فريسه للماضي

الفصـل السادس والعشرون
فريســـة للماضــي
ــــــــــــــــــــــــــــ

فتحت باب غرفتها وتفاجئت به أمامها ، حاولت كريستين غلق الباب ولكن قدمه التي مدها للداخل احالت ذلك ، أضطربت من هيئته الغاضبة وهو يرمقها بوجه محتقن ومكسو بأحمرار الغضب ، لا إراديًا تراجعت للخلف عدة خطوات متوجسة مما سيفعله معها ، اوصد مايكل الباب خلفه وهو ما زال يحد إليها النظر لما أفتعلته ليلة أمس وبدأ في الإقتراب منها وهيئته توحي حتمًا بإقتلاع عنقها من محلة ، توارت كريستين قليلاً خلف الأريكة الموضوعة بزاوية الغرفة ، وهتفت بارتباك ملحوظ في نبرة صوتها المهزوزة :
– M..mikel..Nothing happened..Belive me..It..It was agame..I did it to punish you for what you did..
( مـ..مايكل ..لم يحدث شئ ..صدقني ..انها ..أنها كانت لعبة فعلتها كي أعاقبك علي ما فعلته معي )..
هتف بصوت هائج وهو يحدجها بغضب :
– How do you do this ?
( كيف تفعلي هذا ؟ )..
ابتلعت ريقها وارتجفت خائفة حقًا فقد بات عنيفًا ، وردت بتوتر :
– It was a hoax Mikel..
( لقد كانت خدعة مايكل )..
صاح مايكل بانفعال وهو يسألها :
– Where were you last night ?..
( أين كنتي ليلة أمس ؟)..
ردت سريعًا لتتفادي ثورة غضبه تجاهها :
– I was in a hotel’s nightclup..
(لقد كنت في الملهي الليلي الخاص بالفندق )..
اقترب أكثر منها وأستنكر ما فعلته خاصةً بعدما تسبب فعلها الطائش في تدمير علاقة هذا الرجل المصري بزوجته التي اخبرها بخيانته التي لم يقترفها ، وأيضًا ذهابه اليوم وأختلاق شجار عنيف معه دون وجه حق له ، وقفت كريستين مراقبة حركات وجهه التي بدت غامضة وظنت استكانته عن تعنيفها ، وبدأت تتنفس بهدوء مُدركة فهمه عليها ، بينما هتف مايكل محركًا رأسه بنفاذ صبر منها :
– Which you did cause many problems..
( الذي فعلتيه سبب مشاكل كثيرة)..
مطت كريستين شفتيها بعدم فهم ، وهتفت مستفهمة بحيرة :
– What happened ?..I don’t do any thing..
(ماذا حدث؟..انا لم أفعل شئ)..
زفر مايكل بنفاذ صبر وهو ينظر إليها مبديًا تأنيب نفسه بعدها ، رد بعدم رضي :
– I told his wife he would meet you last night..
( لقد أخبرت زوجته بأنه سيقابلك ليلة أمس )..
شهقت كريستين وقطبت بين حاجبيها حين هتفت بلوم :
– Why did you do that, Mikel?..
(لماذا فعلت هذا مايكل ؟)..
رد بانفعال وهو يشير عليها بيده مبديًا استياؤه مما حدث :
– All this because of you Kiristen….you are the one who prompted me to do this..
(كل هذا بسببك كريستين…انتي من دفعني لفعل هذا )..
تأففت كريستين ثم التوت شفتاها بابتسامة اغواء وهي تنظر له بمكر خداع ، وقالت بنبرة مائعة وهي تعبث بخصلات شعرها الأشقر :
– and why did you all happen?..
( ولماذا فعلت كل هذا؟)..، تابعت وهي تدور حول الأريكة لتقترب منه وتظلم عينيها الزرقاء :
– You got mad when you know i was with some one else……is not this right Mikel..
(لقد أصبت بالجنون حينما علمت أني مع غيرك …أليس هذا صحيح مايكل)..
وقفت امامه مباشرةً مقتربة من وجهه وهي تنكس بصرها ناظرة لشفتيه ، وعن مايكل لم يبين حتي الآن ما سينتوية معها ، وفاجأها بأنه وضع يده خلف مؤخرة رأسها ليميل عليها وهو يسحبها اليه مُقبلاً إياها بقوة ، تجاوبت كريستين معه معلنين سويًا انتهاء مشاكلهم كعادتهم الدائمة حين يتخصمان ومتناسين ما فعلاه……
_________________________

أرفدت نور لذلك الفندق التي لم تعرف غيره ، فهو بالطبع ما خصص للوفد الأجنبي ، لم تجد نور امامها سواه لتمكث فيه وحجزت جناح لها بداخله ، وضع عامل الفندق حقيبتها ثم هدج للخارج واصدًا الباب خلفه ، جلست نور علي طرف الفراش ونكست رأسها للأسفل تاركة العنان لعبراتها في النزول تفريغًا لحزنها مما سمعته من اقرب رفيقة لها ، تعالت شهقاتها قليلاً مُبدية حزنها العميق لما يحدث معها هي ، لامت في نفسها ظروف حياتها التي جعلتها يتيمة ولم تجد من يكتنفها ويشعرها بالدفء الأمومي التي لم تنعم به مطلقًا ، فقد ظلت يتيمة رغم حنان والدها الفقيد لها ، لم يصبح حتمًا مثل الأم التي لها طابع خاص بها ، لم يعي احد مدي الوحدة التي كانت تشعر بها في ظل وجودها معهم،إلا انها لم تجد امامها سوا حبيبها الذي أختاره قلبها ليصبح بفضل والدها زوجًا لها ، شعرت حينها بامتلاك العالم من حولها ، رغم علمها في بادىء الأمر بعدم رغبته في الزواج منها ، لم تيأس حينها في التقرب إليه ، وما ازعجها بعد ذلك معرفته بهؤلاء الفتيات واستخفافه بوجودها ، ذلك الأمر جعلها تتدمر نفسيًا صارة حزنها في نفسها لتعمُدهم جميعًا التقليل منها غير مُدركين كم معاناتها ، ارتمت بظهرها علي الفراش ناظرة للأعلي زائغة في ومضات ذكرياتها يمر كشريط سينمائي امام عينيها ، منه أسعدها ومنه جعلها كالوحيدة الضائعة وسطهم،ظلت دموعها تنساب علي وجهها البرىء شاعرة باليُتم الحقيقي في هذا الوقت العصيب الذي يمر عليها ، كرهت وجودها للحظات من صديقة خانت عشرتهم من اجل شخص كان في يوم يعشقها ، لم تعلم نور بما تشعر به صديقتها من حب له ، ولكن ردة فعلها معها جعلتها تترك صداقاتهم خلفها بقسوة ؛ وزوج لم تنكر حبه لها حينما اضحت زوجته فعليًا ، ولكن تلك الهواجس تطاردها رغمًا عنها لتذكرها بماض زرع الشك فيها ، تنهدت نور بعمق كبير مُفرغة بعض الشحنات الحزينة والجاثية علي صدرها وتطبق علي انفاسها ، ثم اعتدلت مُحمسة نفسها علي البقاء من اجل من تحب ،زوجها حبيبها روحها ،لم تجد كلامًا يضاهي وصفه بداخل قلبها العاشق له ، نهضت نور عازمة علي التوجه للمرحاض لتنعم بحمام دافىء في المغطس يزيح بعض من همومها وتاركة ما ستناله لقدرها …….
_________________________

استلقي علي الفراش يفكر في حياته البائسة معها ، أغمض زين عينيه مفكرًا في ليلته معها أمس ، ابتسم عفويًا متمنيًا دوام السعادة بينهم ، ورغم زواجهم من فترة إلا أن اقترابه امس منها كان كالظمآن حين ارتوي ، شعر حينها بمدي افتقاده لها ، ولم يتخيل لحظة في ابتعادها عنه بإرادتها وتاركة تلك الظنون تتربص بها كأنها فريستها اللدودة ، شعر فجأة برغبته في الإطمئنان عليها واستوحش صوتها الذي ألهب مشاعره تجاهها ، وتوجس تمنيها تركه وضيقها من اقترابهم سويًا ، شعر بشئ ما بداخله جعله يرتاب من صوتها حين هاتفها ، تذبذبت أفكاره في حالتها الآن ، والزم نفسه كونها حبيبته وليست زوجته فقط بضرورة معرفة اخبارها ، ادار رأسه للجانب وجد هاتفه علي الكومود بجانب الفراش ، التقطه زين معتزمًا مهاتفة والده مخترعًا حجة ما للإطمئنان عليها ، جاء صوت والده المألوف له ، هتف زين بتردد :
– مساء الخير يا بابا .
رد فاضل مبتسمًا بود :
– مساء الخير يا ابني ، انتوا عاملين ايه ؟ .
اِنْزَوَت المسافة بين حاجبيه غير متفهمًا صيغة الجمع حين سأله عن حاله ، تضاربت افكاره في سؤاله الذي بات غامضًا له ، ولهذا تسائل زين بحذر :
– احنا مين يا بابا .
فاضل رافعًا حاجباه في تعجب :
– انتوا مين أزاي !، أنتي ومراتك يا حبيبي ، مش هي خدت شنطتها ورجعت العوامة .
صُدم زين من حديث والده عنها وأحتار في ذلك ، وتسائل هل من الممكن لها العودة له وأين هي الآن ، فرد زين يريد انهاء حديثه قلقًا عليها ، زين بتردد :
– ايوة يا بابا ، اصل مستغرب انك بتسأل عليها وهي كانت لسه عندك .
فاضل بهدوء رزين :
– طيب يا حبيبي ، ربنا يسعدكم ان شاء الله ، تابع متذكرًا :
– وآه نسيت أقولك ، انا قولت لمالك يرجع يقعد هنا وهو وافق .
علي الفور وجد زين أجوبة أسئلته الغامضة ، فبالتأكيد تركت الفيلا بسبب ذلك الأمر ، ولكن هناك سؤال آخر إلي أين ذهبت ، تنهد بضيق وختم حديثه قائلاً بمعني :
– طيب يا بابا ، أسيبك أنا علشان ترتاح ، وانا كمان اغير هدومي.
انهي زين اتصاله معه ، ونهض سريعًا وهو يهتف بقلق جارف:
– يا تري انتي فين يا نور دلوقتي……..
_________________________

استمرت في وضع ملابسها في تلك الحقيبة الكبيرة غير عابئة بحديثه من خلفها، انهت مريم ما بيدها واوصدت الحقيبة ورفعتها لتضعها علي الأرضية متهيأة للرحيل ،أمسكها حسام من معصمها مانعًا إياها من تركه دون ان تعطي سببًا لتغيرها المفاجئ معه ، هتف بامتعاض ممزوج بالتعجب :
– ممكن أعرف سيادتك سايبة البيت ورايحة فين ، وايه اللي مزعلك كدة ومش بتكلميني .
نفضت يده ونظرت له بضيق ، هتفت مريم بانفعال :
– أنت لسه بتسألني ، تقدر تقولي سيادتك اتخانقت معاه ليه ، انا قبل كدة قولت ملكش دعوة بيه ولا تحطوا في دماغك ، ليه بقي اللي حصل ده .
رد حسام نافيًا اختلاق معه الشجار :
– لا يا مريم انتي فاهمة غلط ، دا مايكل دا كان بيتخانق مع زين ، وانا دخلت علشان ابعدهم عن بعض ، لقيت ماجد جه هو كمان ، محستش بنفسي غير وانا بضربه ، تابع وهو يبتسم بتشفي :
– بس يستاهل ، وانا مش زعلان اني ضربته .
مريم صاره علي اسنانها بغيظ :
– ماشي يا حسام ، انا بقي هسيب البيت علشان انا حظرتك قبل كدة انك تبعد عن الزفت ده .
حسام بضيق حزين :
– ليه يا مريم ، كنت عملت ايه يعني ، كل دا علشان ضربت الزفت ماجد .
مريم بنفاذ صبر قالت بمعني :
– انا يا حسام لازم ابعد عنك علشان تقدر وجودي وانا معاك ، مش كل يوم تخلق مشكلة بسبب واحد زي دا وتديله فرصة يبوظ حياتنا ، ووقت ما هتبقي لوحدك هتحس بقيمتي ، وهتحرم تنكد علي عيشتنا بسبب أي حد .
هتف حسام بعدم رضي :
– يعني ايه تسيبيني ، انا بعمل كل دا علشان تبقي ليا لوحدي ، تقومي تلمي هدومك كدة وعايزة تبعدي عني .
تأففت مريم وحملت حقيبتها واستدارت متجهه للخارج متجاهلة كلامة ، فهي انتوت ذلك فقط لتلقنه درسًا في تلك المسألة ليشعر بأهمية وجودها ،وعدم اختلاق مشاكل لا قيمة لها لأسباب رَعْنَاء بينهم ، سار حسام خلفها منزعجًا ، ظل يهتف ليمنع رحيلها هذا وهو يعتذر :
– مريم متسيبينيش ، انا مش هعمل كدة تاني ، ومش هدي فرصة لحد يتدخل في حياتنا ، انا اسف يا حبيبتي ، اوعي تمشي يا مريم .
لم تكترث مريم لحديثه متعمدة ذلك ، حملت ابنها علي كتفها مستعدة حتمًا للذهاب لكي يكف عن غِيرته التي جعلتها تمقط تلك الحياة الشاقة ، هدجت مريم للخارج راحلة عنه تاركه إياه خلفها يتوسل عدم رحيلها ، راقب حسام خروجها امام عينيه وغزا الحزن وجهه لفراقها له ، ارتمي علي المقعد متنهدًا بحزن ، افزعه صوت الخادمة من خلفه تهتف :
– مش هتاكل يا بيه ؟ ..
انتفض حسام من جلسته ونظر لها بغيظ وهتف متسائلاً بضيق :
– هي مشيت وسابتك ولا ايه ؟ .
ردت بتأفف داخلي :
– الست مريم قالتلي اخليني علشان حضرتك لو عوزت حاجة ، تابعت بنفاذ صبر :
– قولي بقي احضر لسيادتك الأكل .
زفر حسام بقوه وهتف من بين اسنانه :
– مش عايز اتسمم ، انا هروح انتحر .
سار لغرفته وتتبعته لاوية شفتيها ، وقالت بلا مبالاة :
– وماله ، اروح آكل أنا…..
______________________

لفت جسدها بالملائة واستدارت ناظرة اليه بحب وعلي ثغرها ابتسامة اغواء سحرته كما تفعل دائمًا ، تطلع عليها مايكل ممررًا يده خلف عنقها ليقربها منه ، وهمس بحب :
– I love you christine ,why are you doing this to me ?..
(انا أحبك كريستين ، لماذا تفعلي هذا معي )..
وضعت قبلة صغيرة علي ثغره وردت بعدها بدلال مبررة :
– You are the one who paid me for it Michael .
(انت من دفعني لهذا مايكل) ، استأنفت لائمة إياه وهي تقول ببراءة أطفال مصطنعة :
– Why did you come closer to that girl? ….. What do you want me to prove Michael ?..
(لماذا تقربت من تلك الفتاة ، ماذا تريد ان تثبت لي مايكل؟)..
رد بابتسامة ماكرة :
– I want to prove the extent of your attachment to me ..
( اريد ان اثبت مدي تعلقك بي )..
ضحكت بميوعة وردت وهي تدنو بجبهتها لتلامس جبهته :
– Do you know how much i love you ..
(وهل عرفت كم احبك )..
حاوط خصرها ليقربها منه ورد هامسًا بتمني :
– I know my love..
(عرفت حبيبتي ) ، استأنف متذكرًا ما فعلاه الإثنان بسبب افعالهم الهوجاء في معاقبة نفسيهما :
– What about them christine..We have destroyed thier lives because of our reckless actions ..
(ماذا عنهم كريستين ، لقد دمرنا حياتهم بسبب افعالنا الطائشة)
مطت شفتيها للأمام قليلاً مفكرة فيما حدث ، ابدت حيرتها في عدم معرفتها بتصليح ذلك ، هتفت كريستين بتساؤل :
– And what will we do Michael ?..
(وماذا سنفعل مايكل؟)..
رد بنبرة ذات معني جادة :
– It is necessary that we regret them for what we have done ..
(ضروري ان نتأسف لهم عما فعلناه )..
ردت كريستين مؤكدة ما قاله بحماس شديد :
– We will do the right thing and we repair what happended..
(سنفعل الصواب مايكل ونقوم بتصليح ما حدث……….
______________________

دلفت من المرحاض وجدته كما هو مازال منزعجًا لما فعله الآخر به ، تأففت هانا من حياتها معه والتي تجعلها رخيصة لا قيمة لها سوا تلك الحياة المرفهة التي تنعم بها الآن والتي اخرجتها من الضحل الذي كانت قابعة فيه ، لم تنكر تغير حياتها للأفضل حين انتشلها من فقرها المدقع وحياتها مع أم طامعة للمال ، وزوج أم يسترق النظرات الماكرة الدنيئة لجسدها ، رغم تلك الحياة العَسِيرة إلا انها تشعر فيها بقيمتها التي سلبها هو منها وتعايشت معه بطريقة ممقوطة من الجميع ، تنهدت هانا بقوة وهمت بالاقتراب منه بوجه ممتعض لما يشغل تفكيره لذلك الموضوع الذي اتعس حياتهما ، هتفت هانا بتأنيب :
– هو انت هتفضل كدة كتير يا ماجد ، مش تنسي بقي وتخلينا في حياتنا .
نظر لها ماجد بانزعاج ورد بنبرة منفعلة :
– مالك يا هانا ، انتي عوزاني انسي اللي عمله معايا ده.
ردت موضحة بضيق :
– انا عايزاك تنساهم اصلاً ، شيلها بقي من دماغك ، وخليها في حياتها وخلينا احنا كمان في حياتنا ، انا تعبت من العيشة دي
نهض ماجد ليقف امامها وهو يرمقها بنظرات مظلمة لتجرؤها في الحديث معه بتلك النبرة الجديدة ، رد عليها بسخرية :
– من امتي وانتي بتتكلمي معايا بالشكل ده ، انتي نسيتي نفسك ولا ايه .
ردت بمقت وهي تبتسم باستهزاء :
– عندك حق ، انا فعلاً نسيت نفسي ، ونسيت كرامتي ، ونسيت شرفي ، نسيت كل حاجة وانا معاك ، بقيت بتلعب بيا زي اي لعبة رخيصة ، تلعب بيها زي ما انت عاوز وترميها وقت ما تبقي عاوز ، وكل دا علشان الفلوس ، اشتريتني بيها ، تابعت بتهكم:
– بس العيب عليا انا ، انا اللي وصلت نفسي لده ، وكل حاجة بسبب اني كنت فقيرة ، جريت ورا الفلوس وكان تمن دا هو اللي انا فيه دلوقتي ، جسم بس لما تعوزو تلاقيه ملك ايدك ، انما روح مافيش .
كانت هانا تتحدث وصوتها يهتف بالكلمات الحارقة والنابعة من مدي معاناتها التي تعيشها الآن ، وعن ماجد ظلت ملامح الصدمة علي وجهه ونظراته تجاهها ، لم يتخيل بُغضها العيش معه رغم الحياة الناعمة التي يمنحها لها ، استنكر ذلك بــ :
– قد كدة يا هانا كارهة العيشة معايا ، انا ما فيش حاجة حارمك منها ، شوفي كنتي عايشة فين وبقيتي ……
قاطعته بنبرة منفعلة حزينة وهي تبكي بحرقة :
– كفاية بقي حرام عليك ، انت اشتريتني وبتتحكم فيا زي ما انت عاوز ، بس انا مش هستحمل كدة ، انا ست نفسي يبقي عندي كرامتي ، وعندي حياتي الطبيعية اللي انت حرمني منها ، نفسي ابقي ام وعندي اولاد ، نفسي في زوج يحبني ويبقي مش شايف غيري و…
قاطعها هو باهتياج وهو يمسك شعرها بعنف لتنكس رأسها متألمة :
– واضح انك نسيتي انا مين ، انتي ازاي تتجرأي وتتكلمي معايا بالشكل ده ، تابع وهو يجذبها بعنف له لينظر في وجهها ، هتف بسخرية وهو يرمقها باستهجان :
– وايوة انا اشتريتك ، وانتي قبلتي بده ، جاية دلوقتي وتقولي كرامتي ، واضح ان حياة الفقر اللي كنتي فيها كانت عملالك كرامة ، انتي كنتي ولا حاجة ، ومعايا بقيتي كل حاجة ، استأنف بصرامة شديدة وهو يسحبها من شعرها بقوة غير مباليًا بدموعها المنهمرة ولا هيئتها المتألمة :
– هتفضلي كدة معايا واذا كان عاجبك .
ثم دفعها لتسقط علي الفراش بعنف ، بكت هانا بشدة واضعة يدها علي بطنها التي تحمل بداخلها طفله لاعنة تلك الظروف التي وضعتها في تلك الحالة البائسة ، وعن ماجد ترك لها الغرفة وسار للخارج متجهًا لمكتبه وهو يتنفس بصعوبة نتيجة انفعاله مما يحدث معه هو الآخر.
______________________

رفعها عن الأرضية بحذر مبديًا فرحته لإنتهاء تلك المعضلة علي خير ، دار بها معتز حول نفسه مما جعل سلمي تضحك بشدة وجعلها تتذمر قليلاً ، هتفت سلمي لكي يكف عما يفعل :
– خلاص يا معتز انا حامل ، اتعب كدة ، مش كفاية ابنك تعبني .
وضعها معتز بحذر وهو يهتف بفرحة :
– مبسوط يا حبيبتي ، اعمل ايه يعني .
ردت بدلال وهي تلعب في حافة قميصه :
– انا مبسوطة قوي اني مراتك ، جبتلي حقي وانا قاعدة في بيتي ، تابعت بحب :
– ربنا ما يحرمني منك ابدًا يا حبيبي .
رد معتز وهو يمسح علي شعرها :
– ولا منك يا روح قلبي ، استأنف بجدية متعقلة :
– شوفتي يا سلمي أخرة الشغل ايه ، كنتي هتروحي في داهية ، بس الحمد لله ربنا ستر ، ولو كنتي في بيتك وعايشة لبنتك وجوزك مكنش دا كله حصل .
سلمي مستنكرة بشدة ما تفوه به :
– يعني ايه الكلام دا يا معتز ، يعني يا اشتغل يا تحصلي مصيبة ، هو فيه حد بيفكر كدة .
كاد ان يرد عليها فأشارت بيدها لتتابع هي مبررة بحنق :
– وكمان يا حضرة الظابط ، انت لو كنت جبتلي سنتر او خلتني اقول لبابا يجبلي واحد مكنتش وصلت للمرحلة اللي وصلتلها دي او اني اشارك مجرمين .
معتز باندهاش ممزوج بالضيق :
– وانتي عوزاني اسمح لوالدك يصرف عليكي وانا عايش ، ايه الكلام دا يا سلمي ، دا مش هيحصل ابدًا .
تراجعت للخلف خطوة وهي ترد بحزم :
– وانا لسة زي ما انا يا معتز عاوزة اشتغل ، مش متعودة علي قاعدة البيت ، واللي حصلي ده مش هيلغي تفكيري ،هتقدر سيادتك تحققي طلباتي
ابتلع معتز ريقه وهتف بعدم تصديق:
– يعني قصدك ايه يا سلمي ، انتي عارفة اني مش بإيدي اجيبلك سنتر ، تابع مبتسمًا بسخرية :
– بتعايريني اني مش من مستواكي ، وأني مقدرش اعملك اللي انتي عوزاه .
نظرت له سلمي وهي تحرك رأسها بنفي قطعي :
– مش دا قصدي يا ….
قاطعها بكف يده وهو يقول بهدوء ظاهري رغم ضيقه الدفين :
– انتي لما اتجوزتيني كنتي عارفة انا مين وبشتغل ايه، متجيش دلوقتي تحطيني تحت الأمر الواقع ، انا راجل شرقي ومش هسمح بكدة ، او اني هخلي حد يعمل لمراتي او اي حد يخصني حاجة ، ودا اخر كلام عندي يا سلمي .
حركت رأسها برفض وقالت باصرار :
– انا عايزة انزل اسكندرية يا معتز ، بدل ما دا اخر كلام عندك ، يبقي هروح اشتغل في السنتر بتاعي اللي هو ملكي وبإسمي ، ولما تبقي عايز تشوفنا تبقي تنزل اجازة زي صاحبك ، تابعت بانفعال :
– علشان انت مش مقدر اني سبت مدينتي اللي اتربيت فيها واهلي اللي اعرفهم وجيت معاك هنا في مدينة معرفش فيها حد وعايشة بين اربع حيطان ، وسيادتك بتتحكم فيا وعايزني اتحبس اكتر ما انا محبوسة ، انت عارف اني لوحدي هنا ، الست الوحيدة اللي اتعرفت عليها طلعت نصابة وعايزة تورطني ، تابعت وهي تلتقط انفاسها :
– انا هنزل يا معتز ودا آخر كلام عندي انا كمان .
انصت معتز لحديثها غير مستوعبًا ما تفوهت به ، هتف بعدم تصديق وهو ينظر لها بذهول :
– معقول يا سلمي هتسيبيني……..
_________________________

زفر زين بقوة لعدم ردها عليها ، عاود الإتصال بها مرات عديدة ولكن لا فائدة ، ظل علي وتيرته القلقة عليها وبدأ مرة أخري في مهاتفتها مُصرًا علي الاطمئنان عليها وسماع صوتها ليُهدأ من روعه عليها ، وضع زين الهاتف علي اذنه وهو يهز قدمه بحركة توتر الأعصاب منتظرًا ردها الذي طال…
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
دلفت من المرحاض لاففه جسدها بالمنشفة بعدما قضت بعض الوقت في المغطس ، شعرت نور بالإرتياح قليلاً بعدما هدأت من ثورة حزنها ، ثم توجهت للمرآه لتمشط شعرها ، امسكت فرشاة الشعر وشرعت في تمشيطه ، لاحظت عبر انعكاس المرآه هاتفها الذي يصدر عدة اشارات ضوئية معلنًا عن اتصال أحدهم ، استدارت نور متجهه صوبه لرؤية مََنْ ..
دنت من الفراش لتمسك به وتفاجئت بزوجها ، وعلي الفور تسارعت ضربات قلبها وزاد توترها ، ابتلعت ريقها قبل ان تجيب وهي تحاول ضبط نبرة صوتها للهدوء :
– أيوة يا زين .
نهض من مكانه وهتف بلهفة بائنة :
– انتي فين يا نور ، انا اتصلت بيكي كتير قوي .
ضغطت علي شفتيها وردت بتردد :
– انا سبت الفيلا يا زين .
رد متنهدًا بقوة :
– بابا لسه قايلي ، استأنف متسائلاً بنبرة محببة :
– انتي فين يا حبيبتي ؟ .
ردت ضاغطة علي نفسها لعدم اظهار حزنها او بكاءها الوشيك :
– انا روحت الفندق اللي فيه الجروب ، حجزت جناح هناك وقعدت فيه .
زين بعبوس ونبرة منزعجة :
– ليه يا نور عنادك ده ، مجتيش عندي ليه ، قد كدة مش طيقاني ، قد كدة عاوزة تبعدي عني .
بكت في صمت وردت وهي تتحكم في نبرة صوتها :
– عايزة ابقي لوحدي شوية يا زين .
زين بحزن جلي :
– ليه يا حبيبتي كل ده ، صدقيني انا بحبك قوي ومستحيل اخونك او ازعلك مني ، ارجعي يا حبيبتي ، تابع بجدية شغوفة :
– خلاص خليكي ، وانا هجيلك وهجيبك .
نور رافضة بشدة :
– لا يا زين خليك ، انا محتاجة ابقي لوحدي شوية ، سامحني يا حبيبي .
زين مبتسمًا بتهكم :
– حبيبي ايه بقي ، انا لو كنت حبيبك مكنتيش بعدتي عني كدة ، مكنتيش تشكي في حبي ليكي .
انسابت دموعها علي وجهها مُدركة حزنه هو الآخر ، وتحكمت في لهفتها عليه بأنها قالت مُسيطرة علي رغبتها في الذهاب اليه الآن :
– هخليني شوية لوحدي يا زين ، وهبقي ارجع انا بنفسي .
زين بتنهيدة قوية :
– عايز اشوفك ، ينفع بس اشوفك واطمن عليكي يا حبيبتي ، ينفع اللي بتعمليه فيا دا يا حبيبتي ، سيباني لوحدي وروحتي تقعدي بعيد عني ، كل دا علشان ايه يا نور ، انا عملت ايه بس يا حبيبتي عايزة اعرف ، انا حتي مبفكرش ازعلك ، كل اللي بتمناه اني اشوفك مبسوطة .
مسحت دموعها المنهمرة وردت بجدية لطمأنته عليها :
– زين انا كويسة ، ولو فيه حاجة علي طول هقولك .
زين متسائلاً بنفاذ صبر ممزوجة بقلة حيلتة معها :
– طيب والجامعة بتاعتك اللي هتبدأ دي ، هتعملي ايه وانتي عندك كدة .
ردت بتفهم :
– متخافش يا زين ، انا عارفة انا هعمل اية……….
______________________

قضي وقتًا ليس بقليل في مكتبه ، نهض ماجد بتقاعس من علي مقعده وسار للخارج وهو يفرك وجهه بكفيه ليفيق من حدة الصداع المستحوذ عليه ، صعد علي الدرج وهو يفكر فيما حدث بينهم ، قرر ماجد مُصالحتها لتطاوله القاسي معها ، فهو يعلم مقدار حبها له ، وهو ايضًا مُتعلق بها وتعود علي وجودها بجانبه ، وفطن ربما هو الحب ولم يعلم به سوا مؤخرًا ، فتح ماجد باب غرفتهم بهدوء راسمًا ابتسامة هادئة علي محياه ، تفاجئ ماجد بخلو الغرفة ، مط شفتيه وظن انها بالمرحاض ، توجه ماجد إليه طارقًا الباب بخفة ، لم يستمع لإجابة منها ،طرق الباب مرةً اخري بصوت اعلي نسبيًا دليل علي قلقه عليها ، لم يجد ردًا مما جعله يرتاب كون اصابتها بعلة ما ، فتح الباب سريعًا وجاب المرحاض ببصره وانصدم من خلوه هو الآخر ، دلف للخارج وهو يصارع انفاسه وكاد ان يترك الغرفة ليبحث عنها خارجًا ، لكن لفت انتباهه ورقة ما مسنودة بجانب المرآة ، هرول ناحيتها وامسك بها متطلعًا بشغف علي ما هو مدون فيها ، حرك رأسه بنفي رافضًا تركها له ، اهتاج وهو ينظر حوله ضاغطًا علي تلك الورقة بقبضة يده ، هتف ماجد بانفعال ممزوج بالغضب :
– لا يا هانا ، ازاي تسيبيني ……………………..……………
_________________
_____________
__________

 

error: