رواية حب تحت الرمال
¤ فَلنُعطي للوداعِ حقه ¤
————————–
إن كنت مستمعا جيدا لأصدقائك ، أو مطلعا على تجارب الاخرين ، أو حتى قارئا لبعض للروايات ، ستعلمُ حتما أن الحب لا يموت أبدا موتة طبيعيه ، بل تُزهِق روحه عوامل عده منها اللامبالاه ، الاهمال ، ظروف الحياه ، و الكثير الكثير…
لكنها عوامل قابله للاصلاح و التعديل و ربما ان اجتهد الطرفان سيصحو الحب معلنا انتصاره على كل تلك الظروف …بَيْد أنه ما يفجع الحب حقا و بدون اي خط رجعه هي … الخيانه …
التي تغتال الحب في عقر داره ، موجهة سهام اللوم و العتاب للقلب الذي أخطأ حينما وضع ثقته في غير محلها ، و حينها لن تكفي كل جهود الاصلاح والنوايا الحسنه لبعث الحب من رفاته ، و لقد ظن يحيى أن المطبات التي سيواجهها مع محبوبته لن تتعدى بعض الظروف والمشاكل اليوميه ، لم يتوقع حتى في أسوء كوابيسه ان يكون احد ضحايا الغدر و الخيانه …
شاهدها تدخل المقهى ، مرتديه الحجاب ، الذي زاد وجهها الملائكي نورا وبراءه ، و ربما أكمل الحجاب ذلك القناع الذي تستحضره أمامه …
جالت بنظرها في المقهى ، لتقع عيناها عليه أخيرا ، تشابكت نظراتهما من بعيد ، مرسلة تيارات من التردد و الريبه على غير عادتها ، بينما استوطن الجمود في عينيه…
اقتربت منه متردده ، ليقول بعد أن اصبحت أمامه : مالك ؟ زي اللي عمله عامله..
جلست فاتن ، لتقول بضيق : اولا حمدالله عالسلامه ، ثانيا انا معرفش اهلك قالولك ايه عن اللي حصل …
قاطعها يحيى ساخرا : اولا .. الله يسلمك …. ثانيا : اهلي مجبوليش سيره باللي حصل ، انا مستنى اسمع منك
صمتت فاتن ، ليقول يحيى : ها سبتي البيت ليه ….؟
قالت فاتن : عشان معدش ينفع افضل هناك و انا متاكده اني هاعملك مشاكل.. كفايه لحد كده…
يحيى : امممم طب انا عندي سؤال تاني ، ده لو مش يدايقك..
ارتابت فاتن من اسلوبه ، و القسوه التي تطل من عينيه ، لتقول بقلق : سؤال ايه ؟
يحيى : انتي خرجتي مع اختك و جوزها …؟؟؟
ارتبكت فاتن : اصل ..حصل حاجه طارئه و اضطريت اخرج معاهم ..
يحيى : تمام…
فاتن : تمام ايه..؟
يحيى بجمود : انا فكرت كويس و شايف اننا معدناش لبعض و لا ينفع نكمل اساسا…
ابتعلت فاتن الغصه التي باغتت روحها ، صحيح أنها قدِمت هنا عازمه على انهاء علاقتها به حرصا منها على عدم التسبب باية مشاكل له مع اهله ، و لكن وقع الخبر من فمه كان صادما جدا…
همست بضعف : انت بتتكلم جد ، عشان يعني خرجت مع نوف من غير موافقتك…!
ابتسم يحيى ببرود : ياااه ، انتي فاكره عقلي صغير للدرجادي…!
فاتن بحزن : طب انا كده فهمت و عندك حق ، انت لازم تعمل خاطر لاهلك ، يمكن تفتكر اني مش هاعذرلك عشان انا اصلا عمري ما حسيت يعني ايه اهل و سند ، بس متقلقش انا فاهمه و مقدره و مش هازعل منك..
يحيى بغضب : انتي فاهمه غلط ، اهلي ملهمش دخل ، انا لو حابب كنت اقدر اقنعهم و مكنش هيبقى في اي نوع من المشاكل…
فاتن بتردد : عموما ربنا يوفقك … بس انا من حقي اعرف ليه ؟
يحيى : اهو انا مش هاديكي الحق ده ، لانك متستاهليش حتى اني اريح بالك..
نهض يحيى من مقعده ، مغادرا المكان ، قبل أن تفلت سيطرته على أعصابه ، فهو لم يفق بعد من صدمة خيانتها ، لم يشأ أن يعطيها الفرصه لتستمتع بنجاح تسليتها ، فهذا بالضبط ما مثله في حياتها ، سيتركها محتاره اين أخطأت في رسم خطتها ، فذلك ربما يعطيه نوعا من الانتصار الداخلي ، فسيبقى في ذاكرتها الرقم الذي لم تستطع خداعه حتى النهايه…
عدا انه بعتابه لها سيعلمها كم تركت أثرا في نفسه ، نفسه التي سولت له و زينت علاقته بها ، و اقنعته بانه حتما سيستطيع تغييرها ، و لكن هيهات ..لقد صدق قول الرسول عليه الصلاه و السلام حين قال ..” إياكم وخضراء الدمن، قالوا: وما خضراء الدمن؟ يا رسول الله، قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء”.
لقد كان من السذاجه بحيث اقنع نفسه بأن نشأتها و تربيتها طوال تلك السنوات ستُمحى بسهوله ، و لكن عبقها ما زال قابعا و بقوه في ثنايا روحها ، حتى وان ادعت عكس ذلك ، كان عليه أن يكون أكثر حكمه و يفطن للضعف الكامن في شخصيتها ، و الذي يجعل مبادئها عرضه للتزعزع في اي لحظه و خير دليل على ذلك هو اشتركها في المسلسل بالرغم من تيقنه بانها لا تهوى التمثيل فكره و لا موضوعا ، و لكن شخصيتها مهزوزه و من السهل التأثير عليها ووقوعها في النزوات …
استقل أول سيارة اجره ، و انطلق إلى عمله ، عليه الان أن يعيد النظر في أولوياته ، فاحلامه و طموحه سيأتيان دوما في المقدمه …
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
شاهدته يستقل السياره ، و دون أن تفكر اوقفت هي الاخرى احدي سيارات الأجره …
دلفت اليها قائله : ورا التاكسي اللي ادام لو سمحت
أومأ السائق منطلقا حيث أشارت ، لتنكمش فاتن على نفسها في المقعد الخلفي ، خائفة من القرار الذي اتخذته، و متعجبه من كم التناقضات التي تعتمل بداخلها ، فقبل رؤيته كانت عازمه على انهاء كل صلة به و ذلك خوفا على مصلحته ، أما الآن وبعد أن ألقى بجملته الاخيره اعتراها الغضب ..
و تمتمت بخفوت : ” يعني ايه مستاهلش انه يريح بالي ”
تنهدت محتاره هل تتبعه و تواجهه على الاقل لتعرف السبب ، نعم ، من حقها أن تعرف لما تركها اول حب في حياتها ، و لكن الم تكن عازمه قبل قليل على تركه بدورها…
ابتسمت من الألم ، اينطبق عليها ما يقال عن تصرفات المراهقين ، فهي بالكاد اتمت عامها الثامن عشر، والتناقضات الموجوده في عقلها الآن لا تفسر الا أنها تصرفات ناجمه عن عدم النضوج…
أخمدت المتنافرات المتصارعه في رأسها ، و تركت للغضب دفة القياده…
قالت فاتن بعد أن توقفت السياره التي يستقلها يحيى : اركن بعيد عنها شويه…
توقف السائق حيث أشارت ، لتعطيه الأجره ، ثم ترجلت من السياره و كل ذره في جسدها تضج من شدة التوتر ، ملهيه اياها عن نزيف قلبها الآخذ في التعاظم منذ اعلان يحيى لحظة الوداع بتلك الطريقه القاسيه.
انتظرت بضع ثوان ، بعد أن دلف يحيى إلى احدى البنايات ، و تساءلت هل يقبع هناك مقر شركته ، انطلقت في اثره ، لتقابل حارس البنايه ، سألته لتتأكد : هي شركة المهندس يحيى انهي دور؟؟؟
ابتسم الحارس : شركه !، يارب يا بنتي ، والله الجدع ده طيب وابن حلال ، عموما هي شركته الدور الرابع..
همت بالدخول ليقول الحارس : هو انتي كمان هتشتغلي معاهم زي البنتين الجُداد..؟
اضطربت فاتن ، ثم قالت : هو في بنات بتشتغل معاهم..؟
الحارس : ايوه يا بنتي ….
لم تبقى لتستمع الى ثرثرة الحارس ، بل انطلقت تصعد الدرجات بغضب عارم ، ألم يخبرها يحيى مرارا بأن شركته لا يوجد بها أي موظفات ، لِمَ كذب عليها !
وصلت الدور الرابع لاهثه ، لتدخل الى الشقه حيث شركة يحيى ، و التي تُرك بابها مفتوحا ، في الداخل تأكدت من كذب يحيى ، حيث توجد احدى الفتيات جالسه تتصفح هاتفها النقال…
قالت الفتاه و التي تبدو مألوفه جدا لفاتن : ايه رايحه فين ، هي وكاله من غير بواب..!
فاتن بضيق : انا جايه ليحيى …
الفتاه : يحيى مشغول جدا …
لم تعر فاتن اهتماما لقول الفتاه ، و بسرعه توجهت للغرفه الموجوده في الواجهه و دون أن تطرق الباب دلفت ، لتشاهد يحيى جالسا على المكتب و على الجهه الاخرى تجلس احدى الفتيات تثرثر بمصطلحات متتعدده لم تفهم فاتن منها شيئا…
هتف يحيى بعد أن لاحظ وجودها : فااتن..
وقفت فاتن مرتبكه ، مسحت يديها في جانبي ملابسها بتوتر، و قالت بحرج : يحيى ، ممكن نتكلم ..!
استدارت الفتاه الجالسه ، لتفاجأ فاتن و دون أن تحسب كلماتها قالت : الله .. مش دي سلوى منصور !
قالت سلوى بضيق : ايوه ، انا سلوى منصور .. ثم أضافت موجهه حديثها ليحيى : تحب نكمل الشغل بعد ما تخلص مع الانسه …
قال يحيى بحزم : لا خليكي هنا ..احنا معدش بينا كلام يتقال …
ارتجفت شفتي فاتن و كانت على شفا البكاء ، ولكنها استجمعت شجاعتها وقالت : عشان كده ، عشانها ، دلوقتي فهمت بجد …
نظر يحيى بارتباك تجاه سلوى ، ليقول : معلش يا بشهمندسه ، يا ريت تتفضلي ، ثوان و نكمل شغلنا..
خرجت سلوى موجهه لفاتن نظرة احتقار..
قال يحيى بعد خروجها : انتي اتجننتي ، جايه هنا تحرجيني مع زمايلي ، مش كفايه اللي عملتيه فالبيت ..
فاتن بحنق : عملت ايه ، اتهجمت على اهلك زي ما والدتك عملت معايا ، و لا ايه اللي قالوهولك ..!
قاطعها يحيى بغضب : عايزه تعرفي ليه ، اهو
قام يحيى بامساك هاتفه و النقر عليه ، ثم وجهه أمامها قائلا : عشان ده …
نظرت فاتن للهاتف و الذي يعرض فيديو المشهد الذي ساعدت لؤي به ….
هزت فاتن رأسها و قالت : بس…
يحيى مقاطعا اياها بغضب جم : بس ايه … !
فاتن بنحيب : ده مش جد ، ده تمثيل …
يحيى ضاحكا بسخريه : ايوه ، زي ما كنتي بتمثلي معايا ، قولتي تسلي نفسك فغيابي و تمثلي على اخويا .. يمكن في دور جديد معروض عليكي و بدربي نفسك
فاتن ببكاء : و الله تمثيل ، حتى اسال لؤي..
ثم قالت بأمل : اه .. اسال لؤي ، هو هيأكدلك كلامي ، بس والدتك دخلت و فهمت غلط ..
يحيى بغضب : متجبيش سيرة امي على لسانك…
فاتن : انا اسفه لكن .. هي فسرتلك اللي حصل غلط ، لازم تسأل لؤي ، مامتك فهمت غلط و الله …
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
على الجانب الاخر ، استمعت سلوى و برفقتها شيرين الى الحديث الدائر بين يحيى و فاتن..
لتقول شيرين : مستنيه ايه ، اهي بانت على حقيقتها ، كمان بتشاغل اخوه …
سلوى بغضب : الحمد لله ربنا كشفهاله ..يحيى طيب و جدع و ميستحقش يقع فواحده بالاخلاق دي..
شيرين : يا عبيطه كشفهاله ايه ، دي هتتسهوك و تنزل كام دمعه ومش بعيد يسامحها ، مش سامعه بتقوله تثميل و لا لعبه و بتاع .. مش بعيد يصدقها..
سلوى بضيق : لا مش معقول ، بعد كلامها فالفيديو ، خيانتها باينه زي الشمس
شيرين: ياعبيطه و ليه نجازف و انتي معاكي دليل تاني يثبت ادانتها..
سلوى : بس انتي قولتي دي اختها…
شيرين : و بعدين معاكي ، اختها ..هي.. مفرقتش ، مش سمعتي بودانك خيانتها ليحيى ، يبقى اكيد بتعمل العن من اختها ، حرام عليكي ..
سلوى : حرام عليا ايه ، يحيى اهو مش مصدقها..
شيرين : يا حببتي اللي بيحب بيسامح ، وجايز تفهمه انه اخوه استغلها و لا اي حجه و يحيى عشان بيحبها يقوم مديها فرصه و لاتعمل تمثيليه تانيه و تضحك عليه…وريه الصور يا سلوى ..
سلوى : مقدرش اتبلى عليها ، مهما كان دي مش صورها !
شيرين محاوله اقناعها : لازم عشان قلبه يرتاح و يقطع الشك باليقين ، عارفه لو هو مصدق خيانتها ميه فالميه ..مكنش واقف دلوقتي ياخد و يدي معاها حتى لو بزعيق ، كان كرشها من اول ما عتبت رجلها المكتب .. دي خانته مع اخوه في افظع من دي خيانه …لو مصدق مكنش هيطيق يبص فوشها حتى..
سلوى بتردد : بس انا …
شيرين : دافعي عن حبك يا بنتي ، هتسبيه لل..***** دي…
دمعت عيني سلوى ، متعجبه كيف استطاعت تلك الفتاه بأخلاقها المنحله التأثير على يحيى ، و جالت في مخيلتها نماذج كثيره حين يقع احد الطرفين في حب الشخص الخطأ ، بالرغم من التزامه و قربه من الله،
و احتارت ما الحكمه من ذلك ، ألم يرد في القران ” الطيبون للطيبات ” ، ربما يكون ذلك اختبار للمؤمن ، فكلما احب الله عبدا زاد في امتحانه ، و لكن بامكانها الان تخفيف الاختبار على من سكن قلبها و روحها ، فلم لا تعاونه على ذلك ، لم تدعه عرضه للفشل في هذا الاختبار ، و لم دوما تحظى كثير من الفتيات كفاتن برجال مثل يحيى بالرغم من سوء اخلاقهن ، ربما لسكوت البعض عن قول كلمة الحق…..
نهضت سلوى متوجهه الى مكتب يحيى ، في الداخل قالت : يحيى.. انا اسفه ..دخلت من غير اذن بس في حاجه ضروري تشوفها وهتأكدلك حاجات كتير….
قال يحيى : معلش يا بشمهندسه ، مش وقته الكلام ده..
قاطعته قائله بحزم : لا ضروري … ووقته جدا..
نقرت على هاتفها ، في حين مسحت فاتن دموعها مستاءه من اصرار سلوى على قطع الحديث المصيري الدائر بينها وبين يحيى …
قالت سلوى : امسك يا بشهمندس و شوف بعينك ، عشان مترجعش تاني و تندم…!
ثم خرجت مهروله ، فلم تستطع أن تبقى لتشاهد مدى الألم في عينيه و مشاعره تجاه فتاة اخرى ..!
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
تنقل يحيى بين الصور الموجوده على هاتف سلوى ، و التي تعرض الواقفه ازاءه في ملابس فاضحه ووضعيات مخله للغايه ، ثم صوب نظره لها ، عله يجد خطأ ما ، ربما نسى في فتره سفره بعض التفاصيل في وجهها الملائكي ، بَيْدَّ أنه لم ينسى ، فملامحها محفوره في ذاكرته ، ومشابهه طبق الاصل للصور الظاهره امامه الان….
قال بغضب ممزوج بالازدراء : ودول ايه…؟
شهقت فاتن لدى رؤيتها الصور و قالت مستنتجه : دي اكيد شريكته و بتكسب من وراه…
يحيى : انتي لسه واقفه و بتبرري ، اخرجي بره ، مش عايز اشوف وشك تاني..
فاتن بدفاع : طب اسال نفسك الصور دي جابتها ازاي ومنين ، هو انا اعرفها اصلا…
ابتسم يحيى بسخريه : اه فعلا مش مهم اللي فالصور ، المهم ازاي ربنا كشفك و اتفضحتي فعلا معاكي حق..
نظرت فاتن له باستسلام ، لِمَ تكبد نفسها كل هذا العناء ، ألم تكن عاقدة العزم على انهاء صلتها به ، و لكن لم تشأ أن تشوه في نظره بتلك الطريقه البشعه..
عادت لتدافع عن نفسها : اسمع أنا بلغت عن اللي عمل الصور دي…
وقف يحيى غير قادر على الانصات لها ، رغم رؤيته لفمها يتحرك ربما بأكاذيب أخرى ، فقد كانت صدمته اليوم كبيره ، فالبدايه ذلك الفيديو و الان هذه الصور ، سيكون مغفلا ان اضاع دقيقه اخرى و سمح لها بالتأثير عليه ، لقد صدقها و أعطاها فرصا مرات عده ، و تدافعت في راسه مواقفها المتحرره ، من عناقها له في مكان عام ، و لبسها الفاضح عندما حادثها على السكايب ، و لكن الان لا مجال للشك ، لن يكذب عليه والده ، فالحاج عبدالرحمن رضوان لن يحمل في رقبته اثما كالتجني على شرف احدهم …
أمسكها من مرفقها ، دافعا اياها خارج الغرفه ..
قالت فاتن بانكسار : اديني فرصه افهمك..
ليعود و يمكسها من جديد ، قائلا : سيبني في حالي بقى ..
افلتت فاتن من قبضته و صرخت : كله كدب ، و الحقيقه متخبيه ومش محتاج غير انك تهف على شويه التراب اللي فوقيها و صدقني هتلاقيها كانت مطموسه تحت الرمله ، صدقني الحقيقه مدفونه و فوقيها شوية رمال، هتخسر ايه لما تزيح الرمله …
نظر يحيى متأملا عينيها والتي تبدو صادقه للغايه ، و لكن الممثل الجيد عليه أن يتقمص الدور ببراعه ليصل و يحقق النجاح ..
كان يعلم مدى تأثيرها في نفسه ..و لكن لن يقع في نفس الخطأ مره أخرى ، سيكون من الغباء ان كذب والده واخوه و الان سلوى … فحبه لها حتما سيعيمه عن وزن الامور بعقلانيه…فحبها غائر في قلبه لدرجه ان يرى الحقيقه جاثمه امام عينيه بالصوت و الصوره و يضعف ويصدق دموع التماسيح التي ما فتأت تنهمر من عينيها…لذا عليه التخلص منها و سريعا….
قال ببرود لا يعكس الثوره الجاثمه في صدره : انتي هتخرجي بره و لا هاتخليني اعمل اللي عمري ما في حياتي تخليت اني اعمله ، انا مش هامد ايدي على واحده ست ، متخلنيش كمان اخسر مبادئي كفايه كده ..!
هزت فاتن رأسها بخيبه ممزوجه بالألم الرهيب ، ربما حان فعلا وقت الوداع ، حتى وإن لم يكن سيناريو النهايه كما توقعته ، لقد تخيلت عندما عزمت على انهاء علاقتهم ، ان يبقى الود موجود ، و تمنت ان تسير يوما في الشارع بعد عدة سنوات و تتلاقي أعينهما لتبث الحنين إلى الحب الذي كان ، أما الآن فلن تلقى منه الا نظرات الازدراء ، و لن يجد منها الا نظرات اللوم و ربما تحول الحب إلى كراهيه في قلبها ، كراهيه لانه لم يكلف نفسه عناء البحث عن الحقيقه و الماثله أمامه و بوضوح ، وكأنه اراد أن يصدق ليريح نفسه من عناء المشاكل و المطبات التي ستواجه ارتباطهما…ألم ينفصل عنها مرات عده …كان عليها أن تفهم ذلك التردد جيدا ، ربما وقتها ما كانت سمحت لنفسها بالتعلق به بتلك الدرجه التي ملكت روحها و قلبها ..
ابتسمت بانكسار و قالت : مع السلامه يا يحيى ..
ثم أضافت مذكره اياه بكلامته عندما افترقا المره الماضيه : و خليك فاكر انت اللي اخترت اننا نبعد…
شاهدها تغادر بأعين ملئى بالجمود ، لن يسمح لنفسه بالبكاء على الأطلال ، لن تنزل دموعه الا على فتاه تستحق أن يكسر رجولته من أجلها ، و لكن هذا لم يمنعه من تتبعها حتى غابت عن ناظريه ، ليسرع الى نافذه المكتب راغبا أن يملي عينيه منها ، أن يعطي للوداع حقه ، فاليوم ستنتهي حقبه مهمه في حياته ، من الان فصاعدا ستعلو كلمة العقل و الى ما شاء الله أن يمد في عمره …
راقب وقوفها بجوار احدى الأكشاك ، تشتري علبة من المناديل، و تساءل … لِمَ الدموع الان ، بالتأكيد تلك دموع الندم ، لقد اضاعت فرصه تغيير حياتها ، ان تجد شخصا مستعدا لمساندتها في احلك الظروف شده..
أو ربما ذلك كما يقال تقمص الدور حتى النهايه ، و قريبا سيرى اسمها لامعا في المجلات و على شاشات التلفزيون بأدوار البطوله المطلقه ، فموهبتها عاليه لدرجه أنه و لوهله أراد تصديقها قبل قليل…
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
بعد هدنه دامت يومين ، قام الكيان الصهيوني بتجديد غاراته على قطاع غزه ، و قصف المحطه الوحيده المولده للكهرباء في القطاع ، مما أدى الى اغراق القطاع بالظلام …
توجه ابوفراس الى مكتب كِنان ليبلغه باخر تطورات الوضع الميداني : معلش يا كِنان ، معبر رفح مش راح يفتح الا للحالات الانسانيه … للاسف الصهاينه اخلوا بالهدنه وجددوا القصف..
كِنان : الله يلعنهم ولاد الكلب دول…بس انت متأكد ان المعبر مش هيسمح لللصحافه بالدخول
ابوفراس : الوضع الامني كتير صعب ، و القصف كمان قريب من المعبر ، عم يقصفوا الانفاق اللي برفح ، و الوضع كتير خطير ، حتى لو تم السماح بالعبور للصحافه ما هنسمحلك تخاطر بحياتك كِنان..
كنان : بس انا لازم ارجع ، مقدرش اعد هنا..انت عارف فرح ليلى قرب
ابو فراس : انا مش فاهم مين اللي ممكن يرفض شاب زيك ، ياريتك كنت فاتحت اهلها او اخوها بالموضوع ، لانه اكيد كانوا طفشوا كل العرسان و اختاروك انت زوج لبنتهم ، انت رجل و الرجال قليل يا كِنان
كِنان : متشكر يا ابوفراس انك بتحاول تهون عليا ، بس الواقع غير كده خالص ، و انا ان مرجعتش كمان كام يوم، ليلى هتضيع نفسها و تضيعني معاها
ابوفراس : اصبر كمان كام يوم ، و في تحركات كتير مِشان توقف الحرب …
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
لا تأتي المصائب فرادى بل دفعه واحده ، جففت فاتن دموعها ، وأجابت على ذلك الحقير…
فاتن : الو ..
أنس : فينك ، احنا مش اتفقنا نتقابل و لا تحبي اختك المصونه تتبهدل..
فاتن : حدد المكان و الوقت ، وانا تحت امرك..
أنس : جميل ، انا هبعتلك العنوان في مسج و الساعه 7 ضروري تكوني هناك…
فاتن : اوك….
أغلقت فاتن الهاتف ، و ركبت أول سياره أجره متجه إلى قسم الشرطه ، حيث يتواجد الضابط الذي يتولى البلاغ الذي قدمته ضد أنس…
في داخل مكتبه ، اعلمته فاتن بالتفاصيل ، ليتفقا على نصب كمين له ، و زرع الميكرفون في ملابس فاتن لتسجيل ما يدين أنس و يقدمه للمحاكمه..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
اغلقت انجي باب الشقه ثم ابتسمت لدى رؤيتها عبدالرحمن خارجا هو الآخر من شقته ، و عندما لمحها تلّون وجهه بالغضب الجم ….
و مباغتا تقدم باتجاهها قائلا : ابعدي انتي و بنتك عن ولادي ، انتي فاهمه ؟
ضحكت انجي و قالت : و الله نفس الطلب هاطلبه منك ، ابعد ابنك يحيى عن بنتي خليها تشوف حالها…
عبدالرحمن : لا متقلقيش ان شاء الله هيبعد اوي و اوي كمان ، المهم تلمي بنتك و نفسك عن ولادي
انجي بسخريه : بنتي و فهمنا ، اما انا علاقتي ايه بولاد حضرتك…؟
عبدالرحمن بازدراء : لؤي….
قاطعته انجي : فهمت فهمت ، انا كان قصدي خير ، يمكن متصدقنيش بس فعلا انا كنت بقدمله خدمه مش اكتر ، يمكن لانه شبهك اوي ، مش عارفه حسيت بشجن غريب لما قابلته ، يمكن لانك الراجل الوحيد اللي وقف جنبي بجد و بدون اي مقابل ….
ضحك عبدالرحمن مقاطعا : و الله شويه وكنت هاصدقك ، لا بجد ممثله محترفه …
ثم اضاف بغضب : ابعدي عن ولادي ، لا عايزين خدمات و لا عايزين اي صله بيكي ..
قال كلماته و انصرف بسرعه ، لتتنهد انجي : اه ، ربنا يتوب عليا بقى مالمكان ده !
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
في تمام الساعه السابعه ، دلفت فاتن الى المقهى الذي بعث أنس بعنوانه إليها ، و اختارت المنضده التي قامت الشرطه بضبط أجهزة التنصت عليها…
أما أنس فحضر بعد السابعه بعشر دقائق ، و تقدم جالسا معها على نفس المنضده …
أنس : ازيك ، ها تحبي نروح فين …؟
فاتن محاوله استدراجه : تقصد يعني مقابل الصور …
أنس : صور مين…؟
فاتن : صوري المتفبركه ..
لقد راوده الشك في المره الماضيه حين وافقت و بكل سهوله على مقترحه و الان تأكد من أنها تكيد لشىء ما..
أنس في نفسه : طيب ان ما دفعتك التمن غالي ، يعني هتيجي عندي و تعملي الشريفه بعد ما كنت مقضياها مع يحيى ، لا و عايزه تدبسني فمصيبه و مش بعيد تكون مبلغة البوليس..
قال أنس : يااااه ده انا نسيت معاد مهم ، معلش هاكلمك بكره و نحدد معاد تاني ، اوك
فاتن : استنى استنى ، انا عايزه اخلص …
أنس و قد تأكد الان من شكوكه : معلش يا حلوه ، فكري فاختك ..ها
خرج مغادرا المقهى بسرعه كبيره ، و بسرعه أكبر فكر في طريقة للانتقام منها …
أنس متمتما : ماشي ماشي ، ان ما لبستك تهمه مبقاش انس اللي مقطع السمكه وديلها…
بعد قلق دام ليومين ، تلقت فاتن رساله من أنس يخبرها بالموعد و المكان الجديدين ، استعدت للذهاب الى قسم الشرطه لايفادهم باخر التطورات ، و تنهدت فرب ضاره نافعه من جهة اخرى ، فلولا قلقها البالغ على نوف لكانت الان صرعى الفراش حزنا على فراق يحيى و تصديقه تلك الاكاذيب عنها…
هزت رأسها محاولة طرده من تفكيرها فلا مجال للانهيار الان ، عليها أن تكون قويه من أجل نوف ، و حتى تضع حدا لذلك الحقير … و ربما انقاذ فتيات اخروات من بين براثنه الفاسده ..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
“انطلقت هتافات النصر ، لم يكن نصرا عاديا بالمعنى المتعارف عليه ، فالخسائر البشريه و الماديه تفوق احتمال البشر ، ولكن من الممكن أن نقول أنه نصر معنوي من نواح شتى…
فلقد خسر المتغطرس الصهيوني الكثير بشنه تلك الحرب الشعواء على شعب فلسطين الأعزل ، ليكسب الفلسطينيون تعاطف المجتمع الدولي بأسره …
صدق من قال ” الصوره تغني عن الاف الكلمات ”
فصور الأطفال الجرحى و الشهداء ، ملأت الصحف و المدونات و وسائل التواصل الاجتماعي في العالم بأسره ، فاليوم تجد صوره للطفله يارا ممكسه بيد أخيها الاصغر والذي فارق الحياه بعد قصف منزلهم ، تنظر اليه بعيون غير مصدقه ، تظن أن تلك خدعه من الاعيبهم اليوميه
و امس صوره لطفل اخر ، و اول امس صوره لاطفال عده ، استطاعت ان تغير نظرة العالم الغربي للكيان الاسرائيلي و مدى صدق ادعاءاتهم بأنهم الطرف المحق في الصراع الدائر مع اخواننا الفلسطينيين..”
قرأت ليلى تلك الكلمات على صفحة كِنان غير مصدقه أنه مازال بخير و على قيد الحياه ..
لم تعِ بنفسها و هي ترسل له : كِنان لو انت فعلا اون لاين يا ريت تطمني عليك…
كان الاتصال على جانب كِنان ما زال ضعيفا ، قام بتحديث الصفحه ليتأكد من ارسال كلماته التي كتبها قبل قليل ، ليفاجىء برساله من ليلى…
على الفور أرسل : انا بخير و كويس وا لحمد لله ،ا لمهم انتي عامله ايه..؟
ليلى : الحمد لله على كل حال ، المهم اني اطمنت عليك ، في حاجات كتير حصلت و لازم تعرفها..
كِنان : ايه ، حصل ايه ، اوعي تكوني اتجوزتي الزفت ده
ليلى : لا طبعا ، لسه فاضل عالفرح كام يوم
كِنان : اسمعي انا مش عارف النت هيفضل شغال و لا هيفصل ، انا خدت تصريح صحافه و هارجع مصر بكره ان شاء الله من معبر رفح ..
ليلى : طب الحمد لله ، عشان فعلا لازم تيجي عشان فاتن ، اصل مامتها طردتها و مش عارفه اطمن عليها..
لم يصل لكِنان ما قامت ليلى بارساله قبل قليل ..
ليعود و يرسل : اطمني انا بكره ان شاء الله هاجي و كل شيء هيتصلح …
ليلى : طب كويس عشان بجد انا قلقانه عليها اوي…
صرخ كِنان متسائلا : هو النت رجع فصل يا جماعه
احد الزملاء : الظاهر هيك ..
اغلق كِنان الحاسوب ، و انطلق الى الشقه حيث يقيم ، استعدادا لمغادرته غدا…
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
في قسم الشرطه ، قال الضابط : شوفي الراجل ده شكله مش سهل خالص و احنا منقدرش نغامر و نقولك روحي معاه الشقه لوحدكو ، انا هابعت معاكي زميلتنا هدى و دي متخصصه في التنكر لحالات شبه كده ، و ضروري تصري انها تدخل معاكي الشقه ، و دلوقتي هي هتيجي و تفهمك دورها وا زاي هتقدروا انتو الاتنين تتلاعبوا بيه و تخلوه يكشف نفسه بدون ما يمس شعره منكم …
فاتن بريبه : يعني كده احنا هنروحله الشقه ديه..؟
الضابط : مفيش حل تاني عشان نوقعه فشر أعماله ، لكن اطمني هتكون في قوه من الشرطه قريبه من المكان ، و اي حاجه طارئه او فيها خطر عليكو ، هدى هتدينا اشاره من خلال جهاز التنصت و احنا هنتدخل و فورا ، متقلقيش ، الحثاله ده لازم يتوقف عند حده ، ياما بنات كملوا فطريق الغلط بسبب خوفهم ، انا بحييكي على جرأتك و ياريت الجرأه دي تستمر عشان نقدر فعلا نجبلك حقك و حق بنات كتير ممكن يكون خدعهم…
لم تكن فاتن بالجرأه التي وصفها بها الضابط قبل قليل ، و لكنها اصبحت يائسه تماما من كل الظروف المحيطه بها ، لذا تمتمت : معدش في حاجه اخاف عليها ، خليني على الاقل اساعد نوف…
دلفت الشرطيه هدى الى المكتب ، لتتفق مع فاتن على الخطه التي سيوقعان بها أنس…
و في الموعد المحدد اتجهتا للعنوان ، تحرسهما بخفيه قوه تابعه للشرطه…
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
استوقف انس احد المتسولين في الشارع و قال : انا هاديك المية جنيه دي في مقابل تعمل مكالمه للرقم ده و تقول نفس اللي هاحفظهولك …
الرجل المتسول : عنيا يا بيه ، انا احفظ فوريره ..
لقن أنس الرجل الكلام و حفظه عن ظهر قلب ، ثم طلب رقم يحيى من احدى الهواتف العموميه ..قائلا : امسك ، و لو غلطت فالكلام مش هتاخد و لا مليم ، زي ما اتفقنا ..
أومأ الرجل ليقول عبر الهاتف: حضرتك يحيى عبدالرحمن رضوان..؟
يحيى على الطرف الاخر : ايوه ، اي خدمه ؟
الرجل : بشمهندس يحيى ، اانا شخص مقرب جدا من عيلتك و يصعب عليا اشوفك مخدوع بالشكل ده ، البنت اللي حضرتك مرتبط بيها ، فاتن، كمان نص ساعه هتكون في شارع عبدالعزيز ، عمارة الخلوصي ، شقة 14 ، و الشقه دي فيها تصرفات مشبوهه ، روح و اتاكد بنفسك لو مش مصدقني …
و اغلق الخط بعد أن كرر العنوان مره أخرى ..
قال الرجل : ايدك يا بيه عالمية جنيه ..
أنس : لا لسه شويه ، دلوقتي هاطلبلك رقم بوليس الاداب و تبلغ عن الشقه دي….
اوما الرجل قائلا : عنيا ، بس اوعى تكون بتشتغلني
انس : طب خود ادي نص المبلغ والنص التاني بعد ما تبلغ البوليس
قام الرجل باجراء المكالمه و تبليغ شرطة الاداب عن الشقه التي ستتوجه اليها فاتن بعد نصف ساعه ، ثم انصرف مغادرا بسرور بعد أن تحصل على الخمسين جنيها المتبقيه من الاتفاقيه …
تنهد انس بعد ابتعاد الرجل بغنيمته : و كمان حبيب القلب هيشوف بعينه فضيحتك…
يتبع