فريسه للماضي
فريسـة للماضـي
ـــــــــــــــــــــوصلت ميـرا برفقه زوجها إلي فيلا أبيها وولجوا للداخل، صدمت ميرا من رؤيه أخيهـا متسطحًا علي الأرضية وغافيًا عليها ، هرعت تجاهه وحدقت فيه بقلقٍ ملحوظ وهي تدير رأسه لتتمكن من رؤيته والإطمئنان عليه ، جحظت عيناها من شحوب وجهه وهيئته الغير مطمئنة ، ثم وجهت بصرها لزوجها المحملق فيه بدهشة وهتفت هي باهتياجٍ خائف :
– واقف كده يا وليد ، تعالي شوفه ، انا خايفه عليه قوي .
دنا منهم وليد ورفعه قليلاً ووضع يده علي عنقه مستشعرًا نبضه ، ثم نظر لها قائلاً بهدوء :
– متخافيش ، مفيهوش حاجة .
ميرا متسائلة بقلق جلي :
– هو نايم يعني ، شكله تعبان قوي .
تنمل مالك قليلاً بعد سماع اصواتهم التي تسللت لآذانه وأفاقته من نومه ، ثم نظرلها عابسًا بوجهه ومظلمًا عينيه وهو يمرر بصره عليهم ، ثم ابعد مالك يديها من عليه واردف بعبوس :
– انتوا كمان جاين عاوزين ايه .
لم تجب ميرا عليه بل هتفت بلهفة قلقة :
– انت كويس يا مالك ، ايه اللي منيمك كده .
مالك متأففًا :
– ملكيش دعوة ، انا مش عايز حد يسأل عني ، سيبوني لوحدي بقي .
نظرت له ميرا بحزن وقالت بتأنيب :
– ايه اللي عملته دا يا مالك ، ينفع كده ، فيه….
قاطعها بحدة وصوت عالي :
– ملكيش دعوة ، انا اعمل اللي يعجبني ، اذا كان عاجبكوا .
وليد متدخلاً بتعنيف :
– يعني ايه الكلام ده ، بتضحك علي بنت خالك المتجوزه وعايز تغتصبها وتقول مزاجي واللي عايزه ، انت ولد قليل الأدب وعايز تتربي .
مالك بنبرة مستهزئة وهو يرمقه باستهجان :
– وانت بقي اللي هتربيني .
اوشك وليد علي تعنيفه بعد إهانته له ، ولكنه هاتفه استوقفه ، فأجبر نفسه علي اخراجه ، ووجده رقمًا غريبًا واضطر للرد عليه قائلا ً:
– ايوه مين ؟ .
الشخص:……
وليد متسائلاً بعدم فهم :
– ابو مين ، انت قصدك ايه .
الشخص:……
أنسلت الهاتف من يده ووقع علي الأرضية ونظر أمامه مصدومًا ، فحدقت فيه ميرا متعجبه منه وتسائلت :
– فيك ايه يا وليد ؟، ومين اللي بيكلمك ؟ .
اضحي وجهه غير مستوعبًا لما القي علي مسامعه ، ورد باستنكار :
– بابا ! ، بابا وطنط ثريا ، عملوا حادثة بالعربية .
ميرا بصدمة صارخة :
– انت بتقول ايه يا وليد ، هما عاملين ايه ؟ .
مالك محركًا رأسه بعدم تصديق :
– لا مش ممكن ، مامي…….
____________________
ظلت تكركر فرحًا من سماعها لما كانت تتمناه ،لم تتواني هايدي في إظهار فرحتها وهتافاتها المتشفيه فيهم ، دارت حول نفسها كأنها شابه صغيره غير مبالية بعمرها ، ضحكت بسعادة لذلك الواقف امامها وصرخت بفرحه :
– أسعد خبر سمعته في حياتي كلها ، متعرفش فرحانه قد ايه النهارده .
سامي بابتسامة عذبة ونظرات تتمني لها الرضي :
– فرحانه يا حبيبتي ، انا اعمل اللي تقوليلي عليه وانا مغمض .
هايدي متنفسه بحبور جم وهي تطوق عنقه :
– إلا فرحانه ، ربنا يخليك ليا يا حبيبي .
سامي بفرحة كست تقاسيمه :
– بجد انا حبيبك يا هايدي .
هايدي بدلال وهي تلتصق به :
– حبيبي وكل حاجه عندي ، كفايه اللي بتعمله علشاني .
سامي بنبرة جدية ذات معني :
– أحنا لازم نمشي من هنا وبسرعه ، اكيد خبر هروبك هيتعرف ومش بعيد يقلبوا الدنيا عليكي .
هايدي متسائلة باستغراب :
– انت مش قولت هتعملي ورق مضروب ! .
سامي بمغزي :
– جاهز يا روحي وفي التمام .
هايدي بموافقة :
– خلاص ، هدخل أجهز نفسي علشان نمشي .
سامي بجدية :
– وزي ما فهمتك يا هايدي ، أعملي نفسك قريبتي علي ما نخلص منها ، علشان دي عارفه عني بلاوي ، وكمان الصفقة هتم فين وازاي ، تابع وهو يضمها اليه بوقاحة :
– ونديها سكه وكمان نبقي لوحدينا ، ونعيش عمرنا اللي بيضيع ده .
هايدي بشرود :
– ياما نفسي أسافر من هنا ، واعيش في راحه بقي……
_____________________
دلف من مكتبه وهو مزعورًا ، غير مصدقًا لحديث ذلك الرجل الذي هاتفه ، ذابت أوصال فاضل وأصبح غير قادرًا علي السير ، استند بيده علي المقعد وأغمض عينيه متعبًا ، فهرعت فاطمه نحوه وهتفت متسائلة بقلق ملحوظ :
– فاضل! ، انت تعبان ولا ايه ؟.
أخرج تنهيدة حزينة ونظر لها قائلاً بعدم تصديق :
– ثريا اختي ، ثريا اختي ماتت يا فاطمه .
فاطمه بشهقة مصدومة :
– مين اللي قالك ، انت متأكد ! .
هتف فاضل بنبرة حزينة تحزن من يسمعها :
– أختي ماتت ، كلهم ماتوا وسابوني .
فاطمه بحنان وهي تربت علي ظهره :
– شد حيلك يا فاضل ، انا معاك علي طول ان شاء الله ، والأعمار بيد الله ، ودا قضاء ربنا.
فاضل وهو ينظر حوله :
– لازم اروح المستشفي دلوقتي .
فاطمه بجدية ونبرة اصرار :
– يلا تعالي ، انا كمان هروح معاك .
ولجت ساره الفيلا بجمودها الذي اضحي يكسو وجهها الفتره الماضيه ، ثم رأتهم هكذا ولكن غلبها فضولها لمعرفه الجديد ، فربما حدث شيئًا آخر لم تعلم به ، تقدمت منهم بخطوات حذره وتسائلت بتردد :
– فيه ايه ؟ ، فيه حاجه حصلت ؟ .
ردت عليها فاطمه بحزن :
– تعالي يا ساره ، فايز بيه وثريا عملوا حادثة بالعربية .
هتفت ساره بصدمة :
– ايه ! …وهما عاملين ايه ؟ ..
فاطمه بأعين مملؤة بالدموع أجابت :
– ماتوا يا ساره .
نظرت ساره أمامها مجفلة في حاله مالك الآن ، فبالتأكيد علم بذلك ، وتخيلت حالته الآن وودت البقاء معه ، ولكن ما فعله مؤخرا جعلها تمقطه ولم تبغي رؤيته ، قطع ذلك الحوار فاضل قائلا بجدية :
– انا هكلم زين يحصلني علي هناك ………
______________________
انتظر بجانبها حتي غفت أمامه ، ملس زين علي رأسها بلطف وهو يحدق في وجهها الصغير ، وكم الألم الذي عانته لتفقد ابنهم ، ألتاع قلبه وكأنها كان يشعر بمعاناتها في تلك اللحظه ، تنهد بضيق لاعنًا ذلك الوقح لما كان يزمعه مع زوجته ، واقسم داخليًا في إلقانه درسًا قاسيًا منتظرًا لفرصته حين يطمئن عليها ، دثرها زين جيدًا وقبل رأسها بهدوء تاركها تنعم ببعض الراحه ، نهض بحذر وتفاجئ برنين هاتفه ، امسكه زين واجاب سريعًا عندما وجده والده :
– ايوه يا بابا .
فاضل بنبرة مقلقة :
– تعالي يا زين بسرعة .
زين مستفهمًا بقلق :
– خير يا بابا ، انت تعبان .
رد فاضل بحزن :
– عمتك عملت حادثه وماتت هي وجوزها ، انا لازم اروح اشوفها
زين بصدمة جلية :
– وحصل إزاي ده !..
فاضل بصوت شارف علي البكاء :
– مش وقته الكلام ده ، يلا زين تعالي علشان نروح سوا ، كلهم هناك ، واكيد زعلانين .
زين بملامح متجهمة :
– حاضر يا بابا هأجهز علشان نروح ، صمت قليلا ثم وجه بصره لنور وحدثه بمعني :
– بس نور تعبانه ونايمه ، خايف اسيبها ، اعمل ايه ؟.
فاضل بجدية :
– انا هجيلك وهجيب ساره تقعد معاها ، جهز نفسك انت علشان نمشي بسرعة .
زين بطاعة :
– حاضر يا بابا ، هقوم ألبس …….
______________________
وقف مالك منتظرًا رؤيتها بداخل ثلاجه الموتي ، تلك اللحظه القاسية التي لا يتمني الجميع الوقوف امامها ، تشنجت أعضاءه مدركا انه السبب ، وارتعشت اطراف يديه من رؤية والدته مسجيه بداخلها ومكفنه بذلك الغطاء ، تلك التي كانت تتحدث معه قبل وقت ليس بكثير ، وفطن انه من دفعها بكلتا يديه لتلقي حدفها ، انسابت دموعه علي وجهه المتشنج وذلك الرجل يكشف عن وجهها ، أرتعد من رؤيتها هكذا وتصلب موضعه ، وكانه كالمغيب بينهم ، ولم يخرجه من غيبوبته سوا صراخ اخته العنيف الذي دوي في المكان ، لم تتخيل ميرا رؤيه والدتها تتركها بتلك السرعة ، حتي اهتاجت وهي تستنكر موتها رغم رؤيتها امامها ، وعن وليد لم يشيح بصره عن والده المسجي بجانبها ، ثم طالعه بعدم تصديق وبدأ في بكاؤه الصامت الذي يقتل أعضاؤه الداخليه .
تراجع مالك للخلف غير قادرًا علي رؤية المزيد وهتف بعدم تصديق وسط إرتجافة جسده المضطربة :
– انا اللي موتك يا ماما ، انا اللي قتلتك بإيدي ، انا قاتل….
_______________________
أرتدي زين ملابسه وتجهز للخروج ، توجه لزوجته الراقده ونظر مرة أخيرة قبل ذهابه ، ثم استدار تجاه الباب وهم بالخروج لوالده المنتظر ، هدج زين ليهبط العوامة فوجد ساره تصعد هي في مواجهته ، وقفت امامه وحدثها هو بمعني :
– هي لسه نايمه يا ساره ، سيبيها تصحي براحتها .
ردت ساره بشبح ابتسامة منصاعه لكلامه :
– حاضر ، أنت هتوصيني عليها .
زين بابتسامة مصطنعة :
– متشكر قوي .
ثم اكمل زين سيره ليتجه لوالده ليذهبا سويًا ، بينما ولجت ساره العوامة ناظره لما حولها بملامح غامضة ، وتفرست محتويات العوامة من الداخل ، ولم تتخيلها كذلك ، بل اروع ما رأت ، وذلك الأثاث الباهظ الثمن وبعض المقتنيات والتحف الغالية ، اكملت سيرها وهي تتطلع حولها بنظرة لم تتفهمها هي ، فهل تحقد عليها او تثني علي حياتها المرفهة التي يغدقها بها زوجها ، اوحاقدة علي حب الآخر لها ، تقدمت ساره من غرفة نومها ثم باشرت بفتحها بحذر .
تدرجت للداخل مسلطه بصرها عليها ، ودنت منها متمعنه النظر لوجهها المتعب ، شعرت بالشفقة عليها متذكره صداقتهما معا ، ولم ترد رسم العداوة المحفورة بداخلها ، بل القدر وضعه رغمًا عنها ، تنهدت ساره بعمق وجلست علي ذلك المقعد المريح بزاوية الغرفة ، ثم تأملت ما حولها واثنت ثغرها بابتسامة وهي تتذكر مره أخري حديثها الدائم عن العوامة وجلساتهم سويًا ، شعرت ساره بالخجل من نفسها لتلك العداوة التي تنبت بداخلها تجاهها ، ونظرت لها لائمه نفسها ، فهي من كانت تأتمن علي اسرارها معها ، ووضعت هي الحق عليها كونها لا تعلم بحبها السري لمالك ، زفرت بقوة مغتاظه منه هو ومشفقه علي حالته في آن واحد ، وهمست لنفسها بحيرة :
– يا تري يا مالك هتفضل كده ولا ايه اللي هيحصل …
_______________________
بعد وقت وصل سامي وهايدي لشرم الشيخ بعدما استقل الطائرة كوسيلة سريعة للوصول ، ونجاح اوراقه الزائفة التي يجيد صنعها ، وبعدما غير من هيئتها كي لا ينكشف أمرهم ، تنهدت هايدي بارتياح عندما وطئت بقدمها المكان ، حدق فيها سامي وغمز لها بعينه :
– ايه رأيك في تفكير العبدلله ، ما فيش حاجه تعدي من تحت إيدي .
هايدي بسعاده جليه وابتسامة واسعة :
– كده بقي نخلص الصفقة ونطير علي برة .
سامي بحب هتف بتمني :
– ياه يا هايدي ، متعرفيش انا كنت بحلم باليوم دا قد ايه .
هايدي بمغزي : اهو جه وهنبقي لوحدينا ، بعدم ما نخلص منها هي كمان .
سامي بتفهم : تخلص الصفقه وهنخلص ان شاء الله ……
بعد وقت ليس بقليل وصلوا بسيارة الأجرة إلي العمارة القاطن فيها ، تاملت هايدي هيئتها باعجاب وتشدقت باطراء :
– العمارة فعلا متكلفة ، وباين غالية كمان ، نظرت له وتابعت مظلمه عينيها بخبث :
– شكلك معاك كتير بقي .
سامي وهو يسحبها من خصرها لتدلف معه :
– انتي ناسيه بنشتغل ايه ، احنا معلمين البلد ..
زمت شفتيها بثناء ، ثم استقلت معه المصعد متجهين لشقتهم .
وقف المصعد امام الدور الموجود به شقته ودلفوا للخارج ، كانت الخادمة هناء تضع الحقيبة البلاستيكية الخاصة بالقمامة في الصندوق الخارجي ، ولمحته مع تلك المرأه الغريبة ، نظر لها سامي بتوتر كونها تعمل عند الضابط القاطن بجواره ، حدجتها هايدي لاويه شفتيها وغير مباليه بها ، واضطرت الخادمة للدخول حين نادتها سلمي ، فأجابتها هي بطاعة وهي تستدير عائدة للداخل :
– حاضر يا مدام سلمي ، انا جايه أهو .
ازدرد سامي ريقه واشار بيده لها هامسًا :
– يلا ادخلي بسرعه ، الشقه دي بتاعه ظابط .
هايدي بزعر وهي تبتلع ريقها :
– وانت ملقتش غير دي وتسكن جمبها .
سامي بمعني وهو يفتح الباب :
– بعدين هتعرفي بالخطة يا روحي ، خلينا نتصرف مع اللي جوه دي الأول .
هايدي بتأفف : اما نشوف الست دي كمان ………
____________________
جلس فاضل مطأطأً رأسه حزينًا علي فقدان أخته ، انتظر الجميع إنهاء الإجراءات اللازمة للدفن ، لتنتهي المسألة كما هو متعارف عليها في مثل تلك المواقف ، ولكن احد الضباط تقدم منهم وانتصب في وقفته محدثًا إياهم :
– للأسف يا جماعة ، احب ابلغكم ان الحادثة مدبرة .
تطلع عليه فاضل بصدمة ، بينما نظر له وليد بغضب وهتف :
– مدبرة أزاي ، مين اللي يعمل كده في بابا ؟! .
الضابط بأسف مصطنع :
– للأسف احنا معندناش اي دليل يدين حد ، كل اللي عرفناه ان فرامل العربية كانت مقطوعة بآله حادة ، استأنف بدلالة :
– انتوا ممكن تساعدونا ، وتعرفونا مين اللي ممكن يعمل كده ، وهل كان فيه اعداء للوالد او للمدام ؟ .
نظر وليد امامه في حيرة من امرة ، وأستشاط غضبًا كون احدًا يرد التخلص من والده ، وقست نظرات مالك في الإنتقام لوالدته المغدورة ، وكور قبضته بغضب جم لاعنًا نفسه علي إرسالها للرمق الأخير بيديه تلك .
بينما حدثه فاضل بنبرة حادة رغم إجهادها :
– وايه المطلوب دلوقتي ، متقولش هنتحفظ عليهم ، انا هاخد اختي وجوزها وهيندفنوا بكره ان شاء الله .
أمال الضابط رأسه للجانب قليلاً ورد بجدية :
– طبعا دي حادثة ، فوجودهم مش هنحتاجه في حاجة ، كل اللي مطلوب اننا نعرف مين اللي قاصد يعمل كده ، وتساعدونا اننا نلاقيه .
فاضل بتهكم صريح :
– احنا معندناش أعداء ، المفروض دي شغلتكم ، ولازم انكم تمسكوا اللي عمل كده .
الضابط بتردد وهو يؤكد رغم صعوبة الأمر :
– طبعًا طبعًا ، ومن شغلنا برضو اننا نسألكم علشان نحط كل الإحتمالات قدامنا .
فاضل بإيجار ونبرة منزعجة :
– وياريت بسرعه ..
انتهي زين من إتمام الإجراءات الضرورية لأخذ تصريح الدفن ، وهم الجميع بالذهاب متأهبين للعزاء الذي سيقيمه وليد في فيلته ، ولم يبدي مالك إعتراضًا علي ذلك ، لأنه من طردهم بلا رحمة من عنده ، ولم يعطي لنفسه الحق في إقامة سرادق العزاء في المكان الذي شهد قسوته عليهم ….
_____________________
علم معتز بخبر وفاة عمتها وزوجها ، ترك ورديته لأحد زملائه وتوجه لها ، أعلمها معتز بذلك وصدمت سلمي وأعتزمت نزول الاسكندرية ، ولكن معتز حدثها بتعقل :
– يا سلمي مش هينفع ، انتي حامل يا حبيبتي ، وغلط تنزلي دلوقتي ، ومتنسيش ان انا عندي شغل ومقدرش اسيبه ، دا انا جيت بس علشان أعرفك بنفسي لو عوزتي تكلميهم ، وخفت عليكي لو اتصلت بيكي تتعبي ولا حاجة .
هتفت سلمي ببكاء شديد :
– يا حبيبتي يا عمتي ، اما مش مصدقه ، عايزه أنزل يا معتز علشان خاطري .
معتز بتفهم :
– عارف يا سلمي ان انتي زعلانه ، وهما كمان هيقدروا انك حامل ومتقدريش تروحي .
سلمي بحزن مستنكرة ما يدور حولها :
– هو ايه اللي بيحصل ده يا رب ، يعني مش هشوف عمتو تاني
ضمها معتز إليه وربت علي ظهرها قائلاً:
– ربنا يرحمها يا سلمي ، ادعيلها انتي بس .
سلمي محاولة الكف عن البكاء :
– ربنا يرحمهم .
معتز مستفهمًا بفضول :
– متعرفيش مين ممكن يعمل كده ، أصل اللي وصلني انها حادثة مقصودة .
سلمي فاغره فيها بصدمة :
– كمان ! ، دا مين اللي ممكن يعمل كده ، انا عمتي طول عمرها في حالها ومعندهاش أعداء .
معتز بحيرة :
– دا مين ده اللي عايز يخلص منهم هما الإتنين……..
_____________________
تَيَقَّظت نور من نومها ناظرة للأعلي بهدوء ، امالت رأسها للجانب وتفاجئت بساره جالسه علي المقعد وناظرة للفراغ بشرود ، ابتسمت نور عفويًا وايقنت مجيئها للأطمئنان عليها ، ثم نادتها :
– ســـاره ..
ساره ناظره إليها بإنتباه :
– نور أنتي صحيتـي .
نور بإبتسامة هادئة :
– جيتي تطمني عليا .
ساره بإبتسامة زائفة تساءلت :
– انتي عامله ايه ؟.
ردت نور بضيق ممزوج بالحزن :
– انا كويسه ، بس انا زعلانه قوي ، انا كنت حامل يا ساره ، والبيبي راح .
ساره بحزن زائف :
– معلش يا نور ، بكره تجيبوا غيره .
نور بانزعاج :
– عرفتي مالك عمل معايا ايه .
تغيرت تعابير ساره للامتعاض والغضب الشديد ، وتفهمت نور انها حزينة مما حدث لها واستطردت لسرد ما حدث :
– ضِحك عليا يا ساره ، وفهمني ان زين بيخوفني علشان اروحله
لامتها ساره بامتعاض :
– وأزاي تصدقي ان زين يعمل كده .
نور بتبرير :
– مش اول مره زين يخوني ، انا مش كنت بقولك انه يعرف بنات .
ساره بضيق وضحت :
– يا نور دا كان قبل ما تبقوا مع بعض ، ودلوقتي انتوا متجوزين بجد ، وهو بيحبك قوي .
نور بحيرة :
– مش عارفه ، انا خايفه قوي زين يرجع يعمل كدة ، حتي لو قالي بحبك كل شوية ، انا بغير عليه قوي ، وبحبه .
ساره محاولة إزاحة تلك الفكرة :
– صدقيني يا نور ، زين عمره ما هيفكر يخونك ، ومتصدقيش حد يقولك حاجة ، لاني شايفه انه بيحبك قوي .
نور بتفهم :
– حاضر ، تابعت بتساؤل وهي تلتفت حولها :
– هو زين فين ؟ .
ردت ساره بتردد :
– اصل انتي كنتي نايمة معرفتيش باللي حصل .
نور بتساؤل :
– هو ايه اللي حصل؟ ..
ساره بتنهيدة :
– عمتك ثريا وجوزها عملوا حادثه وماتوا .
اعتدلت نور في نومتها وهتفت بصدمة جلية :
– ايـــــه !…….
_____________________
في مساء اليوم التالي …..
لم يزيح زين بصره من عليه ، وحدجه بغضب عارم ، ويقسم لولا الظروف لفتك به ، ولم يشفع له حزنه الذي يكسو هيئته في الإنتقام لزوجته وابنه الذي لم يعرف به ، ربت حسام علي كتفه متفهمًا ضيقه ولذلك حدثه قائلاً بجدية :
– اهدي يا زين ، انا حاسس بيك ، بس انت كمان تقدر الظروف ، وانت عاقل وتقدر تتحكم في أعصابك .
زين بانفعال داخلي مكتوم :
– اللي حايشني عنه موت عمتي ، انا مكنتش هسيبه ، بس حظه حلو .
حسام بتعقل :
– احمد ربنا انها جات علي قد كده ، وإلا كان هيبقي موقف الكل وحش مع بعضه .
زين باستنكار:
– انا مش عارف مستكترين عليا اعيش سعيد ليه ، كله سعيد وفرحان وعايش عادي ، ومحدش اتبهدل غيري ، اعمل ايه يعني ، ومراتي بتحبني وانا بحبها ، يبقي فيه ايه بقي .
حسام بتأني :
– حاول تفكر بهدوء يا زين ، وأكيد مالك مش هيفكر يقربلها بأي شكل ، ولا حتي هيحاول يكلمها ، خصوصا ًبعد ما بان قدام الكل كان عاوز ايه .
زين متذكرًا ما حدث :
– اسكت بقي يا حسام ، وكفايه عليه اللي هو فيه ، علي الله يقدر يحس ويتعدل عن كده ..
رغم عدم رؤيته له ، إلا انه مالك أيقن نظراته الحانقة تجاهه ، تعمد مالك الجلوس امامه يريد منه ان يخلصه من حياته هو الآخر ، شحب وجهه وبدا عليه التعب ، وتأمل حوله ليتأكد مما حدث ، فلم يدرك حتي الآن عدم رؤيته لوالدته ، وأختفاء ذلك الحضن الدافئ الذي أبعده بيديه ، واستشعر الوحده عن ذي قبل .
نهض مالك وابتعد قليلاً يريد محادثه نفسه الحزينة ، وقف بمفرده ليطلق العنان لعبراته في التصبب علي وجهه ، نظر امامه متنهدًا بحزن ومخرجًا لأنين البكاء ،ثم وضع كلتا يديه علي رأسه وهتف ببكاء جلي :
– الله يرحمك يا ماما ، يا ريت تسامحيني ………..
_______________
___________
______