رواية (المحترم البربري)
الفصل الحادي عشر
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تجسد نصب عينيه كل المشاهد البذيئة والتجاوزات التي تخصها وما عرفه عنها وما قرأه في المواقع المختلفة ليحكم عليها بكونها شابة عابثة تجري وراء الشهرة من خلال الفضائح الغير أخلاقية متخذة ما أسماه بـ (العُهر) أسلوبًا للحياة وتربح المال، زاد ذلك من حنق “معتصم” نحوها فاستمر في ضغطه العنيف على عروق عنقها غير مدركٍ تمامًا لتوابع ما يفعله، كان مغيبًا بالفعل، يتصرف بهوجائية، قاومته “آسيا” بما تبقى لها من طاقة لكن لم يمكنها ذلك من إبعاد أصابعه عنها، كانت تقاتل تلك المرة من أجل حياتها رغم اختبارها لذلك معه من قبل، خرجت الأمور حقًا عن السيطرة في ثوانٍ معدودة، وبات “نبيل” في موقف حرج للغاية يجب أن يتصرف فيه بدون تأخير لإنقاذ ما يمكن إنقاذه خاصة بعد تصرف “معتصم” الأرعن وهجومه العدائي على “آسيا”، اندفع هو الأخر في اتجاهه محاولاً انتزاع قبضته عنها قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة بين يديه، توسله بخوفٍ وقد قرأ رغبة حقيقية في قتلها:
-سيبها يا “معتصم”، احنا في الشارع!
استمر الأخير في الضغط على حنجرتها بقوة أكبر غير مكترث لتلك الحشرجة البائنة في صوتها وهي تقاتل بشراسة لالتقاط أنفاسها، رد عليه بعدائية جامحة:
-هتموت في إيدي!
اضطر “نبيل” أن يلكزه بعنف في جانبه مسببًا له ألمًا قويًا أجبره على تحريرها، ثم التف خلفه ليطوقه من ذراعيه مقيدًا إياه قبل أن يفيق من تلك الضربة المفاجئة، فمنحها بذلك الفرصة للنجاة من موت محتوم، اهتاج “معتصم” صارخًا:
-سبني يا “نبيل” أموتها!
خارت قوى “آسيا” من أثر الاختناق وافترشت الأرضية أمام سيارتها، ورغم الوهن البادي عليها إلا أنها ردت عليه بصوتها المبحوح وهي ترمقه بنظرات تنتوي الانتقام منه:
-أنا هوريك، هدفعك تمن ده!
حاول الاقتراب منها رغم ثقل جسد ابن عمه والذي يعوقه عن التقدم نحوها هادرًا:
-مش قبل ما نتحاسب
حاولت “آسيا” الابتسام قاصدة الاستخفاف بتهديده وبأن ما يتفوه به لا يعنيها مطلقًا، استشاط غضبًا من استفزازها له، رفع سبابته مشيرًا نحوها ومكملاً بانفعال:
-إنتي لعنة على أي حد يعرفك!
ردت عليه بجرأة متحدية شراسته:
-إنت لسه ماشوفتش مني حاجة!
عاودت النهوض على قدميها مقاومة حالة الإعياء ومستعيدة لنشاطها تدريجيًا، وقفت قبالته تتحداه نافضة تلك الأتربة عن يديها، تأكد “نبيل” من احتمالية الصدام بينهما فهتف يرجوها:
-امشي لو سمحتي
نظرت إليه بحنق لكن صوت “معتصم” الغاضب أجبرها على النظر نحوه وهو يقول:
-مش هاتمشي من هنا
توسلها “نبيل” بإلحاح بعد أن تعذر عليه إحكام السيطرة على ابن عمه:
-من فضلك يا هانم
قوست ثغرها ببسمة مغرية لتقول بإعجاب وهي تغمز له:
-اوكي، علشان خاطرك بس
اغتاظ الأخير من تصرفاتها المُثيرة للأعصاب، قبض على رسغها صارخًا باحتجاج:
-بأقولك مش هاتمشي
وضعت “آسيا” يدها على أصابعه تنتزعها نزعًا وهي تخدشه بأظافرها لتحرر رسغها منه، تمكنت بنجاح من الإفلات منه، ثم لوحت له بيدها وهي تبتعد عنه مستفزة إياه أكثر، أطلق سبة نابية لاعنًا إياها، فلم تكترث به، رد عليه “نبيل” بعصبية مبررة:
-كفاية فضايح بقى في الشارع، بينا من هنا
أجبره على السير معه نحو السيارة وهو يتوسله أن يكف عن ملاحقتها والتسبب في المزيد من المشكلات، لكن كان الخطر الحقيقي هو ذلك القادم بسيارته من بعيد، قطعت “آسيا” الطريق متجهة بخطى واثقة نحو مدخل بنايتها، لو نظرت لها قبل دقائق ما كنت تتخيل أن تلك التي كانت على شفا حفرة من الموت تسير بخيلاء وكأنها ربحت للتو جائزة مادية كبيرة، انتبهت لصوت المكابح الذي كان قريبًا منها فأدارت رأسها للجانب لتجد سيارة دفع رباعي تصطف بجوارها، زوت ما بين حاجبيها مُلقية نظرة سريعة على من بها، ازداد انعقاد حاجبيها مع تأملها لتلك الملامح المألوفة، اعترتها دهشة عجيبة وهي ترى وجه “سامر” – بحليته النابتة وشعره الذي عقده كالكعكة – مترجلاً منها بثقة مفرطة، شعرت بجفاف يجتاح حلقها وهي تراه مقبلاً عليها بقميصه الأصفر وسرواله الصيفي الأخضر، بدت تعبيراته حادة عندما استطرد قائلاً بتفاخرٍ لاويًا ثغره بابتسامة مغترة:
-كنتي فاكرة مش هاعرف مكانك
لوهلة أحست برعشة خفيفة تصيبها، لا تعرف إن كان مصدرها خوفًا طبيعيًا منه أم مجرد نسمة باردة لامست بشرتها، خرج صوتها مصدومًا وهي تنظر له باندهاش:
-إنت!
دنا منها أكثر ومتابعًا بجدية وتهديد في نفس الآن:
-لسه الكلام بينا مخلصش!
قرأت في عينيه رغبة جامحة لن يروضها أو يمنعها في الظفر بها، تراجعت بحذر للخلف وهي تفكر في الخيارات المتاحة أمامها، سألته بتوتر طفيف:
-ولا أنا مش عاوزة؟
اتسعت ابتسامته العابثة قائلاً بنبرة ذات مغزى:
-هتخليني اعمل حاجات تانية جايز ماتحبيهاش
استشعرت الخطر من طريقة حديثه المريبة، واصلت تراجعها للخلف ودقات قلبها تتلاحق بداخل صدرها، تضاعفت رهبتها مع اختفاء حارس البناية الذي من المفترض أن يكون جالسًا هنا، حاولت أن تبدو هادئة التعبيرات وثابتة في ردة فعلها معه، وقعت أنظارها على أصيص الزرع الصغير الموضوع بجوار المدخل، انحنت لتلتقطه بخفة ثم رفعته أمام وجهه تهدده:
-امشي أحسنلك
نظر لها باستخفاف وهو يرد مشيرًا لها بكفه:
-ارمي البتاع ده من إيدك!
استعدت “آسيا” لمواجهته والدفاع عن نفسها إن تقدم خطوة أخرى نحوها، خاصة بعد أن باتت بمفردها وبداخل بنايتها.
……………………..
في نفس التوقيت، كان “معتصم” قد استقل السيارة إلى جوار ابن عمه الذي تولى القيادة عنه، وجد صعوبة في السيطرة على انفعالاته فأخذ يضرب الباب لأكثر من مرة كوسيلة للتنفيس عن غضبه، بغض النظر عن بعض الكلمات اللاذعة التي نطق بها في حالته تلك، لم يقاطع “نبيل” ما يفعله، فالأسلم أن يحدث ضررًا للسيارة وليس لتلك الشابة المستفزة، ركز “معتصم” عينيه نحو المدخل ليجد ما أصابه بشلل مؤقت في تفكيره، لو لم يكن قد رأى بنفسه وضعية “آسيا” المتحفزة لتيقن أنها تواعد ذلك الشخص الضخم وعلى علاقة به، لكن هيئتها وتعابيرها المشدودة أكدت له أنها في مأزق ما، حثه شيء ما بداخله على التحرك فورًا من أجلها رغم الكره الذي يكنه نحوها، صاح هادرًا بصورة فجائية ضاربًا التابلوه بعصبية بحركات متتالية بكفه:
-وقف العربية بسرعة!
انتفض “نبيل” في جلسته خلف الموقد، والتفت نحوه متسائلاً بصدمة:
-ليه؟
صرخ بها بتشنجٍ:
-إنت لسه هتسألني وقف العربية وإلا هنط منها
اعتقد أنه يحاول افتعال المشكلات من جديد مع “آسيا” فرفض إيقاف السيارة قائلاً:
-لأ، إنت مش ….
لم يكمل جملته للنهاية فقد بادر “معتصم” بفتح باب السيارة ثم ألقى بجسده خارجها غير مكترث بالإصابات الخطيرة التي يمكن أن تحدث له جراء ذلك، ضغط “نبيل” على المكابح فجأة وهو يجاهد ليستوعب تهوره الأعمى صارخًا فيه بذهول مذعور:
-إنت مجنون!
تأوه “معتصم” من الألم الشديد الناتج عن ارتطامه العنيف بالأرضية الإسفلتية، لكن لا وقت للألم، استند بكفيه محاولاً النهوض، وما إن وقف على قدميه حتى عرج بخطواته في اتجاه مدخل البناية حيث تتواجد “آسيا” مع ذلك الغريب، تلقى “سامر” ضربة قوية في ظهره أجبرته على الاستدارة للخلف ليرى من ذلك الأحمق الذي تجرأ على فعل هذا، بينما شهقت “آسيا” مصدومة لرؤيته متواجدًا لمساعدتها، لم ترغب في الحصول على ذلك منه، أن يكون له الفضل في شيء عليها حتى لو كانت بالفعل تحتاج إليه، لم يفق “سامر” من الصدمة الأولى حتى تلقى لكمة أشد قوة في وجهه جعلت جسده الضخم يترنح، اقترب “معتصم” منها يسألها بعصبية:
-مين ده؟
ردت بارتباك:
-وإنت مالك، امشي من هنا
فرك “سامر” ذقنه رامقًا “معتصم” بنظرات نارية، لم يمنحه الفرصة للحصول على جواب مرضي منها، بل أمسك به من تلابيبه يضربه بعنف أسفل معدته، أخرج الأخير أنينًا مكتومًا كتعبير عن الوجع الشديد، ومع ذلك صمد أمام ضرباته المتلاحقة وصد معظمها، اعتدل في وقفته ثم انحنى مندفعًا نحوه بقوة ليطرحه أرضًا، وقع “سامر” على ظهره صارخًا بألم، فضاعف ذلك من غضبته نحو، لملم نفسه معاودًا تسديد الضربات لغريمه الغريب، وفي أقل من ثوانٍ احتدم التشاجر بينهما وتحول إلى قتال شرس بالأيادي والأرجل، صرخت “آسيا”:
-يا جماعة حد يلحقنا، هيموتوا بعض
تدخل “نبيل” للفض بينهما لكنه فشل وتلقى هو الأخر عدد لا بأس به من الضربات، ما أنجا الجميع من نهاية غير مبشرة هو مرور دورية شرطية في الطريق رأت ما يدور فاستوقفتهم، ثم قام الضابط المسئول باصطحاب الجميع إلى المخفر لتحرير محضر بالواقعة.
……………………..
أخرجت تنهيدة ثقيلة من صدرها وهي تتطلع من الشرفة للخضرة المظلمة أمامها، حدقت “نادية” في صورة الرضيعة التي ظلت بحوزتها رغم مرور السنون بشرود حزين، شعرت بلمسة حنونة على ظهرها فالتفتت برأسها نصف التفاتة نحو زوجها، ابتسمت له ابتسامة باهتة وهي تقول:
-يا ترى هي فكراني ونفسها تشوفني؟
رد بامتعاض لم يستطع إخفائه:
-“نادية”، لازم تفهمي حاجة
لمعت عيناها بعبراتها الحبيسة، ورغم صعوبة ما سيقوله لها إلا أنه كان ملزمًا أن يكون صادقًا معها كي لا تنصدم لاحقًا، تابع قائلاً بجدية:
-“آسيا” مش البنت اللي في خيالك، ماتفتكريش إنها عاشت حياة وردية وإنها البنت المحترمة المتربية اللي الكل بيشهد بأخلاقها، دي تربية “شرف الدين”، يعني تأثيره هايكون واضح عليها
للحظات عادت بالذاكرة للوراء حيث المجون وطاولة القمار والتجاوزات اللا أخلاقية من زوجها السابق، ارتجف بدنها من مجرد تخيل ما يمكن أن يعلمه لطفلة رضيعة لا حول لها ولا قوة، ما يُمكن أن تكتسبه من صفات سيئة ستشب عليها وكأنها مفاهيم الحياة القويمة، وما أكد حديثه هو عرضه لبعض الأخبار والصور التي تخصها، كانت صدمة بحق لها، وانهمرت عبراتها المعبرة عن خذلانها لها، انتحبت قائلة بنبرة منكسرة:
-دي غلطتي إني تخليت عنها ومادورتش عليها كويس، كان لازم آ…….
قاطعها وهو يمد يده ليمسك بها من كفيها المرتعشين:
-اهدي يا “نادية”، ده مش ذنبك، الذنب كله على أبوها، وكل دورنا دلوقتي إننا نحاول نصلح منها إن كانت هي عاوزة ده
سألته بحيرة واضحة في نظراتها نحوه:
-إزاي؟
أجابها مبتسمًا بثقة:
-“معتصم” موجود واحنا معاه نساعده
شعرت بالارتياح لوجوده في حياتها مهونًا عليها الكثير من العقبات، احتضنها “وحيد” من كتفيها مضيفًا بجدية:
-وعلى فكرة هو وصلها
هوى قلبها في قدميها وهي ترد مصدومة:
-إيه؟ يعني “معتصم” عرف مكانها ومخبي عليا؟
أجابها بحذرٍ:
-أنا اللي طلبت منه ده علشان ماتتصدميش فيها
ردت متسائلة بقلق كبير وقد تملكها الخوف:
-طب ليه؟
نكس رأسه قائلاً بحرج:
-لأنها مش عاوزة .. تشوفك
وكأنه طعنها في صدرها بخنجر صدئ، لم يتحمل عقلها الصدمة ولا جسدها الأمر ففقدت وعيها، فزع “وحيد” لتسببه دون قصد في تدهور صحتها، صاح مذعورًا:
-“نـــادية”!
……………………..
مرت نصف ساعة فقط على تواجد أطراف المشاجرة بالمخفر وتحول المكان إلى ساحة من المحامين العتاة، بالطبع لأن أحد أطرافها واحدًا من أبناء رجال الأعمال المشهورين، وكانت النصيحة الهامة من هؤلاء المحنكين في القانون هي إنهاء الأمر بالتصالح قبل أن يتم تحويله للنيابة، اعتدل الضابط في جلسته الغير مريحة على مقعده ممررًا أنظاره على أوجه الشباب والفتاة ثم أردف قائلاً بنبرة رسمية:
-وأنا رأيي زي الأساتذة تعملوا محضر تتصالحوا فيه
ثم وجه حديثه لـ “آسيا” متابعًا بنبرة تحمل الاتهام:
-وإنتي يا هانم مافيش داعي للدوشة دي، عاوزة تشوفي أمورك يبقى بدون قلق وفضايح
احتقن وجهها بحمرة شديدة مستنكرة ذلك الاتهام الباطل في حقها وكأنها من افتعلت الأمر، احتدت نظراتها صائحة باعتراض:
-مش فاهمة كلامك؟
كان “معتصم” واقفًا إلى جوارها يغلي على بركان ملتهب بحممه الحامية لمجرد التلميح بأنها كالعاهرات، لماذا لا يكون الضابط محقًا في ظنه السيء وكل ما تفعله يؤكد ذلك؟ التفتت “آسيا” برأسها نحو “سامر” لتكمل بغضب وهي تشير إليه:
-قصدك إن أنا جرجرت واحد زي ده لحد بيتي يتهجم عليا الفجر؟
اغتاظ الأخير من تهكمها المهين لشخصه وكأنه تابع بلا شخصية تحركه فقط شهوته، تحفز للرد عليها لكن إشارة واحدة من محاميه المخضرم أجبرته على الصمت ليكتم غضبه في نفسه مؤقتًا، رفع الضابط حاجبه للأعلى قائلاً بعبوس:
-مش جايز عملتي كده؟
انفرجت شفتاها هاتفة باحتجاج رافض:
-أفندم؟
أومأ بعينيه نحوها موضحًا:
-من اللي أنا شايفة، لبسك وطريقتك بتقول كده!
اندفعت نحو مكتبه تضرب على سطحه بعصبية بيديها صارخة فيه:
-أنا مسمحلكش
رمقها الضابط بنظرة محذرة لكنها لم تعبأ به، بل واصلت صياحها تهددة:
-وأنا هاقدم فيك شكوى، إنت مش عارف أنا مين ولا أقدر اعمل إيه فيك
رد بانزعاج رافض لاستغلال معارفها في الإفلات من العقوبات:
-هو كل واحد يعمل مصيبة يقول الكلام ده!
قبض “معتصم” على ذراع “آسيا” ثم جذبها نحوه للخلف وبعيدًا عن الضابط، كز على أسنانه هامسًا لها بحنق ليحذرها من التمادي معه:
-ولا كلمة زيادة
ضاقت أعينها الغاضبة وهي تنظر له بتوعد، استمر في ضغطه الشرس على عضدها ليشتت انتباهها قليلاً، تنحنح المحامي قائلاً بهدوء رزين:
-احنا غير مسئولين يا فندم عن أي كلام تقوله الأستاذة
استدار الضابط نحوه متحدثًا من زاوية فمه:
-مش محتاج تقول
تساءل المحامي من جديد:
-في حاجة تانية مطلوبة مننا قبل ما موكلي يمشي؟
رفع كفه مشيرًا له:
-لأ، اتفضلوا
همهمات غير مفهومة صدرت من “سامر” لطاقم المحاميين الذي أتوا معه وهو ينسلون واحدًا خلف الأخر، لكن تلك النظرة الغاضبة منه نحو “آسيا” عنت لها الكثير ووترتها نسبيًا، رأه “معتصم” وهو يطالعها بنظرات لا يفهمها إلا الرجال، اضطر مرغمًا أن يسيطر على ما يعتريه من انفعالات غير مفهومة، كانت “آسيا” على وشك التحرك لكنها لم تخطو قيد أنملة بسبب إمساك “معتصم” بها من ذراعها، رمقته بنظرة حادة وهي تهمس له:
-سيب دراعي
رد بجمود مريب يكتم خلفه الكثير من الانفجارات العصبية الوشيكة:
-مش دلوقتي!
حدجته بنظرة مهددة قبل أن تكمل بصوت خفيض:
-أحسنلك ….
قاطعها هامسًا بتحذير:
-كلامنا برا، مش هنا!
كان ينتظر فقط انصراف “سامر” ليتحرك بعدها وهي معه، لم يرغب أن يحتك به مرة أخرى، وما إن خرج من مكتب الضابط حتى نفضت ذراعها من قبضته، التفتت ناحيته توبخه:
-بتساعدني ليه؟ أنا طلبت ده منك؟!
نظر لها شزرًا للحظات قبل أن يجيبها بغموض:
-ومين قالك كده؟
تأكد “معتصم” من انصراف “سامر” من المخفر فتابع سيره إلى الخارج، داعبت “آسيا” طرف ذقنها قائلة باستخفاف وهي تتبعه في خطواتها:
-جايز دي فرصة علشان أخليك تعلى في نظري
توقف عن السير مستديرًا نحوها، قست نظراته متمتمًا بغيظٍ:
-كفاية استفزاز ليا
ارتسم على ثغرها ابتسامة مراوغة، أراد تحطيم غرورها، كسر تلك القوة الخفية التي تمنحها السعادة لإذلال الأخرين وإفساد سعادتهم، همست قائلة بثقة لتخرجه من تحديقه فيها:
-إنت لسه معرفتش أنا أقدر أعمل ايه
رد متحديًا بخشونة طفيفة:
-مش هاتقدري طول ما أنا عايش
ضحكت قائلة باستهانة:
-إنت كده مش هاتبطل تفكير فيا
ورغم عبثية ما قالته إلا أنه رفض تلميحها بكل صوره فهتف معترضًا:
-إنتي أخر حد أفكر أبصله ولا حتى أفكر فيه، لولا ماما “نادية” كنت ….
قاطعته بمرارة لا يعرفها:
-ماما، سخيفة أوي الكلمة دي لما تتقال لواحدة متعرفش يعني إيه أمومة!
التوى ثغره مشكلاً ابتسامة متهكمة قبل أن ينطق ببطء متعمدًا الضغط على كل كلمة يتلفظ بها:
-وخسارة لما تبقى بنتها واحدة زيك ….
توقف عن الحديث عمدًا لثانية ليكمل بعدها ببرود وبإهانة أشد شراسة مراقبًا تبدل لون بشرتها للحمرة الغاضبة:
-رخيصة بتروح للي يدفع فيها أكتر حتى لو كنت أنا واحد من الناس دول
باغتته بصفعة قوية لم يتوقعها أبدًا منها خاصة أنها دومًا تتعامل معه ببرود مهلك للأعصاب الجامدة، زادت من حنقه حينما ردت بكرامة قليلة:
-مش “آسيا شرف الدين” يا تربية “نادية” ……………………..
……………………..