رواية حب تحت الرمال
الفصل التاسع
¤ أميره تنقُصها الأسطوره ¤
————————–
تفقدت نوف خزائن المطبخ و محتويات الثلاجه ، و من ثم جلست على المائدة الصغيره الموجوده في إحدى زوايا مطبخهم الفسيح لتدون ما ينقصها من حاجيات لزوم إعداد طعام كاف لضيوف والدها .
بعد ربع ساعه انتهت من مهمتها و انطلقت بسيارتها إلى السوبرماركت القريب من سكنهم ابتاعت حاجياتها و عادت ادراجها إلى البيت .
في الداخل وجدت تركي جالسا على أحد المقاعد في الحديقه و في يده عصفور ، أمعنت النظر لتجد أنه عصفور الكناري ذو اللون الأزرق السماوي خاصتها ، هرولت صارخه : شنو تسوي رجعه مكانه.
انتبه تركي لصراخها ، قال محرجا : بعتذر منك بس لونه كتير رائع ..
نوف بعصبيه : طب رجعه الحين خلاص مش شفته..
أومأ تركي معيدا العصفور إلى قفصه ، قائلا : انا راح ساعدك فالاغراض.
انتبهت نوف أنها ألقت جميع الأكياس عند هرولتها في اتجاه تركي .
نوف : ما في داع أنا راح دخلهم جوه .
تركي : ما يصير ، و تقدم جامعا الأكياس الملقاه على الأرض ، و استبقها إلى المطبخ واضعا الأكياس على المائده .
تبعته نوف : شكرا تبعتك وياي .
أومأ تركي : تعبك راحه ..
هم بالمغادره و لكن استوقفه رنين هاتف نوف ، و التي ما إن رأت رقم المتصل حتى أشرق وجهها بابتسامه عريضه ، و كأنها نست العالم من حولها ، أجابت بسرعه : أنس …
لم تكمل جملتها و بسرعه تبدلت ابتسامتها بخيبة كبيره و انزعاج باد على وجهها.
همت بالحديث و لكن انتبهت لوجوده ، فاستأذنت مهروله إلى الطابق العلوي.
ركل تركي الباب بقدمه ، فعروسه المنتقاه من قبل والده و التي دق قلبه لها ، للاسف قلبها مشغول برجل اخر اسمه أنس.
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
نظرت خديجه لابنائها الثلاث الملتفين حول مائدة الافطار و قالت : مالكم كلكلم مكلضمين كده ليه ..!
تبرع لؤي باجابه : ابدا يا ست الكل كلنا بس مضغوطين ما انتي عارفه امتحانات و كده ..
خديجه : و يحيى مالك ؟ ايه عندك امتحانات انت الاخر..!
ألقى يحيى نظره على والدته و قال : لا يا أمي ده انا حتى عندي خبر حلو جدا…
خديجه بحماس : و ساكت ….. ما تقول يا بني و فرحنا.
شعر يحيى بتأنيب الضمير ، نظرا لانشغاله الكلي بحماقته ، نعم حماقته مع جارته فاتن ، لدرجة ان ينسى اخبار والدته بقبولهم لدى الشركه الكوريه ، فلقد كانت هي الأخرى تنتظر النتيجه على أحر من الجمر..
يحيى : الشركه الكوريه قبلت إننا نكون تحت رعايتها …
زغردت خديجه فور سماعها الخبر ، و نهضت من مقعدها محتضنه يحيى : الف مبروك يا حبيبي الف مليون مبروك..
ربت يحيى على رأس والدته و قام بتقبيل يدها و قال : الله يبارك فيكي ده بركة دعاكي يا ست الكل..
قال عبدالرحمن : و الله كل اللي بتعمله ده عالفاضي ، شركة برمجه فمصر ، يعني الناس هنا هتسيب الياباني و الكوري و تشتري المصري ، بلاش تضيع وقتك يا بني ..
لؤي مدافعا : ازاي يا بابا تقول الكلام ده ، احنا عندنا عقول أحسن من بره مليون مره ،بس للاسف مفيش فرص فالبلد ..
قاطعه عبدالرحمن كعادته : مفيش فرص ، دي حجتك ، عدت ثانوي مرتين عشان مفيش فرص..
قهقهت ديما بصوت خفيض ، لتلفت انتباه لؤي ، مما أمعن لديه شعور الخزي فللمره الثانيه يهينه في وجودها ، لم يعِ لم يغضبه الأمر كثيرا فلقد اعتاد طبع والده ، الذي لم يقتصر فقط على احراجه و لكن مقارنته المستمره مع أخيه الأكبر … و لكن لسبب ما لم يشأ أن تشوه صورته في نظر ابنة خالته الصغرى …
همس لؤي بحنق لديما الجالسه بجواره : طب مش هاخدك الكليه انهارده ..
لوت ديما شفتيها : الله انت زعلت ، ده عمو بيهزر عادي يعني …
خديجه بضيق : بتتودودو فايه انتو الجوز !
ديما بانزعاج طفولي : آل مش هياخدني الكليه انهارده ..
خديجه باستغراب : هو انتي مش ناويه تيجي معايا المستشفى تشوفي ابوكي ..
ديما : لؤي وعدني ياخدني الكليه وبعديها نعدي على بابا عشان هو كمان يزوره .
نظرت خديجه لابنها بضيق و قالت بسخريه : و من امتى ان شاء الله بتتفقوا سوا كده ..و مش مديني خبر هتروحوا فين !
عبدالرحمن باستهزاء : هو لو كان يفهم فالاصول زي يحيى كان يعرفك اول باول..
تنهدت ليلى و التي كانت غارقه في بؤسها الخاص و قالت : الحمد لله شبعت و غادرت المائده.
ليقول لؤي متعمدا استفزاز ديما : شوفي ليلى كلت زي العصفوره و قامت ، كده بيعملوا البنات الامامير مش زيك لسه بتضربي فطبق الفول ..
نهره جميع مَن على المائده ، و لكن حديث اليوم وسخرية والده كانت فوق الاحتمال ، أراد أن ينفث عن غضبه و لم يجد صيدا سهلا سوى ديما ..
غادرت ديما المائده و الدموع تملأ عينيها ، قال لؤي : ما انتي السبب يا ماما..
شهقت خديجه : شوفوا الواد ..انا السبب ازاي يعني هو انا اللي كسفتها..!
لؤي مدافعا : ما هو كله بسبب الكلام اللي قولتيه قبل شويه ، هو انا هاكل بنت اختك دي زي اختي …
خديجه : ربنا يهديك يا بني …
يحيى : ابقى اعتذرها على الي قولته ما انت عارف هي اد ايه حساسه عشان وزنها..
لؤي بحنق : حاضر من عنيا ، انت تؤمر و احنا فالخدمه ، ما انت مفيش زيك اتنين..
عبدالرحمن بغضب : عيب عليك تكلم اخوك الكبير بالاسلوب ده ..و فوجودي كمان !
لؤي : لا اله الا الله ، هو مفيش حاجه بقولها تعجب..
يحيى : معلش يا بابا ده بيهزر متاخدش فبالك
لؤي : انت بجد مستفز
يحيى : هي طالبه خناق معاك عالصبح و لا ايه
عبدالرحمن : سيبك منه يا يحيى ، ده ممنوش فايده ..و الحمد لله اتسدت نفسي..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
نهض عبد الرحمن فاتجاه الصاله ليقرأ الجريده كعادته ، و بقى كلا من يحيى و لؤي .
نظر يحيى أمامه لتتلاقي نظراته بأخيه ليرى الألم في عينيه ، لثوان لمح ضعف أخيه و حاجته لكلمة ثناء او شكر من والده ، و لكنه سرعان ما أخفى تلك النظره و حل مكانها نظرة اللامبالاه ..
و في محاوله منه لتخفيف حدة الموقف و الذي تأزم بدون سبب واضح ، قال يحيى : انا اسف مكنش لازم انتقدك ادام بابا انا عارف انه قاسي عليك بزياده بس انا متأكد هو بيعمل كده عشان مصلحتك…
قاطعه لؤي : بس يا يحيى الله يخليك ، انا مش محتاج شفقه من حد و بكره هاقدر اثبت نفسي و يعرف ازاي كان غلطان فحقي ..
أومأ يحيى ثم قال : اقولك حاجه و متزعلش مني..
لؤي بامتعاض : قول و اشجيني
يحيى : اهو… شايف اسلوبك ، ده اللي كنت هقوله ، انا حاسس انك بقيت مش طايئلي كلمه و كأني عملت حاجه زعلتك ، لو مدايق مني فحاجه يا ريت تفضفض و تقولي ، و انا اوعدك مش هازعل..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
كلمات يحيى كانت كالسوط تجلد ضميره ، فأخيه لم يخطىء يوما في حقه بل على النقيض دوما ما وقف بجواره في أحلك لحظات حياته تعاسه ، عندما أتاه خبر رسوبه للمره الثانيه في الثانويه العامه ..
تحسر لؤي على تلك الأيام ، فحينها و رغم المصيبه التي حلت به ، كان يكن حبا و احتراما كبيرا لأخيه و لكن اليوم لم يعد ذلك الحب او الاحترام بنفس الدرجه و العله تكمن في مقارنات والده الدائمه له بيحيى ..
شيئا فشيئا بدأت مشاعر أخرى تتسلل إلى نفسه ، و أبرزها و أشدها هي النقمه عليه و على حب و احترام والده له …
قال لؤي شاعرا بالضيق : ابدا مفيش حاجه معينه بس أنا مخنوق شويه مالكليه و معلش بطلع غلبي فيكم
يحيى : طب يا سيدي طلع غلبك براحتك بس سيبك من ديما دي حساسه اوي
لؤي : انا هاقوم اهو وا صالحها
ابتسم يحيى قائلا : انا لو منها مبصش فوشك تاني
لؤي بثقه : لا انسى ديما لا يمكن تعمل كده ، هما كلمتين و آكل بعقلها حلاوه..
و بالفعل توجه لؤي إلى غرفة أخته ليلي ، طرق الباب ، لتأذن له ليلى بالدخول ..
فتح لؤي الباب و قال : معلش يا ليلو انا عارف عندك مذاكره ياما ، بس في حد هنا مقموص و لازم استمسحه
ابتسمت ليلى و قالت : مفيش حد هنا مقموص ، كلنا زي الفل اهو ، و لا ايه يا ديما ؟
قالت ديما المنشغله باحدي الالعاب على هاتفها : اها ، اصلا مفيش حد يستاهل نزعل عشانه
ليلى : شفت محدش زعلان يلى بقى متعطلناش
لؤي و قد فطن لشيء ما : الله ايه الحكايه
ديما : و حياتك يا ليلى تيجي تكملي الLevel ده معايا ….عشان وحش اووووووووووي
ليلى : اها الLevel التاني ، فعلا بشع جدا
ديما : جدا و قليل ذوق و تحسي انه ناقصه تكه و يقلب ليفل بيئه كده
ليلى : لا و بعدين اعتقد الوحش اللي على باب المغاره ده ريحة بؤه وحشه
استرقت ديما النظر لترى لؤي و الحنق يعلو وجهه فقالت : اوووووووووووي
حينها تقدم لؤي و اختطف الهاتف من كف ديما و قال : وحش و مغاره و انتي فاتحه لعبة عروسه و ميكب
مدت ديما يدها لتسحب الهاتف منه و لكنه كان أسرع منها ، رفع معصمه عاليا : وريني هتاخديه ازاي يا اوزعه ..
ديما بحنق طفولي : ليلى خليه يديني الفون بتاعي
ضحكت ليلى و رفعت يديها عاليا باستسلام : انا مليش دعوه ، منك له.. اخلصوا
ديما بتوعد : طيب
و في لحظتها وقفت ديما على كرسي التسريحه و حاولت جذب هاتفها ، ليتراجع لؤي للخلف مما أدي إلى ترنحها ، و كادت أن تسقط لولا التقاط لؤي لها في اللحظه الأخيره .
تشبثت ديما بعنق لؤي خوفا من أن يفلتها و تسقط أرضا ، لتقول بعد أن هدأت : لو سمحت نزلني ..
لؤي مداعبا : استنى اما اخدك لفه كده….
دار لؤي بها في أنحاء الغرفه قائلا : ايه ده فراشه يا نااااس
ضحكت ديما و معها ليلى التي وقفت مستمتعه بمشاكستهما معا ..
وضع لؤي ديما أرضا لتتلاقي عينيه بتوسلاتها الطفوليه ، لتقول ديما : كمان مره كمان مره..
أحست ليلى بثقل نظرات لؤي ، و فطنت لتغير في مزاجه ..
تنهد لؤي ، فقالت ليلي بحزم : كفايه هزار و لعب ، برده يا ديما ميصحش انسه حلوه زيك تلعب مع شحط سئيل زي لؤي..
و وجهت نظره ذات مغزى لأخيها ، ليقول محاولا طمأنه أخته : كمان ايه ! انا ضهري اتقطم منك ، آل فراشه آل..
ضحكت ديما غير واعيه للتوتر الذي ألقى بثقله على المكان : فراشه غصب عنك
قال لؤي : طب يا فراشه حضري نفسك عشان هاخدك معايا للكليه و امري لله..
ديما بمرح : هييييييييييه يعيش لؤي يااا.. يااعيش
ليلى بضيق : طب اهون عليكي و تسيبني لوحدي ..
لؤي مقاطعا : ليلى … متقلقيش كلها كام ساعه و ترجعلك …
عقدت ليلى ذراعيها على صدرها قائله : طب خلي بالك لحد يدايق ديما ..
ثم قرصت وجنة ابنة خالتها و أضافت : هي هتفضل بالنسبالنا طفله كيوت بس الشباب فالكليه اكيد هيكونلهم رأي تاني..
فطن لؤي لتلميح ليلى فقال بحزم : ليلى مفيش داعي توصيني ..
ليلى : اتمنى تكون فاهم بجد..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
أمضت فاتن الساعه الماضيه في التنقيب داخل خزانتها لانتقاء أكثر ملابسها احتشاما ، و بعد جهود مضنيه استقرت على ارتداء بلوزه ذات أكمام طويله و لون أخضر يوحي بالوقار ، و رافقتها بتنوره شانل طويله و فضفاضه ، ثم عادت لتنظر ف المرآه محدثه نفسها : اشطه ، بس على الله نعجب..
أنهت تدقيقها الأخير على مظهرها ثم اندفعت باتجاه باب الشقه ، لتنظر من العين السحريه مترقبة خروج يحيى في أي لحظه الان.
بعد ثوان لمحته يخرج من الشقه المقابله ، لتتوتر أعصابها ، أخذت نفسا عميقا ، ثم أدارت مقبض الباب و خرجت لتتلاقى أعينهما قبل أن يشيح بنظراته عنها سريعا و يكمل طريقه إلى المصعد.
تبعته بخطى سريعه علها تغتنم فرصه استقلالهم المصعد لتعتذر منه عما بدر منها البارحه ، و لكن لسوء حظها تعثرت قدامها بطرف تنورتها لتسقط أرضا محدثه صوتا جعله يتسدير ملقيا نظره خلفه ..
شعرت فاتن بالاحراج الشديد و البلاهه ، و على الفور نهضت و عدلت هندامها ، لتتلاقى أعينهما مره أخرى في حوار صامت، هي تتدفق عيونها حرجا و من جانبه عيونه تخبر بقلقه عليها ، و لكن كما فعل قبل قليل أشاح بنظره عنها و استدار مكملا مسيره .
لتتبعه بدورها ، و لثوان وقفا جنبا لجنب في انتظار وصول المصعد ، أحست فاتن بالعجز و بأن لسانها مكبل ، فهدوءه يوحي بأنه يخفي غضبا كبيرا ..
همست بصوت خافت: يحيى
ألقى عليها نظره جانبيه ، ثم عاود تحديقه في باب المصعد و كأنها لم تنبس بشفه
استقلا المصعد بعد ثوان في صمت ، لتستجمع فاتن شجاعتها حين ايقنت انه لن يبادر بالحديث قالت بسرعه وعيناها معلقتان بازرار المصعد : انا اسفه ، بس والله دي اول مره البسه و كنت فاكره اني لابسه البيجامه بتاعتي و الله ما خدت بالي ..
نظرت إليه لتلاحظ عبوس حاجبيه و توتره الشديد ..
عادت لتقول: والله نسيت مكنش قصدي و بعدين مفروض انا اللي ازعل على نفسي و بصراحه مش فاهمه انت مأفور الموقف كده ليه .. هو انا اللي شفتك فوضع مش تمام و لا العكس
تمتم يحيى بخشونه: فعلا سؤال وجيه ، هو انا ليه مأفور الموقف ، عادي جدا طبعا ده بالنسبالك لان الظاهر دي سمة عيشتك كلها ، كله عادي و اشطه و فاللذيذ و مكبره اوي حضرتك
تذمرت فاتن مبديه انزعاجها من اتهاماته : مش هتبطل طريقتك دي ..
ليرد يحيى بلامبالاه : تحبي اقولك خبر حلو ، مبقتيش مضطره تتحملي طريقتي دي ، لاننا خلاص اوفر انتهينا
فغرت فاتن فاهها مصدومه فللمره الثانيه يتخلى عنها بكل سهوله ،و تألمت بشده ، فلقد ظنت أن مشاعره تجاهها أقوى من أن تنهى لمجرد سوء تفاهم …
و لكنها تصنعت عدم الاكتراث و قالت : طيب براحتك
وصل المصعد للطابق الارضي ، ليخرجا كلا في طريقه ، و على ناصية الشارع وقفا بعيدان كلا عن الاخر ، ليعودا و يلتيقا في نفس الحافله ..
جلست فاتن بجوار النافذه كعادتها ، و جلس هو في اخر الحافله على غير عادته ..
تنحنح أحدهم ، لترفع عيناها في تساؤل نحو الشاب الواقف بجوار مقعدها :ممكن اعد هنا لو ميدايقش حضرتك
حركت فاتن كتفيها بلامبالاه .. وقالت : اتفضل هو الاتوبيس ده بتاعي عشان تستأذن مني
جلس الشاب قائلا : اصلك دايما بتقعدي جنبه
فاتن بحده : نعم !
ارتبك الشاب و قال : اسف مش قصدي ادايقك ، بس كويس انك اديته استمارته ، اصل شكله خنيق اوي
فاتن بحده : من فضلك تخليك فحالك ، فاهم
الشاب بتردد : والله انا بس قلبي عليكي
نهضت فاتن من مقعدها قائله : حاجه تقرف !
و جالت بعينيها باحثه عن مقعد خال ، لم تجد مقاعد خاليه سوى في الصفوف الاخيره حيث يحيى ..
و حينما تلاقت نظراتهما للمره المليووون ، اشاح وجهه بسرعه ، لتستفزها حركته و دون ان تفكر ، تقدمت و جلست بجواره .
لم يصدر منه اي رد فعل ، ليتمكن منها الغضب و بشده من تجاهله و لامبالاته تجاهها ، و اخذت قرارها ..
قالت بتهور: انت فاكر نفسك مين ، شويه هتموت و تكلمني و شويه عامل نفسك من بنها ، انا مسحملكش تعاملني بالاسلوب ده ، انت فاهم
أدار يحيى راسه و قال ببرود : ما قلتلك مش مضطره تتحملني لا انا و لا اسلوبي ، انتي مبتفهميش قلتلك احنا خلصنا ، كنت اتهفيت فنافوخي و دلوقت فُقت ، ماشي يا نجمه
شهقت فاتن و الدموع تترقرق في مقلتيها من وقع كلماته : انا اللي حماره اني صدقت واحد زيك
ضعف يحيى امام دموعها ليقول : طب بتعيطي ليه دلوقت ، خلاص خلصتي مني و من اسلوبي
قالت فاتن غير عابئه بكرامتها التي دهست قبل قليل من وقع كلامته : بس انا مش عايزه اخلص منك ووالله انا مش وحشه حتى شوف…
عبثت بحقيبتها و اخرجت مغلفا ورقيا و قالت : خود افتحه
تناول يحيى المغلف منها و فتحه بتردد، لتقول : انا قطعته ميت حته و مش هالبس حاجه كده تاني بس متزعلش
نظر يحيى لمحتويات المغلف ليجد قطع صغيره جدا من القماش الزهري اللون ، نفس اللون الذي ظهرت به على الكاميرا البارحه.
أضافت فاتن :و كمان البنطلون رميته فالزباله وأي حاجه مش عجباك مش هاعملها…
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
لم يستطع يحيى أن يقاوم التوسلات التي احتلت عينيها ، بالرغم من إقناع نفسه في الساعات الماضيه ..مرارا و تكرارا بأنها غير مناسبه له قط ، و لكن تأثيرها عليه من الواضح أنه أقوى من أي منطق ،
فقبلها كانت جدران قلبه خاليه ، تنتظر تلك الساحره التي ستأتي يوما لتسطر فيها بمثاليه قصة حبهما كما تخيلها.. واقعيه …سلسله… خاليه من المطبات ..
و لكن الواقع شيء مخالف تماما ، فساحرته بعيده كل البُعد عن المثاليه ، و بأخطائها حفرت أول سطر في تلك الجدران … “الحب لا يتبع أي قوانين…”
فرك يحيى جبينه و قال باضطراب : انااا مش عارف …
حدقت فاتن فيه بخيبة أمل : خلاص فهمت ..
قاطعها يحيى و علق قائلا : فهمتي ، طب يا ريت تفهميني …
بدت الحيره على وجه فاتن ، ليقول : لو احنا الاتنين اصلا بنفهم مكناش …
صمت قليلا لتحثه فاتن على المتابعه : مكناش ايه …
ابتسم يحيى قائلا : مكناش كل شويه نتخانق ، المفروض لما حد يزعل مالتاني يعاتبه و نتكلم و نحل المشكله.
فاتن بسخريه : و الله ..
يحيى : اها
فاتن متصنعه البراءه : طب ممكن اسألك سؤال رفيع كده ؟
يحيى : طبعا
فاتن : ايه رأيك في اللي يقول حاجه و يعمل عكسها ..
يحيى : ده شخص اكيد مش متوازن و مش عارف هو عايز ايه
فاتن مؤنبه : طب ليه بتعمل كده ، ليه على طول مستنيلي غلطه ..
قاطعها يحيى : انا عارف اني قسيت عليكي اوي ، بس و الله غصب عني ، انتي يمكن لسه مش مستوعبه احنا مختلفين عن بعض اد ايه ، و حاجات كتير ممكن تقف فطريقنا مش وقت اقولها ، بس امبارح مكنش بس الموقف اللي تعبني ، هي حاجات بفكر فيها من يوم ما عرفتك بتقولي اننا هيكون صعب اوي نكمل ..
لتقاطعه فاتن بدورها : ياااه كل ده ، طب خلاص يا سيدي انا بعفيك من التعب ده كله و خلينا صحاب احسن..
تذمر يحيى قائلا : اهو انتي كمان لما حسيتي انه صعب اخترتي الطريق السهل و اننا نسيب بعض..
فاتن مدافعه : امال هقولك ايه ، انا جيت عكرامتي كتير اوي عشانك ، و طالما مش مستريح انا احبلك الراحه برده …
يحيى : يا ستي افهميني… افهميني ، انا بفتحلك قلبي مش بشتكيلك منك ، عايزك تفهميني و لو حصل موقف زي امبارح تقدري تستوعبي اني ممكن اتصرف او اقول حاجه مش حاسسها بس غصب عني..
أومأت فاتن : دلوقت فهمت بس يا ترى انت كمان هتفهم ..
عقد يحيى حاجبيه و قال بخيبه : تقصدي التمثيل مش كده
فاتن : ايوه ، انت كمان لازم تفهم انا هاعمل كده ليه …
يحيى بنظره اتهاميه : هتعملي كده ليه ؟
فاتن : هو انت لو مامتك او باباك طلب منك حاجه و الحاجه دي لو معلمتهاش ممكن يحصلهم مشاكل كتير ، هتعملها و لا لا .
يحيى : و انتي لو معملتيش المسلسل هتحصل مشاكل لمامتك ازاي يعني !
توقف الباص ، لتعض فاتن على شفتيها قائله : يي وصلنا ، بس انا ممكن ازوغ عشان نقدر نكمل كلامنا.
يحيى بحزم : لا احضري انهارده ، انتي ناسيه لازم تتابعي المحضرات اللي فاتتك ..
فاتن : انت متفاؤل اوي ، مش يمكن ميقبلوش طلبي و اكون تعبت نفسي عالفاضي ..
يحيى مبتسما : انا بقى متأكد انك هتتقبلي و يلا عشان اوصلك ..
ضحكت فاتن ، و تبعته لينزلا سويا من الباص : طب احنا لازم نكمل كلامنا
يحيى : هيحصل متقلقيش ..انا هاكلمك انهارده و نتفق..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
أومأت فاتن شاعره بثقل كبير يجثم على صدرها ، فبعد قليل ستتوجه إلى الاستديو الخاص بالمسلسل لتقف أمام الكاميرا لاول مره …و لكن على الأقل ستكون والدتها بجوارها ، سخرت فاتن من كلامتها الأخيره ، ف قط ما كانت انجي الشريف يوما بجوارها …
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
أغلقت نوف المحادثه مع أنس شاعره بالقرف الشديد من نفسها …و دون أن تعي تساقطت عبراتها مبلله وجنتيها ، لم تع كيف سولت لها نفسها بأن تطاوعه و تنفذ طلبه الأخير ، ان ترتكتب تلك الخطيئه بحجه امتاعه و غض بصره عن الحرام ، و كأن ما تفعله معه يندرج من ضمن الحلال ، فركت عينيها بقوه و عزمت على وضع حدود و قوانين جديده في علاقتهم ، فما حدث قبل قليل لن تكرره قط..
نهضت من فراشها حيث ارتكبت أكبر خطيئه في حياتها ، و عزمت على التوبه ، نعم ، فالله غفور رحيم و حتما سيقبل توبتها ، المهم عدم العوده مره أخرى لنفس الذنب.
دلفت إلى الحمام ، اغتسلت و توضأت لتصلي لمن يغفر الذنوب جميعا..
أنهت صلاتها ، و توجهت إلى النافذه لتناجي ربها و رفعت نظرها للسماء ، ولكن استوقفها خيال أحدهم يمشي في الحديقه ، تابعت حركته ، إنه تركي يحمل بيده سجادة الصلاه ..
ارتكزت بمعصمها على النافذه و شاهدته يصلي ، ابتسمت و في نفسها تتساءل ترى ماذا يفعل أنس الآن …
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
قبعت ليلى في غرفتها ، واعيه بما يدور في صالة شقتهم المتواضعه ، حيث يتفق والدها مع تميم على موعد نحرها ، عفوا زفافها ….
تنهدت ليلى شاعره باليأس الشديد ، فقصتها لن تكون كالأميرات في الأساطير ، فالأمير المنقذ ليس بيده حيله ، و الأميره النائمه ستستيقظ قريبا على واقع مرير ، حتى و إن أُذيبت فيه كل ملاعق السكر سيبقى غير مستساغا في فمها .
نظرت ليلى إلى جهاز حاسوبها يضيء مره تلو الأخرى برسائل كِنان ، و لكن ما الفائده المرجوه من الحديث معه ، سيعلقها بأمل من الصعب تحقيقه ، على الأقل الآن وصلت لمرحلة اللامبالاه ، فما عاد زواجها من تميم يخيفها بقدر ما تخشى أن يزرع كِنان في نفسها الأمل مره أخرى لتفيق بصدمه على واقعها المرير…
همت باغلاق الحاسوب لتعود و تفتح حسابها على الفيس بوك ، لم تكلف نفسها عناء قراءة رسائله ، مالجدوى، لكن ضميرها يحتم عليها أن تريحه ولو باجابه فكتبت : كنان معدش ينفع خلاص ، أنا يئست من كل حاجه و مفيش أمل ، بلاش تضيع وقتك معايا ، شوف حالك يابن الناس، انا مش فارق معايا خلاص هاتجوزه و اللي ربنا كاتبه انا راضيه بيه
أتاها الرد سريعا : كدابه ، منتيش مش فارق معاكي ، طالما يئستي يبقى في جواكي حاجه لسه بتتحرك لسه بتعاتب و يمكن بتصرخ ، عايزه حد يحس بيها .. يقف جنبها ، و انا الحد ده يا ليلى ، انا مش هاسيبك و هنلاقي حل و مش هتتجوزي تميم و حياتنا كلها هتبقى فارقه معانا ، و ساعتها بجد اللي ربنا كاتبه هنرضي بيه لاننا مضعفناش و دافعنا عن حقنا ، و دلوقتي مش طالب الا انك تؤمني بينا شويه ، طالما مش فارق معاكي يبقى مش هتخسري حاجه ، انا خلاص نويت اخد خطوه بس محتاجك جنبي ، هديكي من هنا لبكره تفكري ، فكري كويس اوي ، دي حياتك كلها متستحقش انك تحاربي عشانها ، مستسحقش انك تلغي الخوف شويه ، و صدقيني اللي يزعل منك انهارده اكيد هيجي يوم و يرضي ..
أغلقت ليلى حاسوبها ، و تمددت على فراشها و كلمات كِنان تتردد في جدران عقلها ، ..” اللي يزعل انهارده هيجي يوم و يرضى…”
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
أنهت فاتن تمثيل أول مشهد لها في المسلسل ، تنفست الصعداء فلم تكن التجربه بالسوء الذي توقعته…
قالت انجي : ها يا جميل ، ايه رايك ..
فاتن : مش صعب اوي …
انجي مقلده لها : مش صعب اوي … طب استعدي بقى للمشهد اللي جاي هيكون مع باباكي ..
أخذت فاتن نفساعميقا وقالت بتأثر : بابا ..
ربتت انجي على شعرها قائله : بابا المسلسل ، و عايزاكي بقى تستحضري اللحظه اللي فاتت و تتعاملي كأنه بباكي بجد ، اوكشن يا قمر..
هزت فاتن رأسها ، و تتبعت أوامر المخرج ، حيث ستقف الآن في ديكور الصاله …
دخلت في الكادر مع الممثل الذي سيقوم بدور والدها ، و فور سماعهم اشارة المخرج ، ابتدأ الممثل بالقاء الحوار الخاص به …
و كذلك فعلت فاتن .. لتفاجأ في نهايه المشهد باقتراب الممثل منها و احتضانها ..
تصلبت فاتن بين ذراعيه ، و حين أعلن المخرج انتهاء المشهد ، تدفقت دموعها بغزاره بعد أن أفلتها أباها المزيف …
اقتربت انجي منها قائله : الله شكلك اندمجتي اوي يا حببتي تعالي نعد فالاستراحه و هاجبلك حاجه تشربيها ..
تبعت فاتن والدتها ، و جلست منتظره اياها ، لتعود بعد دقائق حامله معها كوبا من الماء ، ناولتها الكوب و قالت على عجاله : مش عايزاكي تندمجي اوي ، اصلا المشهد مكنش يستدعي انك تعيطي ، ها ..
خليكي كيوت و لذيذه و دورك البنت الشقيه مش النكديه ، متنسيش …
شعرت فاتن بخيبة كبيره ، فوالدتها لم تفهم سبب بكاءها ، و ربما لن تفهم أبدا ..
قالت محاوله توضيح موقفها : انا مكنتش عارفه انه هيحضني .. انتي قولتي مش هيكون في حاجات كده
ارتبكت انجي و قالت : اه طبعا ، بس ده باباكي مش حبيبك يعني عادي ، الممثل ده قدير و راق جدا و المشهد مفهوش حاجه خارجه و لا عيب ، اب بيحضن بنته عادي يا حببتي ، متأوفريش بقى
و نهضت مسرعه : يلا بقى انا مضطره امشي عشان عندي اوردر فيلم جديد ..
فاتن بدهشه : الله ،فيلم ايه ، انتي مش قولتي معدش بيجي ادوار كتير ليكي
انجي بغضب : و جاني دلوقت فيلم ، ايه مالك ، هتُقفيلي عالكلمه ، ده انا كنت بعمل 3 افلام فوقت واحد
فاتن : مش قصدي …بس المخرج بيقول مش هنخلص الا 2 الفجر هاروح ازاي لوحدي..
انجي مطمأنه : المنتج وعدني بعربيه مخصوص ليكي هتجيبك كل يوم و تروحك ..
فاتن : اه صحيح هو مين المنتج ؟
انجي : هيكون مين يعني ، خميس
يتبع