رواية حب تحت الرمال

الفصل الثاني و العشرون

¤ حيث بدآ ¤

————————–————————–—-
وضعت فاتن اخر قطعه من الملابس الخاصه بوالدتها في الحقيبة ، ثم أغلقتها باحكام ، واضعة اياها بالقرب من الخمس حقائب الأخرى و المملوءه أيضا بملابس انجي الشريف ، أخرجت هاتفها لتطلب رقم السائق الذي أوصلها إلى الشقه ، ليصعد و ينقل الحقائب في السياره …

بعد دقائق ، صعد لتقوم فاتن بمعاونته على احضار الحقائب من داخل الشقه و ايصالها الى باب المصعد ..

قالت فاتن : طب نزلهم تحت فالعربيه ، عبال ما اطلع للاستاذ منير … اديه المفتاح …

أومأ السائق ، و استدارت فاتن لتصعد الى الطابق العلوي ، لتتوقف حين سماعها صوت باب الشقه المقابله يُفتح من الداخل ، وقفت مسمره لثوان ، مرتعده من مقابلة أيا من اصحاب الشقه و تحديدا ذلك الماثل أمامها الآن بأعين تحتلها المفاجأه…

تسمرت فاتن في مكانها ،غير قادره على الحركه، تشابكت نظراتهما و كأن الزمن عاد بهم حيث بدآ ، عندما عاونها في تركيب تلك الانبوبه ، و كان اللقاء الأول ، و تساءلت هل سيكون الان لقاءهما الأخير ، فلقد مضت خمس سنوات منذ رأته آخر مره ، لذا ارادت ان تشبع نظرها منه ، فلربما ضَنّت عليها الايام بصدفه اخرى تتيح لها رؤيته ، تفحصته خجلى ، مازال كما عهدته جادا في هيئته و وسيما بمعنى الكلمه ، تتدفق منه امارات الهيبة و الرجوله …و لكن شيئا ما تغير …

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

وضع يحيى الحقيبه التي أخبرته والدته باحضارها جانبا ، ثم أغلق الباب ، مديرا وجهه عنها ، أراد أن يلتقط أنفاسه ، التي تسارعت بقوه حين بصُرتها عيناه ، لم يكن يتوقع حين رؤيتها مجددا ان تبعث فيه كل تلك الاحاسيس القويه مره أخرى ، لقد ظن أنه استطاع التغلب على مشاعره تجاهها ، مكونا واقعا خاليا حتى من ذكراها ، صحيح انه لم يستطع السيطره على احلامه بنفس القدره التي سيطر فيها على واقعه ، و لكنه اعتقد أنها مجرد احلام ليس لها أي قيمه ..

أما الآن لو اتيحت لاحلامه هبة النطق لكانت تحدثت ساخره : “مليش قيمه ، ها ، يا ما قلتلك قلبك مش بايدك ، و لا عمرك هاتقدر تسيطر عليه ….”

تمالك يحيى نفسه ، ثم استدار عازما على مواجهتها بكل برود…

قال يحيى بنبره تحمل في طياتها الكثير من اللامبالاه : صدفه غير متوقعه ، مع انه كان لازم اتوقعها ، الاستاذ منير قال انه اشترى شقتكو انتو كمان …

فاتن دون مقدمات : انت تخنت و لا خسيت ؟

يحيى : نعم !

فاتن : اقصد انك اتغيرت… بس ازاي … مش عارفه…

تنهد يحيى فعفويتها من احدى المزايا التي جعلتها تتغلل داخل قلبه فيما مضى ، لذا حاول الا يظهر تأثره بها الان فقال بسخريه : تحبي اخدلك لفه كده عشان تعرفي ؟

فاتن بابتسامه خجول : اه .. عرفت ..هي الدقن ..ربيت دقنك ، عشان كده شكلك متغير …

تلمس يحيى ذقنه لا اراديا ، ثم قال ببلاهه : اها فعلا ربيت دقني

ضحكت فاتن برقه ثم قالت بحرج : طب عن اذنك بقى ..

يحيى : استني..

فاتن : …

تلاقت نظراتهما مره اخرى ، ليعودا و يخفضا بصريهما باحثين في نفس الوقت عن الشيء ذاته…

و تمنى يحيى لو انه انصت الى كلام والدته و ارتأى عروسا يخطبها ، لما كان الان عرضه لنظرة الصدمه التي تملأ عينيها..

لقد فطن لما تبحث عنه كيف و هو الشيء ذاته الذي اوقفها من اجله ، اراد ان يعرف ما حل بها في السنوات الماضيه ، هل اكملت دراستها ، هل عادت للعيش في كنف البغيضه والدتها ، و لكن الشيء الاهم انه اراد معرفة اذا ما كانت ارتبطت باحدهم ، لذا اخفض بصره باحثا عن اي اثر لخاتم في يدها اليسرى او اليمنى ، كما فعلت هي الشيء ذاته قبل قليل..

طال الصمت ، لتقول فاتن بحرج : انا لازم اطلع ادي المفتاح للاستاذ منير ..

يحيى مقاطعا : بس انتي متغيرتيش نهائي..

فاتن بمعنى : لا مش صحيح ، انا اتغيرت اوي

يحيى و قد فهم تلميحها : اتمنى يكون التغيير ده للاحسن

تنهدت فاتن و اعادت بسرعه برمجه قلبها ، و الرجوع الى العقل ، فالماثل أمامها لم يغير نظرته لها ، لذا عليها هي أن تغير نظرة قلبها تجاهه ، عضت على شفتيها نادمه فلقد فضحتها مشاعرها قبل قليل ، ماذا ظنت ، هل ظنت أن ترى الحب و اللهفه في عينيه لها ، غبيه …!

لذا رمقته بنظره غاضبه علها تنسيه نظرة اللهفه التي بثتها عيناها قبل قليل تجاهه ، ثم قالت ببرود : عن اذنك …

وقف مراقبا لها و هي تصعد الدرجات ، لتلتفت على حين غره ثم تعود لتشيح بنظرها مهروله في صعودها حتى غابت عن ناظريه ، وليلعن نغسه الضعيفه التي فضحت مشاعره …

وتمتم : كان لازم تقف متنحلها كده ، حبكت يعني… اديها علمت عليك تاني …

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

لمحت فاتن في طريقها لركوب السياره احدى الاعلانات المعلقه على باب البنايه ، مطلوب للعمل كاشير في السوبرماركت القريب من البنايه …

فكرت قليلا ، ثم قالت للسائق : طب يا اسطى وصل الحاجات لماما ، انا ورايا مشوار قريب من هنا..

السائق : تحبي استنى سعادتك ..

فاتن : لا مفيش داعي ..

غادر السائق ، لتتوجه فاتن الى مبنى السوبر ماركت ، سائلة في الداخل عن تفاصيل الاعلان ، لتحول الى المدير

داخل غرفة المدير ، جلست مستعده لاجراء مقابله سريعه ، قال المدير : حضرتك بتعرفي تمشي امورك فالكمبيوتر و الحاجات دي

فاتن : طبعا ، حضرتك انا خريجه كلية الالسن..

تنهد المدير و قال بدهشه : و جايه تشتغلي هنا ..!

فاتن بحرج : يعني عبال ما الاقي فرصه تناسب درجتي العلميه..

المدير ببشاشه : طب و الله ما انا كاسفك بما انك اول حد يجي للشغلانه ، انا هاجربك اسبوع ، لو مشي الحال ، تبقي انضميتي لاسرتنا المتواضعه ، دلوقتي هاعرفك عليهم …

تبعته لتتعرف على باقي الموظفين و لحسن حظها كانت من ضمنهم احدى الفتيات..ووالتي اعطتها نبذه سريعه عن كل متطلبات العمل …

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

طوال طريق العوده ، فكر يحيى جديا في اكمال نصف دينه ، و اسعاد قلب والدته ، و الأهم أن لا يقع مرة اخرى في ذاك الموقف المحرج ، فالآن ستظن فاتن أنه ما زال معلقا بها ، يأبى الارتباط لان ما زال حبها يستوطن في جدران قلبه

لقد رآها ..نظرة الانتصار في عينيها حينما نظرت الى انامله الخاليه من اي مظاهر الارتباط…

و لكن بمَن ، والدته ما فتأت تلمح منذ فتره ، بابنة خالته ديما ، ابتسم يحيى ، ربما لو خَبُر لؤي نوايا والدته لنزل و بسرعه عن برجه العالي مترجيا ديما أن تغفر له سوء معاملته و حماقته …

ربما عليه الاقدام على تلك الخطوه من اجل تحريك المياه الراكده بينهما ، لسوف يتلذذ يحيى باثاره حنق اخيه الاصغر … و لكنه لا يستطيع ان يتورط في لعبه كهذه حتى و ان كانت نيته خيرا ، فلربما اساء لؤي الظن به…

فليومنا هذا ، ما زالت كلمات الحب التي بثتها فاتن لاخيه ، ترن مدويه في اذنيه مخترقه أحلامه الكئيبه ، مع ان هدف لؤي كان بكشف حقيقتها له ليس الا…و لكن ما زالت تلك الذكرى مؤلمه للغايه ، ان تفضل محبوبتك اقرب الناس اليك غير عابئة بالنتائج ….

نحاها عن تفكيره ، فلا وقت لديه للفاتنات المخادعات …عليه أن يبحث عن فتاه يستطيع استئمانها على اسمه و بيته ، نقر على مقود السياره ، مفكرا بتردد : سلوى ….

و لكنها لا تحرك فيه اي مشاعر خاصه ، شخر ساخرا ثم تمتم : و مين غيرها قدر يحرك مشاعرك ، يمكن الحب ده مجرد رغبه بنزوءها بكلمات منقمه ، امال ايه اللي مخليك لغاية دلوقتي بتحن ليها ، واحده باخلاقها ايه اللي ممكن يعجبك فيها اصلا ، فعلا ، دي رغبه و بس …طب عملت ايه عشان تتناساها ، اديك سايب نفسك عرضه للفتنه ، يبقى لازم اخد خطوه فعليه و كفايه مماطله …

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

جالت سلوى بنظرها بين الحضور ، لتقول شيرين : ايه حبيب القلب لسه مجاش ؟

سلوى : يوووه مش هتبطلي تريئه بقى !

شيرين : اقولك ، تعالي نقعد و اسمعك كام كلمه حمضانين من اللي يعجبوا قلبك…

سلوى : حاضر ، ما انا عارفاكي مش هترتاحي الا اما تديني الموشح اياه

جلست الفتاتان على المقاعد المنتشره في حديقة فيلا منصور ، و التي زُينت خصيصا لحفل ميلاد سلوى..

قالت شيرين بعد أن ابتعدت احدى المهنئات عن ناظريهم : دلوقتي ادامك طريقين ، طريق مضمون مليون الميه و التاني غامض و مفيش فيه بصيص نور ، تختاري ايه..؟

سلوى : اه بس يا ربي .. هاخدك على اد عقلك .. اختار الطريق المضمون…

شيرين : طيب ، عندك مالك جدع و راجل اوي و بيتمنالك الرضى ترضي ، اديه فرصه و سيبك مالاوهام اللي ضيعت من عمرك سنين…

سلوى : انتي اللي بقتولي الكلام ده ، مش فاكره اما كنتي بتشجعيني ازاي ادافع عن حبي ، نسيتي الايام دي

شيرين : مش بس نسيتها ، لا ده مسحتها باستيكه كمان ، و اديكي شايفاني ربنا بعتلي زوج بيتمنالي الرضا ارضى ، صحيح الاول مكنتش بحبه و كانت جوازه و السلام لكنه معاملته الطيبه معايا و حبه ليا خلاني غصب عني احبه و انسى اي حد تاني كنت معلقه نفسي بيه عالفاضي …صدقيني انا لما بفتكر نفسي زمان بحزن عليا اوي ، ساعات الواحد بيعمل حاجات لو رجع بيه الزمن بيتمنى انه يغيرها ، انا بجد في حاجات كتير ندمانه عليها و كلها اتعملت تحت مسمى اني ادافع عن حبي ، بس كله كان وهم و خلاني خسرت صورتي ادام نفسي و عملت حاجات مكنتش متصوره اني اعملها

سلوى : انا نفسي اعرف مين ده اللي عمل فيكي كده !

شيرين متهربه : سيبك مني ، خليني اكمل البؤين بتوعي

صمتت لحظه ثم اضافت : الحب تصرفات ، افعال ، راجل ياخد خطوه عشان تكوني له ، مش اني اعد حاطه ايدي على خدي و استنى اما يحن الفارس و يتنازل عشان انول الرضا…و في السكه اضيع احلى سنين عمري و يا عالم لو حتى انا فباله اصلا …

سلوى بامتعاض : يعني انتي شفتي مالك خاد خطوه ، ما هو رجل بتقدم و التانيه بتاخر ، اروح انا اطلب ايده يعني….

شيرين : لا طبعا ، بس لمحيله ، اديه الضوء الاخضر زي ما بيقولوا ، اصلا مش بعيد يكون هو حاسس بمشاعرك ناحية يحيى و يمكن ده اللي معطله انه ياخد خطوه

سلوى : مش عارفه … انا فعلا بتعجبني فمالك رجولته و طيبة قلبه و اهتمامه بيا و خوفه عليا …

قاطعتها شيرين : كووووول ده ، انتي بتقولي فيه شعر اهو ، تصدقي انا حاسه انك بتحبيه بس مش قادره تعترفي لنفسك انك كنتي طول السنين اللي فاتت عايشه فوهم ..

سلوى : وهم ايه يا فيلسوفه..؟

شيرين : وهم حبك ليحيى … صعب اوي لما نضيع سنين من عمرنا مؤمنين بحاجه ، مش سهل علينا نيجي بعد كده و نعترف بغلطنا ، متكابريش يا سلوى ، و ادي اللي شاريكي فرصه ، تعرفي انتي اصلا ويحيى عمركو ما هتنجحوا مع بعض

سلوى بامتعاض : ليه بقى ؟

شيرين : عشان انتو الاتنين شخصيات قياديه ، يحيى طبعه حامي محتاج واحده تهاوده مش تُقفله عالواحده ، و انتي محتاجه راجل مَرِن ، و مالك شخصيته مَرِنه و متفاهم و مستعد يتنازل و….

قاطعتها سلوى : طب هس هس ، مالك اهو جاي ناحيتنا …

تقدم مالك و الابتسامه تزين ثغره ، مالئة عينيه السودوان بدفء مطمئن ، اقترب من مائدتهما قائلا بحراره : عيد ميلاد سعيد لارق بشمهندسه فالدنيا….

ضحكت شيرين برقه و قالت : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته …مش ترد السلام الاول

لكزتها سلوى ، لتقول شيرين : انا رايحه اشوف بنتي المفعوصه دي اختفت فين ..

نهضت من مقعدها ، ليقول مالك : ازيك يا بشمهندسه شيرين ، عاش مين شافك…

شيرين : انا كويسه ، و انت شكلك ميه ميه ، حلو اوي النيو لوك اللي انت عامله ده..

ابتسم مالك ، لتقول سلوى : لا ده من زمان ، مع اني ما زلت معترضه ، اللوك الكيرلي كان مخليك كيوت خالص على فكره …

تنحنح مالك ، لتقول شيرين : لا بس لوك الجيش ده مديه هيبه ورجوله كده …

مالك متصنعا الجديه : هريتو فروتي وانا واقف .. ثم أضاف بابتسامه : لاده فعلا هريتوا فروة راسي …

ضحكت الفتاتان ، لتقول شيرين : طب عن اذنكو اما اشوف تالا فين ، و متنسيش يا سلوى تدي مالك حته من الجاتوه الاخضر …ها….

رمقتها سلوى بنظره محذره ، لتنصرف مسرعه …

جلس مالك على المقعد بجوارها قائلا بعد أن وضع صندوق مغلف بشرائط الهدايا على المائده امامهما : عقبال مليون سنه يا رب.

سلوى : ميرسي اوي ، تعبت نفسك..

مالك : طب افتحي و شوفي جبتلك ايه …

فتحت سلوى الصندوق ، متفحصه محتوياته ، لتمسك بعقد ذهبي مزين بفصوص خضراء ، ترافقه اسوره انسيابيه تحتوي على نفس الفصوص ، لتقول : الله ، ده تحفه ، تسلم ايدك ، بس ده كتير اوي..

مالك : المهم يكون عجبك..

سلوى : طبعا ، ده رقيق جدا ، أنا هالبسه اهو

مالك بعد أن ارتدته : و لايق كمان عالفستان ..

ابتسمت سلوى : اه صحيح ، صدفه حلوه ، دلوقتي هيبقى تحفه فالصور…

مالك : امال امتى بقى هتقطعي التورته ..؟

ارتبكت سلوى و قالت : ها .. كمان شويه

ثم سألت متصنعه اللامبالاه : امال يحيى ..فينه عنك ..

تكدر مالك ، ثم قال محاولا اخفاء مشاعره : يحيى مقدرش يجي و بيعتذرلك ، و بعتلك دي معايا.

اخرج مالك من جيبه ، زجاجه من العطر ، قائلا : اتفضلي ..

سلوى بخيبه : متشكره …

تنهد مالك ثم قال بتردد : ممكن اسألك سؤال خاص شويه ، ده لو مش يدايقك اني اتطفل على خصوصياتك..

سلوى: اتفضل طبعا ، تطفل ايه ده انا بقضي وقت معاك انت و يحيى اكتر ما بقعد هنا ويا اهلي و اخواتي…

مالك محاولا عدم الانزعاج من وضعها له في نفس الدرجه مع يحيى : من غير مقدمات ، بنت جميله و متعلمه وطموحه و ملتزمه و من عيله ، ايه اللي يخليكي لحد دلوقتي مش ارتبطتي و لا حتى بخطوبه .؟

سلوى و قد تذكرت كلمات شيرين و ما زالت متكدره من غياب يحيى ، و ارساله تلك الهديه العاديه.. اقتنعت بنصيحة صديقتها ..

قالت : يمكن مستنيه حد معين ، بس للاسف رغم كل الاهتمام اللي مبينهولي مش بياخد خطوه فعليه

مالك بلهفه : يعني لو الحد ده اتقدملك ، توافقي …

ابتعلت سلوى ريقها ، فكلامه لا يحمل معنيين ، لذا عليها ان تقرر و بسرعه ، قالت بحرج : احتمال …

ابتسم مالك ثم قال : انا عندي احساس انه قريب جدا هنسمع اخبار حلوه

ابتسمت سلوى بدورها و قالت : طب يلا خلينا نقطع التورته ..صمتت ثم أضافت بتوتر : انا عايزاك تكون جنبي و انا بقطعها السنادي …

نهض مالك من مقعده متمتما في نفسه : و كل السنين الجايه ان شاء الله…

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

قبعت ليلى في داخل الحمام ، منتظره ظهور النتيجه و الحزن يتملك كل ذره في جسدها ، معلنا نفاذ مخزون الصبر لديه ، لم يعد باستطاعتها تحمل المزيد …

قرع كِنان الباب متسائلا : الله يا ليلى ، مالك طولتي اوي …؟

ليلى بعد أن مسحت دموعها : ثواني يا كِنان ..

اتتها النتيجه ايجابيه ، لتخرج من الحمام ، راسمه ابتسامه عريضه على شفتيها : مبروك يا كِنان ، هتبقى اب للمره التانيه ، الف مبروك…

ابتسم كِنان ، ثم احتضنها بحب قائلا : مبروك علينا يا احلى ماما فالدنيا …

ليلى : طيب انا هاروح اشئر على يامن و بعدين هاحضرلك العشا..

كِنان بتردد : استني ..

ليلى : مالك يا كِنان، انت مش مبسوط بالبيبي الجديد !

كِنان : ده كلام يا عبيطه ، انا هاطير مالفرحه ..

ثم أضاف :اعدي انا عندي حاجات حصلت فالشغل…

ليلى بعد ان جلست بجواره على حافة السرير : خير يا حبيبي ، حصل ايه .؟

كِنان : انا هاتنقل تاني ..

ليلى : قول تالت رابع … انا تعبت اوي يا كِنان من عدم الاستقرار ده..

كِنان : طب اعمل ايه ، هو ده شغل الصحافه …و بعدين مجبر اخاكي لا بطل ، محدش هيوظف مصري في دوله اوروبيه زي هنا ملانه كفاءات ، احنا نحمد ربنا اني توظفت في قناة الحقيقه قبل ما يحصل اللي حصل و لا كنا زمانا متلطمين هنا وعايشين عالاعانات بتاعة الدوله…

ليلى : طب ليه منرجعش مصر بقى ، ده فات خمس سنين ، و معتقدش ان بابا قلبه قاسي اوي للدرجادي و هينفذ تهديده ..ده بقاله حفيد يا كِنان…

كِنان : وكلام ديما ، نرميه البحر يعني ، اخر مره اتكلمنا معاها برده قالت ان ابوكي لسه مش مسامح ، لسه بنفس العقليه ، و الادهى عمك و ابن عمك مستمرين لغاية انهارده بيقوموه عليكي ، انا مقدرش اجازف بيكي

يا ليلى ، وانتي كمان ارجوكي فكري فابننا يامن و في اللي جاي فالسكه ..

ليلى بنفاذ صبر : طب سبني اكلم يحيى حتى ، انا عارفه يحيى و تفكيره عمره ما هيكون بعقلية بابا واهل البلد

كِنان بهدوء : منقدرش ، اكيد هايصعب عليه اهلك و اخوه ويمكن يضعف و يقولهم ، مقدرش اخاطر ..

ليلى : يعني ايه ، هافضل كده لباقي عمري، انا تعبت يا كِنان نفسي اشوف اهلي ، اكلمهم حتى ..حرام عليك

كِنان بحب : حرام عليا ، ربنا يسامحك يا ليلى ، انت عايزاني اسلمك للموت بايديا، احنا نصبر، نصبر يا ليلى لغاية اما ربنا يحنن قلب ابوكي ، لغاية اما نتأكد ..

قاطعته ليلى : عمرنا ما هنتأكد …

ليقاطعها كِنان : مش صحيح ، انا حسيت من كلام ديما اخر مره ، ان ابوكي صحيح لسه مصمم عاللي فدماغه بس فنفس الوقت مرتاح انك بعيده و انه مش هيضطر ينفذ كلامه، يعني هانت يا ليلى ، الزمن اكبر مداوي للجروح ، نصبر شويه لغاية اما يقتنع فعلا ..و ساعتها محدش يقدر يأثر عليه و يخليه يغير رأيه ..انا اكتر حاجه مخوافاني زن ابن عمك ، اصل اللي بعقليته عمره ما هيسامح بحاجه زي دي ..

ليلى و قد شعرت بتأنيب الضمير لانفعالها على زوجها المحب ، و المعاني ايضا من مرارة الغربه ، و المبتعد عن اخوته و خاصه فاتن المقيمه في مصر ، لقد رأت في عينيه مرات عده خوفه وقلقه عليها ، عدا عن تأنيب ضميره لتركها وحيده في مصر دون أي سند حقيقي ، حتى و ان كان يتكفل بمصاريفها و متطلباتها الماديه ، لا يعني هذا ان الوضع صحيح .. ولكنه تخلى عن كل مسئولياته و احلامه من أجلها ، رضي أن يعمل بوظيفه اداريه تاركا الميدان …و الكثير الكثير من التضحيات ..

قالت ليلى : انا اسفه انفعلت عليك ، بس غصب عني

كِنان : و لا يهمك…

ليلى : طب ها هنلم شنطنا و رايحين فين المرادي..؟

كِنان : فلسطين ، بس مش عارف فين بالظبط الضفه او القطاع لسه معرفتش

ليلى : طب كويس اهو بلد عربي علاقل ، لكن الوضع عندهم عامل ازاي؟

كِنان : حاليا مستقر يعني مفيش خوف..

تنهدت ليلى : مش عارفه يا كِنان ، بس الواحد ميضمنش الاسرائليين دول..

كِنان بتردد : اصل هارجع هناك اشتغل فالميدان ، صحيح مش هاطلع فالتلفزيون ، بس هاعد التقارير و هيكون العائد المادي اكبر بكتييير، و احنا محتاجين الفلوس ، زي ما انتي شايفه في عتريس تاني جاي فالسكه

ابتسمت ليلى مفكره في نفسها : ” و كمان تجهيز فاتن ، دي خلصت كليه و اكيد هتفكر تتجوز ”

ثم قالت : ربنا يستر ، بس مش عارفه ليه قلبي اتقبض كده !

كِنان : عموما لو حصل اي حاجه ، نقدر نخرج من فلسطين بكل سهوله ، انا وقت الحرب اللي فاتت اصريت اني افضل هناك برغبتي ، لكن كل الجنسيات التانيه غير الفلسطينين بيقدروا يخرجوا عن طريق طواقم الامم المتحده ، اللي بتعمل ممر آمن ليهم…

ليلى : طب الحمد لله ، كده طمنتني ، واهو نبقى على الاقل قريبين من ريحة الحبايب..

كِنان متنهدا : معاكي حق ، بلدنا وحشتني عالاخر كل شبر فيها….

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

جلس الحاج عبدالرحمن على شرفة منزل عائلته المتوارث منذ أجيال ، فوالده الحاج رضوان ورثه بدوره عن والده ، و لم يكن المنزل هو المتوارث الوحيد ، بل العموديه أيضا ، فجده و أباه احتلا هذا المنصب ، و بعد وفاة والده تولى أخاه الكبير عزالدين العموديه ، و لكنه و منذ سنوات افتقد الدفء و الطمأنينه التي كان يبثها منزلهم و بلدتهم في نفسه .

تنهد عبدالرحمن و تمتم : ربنا يسامحها على اللي عملته فينا.

و لكن هل سيسامحها أخاه ، ربما الهته حالته الصحيه السيئه عن التفكير بما حدث منذ فتره ، وماذا عن ابن أخيه الذي يستعد استعدادا حثيثاً للترشح في الانتخابات القادمه ، هل سيرمي بالموروثات و المعتقدات الباليه خلف ظهره…

ضحك ساخراً من نفسه : مش كنت أنا أولى إني أرميها ورا ضهري .

دلف إلى الداخل متكزا على عكازه بعد اصابته في جلطه في قدمه ادت الى تعثر سيره بشكل طبيعي ، و اتجه إلى غرفة الضيافه حيث يجلس أخاه مع بعض أعيان البلده.

فور دخوله ، حيّاه تميم ابن أخيه و قال : مرحب مرحب بعمي ، اتفضل.

شكره عبدالرحمن و اتخذ مقعداً بجوار أخيه الذي حياه قائلاً : مرحب بأخوي…

أحضر تميم فنجاناً من القهوه لعمه و جلس بجواره ، ثم قال : ايه يا عمي ، لسه مفيش أخبار عنها…؟

قال عزالدين : و بعدهالك يا تميم ، قلنا بلاش السيرة دي.

قال تميم : بلاش ايه يابوي ، ده شرفي و اسمي ، ازاي الناس هنا هاتحترمني و…

قاطعه عبدالرحمن قائلا : متنساش اللي بتتكلم عليها دي تبقى بنتي .

قال تميم : معلش يا عمي ، بس الحاجات دي ميتعملش فيها خاطر لحد.

قال عبدالرحمن بعتاب : كده يا ابن أخويا .

قال عزالدين بحده : كفايه كده ، سبنا دلوقت يا تميم ..

انصرف تميم ليعاود الاشراف على حملته الانتخابيه

قال عزالدين : أنا مش عارف مخه هتوديه لفين الواد ده.

قال عبدالرحمن : ربنا يهديه و يريح بالي يا أخويا .

أومأ عزالدين برأسه قائلاً : آمين آمين …..

تنهد عبدالرحمن فلقد حضر إلى هنا ليريح أعصابه من صخب المدينه ، ولكن على ما يبدو صخب بلدته الصغيره بموروثاتها و معتقداتها أشد من ذلك الذي تركه خلفه ….

قال عبدالرحمن مباغتا : تفتكر لو ليلى رجعتلي تاني ، هيجيني قلب و ..

قاطعه عزالدين : الحاجات دي مفيهاش قلب خالص يا اخويا ، ده اسمنا و شرفنا ، انا مبحبش حمقة تميم و تسرعه لكن ده ميمنعش ان عنده حق ، خليك فاكر الليله اياها و عملتها السوده …

عبدالرحمن بضعف : و الله ما انا عارف ، يمكن ربنا ليه حكمه اننا لحد دلوقتي منعترش فيها…

عزالدين : مسير الحي يتلاقي يا اخوي..

عبدالرحمن : عندك حق ، مسير الحي يتلاقى …

ثم أضاف : صحيح كنت هانسى انا جاي هنا مخصوص عشان ايه

عزالدين : خير ..؟

عبدالرحمن : شقتنا القديمه ، جارنا الاستاذ منير عرض علينا يشتريها ، و شكله محتاج يجوز حد من ولاده حاجه كده ، وانا قلت ليحيى انت مش هتعارض معدلهاش لزوم عندنا ..

عزالدين : طيب انا هادي تميم خبر و يروح يقابل منير و يتفقوا على كافة شيء

عبدالرحمن : طب خليه يبلغ يحيى بالتفاصيل اول باول

عز الدين : و لا يهمك

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

في طريقه الى المكتب ، تحلق حوله مجموعه من الأطفال الذين تترواح اعمارهم ما بين السابعه و العاشره..

تأفف تميم مسرعا في سيره ، ليبدأ الاطفال في اطلاق النكات : اهو اهو عريس من غير عروسته اهو..

زج تميم على اسنانه ، فإن كان كبار البلد يخشون ذكر تلك الحادثه المشئومه امامه ، الا أنها ما زالت محط أحدايثهم و مسامرتهم اليوميه فا هي تنتقل من جيل لاخر …

تمتم بغضب : مسير الحي يتلاقي و ارد اعتباري يا ليلى ال*****

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

نزلت فاتن من الباص متوجهه الى البيت ، بعد يوم ناجح في عملها الجديد ، ارتسمت الابتسامه على شفتيها طوال الطريق المؤدي الى البنايه التي تقطن بها مع داده رقيه …

على مدخل البنايه ، صعدت الدرجات بسرعه كبيره ، مما اخل بتوازنها ، كادت تسقط ارضا ، لولا مساندة احدهم لها ..

وقفت معتدله ثم استدارت لتشكر منقذها ، ابتسمت حين رؤيته : متشكره اوي يا استاذ مالك…

ضحك مالك ثم قال : على فكره انا مهندس مش استاذ ، بس سبحان الله دايما بتنسي ، الظاهر عندك حاجه ضد المهندسين !

ارتبكت فاتن متذكره يحيى لاارديا ، ثم قالت : لا ابدا ، زي ماقلت بنسى يا بشمهندس

مالك : و كمان بتنسى ، اتفقنا من غير القاب …

ضحكت فاتن برقه : طيب طيب ، متشكره يا مالك ، كويس كده ؟

مالك مدعيا التفكير : اممم مش بطال …

ضحكت فاتن مره اخرى ثم قالت : البنات قالوا انكو هتنقلوا قريب..صحيح…؟

سارا جنب الى جنب باتجاه المصعد ، ليقول مالك : دعواتك ، الست الوالده ترضى علينا و تديني بركتها

فاتن : ربنا يسهل..

دلفا الى المصعد ، ليقول مالك بتردد : على ذكر ماما ، كانت قالتلي انك بدوري على شغل …

قاطعته فاتن بجديه : و الحمد لله لئيت شغلانه كويسه اوي ..

مالك : طب الحمد لله ، عموما احنا عندنا فرع جديد هيتفتح و محتاجين ناس كتير ..

لتقاطعه فاتن مره اخرى : زي ما قلت يا بشمهندس الحمد لله حاليا بشتغل و انا شخصيا بحب اخد الحاجه بمجهودي مش بحب الوسايط والكلام ده ، و متشكره جدا ..

فُتح المصعد لتخرج فاتن مسرعه ، ليتمتم مالك : شكلها حمئيه اوي ، ما كل الشغل دلوقتي بوسايط..

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

قال مالك بعد انتهائه من تناول العشاء و على شرفة شقتهم بحضور والدته اسماء ووالده الحاج كمال : انا ان شاء الله و اخيرا قررت ان حان الوقت و ….

قاطعته والدته بفرحه : تخطب و تتجوز ، صح يا بني صح ؟

مالك ممازحا : لا يا حاجه ، حان الوقت اني اقولك السر الخطير اللي مخبيه عليكم بقالي فتره كبيره…

اسماء بخضه : يا نهار ابيض سر ايه..

كمال : هتفضلي طول عمرك على نياتك يا حاجه ، و انت الاخر بطل هزارك ابو دم تقيل ده…

اسماء : دمه تقيل ايه ، ده على البي زي العسل ..

مالك : تُشكري يا اجمل ام فالدنيا ، و والله ما انا كاسفك ، خلاص هاخطب و اتجوز كله الا كسفتك ..

اسماء لزوجها : ترجم يا حاج بقى ، ده بيتكلم جد و لا هزار ؟

كمال : لا ده شكله جد ، و عايزنا ندورلك على عروسه و لا شئطتلك واحده..

هتفت اسماء بانزعاج : حاج …ايه الالفاظ دي ..

مالك : جرى ايه يا بابا ، نحن مش لوحدنا ..في انثى رقيقه بالجوار..

كمال : معلش يا بني القعده عالقهوه ، بتخلي الواحد يقول حاجات…..نهايته مين بقى سعيدة الحظ ؟

مالك مناورا : لما ننقل من هنا ، يبقى نتكلم فالتفاصيل

اسماء بعتاب: بتمسكني من ايدي اللي بتوجعني يعني ، طب خلاص انا موافقه و من بكره لو تحب…

مالك : ايوه كده ، بس برده لازم اشوف بعيني ، بعدين تدحلبي و توقعيني فالكلام وبعدين تخلي بيا

اسماء : شوفوا الواد و عمايله

كمال : مش ده اللي على قلبك زي العسل . ..

لم يشأ مالك ذكر التفاصيل ، حتى يطمئن على موافقه سلوى اولا و التي لمحت له بذلك مما جعله يطمئن و لكن تبقى موافقة عائلتها ، فلا داعي للاستعجال و اخبار والدته الان…

قالت اسماء بعد انصراف والده : مقولتيش عملت ايه فموضوع فاتن..؟

مالك : صحيح ، انا لسه مكلمها فالاسانسير و قالت انها بتشتغل …شغلانه كويسه كمان

اسماء : غريب ، رقيه مقلتش كده

رفع مالك كتفيه : يمكن لسه اتعينت جديد..

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

يحيى : ايه يا ست الكل ، الحاج وحشك باين ..؟

ابتسمت خديجه و تنهدت : اااااه … ناس كتير اوي وحشاني…

فهم يحيى مقصدها و لكنه اثر الا يزيد تكدرها بذكر ليلى ، فقال محاولا ابهاج والدته : طب انا عندي ليكي خبر حلو جدا..

خديجه : خير يا بني …

يحيى : انا قررت اني اكمل نص ديني باذن الله

خديجه : بجد يا بني ، دي راويه هتفرح اوي ، استنى اما اكلمها و ابشرها

يحيى مصعوقا من سرعة تصرف والدته ، امسك منها الهاتف مانعا اياها من محادثة خالته : مش ديما يا ماما مش ديما..

خديجه بخيبه : و ليه يا بني ، هي ديما تتعيب فحاجه !

يحيى : لا طبعا ، بس هي زي اختي تمام..

خديجه بفتور : امال مين ؟

يحيى : سلوى

خديجه بتفكير: دي اللي جات مره هنا تطمن عليك اما كنت عيان ، صح .؟

يحيى : هي بعينها ، سلوى منصور !

يتبع

error: