رواية حب تحت الرمال

الفصل العشرون

¤ مَعكَ … سأعبُرُ دَربَ البحرِ مَسْجُوراً ¤

————————–————–

مَنْ مِنا لم يقف يوما بين المطرقه و السندان ، بين خيارين أحلاهما مُر ، فإما تنصاع ليلى لرغبة والديها و تسطر تعاستها بيدها و تكسب رضاهما ، أو تختار ممارسه أدنى حقوقها في الحياه ، باختيار مَن سيكون شريك حياتها و أبا لأولادها ، ذلك الذي ستتبع قلبه وحكمته و ستشعر دوما بالأمان جواره ، حتى لو اختار أن يَسْلُكَ دَرب البحر مَسْجُوراً ….

ارتجفت ليلى حين رؤيتها اسم كِنان يُزين شاشة الهاتف الخاص بديما ، لتحثها الأخيره على الاجابه..

ديما : كلميه ، مش هتخسري حاجه ، مش هتخسري اد اللي ناويه بايدك تخسريه…

نظرت ليلى إلى ابنة خالتها التي لم تكمل عامها السادس عشر ، و احتارت من أين جلبت كل تلك القوه وذلك الادراك بما هو حق لها و بما هو واجب عليها …

قالت ليلى غير عابئه برنين الهاتف : انتي ازاي قويه كده ؟

تمعنت ديما في سؤالها للحظات ، ثم قالت : عشان انا عندي اب ، عرفني ايه حقوقي ، و ايه واجباتي ، ايه اللي ليا و اللي عليا ، عشان كل قرار عندنا لازم يكون بالتفاهم ، انتي عارفه يمكن عشان انا بنتهم الوحيده اللي اتولدت بعد شوق سنين ، يمكن عشان كده اهلي حسوا بقيمة الضنا غالي اد ايه ، مش زي باقي الناس بتخلف زي الارانب من غير ما تفهم ان الولاد دول ليهم حقوق على اباهاتهم ، و لو الحقوق دي اتهضمت يبقوا عاقين لولادهم…

ثم أضافت : هتردي و لا ارد انا ….؟

أمسكت ليلى الهاتف بأنامل ترتجف ، ضغطت رد ، ليأتيها صوت كِنان : ديما ، طمنيني ايه الاخبار…؟

ليلى بخفوت : كِنان .. انا مش مصدقه انك هنا !

هتف كِنان بفرح : ليلى ، ياااه اخيرا سمعت صوتك ، ليلى ارجوكي تسمعي كلام ديما ، ومتضيعيش وقت…

ليلى : انا خايفه اوي يا كِنان ..

كِنان : متخافيش ابدا و انا جنبك ، انا رتبت كل حاجه ، متقلقيش ..!

ليلى ببكاء : و بابا وماما و اخواتي ، هافضحهم يا كِنان ، هافضحهم بهروبي دلوقتي…

كِنان : مسيرهم مع الوقت ينسوا و يسامحوا ، بس انتي لو كملتي فالجوازه دي عمرك ما هتنسي يا ليلى ..

ليلى : انت مش فاهم ، لو انا هربت دلوقتي ، محدش هينسى ده هيبقى عار ليهم طول العمر …

كِنان : يعني ايه يا ليلى ، هتسلمي للامر الواقع ، طب انا هسألك سؤال و تجاوبيني بمنتهى الصراحه ..

صمتت ليلى ، ليستأنف كِنان : بناتك ، هتربيهم زي ما انتي عايزه ، زي ما كنتي بتحكيلي عايزه بناتك تكون فحياء فاطمه و قوة اسماء ، و حكمه ستنا عايشه ، هيحصل ده ، و لا هيتكتب عليهم نفس اللي حصلك و يعيشوا نفس القهر اللي انتي فيه دلوقتي ، قوليلي تقدري ساعتها تتحملي العاراللي صنعتيه بنفسك و اللي هيشيلوا همه باقم عمرهم زيك…!

ليلى : حرام عليك يا كِنان..

كِنان : حرام عليكي نفسك …

ألقت ليلى بالهاتف مذعوره حين سماعها طرقات عنيفه على الباب ، لتسرع ديما باغلاق هاتفها بعد أن أخبرت كِنان بأنها ستعاود الاتصال به قريبا…

تنهدت ديما : انا هاشوف مين !

فتحت ديما الباب لتفاجأ بتميم ، قالت ديما : خير !

تميم : كل خير ، بعد اذنك انا عايز اتكلم مع عروستي …!

نظرت ديما بطرف عينيها الى ليلى المنهاره بالبكاء: مش وقته ، ليلى محتاجه تجهز عشان هنروح الكوافير دلوقت ، عن اذنك…

تميم بعد أن حاولت ديما اغلاق الباب : حيلك حيلك ، شايفاني خيال مآته ، قلت أنا عايز اكلم عروستي يبقى هاكلم عروستي ، و انتي خودي سكه متخليش اعصابي تفلت مني …

جففت ليلى دموعها بسرعه ، ثم نهضت باتجاه الباب : خير يا تميم ، عايز ايه السعادي ؟

تميم : حاجه خاصه ، معلش يا انسه ديما تتفضلي من هنا ، ها ؟

نظرت ديما باتجاه ليلى ، التي أشارت لها بالانصراف الآن ، لتجنب ردة فعل خطيبها المتهوره …

قال تميم بعد مغادرة ديما : اشطه كده هنقدر ناخد راحتنا…

ليلى : من فضلك تختصر ، انا ورايا تحضيرات كتير ، عايز ايه ؟

تميم دافعا ليلى الى داخل الغرفه : خليني ادخل الاول طيب..

ليلى بصريخ : ايه اللي عملته ده يا حيوان !

اغلق تميم الباب بالمفتاح ، ثم قال بغضب : كده بتغلطي عليا فيوم فرحنا ، كده يا متربيه..

ليلى بذعر : اسفه ، والله غصب عني ، بس انت اصلك زقتني جامد …

تميم بغل : اسفه ، هاصرفها منين دي ، و انا اللي جاي اقولك كلمتين حلوين ، تشتميني ..ده جزاتي..

ليلى : قولتلك اسفه كان…

لم تكمل ليلى حديثها ، فقد تلقت صفعه قويه من تميم على وجهها ، لتشهق ببكاء ..

تميم : يااااه من زمان و نفسي اديكي القلم ده ، من زمان و انا مكبود من كبرك وتعاليكي عليا و استحقارك لكل حاجه بقولها او بعملها ….بس دلوقتي خلاص مش هتقدري تفتحي بؤك بنص كلمه ، كلها كام ساعه واوريكي قيمتك بجد يا بنت عمي…

جلست ليلى على السرير ، فلم تعد قدماها تحملان ثقلها و ثقل قلبها المتعب ، تمعنت في الواقف يهذر بغضب قِبالتها ، مفكره هل أخطأت في حقه ، هل قامت فعلا بتفريغ شحنة غضبها من اجبار أهلها على هذه الزيجه تجاهه ، و آذت مشاعره دون أن تقصد ، و لكن ما الذي يجبره على اتمام زيجته بفتاه يعلم كل العلم بانها تبغضه ، أي نوع من الرجال هو ، ألا يحمل و لو ذره من الكرامه …!

قالت ليلى بصدق: انا اسفه يا تميم ، انت عندك حق ، انا فعلا غلطت فحقك كتير…

كانت تريد أن تؤثر عليه ، ان تستنجد بالرجل الشهم بداخله ، هذا إن وجد ، ان تعطيه الفرصه لتحرير نفسه من قتامة الغضب الذي يعتمر بصدره ، ليدع الانتقام جانبا ، كانت محاوله أخيره للافلات من هذه الزيجه ..

قال تميم : اهو مش باخد منك غير الكلام ..

ليلى بأمل : طب عايزني اعمل ايه ، فهمني ارجوك عشان …

قاطعها مقبلا اياها بعنف ، و ضاما جسدها الضيئل لتلتصق به مكرهه ..

حاولت ليلى ابعاده عنها : تميم سبني ، هاصوت و الم عليك الناس ، سيبني يا بني ادم…

تميم بعد أن ابتعد عنها : مسيرك يا ملوخيه تيجي تحت المخرطه ، هانت يا بنت عمي ، هانت..

خرج تميم ، لتسرع ليلى بالاتصال بديما : تعالي عندي بسرعه اوام…

أغلقت الهاتف ، مرتابه من قرارها ، و لكن الى متي ستخدع روحها بأن بامكانها التأقلم معه ، لقد عنفها مرات عده في غضون الدقائق الماضيه ، بدايه من دفعها بشده داخل الغرفه ، ثم صفعها ، حتى حينما أراد أن يعبر عن مشاعره تجاهها استخدم العنف و فرض القوه ، دون أن يمهد لها أو يستثير عواطفها بكلمات رقيقه كما يفعل أي عريس تجاه من ستُزف اليه بعد سويعات..

حينما دلفت ديما الى الغرفه ، كانت ليلى ترتجف و بشده ، قالت ديما : انتي بردانه يا ليلى !

ليلى بضعف : انا مرعوووبه مرعوووبه من اللي هاعمله

ديما غير مصدقه : انت خلاص قررتي تهربي مع كِنان ؟

ليلى : ايوه ، مش قادره اكمل ، انا بخاف منه جدا ، و مش عارفه هاعيش معه ازاي تحت سقف واحد ..

ديما بحسره : ربنا يهديلك اهلك ، اسمعي اجمدي مينفعش كده ، لازم تكوني اد القرار اللي اخدتيه ، مش عايزين كل حاجه تبوظ فاخر ثانيه…

ليلى : حاضر ، حاضر ، طب احنا هنعمل ايه دلوقتي…؟

ديما : احنا هنروح للست اللي هتزبطك ، و بعد كده هاوزع ماما و خالتي وسط الستات ، و تزوغي انتي عالحمام اياه ، تغيري هدومك و هاكون مستنياكي بره ، اول اما اكلمك تخرجي ،واوعي تخرجي قبل مكالمتي ، فاهمه يا ليلى ..!

أومأت ليلى ، و استعدت للانصراف مع ديما ووالدتيهما الى السيده التي ستتولى القيام بزينتها لهذه الليله ….

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

كان كِنان يقبع بسيارته على الطريق العام المؤدي لتلك البلده الصغيره ، حيث سيقام حفل زفاف ليلى قريبا ، و تآكله القلق حين أقر بذلك في نفسه ، فيبدو أنها استسلمت للضعف..

قطع عليه حبل أفكاره رنين هاتفه ، ليجد اسم فاتن …

تمتم : مش وقته ، احتمال كبير ديما تكلمني دلوقت..

الغى المكالمه ، عازما على محادثة أخته في اقرب فرصه ، كما وعد نفسه بأنه سيقف بجوارها ، و لكن ليس الآن ، في خضم مفترق الطرق هذا ….

كان محقا ، فلتوه تلقى اتصالا من ديما ، أجاب بلهفه : ها ايه الاخبار..؟

ديما : خليك مستعد ، احنا دلوقتي هنروح الكوافير ، و لو كل حاجه مشيت زي ما انا راسمه ليلى هتكون عندك بعد ساعتين …

كِنان بقلق : طب خلي بالك ، ممكن تديني اكلمها…

ديما : معلش ، مش هتقدر تتكلم دلوقتي..

كِنان : طيب سلميلي عليها اوي ، و قوليلها متخفش ، ها يا ديما ارجوكي تطمنيها انا عمري ما هاتخلى عنها

ديما : اوك ، و سلام دلوقتي..

اسند كِنان راسه على مقود السياره ، متمتما بكل أنواع الدعاء التي يحفظها ، راجيا من الله أن يقف بجواره ، و يخلص ليلى من تلك الزيجه بالاكراه …

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

عاد أنس من قسم الشرطه و كل ذره في جسده تأن من شدة الألم ، دلف الى حجرته دون أن يحيي والديه ، رتمى على السرير ، ناقما بشده على سوء حظه و على مدعية الشرف …هي و اختها الثريه المدلله …

اغمض عينيه ، متوعدا ، يوما ما ستنال عقابها على ما اقترفت بحقه …تمتم بحنق : و الايام دوَل يا فاتن ، الايام دوَل…مسيري هاردلك القلم

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

خرجت ديما من غرفة ليلى ، لتستدعي والدتها و خالتها ليذهبا مع ليلى الى خبيرة التزيين ، عدت بسرعه كبيره و حين وصولها الى السلم ..أتاها صوته مناديا : ديما ، استني يا ديما…

التفتت ديما لترى لؤي ، يهرع باتجاهها ، قال حين اصبح مواجها لها : ازيك

ديما بحنق : كويسه اوي …

فلقد تجنبها لؤي منذ عودتها الى مصر ، و لم يكلف خاطره حتى بالاطمئنان على أحوالها …

لؤي بتردد : انا ..

ديما مقاطعه : معلش انا لازم انزل و ادور على ماما و خالتو عشان هنروح الكوافير دلوقتي…

فغر لؤي فاهه ، ثم قال : و هتخرجي كده ؟؟؟

ديما ساخره : لا كدهون..!

لؤي بحنق : مش عشان فرح و هيصه يبقى تقلعي حجابك ، غطي شعرك احسن و ربنا …

توقف جازا على اسنانه بغضب ، لتقول ديما محاولة التخلص منه : هو انت فاكرني هاخرج من غير طرحه ، ده بس هنا… عشان مفيش رجاله

لؤي بغضب : و انا ابقى ايه ، مش راجل و لازم متبينيش شعرك اودامي ..!

ديما مرتبكه : هي طالبه خناق معاك و لا ايه ؟

” ديما ”

كانت تلك راويه والدتها ، تنتظر اسفل السلم

قالت ديما : جايه اهو …

نزلت اول درجه ، ليقول لؤي امرا : شعرك

تاففت ديما واضعه الطرحه على راسها و قالت بحنق : اهو ..ارتحت

و عدت الدرجات بسرعه كبيره ، فما زال امامها مهمة توصيل ليلى لكِنان…

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

أصرت سلوى على حضور حفل زفاف شقيقة يحيى ، و الذي قام بدعوتها هي و شيرين الى الحفل المرتقب اليوم..لتتفق مع شيرين على الذهاب الى بلدة يحيى بسيارتها سويا …

قالت شيرين بامتعاض : و الله شكلنا هنتوه فالحته المقطوعه دي..

سلوى : اللي يسأل ميتهش يا شيري ، بمناسبة الاسئله ، انا كان نفسي اعرف انتي جبتي صور اللي اسمها فاتن ازاي ..قصدي صور اختها وهما توأم و لا ايه الحكايه ..؟

شيرين : معرفش اذا كانوا توأم ، بس أنس عدل الصور بتاعة اختها و بقت شبهها بالمللي…

هتفت سلوى : أنس ، و دخله ايه في الموضوع ..؟

شيرين : هو اللي جابلي الصور ، و عدلها عالفوتوشوب لما عرف ان يحيى مصمم يرتبط بالبنت دي …!

سلوى باستغراب : بقى انس خايف على يحيى ، مش اولى يخاف على نفسه ..

شيرين : احنا مالنا ، اهي خادت الشر و راحت..

أكملت سلوى الطريق ، لحين دلوفهن الى البلد ، هناك اخرجت هاتفها واجرت مكالمه هاتفيه مع يحيى ..

يحيى : الو .. ……

سلوى : ازيك يا يحيى ، انا وشيرين وصلنا بس مش عارفين البيت فين ..

يحيى : طب قوليلي انتو فين بالظبط و هاجي اخدكو

اغلقت سلوى الهاتف بعدما اخبرت يحيى بمكانهما ، ليأتي بعد ربع ساعه محييا : ازيكم يا بشمهندسات.

سلوى : الحمد لله و الف مبروك ربنا يتمملها على خير..

يحيى : الله يبارك فيكم ، و تفضلوا معايا انا هاوصلكم للبيت…

شيرين بعد ان لاحظت الوجوم على محياه : مالك يا يحيى ، شكلك مدايق او حاجه..؟

يحيى : ها …

سلوى : لا ده الحكايه فيها إن …في ايه .؟

يحيى : يعني انا كان نفسي اسالك انتي جبتي صور فاتن دي منين …؟

شيرين باندفاع : انس هو اللي ورانا الصور ..؟

يحيى بامتعاض : الحكايه فيها أنس ، يبقى احتمال …

شيرين مقاطعه : احتمال ايه ، انا و سلوى شفناها بعينا و انت مسافر جت الشركه لانس و دخلوا المكتب و وقفلوا على نفسهم لاخر النهار كمان …

يحيى مصدوما : الكلام ده صحيح يا سلوى ؟

سلوى : آآآآ

لكزت شيرين سلوى بجانبها ، و قالت : طبعا صحيح ، امال انا هاكدب يعني …

يحيى : ارجوكي يا سلوى تجاوبي على سؤالي ، شفتي فاتن مع انس زي ما قالت ….؟

همست شيرين لسلوى : ده شكله بيراجع نفسه ، و هيرجع يتورط تاني معاها ، لاجل ربنا انقذيه من الوحله دي….

سلوى باستسلام خوفا على يحيى : ايوه ، زي ما قالت شيرين بالظبط !

أوصلهما ثم أسرع في خطواته راغبا بالانفراد بنفسه ، فلقد امضى الايام الماضيه يقلب في الاحداث الاخيره ، محاولا أن ينتزع فاتن من عقله اولا ، فالمعطيات أمامه كانت تدل على سوء سلوكها من حديثها الملتهب مع اخيه الى صورها الفاضحه ، ناهيك عن ذهابها الى تلك الشقه المشبوهه و اشتراكها ربما في كمين مع الشرطه هناك ، و لكن لِمَ اختاروها هي بالذات ، لربما كانت لديه صله مع مَن تم القبض عليهم ، و لكن بقي هامس يخبره بأن هناك خطأ ما ، شيء غير منطقي ، لتأتي كلمات شيرين و تأكيد سلوى لتكون القشه التي قسمت ظهر البعير ، فما مصلحتهما في الكذب عليه ، خاصه سلوى ، لقد عهد دوما منها الصراحه و الوضوح التام …

و حتى ان أجيبت كل تساؤلاته ، ما الفائده ، لقد خانته مع أخيه ، لن يستطيع أن يغفر لها ذلك ، لن يغيب عقله و يُكذّب والده ، و الذي و بشكل غير مسبوق دعم كلام لؤي ، مما يعني أن لؤي صادق تماما

أما أنس ، فمن المستحيل بعد اليوم أن يبقى على شراكته معه ، ليس بعد أن طعنه بخنجر قاتل ، لقد علم مدى تعلقه بفاتن ، لو كان صديقا حقيقيا لما تلاعب معها من وراء ظهره ..!

ابتسم ساخرا ، و تمتم : يعني كانت مقضايها مع لؤي و انس و يا ترى مين كمان ؟

ثم هز رأسه نافيا .. مش معقول ، بجد مش معقول …بس خلاص مقدرش ادخل فالدوامه دي تاني ، مقدرش اكدب كل الناس دي و اصدقها ، مقدرش ، ربنا يهديها ، ويهديني ، واقدر انساها واريح نفسي من الحيره دي!

أوصل زميليته ، ثم توجه الى الحمام الخارجي ، عازما على انعاش نفسه ببعض الماء ، فالان عليه أن يقف في فرح ليلى مدعيا السعاده…

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

كانت ديما مختبئه خلف الأشجار تترقب انتهاء ليلى من تغيير ملابسها ، حين رأت يحيى قادما باتجاه الحمام الخلفي ، ليجن جنونها ، و احتارت كيف تمنعه من دلوف الحمام…

هرعت مسرعه من خلف الأشجار ، تصرخ : يحيى ، يحيى …

التفت يحيى الى مصدر الصوت ، لتستمر ديما في الاستغاثه : يحيى ، رجلي ..مش قادره …

عدا باتجاهها ، يسأل بقلق : ديما انتي كويسه ؟؟

ديما لاهثه : رجلي بتوجعني شويه ، شكلها اتلوت و لا حاجه …!

يحيى : طب اسندي عليا و هاوصلك البيت ..

ديما : متشكره اوي يا يحيى ، هاتعبك معايا…

يحيى : لا مفيش تعب و لا حاجه .

سارت ديما ملاصقه ليحيى ، و الذي قام بايصالها الى با ب المنزل ، حيث تعلو اصوات الزغاريد و الهرج من الداخل ، لتقول ديما : انت هتروح فين دلوقت ؟؟

يحيى : ليه عايزه حاجه ؟؟

ديما : اصل …

ابتسم يحيى : اصل ايه ، قولي متتكسفيش انا زي بابا ..تحبي اجبلك دكتور ؟

ضحكت ديما على دعابته و قالت : لا رجلي كويسه دلوقتي بس اصلي جعانه و هاموت على حته شكولاته ، متقدرش تجبلي اي حته ان شاء الله من ام نص جنيه دي..

ابتسم يحيى : حالا ، عشر دقايق و هيكون عندك كل الانواع اللي بتحبيها…

تنهدت ديما حين تأكدها من مغادرته بعيدا عن المنزل ، و انطلقت حيث ليلى منتظره بالحمام ..

” ديما ، استني ،واخده فوشك كده ورايحه فين ”

استدارت ديما ، حين سماعها صوته …فتحت فاهها ثم أغلقته

لؤي بحرج : ديما ، انا كنت عايز….

صمت مترددا..

ديما في نفسها : هو ده وقته ، انجز ، البت هتخلل فالحمام ..!

لؤي بتلعثم : انتي عملتيلي بلوك عندك عالفيس ولا …

صمت ثانيه ، لتتأفف ديما ، بعد كل ما جرى بينهما و بعد اهانته المستمره لها ، لم يفرق معه سوى حذفه من الفيس ، بالتأكيد لا يهم سوى كرامته ….

قالت ديما بجفاء محاوله التخلص منه ، و غير عابئه بالطريقه : اه …اصلي مبحبش يكون عندي ناس فاشله

شاهدت امتقاع وجهه ، لتشعر بتأنيب الضمير ، و لكن لا وقت للانغماس في حبه لذاته الان ، عليها مساعدة ليلى و بسرعه قبل أن تكتشف غيابها النسوه…

لؤي بغضب : انا الحق عليا اللي عملتلك قيمه اصلا …

استدار على عقبيه مغادرا بخيبه ، لتسرع ديما لمعاونة ليلى ، غير عابئه بدقات قلبها المتسارعه في لومها على جرح لؤي مره اخرى بتلك الطريقه…و لكنها تمتمت : يستاهل ، اه ، انا مش هاعيده تاني !

طلبت رقم ليلى بعد تأكدها من خلو الفناء من الموجودين ، فلقد توجه الرجال الى الصوان المنصوب لاحتفالهم بالقرب من ملعب البلده ، اما النساء فتوافدن من الباب الرئيسي للسمر و الغناء في المنزل..

خرجت ليلى تتلفت يمينا و يسارا ، مطمئنه بعض الشيء حين ملاحظتها لبدء الليل في اسدال عتمته..

قالت ديما الواقفه بجوار الباب : امان يا بنتي ، يلا خليني اوصلك ..

سارتا جنبا الى جنب بسرعه تسابقان الريح ، ليلى بخوف : انا مرعوووبه

ديما : ومين سمعك ، انا هموووت مالرعب..

ليلى : يخربيتك ، ايش حال لو مكنتيش انتي اللي طلعتيها فدماغي !

توقفت ديما عن السير ، لتسأل بجديه : ليلى ، من فضلك ، لو هتكملي يبقى ياريت تكوني واضحه معايا ، انا السبب فقرارك و لا انتي اخدتيه و انتي متأكده ان ده هو القرار الصح بالنسبالك..؟

هزت ليلى رأسها نافيه : لا يا ديما مش انتي السبب ، انا اللي كنت محتاجه زقه.. حد يفوقني ، يرجعني تاني اصدق فاحلامي و حياتي اللي رسمتها فخيالي و انها ممكن جدا تكون حقيقه ، انا مش هاقدر اوفيكي حقك و اشكرك كفايه ..

ديما مداعبه : انتي هتقوليلي ، ده انتي لازم تعمليلي تمثال ، واول بنت ضروري تسميها ديما و لو خلفتك كلها اولاد برده يعني ممكن تسمي حد فيهم ديم على وزن تيّم مثلا …

ابتسمت ليلى قائله : يخرب عقلك ، انا تقريبا كنت نسيت ازاي اضحك..

ديما بجديه : طب يلا بلاش نضيع وقت ، زمانه كِنان مستنيكي على نار…

امسكت ليلى بكتفي ديما مانعه اياها من التقدم ، وقالت : ديما مش هاوصيكي ، ياريت تحنني قلبهم عليا ، وتحاولي على اد ما تقدري تخليهم يسامحوني..

صمتت محاوله السيطره على دموعها : ارجوكي يا ديما ، ارجوكي ، و خلي بالك من ماما ، انا خايفه ليجرالها حاجه … انا خايفه عليها اووووي

ديما بدموع هي الاخرى : متقلقيش ، انا دايما هدافع عنك ، و مش هيجي الاكل خير ،انتي مش بتاخدي حاجه مش من حقك ، انتي بدافعي عن ابسط حقوقك و عمرربنا ما يرضي بالظلم يا حببتي ، و مسيرهم يا ليلى هينسوا ويسامحوا ، انا متأكده

ليلى : مفتكرش يا ديما مفتكرش، خلي بالك من ماما اووووي ، قوليلها ازاي انا بحبها جدا ، بس كان نفسي تفهمني و تقف جنبي ، كان نفسي معملش كده بس مقداميش حل تاني ..

ديما بتأثر : اوعدك يا ليلى ، كل يوم هاكلمها و اطمن عليها وهاطمنك لغاية اما ربنا يفرجها ، ادعي يا ليلى ربنا كبير و قادر فثانيه يحنن قلبهم عليكي..

جففت ليلى دموعها ، و اكملت طريقها مع ديما باتجاه الشارع العام…

من مسافة عدة أمتار ، لمحته يقف بجوار احدى السيارات ، لتقول ديما : اهو كِنان مستنيكي ، بسرعه يا ليلى ، انا دلوقتي لازم ارجع قبل ما حد ياخد باله…

احتضنتها ليلى بشده : خلي بالك من نفسك ، و طمنيني اول ما توصلي البيت ، لو مكلمتنيش هارجع تاني ، ضروري تطمنيني انك وصلتي..

ديما : حاضر ، متقلقيش احنا هنا فالبلد و الناس جدعه وطيبه محناش فشيكاغو عشان تقلقي ، كلها عشر دقايق و هاوصل البيت

ليلى : برده ضروري تطمنيني عليكي …

ديما : عنيا ، و انتي خلي بالك من نفسك ، واول ما توصلي فلسطين كلميني ضروري..

ليلى بدهشه : فلسطين، هو كِنان هياخدني معاه فلسطين…

ديما : ها .. مش وقته الكلا م ده، كِنان هيفهمك هتعملوا ايه ، دلوقتي يلا …

ليلى : طيب … لا اله الا الله

ديما : محمد رسول الله ، محمد رسول الله ..

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

سألت فضيلة ..والدة تميم : مالها العروسه عوقت كده ليه .؟

خديجه : ياباي عليكي ، عروسه و بتظبط روحها ، بس انا اهو طالعه اجيبها ..

فضيله : ايوه الستات كلهم هاتك يالوك لوك عايزين يشوفوا مين اللي ربنا اراد تبقى مرات ابني تميم اللي كل بنات البلد هتموت نفسها عليه..

لوت خديجه شفتيها : ربنا يحميه يا ام تميم ، عن اذنك بقى هاجيب ليلى تسلم عالمعازيم ..

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

تسارعت دقات قلبه حين رؤيته لليلى تهرول مسرعه في اتجاهه ، ضبط أعصابه و انتظر ريثما تخرج من حدود تلك البلده ، فلا داعي للاستعجال و افساد خطته …

و في غضون دقائق كانت تلهث على مقربه منه ، ليقول كِنان بهمس : ليلى ، انا مش مصدق..

ليلى بأنفاس متقطعه : مش وقت تسبيل الله لا يسئيك ، احنا هنعمل ايه دلوقتي…؟

ابتسم كِنان بالرغم من صعوبة الموقف : كل خير ، دلوقتي هنركب و نبعد عن هنا لغاية اما الامور تستقر..

ليلى بقلق : طب يلا شغل العربيه ، مستني ايه..

كِنان بحب : عايز املي عنيا منك ..

قاطعته ليلى : يا نهار اسود ، ده زمانهم بيدورا عليا ..

كِنان : ايوه ايوه اتفضلي اركبي ..

فتح لها الباب ، لتدلف مسرعه في المقعد الامامي ، و ليتقدم كِنان جالسا خلف مقود السياره..

كِنان بعد أن قام بتشغيل السياره : متقلقيش يا ليلى ، انا عامل حسابي على كل حاجه ..

ليلى بعد أن اجتازا حدود البلده : ها احنا رايحين فين دلوقتي !

كِنان باضطراب : احنا دلوقتي هنكمل طريقنا لغاية المطار..

هتفت ليلى : مطار ، احنا رايحين فين بالظبط..؟

كِنان : هنركب طياره العريش ، انا حجزت التذاكر ، و من العريش هناخد عربيه لغاية اما نوصل رفح…و بعدين هندخل فلسطين ، مطرح ما شغلي دلوقت ، في قطاع غزه..

ليلى بذعر : انت بتقول ايه…. انا مكنتش فاكره كده !

كِنان : امال يعني هتفضلي هنا ، اكيد اهلك هيعتروا فيكي ، بعد ما لؤي عرف ، مش هاقدر اخبيكي عندي .

هتفت ليلى : هو لؤي عرف ، انت حكتله..؟

كِنان : طبعا لا ، بس معرفش هو عرف ازاي ، عموما انا كنت عامل احتياطي فاكره لما طلبت منك اوراقك وجواز السفر ، كان عندي احساس ان الحكايه مش هتكون بالساهل..

أسندت ليلى راسها على المقعد ، ثم سألت : و انا هادخل فلسطين بصفتي ايه..؟

تنحنح كِنان : بصفتك مراسله صحفيه في قناة الحقيقه ، المدير ففلسطين ابوفراس كان متعاطف معايا جدا وهو اللي ساعدني ازبط اوراقك ..

تنهدت ليلى ثم قالت بريبه : و هاعد هناك مع مين ، خالتي وجوزها لسه فمصر…

كِنان : ده اللي ساعدتني فيه ديما ، كلمت صحابهم هناك ، وامنتلك سكن مع طالبات ، لغاية اما خالتك ترجع و ونكتب كتابنا..

ليلى : احنا هنتجوز ازاي و انا بعيد عن اهلي …

كِنان : ديما وعدتني هاتكلم باباها و هو هيكون وكيلك يا ليلى ..

ليلى : انا دماغي هتنفجر ، انا مكنتش عامله حسابي لحاجه ابدا ، كان كل همي ازاي اخلص من تميم …

كِنان : معلش يا ليلى ، لازم تصبري و تتحملي و اوعدك بكره هيكون احسن بكتير ، بس هي الاحلام كده ، لازم نتحمل الشوك عشان نقدر نوصلها…و متشيلش هم حاجه و انا معاكي …

ابتسمت ليلى ، بالرغم من عدم استيعابها لما قاله من خطط وتحركات ، الا أنها أغمضت عينيها شاعره بالأمان جواره ، نعم ، تستطيع أن تعبر البحر مسجورا طالما كِنان بقربها..

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

دلفت ديما الى المنزل ، لتجلس بين مجموعه من النساء الملتفات لمشاهده احدى الفتيات و التي ترقص ببراعه ، و عندما رفعت نظرها للأعلى ، شاهدت خالتها خديجه تهرول الدرجات باحثه بين الحضور…

تلاقت عيناهما ، لتشير خديجه اليها بالحضور، نهضت من مقعدها بتوتر ، و اتجهت حيث تقف خالتها..

سألت خديجه بصوت يخنقه الهرج و المرج الدائر حولهم : ليلى مش فالاوضه ، هي فين .؟

ديما مصطنعه الدهشه : انا سيباها هناك بقالي نص ساعه ، قالتلي هترتاح شويه و هتنزل هنا..

خديجه بقلق : لا مش فالاوضه ، طب خلينا ندور عليها يمكن فالاوض التانيه..

عز على ديما خداع خالتها ، و لكن ما باليد حيله ، انهتا البحث في جميع الغرف ، و لم يعثرا عليها..

لتقول خديجه : طب ما تكلميها تشوفي غطست فانهي نصيبه..!

ارتبكت ديما ، ولكنها مضطره أن تكمل الخطه ، فتحت هاتفها ثم شهقت ، لتسأل خديجه بفزع : مالك ؟

ديما : دي ليلى بعتالي مسج ، بتقول انها قررت مش هتتجوز تميم و دلوقتي مشيت مع واحده من صحابها..

خديجه تلطم: يا نهارد اسود ، يا نهار اسود ، فين ابوها ، كلمي ابوها ، كلمي يحيى ، كلميهم يجوا يلحقوها قبل ما نتفضح..

ديما : حاضر يا خالتو ، حاضر …

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

أمن المعقول أن تتلاحق المصائب دفعه واحده ، فكر يحيى المترع بالقلق اثر اختفاء ليلى المفاجىء ، والذي أحدث بلبله كبيره في بلدتهم الصغيره..

حاول محادثتها مرارا و لكن هاتفها مغلق ، لم تبق منها سوى تلك الرساله التي تركت على هاتف ديما ، أو لا يعني هذا الكثير ، لِمَ لم تلجأ اليه ، أكان بعيدا عنها بتلك الصوره ، أخافت من مصارحته ، لقد انشغل عنها بمن لا تستحق وقته ، و الآن ضاعت ليلى و …

اخترق مجلس الرجال احد الفلاحين قائلا : تميم بيه ، تميم بيه..

رد تميم و الغضب يتملك منه : عترتوا عليها..

الفلاح لاهثا : للاسف لا يا بيه ، بس في حد شاف بنت خارجه مالبلد بتجري و ركبت مع راجل و كأنه كان واقف يستناها..

تميم بغضب جم : انت متأكد ؟

الفلاح : ايوه ، الراجل ده كان راكن عربيته طول اليوم عالطريق ، و عالمغرب كده شافوا بنت بتركب معاه..

تميم :سامع يا عمي ، سامعين يا ولاد عمي ، الهانم المصونه هربت مع واحد ، مش زي ما بتقول راحت عند صاحبتها ، دي تستاهل قطع رقبتها و لا انا غلطان…

عبدالرحمن بغضب : دي تستاهل الشنق في ميدان عام لو الكلام ده صحيح …

يحيى : بابا ، ان جاءكم فاسق بنبأ…

لؤي هامسا ليحيى : كِنان…

يحيى : نعم ؟

لؤي ساحبا اخيه من ذراعه و مخبرا اياه بما عرفه من علاقة ليلى به…

يحيى : ليه كده يا ليلى ، ليه !

جلس يحيى على اقرب مقعد ، غير قادر على الوقوف على قدميه ، شاهد الغضب ينفر صارخا من وجه ابيه مع كل كلمه ينطقها الشهود على ذلك الشاب و الزاعمين بمغادره ليلى معه ، ليتعالي صراخ و توعد ابيه مع كل تشجيع يصدر عن تميم ، ثم شاهد بعينين وجلتين انقضاض لؤي على تميم مسددا له لكمه تلو الأخرى..

لم يفهم سبب تكدر لؤي من تميم لحد التهجم عليه ، فلقد فقد جميع حواسه ، كان يرى أفواها يبدو أنها تتحدث ، و لكن اذانه رفضت أن توصل تلك القماءه إلى مسمعيه ..

ليقتدم منه عبدالرحمن ناهرا : يحيى ، يحيى ، مش شايف الفاشل ده بيعمل ايه ، ما تحوشه عن ابن عمك…

اخترقت كلمة فاشل مسامع يحيى ، لتعيده أخيرا إلى الصراع الدائر حوله ، و هنا تكمن العله في هذه الكلمه ، في أسلوب والده و صرامته ، في تعنت عقليته ، لو أنه أعطى مساحه من الحريه أو الرأي في تربية أبنائه لما كانت اختارت طريق الهروب ..

هب يحيى واقفا من مقعده ، لا ليمنع لؤي كما طلب والده … بل ليشترك معه في تسديد اللكمات لمن تفوه لتوه بالأباطيل عن أخته ، محاولا تلويث سمعتها و انقاذ نفسه من الموقف المحرج الذي ورطته فيه بهروبها المفاجىء ليلة زفافهما..

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

قد تضعنا الحياه في مواقف عده … تستدعي اتخاذ القرارات المصيريه ، لكن لا تكمن الصعوبه في اتخاذ القرار بحد ذاته ، بل فيما بعد ، في كيفية التعايش مع تلك القرارات…

قررت ليلى الهرب مع كِنان ، لكنها لم تعِ فعلا توابع قرارها هذا ، و مع صعودها الطائره المتجهه بهم إلى مطار العريش ، بدأت تنجلي لها الصوره القادمه ، لقد قررت أن تحيا مع الشخص الذي اختارته بملء ارادتها ، بَيْد أن حياتها ستكون خاليه من أولئك الذين لم يكن لها الفضل في اختيار أي منهم ، بل كانوا هبة الله لها ،

لقد تخلت عن الصدر الحنون ، و الأخ الشغوف المساند ، و الأخ المشاكس ، و الأب ….توقفت أفكارها عن وصفه ، فما زال قلبها متحجرا من ارغامه لها على اختيار هذا الطريق الوعر …أن تتخلى عن كل أحبتها من أجل انقاذ نفسها من تلك الحفره التي صنعها بيديه …

نظرت لكِنان الجالس بجوارها في مقعد الطائره ، و ابتسمت محتاره ، هل سيكون قربه كافيا ، هل سيعوضها عن حنان والدتها ، و كرم أخيها الأكبر ، و دماثة أخيها الأصغر ….كانت متيقنه قبل قليل ، عندما لم تُقيم خسائرها بشكل جيد …و لكن ما الخيار الآخر ، أن ترثي روحها الضائعه كل ليله بجوار تميم…

ابتسم كِنان بدوره ، قارئا كل اشارات الحيره في عيني من ارتاءها شريكه عمره ، ليصوب لها نظره تخبرها بأنه سيكون كل ما تمنت و أكثر ، و يوما ما ستعود المياه لتتدفق من منابعها ، يوما ما ستعود إلى كنف أهلها غير نادمه على اتخاذها هذا القرار ….

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

لم يستطع عبدالرحمن رضوان ، أن يبحث عن أعذار لابنته ، ليس بعد أن جلبت له العار ، لقد أقسم لتوه أمام أخيه و ابن أخيه ببذل كل ما في سعته لجلبها حيه ، ليتقصوا منها أمام الملء ، فلن يكفي لغسل شرفهم سوا ازهاق روحها كما دارت العاده في بلدهم مع كل من سولت لها نفسها تلطيخ سمعة عائلتها و شرفها…

لقد اتخذ قراره ، و لن يتراجع … لا امام دموع زوجته …. أو عصيان ابنائه …

يتبع

error: