فريسه للماضي
فريسـة للمـاضـــي
ـــــــــــــــــــــ
قامت بنفسها بجمع ملابسه في تلك الحقيبة ، انتهت نور تقريبًا من وضع ما يخصه متعمدة بُعْده عنها ، ارادت إختباره في تلك المسألة التي تستولي علي كامل تفكيرها رغم إدراكها بمدي الحب الذي يمنحه لها ، فأضطرت مُجبرة لذلك مُرغمة نفسها في البُعْد عنه ، وتمنت من قلبها أن يعارض بأفعاله تلك الظنون التي تجتاح رأسها وتشغل فكرها ، اوصدتها نور وقامت بوضعها علي الأرضية لكي يأخذها معه ، جلست علي طرف الفراش تتنفس بهدوء لتتهيأ لمفاتحته في الأمر ، وتدعو ان يتم تنفيذ ما انتوت له ويخوض ذلك الإختبار الدَامِغ لعلاقتها معه ، نظرت نور أمامها وهتفت بتمني :
– يا تري يا زين لو بعدت عنك هتبص لغيري ولا هترجعلي وتبقي ليا لوحدي .
قالت جملتها وأخرجت تلك التنهيدة العميقة لتخرج أوجاعها الجاثية علي صدرها ، نهضت من مكانها وتفاجئت بدخوله عليها ، تقدم زين منها وهو يتأمل هيئتها المتصلبة والغير مفهومة ، دنا اكثر منها وتشدق قائلاً :
– ايه يا نور ، انتي …..
بتر جملته عندما لاحظ تلك الحقيبة المسنودة بجانب الفراش ، تطلع عليها بعدم فهم ، ثم وجه بصره لنور محاولاً كشف مايدور عقلها ، وقفت نور امامه راسمه للتعابير الجادة التي تعجب منها ، فقد بادر هو باكمال حديثه مستفسرًا وهو يشير علي الحقيبة :
– أيه يا نور الشنطة دي ، انتي رايحة في مكان .
– بتاعتك ! .
قالتها نور باقتضاب وهي تتطلع عليه بالجدية الزائفة علي تقاسيمها ، وعن زين ظلت انظاره متجمدة عليها غير مستوعبًا ما تفوهت به ،لم يضع في مخيلته وصول الأمر لذلك الوضع برغبتها في ابتعاده ، وبقيت نور كما هي بملامحها الجادة بعكس الذبذبات التي تتخلل داخل اعصابها ، نكس زين رأسه وضم شفتيه مبديًا حيرته في أمرها ، رفع بصره نحوها وسأل بايجاز :
– ليه ؟ .
ردت بجمود زائف :
– خدها وأمشي ، روح العوامة اقعد هناك ، انا مش عايزة نبقي مع بعض اليومين دول .
نظر لها باستغراب وهو يقترب منها ، قال بضيق :
– يعني ايه مش عايزه نبقي مع بعض ، وكل دا علشان ايه ، انا عملت ايه يضايقك مني ، طول عمري بعملك اللي انتي عوزاه ، اثبتلك حبي بأيه اكتر من كدة ، انا عمري ما زعلتك او قولتلك لأ في اي حاجة .
كان صوته يعلو تدريجيًا معلنًا عصبيته من تفكيرها الجهول حول علاقتهم سويًا ؛ وانفعلت هي الأخري رغم توترها الداخلي وقالت بامتعاض :
– خدها وامشي ، انا عايزة نبعد عن بعض شوية ، انا متضايقه وحس بيا ، وياريت تخرج من الفيلا كلها .
جاهد زين في التحكم في عصبيته لعدم احتدام المشادة الكلامية بينهم ، ثم اقترب من تلك الحقيبة ورفعها بيده عن الأرضية وتوجه للخارج مسرعًا بدون كلمة أخري ، تعقبته هي ببصرها وأبدت تعاطفها معه ، وهداها تفكيرها للركض خلفه ومنعه من تركها ، وتحكمت بصعوبة في ذلك والزمت نفسها باكمال ما بدأته لإزالة الشكوك المكنونة بداخلها………
_______________________
وقفت نهلة مصدومة من وجود ميرا وكشفها لرغبتها في اقامة علاقة سرية مع زوجها ، ابتلعت ريقها متوجسة من ردة فعلها نحوها ، التفتت لوليد وجدته هادئ ، ولم يبدي خوفه او انصدامه من وجودها ، حاولت فهم ما يدور حولها خاصةً نظرات ميرا المسلطة بغضب نحوها فقط ، زادت حيرتها وهي تتجول ببصرها عليهم ، اقتربت ميرا منها بخطوات متباطئة مريبة البكتها ، ولوت ثغرها بابتسامة لا تعرف نهلة ماهيتها حتي الآن ولكنها أججت اضطرابها الداخلي ، وصلت ميرا امامها وهتفت مستهزئة :
– كل سؤال بيدور في راسك هجاوبك عليه ، ثم اقتربت من وليد وما زالت انظارها واقعه عليها كالسهام التي تخترق جسدها ، وضعت ميرا يدها علي كتف زوجها واكملت بنبرة ذات مغزي :
– انتي مفكره ان جوزي ممكن يخوني ، تبقي بتحلمي ، وليد هو بنفسه اللي قالي علي اللي انتي عوزاه منه ، تابعت زاممة شفتيها بحزن زائف :
– وقالي انه ضعف قدامك ، بس انا مش هلومه لأني قصرت معاه ، ثم حدجتها بنظرات نارية وتابعت بانزعاج :
– بس انا قصرت معاكي في ايه علشان تبصي لجوزي ، دا جزاتي اني دخلتك بيتي وعملتك صحبتي وامنتك علي كل حاجة ، حتي ابني كنت بسيبه معاكي ، وكل شوية تيجي عندي وانا كنت غبية وصدقت انك بتحبيني ، وانتي كنتي بتفكري ازاي تقربي من جوزي ، صمتت ميرا تلتقط أنفاسها وما زالت ترمقها باستهجان بائن قبل ان تتابع ساخرة منها :
– بس جوزي مبيخبيش عني حاجة ، وهو بنفسه اللي قالي علي علاقتكم وتسجيلك معاه…..
فـــلاش باگــ ……
توغلت بأصابع يدها في شعره ويعلو ثغرها ابتسامة هادئة ، نظر لها وليد مبتسمًا بصعوبة ، دنت ميرا منه مندهشه من صمته وحدثته متسائلة :
– ايه يا وليد ، اول مرة أشوفك ساكت كدة ، فيه ايه يا حبيبي .
ابتلع وليد ريقه وأخذ نفسًا طويلاً قبل ان يجيبها بعدما تواعد امام نفسه أولاً باخبارها :
– ميرا انا كنت عايز أقولك علي حاجة بس مش عايزك تزعلي مني ، نظر لها وتابع بتمني :
– وعايزك تفهمني كويس ، وتحسي بيا ، وقبل كل دا عايزك تعرفي اني بحبك قوي .
بدا من ملامحها انها تنصت إليه جيدًا وترقبت حواسها للإنصات الكلي لما سيقوله ، فأكمل وليد بحذر متهاديًا في اعلان ما فعله حتي لا تفهمه بطريقة أخري :
– انا عملت حاجه وعايزك تسامحيني عليها ، انا عمري ما فكرت أخونك بعد ما بقينا مع بعض ، صمت قليلاً حين وجد صعوبة في اعلامها بالأمر ، بينما نظرت له ميرا محاولة الثبات رغم خوفها الداخلي من تلك الكلمة التي هتف بها “خيانة” ، وتوجست من فعله لها ، أحس وليد بها ولذلك استطرد موضحًا بجدية :
– انا مخنتكيش يا ميرا ، بُعْدك عني خلاني ضعيف قوي ، ولازم تعرفي اني غلط وعايزك تسامحيني ، ولازم تاخدي بالك من نهلة كويس ، لانها مش أمينة يا ميرا .
حدقت فيه بصدمة وقالت :
– نهلة !..
اومأ برأسه ورد بمعني :
– نهلة حاولت تقرب مني ، وانا ضعفت قدامها علشان اهمالك ليا وصلني اني اطاوعها ، لاني كنت حاسس انك بعيدة عني ، وانا راجل يا ميرا ، ومراتي بعيدة عني .
ضمت شفتيها متفهمة لحديثه ، فكما أخبرتها والدتها من قبل حدث بالفعل ، واضحت مُلامه علي ذلك ، ولكن ما اراحها اعتراف زوجها الصريح لها ، لذلك قالت بتروي :
– وانت قابلتها يا وليد ، فيه بينكم حاجة .
نفي سريعًا :
– محصلش يا ميرا ، هي بتلح عليا نتقابل وانا اللي رافض ، وانا مش عارف اخليها تبعد عني .
ميرا بتعجب :
– يعني ايه واحد مش عاوز واحدة وهي تفضل تجري وراه !، وكمان مش عارف تخليها تبعد عنك ، ازاي الكلام ده ؟! ..
وليد موضحًا :
– اصلها بتهددني بفيديو معاها وانا وهي بنتواعد علي اننا نتقابل عندها .
ثم قام بقَص مقابلاتها الكثيرة التي باتت تهدده بها ، تفهمت ميرا الموقف ، ورغم ضيقها مما حدث ، شفع له اعترافه لها ، واتفقت معه علي توقيعها في شر أعمالها كونها كانت تعتبرها رفيقتها المقربة ….
بــاگــ …..
تصلبت نهلة موضعها وحاولت ابتلاع ريقها من حلقها الذي جف من هول الصدمات التي تراكمت عليها ، نكست بصرها للأسفل خجله من وضعها في ذلك الموقف المشين ، ولم تعد قادرة علي المواجهه ، ولذلك بادرت بترك المكان لهما خاصةً بعد رؤيتها لأخلاصه لزوجته ، نظر لها وليد نظرات متأسفة ، فابتسمت ميرا له وهمت باحتضانه ، فضمها الأخير اليه بحرارة وحدث نفسه بحبور جم :
– شكرًا يا مالك ، انت اللي ساعدتيني اخلص من المشكلة دي ..
فــلاش بــاگــ……
مالك بنبرة ذات مغزي :
– قولي مين المزة اللي لسه خارجة من عندك دي .
رد وليد بتوتر ملحوظ :
– دي واحدة كدة كانت جايه في شغل يخصها وكدة .
مالك مضيقًا عينيه ، رد بجدية :
– انا عارفها يا وليد ، دي نهلة صاحبة ميرا أختي ، شوفتها في العزا بتاع بابا .
تحركت شفتا وليد بتلعثم واضح وهو يجيب عليه ، فرمقه مالك قائلاً بمعني :
– قولي يا وليد فيه ايه ، والبنت دي عاوزة منك ايه بالظبط ، استأنف غامزًا :
– يمكن أقدر أساعدك .
وليد متنهدا بحزن :
– حاضر يا مالك ، هقولك علي كل حاجة ………..
______________________
بعد مرور يومين ، في لوكاندة ما “فندق اقل مستوي” جابت هايدي الغرفة ذهابًا وإيابًا وهي تزفر بانفعال جلي منتظرة قدومه علي جمر ملتهب اسفل اقدامها ، تأففت بقوة وهي تتأمل تلك الغرفة الرديئة التي خصصها للمكوث فيها ، لكي يتواري كلاهما عن انظار الشرطة التي حتمًا تبحث عنهم ، ظنت هايدي انتهاء ما ازمعت له وانطلاقها لحياة جديدة في مكان آخر ، ولكن الأمور انقلبت بفضل تلك المرأة الدخيلة التي عاقت تنفيذ أحلامها ، وتوجست اكثر كونها ما زالت علي قيد الحياة ، وربما دَلّت عليهم ، ظلت تزفر مرارًا وتكرارًا بقوة لتفرغ شحنة الغضب بداخلها ، لفت انتباهها صوت فتح الباب عليها ، فنهضت علي الفور مترقبة دخوله عليها ، ولج سامي حاملاً بعض الطعام في يده وملثم وجهه بعض الشيئ بتلك الكوفية الصغيرة، هرعت هايدي تجاهه وهتفت بلهفة وهي تسأله :
– عملت ايه يا سامي ؟..
تدرج للداخل وهو يلتقط انفاسه ورد وهو يجلس :
– براحة يا هايدي ، آخد نفسي الأول .
هتفت هايدي بتذمر جم :
– نفس ايه بس ، دا انا اللي نفسي هيروح مني ، قولي عملت ايه ؟.
رد وهو يرمقها بنظرات خبيثة ذات مغزي ويعلو فمه ابتسامة فرحة :
– ماتت ..
هايدي بفرحة هتفت بعدم تصديق :
– بجد يا سامي ! .يعني خلاص ماتت وخلصنا منها .
سامي بابتسامة واسعة اظهرت فرحته :
– ماتت يا حبيبتي وأحنا بقينا في السليم .
جلست بجانبه وقالت بحبور شديد :
– الحمد لله ، انا كان قلبي هيقف ، تابعت بتساؤل وهي تحدق تلك الغرفة باحتقار :
– واحنا هنمشي من القرف دا امتي ، مش المفروض احنا بقينا تمام ، يبقي نروح نقعد في مكان تاني انضف من دا .
رد نافيًا بنبرة جادة :
– لا يا حبيبتي ، احنا برضو لازم نخلي بالنا ، منضمنش الظروف فيها ايه .
هتفت متسائلة بتأفف :
– طب وهنفضل كده لحد أمتي ؟ ، انت مش قولت هنسافر ! .
حرك رأسه قائلاً بمعني :
– هنسافر يا حبيبتي ، علي ما تخلص اوراقنا هنكون خالعين من هنا .
زمت شفتيها بقوة منزعجة ، بينما اثني الأخير زوايتي شفتيه بابتسامة ماكرة ، وقال بمغزي :
– متقومي تجهزيلنا لقمة كدة ، وتفتحيلنا ازازة الشمبانيا اللي انا جايبها ، دا حتي من النوع المفتخر .
هايدي بمياعة بائنة :
– اهو انت كدة ، مش بتفكر غير في مزاجك وبس .
سامي غامزًا بعينه :
– وانتي بقي مزاجي يا جميل………
_________________________
أتي معتز لمنزله بعدما علم بوفاة رودي كي يُخبر زوجته ، فكر مليًا في الأمر واضعًا في اعتباره أمر حملها ، ولكن لزامًا عليه ان يُعلمها بمستجدات الموضوع حتي تكون علي علم بما سيحدث بعد ذلك ، رأته سلمي وهي تدقق النظر في هيئته التي وترتها ، وسألته بحذر وهي تتوجس من انقلاب الموضوع عليها :
– ايه يا معتز ، الست اعترفت ؟ .
رسم ابتسامة باهتة علي محياه قبل ان يرد بنبرة اقلقتها :
– انا مش عايزك تقلقي يا سلمي ، ان شاء الله خير والحقيقة هتبان .
تغيرت تعابيرها تدريجيًا للتجهم ، وحركت رأسها وهتفت بانفعال جلي :
– يعني يا معتز ، حصل ايه انا عاوزة اعرف ، انت مش قولت ان هي هتعترف وانا هخرج منها ، هي انكرت !! .
وضع يديه علي كتفيها وضغط عليه قليلاً ، ورد بنبرة هادئة لتهدئة انفعالها :
– اهدي يا حبيبتي ، الست ما انكرتش …
قاطعته بعصبية :
– اومال ايه ؟ .
معتز بنفس نبرتة الهادئة وضح :
– يا حبيبتي الست ماتت ، واحنا دلوقتي مش ورانا غير اننا ندور علي السكرتيرة بتاعتها ، هي دي اللي معاها اللي يثبت براءتك ان شاء الله .
سلمي مستفهمة بحزن وقد اوشكت علي البكاء :
– وانا دلوقتي موقفي ايه بعد ما ماتت ، هتحبسوني ولا ايه ؟..
معتز بابتسامة زائفة وهو يملس بيديه علي كتفيها :
– انا قولتلك قبل كدة متخافيش وانا معاكي ، هما عارفين انك مراتي ، واكيد مش مراتي انا اللي تعمل كدة ، وانا بنفسي اللي ماسك الموضوع ده ، تابع بنبرة جادة :
– ومش هسيب الموضوع دا غير لما اقبض علي المجرمين اللي عملوا كدة .
سلمي بارتياح بعض الشئ :
– صحيح يا معتز ، يعني مش هيحبسوني ، وهطلع براءة .
معتز مؤكدًا بجدية :
– صحيح يا سلمي ، مبقاش انا معتز ان ما قبضت عليهم ……..
______________________
بداخل شركة زين ، وقفت نور بصحبة ابنة عمها بداخل مكتبها الجديد الذي أصرت علي تجهيزه لها ، كما باشرت بنفسها علي سير العمل به حتي الانتهاء كليًا منه ، تأملته نور باعجاب وهي تتجول ببصرها في جميع مقتنياته الحديثة ، وتعمدها وضعه بجانب زوجها ، فرغم بُعْدها عنه الفترة الماضية إلا ان مشاعر غِيرتها عليه تغلبها ، وقفت مريم خلفها وهي تلوي زاوية شفتيها بابتسامة ذات مغزي ، استدارت نور تجاهها وهتفت وهي تضحك فرحه :
– ايه رأيك يا مريم ، دا ذوقي انا .
تحركت مريم للداخل ناظرة حولها ، ثم وجهت بصرها تجاهها وردت مظلمة عينيها بمكر :
– وليه بقي حطيتي مكتبك جمبوا ، انتي مش قولتيلي انكوا متخاصمين .
ردت بارتباك وهي تزدرد ريقها :
– لا ..اصلي .ملقتش مكان تاني احسن من ده .
مريم بابتسامة ماكرة مبدية عدم اقتناعها :
– طيب ، ثم استأنفت بجدية :
– قوليلي بقي هتعملي ايه بعد كدة ، انتي عارفه ان انتي ما ينفعش تدخلي في حاجة ، وزين هنا اللي كلامه ماشي .
زمت شفتيها بضيق فهي علي علم بكل ذلك رغم شراكتها معه ، استندت بيدها علي المكتب وقالت وهي تنظر امامها بنبرة عازمة علي فعل شئ ما غامض :
– بس انا مش هفضل كدة ، ولازم اعرفه ان انا كلمتي ماشية زيه بالظبط ………
________________________
ظلت في المرحاض وقتًا لا بأس به ، خرجت هانا منه بوجه شاحب يبدو عليه الوهن ، وضعت يدها علي بطنها بعدما أفرغت ما في معدتها ، سيطر عليها شعور الغثيان منذ افاقت من نومها ، جلست امام المرآه ناظرة لوجهها المُتعب ، وعلي الفور تفهمت ما تمر به ، وتمنت ألا يصح حدسها كونها تحمل بداخل أحشاءها طفلاً منه ، اخرجت تنهيدة مكتومة منزعجة بما يحدث لها ، وادركت عدم رغبته في وجود ما يربطهما سويًا ، وعدم نيته في الزواج منها بعدما بدت رخيصة امامه واضحت دميته المفضلة التي يفرغ فيها نفسيته المريضة ، انكمشت في نفسها وهي تحاوط بطنها بذراعيها ، وطأطأت رأسها حزينة ، وتفاجئت به يضع كلتا يديه علي كتفيها ، تسائل ماجد بوجه مقتطب :
– انتي تعبانه ولا ايه ؟ .
نهضت هانا ورسمت القوة علي جسدها المتعب وردت نافية بنبرة سريعة :
– لا انا مش تعبانة ، انا بس مصدعة شوية وكدة .
ابتسم ماجد ومرر يديه لتلتف حول عنقها ، وقال بمعني :
– اجيبلك الدكتور ا…..
قاطعته معترضة :
– لا لا لا ..انا كويسة ، دا صداع بسيط وهيروح دلوقتي .
ماجد وهو يتأمل وجهها الباهت :
– بس شكلك تعبانة قوي ، انا خايف عليكي .
سخرت في نفسها لما تفوه به ، وردت بلا مبالاة :
– انا كويسة ، لو تعبانة هقول .
بدا علي ماجد عدم الاقتناع وهو يحدق فيها ، وتفهم عدم تصديقها لخوفه عليها ، فهو بالفعل قلقًا علي حالتها التي جعلته يشك في أمرها ، وقال بجدية في كل كلمة يهتف بها :
– انا عايزك تعرفي اني بحبك ، واني بجد خايف عليكي .
اومأت رأسها بابتسامة باهتة لتبين له اقتناعها بحديثه وقالت :
– ايوة يا حبيبي عارفه ، ربنا يخليك ليا .
ضمها اليه وهو يملس علي ظهرها بهدوء ، وهتف بهمس :
– ويخليكي ليا يا حبيبتي …….
______________________
رأته في الممر المؤدي لمكتبهما سويًا ، تقدمت نور منه وهي تدقق النظر في وجهه الذي بدا حزين امامها ، دعست علي قلبها من رؤية حالته تلك ، وقررت اكمال ما بدأته ، نظر لها الأخير بهدوء ظاهر وهي تتقدم منه ، وقفت نور أمامه وقالت بعدم رضي :
– انت تعبان ولا ايه ، شكلك عامل كدة ليه .
سلط بصره عليها وبدت ملامحه غير مفهومة لها ، وتعمد الصمت فهي من اوصلته لحالته تلك كما تعودت سابقًا ، فاستأنفت نور وهي امامه مباشرةً :
– انت عامل في نفسك كدة ليه ، متعيش عادي حياتك ، عايز تعرفني انك مش قادر علي بُعْدي .
كتم غيظه منها واخفي رغبته فيها ورد بجمود :
– عايزه ايه ، انتي مش سيبتيني لوحدي ، تابع بسخط :
– لا وكمان عاملة مكتب جمبي ، ولا حتي سألتيني ولا خدتي رأيي في اي حاجة ، استأنف بضيق داخلي :
– بس اما اشوف اخرتها معاكي ايه .
تأملت وجهه حين يتحدث ، وتنهدت بضيق مُأنبه نفسها ، ونسيت عنادها واظهرت قلقها عليه حينما وضعت يدها علي وجهه وقالت بقلق بائن في عينيها أسعده :
– شكلك مش بتاكل كويس ، انت خسيت في يومين ؟! .
امال بصره تجاه كفها الموضوع علي وجهه ، ونظر اليها بابتسامة خفيفة ماكرة ورد :
– يعني انتي خايفه عليا .
انتبهت نور لنفسها وردت بارتباك وهي تزيح يدها :
– عادي ، انت مش جوزي ولازم اسأل عليك .
زين بانزعاج ملحوظ :
– ولما انتي فاكرة اني لسه جوزك ، بتعملي معايا كدة ليه ، ايه اللي بيغيرك معايا ، تابع بسخرية :
– ولا انتي لسه معندكيش شخصية و….
قاطعت معنفة إياه بغضب :
– مش عايزه اسمع الكلمة دي تاني ، انا محدش بيقولي حاجة ، وانا مبقتش صغيرة علشان اسيب حد يتحكم في حياتي ، استطردت باهتياج :
– وانا غلطانه اني واقفه معاك وبسأل عليك .
استدارت لتتركه ولكنه أمسك ذراعها بقوة وقربها منه قائلاً بغيظ :
– ماشي يا نور ، بس مش هتبعدي كتير ، انا سايبك براحتك خالص بس بمزاجي ، وبمزاجي انا هترجعيلي ، ومتفكريش انك بتمنعيني عنك ، انا لما اعوزك محدش هيقف قدامي .
ثم ترك ذراعها ودلف داخل مكتبه ، راقبته نور بوجه عابس وهتفت بمقط :
– ماشي يا زين ، هنشوف هتقربلي ازاي…….
________________________
شعرت ساره بالاغْتِبَاط لعدم حضور نور لتناول الغداء ، وذلك لإصرار فاضل علي حضور مالك اليوم ، فرحت ساره داخليًا لوجوده معهم ، وما زاد سعادتها تقَبُل والدتها له وبدأت تتحدث معه متناسية ما كان يفعله ، جلس ثلاثتهم علي طاولة الطعام يتناولونه في صمت ، وظلت هي تخطف بعض النظرات نحوه ، والتي أحس بها وخانته عيناه في النظر إليها هو الآخر ، كسر جلستهم الصامتة فاضل عندما حدثه بجدية :
– انا بقول يا مالك تيجي تقعد معانا هنا ، ماينفعش تقعد لوحدك كدة ، انا مش عاجبني الموضوع ده .
تنحنح مالك قبل ان يرد بتردد :
– عادي يا خالو ، انا اتعودت .
رد محتجًا :
– لا مينفعش ، انت لازم ترجع تقعد معانا هنا زي الأول .
مالك بتوتر بعدما القي نظرة خاطفة علي فاطمة :
– مش هينفع يا انكل ، انا مش عايز اضايق حد من وجودي .
رد فاضل متفهمًا سبب رفضه ، وهو وجود فاطمة وأيضًا زين ونور :
– لو قصدك زين ونور ، هما هيسيبوا هنا ، وهيرجعوا العوامة ، زين هناك بقاله يومين ، وأكيد نور هتروح وراه .
تحركت شفتاه بالرد ، فقاطعة بنبرة اصرار قوية :
– انا قولت كلمة وخلاص ، ثم وجه فاضل بصره لفاطمة واضعًا في اعتباره وجودها هي وأبنتها ، وقال لها متسائلاً وهو يتمني داخليًا عدم اعتراضها :
– ولا ايه يا فاطمة ، ايه رأيك لو مالك قعد معانا ؟ .
سلطت ساره بصرها عليها منتظرة قرارها الذي يعني لها الكثير ، فردت بموافقة علي الفور شاعرة برغبته في ذلك :
– انا معنديش مانع يا فاضل ، اللي تحبه تعمله انا موافقة عليه.
فاضل مبتسمًا بامتنان :
– ربنا ما يحرمني منك يا رب ،ثم ادار رأسه لمالك وتابع بجدية :
– خلاص يا مالك ، جهز نفسك نفسك وتعالي اقعد معانا زي الأول .
اماء رأسه بموافقة ورد بطاعة :
– حاضر يا خالو.
لم يشعر أحد بكم السعادة التي اجتاحت كيان سارة من رؤيتها له يوميًا وبالتالي تعميق ارتباطهم عن ذي قبل ، وتذكرت في فكرها وجود نور ، واخذت قرارها بضرورة تركها للفيلا هي الأخري ……
______________________
انصدمت صديقتها من فكرتها التي ربما تثير المشاكل لكليهما ، خاصةً معرفتها بشخصية مايكل العنيفة ، نظرت لها الاخيرة رافعة رأسها بنظرة ماكرة ، واعتزمت تنفيذ خطتها التي ادركت نتائجها من الآن ، وحتمًا سيعود اليها راكعًا بعدما استهجن بها ، فحركت الأخري رأسها غير موافقة علي أفعالها ، وهتفت بتوجس بائن :
– Which you do wrong , christine..
( الذي تفعلينه غلط كريستين ) ..
ردت بلا مبالاة تحمل عنادها :
– I have made my decision..
(لقد أتخذت قراري )..
ردت بيلا بجدية ذات معني :
– Michael will not be silent , He is fierce ..
( مايكل لن يسكت ، انه شرس )..
قهقهت كريستين عاليًا ساخرة بما تفوهت به ، وهتفت بنبرة قوية :
– He will not do any thing .
( لن يفعل شيئًا )..
استأنفت بنبرة واثقة :
– on the contrary , he will know my values.
(بالعكس ، سيعرف قيمتي )..
قالت بيلا بعدم اطمئنان بائن :
– I’m scared , this is a difficult step..
(انا خائفة ، انها خطوة صعبة ) ..
كريستين بنبرة مطمئنة ذات معزي :
– don’t be afraid , the important , do what i ask of you..
( لا تخافي ، المهم ..ان تفعلي ما أطلبه منكِ )..
قطبت بين حاجبيها وهتفت بتساؤل :
– what do you want me to do ?..
( ماذا تريديني ان أفعل ؟)..
اثنت شفتيها للجانب بابتسامة ذات مغزي وهتفت بمكر :
– listen………………..
(اسمعي………………..
________________
____________
________