رواية حب تحت الرمال

الفصل الواحد والعشرون

¤ الشقه القديمه ¤

————————–————————–—–

قاد يحيى سيارته كعادته كل مساء في طريقه إلى المنزل ، فتح النافذه ليدخل بعض الهواء ، فلقد مل طوال اليوم من الحُجر المغلقه و أجهزة التكييف ، و بالرغم من حرارة الجو الا أنه فضل إغلاق التكييف الموجود بسيارته و ترك العنان لهواء المساء العليل ليدغدغ وجهه الوسيم ذو القسمات الرجوليه ، و الذي تزينه اللحيه الخفيفه .. التي أطلقها منذ خمس سنوات مضت ، حين تكالبت الدنيا على آماله و أحلامه و حتى أحبائه ….

تحديدا بعد رحيل ليلى ، لا.. لن يطلق عليه هروبا ، فالهارب دوما يجد طريقه للعوده ، أما ليلى فلقد انتزعت نفسها من بينهم ، باتره أي خط للرجعه..

ففي تقاليد بلدهم و معتقدات والدهم… عودتها تعني ازهاق روحها لا محاله ، لاعاده شرف العائله الذي تبدد بفعلتها…و هذا ما خبُرته ليلى جيدا ..

لقد بحث عنها في كل الأمكنه ، سأل عنها كل الصديقات و لكن بلا نتيجه ، ليعود و يسأل في المحطه التلفزيونيه التي يعمل بها كِنان ، ليتلقى الصفعه فقد سافرت معه إلى فلسطين في تلك الليله ، مؤكده مزاعم ابن عمه و الشهود …

لكنه قرر ان يحتفظ بتلك المعلومه دون أن يشاركها مع باقي عائلته ، ريثما يجد وسيلة للتواصل معها ، و لكن باءت كل محاولاته بالفشل ، ليتسنجد أخيرا بزوج خالته المقيم في فلسطين آنذاك و الذي فاجأه باخباره بأنه قام بتزويجها لكِنان بعد قدومهم إلى فلسطين بأسبوع موصيا اياه بعدم اخبار أي طرف في عائلته خوفا من احداث قطيعه بين زوجته و اختها خديجه …

و لم يتطوع زوج خالته بأي تفاصيل أخرى ، متعللا بأن كِنان قد تم ابتعاثه لدوله عربيه في وظيفة اداريه ، ومنذ وقتها انقطعت كل اخباره …

لم يكن يحيى مقتنعا بأن زوج خالته أخبره الحقيقه كامله ، لذا عاد بالتوجه الى المحطه للسؤال عن كِنان ، حينها أُطبقت كل الألسنه عن ابداء أي معلومات ، و كأن هناك مَن طلب منهم عدم البوح بأي شيء يخص كِنان ، متعللين له بأنها سياسة المحطه …

لم يبح يحيى بدور زوج خالته في تزويج ليلى ، حتى لا يتسبب في قطيعه بين أمه و خالته إن وصل الخبر لوالده ، لقد أخبره بأنها لجأت إليه و لم يستطع أن يتخلى عنها ، و هذا ما في الأمر ، فخالته و حتى ديما أنكرتا أمامه على الدوام معرفة أي تفاصيل اخرى ، عدا أنها حضرت إلى بيتهم عند عودتهم الى فلسطين طالبة أن يقوم زوج خالتها بدور الوكيل في زواجها من كِنان ..

لتسافر بعدها مع كِنان ، دون أن تخبرهم عن وجهتها…ليعود يحيى و يطلب من زوج خالته معاونته في تتبع أثرها ، فبالتأكيد سيكون اسمها موجودا عند أحد المعابر الفلسطيينيه …ليخبره زوج خالته بأنها لم تخرج عبر معبر رفح ، و لربما اختارت السفر عن طريق المعابر الفلسطينيه الأخرى و التي يتحكم الجانب الاسرائيلي فيها ، و من شبه المستحيل الحصول على أي معلومات عن طريقهم …

لتنقطع اخبارها جمله و تفصيلا ، و كأنها لم تكن يوما اختا و ابنه في عائلتهم ، لم يعد يراها سوى في عيني أخيه لؤي… الدائم السؤال عن أي جديد عنها …

أما والده فكأنه ارتاح من عبء تنفيذ القرار الذي يتحتم عليه فعله ، ليبقى رجلا في نظر أهله و بلدته..

أما ما أثار حيرته دوما ، هي تلك الحاله التي تملكت قلب والدته ، بعد أن مضى على رحيل ليلى بضع أسابيع ، قامت والدته باحضار كل متعلقاتها و التبرع بها إلى إحدى الجمعيات الخيريه ، لتُعلن فيما بعد أثناء اجتماعهم على مائدة الطعام بأن ابنتها ماتت ، مانعه أي منهم أن يذكر اسمها و لو بالخطأ…

أزاح عنه سيل الذكريات التي تقبض قلبه خوفا و قلقا على حال أخته ، لم يرد الآن سوى الوصول إلى الفيلا و الاسترخاء بالقرب من حمام السباحة ، و ابتسم متذكرا كيف تغلب على فشله في المحافظه على عقده مع الشركه الكوريه …

و لكن كما يقال ” رب ضاره نافعه ” .. فا هو الان أصبح حر نفسه و مالكا لأعماله دون اي رقابه من احدهم …

حينذاك كان مشغولا بايجاد ليلى ، أما مالك فلم يكن تعافي بعد من حادث كسر قدمه ، و لم تكن سلوى بكفائتها الحاليه ، اما أنس فلقد أنهي يحيى شراكته معهم فور علمه بتورطه مع…… لم يشأ أن يذكر اسمها ، فلقد درب عقله جيدا على تجاهلها حتى في ذكرياته…

لتقوم الشركه الكوريه بسحب عرضها حين لم ترق شركة يحيى الى النتائج المطلوبه منها ، ليقوم يحيى بفض الشركه و التركيز في البحث عن ليلى و لكن دون جدوى…

حلت به حالة اكتئاب شديده ، ليقبع في غرفته ليل نهار ، غارقا في فشله على كافة النواحي ، الاسره ..العمل و الحب ، و بعد فتره تحول الاكتئاب الى حالة من الغضب الشديد ، و ايمانه بربه هو من منعه عن الانحدار الى مستنقع الخطأ ، ليختار أن يكون مدونه لينفث فيها عن مكنونات غضبه …

ما لم يتوقعه هو نجاح تلك المدونه و زيارة الالاف من المتصفحين لها يوميا…فلقد لامس احباطه نفوس الكثير من الشباب الذين يعانون مشاق القدره على تحويل احلامهم الى واقع في ظل الكثير من التعقيدات الاجتماعيه و الماديه …ناهيك عن حال البلد بأسره…

ليقوم يحيى بتطويرها لتصبح من أنجح مواقع التواصل الاجتماعي و التي تتخصص في كل ما يعني شباب اليوم ، من امال و احباطات و أهداف ، تاركا المجال للشباب نفسه للتعبير عن تجاربهم …

لتقوم احدى الشركات الاجنبيه و التي تمول الاسواق ببضاعتها بطلب عرض اعلاناتها على موقعه ، ليبدا يحيى في جني ثمار مجهوده و أفكاره ، و ليوسع عمله و يؤسس شركته الخاصه بالبرمجه داعيا مالك و سلوى للعوده و العمل معه ، بعد أن وقفت شركته على قدميها و ذلك بعد ثلاث سنوات مضنيه من العمل منفردا …أما الان فشركته تعد من أكبر الشركات في الوطن العربي بأسره….

فهذا حال سوق التكنولوجيا ، يتوجب عليك فقط ايجاد تلك الفكره الفذه التي تستقطب اعجاب الناس ، لتصبح من أصحاب الملايين ، كما حصل مع مؤسس الفيس بوك …

صحيح أن يحيى لم يرتقي لنفس المستوي المادي و العالمي … و لكنه أصبح ميسور الحال في غضون السنتين المنصرمتين…

أضاء هاتفه النقال للمره الثالثه على التوالي ، تأفف و أوقف السياره على جانب الطريق لتلقي المكالمه من هذا الرقم المجهول .

ضغط رد و أجاب : السلام عليكم .

المتصل : و عليكم السلام و رحمة الله .

سأل يحيى : مين معايا ؟

المتصل : أنا منير كامل ، جاركو في العماره القديمه .

طرق يحيى بأنامله على مقود السياره متسائلا في نفسه : و ده عايز ايه …؟

قال يحيى : أهلا وسهلا يا أستاذ منير ، أي خدمه أقدر أقدمهالك .

منير : أنا فعلا محتاج خدمه من حضرتك ، و هتكون خدمة العمر بالنسبه ليا .

يحيى : اتفضل حضرتك .

منير : شقتكو القديمه ….

قال يحيى بعد أن توقف منير عن الاسترسال في الحديث : مالها !

أجاب منير : بقالها مقفوله فتره كبيره ، و بسم الله ما شاء الله ربنا فتح على حضرتك و نقلت انت و العيله ، فبصراحه طمعان في موافقه حضرتك إني اشتري الشقه ، و أنا مستعد لأي مبلغ تؤمر بيه .

قال يحيى بتردد : هي الشقه فعلا مقفوله بقالها فتره ، بس حاليا مقدرش أديك رأي نهائي ، انت عارف الشقه دي مش ملكي ..لازم استشير الحاج …

قاطعه منير : بس انت الكل في الكل يا باشا…!

قال يحيى : طيب اديني يومين و هارد عليك .

قال منير : و هو كذلك ….

أغلق يحيى الهاتف ، و ألقى به على التابلوه ، أدار محرك السياره مستعداً للانطلاق ، و غير مستعدا بتاتا للمشاعر التي أثارتها تلك المكالمه في نفسه…

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

عادت فاتن الى البيت تجرل أذيال الخيبه ، بعد يوم طويل من البحث عن عمل يناسب درجتها العلميه ، فلقد تخرجت منذ أشهر و بدرجه الامتياز من كلية الألسن ، و ارادت البدء في تخفيف العبء عن أخيها كِنان ، الذي قام بتحمل مصاريفها طوال السنوات الخمس الماضيه…

بعد اتصالهما الأخير و الذي بدا فيه غاضبا منها و بشده ، فاجأها باصراره على التواصل معها ، لتعلم أن ليلى أخبرته بما حدث من اقامتها معهم و طرد والدتها لها و ثم ما حل بها لاحقا ، لكن ما فاجأها انذاك هو هروب ليلى و زواجها من كِنان…و ما تبع ذلك من عواقب…

تنهدت واضعه المفتاح في باب الشقه ، لتدلف الى الداخل مشتمه روائح تفتح الشهيه…

قالت من على الباب : تسلم ايدك يا احلى داده فالدنيا…

قابلتها رقيه بابتسامه حنون : الله يسلمك يا ضنايا ،ها ايه الاخبار عترتي فشغلانه ..؟

فاتن بخيبه : للاسف كله بيقول سيبي الCV و هنكلمك لو احتجنا حد جديد..

ابتسمت رقيه ، لتقول فاتن : الله ، انتي مبسوطه اني رجعت ايد ورا وا يد اودام !!!

ضحكت رقيه : شوفي البت ، انا هافرح ليه يعني ، بس حصلت حاجه انهارده و ان شاء الله هيكون فيها خير ليكي يا حببتي…

ألقت فاتن بمفاتيحها و حقيبتها على أقرب منضده ، و سألت بلهفه : ها احكيلي يا داده ، حصل ايه انهارده ؟

رقيه : طب الاول خشي غيري هدومك ، عبال ما احضر السفره و ساعتها هاحكيلك التفاصيل فتفوته فتفوته

ابتسمت فاتن : حاضر يا داده ، خمس دقايق و اكون جاهزه و انا اللي هاحضر السفره متتعبيش نفسك..

رقيه : تعبك راحه يا حببتي ، ده لولا قعادكك معايا كنت طئيت مالوحده ، بعد جواز بناتي و سفرهم مع اجوازهم يدوروا على رزقهم ، دعيت ربنا ياخدني عنده عشان ارتاح من الوحده ..لحد ما جيتي انتي و مليتي دنيتي عليا ، ربنا ما يحرمني من طلتك دي ابدا…

فاتن بتأثر : بعد الشر عليكي يا داده ، و بعدين ما امال و سحر بينزلو كل سنه بعيالهم و تعدي تقولي العيال جننتي …العيال ربتلي الخفيف….

ضحكت رقيه مقاطعه فاتن : ايوه ، ده البيت بيتقلب مورستان ، يلا الواحد يقول الحمد لله على كل حال..

قالت فاتن بتردد : اوعي تكوني يا داده رافضه تسافري و تعدي مع سحر عشاني ، انا اقدر ادبر اموري ..

رقيه : كلام ايه اللي بتقوليه ، اروح عند سحر اعمل ايه ، دي شقتهم يدوب واسعهم هي و عيالها ، ولو جوزها تحملني يوم مش هيتحملني التاني …

فاتن : ايش معني انت متحملاني السنين دي كلها ..

رقيه : اخص عليكي ، بجد اخص عليكي ، ده كلام تقوليه ، متحملاكي ، ده انتي دنيتي بحالها ..

فاتن : مش قصدي يا داده..

رقيه : طب بذمتك لولا اعدتك معايا ، كنت اقدر افتح اللي اسمه ايه السكايب ده و اكلم بناتي و احفادي وقت ما احب ، مش كنت هستنى مالزياره للزياره كل سنه عشان املى عنيا منهم ..ده انا خايفه لاكون حمل عليكي ، مش العكس…

فاتن بضيق: اوعي تقولي كده يا داده ..

ثم اضافت بمرح : حمل ايه … ده انتي خُف الريشه ، حتي شوفي كده

تقدمت فاتن محيطه رقيه من وسطها ، لتحاول رفعها عن الارض قائله : اهو زي ما قلت خُف الريشه

ضحكت رقيه : طب بطلي بكش و خشي غير هدومي عشان احكيلك الاخبار الحلوه..

فاتن : هوا …

جلست فاتن مع رقيه على مائدة الطعام ، لتسأل فاتن : ها يا روكا يا جميل ايه الاخبار الحلوه بقى؟

رقيه : انهارده و انا عند جارتنا الست أم مالك ، بتحكيلي عن مالك و ازاي جهز اخته احسن جهاز ..

ابتسمت فاتن : اه .. مالك ده رجل المهمات الصعبه …

رقيه : ربنا يحميه ، مش بيتأخر عننا في حاجه…

فاتن : انت هتقوليلي يا داده ، ده مفيش حاجه عطلت هنا الا ما جه و صلحها بعد ما طبعا حضرتك تكوني اشتيكي لوالدته ، تقوم هي بعتاه هنا عشان يساعدنا..

رقيه : من قلة حيلتنا يا بنتي ، اصل الراجل بيفرق وجوده اوي فالبيت ، ياما نفسي اشوفك عروسه تحت حماية راجل …

قاطتعها فاتن : ايه اللي وصلنا لهنا ، احنا كنا بنتكلم عن الست ام مالك ، مش عن حالتي الاجتماعيه..

رقيه : طيب يا غلباويه ، انتي عارفه بقى ان ربنا فتحها عليه من فتره ، و بقاله وضعه في شغله…

فاتن : ربنا يوسع رزقه يا داده ، ده يستاهل كل خير…

رقيه : اها ، دلوقتي لما انا حكيت لام مالك عن شحططك كل يوم بتدوي على شغل ، قامت وعدتني هاتكلم مالك يتوسطلك عندهم فالشركه اللي بيشتغل فيها ، دي بيتقول انهم هيفتتحوا فرع جديد و محتاجين موظفين

فاتن : ليه الاحراج ده بس يا داده ، انا لما اشتغل عايزه يكون بمجهودي مش حسنه من حد ، ارجوكي تكلميها تصرف نظر عن الموضوع …

رقيه باستياء : ليه كده يا بنتي …؟

فاتن :ارجوكي يا داده ، انا مش بحب اتحمل جمايل من حد ..حابه اعتمد على نفسي و اثبت جدراتي بدون اي مساعده من اي حد و ان شاء الله هاقدر

رقيه : حاضر يا بنتي ، حاضر هاكلمها تاني و اقولها متجبلوش سيره ، بس متزعليش نفسك كده..

ابتسمت فاتن : مش زعلانه و لا حاجه ، و بكره اعتر فشغلانه كويسه متقلقيش نفسك …

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

استلقى يحيى على احد المقاعد المرصوصه بجوار حمام السباحه ، ليأتيه اتصال اخر ..

يحيى متمتما بضيق : انا قلت اقفلك احسن …

تطلع يحيى الى هاتفه ، ليجد أن المتصل مالك..

رد يحيى : خير ، لحئت اوحشك ، ده مبقاليش نص ساعه سايب الشركه …

مالك : يا ساتر ، امال لو تعرف اني دلوقت حالا ، دخلت الى فيلا سيادتكم

هب يحيى من مقعده : ليه ، حصل حاجه فالشغل..

مالك : لا يا هندسه ، بس حبيت اغير جو من شلة النسوان اللي عندي ، اصلهم قرروا يعملوا حفلة حنه و لا على راي اختي الصغيره حفلة عزوبيه لاختنا الكبيره في شقتنا المتواضعه ، و الحاج فلسع عالقهوه ، وانا قلت اما اارف اللي جابوك..

ضحك يحيى : طب يلا وريني جمال طلتك ، لف من ورا ، انا اعد عالبسين …

قدم مالك مرتديا البذله ذاتها التي حضر بها الى العمل اليوم ، ليقول يحيى : فوت جوه الاوضه ..

قاطعه مالك : عارف عاارف هو انا اول مره اجي هنا ، هاخش اغير الهباب اللي هيخنقني ده

بعد دقائق عاد مالك مرتديا تيشرت و شورت مناسبين لجو الليله الحار، ليقول يحيى : الف مبروك لاختك و عقبال الباقي ..

فلمالك خمس اخوات شقيقات ، و غدا سيتم زفاف الشقيقه الكبرى ، ليتبقى أربعه ، ابتسم يحيى بمراره ، فلقد اصبحت زيارة مالك لبيتهم من المسموحات بعد رحيل ليلى ، فما عاد والده يعارض قدوم اصدقائه او اصدقاء لؤي ، او ربما هو الحرج من يحيى ، لانه من قام بدفع ثمن الفيلا ، تنهد مفكرا بأن الوضع عند مالك ما زال على حاله ، فوالده ما زال يرفض حضور اصدقائه الى البيت

مالك : الله يبارك فيك ..

يحيى : ها لسه اهلك مش ناويين ينقلوا مالشقه دي بردو ؟

مالك : و الله غلبت اقنع فيهم ، ماما مش قادره تسيب البيت عشان خالتي ساكنه جنبها و كمان الناس معارفها ، بتقول مش هتقدر تعيش وسط ناس جديده وجو جديد ، بس البنات هيطئوا و ننقل ..

يحيى : مسيرها توافق ، مفيش امر من زن البنات ، اركن انت على جنب و سيب الباقي عليهم ..

مالك : عموما لسه شويه عبال ما اوضب السكن الجديد..

يحيى : good luck .

ضحك مالك : الله انت اتعديت من سلوى و هتبتدي ترطن انجليزي..

ابتسم يحيى :اه صحيح ، هتروح عيد ميلادها..؟

مالك : طبعا ..ثم سأل بتردد : ليه هو انت مش ناوي تحضر الحفله…؟

يحيى بلامبالاه : مش عارف ، مليش فجو الparties ده …

مالك مشجعا : خلاص هابقى اعتذرلها بالنيابه عنك

يحيى : طب كويس …و بالمره خودلها حاجه فايدك كادو مني يعني ..

ضحك مالك مقلدا يحيى : خودلها حاجه فايدك ، ايه يعني اجبلها كيلومشمش مثلا …اه لو تسمعك كانت هتديك كورس فالاتيكيت..

يحيى مبتسما: عارف من ساعة ما ليلى … توقف عن الحديث قليلا .. ثم أكمل : كانت هي اللي بتوصيني اجبلها ايه و كمان لامي و لديما ، كانت عارفه اخوها ميح اازاي فالحاجات دي…

مالك : ربنا يطمنكو عليها …

أومأ يحيى مبتسما ، اما مالك فقام بخلع التيشرت لينزل حمام السباحه ، ممارسا رياضته الجديده ، فمع تحسن حالته الماديه بشكل كبير منذ بدء عمله مع يحيى مره ثانيه ، استطاع أن يؤمن ثروه صغيره و معها انبثقت هوايات جديده ، سبح محتارا هل ثروته ستكون كافيه في نظر أهل سلوى عندما يحين الوقت ليتقدم لخطبتها..

لقد أجل مصارحتها بمشاعره لاسباب عده ، في البدايه كان هناك الفارق المهول في المستوى المادي بين عائلته و ذويها ، أما الان فلقد تحسن وضعه بشكل كبير ، و السبب الآخر هو احساسه بأنها ما زالت تكن بعض المشاعر تجاه صديقه المقرب ، و لكن يبدو أن يحيى ما زال على حاله ، يراها كأخت و صديقه فقط

و في الفتره الأخيره أحس مالك بتغيير في نظرة سلوى له ، مما زاد أمله في تحقيق حلم طالما تمناه و هو الارتباط بأول من دق لها قلبه … حبه الأول .. الذي لم يستطع أن يتخلص منه بالرغم من اختلاطه بالكثير الكثير من الفتيات سواء من الاقارب او زميلات العمل…

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

كانت تهم بالاستلقاء في فراشها ، حينها جاءها اتصال والدتها انجي الشريف…

تنهدت فاتن : خير اللهم اجعله خير ..

ردت فاتن : ازيك يا ماما…

انجي : كويسه ، بقولك…

فاتن : اتفضلي …

انجي : الشقه القديمه بتاعتي ، انا بعتها مع العفش و قبضت مبلغ حلو …

فاتن : اها و بعدين ….

انجي : عايزاكي تروحي هناك و تجبيلي الهدوم بتاعتي…

فاتن : هدوم ايه ، ده انتي سبتي الشقه دي من زمان …

تأففت انجي : متقاطعنيش ، انا سايبه فيها كل ذكرياتي، الهدوم اللي كنت بلبسها فافلامي ، انا بفكر اعمل عليهم مزاد و اكسب الشيئ الفلاني ، بس مش وقته اما اعتزل ابقى افضى للتسالي دي..

فاتن : طب و انا هانقلهم ازاي ، مش لازم اجيب عربيه …

قاطعتها انجي : خلاص انا هابعت حد من موظفين بودي يساعدك ، بس انا مش هآمن عليهم غير معاكي ، مضمنش الهدوم تتقطع و هما بيعبوها فالشنط ، و لا يسرقوا منها ، انتي اللي لازم توضبيهم و بعدين يحملوهم فالعربيه

فاتن : طب ، انا كده هاحتاج مفتاح الشقه..

انجي : هابعته مع الموظف اللي هيساعدك فالنقل ، بعدين المشتري عايز المفتاح ، تعرفيه ده الراجل اللي كان ساكن فوقينا اسمه منير كامل تفوتي عليهم و تديه المفتاح ، او اي حد موجود تبعه ، ده بعد ما تخلصي نقل الحاجه …

انجي : اوك يا حبي..

فاتن : اوك …

اغلقت انجي الهاتف ، دون حتى أن تتمنى ليله سعيده لابنتها ، ابتسمت فاتن بسخريه ، ثم تمتمت : معلش هي مهما عملت هتفضل أمي و انا قررت من زمان اني اسامحها …

تحديدا حين فهمت أمور دينها بشكل جيد ، فالأبناء ملزمون بحسن معاملة اهلهم مهما اقترف الاهل من ذنوب ، أو حتى اساءوا اليهم كما فعلت انجي ليلة طردها لفاتن ثم عدم سؤالها عن ابنتها و كأن أمرها لا يعنيها …

تناست فاتن تخلي والدتها عنها ، بعد أن مَن الله عليها بمحبة أخيها كِنان و رعايته لها ، قامت وقتها بمحادثه والدتها ، و التي تلقت مكالمتها بلامبالاه و كأنها لم تقلق على أحوالها البته…

و لكن فاتن أصرت على الاستمرار في التواصل مع انجي ، لتعود العلاقه من جديد بينها و بين والدتها ، صحيح أنها دوما المبادره في الاتصال و الاطمئنان و لكن لا يهم فهذا واجبها …

أو كما حدث هذه الليله ، تبادر انجي للاتصال إن احتاجت خدمه من ابنتها…

دلفت رقيه الى الغرفه مستفسره : سمعت صوت تليفونك ، مين اللي بيكلمك السعادي..؟

فاتن : دي مااما ..

رقيه : و بتكلمك السعادي ليه ، يكونش جوزها طلقها ..

هزت فاتن رأسها نافيه ، لتقول رقيه : الا جوزها ده يطلع رقم كام…

ضحكت فاتن : ده يمكن رقم خمسه او سته ، شوفي من بعد ما جيت اعيش هنا ، اتجوزت رجل اعمال عربي يعني فتره قصيره و بعدين طلقها بس خدت منه هبره كويسه ، قدرت تشتري شقه و عربيه و تزبط امورها ، بعد كده اعتقد اتجوزت المنتج الخليجي بتاع مسلسل لا تزهق روحي ، و انفصلوا ، و دلوقتي حاليا جوزها بودي ده رجل اعمال برده ، مع ان شكله ميطمنش خالص ، بس جوازهم فالسر ..

رقيه : ربنا يهديها ، بس خدمة ايه دي اللي عايزاها منك ؟

روت فاتن ما طلبته منها والدته ، لتتمنى رقيه لها ليله سعيده ، و لكن لم تكن ليله سعيده على فاتن ، فقد أثار طلب والدتها ذكريات كثيره ودت لو استطاعت يوما أن تمحيها من قلبها ..

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

أرتدت ديما ملابسها الفضفاضه و أحكمت وضع حجابها المحتشم ، و نزلت الدرجات لتلتقي بوالدتها المنتظره

قالت والدتها راويه مبتهجه : أيوه كده يا حبيبتي.

قالت ديما بتهكم : انتي مبسوطه باللبس ده عشان خاطر ابن أخت حضرتك ، مش كده.!

قالت راويه بجديه : ربنا يسامحك ، بس فيها ايه مش يمكن يكون السبب إن ربنا يهديكي.

قالت ديما بعصبيه : يهديني ، ليه هو انتي شايفاني عاصيه .

قالت راويه مستدركه : يوه يا حبيبتي ، مش قصدي ، أقصد يعني تلتزمي أكتر.

قالت ديما ضاحكه : و الله انتي طيبه اوي يا ماما ، و ابن أختك ده عمري ما هيبُصلي ، انتي أصلك مش مستوعبة كمية البنات اللي حواليه و لا بتشوفي البدع اللي بيعملوها فنفسهم .

قالت راويه بهدوء : آه ، بس البنات دول ميعرفوش إنه عايز زوجه محترمه و متدينه ، مش واحده فلتانه .

قاطعتها ديما قائله : و البركه فخالتي ، بتقولك أخباره أول بأول ، بيحب ايه ، مبيحبش ايه .

راويه : دي بتحبك اوي ، و بتعتبرك زي بنتها تمام.

ديما متأففه : بنتها ايه ، بعد الشر عليا.

قالت راويه بعتاب : اخص عليكي ، و يعني هي كان فايدها ايه تعمله .؟

ديما : كان فايدها تحس بيها و تاخد موقف .

راويه : ممنوش فايده الكلام ده ، و حسك عينك لسانك يقول كلمه كده و لا كده عن الموضوع ده ، انتي عارفه انها من زمان معتبراها ماتت..
تنهدت ديما : ربنا يهديها ….

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

فتحت خديجه الباب مستقبله أختها وابنتها بترحاب شديد .

خديجه مقبلة ديما : بسم الله ما شاء الله ، الحجاب زايدك نور و جمال يا ديما يا حبيبتي .

ردت ديما باقتضاب : ربنا يخليكي يا خالتو .

فخالتها و منذ ارتداءها للحجاب بشكل اكثر التزاما ، لا تفوت فرصه لمدحها هي و حجابها ، لم يكن ذلك مزعجاً لديما ، و لكن ما يزعجها هو تلك الخطه التي تحيكها خالتها بالتضامن مع والدتها للتقريب بينها و بين يحيى ، فمنذ اجازتها قام يحيى بعرض العمل عليها كنوع من التدريب قبل تخرجها ، فالبدايه رحبت جدا و شكرته ممتنه ، خاصه و أنها فرصه جيده في ظل تزايد البطاله بين الشباب ، ففرص حصولها على عمل و بشركه مرموقه كشركة يحيى يُعد من المستحيلات ، و لكن بعد فتره أيقنت أنه قدم لها ذاك العرض بالإيعاز من والدته.

سألت خديجه باهتمام : ايه مالك ، اوعي يكون الواد يحيى عمل مدير عليكي و زعلك فحاجه ؟

أجابتها ديما على الفور : طبعا مش مزعلني و لا حاجه ، و هو المدير و أكيد من حقه يعمل مدير عالكل و أنا أكيد من ضمنهم ….

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

دلف يحيى إلى الفيلا بعد أن ارسلت والدته في طلبه ، ليقابل بترحاب شديد من خالته راويه ، حياها بترحاب مماثل ، ثم توجه بنظره إلى ابنة خالته ديما و قال : ازيك يا ديما ؟

قالت ديما مبتسمه : الحمد لله ، و ازاي حضرة المدير ، اوعى يكون كمان هنا في شخت و أوامر.

ضحك يحيى و قال : حرام عليكي ، أنا بشخط برده.

ابتسمت ديما و قالت : امال صوت مين اللي كان طالع فالاجتماع انهارده .

لكزت راويه ابنتها وقالت : الله مش لازم ياخد باله و يشد عالموظفين و الا محدش هيشتغل بضمير.

قالت خديجه : انت هتفضل واقف ، تعال اعد مع خالتك و ديما شويه .

يحيى : معلش ، اصل مالك بره ، مش هاقدر اسيبه لوحده .

غادر يحيى لتقول خديجه : يا ما نفسي افرح فيه و اشوف ولاده بيتنططوا حواليا كده و يرجع البيت يتملي علينا من تاني…

ديما بتردد : صحيح يا خالتو ، هو لؤي هيرجع امتى ؟

خديجه بامتعاض : بيقول انه معروض عليه فكرة برنامج جديد لقناه هنا ، بس لسه عايز يتفق معاهم على اجره ، اصلهم بيدوه فالقناه العربيه اجر كبير ، فمش عايز يتسرع و يسيب هناك ، الا اما يتأكد الاول انه وضعه هنا هيكون احسن ..

راويه : ربنا يوفقه ، بس عايزينه يعمل برامج هادفه ، و ان شاء الله يبقى اكبر مذيع فيكي يا مصر..

خديجه : تسلمي يا حببتي .. و ربنا يهديه و يعمل كده بدال برامج الهشك بشك اللي بيعملها ..

ديما معترضه : حرام عليكي يا خالتو ، ده برنامجه حلو و بيناقش مشاكل الشباب…فين الهشك بشك ده!

ضحكت خديجه : اه منك انتي ، دايما بدافعي عنه ، مع انكو عاملين زي ناقر و نقير…

راويه : اه ، على عكس يحيى ، تحسي انهم متفاهمين اوي…

خديجه : فعلا ، و لايقين على بعض…

ديما مقاطعه و محاوله تغيير مجرى الحديث: امال فين عمو عبدالرحمن …؟

خديجه : اه .. فكرتيني ، انا لازم اديه الدوا ، احسن ده بينسى…

انصرفت خديجه مسرعه ، لتقول ديما بغيظ : و النبي يا ماما تبطلي تشجعيها على موضوع يحيى ، ده لو شم خبر هيبقى احراج جامد ليا…

راويه : طب يا ريت.. خليه يتحرك ..

ديما باستسلام : آخ يا ربي … مفيش فايده !

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

بعد مغادرة مالك ، توجه يحيى الى شرفة الفيلا و التي يجلس فيها والده برفقة والدته ، ليخبرهما عن موضوع الشقه …

عبدالرحمن : طالما الاستاذ منير ربنا فتحها عليه و عايز يأمن سكن لاولاده جنبه يبقى على بركة الله … بس الاول نكلم عمك عز لانه زي ما انت عارف نص الشقه باسمه

يحيى : اه طبعا هنديه خبر ، بس الاستاذ منير شكله كلمك فالموضوع ..؟

عبدالرحمن : ده زمان ، كان بيقول انه عايز ولاده تفضل جنبه لما تتجوز فاكيد عايز يشتري الشقه عشان حد من ولاده يسكن فيها …

يحيى : تمام ، كده انا هاكلم عمي و اتفق معاه باذن الله…

عبدالرحمن : لا متتعبش نفسك ، انا خاطري اروح البلد اغير جو و بالمره ابلغه بعرض الاستاذ منير

خديجه : طيب..و العفش اللي فيها ؟

يحيى : انا هاخلي حد ينقله ، ونشوف جمعيه خيريه من بتوع تزويج الشباب و نتبرع بيه ..

خديجه بتردد : بس في حاجات كنت عاينها هناك ..

قاطعها يحيى : خلاص يا ست الكل ، قوليلي عايزه ايه و انا هاروح بكره و اجبهولك مالشقه

خديجه بتردد : متتعبش نفسك ، انا هاخطف رجلي بكره واروح اجيبهم..

يحيى : ده معقول يا ماما ، انتي تعدي مرتاحه و احنا كلنا نتعب و نتبهدل عشانك يا جميل..

ابتسمت خديجه : طب ابقى فكرني بكره الصبح اقولك مكانهم فين بالظبط عشان متتعبش و انت بدور

يحيى : و هو كذلك ….

error: