، ودلوقتي متجوز واحده كويسه وعايش مبسوط .
أنصت زين لوالده ورد بحذر :
۔ هو لسه بيفكر في نور؟ .
نظر فاضل له ، وأدرك فهم ابنه لمقصده من حديثه ، ولذلك أجابه بحذر أكثر :
– مش عارف يا زين ، بس هو متغير قوي .
هتف حسام بعدم فهم :
۔ ما هو كان عايش هنا بعد ما جه من السفر ومرضيش يقعد مع مامته ، ايه اللي خلاه يمشي ويروح يقعد لواحده ..
وجه فاضل بصره لزوجته المتذمرة التي تغيرت معاملتها له فجأة ، ولكن فاطمه تدخلت موضحة :
– أصل يا حسام مكنش ينفع يقعد هنا وساره غريبة عنه ، انا شايفه انه عيب .
زين باستنكار :
– يعني هما قاعدين لوحدهم ، ما حضرتك وبابا معاهم ، وكل وقتكم هنا مش بتخرجوا .
ابتلعت السيدة فاطمة ريقها متلعثمة في الرد عليه ، ولم تستطع إخبارهم بما شعرت به لحب ابنتها له ، وردت بنفاذ صبر :
– خلاص يا جماعة بقي اللي حصل ، المفروض يقعد مع مامته ، انا شايفه ان ده الصح .
فاضل بعدم فهم :
– مش عارف ليه كاره مامته قوي كده ، كل ده علشان اتجوزت ، مفكرها كده خاينه .
زين بجدية : ممكن ابقي أكلمه وأشوف هو بيعمل كده ليه .
فاضل بضيق : انا تعبت معاه ، وخايف يعمل حاجه مش كويسه
حسام عابسًا : حاجه مش كويسه زي ايه .
صمت فاضل أجباريًا ، لا يريد تكبير الموضوع ، ونظر له زين مستنبطًا بما يفكر به ، وخشي حبه لزوجته مازال متربصًا برأسه ، وشرد فيما مضي ومدي تعلقه بها ، وما حدث بينهم من مشادات عنيفه ، ثم نهض زين سريعًا قائلا :
– انا همشي يا بابا ، هروح أطمن علي نور .
فاضل مومأ رأسه بتفهم : روح يا ابني .
هدج زين للخارج سريعًا شاردًا في حديث والده ، متذكرًا تلك المره التي استمع فيها علي تعنيفها له ، بسبب امر تافه كهذا الذي لم يقتنع به ، اغمض زين عينيه متحيرًا في أمره وفي خطوته بعد ذلك لردعه بعيدًا عن زوجته اذا كان يكن لها مشاعر ما ، ثم أدار سيارته متجهًا اليها……….
______________________

وقف أمام المرآه ناظرًا لنفسه بتجهم جلي ، حرك رأسه يمينًا ويسارًا ليري هيئته المزرية بسبب أهماله لنفسه الفترة الماضية ،وما رآه امام عينيه جعله غير قادر علي الصمت ومكتوف الأيدي، ولابد له من التحرك في تلك المسألة التي طالما حلم بقربه منها والفوز بها ، امسك مالك ماكينه الحلاقة الموضوعة امامه وبدأ في تهذيب لحيته ، متعمقًا في أفكاره لوضع خطه محكمه ليحظي بها ، وإجبار زين علي التخلي عنها ، ليعترف مضطرًا بحبه الزائد لها ويتركها له .
اغلق الماكينه وتنهد بعمق ، فتلك المسأله ليست بالهينه خاصه ارتباطهم بعلاقه وطيدة ليست عابرة ومدي علاقتهم سويًا ، وما هي النتائج لها فيما بعد ، ولكنه أقنع نفسه بأنه علي يقين بمدي سينتوي له .
نظر لإنعكاس صورته وحدث نفسه محاولاً إقناعها بما سينتويه :
– وفيها ايه لما أعمل كده ، وقتها هيعرفوا ان عملت كده علشان عاوزها وبحبها ، ومافيش غير الحل ده………….
______________________

ترجل من سيارته صاعدًا للعوامه ، ثم وجه بصره لذلك الحارس الغافي علي إحدي كتفيه وحدثه بنبرة قوية :
– شوقي …… انت يا زفت …انت نايم .
رد شوقي وهو يفيق : خير يا سعاده البيه ، انا بس نعست شويه .
هتف زين بحدة:
۔ من هنا ورايح عايزك تفتح عينك ، ومتخليش اي حد يدخل هنا غير لما تقولي انا هو مين ، فاهمني ولا لأ .
رد شوقي بطاعه : أمرك يا سعاده البيه .
زين بلهجة آمره :
۔ واوعي العوامة دي تسيبها لأي سبب وتمشي ، اربعة وعشرين ساعه ألاقيك قدامها ، مفهوم .
رد شوقي مومأ رأسه بانصياع :
۔ مفهوم يا سعاده البيه .
ثم تركه زين وولج للداخل ، اغلق الباب خلفه وتوجه لغرفه نومهم وجدها مازالت غافية ، حدجها بتعجب وباشر بالإقتراب منها ، جلس زين بجوارها وبدأ في إفاقتها قائلاً :
– نور حبيبتي أصحي ……..معقول لسه نايمه .
تنملت في نومها وفتحت عينيها بضعف ونظرت له ، فتابع هو بقلق :
– ايه يا حبيبتي ، نايمه كل ده ، انتي تعبانه .
ردت بصوت متحشرج : انا مش تعبانه ، اناكسلانه شويه .
زين بابتسامه : طيب فوقي بقي علشان نقعد سوا ، ولا انا موحشتكيش .
نور بنفي : وحشتني طبعًا .
زين وهو يحملها لتنهض : يبقي قومي بقي وفوقيلي .
نور بضحك : خلاص انا صحيت ، ثم مال رأسها للأمام قليلاً ، شاعره بدوخه عابرة ، فتسائل زين بقلق :
– انتي تعبانه يا نور .
ردت نور وهي تفرك رأسها :
۔ تلاقيني دايخة من كتر النوم .
زين وهو يدلك رأسها بلطف : حبيبتي ، بعد الشر عنك اي حاجه .
نور بابتسامة فرحة: خايف عليا قوي .
زين باستنكار : اومال عايزاني أخاف علي مين ، انت الهوا اللي عايش بيه .
نور وهي تطوق عنقه بسعادة قالت : ربنا ما يحرمني منك يا حبيبي .
زين بحب : ولا منك يا حبيبتي .
نور زاممة شفتيها : انا جعانه قوي قوي .
زين بلهفه : ثواني واحسن أكل يكون عندك .
نور غامزه بعينيها : هات جمبري .
زين بضحك : ما هو ده اللي انا هجيبه …………………
______________
___________
________

 

error: