رواية حب تحت الرمال

الفصل السابع

¤ صدمه ¤

————————–

ندم يحيى على تصرفه المتهور مع فاتن ، أولا لقد تسرع في طلب الارتباط بها ، صحيح أنها حركت بداخله مشاعر قويه و لكن كان عليه أن يتريث قبل أن يصارحها ، و ثانيا وجب عليه أن يكون أكثر صبرا و مقدرة على احتوائها ، نظرا لصغر سنها و قلة خبرتها في الحياه عموما …

قطع عليه حبل أفكاره ، سؤال صديقه مالك : ايه يا يحيى ، سرحان في ايه …

طرقع يحيى أصابعه و أجاب بتردد : مش عارف أقلك ايه …

ابتسم مالك قائلا : مش عارف تقولي ايه ، اوعى تكون الحكايه تتعلق بالجنس الناعم ..

عقد يحيى حاجبيه مفكرا ثم أجاب : مش عارف..

قاطعه مالك مداعبا : هو انت كل شويه هتقولي مش عارف ، انجز …هي مين و فين و ليه و امتى و ازاي …

ابتسم يحيى : قولي الاول ، هو السن بيفرق فالحاجات دي …

سأل مالك : ليه هي عندها كام سنه …؟

أجاب يحيى : أنا بتكلم بشكل عام …

قاطعه مالك منزعجا : هو انت مش بتثق فيا و لا ايه ، بلاش اللف و الدوران ، أصلك مفضوح اوي و باين انك وقعت وقعه جامده ..

تنهد يحيى ، ليقول مالك : هي ايه المشكله فسنها ، اكبر منك …

يحيى : لا العكس ، أنا حاسس إنها لسه طفله ..

مالك : طفله ازاي ، كام سنه يعني …

يحيى : اعتقد سبعتاشر تمناشر سنه يمكن ..

مالك : هي صغيره فعلا ، بس عادي يعني فرق السن ما بينكو مش كبير هما خمس سنين بالكتير..

أومأ يحيى ، ليعود مالك بالسؤال : ايه لسه في مشاكل تاني …

يحيى بضيق : أنا عكيت الدنيا خالص…

مالك : لا دي الحكايه محتاجه قعده و تفكير قوم بينا نروح ميدنايت ..

أومأ يحيى ثانيه ، و خرج برفقة صديقه إلى مقهى ميدنايت ، عل الحديث معه يخفف قليلا من الضيق الذي يجثم على صدره ..

وفي المقهى ، وضع مالك قهوته على المنضده بعد أن رشف القليل منها وقال : ها احكيلي ، عكيت الدنيا ازاي؟

مط يحيى مرفقيه إلى الامام و قال غير راغب في ابداء الكثير من التفاصيل : ابدا اعجبت ببنت ، بس هي مختلفه عني فكل حاجه ، و اهلها متحررين بزياده و هي كمان ، بس معرفش ليه قلبي اتعلق بيها بصوره مكنتش اتوقعها و بالسرعه دي..و لئيت نفسي بعرض اني اتقدملها بس حسيت اني اتسرعت …

ليقول مالك : فعلا انت اتسرعت ، بس هي اسمها ايه ؟

يحيى بعصبيه : هيفرق معاك اسمها فايه …

مالك بعد تنهيده طويله و محاولا اغاظة يحيى : بلاش اسمها ، طب ممكن أعرف لون عينيها ايه !

يحيى : أنا الحق عليا اللي حكتلك ، و نهض من مقعده عازما على المغادره ، ليوقفه مالك قائلا من بين ضحكاته : اعد يا بني ، بهزر …

جلس يحيى بعد محايلات عديده من مالك ، الذي بادر بالحديث : لو عايز الحق ، انت اتسرعت فعلا ، و معتقدش ان اللي انت فيه ده حب ..

يحيى : ايوه أنا عارف إني اتسرعت ، بس أنا فعلا شكلي حبيتها بجد .

مالك : لا لا حب ايه ، هي بالعربي كده و بصراحه يعني عجبتك ، تقدر تقول دخلت دماغك بس مش أكتر .

صمت يحيى ليكمل مالك : يعني حسب كلامك هي فري اوي ، و مش شبهك فأي حاجه ، ايه اللي هيخليك تحبها و تبقى عاوز ترتبط بيها و في المده القليله دي….

يحيى : ما احنا لما نتعرف على بعض هاقدر اخليها تتغير خصوصا انها لسه صغيره و معندهاش تجارب ، و معندهاش حد قدوه ينصحها و لا يبينلها الصح مالغلط.

مالك : يبقى على بركة الله ، خد وقتك و اتعرف عليها زي ما هي اقترحت و لو شفت انك تقدر تكمل معاها ، ساعتها يا سيدي روح اتقدم و اطلبها رسمي .

يحيى بتردد : بس انا بحب كل حاجه تكون فالنور و مش حابب انها تعمل حاجه من ورا اهلها بسببي ، و بعدين ما انت عارف انا مليش فجو الارتباط ده.

مالك : مين قالك انها هتخبي على اهلها ، واضح من كلامك انها من عيله متحرره ، و بعدين تعال هنا هتتقدملها دلوقتي ازاي اصلا ، هو انت تقدر على تكاليف الخطوبه و اللازي منه ..

يحيى : معاك حق ، ازاي مفكرتش فالحاجات دي قبل كده ..

ضحك مالك : عشان مفتون بالبنت دي ، فلغيت عقلك تماما .

نظر يحيى لصديقه متعجبا كيف أجاد اختيار تلك الكلمه المقاربه لاسم فاتنته و في نفس الوقت تصف حالته بدقه ، بالفعل هو مفتون بجارته الصغيره فاتن .

قال مالك : طب معلش بقى انا مضطر امشي عشان هاروح بابا من المستشفى…

فلقد اجرى والده عمليه بسيطه الاسبوع الماضي..

قال يحيى : طب انا جاي معاك و بالمره اطمن على الحاج..

مالك بحرج : انا هاروحه البيت ، وانت عارف الحاج محرج عليا اجيب صحابي البيت و لا انت ناسي ..

فلمالك خمس اخوات شقيقات، ابتسم يحيى متذكرا أول زياره لبيت مالك ، حين توافدت شقيقاته لتفحص صديق اخيهن الأكبر و الذي و لاول مره يحضره الى البيت ، و كانت المره الأخيره ، فلقد أخبره مالك على استحياء بأن والده تكدر بشده من زيارته و ذلك خوفا على اخواته ، حينها تفهم يحيى الموقف ، فوالده ايضا جعل من المحرمات احضاره هو و اخيه اي صديق للبيت ما عدا كِنان و الذي كان استثناء بسبب حاجة لؤي لمساعدته في الدراسه بعد فشل الاخير لمرتين متتاليتين في الثانويه العامه ، و من يومها لم تطأ قدمي يحيى بيت مالك و لا العكس…
ابتسم يحيى متعجبا كيف جمعه القدر بصديق يشبهه من كل النواحي الماديه و الاجتماعيه..و مع ذلك آثر عدم ذكر معلومات محدده عن فاتن فلربما لم يوفقا معا ….

يحيى : طب سلملي عليه جدا

مالك : الله يسلمك…

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

دلف عبدالرحمن إلى غرفة ابنته ليلى و الغضب يكسو ملامحه الجاده ، قال موجها حديثه لديما : خالتك عايزاكي فالمطبخ ..

ديما بصوت خفيض : أنا هاروحلها حالا ..

أغلق عبدالرحمن الباب خلفها بعنف ، حينها ارتعدت مفاصل ليلى ، بالتأكيد تميم أخبره عن رسائل كنان ..

تراجعت ليلى إلى الخلف مذعوره : بابا من فضلك تسمعني ..

نفث عبدالرحمن بفروغ صبر : اسمع ايه ، سفالتك و قلة أدبك ، الظاهر إني معرفتش اربي كويس ..

ليلى : ده كداب ، و انا خلاص مش عايزه اكمل معاه يا بابا ..

عبدالرحمن بغضب : هتكملي و رجلك فوق رقبتك ، مش كفايه بعد اللي شافه و لسه مستعد يتجوزك .

ليلى بغضب مماثل : شاف ايه المتخلف ده ..

قاطعها عبدالرحمن : مش عايز رغي كتير ، و من هنا لغاية اما تروحي بيته مفيش خروج الا وقت الامتحانات ، و موبايلك مش هيرجعلك الا لو خطيبك وافق ..

ليلى بحرقه : يا بابا أرجوك تسمعني….

عبدالرحمن : انتي اللي من هنا و رايح تسمعي و تنفذي و بدون نقاش ، فاهمه !

ليلى برجاء : لا يا بابا أنا بني ادمه و ليا كيان و عقل افكر بيه و اكيد ليا رأي و لازم حضرتك تسمعني …

عبدالرحمن : ما انا كنت فاكر كده لكن للاسف خيبتي املي و ثقتي فيكي.

تحركت ليلى خطوتين للامام لتواجه والدها قائلة : بابا أرجوك متغصبنيش أعمل حاجه تزعلك مني ، ..

قاطعها عبدالرحمن ضاغطا على مرفقها بشده : انتي هتهدديني ..يا خسارة تعبنا انا و امك فيكي..

ثم اضاف : لو سمعت بس كلمه منه انك مزعلاه فحاجه ، الكليه دي مش هخليكي تعتبيها تاني لا فامتحانات و لا غيره…انتي فاهمه

ليلى : فاهمه يا بابا فاهمه

ثم غادر غرفتها كما أتى غاضبا و بشده ..

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

تسللت أشعة الشمس لغرفة نوف معلنة صباحا جديدا ، تمطت نوف في فراشها متذكرة أن عليها اليوم الاستعداد لاستقبال ضيوف والدها القادمين من لندن ، حيث سيأتي صديق والدها منذ الطفوله سالم عبدالعزيز و برفقته زوجته جيداء و ابنه الأكبر تركي .

بعد أن أنهت روتينها الصباحي ، اتجهت إلى المطبخ لإعطاء التعليمات للخدم لتهييء الغرف التي سيقيم فيها الضيوف ، و التأكد من إعداد طعام كاف لهم ، فزوجة أبيها و فور علمها بقدومهم أصرت على السفر لتمضية بعض الوقت لدى أهلها ، لتريح نفسها من عبء الضيافه ، تنهدت نوف متحسرة على أبيها ، و حظه السيء مع زوجاته ، سواء والدتها أو زوجته الحاليه حصه ، و لكنها سرعان ما ابتسمت لدى تلقيها رساله من أنس ، قرأتها و أسرعت إلى غرفتها ، فكما اعتادت منه ، أراد أن تكون أول ما تقع عليه عيناه هذا الصباح .

فتحت حاسوبها و شغلت الكاميرا : صباح الخير أنوسي ..

أنس متثائبا : صباح الحب و الجمال يا أحلى نوف …

لاحظت نوف كدمه سوداء على عينه اليمنى لتسأل بقلق : وش صايرلك ..؟

أنس : واحد ابن حرام اتهجم على بيتنا و هددنا بالسلاح و لما حاولت أمنعه اعتدى عليا بس ربنا ستر .

شهقت نوف و قالت مفزوعه : ده كان ممكن يقتلك و تروح فيها و هو اتهجم عبيتكو ليه …

قاطعها أنس : أصله جاي يسرق ، و للأسف خاد الفلوس اللي استلفتها منك ..

نوف : فداهيه الفلوس المهم إنك بخير .

أنس : فداهيه ايه بس ، دي فلوس ناس و لازم توصلهم فمعاد محدد و الا هاقع فورطه .

نوف بلهفه : و لا يهمك أنا هحاول ابعتلك غيرهم ، بس أطلب من بابا الاول ..

أنس : لا لا مفيش داعي ، أنا هادبر أموري ..

نوف : هادبرها ازاي يعني

أنس : مش عارف ، بس مش معقول هارجع تاني استلف منك .

نوف بعتاب : انت مش قلت امبارح اننا واحد و مفيش فرق بينا ، يبقى خلاص فلوسي هي فلوسك ..

أنس : معاكي حق ، و ربنا يقدرني و اردهوملك يا أحلى ما في حياتي ..

تنهدت نوف ، ليستغل أنس الفرصه : الليله كانت صعبه اوي عليا ، ممكن نوف حبيبتي توريني حاجه حلوه تخفف عني …

نوف بحب : من عيوني حاضر ..

أنس : طب يلا ..

نوف : يلا ايه …

أنس : انتي نسيتي اللي اتفقنا عليه امبارح ..

نوف : اه ، بس مش عارفه ، حتى لو مش حرام أنا بتكسف جدا ..

أنس بضيق : براحتك ، و الحمد لله اني عرفت غلاوتي عندك ، و اد ايه بتثقي فيا ..

نوف بحزن : أرجوك متزعلش ، انا مقدرش على زعلك، ده انت الحاجه الوحيده الحلوه فحياتي .

أنس بامتعاض : ما هو باين …

نوف : يعني حبي مش هيبان الا بالحاجات دي .

أنس محاولا اقناعها :طبعا ، انا عايز احس انه مفيش فرق بينا ، عايز احس انك بتثقي فيا ، عايز احس اننا قريبين من بعض و مفيش بينا رسميات ، و مش عايز اضطر ابص لواحده غيرك ، عايزك زي ما انتي ماليه قلبي و كياني كمان تملي عيني و معملش حاجه حرام و اعد ابص على دي و دي ، انتي مش عارفه البنات عندنا بيعملوا البدع فنفسهم و انا مش عايز اضعف و اخون ثقتك فيا .

نوف : انا بس ..

أنس بغضب : تاني بس ، ده انا بشتغل ليل نهار عشانك ، مش حاسس بطعم حاجه عشانك ، وانتي بتبخلي عليا بالحاجه البسيطه دي ، ليه مش عايزه تريحيني ، حرام عليكي ..

نوف : طب انا مش هقدر فيس تو فيس كده ، بجد صعب عليا ..

أنس بلهفه : يبقى خلاص ابعتيلي صوره و شويه شويه هتاخدي عليا و مش هتتكسفي ..

أومأت نوف قائله : بس يعني مش هتفكر فيا بطريقه وحشه ..

قاطعها أنس : اوعي تكملي كلامك ، احسن بجد هتزعليني ..

ابتسمت نوف ، و بعد عدة دقائق ابتسم أنس لدى تلقيه صورة نوف المتجرده من ملابسها المحتشمه و مرتديه قطعتي الملابس الداخليه فقط، و ابتسم أكثر عند انهائه المحادثه ، فلقد وقعت في يده و تبقى فقط بعض الرتوش لاتمام الاحكام على هذه الفريسه ، نهض من مقعده و اتجه إلى الحمام ليغسل الماكياج الذي وضعه على عينه لاتقان الدور .

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

ابتلع يحيى ريقه و تقدم إلى ناصية الشارع حيث تقف منتظره الباص ، و عندما أصبح خلفها تماما ، تنحنح قائلا :صباح الخير .

استدارت و ألقت عليه نظره ، ثم عادت تنظر للامام دون أن ترد تحيته .

تقدم يحيى قليلا ليقف بجوارها : فاتن متعمليش زي العيال ، احنا محتاجين نتكلم .

جزت فاتن على أسنانها ، محاولة اظهار عدم المبالاه به كما نصحتها والدتها ، و لكن رغما عنها لم تستطع السيطره على أعصابها ، فقالت بغيظ : اهو أنا كل تصرفاتي زي العيال ، شوفلك حد كبير و روح كلمه .

توقف الباص لتستقله على الفور و تبعها يحيى متخذا مقعدا بجوارها ، و قال بعد أن استمرت في التحديق في النافذه متجاهله وجوده : مش انتي وعدتيني تديني فرصه ..

التفت لتنظر إليه بعيون دامعه : انا بعمل بالظبط زي ما طلبت مني ، ثم أضافت مقلده صوته : ارجوكي تنسي اللي قولته الساعات اللي فاتت ، ثم أكملت : و اديني نسيت .

عادت فاتن تنظر من خلال النافذه ، لاعنة دموعها التي أبت أن تبقى في مكانها ، فنزلت منسابه ببطء على وجنتيها ، مسحتها بسرعه و حاولت استحضار كلمات والدتها التي حثتها على البقاء قويه لامباليه .

دموعها أصابته في مقتل ، فللمره الثانيه يشاهدها تبكي و بسببه ، لم يستطع كبح مشاعره و التريث كما خطط البارحه ، ليقول بلهفة العاشق النادم : فاتن أنا آسف ، أرجوكي بلاش دموع ، انتي مش عارفه منظرك ده بيعمل فيا ايه ..

قاطعته فاتن : خلاص خلاص و بعدين وطي صوتك انت عايز تفرج الناس علينا ..

تتبع يحيى نظرات فاتن القلقه ، ليلاحظ الشاب الواقف على مقربه منهم ، و الناظر بتركيز شديد في اتجاههم ، او بالأحرى في اتجاه فاتن ، أشار ناحيته هاتفا : بص ادامك يا أخينا …

ارتبك الشاب المرتدي زي أحد المدارس الخاصه و أشاح بنظره بعيدا عنهم ، ليعود يحيى محاولا تبرير موقفه و لكنه توقف حينما لاحظ الجينز الذي ترتديه فاتن و الممزق من موضع ركبتيها ، و بغضب : ايه اللي انتي لابساه ده ..

فغرت فاتن فاهها مندهشه من تبدل مزاجه ، فقبل قليل كان يستعطفها أن تسامحه ، و الآن غاضب منها و بشده ، رفعت كتفيها بلامبالاه قائله : انت هتعمل زي ماما ، و بعدين انت مالك ، لبسي ميخصكش فحاجه .

أخذ يحيى نفسا عميقا محاولا السيطره على غضبه : بس أنا عايزه يخصني ..

سألت فاتن بعدم فهم : هو ايه ده !

ابتسم يحيى و قال : لبسك هدومك مذاكرتك عيلتك انتي و كل حاجه تخصك ، عايزها تخصني أنا كمان ..

ابتسمت فاتن رغما عنها و لكنها استدركت نفسها ، فقالت : اه و بعد شويه تغير رأيك ، لا يا عم خلينا جيران و بس.

قال يحيى على الفور : و أنا موافق ..

ارتبكت فاتن و شعرت بالخيبه من إجابته ، قالت محاوله إخفاء تكدرها : عظيم ..

يحيى مرواغا : طب طالما احنا جيران ممكن بقى اطلب منك طلب صغير جدا خالص .

أومأت فاتن ، ليقول يحيى : أنا مش عايزنا نبقى جيران زي أي جيران ..

ابتسمت فاتن : فزوره دي يعني ..

ابتسم يحيى بدوره : شوفي أنا حاسس إننا تسرعنا جدا ، توقف عن الكلام ، ثم أكمل : أقصد يعني فطلبي منك إننا نرتبط و احنا لسه مش فاهمين بعض كويس ..

صمت متنهدا ، لتقول فاتن : أنا فهمت خلاص ، و مش زعلانه ، انت اكتشتفت إني عيله و مفيش فيا مواصفات البنت اللي بتتمنى ترتبط فيها عاد…

قاطعها يحيى قائلا بلهفه : بالعكس انتي فيكي كل حاجه أنا بتمناها …

ابتلعت فاتن ريقها و أشاحت بوجهها خجلى من تصريحه .

تتبع يحيى حركتها و هي تفرك يديها بقلق ، ليعود و يلاحظ بنطالها الممزق ، تأفف ممسكا بحقيبتها وواضعا إياها على ركبتيها ، حينها عادت تنظر له متسائله ، ليقول : كده أحسن ..و مش عايزك تلبسي البتاع ده تاني ..

ضحكت فاتن : البتاع اللي مش عاجبك ده آخر صيحه و ماركه غاليه كمان ..

ضحكتها أسرته ، و لكن حديثها سرعان ما أعاد الضيق إلى صدره ، فمن الواضح أنها معتاده على نمط حياه معين ، و بامكانياته الحاليه ربما لن يستطيع أن يكفل لها نفس المستوى من الرفاهيه .

لاحظت فاتن تغير مزاجه للمره المليون فقالت : على فكره انت مودي اوي ..

ابتسم يحيى : و دي حاجه كويسه و لا وحشه .

وضعت فاتن سبابتها على شفتيها مدعيه التفكير : امممممم مش متأكده .

يحيى : يعني دي حاجه تحبي أغيرها و لا عادي ممكن تتعايشي معاها ..

ضحكت فاتن برقه و قالت محاولة استفزازه : انت بتقول كلام غريب اوي ، اتعايش معاها ليه يعني ، احنا جست جيران ، مودي مش مودي دي حاجه متخصنيش .

فطن يحيى لمحاولتها ، فقال بجديه : لا احنا مش جست جيران ، بس أنا عارف إني اتسرعت لما طلبت إننا نرتبط ، و ده عشانك انتي ، أنا حاسس إني فاجئتك بمشاعري و انتي مقدرتيش تستوعبيها او تستوعبي …

صمت محاولا انتقاء مفرداته ، ثم أكمل : أقصد يعني انتي لسه صغيره و معندكيش خبره تخليكي قادره تستوعبي يعني ايه ترتبطي بشخص اللي هيكون شريك حياتك ، عشان كده أنا وافقت قبل شويه على طلبك إننا نفضل جيران و بس ، لكن الحقيقه أنا بس كنت بطاوعك عشان تاخدي وقت و تتأقلمي من غير ما أضغط عليكي ..

حاولت فاتن تذكر ما نصحتها به والدتها ، و لكن كل تلك الدروس تبخرت تماما من عقلها أمام حديثه الصريح و لهفته الواضحه في نبرته و نظراته لها .

ابتسمت فاتن بحرج ، ليتشجع يحيى : بصي ، أنا عندي فكره كويسه جدا و هتوضحلك ازاي تعرفي لو انتي فعلا مقتنعه بيا و تقدري تكملي بقية عمرك معايا ..

سأل يحيى بعد أن التزمت الصمت : ايه مش عايزه تعرفيها …

قالت فاتن دون تفكير : لا ده أنا هموت و أعرفها ..

ضحك يحيى : بعد الشر عليكي ..شوفي كل واحد فينا هيقول للتاني ايه اللي مبدئيا معترض عليه فشكله و شخصه .

سألت فاتن : طب اتفضل ابتدي انت الاول ..

قال يحيى : بصراحه لبسك ..

أرجعت فاتن شعرها خلف أذنيها و قالت بحرج : عشان بلبس زي الولاد ، مش بنوته يعني ..

يحيى : ولاد ايه بس ..!

قاطعته فاتن : أصل ماما دايما تقولي كده و إني لازم ألبس فساتين و حاجات تبين إني بنوته .

توقف الباص لتقول فاتن بخيبه : يي وصلنا ..

تأفف يحيى بدوره : هو احنا مش اتفقنا إنك هتحولي لكليه تانيه .

أومأت فاتن ، ليقول : خلاص خلينا ننزل نشوف الاجراءات و بالمره نكمل كلامنا .

نظرت له فاتن بتردد : لكن انت عندك شغل ..

قاطعها يحيى : الشغل ده مش مهم بالنسبالي ، و يلا بينا كده هتتأخري ..

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

جلست ديما في المدرج بجوار لؤي مبهوره بالكم الهائل من الطلبه ، قالت مستفسره : انت تعرف الناس دي كلها ….!

ضحك لؤي : ايه يا بنتي انتي عامله كده ليه..؟

ديما ببراءه : كده ازاي يعني !

لؤي : زي الفلاح اللي نازل المدينه لأول مره ..

عبست ديما و قالت : اخص عليك ، أنا كنت بهزر ، أكيد يعني مش هتعرف الناس دي كلها !

لؤي : طووويب..

ضحكت ديما : طب فين اسمه ايه صاحبك… كِنان..!

لؤي بامتعاض : أولا كِنان خلص كليته ، ما انتي عارفه اني عدت الثانويه مرتين ، ثانيا انتي مالك و ماله عايزه ايه يعني ..

ديما بحرج : لا أبدا ، بس كان نفسي أشوفه..

قاطعها لؤي : نعم ، نفسك تشوفيه ليه إن شاء الله..

ديما : أصل ليلى دايما بتجيب فسيرته و إنكو صحاب اوي..

نظر لؤي لها بتمعن و قد اعترته شكوك كثيره ، سأل محاولا استدراج ديما في الحديث : بتقول عنه ايه بالظبط..؟

أحست ديما و كأنما أفشت لتوها سر ابنة خالتها ، حتى و إن كانت ليلي لم تبح لها باسم مَن تحب إلا أنها استنتجت من حديثها المستمر عن كِنان بأنه ربما هو مَن استطاع أن يحرك مشاعرها بالرغم من خطبتها لرجل آخر .

أجابت ديما محاولة تصحيح الموقف : أبدا يعني انتو وهو صحاب وإنه كان بيساعدك فالمذاكره و كده.

ثم أضافت بارتباك ، بعد أن أحست بعدم اقتناعه : والله كلام عادي جدا…

ارتباكها عزز الشكوك لدى لؤي ، أراد أن يستدرجها لتفصح عن المزيد ، و لكن لم تواتيه الفرصه فقد حضر الدكتور طالبا الصمت من الجميع و الانتباه .

و بعد انتهاء المحاضره ، وقف لؤي لتبادل الملاحظات و النقاش مع زملائه ، أما ديما استأذنت للذهاب إلى الحمام ، و حين عودتها وجدت لؤي يتبادل الحديث معطيا ظهره لها ، و لكن هذه المره مع فتاتين ، ربما زميليته أيضا.

أرادت ديما التقدم و الانضمام لهم ، فبالتأكيد لن يعارض وجودها كما فعل قبل قليل عندما تحدث مع زملائه الأولاد ، و لكن استوقفها سؤال إحداهن للؤي : و ايه البت اللي جايبها معاك دي ، أوعى تكون الجو الجديد ، كده هازعل .

ضحك لؤي مجيبا : بقى أنا هابص للتريله دي ، حضرتها تبقى بنت خالتي و شبطت فيا عايزه تشوف الكليه .

لم تصدق ديما أذنيها ، هل قال فعلا عنها ذلك اللفظ المهين أم فقط هُيء لها .

قالت الفتاه: بس هي اموره ميمنعش..

ضحك لؤي ثم قال :ايه احنا هنفضل نتكلم عنها ، أخباركو انتو ايه ؟ .

أرادت ديما البكاء و لكن لا لن تقف هنا تبكي و تشعر بالأسى على نفسها ، قريبا ستثبت له بأنها ليست كما وصفها ، ربما ما زالت صورتها القديمه محفوره في ذاكرته و ملابسها الفضفاضه و التي تصر والدتها على ارتدائها لها هي من تخفي ملامح جسدها الجديد.

وقفت تنتظره ريثما ينهي حديثه ، عندما سألها احدهم : ديما ، مش كده ؟

نظرت ديما إلى يمينها و سألت باستغراب : انت عرفت اسمي ازاي!

أجابها : أبدا ، سمعت الواد اللي ماشيه معاه بيندهك ، و لو عايزه رأيي سيبك منه .

سألت ديما باهتمام : انت بتقول كده ليه .

رد عليها : زي ما انتي شايفه البنات حواليه كتير و كل يوم ماشي مع بنت شكل.

ديما بخيبه : انت بتتكلم جد !

أومأ لها ، ثم قال : بقولك ايه ، عندك فيس.

نظرت ديما له بتردد : انت بتسأل ليه…؟

رد : عشان أضيفك عندي و أثبتلك إن كلامي عنه صحيح.

هزت ديما رأسها بالنفي : لا معلش أنا معرفكش و مش بضيف ولاد عندي.

قال بغضب : ليه هو أنا مشبهش .

توترت ديما و حاولت الابتعاد عنه ، لتفاجىء به يضغط على مرفقها بشده : استني انتي رايحه فين

قالت ديما بهلع : سيب ايدي ..

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

قالت هبه للؤي مداعبه : الحق الجو بتاعك بيخونك …

نظر لؤي لها بعدم فهم ، لتقول : قريبتك ، بص وراك.

استدار لؤي بسرعه ، ليعتريه الغضب الشديد ، و فور رؤيته قادما اختفى الشاب و بسرعه .

لؤي بغضب : مين ده اللي كنتي واقفه معاه…؟

ديما بتلعثم : معرفش ..

لؤي بحنق : متعرفيش ، امال واقفه بترغي معاه كده عادي عندك تكلمي حد متعرفيهوش

ديما : ده هو اللي جه و كلمني ، و كنت مدايقه جدا

لؤي : اه ما هو باين

ديما : الله انت محموق كده ليه ، ده حتى شكله يعرفك

لؤي : و افرضي يعرفني ، ده ميمنعش ان وقفتك و كلامك معاه غلط

ديما : يعني هو يعرفك بجد !

تأفف لؤي : أنا الحق عليا اللي جبتك معايا ، اتفضلي يلا هنروح..

ابتسمت ديما من انفعال لؤي ، هل يعني هذا انه يشعر بالغيره ، تمتمت : يارب يا رب…

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

فور عودتها ….وقفت ديما أمام مرآه الحمام تنظر إلى هيئتها الجديده ، فلقد ارتدت البيبي دول الخاص بابنة خالتها ليلى ، و الذي أظهرها أكبر بكثير من أعوامها الخمس عشر ، التقطت صوره على هاتفها بمظهرها الحالي و ابتسمت ، فقريبا جدا سيراها لؤي بشكل مختلف .

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

قال يحيى بعد ان وصلا المكتب الخاص بتقديم طلبات التحويل من كليه لأخرى : هاتي الورق بتاعك انا هاخش و افهم ايه الاجراءات اللي لازم تعمليها …

قامت فاتن بالعبث بمحتويات حقيبتها مخرجه رزمه من الاوراق ..ثم قالت : اهم ، بس كده هاتعبك معايا

يحيي بابتسامه : تعبك راحه …

ابتسمت فاتن ، ليقول يحيى بمرح : خليني الاول اشوف مجموعك كان عامل ازاي فالثانويه

ضحكت فاتن و قالت : لا ده انا شطوره خالص ..

ابتسم يحيى ، ثم امسك باحدى الاوراق ، لتلاحظ فاتن اختفاء ابتسامته تدريجيا، ليحل مكانها نظره مليئه بالصدمه…

قالت فاتن بمرح : ايه كنت فاكرني فاشله مثلا ، لا ده انا كنت دحيحه اووووووووي

نظر لها يحيى ثم قال مصدوما : انتي ازاي تخبي عليا حاجه كده ..!

فاتن : اخبي ايه ، ما الشهاده ادامك اهيه

يحيى بغضب كبير : اسمك …فاتن ميخائيل اندراوس

ثم أكمل بحرقه : و سايباني آخدك ندوات واكلمك عن الاسدال ، وبعدين ازاي توافقي نرتبط اصلا …
تنهد مضيفا بغضب : انتي ايه معندكيش ذرة عقل ….!

يتبع

error: