فريسه للماضي
فريسـة للمـاضـي
ـــــــــــــــــــــــ
وصلت مريم إلي فيلة والدها حاملة ابنها علي ذراعها ، تفاجئ فاضل بها وهو يضمها إليه هي وحفيده ، كما فرحت فاطمة بقدومهم ظانه ان ابنها هو الآخر معهم ، نظرت فاطمة خلفهم ولم تجده ، ثم وجهت بصرها لتلك الحقيبة وهتفت مستفهمة :
– ايه الشنطة دي يا مريم ، هو انتوا هتقعدوا هنا ؟ .
ردت مريم بتردد :
– حاجة زي كدة يا ماما ، هنقعد كام يوم كدة .
فاضل بابتسامة واسعة :
– تنوري يا حبيبتي ، دا بيتك .
مريم بابتسامة زائفة :
– متشكرة يا بابا ، ربنا ما يحرمنا منك .
فاطمة متسائلة بحذر :
– هو حسام هيجي معاكوا يا مريم ، تابعت بقلق :
– اوعي تكوني زعلانة وجاية تقعدي هنا .
ابتلعت ريقها وردت بتوتر :
– يعني يا ماما ، احنا اتفقنا نبعد شوية وكدة .
فاطمة مستنكرة ما قالته بعدم رضي :
– هو فيه حاجة اسمها اتفقنا نبعد عن بعض ، فيه حد بيدور علي الزعل ، تابعت بضيق :
– انا حاسة انكوا متخانقين ومش عايزة تقولي .
فاضل متدخلاً وهو يسأل ابنته :
– قولي يا مريم ، انتوا متخانقين يا حبيبتي .
تنهدت مريم بقوة وهتفت بنفاذ صبر :
– يا جماعة صدقوني انتوا مكبرين الموضوع ، انا وحسام بنتكلم عادي ، بس انا حبيت اقعد معاكوا شوية ، مجرد تغيير مش أكتر ، واتفقت معاه اني هاجي هنا وخلاص الموضوع .
فاطمة بعدم اقتناع :
– طيب هو مجاش يوصلك ليه ، ازاي يوافق يسيبك تخرجي كدة وميمنعكيش ، فيه راجل يوافق علي الكلام ده .
فاضل وهو ينظر لفاطمة ، غمز بعينه قائلاً بمعني :
– خلاص يا فاطمة متكبريش الموضوع ، يمكن حاجة بينهم ومش عايزينا ندخل فيها ، سيبيهم براحتهم وهما مش صغيرين .
قبلته مريم من وجنته وقالت بابتسامة محببة :
– عين العقل يا بابا ، هو دا الكلام .
فاطمة لاوية شفتيها :
– طيب اما أسكت واشوف اخرة الكلام دا ايه .
فاضل وهو يشاكسها :
– سيبك منها يا مريم ، تعالي في حضن ابوكي حبيبك ، مش كفاية ابنها خدك مني .
ضحكت مريم علي حديث والدها ، بينما اغتاظت فاطمة وهتفت :
– يعني كدة ، ماشي .
فاضل بضحك وهو يضمها من كتفها برر :
– انا بهزر يا حبيبتي ، انا بس مبسوط ان ولادي بيبقوا حوليا.
فاطمة بابتسامة ودودة :
– ربنا ما يحرمنا منك ولا يحرمك منهم…….
_________________________
جلست علي الفراش وهي تنتظر قدومه إليها ، حدقت فيه عندما دلف من المرحاض ومُسبلاً عينه بابتسامة ماكرة ، لوت ديما شفتيها مُدعية الامبالاة ، دنا أمير منها وهو مُظلمًا عينيه بخبث ، بينما لعبت ديما في خصلات شعرها ناكسة رأسها بخجل زائف ، جلست أمير بجوارها واضعًا يده علي فخذها والأخري يمررها حول عنقها ، رفعت ديما رأسها ناظرة إليه ، ابتسم لها أمير وغمز بعينه ، همس بمكر :
– الدكتورة الرخمة قالت ان ما فيش مانع نبقي مع بعض .
ابتسمت ديما بخجل واومأت برأسها قائلة :
– أيوة .
ازدرد ريقة ونظر لها بشوق ، هتف امير وهو يتجول ببصره عليها :
– طيب يلا بقي ، احنا هنفضل قاعدين كدة .
ضغطت علي شفتيها السفلية وقالت بدلال :
– بس انت مقولتليش الأول ، نفسك في ولد ولا بنت .
رد سريعًا :
– نفسي في واد طبعًا ، دا انا بستني اللحظة دي من زمان .
ديما بامتعاض وهي تنظر إليه بغيظ :
– ايه التفكير المتخلف ده ، في حد لسه بيفكر كدة ، ضمت ذراعيها حول صدرها واردفت وهي تحدجه بنظرات قوية :
– ولو جات بنت يا أمير ، هتعمل ايه .
رد محتجًا :
– لأ هو ولد ، انا قلبي حاسس ، وكمان عيلتنا كلها بتجيب صبيان ، تابع بمعني :
– عندك ماما ..جايبة ولدين .
فغرت ديما فاها مصدومة من حديثه الأهوج والمَعْتُوه ، هتفت بتهكم شديد :
– انا أول مرة اعرف انك جاهل كدة ، ازاي تفكر بالطريقة دي ، ما أخوك عنده بنت .
لم يعر لحديثها انتباه وانفعل من سبها العلني له بوصفه بالجاهل ، وهتف وهو يصَرّ اسنانه ببعضهما :
– انا هوريكي الجاهل دا هيعمل إيه .
هتفت هي بتبرم وهي تحدجه بشراسة :
– هتعمل إيه يعني ، وريني كدة .
هتف أمير وهو يشلح ملابسه وينظر لها بخبث :
– هوريكي دلوقتي ……..
______________________
لم يستطع النوم طوال الليل قلقًا عليها ،قرر زين الذهاب للفندق لرؤيتها والإطمئنان علي حالتها ، فقد استشعر بقلبه مدي حزنها ، وربما في الأمر شيئًا ما آخر جعلها تترك الفيلا ، وصل زين الفندق وتفاجئ بخروجها في الصباح تاركة رسالة مقتضبة تعلن ذهابها للشركة ، تنهد زين بارتياح واستقل سيارته متوجهًا للشركة بأنفاس متسارعة وقلب كاد ان يخرج من مكانه .
بعد وقت مُسْهَب وصل زين لشركته ، ترجل من سيارته وهو يغزو في خطواته متجهًا لمكتبها ، وصل زين وفتح الباب وولج دون استأذان ، شهقت نور ورفعت رأسها ناظرة إليه لدخوله المُباغت عليها ، ازدردت ريقها وتوترت وهي تنظر اليه بأعين مهزوزة ، وعن زين لم يقصي نظراته من عليها ويعلو ثغره ابتسامة هادئة اراحتها وودت الركوض اليه وتغرق نفسها في دفء احضانه التي استوحشتها ، تحرك زين نحوها مُتلهفًا لضمها إليه ، حدثها زين بنبرة هادئة وهو يدنو منها :
– ايه يا حبيبتي خضيتك .
توترت نور من قربة منها كأنه ليس زوجها التي عاشت معه وانما حبيبها التي ابتعدت عنه بمحض ارادتها ، تريد من ذلك فقط اقصاء ظنونها ومحوها من تفكيرها وللأبد ، دنا زين منها وهو يدور حول مكتبها ليمسك يدها لتقف معه ، نهضت نور لتقف امامه مقتربة من صدره الذي يعلو ويهبط ، ابتسمت نور فليست بمفردها التي تشعر بذلك ، وضع يده علي رقبتها ومررها ليميلها عليه ، اغمضت عينيها مُدركة رغبته في تقبيلها ، لامس وجهها بهدوء ويعلو ثغره ابتسامة مراوغة ، ظل هكذا لحظات وترتها ، شعرت نور بتأخير تقبيله لها ، فتحت عينيها لتنصدم بابتسامتة الماكرة ، لم تبين غيظها منه حيث هتفت من بين اسنانها :
– كنت جاي عاوز ايه ؟ .
رد بمكر وابتسامة اثارت حنقها ووصلتها لقمة غيظها :
– دا باين انتي اللي كنتي عاوزة .
ردت بتهكم وهي تنظر إليه بحنق :
– دا انت بقي جاي تلعب معايا ، استأنفت ساخرة :
– بس متحاولش تنكر انك هتموت عليا ، تدللت في نبرة صوتها وتابعت :
– وانك دلوقتي هتتجنن عليا ، وجيت تشوفني وباين في عينيك لهفتك لما شوفتني .
اظلم عينيه نحوها ورد بامتعاض :
– ولما انتي عارفة ان انا كل ده ، ليه بتشكي فيا وبتبعدي عني ، ليه بتعملي كدة معايا ، استأنف هو لاستفزازها :
– ومتنكريش انتي كمان انك بتحبيني ، وانك كنتي مستنياني ابوسك من شوية .
عبست تعابيرها وهتفت بتبرم :
– انت جاي تطمن عليا ولا جاي تسمعني كلمتين .
رد بضيق :
– نور انتي اللي باعده عني بمزاجك ، وانا مش عايز ازعلك ، قبل كدة كنت مطمن عليكي علشان كنتي عند بابا ، دلوقتي انتي لوحدك في فندق وسايباني ، واللي بتعمليه دا ميرضيش اي راجل ، وانا سايبك ومش عايز اغصبك علي حاجة .
علي الفور اغرورقت عيناها بالدموع وهي تنظر إليه ، اقتلع قلب زين خوفًا عليها ، حيث ضمها اليه بقوة قائلاً بقلق شديد :
– نور حبيبتي انتي هتعيطي ، قولي ياحبيبتي ايه مزعلك ، تابع بحزن عليها :
– انا قربت اكره نفسي علشان اللي عملته قبل كدة ومخليكي بعدتي عني وزعلانة مني بالشكل ده .
اغمضت نور عينيها وهي في احضانه مستكينة وشاعرة بالأمان الذي افتقدته ، مسح هو علي ظهرها مدركًا ان هناك ما جعلها تحزن لتلك الدرجة ، قال زين مستفهمًا :
– ايه اللي مزعلك كدة ؟، وليه سيبتي الفيلا ، مش معقول تكوني سيبتيها علشان مالك هيرجع تاني فيها ، تابع بجدية وهو يبعدها لينظر اليها :
– قولي يا نور ايه اللي حصل ، انا عاوز اعرف كل حاجة .
ابتلعت ريقها وردت بتردد :
– مافيش يا زين ، انا بس مش عايزة اقعد هناك وكدة ، حبيت ابقي لوحدي .
رد بعدم اقتناع :
– معقول هو دا السبب اللي يخيكي تسيبي الفيلا و…..
قاطعته بنفاذ صبر تريد تغيير الموضوع :
– خلاص يا زين سيبني براحتي ، انا قولتلك اني عاوزة اقعد لوحدي شوية ، فأرجوك سيبني براحتي ، وانا لما اهدي كدة هتلاقيني جيتلك بنفسي .
زين بابتسامة متأملة خيرًا :
– يعني هترجعيلي يا نور ، انتي بُعْدك عني بيقتلني .
ردت بجدية :
– سامحني يا حبيبي ، انا لما احس اني بقيت كويسة هرجع علي طول………
______________________
ولجت عليه الغرفة كاللص الذي يتسلل بخطوات مريبة لسرقة مكان ما ، تدرجت نحو الداخل متوجهه إليه وهي ترمقه لاوية شفتيها للجانبين ثم دنت منه وانحنت بجسدها عليه لكي توقظه من نومه الذي طال ، هتفت وهي تقترب من أذنة :
– اصحي يا سعادة البيه اتأخرت علي الشغل .
هب حسام معتدلاً علي الفراش ، وجه بصره إليها وهتف بتعنيف وهو يضع يده عفويًا علي صدره ليخفف من انفاسه التي انسحبت منه :
– ايه يا ست أنتي ، هو فيه حد مسلطك عليا ، فيه حد يصحي حد بالشكل ده .
لوت شفتيها للجانب كعادتها الساخطة منه ، ثم ردت بابتسامة سخيفة مبررة :
– دا انا بصحيك يا سعادة البيه ، لقيتك مصحيتش لوحدك تروح الشغل قولت ادخل اصحيك بنفسي .
تأفف حسام ونظر حولة متسائلاً بامتعاض :
– هي الساعة كام دلوقتي ؟ .
ردت بتهكم داخلي :
– الساعة عشرة يا بيه وسعادتك لسة نايم .
صرخ حسام ووثب من علي الفراش قائلاً بانفعال :
– وأزاي تسيبيني نايم لحد دلوقتي ، انتي مش عارفة ان عندي ميعاد شغل بصحي فيه .
ردت وهي تزم شفتيها بقوة كاتمة غيظها :
– اصلك يا بيه مش بطيقني لما بصحي حضرتك ، تابعت بسخرية ممزوجة بالضيق الدفين :
– مش حضرتك برضو قولت للمدام انا مش عايز حنفي يصحيني علشان بتخض منه .
نظر لها شزرًا ثم هتف باستهزاء :
– طيب روح يا حنفي اعملي فطار .
ردت بتعجب :
– انت لسه هتفطر! ، والشغل اللي اتأخرت عليه ده ، اجري ألحقه ليخصموا عليك .
نظر لها بتقزز وهتف من بين اسنانة :
– يخصموا عليا ، تابع وهو يأمُرها :
– روحي اجري اعمليلي فطار ، هو هبقي متأخر ولا هفطر كمان
بادرت بالخروج لتصنع له افطار ما وهي تتمتم ببعض الكلمات الحانقة ، راقب حسام خروجها متأففًا وهتف وهو يتنهد بقوة :
– كدة يا مريم ،دي أخرتها ، سيباني لوحدي معاها علشان عارفة انها وحشة ، تابع بابتسامة ماكرة :
– انا هجيب واحدة حلوة بقي واهددك بيها علشان ترجعيلي ، ايوة بقي مافيش غير كدة …..
_______________________
جلس في غرفة مكتبه بشركته الخاصة يفكر أين ذهبت وتركته ، تجشم ماجد من كثرة البحث عنها في جميع الأماكن التي تستطيع التوجه إليها ، حتي منزلهم القديم في الحي الشعبي التي كانت قاطنة فيه فقد تركوه من فترة ، زفر بقوة بعدما هاتف أخته لعل يجدها هناك ، واضحي في حالة هياج حتمي عندما اخبرته بعدم رؤيتها لها في الفترة الماضية ، حرك رأسه وهو يجوب المكان ببصره يريد تدمير ما حوله لتخليها عنه رغم تحذيراته لها ، لم يتحمل ماجد صدمته الأولي فتأتي هي لتسترجع ذكرياته المريضة بفعل ما لا يريده ويأبي حدوثه ، ورغم انفعاله بما فعلته إلا أنه افتقد وجودها كأنه شعر ولأول مرة باحتياجه الشديد لها كونها تتفهم ما يريده دون الإفصاح عنه ، استند ماجد بساعديه علي مكتبه وحاوط رأسه بكفيه يسيطر علي تفكيره المتأرجح ، هتف ماجد بحيرة ممزوجة بالضيق :
– يا تري روحتي فين يا هانا .
تنهد بعدها بقوة ليفرغ ما به من ضيق ، ثم التقط هاتفه المسنود بجانبه ليُحدث شخص ما يساعده في إيجادها ، اتاه صوته فهتف بلهفة :
– ايوة يا احمد ، عايزك تروح بيت هانا القديم وتسأل الناس وتعرفلي هما نقلوا وراحوا فين .
احمد:…….
هتف ماجد بصيغة الأمر :
– أيوة دلوقتي تروح وتعرفلي ، اوعي تيجيلي من غير معلومات عنها ، فاهمني ولا لأ.
اغلق بعدها هاتفه وهو مرة يتوعد لها ومرة أخري يستجدي تواجدها معه ، هتف ماجد وهو ينظر امامه :
– بتسيبيني يا هانا ، بس برضو انا السبب ، انا زودتها قوي معاها المرة دي ، ونتيجة فكرة المتضارب تابع متوعدًا في نفسه بضيق :
– بس مش هسكت غير لما ارجعك ليا ، مش ماجد اللي واحدة تسيبه……
______________________
في منزل ما بحي شعبي قديم ،علي مائدة الطعام ظلت تتواري بأنظارها عن هذا الرجل الأحمق الذي يطالعها بنظراته الحقيرة التي تنهش جسدها ، نفرت هانا وجود ذلك الرجل السمج الذي يظن نفسه شيئًا ، فهو بهيئته التي تشمئز منها وبطنه التي تسبقه بأمتار “تشبيه” لا يقارن مع ماجد في هيئته الوسيمة والمرفهة ، لعنت مجيئها لوالدتها بعدما فشلت في المكوث في مكان آخر خاصةً بعد تركها لكل شئ كان يمنحه لها ماجد وعدم استحواذها علي أي نقود ، فأجبرت نفسها للذهاب لوالدتها التي تزوجت من هذا الرجل عديم الأخلاق الذي يستبيح النظر لها بوقاحة ، احتشمت في ارتداء ملابسها وكذلك وضعت حجابًا علي رأسها لكي لا تعطيه الفرصة في أن تكون عرضًا سخيًا امامه ، كسر ذلك الشرود الخاص بها وتلك النظرات الوقحة لهذا الرجل السمج ، والدتها تهتف وهي تلوك الطعام بتقزز :
– وانتي سيبتي الراجل اللي كنتي بتشتغلي معاه ليه ، مش كنتي بتقولي دا غني وبيديكي مرتب كبير .
هتف زوجها متدخلاً بعبوس حانق وهو يرمقها بنظرات منزعجة :
– متسيبيها يا سعاد ، دا برضوا بيتها وأولى انها تقعد فيه ، تابع بابتسامة سخيفة وهو يتباهي بنفسه ناظرًا لهانا برغبة :
– وانا هنا متكفل بكل مصاريفها ، دا انا برضو من اصحاب املاك ، وورشتي اكبر ورشة في الحتة .
نكست هانا رأسها حتي لا تبين تقززها من وجوده في الأساس ، وتأففت داخليًا من اجبار الظروف لها علي عيشتها القاسية ، وبالرغم من ذلك فضلت هذا علي ان تبقي سلعة رخيصة له ، وربما اذا علم بأمر حملها فسيجبرها علي اجهاضه ، وهذا مالا تتمناه ، هتفت هانا في نفسها بحيرة :
– يا تري يا ماجد لما عرفت اني سيبتك هتعمل ايه……..
_________________________
طرقت باب مكتبه بخفة وولجت للداخل تريد مناقشته في بعض المسائل التي تتعلق في العمل والتي لا تجيدها كثيرًا ، كان زين واقفًا أمام مكتبه يطالع بعض الأوراق وتفاجئ بقدومها إليه ، لم يعلم كم السعادة التي تملكت منه حينها ، تقدمت نور منه حاملة لبعض المستندات التي تتعلق بالعمل ، هتفت نور بجدية زائفة وهي تتقدم للداخل :
– انا فيه حاجات مش فهماها وجيت أسألك عليها .
رد بابتسامة جذابة وهو ينظر لها بسعادة :
– تعالي يا حبيبتي عاوزة تفهمي ايه وأنا افهمهولك .
ردت بخجل ممزوج بالتوتر وهي تبتلع ريقها :
– المستندات دي فيها حاجات صعبة عليا ، ثم مدت يدها بها ناحيته ليلتقفها منها ، ولكنه سحب يدها المُمسكة بها لتقترب منه ، تقدمت لا إراديًا منه بعض الخطوات لتقف أمامه ، ارتعدت اوصالها واضطربت اعضاءها وهي تنظر اليه بأعين مهزوزة ، هتف زين وهو يتنحنح بخشونة :
– ايه يا حبيبتي ، هعلمك من بعيد لبعيد ، مش لازم تكوني قريبة مني ولا إيه .
ردت بتوتر بائن :
– طيب يلا علمني علشان عندي شغل .
ارتسمت ابتسامة ناعمة علي محياه لوجودها بجانبه وتعمل معه ، سحبها من يدها لطاولة الإجتماعات الصغيرة الموضوعة بزاوية الغرفة ، قال زين وهو يشير علي المقعد :
– يلا أقعدي علشان أعلمك .
تقدمت نور لتجلس علي المقعد بتوتر ، بينما زين ظل ينظر اليها بابتسامة ماكرة شاكرًا الظروف التي تجعلها بالقرب منه ، فعلي الرغم انها زوجته وتحق له كليًا إلا أنه لم يرد إجبارها علي شئ حتي لا يخسرها للأبد وهذا ما لا يتمناه ، بدأ زين في فتح المستندات وشرح بعض القواعد بداخلها متعمدًا الإقتراب منها اثناء شرحه لها ، وذلك ما جعل تركيزها يتشتت فيما يخبرها به ، انسدلت بعض الخصلات من شعرها الحريري الطويل علي وجهها مما جعله غير قادرًا علي رؤية وجهها ، لا إراديًا مد يده ليقصيها خلف أذنها ، وصلت نور لقمة توترها وهي تنظر إليه ، وما زاد الوضع سوءًا يده التي تتحرك بأريحيه علي بشرتها الناعمة ، اقترب بيده ليلامس شفتيها بحركة مغرية أججت بداخلها مشاعر الشوق تجاهه ، دنا منها بهدوء مريب البكها وجعلها ترتجف ، وبدون سابق انذار بدأ في تقبيلها بهدوء وبرقة متناهية لحسها في الإستجابة له ، وعندما نجح في ذلك تعمق في عشقة الذي افتقده في الإقتراب منها ، تجاوبت معه شاعرة بإقتلاع قلبها من محله نتيجة ضرباته المتسارعة ، بينما هو لم يتواني في تقريبها اليه متمنيًا لأكثر من ذلك …….
______________________
وصل أخيرًا الأثاث التي انتهت سارة من تصميمة ، حدجه مالك باعجاب وهو يشيد ببراعتها رغم انها بالسنة الثانية في كلية الهندسة ، نظرت له سارة بلا مبالاة رغم روعته كونها تتمني تركه للفيلا ومجيئه مرة أخري للعيش سويًا ، تنهدت سارة بعمق وهي تنظر لمالك مطولاً شاردة في القادم بينهم ، نظر لها مالك بتعجب ، هتف بتساؤل :
– بتبصيلي كدة ليه يا سارة ، فيه حاجة فيا .
انتبهت لنفسها وحركت رأسها بنفي وردت بتردد :
– اصل انت هتيجي تقعد معانا ، فبقول مالوش لازمة انك تبقي مبسوط بالفرش ، علشان مش هتقعد هنا .
استنكر مالك ما تفوهت به ، حيث هتف بمكر :
– وليه مش هبقي مبسوط بيه ، ما هي دي الفيلا اللي هنتجوز فيها ، ولا انتي ايه رأيك .
توترت سارة خاصةً بعد تلميحاته الموحية وأقترابه الشديد منها ، كل ذلك جعلها تبتلع ريقها بصعوبة ، وقف مالك امامها مبتسمًا بمكر وهو يسلط بصره علي شفتيها ، ادركت سارة رغبته في تقبيلها ولهذا تراجعت للخلف قائلة بتوتر :
– مالك مش هينفع اللي بتفكر فيه ده ، ماما قالت ميصحش يحصل بينا حاجة واحنا لسه مافيش علاقة تجمعنا .
مالك باستنكار وهو ينظر إليها بنفس نظراته :
– وهي دي اول مرة ابوسك يا سارة ، تابع بلا مبالاة :
– وعادي لما ابوسك ، كفاية تخلف بقي .
توجست سارة منه وهتفت بعدم تصديق :
– متخوفنيش منك يا مالك ، انا بقنع ماما لحد دلوقتي ان انت اتغيرت وبقيت كويس .
تأفف مالك ورد بتذمر :
– كل دا علشان بوسة ، هتديني محاضرة فيها ، تابع بنفاذ صبر:
– انا فعلا اتغيرت يا سارة ، بس شايف انها عادي يعني ، مش مستاهلة كل ده .
سارة بجدية زائفة :
– لما نتجوز هبقي كلي ملك ايديك .
ابتسم مالك وقال بخبث :
– واحنا هنتجوز امتي بقي ، انا معنديش مشكلة اتجوز دلوقتي.
ردت بابتسامة خجلة :
– خلاص يا مالك ، نروح الفيلا ونقعد فيها وبعدين تطلب ايدي ، ماما معندهاش مانع نتجوز في أي وقت .
مالك بتردد :
– هي نور سابت الفيلا .
ردت بتوتر :
– ايوة …راحت لجوزها ، تابعت لتغيير الموضوع :
– تعالي نجيب هدومك علشان نروح سوا……
__________________________
جاب البيت كليًا وهو شارد في وجودها الذي كان يملأ المكان ، نظر معتز حوله بتقاسيم حزينة لتركها له ، لم يخيل له في وقت ما أن يحدث ذلك بينهم او تنقلب حياتهم لذلك الوضع ، لم ينكر الفارق الإجتماعي بينهم ولم يظن يومًا أن يُشكل نقطة ضعفه أمامها ، استنكر نسيانها لحبهما قبل الزواج بها بتلك السهولة ، اخرج تنهيدة قوية ليزيح بعض همومه معها ، ثم نظر حوله متحسرًا علي حالته وحزينًا علي فراق حبيبته مصطحبة معها ابنته وقلبه ايضًا ، نكس معتز رأسه يفكر في حديثها الأخير معه وبات شاغله ، فلم يظن يومًا أنها تعاني من الوحدة ، استغبي نفسه في ذلك الأمر لعدم شعوره بها ، حسم أمره في أخذ موقف جِدِّيّ في تلك المسألة أولاً وترك الباقي ليحين وقته ، فهو مهما طال الوقت لن يستطع جلب ما يجعلها تصل لمستواها السابق ، اقنع نفسه بأنها ليست تفكر في المال او بالمستوي ، بل هي تسعي للعمل الذي تعشقه ، فهو علي علم بشغفها للعمل كما أخبرته قبل مرة ، تنفس معتز بهدوء وهتف بمعني:
– لازم اشوف حل وبسرعة ، انا مش ممكن استحمل بَعُدك عني ، انتي حبيبتي ، وهعمل اي حاجة علشانك….
______________________
وصلت سلمي هي الأخري لفيلا والدها ، زادت فرحة فاضل لرؤية أبنته الصغري التي افتقد وجودها لشهور ، لم يحظي فاضل من قبل علي هذا الكم من الفرحة التي أنسته وفاة أخته ، وشكر ربه لعودة أسرته كما قبل بعد تدخل ظروف الحياة التي أبعدتهم ، وعن سلمي شعرت بالدفء قد عاد إليها لوجودها وسط أهلها ومََنْ تحب ، فقد اهتاف قلبها للعودة اليهم ، أخذها فاضل في احضانه ولم يتركها وظل يمسح علي ظهرها بحنان جعلها تُغمض عينيها مستسلمة لحب والدها لها ، حدجتهم مريم وهي تتذمر مما يحدث أمامها ، هتفت مريم وهي تعاتبه بعبوس زائف :
– ايه يا بابا ، دا انت لما شوفتني معملتش الحب دا كله .
ابتسمت سلمي بينما فاضل برر موقفه بجدية :
– يا حبيبتي أختك كانت في بلد تانية ، وتلاقيها كانت لوحدها ومتضايقة ، وهي وحشتني يا مريم ، مشوفتهاش من بعد الولادة .
سلمي بحب وهي تدفن وجهها في احضانه :
– يا حبيبي يا بابا ، طول عمرك حاسس بيا ، انا بجد كنت محتاجة حضنك دا من زمان ، تابعت وهي تنظر إليهم بابتسامة محببة :
– كلكم بجد وحشتوني .
مريم متسائلة بجدية :
– هتقعدي كتير يا سلمي ؟، وليه معتز مجاش معاكي ؟ .
تنحنحت وردت بحذر :
– معتز مشغول قوي ، وانا لسة مش مقررة هقعد قد أيه ، بس هقعد عندكم شوية وعند مامت معتز وباباه شوية ، أكيد نور وحشتهم وهما قاعدين لوحدهم .
فاضل بابتسامة اطراء وهو يربت علي ظهرها :
– ربنا يكملك بعقلك يا حبيبتي ، طول عمرك عاقلة .
هتفت سلمي في نفسها بتنهيدة :
– وكل دا علشان معتز حبيبي ، دا وحشني قوي………
__________________________
أَصَر ّزين علي إيقالها بنفسه ، اطاعته نور عندما رأت نبرته الجادة في ذلك واستقلت سيارته ، قاد زين السيارة وهي بجانبه ورغم فرحته إلا انه تمني ان يذهبا سويًا ، تأفف من عنادها معه وعدم ادراكها مدي حبه لها وندمه لما فعله في السابق معها وضجر من ذلك الوضع ، وعن نور جلست بجانبه ضاغطة علي قلبها في عدم البوح برغبتها في العودة معه ، فكل ما ازمعت له ابعاد تلك الظنون من رأسها وللأبد ، وأن بُعْدها عنه سيثبت صدق حبه لها ، بعد فترة صمت قضاها الإثنان ، قال زين بنبرة حزينة :
– نور ارجعي معايا ، مالوش لازمة اللي بتعمليه ده ، استأنف وهو يتنهد بضيق :
– ارجعي معايا ، وانا وحياتك عندي ما هقربلك ابدًا غصب عنك ، وآسف علي اللي عملته قبل كدة و…
قاطعته باستنكار وهي تشير بيدها :
– إيه يا زين الكلام ده ، انا مش مضايقة أنك قربتلي ، انا مراتك ودا حقك .
زين بابتسامة سعيدة :
– طيب خلاص ارجعي معايا ، وكل اللي أنتي عوزاه هعمله ، بس متبعديش عني ، بتجنن وانتي مش معايا .
نور بفرحة داخلية قالت بتردد لإكمال ما ارادته :
– علشان خاطري يا زين ، سيبني شوية لوحدي ، وقولتلك قبل كدة لما أحس اني عاوزة أرجع هتلاقيني .
تنهد زين بقوة ، وهتف بقلة حيلة :
– حاضر يا نور ، كل اللي بتمناه أنك تكوني مبسوطة وبس ، وعلشان كدة بسيبك براحتك ، تابع بترجي :
– بس متتأخريش عليا ، ولا تفاجئيني أنك مش عوزاني ، انا وقتها مش هبقي عايش .
نور بابتسامة حزينة وهي تنظر إليه مشفقة علي هيئته التَعِيسة ، ردت بعزيمة :
– مش ممكن أبعد عنك ، لأنك حبيبي وكل حاجة عندي ، انا بس عايزة شوية وقت لوحدي وهتلاقيني رجعتلك .
تابعت في نفسها بتمني :
– ويا ريت يا زين متعملش حاجة تخليني أبعد ، وقتها مش هتشوفني ابدًا ..
بعد فترة وصل زين بها إلي الفندق ، وقف أمامه ممتعض الملامح وذلك لوجود هذا الرجل الأجنبي السمج الذي أعتدي عليه بالأمس ، تأفف زين وهتف بحنق :
– ملقتيش غير الفندق ده .
ردت بتفهم :
– قصدك يعني علشان فيه الجروب الأجنبي ، تابعت بلا مبالاة :
– وأنا مالي ومالهم ، كفاية اللي الراجل الأجنبي دا قلهولي ، تابعت بتبرم :
– هو اللي قالي ان كريستين معاك .
زين بغيظ :
– تعرفي انه جالي الشركة وأتخانق معايا علشان مفكر إن في علاقة بيني وبينها ، تابع بحيرة :
– انا مش عارف إيه اللي يخليكوا تفكروا كدة ، كنت عملت ايه علشان يشك ان كنت حتي أعرفها .
نور متنهدة بنفاذ صبر ، هتفت :
– خلاص يا زين انا عاوزة أطلع ارتاح شوية ، الكلام دا كله بيتعبني قوي .
زين بنظرات حب قلقة :
– طيب يا حبيبتي ، روحي ارتاحي وأنا هكلمك علي طول .
اماءت برأسها وترجلت من السيارة ممسكة بحقيبة يدها ، ولجت نور للداخل وسط نظراته المودعة لها ، تنهد زين بعمق وادار سيارته عندما توارت عن أنظاره متأملاً خيرًا للقادم..
سارت نور متوجهة للمصعد لتستقله صاعدة لغرفتها ، ولكن هناك من كان يصدح بأسمها وأضطرت للوقوف لرؤية مََنْ ، استدارت نور وتفاجئت بذلك الرجل الأجنبي خلفها ومعه الفتاة التي كانت تتودد لزوجها ، رمقتهم نور بحنق بينما هتف مايكل وهو يتحرك ليقف أمامها :
– سيدة نور ، اريد التحدث معكِ لو سمحتي .
ردت بتبرم وهي توزع انظارها الحانقة علي كليهما :
– عاوزين إيه ، مش كفاية اللي انت عملته وخلتني أشك في جوزي ، ومافيش أي حاجة من اللي انت قولتهالي .
رد مايكل متأسفًا بخجل شديد :
– نحن نعتذر منكِ ومن السيد زين ، لقد أساءت صديقتي التصرف معكم ، وهي الأن تريد مسامحتكم عما فعلته .
تدخلت كريستين هي الأخري وهتفت بترجي :
– أعتذر منكِ ، لم أقصد إثارة المشاكل بينكم ، لقد كنت اريد معاقبة صديقي لتركه لي ، ارجوكِ سامحيني .
وزعت نور أنظارها عليهم بحسرة ، ثم حركت رأسها بقلة حيلة مما فعلاه سويًا ، تركتهم نور واستدارت ذاهبة لغرفتها دون التفوه بكلمة واحدة معهم ، لامتهم ولامت نفسها وبدأت عيناها تتلألأ بالدموع المهددة بالنزول ، استقلت المصعد وهي تهتف في نفسها بحزن :
– حرام عليكم ، هو أنا ناقصاكم انتوا كمان………………….
___________________
______________
_________