رواية حب تحت الرمال

الفصل العاشر

¤ حين يتقابل المستحيل مع الجنون ¤

————————–————————–

” مين الست اللي مش لابسه دي”
سألت ديما بعد أن اقتربا من المصعد ، حيث تقف سيدة أربعينيه ترتدي فستانا عاري الأكمام ، و بالكاد يغطي ركبتيها ، عدا أنه يفصل كل شبر من جسدها الممتلىء نوعا ما ..

ابتسم لؤي : دي انجي الشريف ، جارتنا النجمه …

تصنعت ديما الدهشه و قالت : انجي الشريف بتاعة فيلم “جعلوني راقصه ..”….

انفجر لؤي ضاحكا على اثر كلماتها : حرام عليكي بقى في فيلم اسمه جعلوني راقصه بردو

اقترب الاثنان من المصعد ، لتهمس ديما بغيظ : غض البصر عيب عليك

همس لؤي : بس يا مفعوصه… دي اد امي

ديما بحنق : امك … !

لكز لؤي ديما لتكف عن الحديث حين اصبحا وجها لوجه مع إنجي ، و قال محييا: ازيك يا مدام انجي و ازاي فاتن ؟

انجي : تمام ، بس انت ابن حلال اوي..، انا كنت عايزاك فموضوع مهم ..

لؤي : خير…

انجي : مش هينفع و احنا واقفين كده ، اتفضل عندي و هافهمك…

تدخلت ديما : يتفضل عندك فين يا ست انتي…

نهرها لؤي بشده : ديما ، عيب كده

ثم وجه حديثه لانجي : معلش اعذريها دي عيله …

ضحكت انجي و قالت : ايه يا حلوه انتي بتغيري عليه ، ده احنا هنتكلم فشغل متقلقيش ..

حاولت ديما الرد و لكن لؤي اسكتها هامسا : لونطقتي كلمه تانيه عمر لساني ما هيخاطب لسانك

سكتت ديما مغتاظه

لتقول انجي بعد أن لاحظت التوتر السائد بين لؤي و رفيقته : طب اديني الرقم بتاعك و هاكلمك اشرحلك..

أومأ لؤي مسجلا رقمه في هاتف انجي و قال : كلميني فاي وقت انا فالخدمه

انجي : ميرسي اوي..

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

احيانا تضعنا الحياه في مفترق طرق ، لا ندري أين منها نختار لنكمل مسيرنا ، فجميعها طرق شائكه بشكل او آخر ، و لكن في النهايه علينا أن نقرر ، لاذت ليلى بالصمت مستمعه لحديث والدها عن الاتفاقات التي ابرمها مع تميم بخصوص زفافهما ، و تساءلت ، هل حان وقت الاستسلام ، و عليها الان أن تعبر الطريق الذي سارت به الكثير من الفتيات و اللواتي عبرنه ظنا منهن أن رأي الاهل دوما على صواب ، حتى و إن شعرن في قرارة أنفسهن بأنه ليس الطريق الصحيح.

أنهى عبدالرحمن حديثه قائلا:انا عارف انتي بتفكري فايه ، بس انا ادرى بمصلحتك يا بنتي..!

ابتسمت ليلى مجامله والدها :ربنا يخليك لينا يا بابا..

و انصرفت إلى غرفتها متيقنة ان ساعة الاستسلام قد دقت لامحاله

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

عندما أخبر فاتن بأنه سوف يحادثها ليكملا نقاشهما ، لم يكن يتوقع أن يكون يومه حافلا في الشركه ، حيث يستعد مالك للسفر ، مما اضطرهما إلى إعادة توزيع الأدوار في الوقت الراهن و الذي استغرق وقتا طويلا ، و مع غياب أنس تأزم الموقف ..

كانت الساعه الواحده بعد منتصف الليل حين خروجه من الشركه ، و اذا أراد محادثتها الآن سيوقظها من نوم عميق على الأرجح ، لذا اختار أن يرسل برساله يعتذر فيها لانشغاله عنها ..

بعث الرساله ، ثم وضع الهاتف في جيبه ، بعد لحظات ، أعلن هاتفه وصول رساله جديده ..

ابتسم مندهشا من سرعة ردها ، و أخرج هاتفه ليقرأ رسالتها …

“معلش سماح المرادي ، أصل انا كمان مشغوله برده”

بعث يحيى محتارا : ” مشغوله بايه فالوقت ده احنا 1 بليل ”

ردت فاتن بسرعه : ” شغل ”

اعترى يحيى قلقا بالغا بعد قرائته لرسالتها الأخيره ، لذا طلبها على الفور …و على الفور أجابت..

فاتن : معلش مش هاقدر اكلمك دلوقتي ، المخرج هيزعقلي ..

يحيى بغضب : ده اللي اتفقنا عليه ..

فاتن : يحيى الله يخليك انا مش ناقصه ، بجد اليوم ده كان صعب اوي متصعبهوش بزياده ..

تنفس يحيى بعمق محاولا تهدئة تيار الغضب الذي سرى في شرايينه ، ثم قال بانفعال : طب انت هتروحي ازاي دلوقت ؟

فاتن : أصل لسه كمان ساعه عبال ما نخلص

يحيى بتوتر : هي مامتك معاكي ؟؟

فاتن : لا مشيت و انا مضطره اقفل المخرج بينده عليا

يحيى صارخا : استنى … انتي فين ، ايه العنوان بسرعه

فاتن : لما اخلص هاكلمك …

هم يحيى بالصراخ عليها و لكن شريط التسجيل أعلن أن هاتفها مغلق..و معه أغلقت كل ذرة تعقل بقيت لديه..

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

عضت ديما على أظفارها من شدة الغيظ ، لتقول ليلى المستلقيه على فراشها : مش هتنامي الساعة قربت على واحده ؟

أشعلت ليلى المصباح المجاور لسريرها و قالت : مالك ، هطقي من جنابك كده ليه .؟

تركت ديما أظفارها و التقطت خصله من شعرها الطويل لتلفها حول معصمها و قالت : نفسي أقص شعري و اعمل نيو لوك و ابقى انسه كبيره ومُزه كمان

ضحكت ليلى لاجابة ابنة خالتها الغير متوقعه : و ده من ايه يا حاااااجه ، اعده مبوزه من ساعة ما جيتي عشان نفسك تعملي نيو لوك ، انتي يا بت مش المفروض تكوني قلقانه على باباكي ..

قاطعتها ديما قائله بسرعه : بابا كويس الحمدلله ، ومااما مش بتفارقه مفيش داعي اقلق نفسي و بعدين انا بدعيله و انا بصلي و بشوفه كل يوم ، متتحسسنيش بالذنب بقى

ليلى : مش قصدي بس انتي كأنك فدنيا تانيه ، او حاطه فدماغك حاجه معينه ، اسمعي يا بت انتي ،هو انتي In Love ولا عندك سخونيه باين
ابتسمت ديما : ان لوووووووووف ، يارب يارب قريب اكون ان لوف و ان خطوبه و ان جواز و كل الحاجات ديه

ضربت ليلى كفا بكف و قالت : شوف ازاي ، ده انا و انا ادك..لا ده حتى و انا اكبر منك بسنتين تلاته كل تفكيري كان بينحصر ازاي اقنع يحيى و لؤي يسبولي الريموت عشان اتفرج على هانا مونتانا

ضحكت ديما بسخريه : عليا الكلام ده انتي كنتي مخطوبه وانتي اصغر من كده

ليلى بحسره : اه بس مكنتش هموت عالجواز و الخطوبه ، برده تفكيري كان طفولي

ادركت ديما أنها تسبتت في تكدير ليلى ، لذا حاولت تلطيف الجو ، فقالت بمرح : هانا مونتانا ، طب ايه رأيك بقى ان البت اللي كانت بتمثل الدور عملت زي ما انا عايزه اعمل بالظبط ..

سألت ليلى بحنين لتلك الأيام الخاليه من الهموم و ليس فضولا عن تلك الممثله : عملت ايه ، انا بطلت اتابع اخبارها من فتره طويله

نهضت ديما و توجهت حيث حاسوب ليلى و قالت : انا هاوريكي عملت ايه

أحضرت اللاب توب و جلست بجوار ليلى : استنى دلوقت اعملك سيرش و تشوفي بنفسك

كتبت ديما اسم الممثله على صفحة جوجل للبحث ، لتظهر صفحات و صور عديده ، نقرت على احداها و قالت : شوفي بقت ازاي..

جالت ليلى بنظرها على الصور المعروضه لمن كانت يوما قدوة لها ، في البدايه قصت تلك الممثله شعرها قليلا و اصبحت ملابسها اكثر جرأه ، و لكن في الصور الاحدث تغيرت كليا ، لتقول ليلى بحسره : دي قتلت براءتها بايدها

قالت ديما : سيبك من الصور الاخيره و هي قالعه خالص ، بس للي قبل لما غيرت نفسها من البنوته الكيوت للبنوته الناضجه ، شوفي بتبص لحبيبها ازاي

زفرت ليلي بضيق و أغلقت شاشة الحاسوب و قالت:يا ريتني ما شفت حاجه ، على الاقل ذكراها كانت هتفضل حلوه بس دلوقت كل حاجه اتشوهت حتى الذكريات مبقاش ليها طعم زي الاول

ربتت ديما على يد ليلى و ازاحت الحاسوب و اقتربت منها محتضنة اياها بشده ، لتجهش ليلى بالبكاء …

رددت ديما : انا اسفه مكنتش اعرف انك بتحبيها اوي كده

انتزعت ليلى نفسها من حضن ديما و قالت:انا مزعلتش بسببها ، انا بس افتكرت الدنيا كانت عامله ازاي و انا صغيره و دلوقت ازاي كل حاجه اتغيرت و خايفه بكره لتتغير اكتر و اكتر

أومأت ديما ، لتقول ليلى محاولة تغيير مجرة الحديث:تعرفي انا لو جتني بنت مش هخليها تتفرج عالمسلسلات زي بتاع هانامونتانا
ديما بحيره : ليه بقى !

ليلى : عشان المبادىء و الافكار اللي بيعرضوها الاجانب مش مناسبه لعادتنا و ديننا و انا من حسن حظ اهلي مكنتش بجري و اقلد البنات اللي فالمسلسلات و الافلام اللي بحضرها..

اصغت ديما لحديث ابنة خالتها غير مقتنعه بحرف واحد مما قالته ، فالفتيات فالمسلسلات الاجنبيه يعرفن مايردن و يسعين بكل ما اوتين من وسائل لتحقيقه ، و في النهايه يحققنواحلامهن بغض النظر عن الوسيله

اما ليلى فقريبا سترتبط و لنهاية عمرها بذلك البشع المدعو تميم ، لو كانت لديها ذرة عقل او حكم جيد على الامور لكان احرى بها ان تقلد تلك الفتيات …

همست ديما لنفسها : انا عمري ما هغلط غلطتك يا ليلى و اكتب على نفسي التعاسه لبقية عمري ، و مش هاضيع اللي بحبه عشان شوية عادات و تقاليد باليه ، و مش مهم ان انا اللي اكون المبادره فمشاعري ، مش مهم ، المهم النتيجه…

قالت ليلى منهيه حديثها : انتي عارفه يمكن انا السبب فاللي انا فيه دلوقت ، يمكن لو مبعتش طلب صداقه له مكنتش هعلق قلبي بيه عالفاضي ، برده انا عملت زيهم و اتاثرت شويه بيهم و ابتدت حاجه غلط ، بس من حسن حظي انه طلع انسان كويس ، عشان كده انا هاخد بالي من بنتي اوي اوي

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

تنفست فاتن الصعداء بعد أن أعلن المخرج انتهاء التصوير موصيا الجميع بالالتزام بالموعد غدا ، توجهت إلى غرفة الملابس لتغيير ثيابها و الاستعداد للعوده إلى البيت..

دق أحدهم الباب ، لتقول فاتن : ثوان بس..

أنهت ترتيب هندامها ، و فتحت الباب لتواجه برجل ذو قامه متوسطه و لحيه خفيفه ، بادرها قائلا:العربيه جاهزه و اتفضلي معايا هاوصلك للبيت يا هانم

شكرته ممتنه و تبعته للخارج حيث تقف السياره ، فتح الباب الخلفي قائلا:اتفضلي حضرتك.

دلفت و جلست في المقعد الخلفي ، ليغلق خلفها الباب و يتوجه بدوره إلى مقعد القياده..

أرخت فاتن جسدها على المقعد لتنال قسطا من الراحه بعد أن أمضت يومها تتبع أوامر المخرج و الفنيين ، و تمنت أن يكون الأمر أكثر سهوله غدا..

قاطع استراخائها صوت اغلاق الباب ، الذي لم تنتبه لفتحه من شدة ارهاقها ، أجبرت نفسها على النهوض من وضع الاسترخاء الذي نعمت به قبل قليل ، لتفاجأ باحتلال خميس المقعد بجوارها…

و تلقائيا وضعت يدها على مقبض الباب و لكن انطلقت السياره في مسيرها مانعة إياها من الترجل و الهروب من صحبة ذلك البغيض الجاثم بجوارها..

ابتسم خميس قائلا :ايه انتي خايفه مني ، ده انا عملت الهوليله دي كلها عشان خاطر عيونك…

شي ء ما في كلامه ، جعل نواقيس الخطر تدق في رأسها ، هدأت من روعها و سألت بلطف : تقصد ايه مش فاهمه ؟

خميس بخبث : الله هي الست الوالده مقلتيكيش

فاتن بضيق : تقولي ايه ؟
خميس مبتسما : المسلسل ده انا قبلت انتجه لما قالتلي ان نفسك تمثلي و تبقي نجمه ، و اي حاجه نفسك فيها انا ماعلين دي قبل العين دي ، بس ننول الرضا يا جميل

لم تصغ فاتن إلى بقية ثرثرته ، فلقد صدمت من تصرف والدتها و التي تعرف تمام المعرفه كم تبغض هذا الخميس، عضت على شفتها السفلى بغيظ و عزمت على الحديث مع والدتها مره أخرى بشأنه …

كانت غارقه في تلك الأفكار عندما تنبهت إلى اقتراب خميس و التصاقه بجوارها ، لتقول بحنق : لو سمحت كده ميصحش..

قال خميس مبتسما : هو ايه اللي ميصحش…

ابتعدت عنه قدر ما سمحت لها المسافه المتبقيه بينها و بين باب السياره ، ليقترب منها مجددا ..

أعترتها رجفه قويه ، تنفست بعمق ، ثم لاحظت اقتراب السياره من اشارة المرور ..

قال خميس : شكلك خايفه مني ، بس ليه… ده انا عنيا ليكي

مرت الثوان ببطء شديد حتى توقفت السياره عند اشارة المرور ، استغلت فاتن الفرصه و فتحت الباب و ترجلت بسرعه غير مكترثه بما قاله خميس و سائقه ..

انطلقت مهروله بين السيارات لتعبر الطريق إلى الضفه الثانيه ، حيث توجد إحدى المقاهي الشبابيه ، فتحت الباب و دلفت لتجلس على أقرب منضده متاحه ..

التقطت أنفاسها و طلبت كوبا من القهوه عند حضور النادل ، ثم أخرجت هاتفها لتستنجد بوالدتها ..

تأففت عندما وجدت أن هاتف الأخيره مشغول ، ارتشفت قليلا من القهوه التي أحضرها النادل توا و أعادت الطلب مره أخرى لتلقى نفس النتيجه ، وضعت هاتفها على المنضده و بقيت تحملق فيه بشده ، ثم قررت أن تهاتفه كما وعدته …

حالما طلبته ، رد و كأنه كان ينتظر مكالمتها مما جعلها تشعر بالسوء الشديد..

يحيى بلهفه : فاتن .. انتي فين دلوقت ، خلصتي ..؟

فاتن بضعف : ايوه ، ايوه خلصت بس..

يحيى : بس ايه ..

فاتن : لسه مستنيه اكلم ماما تيجي تاخدني ..بس الظاهر مشغوله و هاضطر استنى كمان

سأل يحيى بضيق : انتي فالاستديو دلوقت

أجابت فاتن بعد أن ترددت لثوان : لا انا اعده فكافيه

يحيى : طب قوليلي اسم الكافيه و انا هاجي اخدك

فاتن : بس الوقت متأخر اوي و انا مش عايزه اتعبك

يحيى بهدوء يخفي الكثير من الغضب : بجد مش وقت تسميع اسطوانات ، اخلصي فليلتك اللي مش فايته دي

فاتن منزعجه : لو سمحت بلاش اسلو..

أرادت أن تقرعه على أسلوبه في الرد عليها و لكن أتاها صوته عبر الهاتف غاضبا ليزيد حجم توترها لهذه الأمسيه المليئه بالمطبات
صرخ يحيى : كافيه ايه ، اخلصي !

أخبرته باسم المقهى ، و ما كادت تفعل حتى أغلق الخط في وجهها

تمتمت بحسره : يا رب عدي الليله دي من غير خناق ، يار ب

ارتشفت المزيد من قهوتها ، علها تعيد إليها بعض التوازن ، فلقد كانت كل ثنيه من ثنايا جسدها تأن من شدة التوتر ، و تدافعت في رأسها أحداث هذا اليوم ، من الجدال الذي نشأ مع يحيى صباحا و كيف كانا على شفا الفراق ، ثم صدمتها من المشهد مع الممثل صاحب دور والدها في المسلسل ليأتي خميس و يزيد الطين بله ، جل ما أرادته الآن أن تمحي اثر لمسة ذلك الرجل عن جسدها و ان تزيل رائحة خميس التي ما زالت تعبق في أنفها …التفتت تنظر خلفها حينما سمعت صوت اغلاق الباب، لتجد يحيى واقفا يجول بنظره في أنحاء المقهى..

نهضت من مقعدها و سارت باتجاه المدخل ، لتتشابك أعينهما في مطارحة تبدو صامته ، و لكنها محشوه بالتوتر من ناحيتها ، و غاضبه ترسل تقريعا مُبرحا من جانبه..

وقفت أمامه لا تدري ما تقول ، ليتحدث هو مبددا الصمت المربك : اتفضلي اروحك..

هزت فاتن كتفيها ، و قالت بلامبالاه : sorry..

ليهز يحيى رأسه باستهجان : سوري ، ده اللي ربنا قدرك عليه ..

لم تشأ فاتن أن تعطيه فرصه أخرى لتقريعها لذا اختارت أن تظهر لامبلاتها و كأن تأخيرها لهذه الساعه شيء طبيعي و لا يدعو للتذمر من قبله ، و احتارت كيف تناوشه لتتفادى موجة غضبه القادمه لا محاله

فركت يديها و قالت : معلش بقى ، انا اديت الناس كلمه و لازم اكون اد كلمتي و الا هيفتكروني مش بروفيشنال و ..

جذبها يحيى من معصمها ، قاطعا عليها استرسالها في الأعذار ، فتح الباب ليخرج و يخرجها معه ، ثم أفلت معصمها ووقفا جنبا إلى جنب على قارعة الطريق …

مرر يحيى أصابعه في شعره و قال بعد أن أدار وجهه عنها : انا مش عايز ازعلك ..

استدارت فاتن لتقف وجها لوجه أمامه و قالت : يبقى خلاص خلينا نروح و بكره نتكلم ..

هز يحيى رأسه باستهجان و قال : انتي عارفه انا قضيت الساعه اللي فاتت بفكر فايه ..

فاتن بتردد : في ايه

يحيى مبتسما بسخريه : فيكي ، و فينا ، و عارفه طلعت بايه ؟

صمتت فاتن ، ليقول : ان من الجنون اني اكمل معاكي ، بس من المستحيل إني اسيبك ، قوليلي انتي اعمل ايه !
فاتن بحزن : خلاص مفيش داعي..

قاطعها يحيى بعنف : ايه مفيش داعي اجي على نفسي و دلوقتي هتقوليلي انك جيتي على كرامتك اوي علشاني..

لتقاطعه فاتن بدورها : اسمع انت مش عارف انت عايز ايه و انا خلاص معدتش قادره استحمل اسلوبك ده و مفيش حاجه تجبرني اصلا..

ليعود و يقاطعها من جديد : بالظبط ، مفيش حاجه تجبرك ، و مفيش حاجه تديني الحق إني امنعك تعملي اي حاجه ، مليش حق اقولك سيبي المسلسل ، و لا مترجعيش متأخره و لا تلبسي ايه و لا اي حاجه ، مليش حق حتى اني اقف معاكي هنا وا كلمك … ولو عملت الحاجات دي ابقى اكبر منافق فالدنيا ، لاني مقبلش حد يعد يتحكم فاختي و هو مفيش بينه و بينها اي صلة رسميه …

فردت فاتن كفيها أمامها بقلة حيله و قالت بصوت مخنوق : طب انا المفروض اعمل ايه ، انا مبقتش فاهماك نهائي…

ثم رفعت كفها لتوقفه حين هم بالرد عليها و قالت : و مش هاقولك كرامتي ، انا هادوس عكرامتي للمره الالف بس افهم انت ايه اللي يريحك و انا لو اقدر هاعمله ..

فرك يحيى جبينه و قال : الوقت متأخر خليني اروحك و بكره يحلها ربنا

ضربت فاتن الارض بقدمها كالأطفال و قالت بغيظ : لا مش هنروح الا ما اعرف انت عايز ايه و افهم راسي من رجليا

رمقها يحيى بنظرة تحذير و قال امرا : بقولك اتفضلي دلوقت و بكره نتكلم …!

أحست فاتن بالاختناق الشديد من أحداث الليله و من أسلوبه المستفز معها ، لذا قالت منهاره : مش هاروح معاك..

وقبل أن تسمع رده ، انطلقت لتقطع الطريق ، لم تدر هل تبعها و لم تكلف نفسها عناء المعرفه ، و سارت على غير هدى ، المهم أن تبتعد عنه و عن تلك الضوضاء التي تفتك برأسها بالرغم من السكون النسبي المحيط بهذا الحي الراقي ، توقفت حينما رأت المنتزه و بسرعه كبيره دلفت إليه ، حينها أعلمها بوجوده قائلا بنفاذ صبر : مش هتبطلي شغل العيال ده !

التفتت لتقلى نظره لا مباليه باتجاهه ، ثم قالت : و انا هاقولك نفس كلامك ، منتاش مضطر تتحمل شغل العيال ده ، احنا انتهينا اوفر خلصنا ..فهمت و لاتحب افهمك ..

اتكأ يحيى بذراعه على بوابة المنتزه الحديديه و قال بعناد واضح : طيب اديني واقف هنا لغاية اما تفهميني احنا خلصنا ازاي..؟

لفت انتباههما مرور إحدى السيارات المزينه بالورود و التي تنبعث منها مزامير الفرح ، لتبتسم فاتن قائله بحسره : احنا خلصنا عشان انا مش متخيله انه هيجي يوم و اتزف كده و ابقى عروسه لك ، عشان خلاص معدش ينفع و انت عمرك ما هتسامحيني لانك قفل و معقد و خنيق و خلاص بقى سيبني في حالي ، سبني في حالي..

رددت كلماتها تلك مره تلو الأخرى ، لتدخل في نوبة بكاء مريره، مخفيه شهقاتها بباطن كفيها..

اقترب يحيى منها قائلا : متعيطيش عشان خاطري متعيطيش ..

لم تجد كلماته نفعا في منع استرسال شهقاتها ، ووقف عاجزا و آملا فالوقت ذاته أن تحدث معجزه ما لتوقف شلالات دموعها الآخذه في التعاظم مع كل كلمه ينطقها ليخفف عنها ، لذا آثر الصمت فلربما كان مفعوله أجدى بكثير من الكلام..

أزاحت فاتن كفيها عن وجهها و قالت بصوت مليء بالبكاء : انا مكنتش اعرف مكنتش اعرف ومش عايزه افتكر ، مش عايز افتكر..عايزه امحي الذكرى دي عايزه امحيها…
وضعت يديها على صدرها ، في محاولة منها لاسكات شهقاتها و قالت : كان نفسي يكون هو ، ينفع انت تكون هو ولو لثوان ، انا بس مش عايزه افضل فاكره الذكرى ديه
تمعن يحيى فيها للحظات ، ثم قال بصدق : انا مش فاهم حاجه ، بس هاكون هو لو ده يريحك ..

ثم حاول أن يضفي مرحا على اجابته ليخرجها من الضيق الذي تصارعه : بس بشرط أعرف هو مين الاول و ليه عايزاني اكون بداله…

” فاااااتن …..! ”
صاح يحيى مستنكرا حين ركضت فاتن باتجاهه و احتضنته مغلفة عنقه ب ذارعيها و قالت بنحيب يائس : بابا كان نفسي يكون بابا معايا ، كان نفسي هو اللي يضمني ، كان نفسي احس و لو مره واحده بالامان …

ثم انفجرت ثانيه في نوبة بكاء هستيريه ..

ليربت يحيى على رأسها الجاثم على صدره ،مرتجفا في داخله من المرحله الجديده التي وطآ فيها نتيجه لهذا الاندفاع الذي حل بها دون سبب واضح ، و الأدهى أنه لم يستنكر تصرفها ، من الممكن أن يكون قد شعر بالصدمه في البدايه و لكن صدمته سرعان ما دَبُرت ليحل مكانها مشاعر أخرى ، و أحاسيس لطالما هجاها و ألجمها بوضعها في قمم و احكم اغلاقه بمفتاح الانشغال بأحلامه و تحقيق ذاته ، و لكن أتت فاتنته بكتلة جنونها لتعطيه مفتاحا سحريا ، لتذيقه حلاوة تلك الأحاسيس و لكنه يعلم جيدا انها حلوها زائل لا يدوم ..

لذا عاد إلى رشده و أحل يديها عن عنقه ، و أبعدها عنه برفق ، متفرسا في وجهها و هو يقول : واحد غيري كان فهمك غلط ، و يمكن استغل الضعف اللي انت فيه ، بس مش وقته الكلام ده ، دلوقت خلينا نروح و بكره اوعدك هنتكلم و بهدوء و تفهميني ايه اللي مدايقك للدرجادي
رفعت فاتن كفيها تتحس وجهها الذي تسللت إليه حمرة الخجل من تصرفها الجرىء قبل قليل ..

ليقول يحيى محاولا التخفيف من احراجها : شكلك كنتي ناويه يخادونا شيله بيله فالبوكس ..

ابتعلت فاتن ريقها و همست : اسفه انا مش عارفه عملت كده ازاي..

وضع يحيى سبابته على فهمه في اشاره منه لاسكاتها و قال : خلاص نتكلم بكره و يلا اتفضلي هنروح

أومأت فاتن ، و خطت مع يحيى إلى خارج المنتزه ليقتادها و يستقلا اول سيارة اجرت اتيحت لهما في تلك الساعة المتأخره من الليل …

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

استفاق لؤي من نومه على صوت رنين هاتفه ، نظر إلى الشاشه بأعين نصف مفتوحه ، محاولا معرفة هوية المتصل ، تمتم عند رؤيته رقم انجي الشريف : الوليه دي عايزه ايه دلوقت بس..

هم بالنهوض واستقبال المكالمه في الخارج حتى لا يوقظ يحيى ، و لكنه عدل عن ذلك عندما لاحظ سرير أخيه الفارغ..

أجاب بتثاؤب : الو …

لترد انجي بدلال : ايه صحيتك ..؟

لؤي : يعني بس مش مهم ..

ضحكت انجي برقه و قالت : يبقى سوري اوي انا افتكرت من الناس اللي بتسهر و بتحب الشقاوه..

لؤي مستدركا : لا لا ده انا بحب السهر و الليل جدا ، بس الليله كانت استثناء ، ها خير كنتي عايزاني فايه انا تحت امرك…

انجي : اممممم ما انت لازم تكون مصحصح معايا ها

لؤي : اهو مصحصح ميه ميه

انجي : طيب ، باختصار كده انا شايف فيك خامة ممثل كويس جدا ، ووشك ما شاء الله فوتوجينك ، فايه رأيك لو تمثل معانا دور صغير فالمسلسل اللي احنا بنشتغل فيه

أزاح لؤي الغطاء عنه و هب واقفا من شدة الفرحه : حضرتك بتتكلمي جد ؟

انجي : طبعا ، بس المخرج الاول عايز يعملك اختبار و لو نجحت هتكون معانا في المسلسل باذن الله

لؤي بلهفه : و انا تحت امرك ، لو تحبي نعمل الاختبار دلوقت معنديش مانع

ضحكت انجي : لالا .. شوف انا بكره هاكلمك و ابلغك المعاد و العنوان ، بس انت استعد ها

لؤي مستفهما : يعني احفظ حاجه و امثلها ادام المخرج مش كده

انجي : ميضرش خليك مستعد …

لؤي : انا متشكر جدا انا مش عارف اشكرك ازاي على الفرصه ديه

انجي : متشكرنيش دلوقت ، استنى اما تتقبل الاول

و انهت انجي المحادثه مجدده وعدها له بالاتصال غدا و اخباره بالتفاصيل .

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

تقلبت ديما في فراشها، محتضنة وسادتها باحكام شديد حول معدتها ، لعلها بذلك تُخمد أنين الجوع الصادر منها ، و وبخت نفسها لرفضها تناول السندويتشات مع ليلى قبل قليل ، و ذلك لحرصها على الحفاظ على الحميه الغذائيه التي اتبعتها منذ وصولها إلى مصر ، و مما زاد الامر سوءا امتناعها ايضا عن تناول وجبة كامله وقت الغداء ، حين كان لؤي متواجدا معها في المشفي ، حينها تناولت بضعا من اللقيمات الصغيره خوفا من تكراره للسخريه منها كما فعل على مائدة الافطار في الصباح.

و لكن نداء الجوع انتصر في النهايه ، لتنهض من فراشها ، متوجهة على أطراف أصابعها إلى المطبخ ، كان الظلام يخيم على شقة خالتها ، تحسست ببطء طريقها حرصا منها على عدم ايقاظ اهل البيت ، وصلت إلى المطبخ و أشعلت النور ، فتحت الثلاجه و اخرجت قطعتين من الجبن يكفيان لصنع سندويشا يسد رمقها ..

بحثت عن ارغفة الخبز ، ووجدتها ملقاه على المائده الصغيره في زاوية المطبخ ، التقطت أحد الأرغفه ، ثم احضرت سكينا لتقسمه إلى نصفين ..
أمسكت قطعة الخبز التي قسمتها قبل قليل و تمتمت قبل أن تحشوها بالجبن :” اهو انتي هتبوظيلي الدايت ..بس اعمل ايه جعااانه ..جعااانه ..”

” اوبا .بتعملي ايه يا مفعوصه…”

تجمدت ديما في مكانها حين سماعها صوت لؤي الساخر من خلفها ، ابتلعت ريقها و استدارت قائله بمرح زائف : بملا التنك..

ابتسم لؤي الواقف بباب المطبخ قائلا : مين علمك الكلام البيئه ده

أجابته ديما ساخره : الموووجتمع

لؤي: الموووجتمع مره واحده ..

ديما : لا مرتين يا فكيك …

ثم أضافت : و خد جنب عايزه اذهب لاوضتي..

ضحك لؤي و قال : تذهبي لحجرتك مش اوضتك ..

رفعت ديما ابهامها في اشاره منها إلى صحة قوله و أضافت : انت ميه ميه ، يلا بقى خود جنب عشان اكمل مسيري

ابتسم لؤي و في محاولة لاغاظتها ، اسند كلتا يديه على طرفي الباب و قال : مش الاول تملي التنك..

أرادت ديما بردودها المرحه ان تُلهيه عن السبب الحقيقي لتواجدها في المطبخ الان ، و لكن يبدو أن محاولتها باءت بالفشل ..

قالت ديما محبطه : يووه بقى وسع شويه متبقاش غتيت

هز لؤي راسه و قال بجديه مصطنعه : مش هاتزحزح من مكاني ..

عضت ديما على شفتها السفلى قائله بغيظ : و ربنا لو فضلت واقف كده لاصوت و اصحي البيت كله..

رفع لؤي كتفيه و قال دون اكتراث : so what ..؟

قالت ديما بخبث : يعني مش خايف عمو يصحى و يهزءك

ارخى لؤي ذراعيه عن الباب و تقدم منها قائلا : انا مش عيل عشان اخاف منه …

تفاجأت ديما بالغضب الذي اعتراه و قالت : انت زعلت ، انا بهزر

قال لؤي بعصبيه : هزارك بايخ و متصدقيش اللي يقولك كل التُخان دمهم خفيف …

أطبقت ديما على أسنانها و قالت ثائرة لكرامتها : التخين يقدر يخس ، لكن الفاشل اللي زيك يعمل ايه..

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

فاشل ..اخترقت تلك الكلمه أذني لؤي لتخرج تراكمات الغضب الكامن بداخله ، غضب أخطأ التوقيت و المكان و الشخص و دون أن يعي ما يفعله نزل بكفه على وجنة ديما صافعا إياها بقوه ..

شهقت ديما بنبرة مكلومه و تطلعت إليه بعينين دامعتين ، ليعتريه الندم سريعا ..

قال لؤي بأنفاس لاهثه : انا اسف ، انا مش عارف عملت كده ليه ..

” بطلع عقدك على طفله يا جبان ”

تطلعت ديما مستنجده بالقادم الغاضب واستدار لؤي في نفس اللحظه ليواجهه .

يتبع

error: