رواية (المحترم البربري)

 

الفصل الخامس والأربعون (الأخير – الخاتمة)
احترقت أعصابه وتلفت خلاياه العقلانية بعد أن علم مصادفة بوجود صغيرة من صلبه أتت إلى الدنيا دون أن يعرف عنها شيئًا، أو حتى يختبر معها مشاعر الأبوة منذ لحظة ميلادها، حُرم “معتصم” من كل شيء يخصها، من تلمسها، شم رائحتها الزكية، من ضمها إليه، ومن هدهدتها بين ذراعيه لتغفو، ومن رؤيتها تكبر أمام عينيه وذلك بسبب أفكار “آسيا” السوداوية عنه، وبخ نفسه بقسوة لعدم امتلاكه للشجاعة الكافية لأخذ ابنته قسرًا ليحتضنها ويغدق عليها من عطفه الأبوي الذي افتقدته بابتعاده الإجباري عنها، شلت المفاجأة الصادمة تفكيره وحجبت عقله عن التصرف بمنطقية مع من تحمل لقبه، توقف خـــارج البازار ملتفتًا للخلف ومترددًا فيما سيفعل، فإن اقتحم المكان من جديد لنشبت مشادة أخرى حامية، وإن انسحب الآن لن يتحمل عذاب ضميره لعدم احتوائه لصغيرته، حسم أمره بالعودة إلى “آسيا” واستقبال ابنته في أحضانه حتى لو عنى ذلك اندلاع الحرب من جديد.
اقتحم البازار الخاص بها ليجدها تضم طفلتهما، سيطر على غضبه هاتفًا بصوتٍ جهوري:
-“آسيا”
ارتعدت لرؤيته من جديد وناولت صغيرتها لرفيقتها “جميلة” الواقفة بجوارها ثم تقدمت عدة خطوات للأمام لتحول بينه وبين “نادية”، سألته بحدة وقد توهجت عيناها الفيرويتان:
-رجعت ليه؟
نظر لها بعينين مشتعلتين من فعلتها الحمقاء التي كلفتهما الكثير ثم أجابها بجمودٍ مقلق:
-أشوف بنتي، ولا ده كمان مش من حقي
ردت عليه بنبرة أقرب للصراخ رافضة طلبه:
-لأ مش من حقك، دي تخصني أنا وبس
راقبت الصغيرة اشتباك الاثنين بخوف جلي في نظراتها نحوهما، أدمعت عيناها تأثرًا بالصراخ المرعب، وتعلقت أكثر بـ “جميلة” وكأنها تحتمي بها من الخطر المجهول، اهتاج “معتصم” من جملة “آسيا” الأخيرة التي ألهبت نيرانه المتأججة بداخله ليرد بحنق مضاعف:
-فرقتي إيه عن “شرف الدين” باباكي اللي حرمك من مامتك؟
وكأن في كلماته العفوية التي عبرت عما يدور في عقله الناقوس الذي أوقظ فيها ما حدث معها في سنوات عمرها الصغيرة، مر في عقلها شريط ذكرياتها مع والدها الجاحد الذي ملأ قلبها بالقسوة والجفاء، هدرت مستنكرة بشراسة وهي تلوح بيدها في الهواء:
-أنا مش زيه
نظر لها بغيظ قبل أن يؤكد لها بشاعة فعلتها:
-إنتي بنته، وعملتي بالظبط زي ما عمل فيكي زمان
انفعلت من إصراره على لومها صارخة:
-ماتقارنيش بيه
انخفضت نبرته نوعًا ما لتحمل العتاب وهو يسألها:
-هان عليكي بنتي تتربى بعيد عني؟
ألمتها كلماته الموجعة التي كانت محقة دون ريب، لم تتحمل المزيد من ضغطه عليها فأولته ظهرها صائحة:
-كفاية
تابعت “جميلة” تأزم الموقف واشتعاله بقلق كبير، تدخلت قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة لتقول بنبرة عقلانية:
-ماتضغطش عليها يا أستاذ “معتصم”، هي كان عندها أسبابها الخاصة
رد عليها مستنكرًا تهميشه:
-وفين حقي لما ما أعرفش إن عندي بنت؟
حاولت إقناعه بالتريث وتهدئة الأوضاع قائلة:
-نتكلم في ده بعدين، بس مش وقت خناق ولا عتاب قصاد “نادية”
ثم أشارت له بعينيها ليحدق في وجه الطفلة المذعور، تمالك “معتصم” نفسه كي لا يصعد الوضع أكثر من هذا، دنا من صغيرته مسلطًا أنظاره الدافئة عليها، ابتسم لها قائلاً بودٍ:
-متخافيش يا حبيبتي، أنا مش هاعملك حاجة، أنا بابي
أخفت الصغيرة “نادية” وجهها في رقبة “جميلة” متجنبة التحديق فيه، استاء “معتصم” للغاية من خوفها منه ومن نظرات الارتعاد الواضحة عليها، مد يده ماسحًا على ظهرها برفق حنون متابعًا بخفوت:
-أنا رجعت يا حبيبتي ومش هاسيبك، بابي مستعد يعمل أي حاجة في الدنيا كلها عشان تكوني مبسوطة
ثم رفع أنظاره لـ “جميلة” لتقرأ في عينيه رغبة صريحة في حمل طفلته، بدت مترددة في تنفيذ أمره الصامت خشية من ردة فعل “آسيا” التي كانت تغلي في مكانها، حسمت أمرها بإعطائها له، فمن حقه ضم طفلته والشعور بقطعة منه بين أحضانه، ناولتها له رغم تشبث الصغيرة بها، حملها منها “معتصم” وربت عليها بلطف متجاهلاً ركلاتها وأنينها الباكي، تغلغل فيه شعورًا عظيمًا بالسعادة لمجرد احتضانها، ضبط انفعالاته التي اهتاجت بسبب حرمانه من حقه في التمتع بها، وتسلح بالهدوء الشديد، قبل أعلى رأسها وشدد من ضمه لها هامسًا:
-أنا مش هاعملك حاجة يا حبيبتي، بابي بيحبك!
منحها قبلة أخرى أبوية آملاً أن ينظر إلى وجهها، رمقته الصغيرة بعينين باكيتين وهي تنتحب بخوف مبررٍ منه، تلقتها “جميلة” بيديها لتضمها إليها، رمق “معتصم” ابنته بنظرات متلهفة لها، طامعة في عدم تركها أبدًا، شعر بيدٍ تدفعه بغلظة فاستدار برأسه للجانب ليجد “آسيا” تأمره بصراخٍ:
-امشي من هنا، بــــرا
رد عليها بوعيد وهو ينتزع قبضتها ليعتصرها بأصابعه قائلاً لها:
-أنا راجع تاني يا “آسيا”، ومش هاسيبكم، إنتي مراتي وهي بنتي، حطي ده في دماغك!
تأوهت من الألم فأرخى قبضته عنها ثم حدق في طفلته ليقول لها:
-حبيبتي أنا أسف، كنت بعيد عنك الفترة اللي فاتت دي، بس هاعوضك إن شاء الله
تلمس شعرها بحذرٍ والتفت نحو زوجته ليلقي عليها نظرة غاضبة مليئة بالإصرار العنيد قبل أن يخرج من البازار، شعرت “آسيا” بالتخبط والحنق، لم تكن تتمنى حدوث تلك المواجهة قبل أن تستعد لها، ورغم هذا راودها إحساسًا غريبًا بالارتياح لكونه لم يشكك في بنوة الطفلة أو حتى يثير ذلك الأمر، تأملت “جميلة” حالتها مرددة بحذرٍ:
-إن شاءالله النفوس تهدى وتتصافوا
جمدت “آسيا” نظراتها الحادة عليها، أشارت لها قائلة بصوتها المتحشرج:
-هاتي “نادية”
ناولتها إياها دون تفكير لتضم الأخيرة طفلتها إلى حضنها بقوة رافضة تركها، انهالت عليها بعشرات القبلات وهي تحاول طمأنتها هاتفة:
-بس يا “نادو”، مافيش حاجة حصلت
طوقت الطفلة عنقها بذراعيها وأسندت رأسها على كتفها شاعرة بالأمان معها، للحظة فكرت “جميلة” في إصلاح ذات البينِ بين الزوجين المتخاصمين، خاصة بعد تأكدها من عدم تطليق “معتصم” لها، أسرعت خلفه لتلحق به آملة في نفسها أنها ستفعل الصواب.
……………………………………….
-تسيب اللي في إيدك وتجيلي على طول
قالها “معتصم” بصيغة شبه آمرة لابن عمه الذي تفاجأ بعثوره على زوجته الهاربة، مكث الأخير في فندق قريب من منطقة المازارت تاركًا ما خلفه من أعمال ليتفرغ لتلك التطورات الهامة، فلو كان كالماضي يعاملها بعصبيةٍ وهمجية لأطبق فورًا على عنقها وعنفها بشراسة لفرارها وتعذيبها له قبل أن يجدها ويكتشف وجود طفلة تحمل لقبه، عاد ليأمر “نبيل” بخشونة:
-متتأخرش لأني مش هاصبر كتير
رد عليه ابن عمه برجاء:
-حاضر، بس إنت اهدى، وكل حاجة هتتحل
بدا غير مقتنع بجملته ومع ذلك رد باقتضاب عابس:
-أما أشوف، سلام!
أغلق هاتفه ليتجه إلى النافذة، أزاح الستائر ليتأمل حركة السير وهو ينفث غضبًا من تعابيره، كز على أسنانه محدثًا نفسه:
-بقى كده يا “آسيا”؟ انتقمتي مني صح!
…………………………………………..
أتى إليه على عجالة مؤجلاً كل أعماله ليعاونه في مسألة استعادة زوجة ابن عمه بعد اكتشاف مكان اختبائها، سرد “معتصم” على “نبيل” تفاصيل ما حدث لتبدو الصورة واضحة بالكامل له، رفع حاجبه للأعلى مرددًا باندهاش:
-لحد دلوقتي أنا مش مصدق اللي إنت بتقوله ده!
حدجه “معتصم” بنظرات مغلولة قبل أن يعلق بغيظٍ:
-أومال أنا اعمل إيه؟
تنفس بعمق ليهدأ من صدره الثائر ثم أضاف بحنق:
-“آسيا” قدرت ببساطة تخبي البنت عني لسنين، وأنا ولا على بالها، مفرقتش معاها للحظة
رد عليه معللاً تفكيرها الخاطئ:
-بص هي معذورة برضوه، من اللي شافته منك!
احتقنت نظراته صائحًا بتشنجٍ:
-وأنا عملت فيها إيه يخليها تحرمني من بنتي؟!
أجابه بنظرات جادة:
-شكلك نسيت، ده كفاية مرض الشك اللي كان عندك!
صرخ فيه بعصبيةٍ:
-إنت بتدورلها على مبررات وخلاص
أردف قائلاً بنبرة عقلية وبثبات كي يحجم ثورة ابن عمه قبل أن تطغى عليه وتعميه من رؤية الأمور من منظورها الحقيقي:
-لأ، بس عاوزك تعذرها لما تتصرف كده معاك أو مع غيرك، اللي شافته مش قليل ولا هين، وأظن إنت شوفت باباها كان عامل إزاي، فطبيعي إنها تخاف وتهرب وتخبي عليك إنها مخلفة أصلاً
صمت “معتصم” ليفكر مليًا وبرويةٍ فيما قاله، في حين أكمل “نبيل” قائلاً:
-حل الموضوع ده يكون بالعقل والحنية، طالما إنت متمسك بيها وعاوز تكمل معاها، ده غير إنك لازم تبص لمصلحة بنتك وتحطها في اعتبارك!
كور “معتصم” أصابع يده ليضغط عليها بغيظ وهو يقول:
-أنا هاموت ياخي من الحكاية دي، بنتي ومتعرفنيش وكمان خايفة مني بسبب أمها
حاول تهدئته معلقًا:
-كل ده مقدور عليه، بس نصيحتي ليك حل مشاكلك مع “آسيا” بالتفاهم والأسلوب الودي، العداوة والعنف مش هايجيبوا نتيجة، وأديك شوفت حصل إيه، ولو مش عاوز المشاكل تتكرر تاني ولا “آسيا” تهرب منك خليها تعرفك على حقيقتك، تشوف الجانب الطيب الحنين اللي فيك، وساعتها هاتكسبها
أثرت كلماته العقلانية فيه بدرجة ما وأثبطت حالة الغضب التي اعترته ليضع نصب عينيه الخيارات الأفضل للم شمل أسرته من جديد، فما جناه من التهور والتصرف ببربرية همجية هو الجفاء والهروب والمقاطعة، زفر مرددًا:
-ربنا يسهل
أراد “نبيل” أن يصرف انتباهه عن رغباته الانتقامية التي تبحث عن جذوة للاشتعال من جديد مضيفًا بابتسامة شبه ساخرة:
-في حاجة تانية كنت عاوز أقولك عليها، هي صحيح مش وقتها بس لازم تعرف
رد ابن عمه متسائلاً بوجه ممتعض:
-في مصيبة تانية؟
اتسعت ابتسامته قليلاً وهو يرد نافيًا:
-لأ، خبر كويس
-خير؟
أجابه باقتضاب:
-“مصطفى”!
سأله بجدية وقد انعقد ما بين حاجبيه:
-ماله؟
فرك “نبيل” طرف ذقنه متابعًا:
-عاوز يخطب “أية” بنت عمنا
التوى ثغر “معتصم” للجانب مرددًا بنبرة شبه مزدرية:
-نعم، “أية”؟!
استأنف “نبيل” معلقًا:
-هو فاتحني في الموضوع ده، الظاهر إنه معجب بيها ومن زمان بس مكانش قايل، وطبعًا مش هنلاقي أحسن منه ليها، صاحبنا وبنثق فيه ده غير أخلاقه و…
لم يصدق “معتصم” أذنيه، ففي خضم ما يمر به من مشكلات تحتاج لمجهود مكثف للوصول إلى حلول مرضية يحدثه ابن عمه عن زواج “أية” من صديقهما المقرب وكأنه يعيش فترة سلام لا ينقصها إلا تلك الأخبار، رد باستنكار عابس:
-مش وقته الموضوع ده يا “نبيل”، خلاص مش قادر يصبر أما أتنيل أخلص البلاوي اللي عندي
رد مازحًا:
-الراجل نفسه يفرح
اعترض بتذمرٍ:
-بس مش وقته
وافقه “نبيل” الرأي قائلاً بابتسامة هادئة:
-تمام، أنا معاك، بس بأديك فكرة، وهو فاهم الظروف كويس
نظر له بضيق من عينيه المحتقنتين ليرد بتهكمٍ ساخط:
-ماهو باين عليه!
……………………………………………
قررت ألا تترك الأمور معلقة، هي عايشت أحوال رفيقتها ومدركة لأبعد الحدود رغبتها في الاستقرار والتنعم بأجواء أسرية دافئة مليئة بالعطف والحب لتعوضها عما قاسته، لكن خوفها من المجهول دفعها للهروب ولارتكاب أخطاء كبيرة في حقها وحق صغيرتها، لذا عقدت “جميلة” النية على إعادة روابط الود بين الزوجين المتشاحنين وإزالة الحواجز الجليدية بينهما ليحيا كلاهما في أحضان الآخر، وقبل رحيل “معتصم” من البازار طلبت رقم هاتفه لتتواصل معه خلسةً بعيدًا عن “آسيا” من أجلها، اتفقت على مقابلته في أحد المطاعم لتتفاهم وديًا على الطريقة التي يمكن أن تساعده في التودد إليها، استطردت “جميلة” حديثها قائلة بارتباك طفيف:
-هي طبعًا غريبة إني أطلب أقابلك وأتكلم معاك، بس لو أنا مش متأكدة من إن “آسيا” بتحبك مكونتش عملت ده
رد عليها بتبرمٍ وقد بدا غير مقتنع بما تقوله:
-وهي بقى اللي بعتاكي
نظرت له بقوة قبل أن تحتج باعتراضٍ:
-لأ طبعًا، دي لو عرفت ممكن تقاطعني فيها!
أضاف بازدراءٍ:
-يا مدام …..
قاطعته ببسمة رقيقة:
-اسمي “جميلة”
بدا فظًا وهو يتجاهل جملتها ليسألها مستفهمًا:
-إنتي تقبلي باللي عملته؟
أجابته بالنفي:
-لأ طبعًا
ثم تابعت مضيفة بنبرة هادئة:
-وعشان كده أنا جاية أفهم منك إيه اللي حصل بالظبط، جايز أقدر أساعدك
تنهدت “جميلة” بعمق مراقبة بتفرس ردة فعله، بدا وجهه غير مقروء رغم احتداد نظراته، عضت على شفتها السفلى مكملة:
-أنا صعبان عليا “آسيا” و”نادية”، مش حابة يكون ده وضعهم، الاتنين محتاجينك معاهم حتى لو كانت “آسيا” معاندة ورافضة ده
صمت مليًا مما أوجسها خيفة من رده القادم، لكنه بدد شكوكها الواهية قائلاً بجدية:
-ماشي، وأنا معاكي!
………………………………………….
اختلست النظرات نحو “آسيا” الجالسة في الشرفة بشرود لتعاود الحديث في هاتفها بصوت خفيض وهي تتسلل إلى المطبخ، فقد أعدت “جميلة” خطة بسيطة مع “معتصم” هدفها وضع مخدر في مشروبها لتغفو فيتمكن الأخير من اصطحابها بهدوء وإعادتها إلى منزله بالقاهرة دون أي مقاومة وبصحبتهما ابنتهما، سألها مؤكدًا عليها بجدية:
-إنتي متأكدة إنها مش هاتشك؟
أجابته بهمسٍ:
-لأ طبعًا، بس خليك قريب من البيت وأنا هاكلمك
هوى قلبها في قدميها حينما التفتت “جميلة” لتجد “آسيا” واقفة عند عتبة المطبخ، للحظة توهمت أنها كشفت أمرها، تجمدت ملامحها وحدقت فيها برعبٍ، سألتها رفيقتها بفتور وهي تفرك مقدمة رأسها:
-بتكلمي مع مين يا “جميلة”؟
ابتلعت ريقها في حلقها الجاف ثم أجابتها بتلعثمٍ طفيف:
-لأ ده واحد من الموظفين بأخلص شغلي معاه
أومأت برأسها قائلة:
-أوكي
ولجت “آسيا” إلى داخل المطبخ ثم سحبت المقعد لتجلس مستندة بمرفقيها على الطاولة التي تنتصفه، وضعت “جميلة” يدها على كتفها متسائلة باهتمام:
-شكلك لسه مضايق؟
أجابتها “آسيا” بنبرة مهمومة:
-مش عارفة أعمل إيه
حاولت طمأنتها فردت مبتسمة:
-متقلقيش، كل حاجة هتتحل
تابعت “آسيا” قائلة بتوترٍ لم تخفه:
-خايفة من “معتصم”، مش هاسيب “نادية”، وهياخد الموضوع عِند فيا وأنا مش هاستحمل حد ياخدها مني
ردت عليها بحذرٍ:
-بس هو باباها
صاحت بعصبية بائنة:
-أنا اللي تعبت فيها
أوضحت لها خطئها قائلة:
-ماهو إنتي من الأول معرفتيهوش عنها
استنكرت “آسيا” دفاعها عنه فوبختها متسائلة:
-إنتي معايا ولا معاه؟
مدت “جميلة” يدها لتمسح على وجنتها برفق ثم أجابتها بتريثٍ:
-حبيبتي أنا عاوزة مصلحتك، وحابة تكوني مبسوطة وسعيدة في حياتك
أخرجت “آسيا” تنهيدة مليئة بالضيق من صدرها معلقة عليها:
-ماظنش هاشوف راحة تاني
ثم ســاد صمت متوتر بين الاثنتين للحظات قطعته “جميلة” بسؤالها:
-بأقولك إيه، أعملك نسكافيه معايا يروق دماغك
كانت “آسيا” بحاجة لما يخمد توتراتها وقلقها المستمر، ردت بإيماءة خفيفة:
-أوكي
شرعت رفيقتها في تنفيذ خطتها بحرص شديد متأكدة من وضع الأقراص المخدرة في المشروب الساخن، قلبته جيدًا بعد أن أضافت ملعقة زائدة من السكر كي لا تشعر بالمذاق الغريب فيه، ناولتها الكوب وهو تجاهد للحفاظ على هدوء تعبيرات وجهها، جلست إلى جوارها وراقبتها بعينين حادتين كالصقر وقد بدأت في ارتشاف القليل منه، نفخت “آسيا” قائلة بحيرةٍ:
-بأفكر ماوديش “نادو” الـ nursery (حضانة) اليومين الجايين، خايفة “معتصم” يكون بيراقبنا ويعرف مكانها ويخطفها
ردت مستنكرة سوء تفكيرها:
-مش ممكن يعمل كده، ده برضوه باباها
لوت شفتيها مرددة بوجه متجهمٍ:
-أنا مش ضمناه
لم تعقب عليها فقد كانت عيناها تتابعان بترقبٍ ارتشافها للمشروب، رويدًا رويدًا بدأت “آسيا” تشعر بذلك الثقل الذي اجتاح رأسها، نهضت من جلستها قائلة بتعبٍ:
-مش قادرة، دماغي وجعاني، أنا محتاجة أنام
ردت “جميلة” بجمود:
-وماله يا حبيبتي!
راقبتها وهي تسير بتمهلٍ شديد نحو غرفتها لتتبعها بحذرٍ حتى تأكدت من سقوطها على الفراش واستسلامها لتأثير المخدر، عاودت الاتصال بـ “معتصم” هامسة له بجدية رغم اضطراب نبرتها:
-تعالى بسرعة، هي خلاص نامت
وقفت قبالة صديقتها، تلمست كفها برفق ثم همست لها بندمٍ:
-سامحيني يا “آسيا”، بس أنا عارفة إنك هتشكريني على ده بعدين
………………………………………………..
سهلت له رفيقتها الطريق ليتمكن من التسلل إلى المنزل، ولج “معتصم” إلى داخل غرفة “آسيا” ليجدها غافية، رمقها بنظرة مطولة تحمل الكثير، قاوم إحساسه الغاضب ليضع مصلحتها ومصلحة صغيرته في قائمة أولوياته، لن يدع الشك يفتك باستقرار حياته ولا بالقسوة لتفسد ما يحاول بنائه، انحنى عليها ليحملها بين ذراعيه، في حين تولى “نبيل” حمل الصغيرة وحقيبة بها متعلقات الاثنتين مما استطاعت “جميلة” جمعهما في ذلك الوقت القصير، اتجه “معتصم” بزوجته النائمة إجباريًا نحو سيارته المصفوفة بجوار المنزل، أجلسها على المقعد الأمامي وأحكم ربط حزام الأمان، بينما جلس “نبيل” بالخلف واضعًا الصغيرة على حجره، وفي أقل من دقائق كانت السيارة في طريقها للعودة إلى القاهرة.
خافت “نادية” من الوجوه الغريبة المتطلعة إليها خاصة حينما رأت سكون والدتها المزعج، رددت ببراءة وهي تشير بيدها الضئيلة نحوها:
-مامي
مسد “نبيل” على رأسها قائلاً بلطفٍ محاولاً إزالة الرهبة الطبيعية منها:
-حبيبتي متخافيش مامي نايمة شوية، ها قوليلي إنتي اسمك إيه؟
أجابته بصورة عفوية:
-“نادية”
كان متعجبًا وفي نفس الوقت معجبًا بتسميتها على اسم جدتها الراحلة، فقد دل ذلك على مسامحة “آسيا” لوالدتها ورغبتها في تخليد ذكراها، همس لها مبتسمًا:
-اسمك جميل أوي
ثم تأمل وجهها وملامحها الطفولية التي قاربت بدرجة كبيرة لملامح والدتها، ردد بصوت خفيض:
-سبحان الله، فولة واتقسمت نصين
حدق “معتصم” في المرآة الأمامية متأملاً وجه ابنته، بالفعل كانت مشابهة لـ “آسيا” كثيرًا، حملت سماتها الجسمانية فبدت نسخة مصغرة عنها، انتبه لسؤال “نبيل” الفضولي:
-فين بابا بقى؟
ردت الصغيرة ببراءة وهي ترفع سبابتها للأعلى:
-فوق!
قطب جبينه متسائلاً باستغراب:
-فوق فين؟
أجابته دون تردد:
-مع عصفور
انتاب “نبيل” الحيرة من ردها الغريب، فسألها مستفهمًا:
-بيعمل إيه معاه؟
ردت بنفس البراءة المحببة:
-يطير فوق
حملق “نبيل” في ابن عمه يسأله بمزاحٍ:
-إنت طلعت مع العصافير امتى يا “معتصم”
تجاهل الأخير الرد عليه مبديًا انزعاجه من مزاحه السخيف، شعر بيده تمتد لتتلمس ظهره بخشونة، احتدت قسمات وجه “معتصم” متسائلاً بضيق:
-إنت بتعمل إيه؟
أجابه بمرحٍ:
-بشوف طلعلك ريش ولا لسه
نهره بتوبيخ شديد وقد قست نظراته:
-بلاش استرخام
علقت الصغيرة ببراءة وهي تنظر بعبوس لوالدها:
-عمو زعلان
صاح باستنكار شديد بعد أن فاض به الكيل من جهل ابنته له:
-مين ده اللي عمو؟ أنا بابا يا “نادية”، بابا! قوليها كتير عشان تحفظيها
كركر “نبيل” ضاحكًا من الموقف برمته، فعلى قدر كونه مخيبًا للآمال إلا أنه كان عفويًا ومرحًا، كز “معتصم” على أسنانه متمتمًا مع نفسه بغيظٍ:
-استغفر الله العظيم، بقيت عمو، عملتي الواجب معايا يا “آسيا” وزيادة!
………………………………………………………
شعرت بصداع ثقيل يعصف بخلايا عقلها المتعبة وقد بدأت في استعادة وعيها، تململت “آسيا” على الفراش محركة رأسها للجانب، فتحت عينيها ببطءٍ لتجد ذلك الطيف المشوش محدقًا بها، رمشت بعينيها لعدة مرات لتعتاد على الإضاءة، اتضحت لها ملامح ذلك الوجه جيدًا، كان “معتصم” يطالعها بنظرات غامضة، هبت منتفضة من نومتها لتلقي نظرة خاطفة على الغرفة، قفز قلبها رعبًا بين ضلوعها بعد أن تأكد لها وجودها بغرفته، سألته بخوفٍ وهي تتراجع للخلف على الفراش:
-أنا إيه اللي جابني هنا؟
أجابها بهدوء مريب:
-أنا يا “آسيا”
صرخت فيه بحدةٍ وهي تنهض على قدميها منزوية بعيدًا عنه:
-إنت عملت فيا إيه؟
رد بنفس الهدوء الملبك للأبدان وهو يدنو منها:
-رجعتك بيتك
هدرت بتشنجٍ:
-ده مش بيتي
هز رأسه بالنفي مصححًا:
-لأ يا “آسيا”، المرادي مش هتهربي مني!
أقبل عليها قاصدًا الإمساك بها، صرخت فيه بجنون:
-ابعد عني
لم يجد “معتصم” صعوبة في الوصول إليها، أحاطها بذراعيه مجبرًا إياها على البقاء تحت حصاره وفي أحضانه، جاهدت لتتملص منه وتتخلص من قبضتيه المحكمتين عليها لكنها فشلت، نظرت له شزرًا هادرة فيه:
-سيبني
شدد من ضمه لها قائلاً:
-لأ
انتبهت لعدم وجود صغيرتها معها فسألته بخوفٍ:
-بنتي فين؟
ثبت نظراته عليها ممتعًا عيناه بقربها الذي افتقده، غلب الشوق غضبه، وهزم الحب مشاعره الانتقامية منها، أرخى ذراعه عنها ليتمكن من تلمس بشرتها، ارتجفت من لمساته الحنون وأغمضت جفنيها متجنبة نظراته التي ضيقت عليها الخناق، عادت لتسأله بصوتها المنفعل رغم تلك الهزة الخفيفة البائنة فيه:
-أنا عاوزة بنتي، هي فين؟
أجابها بابتسامة صغيرة:
-متخافيش مع جدها “وحيد”
أدركت أنه يحاول اتباع طريقته الماكرة في إضعافها، فلجأت إلى جفائها الجامد لتحمي نفسها من تأثيره، رمقته بنظرة حادة صارخة فيه:
-إنت عاوز إيه يا “معتصم”؟
على عكسها كان هادئًا لأبعد الحدود، متماسكًا لدرجة تثير الريبة والشكوك، بادلها بنظرات عميقة قائلاً لها:
-عاوزك يا “آسيا”
توترت من جملته التي أوحت بالكثير، ومع ذلك استنكرت استمالته لها مرددة:
-بأمارة إيه؟ إنت عمرك ما حبيتني!
هز رأسه بالنفي موضحًا:
-غلطانة، جايز أسلوبي كان غلط معاكي من الأول وإنتي عارفة ده ليه، بس إنتي مادتنيش فرصة أصلح غلطي وتعرفي ….
قاطعته بحدةٍ:
-مش مصدقاك، إنت بتكرهني و…
ركز أنظاره عليها هامسًا لها دون أي مقدماتٍ:
-بأحبك
ورغم المفعول السحري لتلك الكلمة العجيبة إلا أنها قاومت تأثيرها الذي أجفل بدنها وأنعش مشاعرها المرهقة، نهج صدرها قائلة بارتباكٍ:
-مش عاوزة أسمع حاجة
تابع همسه المحفز لها:
-“آسيا”، أنا كنت بأموت في بعادك، إنتي معرفتيش أنا كنت بأعمل إيه عشان أوصل لأي حاجة توصلني ليكي
حدقت فيه بحدقتيها المتوترتين وقد بدأت مقاومتها تخبو، مسح بنعومة أشد تأثيرًا على وجنتها ليكمل بعتابٍ لطيف:
-ليه عاوزة تحرمينا من إننا نعيش حياتنا؟
أجابته بصوتٍ شبه مرتجف:
-إنت من الأول حكمت على جوازنا بالفشل، ماتجيش دلوقتي وتقول العكس
حاوط عنقها بكف يده فاقشعر جسدها بالكامل من لمساته الخبيرة عليها، شعر بتلك الرجفة التي انتابتها، ثم مال على أذنها هامسًا لها بصوته العذب قاصدًا أن تحس بأنفاسه الساخنة والناطقة بمشاعره لها:
-كنت غلطان، مريض بالشك وغضبي عميني، ليه ماننساش اللي فات ونبدأ من أول وجديد؟
ردت بصوتها المرتبك وهي تتحاشى اقترابه الذي أوشك على إذابة ما تبقى من مقاومتها:
-عاوزني أمسح كل حاجة كده بأستيكة؟
رد عليها بنفس الهمس الملبك:
-ادينا فرصة نقرب من بعض من أول وجديد ونعرف بعض صح، من غير انتقام ولا كره ولا عداوة
أشعلت أنفاسه الحارة بشرتها فتلون وجهها بحمرةٍ قوية، قبل وجنتها بشفتيه متابعًا حديثه بصوته الخفيض:
-لا إنتي هاتحبي تعيش بنتنا نفس تجربتك مع باباكي، ولا أنا عاوزها تتربى بعيد عن حضني، من حقها إنها تكبر وسطنا وتدوق حنان باباها وحبه، وتشبع من وجود مامتها معاها
أغمضت عينيها بقوة وهي تقاتل ذلك الصراع الدائر بداخلها، ارتجفت من إحساسها بقرب تلمس شفتيه لشفتيها، ألهبتها أنفاسه وهو يضيف:
-احنا الاتنين عاوزين فرصة تانية لينا
تأكدت أنها باتت قاب قوسين أو أدنى من الاستسلام لذلك الإحساس المغري الذي تسرب تحت جلدها وأعاد إليها ما افتقدته من مشاعر عايشتها لمرة واحدة، ابتلعت ريقها مرددة بارتباك:
-عاوزة أشوف بنتي
رد عليها بخفوتٍ:
-مش قبل ما توعديني إنك مش هاتهربي مني يا “آسيا”
تفاجأت به يقبلها من شفتيه متعمدًا تعميق قبلته الحسية لتشعر بما يعصف به من مشاعره، تراجع عنها ليتأمل وجهها الذي أشرق مع جزءٍ مما أرادها أن تتذكره، اعتذر لها هامسًا:
-أنا أسف على كل حاجة
فتحت عينيها لتنظر له بجمودٍ، مال “معتصم” عليها ليقبلها بقوة من جديد مؤكدًا على عمق مشاعره، ابتعد بتمهل عنها ليهمس بأنفاسه المتهدجة:
-بأحبك
اختل كل شيء واختلط بأحاسيسها وعادت لتحلق في حلمها الوردي الذي افتقدته وظنت أنه حلمًا صعب المنال، ردت عليه بصعوبةٍ:
-إنت …
وضع إصبعه على فمه مقاطعًا إياها بصوته الخفيض ونظراته المشتعلة بالرغبة والحب:
-شششش، مش وقت كلام
……………………………….
ابتسمت لها الحياة من جديد وحلقت في فضاء العاشقين متناسية تلك الأوجاع التي أرهقت كاهليها، انغمست “آسيا” في ملذات الحب وأذاقها “معتصم” مشاعره المتيمة التي أشعرتها بالذنب لهجرها له دون أن تفكير عقلاني، كانت بحاجة لاحتواء خوفها، لإكسابها الثقة في الأخرين، للشعور بالأمان، للتنعم بالجو الأسري الدافئ المستقر، كم افتقدت تلك الأمور كثيرًا والتي عايشتها في لحظات مميزة للغاية أشعرتها برغبتها الشديدة لعدم التخلي عنها من جديد، احتضن وجهها براحتيه قائلاً لها بصوته العذب المثير:
-وحشتيني
ردت بابتسامة أشرقت وجهها:
-وإنت كمان
-أنا مكونتش متخيل إني هاتعلق بيكي كده
ابتسمت هامسة:
-ولا أنا كنت أصدق ده
سحبها من يدها ليقول لها:
-طيب تعالي سلمي على بابا
أومأت برأسها موافقة وسارت معه إلى خارج الغرفة، انتبهت لصوت الضحكات الطفولية التي ملأت أركان المكان، سارت بتلهفٍ نحو مصدرها لتجد ابنتها تلهو ببراءة مع جدها “وحيد”، تأملتهما للحظات في صمت عاجزة عن إيجاد التفسير والمبرر الذي يقنعه بسبب تصرفها الأرعن ويحسن من صورتها أمامه، خاصة بعد الذي قدمه لأجلها، فهو لا يستحق منها ذلك، رفع الأخير عينيه نحوها مرحبًا بها بودٍ:
-حمدلله على السلامة يا “آسيا”
خجلت منه فأطرقت رأسها قائلة بحرج كبير:
-ازي حضرتك؟
أمرها “وحيد” بهدوءٍ:
-بصيلي يا “آسيا”
نظرت له بتوترٍ فتابع قائلاً بجدية:
-احنا مش هنتعاتب، لأن الكل غلطان، بس أتمنى إنك تكوني فهمتي إن “معتصم” لسه متمسك بيكي بعد اللي حصل!
تحركت رأسها عفويًا نحو زوجها الذي كان في حالة انتشاء واضحة بسبب مدح والده له، عززت كلماته الطيب الموقف وخففت من وطأة العتاب القاسي، تهللت أسارير “معتصم” صائحًا ببسمة متسعة:
-أخيرًا، الله يكرمك قول كمان كلمتين حلوين في حقي
ركضت الصغيرة “نادية” نحو والدتها هاتفة:
-مامي!
انحنت “آسيا” نحوها لتحملها بين ذراعيها، ضمتها إلى صدرها وهي تدور بها بسعادة، ثم توقفت عن الدوران لتقبلها بعطف أمومي كبير من وجنتيها:
-“نادو”
علق “وحيد” على اسمها قائلاً بنبرة شبه متأثرة وقد ترقرقت عبرة حزينة في عينه:
-إنتي مش متخيلة إحساسي عامل إزاي وإنتي مسمياها “نادية”، خلتيني أتعلق بيها أوي
نظرت له “آسيا” بأسفٍ حزين، فاسم صغيرتها يعد تخليدًا لذكرى والدتها الراحلة، تنهدت بعمقٍ ثم التفتت نحو “معتصم” الذي لف ذراعه حول كتفيها ليقربها إليه، ابتسم مضيفًا:
-ولسه يا بابا لما تقعد معانا وتعرف جدها أكتر
ثم سلط أنظاره على صغيرته قائلاً:
-هاتي “نادو” أشيلها شوية
ناولتها إياه دون جدال ليشعر “معتصم” بأنه امتلك الدنيا وما فيها وهو يضم صغيرته إليه، مال برأسه للجانب ليطبع قبلة أبوية على وجهها، لكن بادرت الصغيرة “نادية” بخدشه بعنف وكأنها تتقاتل معه، أمسك بقبضتها الصغيرة متعجبًا من ردة فعلها:
-آي، طب ليه كده بس؟
تشكل على ثغر “آسيا” ابتسامة عابثة معلقة عليه:
-مابتحبش حد يبوسها
ضيق نظراته معترضًا:
-بس أنا باباها
هزت كتفيها قائلة بدلال واثق:
-مش مبرر يا “معتصم” بيه
هز رأسه بالإيجاب مرددًا بعبوسٍ زائف:
-عندك حق
ثم وزع نظراته بين الاثنتين راسمًا على وجهه ابتسامة بشوشة، تمنى في نفسه أن تسود السعادة جدران ذلك المنزل الذي افتقد تلك الأجواء الدافئة، فعلاقته لم تكن بالسهلة المفهومة، هي كانت المعنى الحرفي للتعقيد والتشابك، فلو تسرع في قراره وانفصل عنها مثلما رغبت لما كسب ثقتها بسرعة حينما تأكدت من تمسكه بها رغم هجرها له لفترة طويلة باحثًا عنها في كل حدب وصوب، والأهم من ذلك نبذه للعنف والعدائية مستعيضًا عنه بالود وإظهار الحب الشغوف، تشكلت علامات الرضا على وجه “معتصم”، فقد حان الوقت لنسيان الماضي بما فيه، عادت الصغيرة “نادية” لخدشه وهي تضحك بعبثٍ، تنهد قائلاً باستياء:
-تاني؟ شكلك هاتتعبيني زي مامتك!
ورغم توقعه لحدوث المصادمات لاحقًا مع “آسيا” على أبسط الأمور لكونها تناقضه في كل شيء، لكنه كان على استعداد كبير لخوض ذلك بأريحية والتمتع معها بنقاشاتهما الهادئة والمحتدمة، بل وربما ستحوي في بعض الأحيان لمحات بربرية تذكرها بقوته معها وتحذره في نفس الآن من شراستها العنيدة التي يمكن أن تودي به للهلاك ………… !

(تمت)

النهاية ♥♥

error: